هداية الطالب إلى أسرار المكاسب جلد الأول ::: 1 ـ 10

هداية الطالب إلى أسرار المكاسب
الجزء الأوّل‏


(1)
    [ مقدمة في التيمن ببعض الروايات‏ ]
    [ القول في شرح رواية التحف‏ ]
    [ أمّا سندها ]
    هذا هو الجزء الأول من كتاب هداية الطالب إلى أسرار المكاسب شرح لطيف على كتاب المكاسب لشيخنا الأجل أستاد الأساتيد العظام المحقق الحاج شيخ المرتضى الأنصاري قدّس سره قد علقها المولى الأجل علم العلم والتقوى والدّين غوث الفقهاء والمجتهدين فخر المتأخرين أستادنا الأعظم الفقيد السّعيد الحاجّ ميرزا فتاح الشّهيديّ التّبريزي قدّس سره وأفاض على تربته شآبيب رحمته بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا سيّد الأنبياء محمّد وآله الطّاهرين ولعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين أمّا بعد فاعلم أنّه لمّا كانت رواية حسن بن عليّ بن شعبة في كتاب تحف العقول الواردة في عدد جهات معايش العباد وبيان وجوه الحلال والحرام الّتي حكاها غير واحد عن رسالة المحكم والمتشابه ونقلها في الوسائل واستند إليها في الحدائق وسيد الرّياض ومفتاح الكرامة معروفة بين المشتغلين بالإشكال والاضطراب إعرابا ومشهورة بالصّعوبة فهما والغرابة تكرارا حتّى نقل عن بعض القطع بأنّها ليست عين ألفاظ المعصوم وإنّما نقلت بالمعنى وقال بعض إنّه من حيث اشتماله على التّشقيق والتّقسيم كأنّه من قبيل كتب تصنيف أرباب التّصنيف ولم أر من تعرّض بسندها وشرحها على نحو يخرج عن العهدة كما هو حقّه وظنّي أنّه في غالب الفقرات إنّما هو لوقوع الغلط في بعض فقراتها والسّقط في الآخر فأحببت أن أتعرّض أوّلا لسند الرّواية ثمّ أنقلها بتمامها عن أصل نسخة تحف العقول وأشرحها على ما يخطر ببالي تسهيلا للأمر على بعض الطّالبين فكتبت فقرات الرّواية وجعلت فوق كلّ فقرة خطّا على عرض الصّفحة لتمييزها عن شرحها أمّا الكلام في سندها فنقول إنّه قد يقال بل قد قيل بأنّه لا بدّ في اعتبار الخبر وحجيّته من اجتماع أمور ثلاثة أحدها كون الخبر مسندا صحيحا أو موثّقا أو حسنا ، ثانيها كونه في كتاب متيقّن الانتساب إلى مصنّفه بالتّواتر أو بطريق معتبر غير التّواتر ، ثالثها كون مصنّف ذاك الكتاب ثقة مميّزا بين صحيح الخبر وسقيمه ولا أقلّ من اجتماع الأمرين الأخيرين ولا يخفى انتفاؤهما بل انتفاؤها في هذه الرّواية أمّا الأوّل فلإرسالها وأمّا الثّاني فلعدم العلم لا بالتّواتر ولا بالسّند الصّحيح أنّ كتاب تحف العقول كان للحسن وأنّه من مصنّفاته وأمّا الثّالث فلأنّه غير معروف وليس له ذكر في كتب القوم إلا أنّه حكي عن المجلسي في أوّل البحار أنّه قال إنّي عثرت على نسخة عتيقة لحسن بن عليّ بن شعبة يدلّ نظمها على رفعة شأن مؤلّفها وعن أمل الآمل لصاحب الوسائل والفرقة الناجية للقطيفي معاصر المحقّق الثّاني ومجالس المؤمنين للقاضي نور اللَّه قدّس سرهم أنّه عالم فاضل جليل والظّاهر أنّ منشأ مدح الأوّلين هو القاضي قدّس سره وفي سفينة البحار للمولى المحدّث الشّيخ عبّاس القمي قدّس سره في باب الشّين بعده العين ما لفظه ابن شعبة الحرّاني أبو محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة كان ره عالما فقيها محدّثا جليلا من مقدّمي أصحابنا صاحب كتاب تحف العقول وهو كتاب نفيس كثير الفائدة قال الشّيخ الجليل العارف الرّبّاني الشّيخ حسين بن عليّ بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق والسّلوك إلى الملّة على طريقة أهل البيت عليهم السّلام في أواخرها ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثا عجيبا وافيا شافيا عثرت عليه في كتاب تحف العقول للفاضل النّبيل الحسن بن عليّ بن شعبة من قدماء أصحابنا حتّى إنّ شيخنا المفيد قدّس سره ينقل عن هذا الكتاب وهو كتاب لم يسمح الدّهر بمثله انتهى ثمّ قال وصرّح الشّيخ الجليل النّبيل الشّيخ إبراهيم القطيفي في كتاب الفرقة النّاجية وشيخنا الحرّ في أمل الآمل بأنّ كتاب التّمحيص له وإلى ذلك مال صاحب رياض العلماء وعلى هذا فهو القائل فيه حدّثنا أبو علي محمّد بن همام ومحمّد بن همام كان من أهل بغداد ثقة جليل القدر يروي عنه التّلعكبري ومات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة فابن شعبة رضوان اللَّه عليه من أهل طبقته واللَّه العالم انتهى صاحب رياض العلماء هو الآميرزا عبد اللَّه الأفندي التّبريزي ره وكيف كان فلا يخفى أنّ مثل ما ذكره في البحار لا يدلّ على التّوثيق غاية ما يدلّ عليه إنّما هو كثرة العلم إلا أن يقال إنّه لا يلزم في نسبة الكتاب إلى‏


(2)
أحد العلم بكونه له بالتّواتر ونحوه بل يكفي الاطمئنان به وذلك يحصل من نسبة المجلسي قدّس سره له إليه في العبارة المتقدّمة عنه وكذا صاحب الوسائل مع تصريحه بعلمه بصحّة نسبته إليه فإنّه قال في خاتمة الوسائل ما هذا لفظه الفائدة الرّابعة في ذكر الكتب المعتمدة الّتي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب وشهد بصحّتها مؤلّفوها وغيرهم وقامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلّفيها أو علمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شكّ ولا ريب كوجودها بخطوط أكابر العلماء أو تكرّر ذكرها في مصنّفاتهم وشهادتهم بنسبتها وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة وغير ذلك ثمّ عدّ جملة من الكتب إلى أن قال كتاب تحف العقول عن آل الرّسول تأليف الشّيخ الصّدوق الحسن بن عليّ بن شعبة انتهى هذا مضافا إلى معروفيّة نسبته إليه ولو لم يكف ما ذكرنا وكان اللازم في حجيّة الخبر الموجود في كتاب هو العلم بانتساب الكتاب إلى مصنّفه أو وجود سند معتبر إليه بالنّسبة إلى المستدلّ للزم عدم صحّة الاستدلال بأكثر كتب الأحاديث بالنّسبة إلى أكثر النّاس كما هو واضح وهو باطل جزما وبالجملة لا ينبغي الإشكال في كون التّحف له قدّس سره وأمّا مسألة التّوثيق فهو وإن كان لا يدلّ عليه المدح المذكور إلا أنّه يكفي فيه توصيف صاحب الوسائل بأنّه الشّيخ الصّدوق كما عرفت بل واعتماده على توثيقه كما في ترجمة المفضّل بن عمر وكذا نقله عنه مع التزامه بعدم النّقل عن كتاب لم يثبت كونه معتمدا عليه عنده فضلا عن كونه ضعيفا هو أو مؤلّفه حيث إنّه قال في الفائدة المذكورة من الخاتمة بعد ذكر جملة من الكتب الّتي هذا منها ما هذا لفظه وغير ذلك من الكتب الّتي صرّحنا بأسمائها عند النّقل عنها ويوجد الآن كتب كثيرة من كتب الحديث غير ذلك لكنّ بعضها لم يصل إليّ نسخة صحيحة وبعضها ليس فيه أحكام شرعيّة يعتدّ بها وبعضها ثبت ضعفه وضعف مؤلّفه وبعضها لم يثبت عندي كونه معتمدا انتهى فلا بدّ أن يكون هذا الكتاب ممّا ثبت عنده قدّس سره قوّته وقوّة مؤلّفه أي وثاقته ويمكن استفادة ذلك ممّا حكاه في روضات الجنّات عن الفرقة النّاجية من توصيفه بالعمل مضافا إلى توصيفه بالفضل والعلم والفقه والنّباهة لأنّ المراد من العمل هو العمل بأحكام الشّرع فعلا وتركا ومن المعلوم أنّ هذا موجب للعدالة فلم يبق من وجوه الضّعف إلا الإرسال ولا يخفى أنّه بما هو ليس سببا للضّعف بناء على ما نسب إلى الأشهر من حجيّة الخبر الموثوق بالصّدور كما أنّ مقابله لا يوجب الاعتبار بل من جهة ملازمته غالبا لعدم حصول الوثوق وحينئذ يمكن أن يقال بحصول الوثوق لصدور تلك الرّواية من مجموع أمور أحدها توثيق صاحب الوسائل لمؤلّف كتاب تحف العقول فإنّ وثاقته تمنع عن حذف الأسناد والوسائط ونسبة الحديث إلى الإمام عليه السلام مع عدم وثوقه بها فلا بدّ من أن تكون موثّقة عنده فتأمّل فإنّ مجرّد وثوقه بها لا يجدي فإنّ اللّازم هو وثوق المستدلّ بالرّواية برواتها ولا يحصل ذلك بوثوق المؤلّف بالوسائط المحذوفة ضرورة عدم الملازمة بين وثوق شخص بشخص وبين وثوق شخص آخر به ومن هنا يمكن أن يستشكل على ما هو المعروف بين أرباب الاستدلال من أنّ مراسيل ابن عمير قدّس سره كمسانيده إذ جلالة شأنه ورفعة منزلته لا يوجب إلا أنّه لا ينقل إلا عن من هو يثق به ولا يلازم ذلك لكونه موثوقا به عند كلّ من يستدلّ بها وثانيها وجوده في المحكم والمتشابه للسّيّد قدّس سره الّذي لا يعمل بخبر الواحد كما في الحدائق والجواهر إلا أنّه قد يمنع عن ذلك فلا بدّ من الملاحظة وثالثها عمل الأصحاب بمضمونه والإفتاء بمفاده لكن فيه أنّ الّذي ينجبر به الخبر على تقدير ضعفه استناد الأصحاب إليه في فتواهم لا صرف الموافقة في المؤدّى وهو غير معلوم هذا بناء على كون المدار في حجيّة الرّواية هو صفة الرّواية وكونها مظنون الصّدور وأمّا بناء على كون المدار فيها صفة الرّاوي وكونه عدلا أو ثقة فلا يكفي في العمل بالخبر الضّعيف استناد المشهور إليه في فتواهم أيضا فضلا عن مجرّد موافقته للشّهرة ولعلّ الأوّل هو الأظهر هذا ما نرجع إلى سندها وملخّصه عدم ما يوجب اعتبارها من حيث الإرسال كي يرفع بها اليد عمّا يدلّ على الجواز تكليفا ووضعا من الأصول العملية
    و اللّفظيّة فتأمّل جيّدا
    و أمّا متنها
    فهي هذه سأله ( يعني الصّادق عليه السّلام ) سائل فقال كم جهات معايش العباد كم استفهاميّة مقداريّة خبر الجهات جمع جهة بمعنى الطّريق والوسيلة والسّبب قدّم للصّدارة والإضافة في كلا الموضعين لاميّة والمضاف إليه الجهات المضاف إلى المعايش مثل لفظ تحصيل واكتساب محذوف والتّقدير كم جهات اكتساب معايش العباد وتحصيله والمعيشة من العيش بمعنى الحياة فالمراد بها ما يتوقّف عليه حياة العباد من المأكولات والمشروبات والملبوسات ونحو ذلك بل الظّاهر بملاحظة قوله عليه السلام في ذيل تفسير التّجارات المحلّلة ويملكون ويستعملون من جهة ملكهم أنّ المراد من المعايش هنا أعمّ منها ومن مقدّماتها كآلات الزّرع والسّقي والنّسج وغيرها ثمّ إنّ الظّاهر منها ما يتوقّف عليه بقاء العباد فلا يشمل ما يتوقّف عليه أصل وجودهم كالمناكح إلا أن يقال نعم لو خلّي وطبعه ولكن مقتضى قوله عليه السلام في ذيل تلك الفقرة وينكحون شموله لذلك أيضا لا يقال لا يجري في المناكح جميع الجهات الأربع المذكورة في الحديث من الولايات والتّجارات والإجارات والصّناعات فإنّه يقال هذا غير لازم بل يكفي فيه جريان بعضها الّتي فيها الاكتساب والتّعامل بينهم فيها متعلّق بيكون المقدّر وضميره راجع إلى الجهات وعطف التّعامل على الاكتساب المراد منه استرباح من عطف السّبب على المسبّب لأنّ التّعامل سبب ومقتض للاسترباح والموصول مع الصّلة صفة للجهات ولأجل هذا التّوصيف والتّقييد خرج من جهات المعايش مثل التّعيّش بالأخماس والزّكوات وسائر الوجوهات ونحوها ممّا ليس من باب التّعامل بين العباد وبعد الالتفات إلى التّوصيف المزبور لا يبقى مجال للإيراد على الرّواية بأنّ المعايش لا ينحصر في الجهات‏


(3)
الأربع لوجود جهات أخرى غيرها وذلك لأنّه ناش عن الغفلة عن التّوصيف المزبور الموجب لاختصاص المقسم بجهات المعاش المقيّدة بكونها من المعاملات وهي أربعة لأنّ غيرها من طرق المعايش ليس من قبيل التّعامل بين العباد فملخّص معنى الفقرة المتقدّمة أنّه كم أسباب تحصيل الأشياء الّتي يتوقّف عليها أنفسها أو مقدّماتها حياة العباد الّتي يكون مواقع للاكتساب والتّعامل بينهم بعضهم مع بعض فقال عليه السلام في جواب السّائل جميع جهات المعايش كلّها من ابتدائيّة ونشوئية متعلّقة بمحذوف هو صفة للمعايش وإضافة وجوه بمعنى العناوين إلى المعاملات لاميّة والغرض من توصيف المعايش بذلك هو حصول التّطابق بين الجواب والسّؤال الّذي قد مرّ أنّ جهات المعايش فيه مقيّدة بكونها في التّعامل وأنّ فائدة التّقييد هو الاحتراز عن المعايش النّاشئة من غير تلك الوجوه مثل ما مرّ ومثل الدّعاء والعبادة كما اتّفق ذلك لبعض الزّهّاد في القرون الماضية فيما بينهم صفة للمعاملات ممّا يكون ( لهم كذا في البحار ) فيه المكاسب ( جمع مكسب بمعنى الاكتساب ) وبيان للمعاملات أربع جهات خبر الجميع فقال ( له كذا في البحار يعني للصّادق عليه السّلام ) السّائل أ كلّ أقسام هؤلاء الأربعة الأجناس أي الجهات ولعلّ التّعبير عنها بالأجناس للإشارة إلى أنّ كلّ واحد من تلك الجهات والأسباب وطرق تحصيل المعاش جنس له أنواع وأصناف حلال يجوز للعباد التّوصل بها إلى تحصيل تلك المعايش أو كلّها حرام لا يجوز لهم ذلك أو مختلف بعضها بجميع أنواعه حلال وبعضها كذلك حرام فقال عليه السلام لا هذا ولا ذاك ولا ذلك بل هناك شقّ آخر فإنّه قد يكون في كلّ واحد من هؤلاء الأجناس الأربعة حلال من جهة وحرام من جهة فتكون كلّ واحد منها على قسمين قسم حلال وآخر حرام وهذا غير ما ذكره السّائل وهذه الأجناس مسمّيات لها أسام بين العباد يعبّرون بها عنها من الولاية والتّجارة والإجارة والصّناعة معروفات الجهات والكيفيّات فأوّل هذه الجهات الأربع على وجه الإجمال من دون تعرّض لبيان الحلال والحرام من كلّ واحد منها هنا وإنّما تعرّض عليه السلام بذلك بعد هذا بقوله وأمّا تفسير الولايات إلى آخره هو الولاية وتولية بعضهم على بعض والأوّل مصدر المجرّد والثّاني مصدر المزيد ولكن من المبنيّ للمفعول وإضافته إلى البعض من إضافة المصدر إلى المفعول والولاية بمعنى القرب وله أقسام لأنّه قد يكون من حيث الخارج وقد يكون من حيث النّسب ومنه فلان مولى فلان بمعنى ابن العمّ وقد يكون من حيث المحبّة ومنه اللَّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وقوله ووليّ لمن والاكم وقد يكون من حيث الإحاطة والرّئاسة والسّيادة ومنه قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقوله صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه والمراد من الولاية هنا هو القسم الأخير وهو القرب الإحاطي أعني الرّئاسة ولذا عديت بعلى في قوله على بعض يعني فأوّل الجهات جهة رئاسة بعض النّاس على بعض وسلطنته عليه في باب من الأبواب وأمر من الأمور ولعلّ الوجه في تقديم جهة الولاية على سائر الجهات أنّ الولاية ممّا يتوقّف عليها غيرها ضرورة أنّه لولاها لوقع الاختلاف بين النّاس وكثر الهرج والمرج وظهر الفساد في البرّ والبحر فينسدّ باب التّكسّب والتّجارة كما اتّفق أعلى مراتب ذلك في أوان اشتغالي بكتابة ذلك وهي سنة ثلاثمائة وستّ وعشرين بعد الألف من الهجرة النبويّة على هاجرها آلاف الثّناء والتّحيّة بحيث لا يمكننا بيانه وقد أصبت في تلك السّنة المشومة بشهادة والدي المغفور 1326 قدّس سرّه الشّريف بيد من لا داعي لي إلى ذكره ولأجل ما ذكرنا من توقّف سائر جهات المعايش على الولاية قال أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام في محكيّ كلامه عليه السلام في نهج البلاغة في جواب قول الخوارج لا حكم إلا للّه ما هذا لفظه كلمة حقّ يراد بها الباطل نعم إنّه لا حكم إلا للّه ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا للّه وإنّه لا بدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويتمتّع فيها الكافر ويبلغ اللَّه فيها الأجل ويجمع فيها الفي‏ء ويقاتل بها العدوّ وتأمن به السّبل ويؤخذ به للضّعيف من القويّ حتّى يستريح برّ ويستراح من فاجر انتهى والألف واللّام في قوله فالأوّل للعهد الذكري‏ .
    و الفائدة في إعادته إفادة عموم الولاية بالنّسبة إلى ولاية الولاة والسّلاطين وولاية ولاة الولاة المنتهية إلى أدناهم وأدونهم بابا مفعول فيه للولاية أي في باب من أبواب الولاية وشئونها ممّا يرجع إلى حفظ ظاهر المملكة المتوقّف على الولاية من حفظ الطّرق والسّيّارات عن الآفات وأخذ شي‏ء باسم الخراج والمقاسمة من الأراضي الخراجيّة بل باسم الماليات من جميع الأراضي من دون ملاحظة الخراجيّة وغيرها كما هو المرسوم في إيران ورئاسة البلد والدّار وعنه أي رئاسة حفظ السّوق وأخذ القمرك إلى غير ذلك ممّا لا بدّ منه في حفظ النظام عند السّلاطين والولاة وفي نظرهم والجارّ في قوله على من هو وال عليه متعلّق بالولاية المضافة إلى الولاة والضّمير المرفوع راجع إلى الولاة وولاة الولاة باعتبار كلّ واحد واحد ثمّ التّجارة مصدر ثان لتجر يتجر تجرا وتجارة وعن بعض أنّه لا يكاد يوجد التّاء الأصليّة المتعقّبة للجيم في كلمة غيرها إلا نتج ورتج والمعروف من موارد استعمالها في الفقه أربعة مطلق المعاوضة ولو لغير الاسترباح ومطلق المعاوضة لخصوص الاسترباح ومطلق البيع والشّراء ولو لغير الاسترباح والاكتساب والاسترباح بخصوص البيع والشّراء من بين أسباب الاكتساب ولعلّ هذا الأخير هو الظّاهر منها عرفا وهو المراد منها هنا في جميع أصناف البيع والشّراء والظرف مستقرّ متعلّق بالحاصلة والموجودة صفة للتّجارة بعضهم بالجرّ على البدليّة من المضاف إليه المحذوف المعوّض عنه بالألف واللّام في البيع والشّراء أعني العباد من بعض متعلّق بالبيع والشّراء على سبيل التّنازع ثمّ الصّناعات جمع صناعة ككتابة اسم لقوله صنعت الشّي‏ء أصنعه صنعا بالفتح والضّمّ عملته في جميع صنوفها جمع صنف بالفتح بمعنى النّوع كما أنّ الأصناف جمعه بالكسر بذاك المعنى‏


(4)
    قال في المصباح حاكيا عن الجوهري الصّنف الضّرب والنّوع وهو بكسر الصّاد وفتحها لغة حكاه ابن السّكيت وجماعة وجمع المكسور أصناف مثل حمل وأحمال وجمع المفتوح صنوف مثل فلس وفلوس انتهى يعني في جميع ضروبها وأنواعها من الكتابة والحساب والتّجارة والحدادة والزّراعة والعمارة وإجراء القنوات وإحياء الموات وحيازة المباحات إلى غير ذلك ممّا يطلق عليه الصّناعة عرفا فيما يظهر عن حاشية سيّدنا الأستاد دام ظلّه من خروج بعض ما ذكر من عنوان الصّناعة حيث أدرجه فيه بصيغة التّرجي لم يقع في محلّه ثمّ الإجارات في كلّ صنف ممّا يحتاج إليه العباد من الإجارات ولا يخفى عليك إجمالا أنّ كلّ هذه الصّنوف تكون حلالا من جهة وبعنوان وحراما من جهة أخرى وبعنوان آخر والفرض الواجب من جانب اللَّه على العباد في هذه المعاملات الأربعة على تقدير إقدامهم على تحصيل المعاش بها واختيارهم لها على غيرها هو الدّخول في جهات الحلال منها أي من تلك المعاملات والعمل بذلك الحلال واجتناب جهات الحرام منها ولا يخفى أنّ ظاهر وجوب اجتناب جهات الحرام بل صريحه أنّ الحرمة في المعاملات المحرّمة ليست وضعيّته محضة وأمّا أنّها تكليفيّة صرفة أو أعمّ منها ومن الوضعيّة فسيأتي الكلام فيه وأنّ الظّاهر هو الثّاني وكيف كان فلمّا فرغ عن الإجمال شرع في تفصيل الجهات الأربع من حيث الحلال والحرام بقوله أمّا تفصيليّة شرطيّة تفسير مبتدأ مضاف إلى معنى الولايات فهي مبتدأ خبرها جهتان أي نحوان والجملة خبر التّفسير وجواب أمّا فإحدى الجهتين أعني الجهة الحلال من الولاية ولاية ولاة العدل والظّاهر أنّ المراد بهم هو الأنبياء والأئمّة عليه السلام وذلك لأنّهم الّذين أمر اللَّه تعالى العباد بولايتهم ومودّتهم حيث قال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ وأمرهم أنفسهم بتوليتهم على النّاس والمباشرة لأمورهم والتّصدي لحفظهم فالتّولية من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل عطف على الولاية المضافة إلى المفعول فيكون مجرورا بالباء أيضا متعلّقا بأمر هذا مضافا إلى ما يستفاد من المنقول عن المحكم والمتشابه على ما سيأتي نقله من أنّ التّكسّب بالولاية بالنّسبة إلى الوالي العادل الأصيل إنّما هو بأخذ ما أعدّ له من نصف الأخماس ومن المعلوم أنّ من أعدّ له ذلك وجاز له أخذه بسبب الولاية إنّما هو الإمام عليه السلام لا غير وأمّا جواز أخذ غيره له من المنصوبين من قبله عليه السلام خصوصا كالولاة في زمن سلطنة الأمير عليه السلام أو عموما كالفقيه في زمان الغيبة بناء على عموم أدلّة النّيابة لأمثال ذلك الّذي هو عندنا مشكل بل ممنوع على ما ستطلع عليه إن شاء اللَّه في محلّه فهو من شئون ولاية الإمام عليه السّلام وولاية ولاة ولاته إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه شرح هذه الفقرة يعلم من ملاحظة ما سبق والجهة الأخرى الحرام من الولاية والإمارة إنّما هي ولاية ولاة الجور وولاة ولاتهم يعني ولاة الجور إلى أن ينتهوا إلى أدناهم بابا من الأبواب أي أبواب الولاية على من هو وال عليه قد مرّ شرح هذه الفقرة فراجع ولمّا قسّم الإمام عليه السلام الولاية على قسمين وذكرهما بقوله فإحدى الجهتين إلى آخره ولم يبيّن أنّ أيّا منهما حلال أو حرام فتصدّى لبيان ذلك وقال فوجه الحلال من الولاية ولاية وإمرة جنس الوالي العادل الشّامل لجميع الأئمّة الّذي أمر اللَّه النّاس بمعرفته وولايته أي مودّته ومحبّته كما في الحديث من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة هذا وكذا قوله عليه السلام والعمل له في خصوص ولايته وإمرته بالجهاد تحت لوائه ودفع أعدائه وأمثال ذلك عطف على المعرفة قد يقال بل قيل إنّ ذكر ولاية الوالي الأصيل في المقام من باب الاستطراد نظرا إلى أنّ الولاية الّتي يمكن عدّها من وجوه المعايش هي الولاية من قبل الوالي الأصيل لا ولاية نفسه ولكن لا يخفى ما فيه إذ ليس الغرض عدّ الولاية من نفس المعايش وإلا لما صحّ عدّ الولاية من قبل الأصيل منها أيضا ضرورة أنّها ليست بمعيشة بل يشكل الأمر في الصّناعات أيضا كما هو ظاهر بل المراد جعلها كسائرها من وجوه المعايش ووسائلها ولا ريب أنّ ولاية الأصيل ممّا يمكن أن يتوصّل به إلى الرّزق والمعيشة حيث إنّ اللَّه تعالى جعل للوالي العادل ما يعيش به من القطائع وصفايا الملوك ممّا يغتنم‏
    من الكفّار بالجهاد فتأمّل وولاية بالرّفع عطف على ولاية الوالي العادل أضيفت إلى ولاته أي الوالي العادل وإنّما عطف عليه السلام ولاة ولاته على ولاته مع عدم سبق ذكر له بالخصوص لأجل التّصريح على بعض ما علم ضمنا من قوله عليه السلام إلى أدناهم بابا إلى آخره بجهة متعلّق بالولاية المضافة إلى الوالي العادل والباء الجارّة بمعنى في وإضافتها إلى الموصول في ما أمر اللَّه بيانيّة به أي بالولاية فيه والوالي العادل مفعول لأمر بلا زيادة فيما أنزل اللَّه ولا نقصان منه ولا تحريف لقوله ولا تعدّ لأمره إلى غيره والأوّلان من الضّمائر المجرورة راجعان إلى الموصول فيما أنزل اللَّه والبواقي راجعة إلى اللَّه تعالى ثمّ إنّ تقييد الولاية بما ذكر للإشارة إلى أنّ التخلّف عمّا أمر اللَّه تعالى كمّا وكيفا زيادة ونقيصة يوجب الانعزال عن وجه الحلال من منصب الولاية وزواله فإذا صار تفريع لما ذكر الوالي الموصوف بما مرّ والي عدل خبر صار بهذه الجهة الّتي أمر اللَّه تعالى بالولاية فيها فالولاية له أي لذاك الوالي العادل بلا واسطة أو معها فيعمّ ولاية ولاية الولاة والعمل معه ومعونته من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول والفاعل وهو النّاس محذوف في جهة راجعة إلى ولايته وتقويته عطف على المعونة يعني عمل النّاس واشتغالهم وسعيهم معه وإعانتهم له فيما يرجع إلى ولايته حدوثا وبقاء واستحكاما بأيّ شي‏ء كان من الأعمال الغير المحرّمة بالذّات كلّ ذلك حلال محلّل لعلّ الفرق بينهما أنّ المراد من الأوّل تجويز الفعل بدون إقامة الدّليل على جوازه والمراد من الثّاني هو تجويزه مع إقامة الدّليل عليه كما يظهر من أمين الإسلام الطّبرسي في تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الآية ما هذا لفظه التّحريم هو المنع من الفعل بإقامة الدّليل على وجوب تجنّبه وضدّه التحلّل وهو الإطلاق في الفعل بالبيان على جوازه وعلى هذا فالمراد من الحرام مقابل المحرّم هو المنع عن الفعل‏


(5)
بدون إقامة الدّليل عليه ويحتمل أن يراد من الأوّل الحلال عقلا ومن الثّاني الحلال الشّرعي يعني حلال عقلا وإمضاء الشّرع ويمكن أن يكون الثّاني لمجرّد التّأكيد وكيف كان فكما أنّ أصل الأعمال المذكورة من الولاية والعمل والإعانة لهم حلال بالأصل كذلك حلال الكسب أي كسب النّاس بها معهم وأخذ الأجرة عليها منهم وجمع الضّمير باعتبار الولاة والوجه في حلّيّة ذلك الّذي ذكر أنّ في ولاية جنس والي العدل وكذا في ولاية ولاته وهكذا إلى أدناهم من حيث الاقتضاء بحيث لو لا المانع لتحقّق إحياء كلّ حقّ وكلّ عدل وإماتة كلّ ظلم وجور وفساد فلذلك أي لأجل أنّ في ولايته تلك الأمور المذكورة كان السّاعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ولو بتكثير سواد عسكره ساعيا في طاعة اللَّه تعالى مقوّيا لدينه قوله وأمّا وجوه ( وجه كذا في البحار ) الحرام من الولاية عطف على قوله فوجه الحلال فولاية الوالي الجائر جواب أمّا والمراد من الوالي الجائر هو الوالي الكبير أي السّلطان والشّاه وولاية ولاته أي الجائر الرّئيس بالجرّ بدل بعض من الولاة وضمير الجمع في منهم راجع إلى المبدل منه كما فيما فعلوه إلا قليل منهم وأتباع الوالي جمع تبع كأسباب جمع سبب عطف على ضمير الجمع المجرور وقد وقع الخلاف في جواز ذلك وعدمه فجمهور البصريّين على الثّاني وإليهم أشار ابن مالك بقوله‏
و عود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازما قد جعلا
    و الكوفيّون ويونس والأخفش والزّجاج على الأوّل وتبعهم ابن مالك حيث قال بعد البيت المذكور
و ليس عندي لازما إذ قد أتى في النّظم والنّثر الصّحيح مثبتا
    و هذا هو التّحقيق وكفى شاهدا على ذلك قوله تعالى تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ كما في قراءة جماعة منهم حمزة وابن عبّاس وقتادة وقوله عليه السّلام في زيارة عاشوراء أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلّى اللَّه عليه وآله بدون إعادة الخافض في عطف الآل على الضّمير حيث إنّ الكلمات الصّادرة عنهم سيّما في الدّعاء كافية في إثبات العربيّة واللّغة ضرورة أنّهم عليه السلام ليسوا أدون من إمرئ القيس والفرزدق وأخطل وكثير وغيرهم من الشّعراء والمراد من الأتباع غير الولاة من قبله كالخدمة ورؤساء العسكر وأمرائهم وغير ذلك ممّن ليس بيده ما يرجع إلى سياسة الرعيّة فمن موصول عطف على الرّئيس والعطف بالفاء إنّما هو بلحاظ تأخّر ما بعدها عمّا قبلها من حيث الرّتبة دونه أي دون الرّئيس من ولاه الوالي يعني وولاية من هو رئيس ولاة الوالي الجائر والسّلطان وسائر أتباعه من غير طبقة الولاة والحكّام وولاية من هو دون هذا الرئيس في الرتبة إلى أدناهم الضّمير راجع إلى الولاة وبابا منصوب بنزع الخافض أي في باب من أبواب الولاية على من هو وال عليه من آحاد النّاس كالقائم المقاميّة والمديريّة فإذا حرمت الولاية فالعمل يعني نفس عمل النّاس لهم بما هو عمل وفعل من الأفعال مثل شرب الخمر وكذلك الكسب معهم وأخذ الأجرة منهم ولكن بجهة ثبوت الولاية لهم وتعنونهم بها لا بجهة أنّهم من آحاد النّاس وإلا لم يكن حراما إلا أن يعدّ العامل من عمّالهم وممّن فوّض إليه أمر من أمورهم كما يدلّ عليه ما يأتي في تفسير الإجارة المحلّلة من التّقييد بقوله من غير أن يكون وكيلا للوالي أو واليا على ما نشرحه إن شاء اللَّه ويحتمل تقدير الثّبوت بمعنى أن يثبت كي يفيد التّجدّد أي بجهة إثبات الولاية لهم لا بجهة أمر آخر غير ذلك حرام ومحرّم قد علم الكلام في الفرق بينهما من شرح قوله في أوائل الحديث حلال محلّل فراجع وممّا يترتّب على حرمته أنّه معذّب من فعل ذلك أي ذلك العمل والكسب على قليل من فعله وكثير منه لأنّ كلّ شي‏ء من جهة المعونة لهم في جهة ولايتهم ولو بأخذ الركاب وما هو أهون من ذلك بكثير معصية كبيرة من الكبائر اللَّهمّ احفظنا من المداخلة في أمثال ذلك فإنّا رأينا ممّن له حسن الظّاهر وكان موثوق به عند النّاس ما رأيناه ممّا يعجز القلم عن بيانه والوجه في كون ذلك معصية كبيرة أنّ في ولاية الوالي الجائر من جهة أنّه ليس له غرض وداع من التقمّص بها إلا نيل كلّ شهوة ودرك كل‏
    لذّة بإيجاد أيّ سبب كان ورفع أيّ مانع تحقّق وإلا لأدّى الأمانة إلى أهلها وخلّى بينه وبينها وألقى حبلها على غاربها فمن هنا يعلم أنّ في ولايته من حيث الاقتضاء دروس الحقّ كلّه وإحياء الباطل كلّه وإظهار الظلم والجور والفساد وخمول الصّلاح والسّداد وإبطال الكتب الحقّة وترويج الكتب الضالّة ومن يظنّ بل يحتمل أنّه يمنعه من نيله إلى مقصد من قتل الأنبياء والأوصياء والمؤمنين فضلا عن حبسهم وطردهم وأخذ أموالهم وأسر ذراريهم وهدم المساجد والمقابر وقد رأينا من ذلك ما يقرح القلوب وتبديل سنّة اللَّه وشرائعه الّتي منها ما صدر من الأوّل والثّاني ومن تبديل حكم الإرث الّذي جعلوه أساسا لغصب فدك وظلم سيّدة النّساء سلام اللَّه عليها بل تبديل جميع الأحكام كما يدلّ عليه من رواياتهم ما رواه السّيّد المحقّق الشّارح للصّحيفة المقدّسة نقلا عن الجمع بين الصّحيحين في مسند أبي الدرداء في حديث الأوّل من أحاديث البخاري قالت أمّ الدرداء دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك فقال واللَّه ما أعرف من أمر محمّد صلى الله عليه وآله شيئا إلا أنّهم ضيّعوا وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري عن مسند أنس بن مالك عن الزّهري قال دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال لا أعرف شيئا ممّا أدركته إلا هذه الصلاة وهذه الصّلاة قد ضيّعته وفي طريق آخر قال ما أعرف شيئا ممّا كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قيل فالصّلاة قال أ ليس صنعتم ما صنعتم فيها ولا يخفى أنّ أبا الدّرداء وأنس من أكابر الصّحابة عندهم وقد شهدا على تغيير جميع الأحكام حتّى الصّلاة الّتي هي أعرف الفرائض وأهمّها ولعلّ نظرهما في تغييرها إلى ما أحدثوا فيها في الوقت والأجزاء والشرائط والموانع وهكذا الكلام في الصّوم والحجّ والنّكاح والطّلاق والإرث وكفاك شاهدا على رفع استبعاد ذلك ما رأيته بالحسّ والعيان من اتّفاق جماعة كثيرة من أهل زمانك على جعل قانون في قبال قانون الإسلام واجتماع النّاس على العمل له وترجيحه وتقديمه على‏


(6)
قانون الإسلام عند المزاحمة والعجب كلّ العجب والأسف كلّ الأسف أنّ المؤسّسين لهذا النّحو من الأساس الباطل والموجدين له بين المسلمين في كلّ قرن من القرون إنّما أسّسوه باسم تقوية الإسلام فلمّا أحكموه فعلوا ما فعلوا ونالوا من أموال المسلمين وأعراضهم بل دمائهم بما نالوا ولذا لم يتّفق هذه الأمور نوعا من لدن آدم عليه السلام إلى زماننا هذا إلا من ولاة الجور بل قد ينجرّ الأمر إلى إلغاء الدّيانة بالمرّة كما اتّفق ذلك في الدّولة العثمانيّة ولا غرو في صدور ذلك منهم لأنّ أسلافهم بنوها بإجماع أهل الحلّ والعقد فأخلافهم دفعوها بذلك وفي المثل ما يجي‏ء بالهواء فيزول به فما ترى في أزمنة ولايتهم من وجود الحقّ بل وإحيائه وإمامة الباطل أحيانا إنّما هو من جهة فقدان شرط المقتضي أو وجود المانع من اقتضائه فلا منافاة بين هذا وبين جعل ولاية الجائر موجبا لاندراس تمام الحقّ وإحياء تمام الباطل وأمثال ذلك ممّا كان الدّليل المثبت ناظرا إلى بيان صرف المقتضي وهو فوق حدّ الإحصاء في الأدلّة الشّرعيّة فلذلك الوجه الّذي ذكر حرم على كلّ عامل العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم في جهة الولاية على ما مرّ في مقابل هذه الفقرة حرمة لا تزول إلا بجهة من الجهات المانعة عن بلوغ الحكم الإلزامي إلى مرتبة الفعليّة مثل جهة الضّرورة نظير الضّرورة إلى الدّم والميّتة وجهة الجهل والإكراه والسّهو والنّسيان إلى غير ذلك ممّا ذكره في حديث الرّفع فيرتفع الحرمة ويطرأ الإباحة حينئذ من حيث التّكليف بلا إشكال فيه فتوى ونصّا وأمّا من حيث الوضع فالظّاهر أنّه أيضا كذلك إذ لا يرتفع الضّرورة في الكسب معهم إلا بالحليّة الوضعيّة كما لا يخفى على المتأمّل وأمّا تفسير التّجارات في جميع البيوع الظّاهر أنّ المراد من البيوع أقسام البيع الاصطلاحي وأصنافه من الصّرف والسّلم والنّقد والنّسيئة وغير ذلك والشّاهد على هذا قوله قبل ذلك ثمّ التّجارة في جميع البيع والشّراء وقوله بعد ذلك أيضا وأمّا وجوه الحرام من البيع والشّراء لأنّ الظّاهر من البيع المقترن بالشّراء معناه الاصطلاحي ويشهد لهذا أيضا قوله عليه السّلام الصّناعات في جميع صنوفها بمقتضى وحدة السّياق فتأمل فما ذكره سيّدنا الأستاد في تعليقه من أنّ المراد من البيوع مطلق المعاوضات فتشمل الصّلح والهبة المعوّضة ونحوهما اشتباه منشأه كما صرّح به قوله عليه السلام فهذا كلّه حلال بيعه إلى قوله عليه السلام وهبته ثمّ إنّه لم يكتف بما مرّ من خلاف الظّاهر وقال بل يظهر منه التّعميم بالنّسبة إلى غير المعاوضات أيضا ومنشأ ذلك قوله عليه السلام وعاريته والوجه في كون ذلك اشتباها أنّ المظنون لو لا المقطوع أنّ غرضه عليه السّلام من قوله وأمّا تفسير التّجارات إلى آخره وكذلك الجملة المعطوفة عليها بيان وجوه الحلال من البيوع ووجوه الحرام منها بالنّسبة إلى الأشياء الّتي يتعلّق بها البيع والشّراء بمعنى أنّ أيّ شي‏ء يحلّ بيعه وشراؤه وأيّ شي‏ء يحرم كما هو واضح من ملاحظة قوله عليه السلام ممّا هو غذاء وقوله عليه السلام ممّا يأكلون وقوله عليه السلام ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله إلى آخره فلمّا بيّن الحلال منها الّذي هو المقصود الأصلي بقوله فكلّ مأمور به إلى آخره وقوله وكلّ شي‏ء يكون لهم فيه الصّلاح عقّبهما بقوله وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته للإشارة إلى أنّ صحّة هذه المذكورات وحلّيّتها من حيث الوضع والتّكليف مثل البيع والشّراء مبنيّة على أن يكون موردها أشياء يكون لهم فيه الصّلاح هذا نظير قولك في جواب من يسألك ويقول يجوز لي أن أعطي زيدا درهما جاز لك أن تعطيه درهما ودينارا وعباء وقباء وهكذا فهل يتوهّم متوهّم من ذكر الدّينار وما بعده عقيب الدّرهم أنّ المراد منه في السّؤال معنى عامّ له ولغيره من المذكورات في الجواب وكيف كان فقوله ووجوه الحلال عطف على التّجارات المضاف إليها التّفسير وإضافتها إلى الحلال من قبيل إضافة الموصوف إلى الصّفة والمراد منها هي الأقسام الخاصّة من مطلق البيع بلحاظ ما يتعلّق به من الأعيان الخارجيّة من للتّبعيض صفة للحلال أو لوجوه الحلال وإضافة لفظة وجه إلى التّجارات بيانيّة والمراد من هذه مطلق التّجارات أعمّ من المحلّلة والمحرّمة في مقابل الصّناعات والإجارات الّتي يجوز للبائع صفة الوجوه ويجوز جعله صفة للتّجارات إلا أنّ الأوّل أجود منه‏
    أن يبيع مؤوّل بالمصدر فاعل يجوز والضّمير المستتر فيه راجع إلى البائع والضّمير العائد إلى الموصول وهو كلمة بها محذوف ممّا لا يجوز متعلّق بالتّفسير باعتبار تضمّنه معنى التّمييز والمراد من الموصول وجوه الحرام وفاعل الفعل مع مفعوله محذوف بقرينة المقابلة يعني وأمّا تفسير الأقسام المحلّلة من التّجارات الّتي يجوز شرعا للبائع أن يوجد كلّي البيع بهذه الأقسام والأنواع الخاصّة وتمييزها من الأقسام الخاصّة المحرّمة الّتي لا يجوز له شرعا إيجاده بها وفي ضمنها وكذلك خبر مقدّم وذلك إشارة إلى البائع المتقدّم ذكره وبين كاف التّشبيه واسم الإشارة مضاف محذوف وهو الفعل أي البيع مثلا والمشتري بصيغة الفاعل لا بصيغة المفعول كما زعمه المولى الفاضل الممقاني قدّس سره وقال إنّ الفرق بين العنوانين بالاعتبار فإنّه كما ترى خلاف الظّاهر جدّا مبتدأ مؤخّر قد حذف المضاف منه أيضا أعني الفعل أي الشّراء الّذي بيان للفعل المضاف إلى المشتري لأنّ المراد من الموصول هو وجه الحلال من الشّراء كما أنّ المراد من قوله الّتي يجوز للبائع أن يبيع هي وجوه الحلال من التّجارة والبيع يجوز له أي المشتري شراؤه فاعل يجوز والضّمير راجع إلى المشتري وإضافة الشّراء إليه من قبيل إضافة المصدر إلى فاعله ويمكن أن يرجع إلى المبيع المستفاد من سياق الكلام فيكون الإضافة حينئذ من إضافة المصدر إلى المفعول ولكن الأوّل أظهر والضّمير العائد إلى الموصول في الصّلة كسابقه محذوف أيضا أعني به ممّا لا يجوز متعلّق بوجه الشّبه المحذوف أعني قوله في تفسيره والقرينة على المحذوف قوله وأمّا تفسير التّجارات وجملة المبتدإ والخبر مع جميع ما يتعلّق به معترضة بين الشّرط والجزاء مع الواو الاستئنافيّة مثل قوله تعالى في سورة البقرة وَ لَنْ تَفْعَلُوا المعترض بين فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وبين فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ وقد تجي‏ء المعترضة بدون الواو وقد اجتمع كلا القسمين في قوله تعالى وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ حيث إنّه معترض بين فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ‏


(7)
    و بين قوله إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ مع الواو وقوله لَوْ تَعْلَمُونَ معترض بين القسم وبين عظيم بدونها والفائدة في إتيان هذه الجملة المعترضة أنّه لمّا كان البيع ممّا لا يوجد إلا بفعل اثنين ولو اعتبارا البائع والمشتري تصدّى عليه السلام لبيان حلّيّة فعل الأوّل منهما بقوله وأمّا تفسير التّجارات إلى آخره وحلّيّة فعل الثّاني منهما بقوله وكذلك المشتري إلى آخره وحاصل المعنى أنّ فعل المشتري أي وجه الحلال الّذي يجوز له شرائه به كفعل البائع أي وجه الحلال من البيوع الّذي يجوز للبائع أن يبيع به ومثله في تفسيره وتمييزه ممّا لا يجوز فيكون محصّل مفاد هذه الفقرة أنّه قال عليه السلام أمّا تفسير وجوه الحلال من التّجارات والبيع والشّراء الّتي يجوز للبائع أن يوجدها بفعل هو وظيفته وراجع إليه وهو البيع وكذا يجوز للمشتري أن يوجدها بفعل راجع إليه وهو الشّراء كي يتحقّق التّجارة والمعاوضة في الخارج كي يترتّب عليها التّعيّش المقصود منها هنا وتمييزها عن وجوه الحرام منها الّتي لا يجوز لهما إيجادها بما هو راجع إليهما من البيع والشّراء فكلّ مأمور به جواب أمّا في قوله وأمّا تفسير التّجارات وليعلم أنّ الأمر وإن أريد منه الجواز والرّخصة هنا كما تخيّل مع أنّه خلاف الظّاهر لما سيجي‏ء بعد ذلك وكذلك النّهي وإن أريد منه الكراهة لا يتعلّق بالأعيان بنفسها فكلّما كان في لسان الدّليل متعلّقا بها كما هنا حيث إنّ ما هو غذاء للعباد هو الأعيان الخارجيّة فلا بدّ فيه من تقدير فعل مناسب للمقام ثمّ إنّ من في قوله ممّا هو غذاء للعباد بيانيّة وقوامهم من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول مبتدأ خبره به وفي أمورهم متعلّق بالقوام والجملة عطف على جملة الصّلة من عطف الأعمّ على الأخصّ لإفادة التّعميم في المطلوب لعمومه لغير الغذاء وللإشارة إلى ملاك الأمر ولمّا كان أمور العباد منها ما يكون في صرف وجوه الصّلاح وعدم الفساد كالعبادات والمقرّبات إلى اللَّه تبارك وتعالى وجميع الأفعال المباحة ومنها ما يكون في صرف وجوه الفساد كالمعاصي والمبعّدات عنه تعالى والمقرّبات إلى النّار ولم يكن ما يقومهم في مطلق أمورهم ولو كانت من القسم الثّاني مباحا ومأمورا به وصف الأمور وقيّدها بقوله في وجوه الصّلاح احترازا عمّا لا يكون كذلك وقوله الّذي لا يقيمهم غيره صفة المأمور به واختلافهما في التّعريف والتنكير لا بأس به لأنّ المراد من الموصول هو الجنس الّذي يعامل معه معاملة النّكرة ويحتمل كونه صفة للموصول في قوله ممّا هو غذاء إلى آخره ويحتمل كونه صفة للصّلاح ولعلّ الوسط أوسط والسّرّ في ذكر هذه العبارة مع انضمام مضمونه من قوله قوامهم به هو إفادة الحصر فلا تكرار فتأمل ممّا يأكلون كالحنطة والشّعير والأرز مثلا هذا مع جميع ما عطف عليه بيان للمأمور به بعد البيان قد تضمّن الإشارة إلى الأفعال الّتي تعلّق بها الأمر والإباحة ولا بدّ من تقديرها بين الباء الجارة وضمير الغائب في قوله فكلّ مأمور به من الأكل والشّرب واللّبس والنّكاح ونحو ذلك ويحتمل أن يكون بيانا للبيان وكيف كان فالمراد من الموصول هو الجنس ويشربون كالماء مثلا ويلبسون مثل القطن والكتان والصّوف وسائر الملبوسات مع كونه قواما لهم وينكحون كالإماء غير المحارم فإنّهم أمروا ورخّصوا في نكاحها فتأمّل ويملكون من الملك بمعناه اللّغوي أعني الاستيلاء عطف على ما قبله عطف الأعمّ على الأخصّ لشموله للمذكورات وغيرها من الشّجر والحجر والبقر والغنم والحمار والفرس إلى غير ذلك والظّاهر أنّه توطئة لذكر قوله ويستعملون من جهة ملكهم وإلا فمجرّد الملكيّة والاستيلاء مع قطع النّظر عن الاستعمالات ليست مأمورا به وممّا يتقوّم به العباد في أمورهم ويجوز لهم الاستعمال عطف على يستعملون عطف الأعمّ على الأخصّ لأنّ جواز الاستعمال يحصل بدون الملك أيضا كما هو واضح والوجه في تقييد الاستعمال بقوله من جهة ملكهم وبقوله يجوز في المعطوف دخله ولو بنحو الشّرطيّة أو عدم المانع في كون الاستعمال مأمورا به له أي ما يملكون من تعليل للاستعمال من قبيل العلّة الغائية وإن شئت قلت إنّها نشوئيّة وابتدائيّة يعني استعمالا ناشئا من ملاحظة الوصول إلى كلّ جهة من جميع جهات المنافع ( لهم كذا في البحار ) من بناء المساكن‏ ، وإحياء الأراضي وحمل الأثقال ونقلها وما أشبه ذلك من المنافع الّتي لا يقيمهم غيرها ولا مناص لهم من تحصيلها والوصول إليها ويحتمل كون من جميع جهات المنافع بيانا لوجوه الصّلاح بنحو العموم بعد بيانه بنحو الخصوص بقوله ممّا يأكلون إلى آخره مع التّنبيه على أنّ المراد من الصّلاح هو المنفعة وعلى التّقديرين يجوز الاستدلال به على جواز بيع كلب الحائط والماشية والخيام ونحوه ممّا لا يقوم أمر معاشهم إلا بالكلب ولا يتمكّنون من حفظ أموالهم بدونه فتدبّر وأمّا قوله عليه السلام وكلّ شي‏ء يكون لهم فيه الصّلاح والنّفع من جهة من الجهات عطف على مدخول الفاء في قوله فكلّ مأمور به عطف العامّ على الخاصّ لتقييد الأوّل بتوقّف قوام الإنسان وبقاء بني نوعه عليه دون الثّاني ومن هنا يظهر وجه التّعبير بالمأمور به في الأوّل دون الثّاني حيث إنّ الإنسان مأمور بحفظ نفسه وماله إلى الأمر بإقدامه وإتيانه بما هو مقوم له من نوع المأكولات والمشروبات والملبوسات وغير ذلك ممّا ذكره الإمام عليه السلام فمنه يصحّ أن يقال إنّ المراد من الأمر في المعطوف عليه هو الوجوب كما هو ظاهر اللّفظ لا الإباحة والرّخصة كما يظهر من السّيّد الأستاد في الحاشية فافهم فإنّ إرادة الوجوب لا تصحّ بالنّسبة إلى ما ينكحون إذ لا يجب نكاح الإماء غير المحارم فتكون هذا قرينة على كون المراد من الأمر هو الجواز بالمعنى الأعمّ المقابل للحرمة ثمّ إنّ المراد من الصّلاح من جهة في الفقرة المذكورة هو النّفع لكن لا مطلقا بل خصوص ما كان موجبا لماليّة ما اشتمل عليه ومرغوبا إليه عند العقلاء لأجل ذلك وإلا فلا مجال لأصل البيع موضوعا حتّى يحكم بصحّته وجوازه ومن هنا يتّجه الإيراد على المولى المحقّق الأنصاري قدّس سره في أوّل شرائط العوضين من الرّجوع إلى هذه الفقرة من الحديث عند الشّكّ في صحّة بيع ما يشكّ في ماليّته عرفا مع الشّك في كون أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا لا مطلقا وذلك لأنّ الشّكّ في المالية مساوق للشّكّ في الصّلاح النّاشي منه‏


(8)
الماليّة ومع الشّك في موضوع العامّ لا مجال للتّمسّك به فهذا كلّه إعادة للمبتداء مع الفاء لطول الفصل بينه وبين خبره وهو حلال بيعه وشراؤه والجملة خبر لقوله وأمّا تفسير التّجارات ويحتمل أن يكون خبره قوله فكلّ مأمور به ويكون هذه الجملة تفريعا على ما قرّره من الضّابطة وكيف كان فعطف إمساكه واستعماله وهبته وعاريته على البيع والشّراء يدلّ على قاعدة كلّيّة وهو أنّ كلّما يجوز بيعه وشراؤه يجوز إمساكه واستعماله إلى آخر الأمور الأربعة هذا كلّه في بيان وجوه الحلال من البيع والشّراء وأمّا وجوه الحرام من البيع والشّراء فكل أمر أي شي‏ء موصوف بأنّه يكون فيه الفساد بحيث يصحّ توصيفه به ويقال إنّه فاسد بقول مطلق بدون الحاجة إلى تقييده بجهة من الجهات وفعل من الأفعال وذلك بأن يكون ممّا هو منهيّ عنه في دليل شرعيّ معتبر من جهة المنفعة الشّائعة المقصودة منه الدّائر ماليّته مدار ملك المنفعة ولا ينظر إلى غيرها الّذي لازمه جواز إسناد الحرمة إلى نفس ذلك الشّي‏ء بدون توسيط فعل من الأفعال وإن كان لا بدّ من لحاظه وذلك مثل جهة أكله في المأكولات وشربه في المشروبات ومثالهما واضح أو يكون ممّا هو منهيّ عنه من جهة كسبه وذلك كآلات القمار فإنّه قد يكون نهي عن كسب المال بها هذا ولكنّه خلاف الظّاهر إذ الظّاهر أنّه مثل سابقه ولاحقه من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول وعليه لا يخطر ببالي مثال مناسب لذلك هذا بناء على كون النّسخة كسبه بالكاف وتقديم السّين على الباء وأمّا بناء على كونها أو لبسه باللّام وتقديم الباء الموحّدة على السّين كما هو الظّاهر عندي بقرينة قوله قبل ذلك في بيان ما يحلّ التّجارة به من قوله ممّا يأكلون ويشربون ويلبسون فإنّ الظّاهر من سياق الخبر أنّه عليه السلام بصدد بيان الحلال والحرام ممّا هو مقوّم للعباد ومن غيره وأنّ كلّ واحد منهما على قسمين قسم منهما وهو المأمور به أو مطلق ما يكون فيه الصّلاح من جهة وإن لم يكن في ذاك الصّلاح جهة المقوميّة الّتي هي جهة الأمر به حلال وقسم آخر منهما وهو المنهيّ عنه من جهة الغرض المطلوب منه والمرغوب إليه أو مطلق ما يكون فيه الفساد من جهة وإن كان غير الجهة المطلوبة منه ولم يكن منهيّا عنه من الجهة المطلوبة حرام ولا يخفى أنّ الملبوس من جملة مقوّمات العباد وقد تعرّض له في مقام تعداد المحلّلات ومقتضى المقابلة أن يتعرّض له في مقام بيان المحرّمات فلو كانت النّسخة كما ذكرنا لبقي تلك الفقرة خالية عن التّعرض له وهو خلاف قضيّة المقابلة هذا مضافا إلى قوله بعد ذلك لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه كما لا يخفى وجهه ويؤيّد ما اخترناه من النّسخة أنّ صاحب الرّياض بعد ذكر الرّضوي في الاستدلال على حرمة التّكسّب بالميتة والدّم وأوراث ما لا يؤكل لحمه وأبواله قال ونحوه الخبر الثّاني المرويّ عن تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للمرتضى ره بزيادة أو شي‏ء من وجوه النّجس والتّعليل بأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله إلى آخره انتهى وجه التّأييد واضح لأنّ الموجود في الرّضوي لبسه باللّام فلو كان ما في هذه الرّواية مخالفا له لتعرّض له بل يستفاد من ذلك أنّ العطف هنا وما بعده بالواو وكيف كان فمثاله على هذا هو الحرير ولباس الذّهب للرّجل فإنّهما قد نهي لبسهما فلا يجوز بيعهما لأجل لبس الرّجل فتأمل ويمكن أن يمثّل له بجلد الميّتة بناء على عدم جواز لبسه كما هو الحقّ لما ورد فيها من أنّه لا ينتفع به ولو بشسع منه ويستفاد ذلك من ذيل الحديث المتعرّض فيه لما يجوز لبسه حيث قيّد جواز لبس جلد الحيوان الّذي يؤكل لحمه بكونه ذكيّا وما في تفصيل الكلام في ذلك في بيع الميّتة وفي مسألة الانتفاع بالأعيان النّجسة أو من جهة نكاحه أو وطيه وذلك كمحارم الإنسان من الإماء لأنّ وطيها حرام كتابا وسنّة وإجماعا فيكون شراؤها حراما أيضا بمقتضى هذا الخبر فيعارضه الأخبار الدّالّة على الجواز المقدّمة عليه من وجوه إلا أن يحمل هذا على الشّراء لأجل الوطي وتلك على الشّراء لا لأجله فتأمل أو من جهة ملكه لا بدّ من التّأمّل في ذلك إذ الظّاهر أنّه ليس‏ شي‏ء قد نهي عنه في الشّرع من جهة صرف ملكه نهيا تكليفيّا كما هو الظّاهر من النّهي الّذي جعل تعلّقه بشي‏ء مناطا وضابطة لحرمة المعاوضة عليه تكليفا ووضعا ويمكن أن يمثّل له بالمشاعر كمنى وعرفات والمزدلفة بل وبالمساجد الأربعة بل وسائر المساجد على إشكال في ذلك المثال بل منع أو إمساكه كالصّنم وكتب الضّلال على ما هو المعروف من الفتاوى وسيأتي الكلام في صحّة ذلك وسقمه والتّصاوير المجسّمة من ذوات الأرواح وأواني الذّهب والفضّة عند من يقول بحرمة اقتنائها ولكن فيه تأمّل بل منع على ما هو مقرّر في محلّه وكآلات اللّهو أو هبته أو عاريته لم أجد إلى الآن شيئا نهي عن هبته أو عاريته كي يجعل ذلك ميزانا لحرمة بيعه وشرائه كما هو قضيّة الحديث وكيف كان فقوله أو شي‏ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد عطف على أمر من عطف العامّ على الخاصّ نظير ما مرّ في الفقرة السّابقة مع بيان وجه العموم والخصوص وقد يتوهّم أنّ العطف هنا من قبيل عطف الخاصّ على العام عكس ما ذكرنا بتقريب أنّ ما يكون فيه الفساد يعمّ من جميع الوجوه وشي‏ء يكون وجه خاصّ بما يكون فيه الفساد من بعض الوجوه وهو توهّم فاسد حيث إنّ إثبات شي‏ء لا يقتضي نفي ما عداه ومثله في الفساد توهّم أنّه من قبيل عطف المباين على المباين بدعوى اختصاص الأوّل بجميع وجوه الفساد بأن يجعل اللّام للاستغراق واختصاص الثّاني ببعضها لابتنائه على أمر فاسد أعني كون اللّام الدّاخلة على الفساد للاستغراق وذلك لأنّها إذا دخلت على المصدر فهي للجنس وهو كما يحصل في ضمن جميع الأفراد كذلك يحصل في ضمن بعضها وكلّ منهما يصدق في صورة وجود جميع وجوه الفساد وفي صورة وجود بعضها وهذا مضافا إلى أنّ مقتضى ذلك حينئذ عدم الاكتفاء في قوله من جهة أكله إلى آخره بذكر جهة واحدة فافهم وبالجملة المتعاطفان من هذه الجهة على حدّ سواء وإنّما الفرق بينهما هو ما ذكرنا من اختصاص المعطوف عليه بما يكون الفساد فيه في الجهة المقوّمة وعموم المعطوف له ولغيره ثمّ إنّ الظّاهر من التّأمّل في الرّواية أنّ غرض الإمام عليه السّلام من الفساد الّذي جعله الملاك والمناط في حرمة البيع والشّراء هو الّذي يكون في ذات المبيع لا في بيعه وبعبارة أخرى إنّ العرض بيان الحلّيّة و


(9)
الحرمة النّاشئة من الصّلاح والفساد في متعلّق البيع من الأعيان الخارجيّة قبال ما ينشأ من الصّلاح والفساد في نفس المعاملة والبيع مع قطع النّظر عن متعلّقها ويدلّ على ذلك بيان المأمور به في الفقرة السّابقة بقوله ممّا هو غذاء للعباد وقوامهم به مع بيانه بقوله ممّا يأكلون وما بعده الّذي كلّه من الأعيان الخارجيّة وكذلك في الجملة المعطوفة عليه فإنّه لو كان أعمّ لأخلّ البيان المذكور بالمقصود ويدلّ عليه أيضا قوله بعد ذلك في مقام التّعليل لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه إلى آخره إذ المعاملة غير قابلة لما في هذا التّعليل هذا مضافا إلى غير ذلك ممّا يطّلع عليه المتدبّر في الحديث من أوّله إلى آخره فمن ذلك ظهر أنّ الغرض من قوله عليه السلام نظير البيع بالرّبا هو التّمثيل بنفس الرّبا والفضل وأنّ اسم الإشارة في قوله لما في ذلك من الفساد إشارة إلى الرّبا وذكر البيع مع الرّبا للإشارة إلى أن طرو الفساد على المقدار الزّائد إنّما هو حال البيع بمعنى أنّه بالبيع يحدث فيه الفساد مضافا إلى فساده من جهة كونه مال الغير ولذا كان أكله محاربة مع اللَّه ورسوله وأمّا وجه إضافة البيع إلى الميّتة وما عطف عليه في قوله أو بيع الميّتة أو الدّم أو لحم الخنزير أو لحوم السّباع من صنوف سباع الوحش أو سباع الطّير أو جلودها أو الخمر مع أنّه لا إشكال في أنّ الفساد إنّما هو في ذات الميّتة وما عطف عليها من حيث هي مع قطع النّظر عن مرحلة تعلّق البيع بها فغاية ما يمكن أن يقال فيه أنّ البيع هناك بمعنى المبيع وإضافته إلى الميّتة بيانيّة فتأمل فيكون حينئذ جميع ما ذكر في تلك الفقرة مثالا لما يكون الفساد في نفس المبيع فيعلم من ذلك أنّ ما استظهره مولانا المحقّق سيّدنا الأستاد دام علاه في الحاشية في قوله نظير البيع بالرّبا إلى آخره من أنّ المراد من وجه الفساد أعمّ من أن يكون في المبيع كبيع الميّتة أو الدّم أو غيرهما من المذكورات أو في نفس البيع بأن يكون محرّما كبيع الرّبا محلّ تأمّل لأنّ ذكر لفظ البيع قبل الرّبا إن كان منشأ لما ذكره فلا بدّ أن يكون كذلك في بيع الميّتة وقد صرّح بأنّ الفساد فيها وفيما بعدها إنّما هو في نفس المبيع لا البيع وبالجملة لا فرق في المتعاطفين في إلغاء مقتضى ذكر لفظ البيع وصرف النّظر عنه وعدمه نعم بينهما فرق من جهة أخرى وهي أنّ الفساد في المعطوف في تمام المبيع بخلاف المعطوف عليه إذ مورده فيه خصوص المقدار الزّائد ولذا اقتصر بخصوص الرّبا غاية الأمر أنّه يطرأ عليه الفساد حين البيع ويدور مداره ودعوى الفرق بين الرّبا والميّتة بأنّ الأوّل لا فساد فيه من حيث هو بخلاف الثّاني في حيّز إمكان المنع إذ لا شبهة في أنّ إدراك عقولنا وجوه الفساد في أمثال ما نحن فيه إنّما هو بملاحظة نهي الشّارع عنه ومن الظّاهر أنّ الرّبا وغيره من المذكورات في الحديث لا فرق بينهما لورود النّهي عن الرّبا كثيرا ودعوى أنّ الرّبا في موارد النّهي عنه عبارة عن المعاملة لا المقدار الزّائد قابلة للمنع فتأمّل وأمّا أنّ الفساد في أيّ وقت يطرأ عليه والحال أنّه عند البيع مثله قبله فلا تدركه عقولنا القاصرة فافهم وكيف كان مقتضى قوله عليه السلام أو جلودها أي جلود السّباع من الوحش والطّير حرمة بيعها مطلقا وإن كانت مذكاة وهو مشكل بل ممنوع إلا أن يكون المراد بيعها بدون الإعلام على كونها جلود السّباع حتّى لا يستعملها المشتري فيما لا يجوز استعماله فيه كلبسه في الصّلاة مثلا نظير النّهي عن بيع الدّهن المتنجّس بدون إعلام تنجّسه للمشتري لئلّا يأكله أو شي‏ء من وجوه النّجس وعناوينه الأوّلية الّتي تكون كلّ منها في عرض الآخر فلا تعمّ المتنجّس علاوة النّجس مطلقا ولو لم يقبل التّطهير لأنّ المتنجّس بالملاقاة أي الملاقي للنّجس وإن كان وجها وعنوانا للنّجس إلا أنّه ليس وجها من وجوه النّجس أي وجها في عرض سائر وجوهه بل في طولها وليس في التّعليل بقوله فيما بعد لأنّ ذلك إلى آخره ما يوجب للتّعميم إذ لا عموم له على أزيد من كون متعلّق النّهي عن أكله مثلا هو بعنوانه الأولي الذّاتي وهذا إمّا عطف على الميّتة أو على شي‏ء أو على كلّ أمر ولعلّ الأوّل أولى فهذا إعادة للمبتداء مع الفاء أعني قوله فكلّ أمر لما مرّ في إعراب الفقرة السّابقة كلّه تأكيد لاسم الإشارة للتّعميم لجميع ما ذكر من الأمرين أو الأمور الثّلاثة حرام خبر لهذا ومحرّم صفة للحرام للتّوكيد كما في قوله تعالى في سورة الفرقان حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما والجملة جواب أمّا وخبر وجوه الحرام في قوله وأمّا وجوه الحرام من البيع والشّراء ثمّ إنّه قد حذف هنا بعد ذلك بقرينة مقابله قوله بيعه وشراؤه إلى آخر ما ذكر هناك ومرّ الكلام في الفرق بين الحرام والمحرّم وحرمة الأمور المذكورة لأنّ ذلك الّذي ذكر من الأمرين أو الأمور كلّه منهيّ عن منفعته الشّائعة مثل أكله في المأكولات وشربه في المشروبات وملكه في المملوكات قد مرّ الإشكال والمناقشة في وجود ذلك في الشّرع الأنور وأنّه ليس لنا شي‏ء يكون منهيّا عن ملكه في دليل آخر ومرّ أيضا إمكان التّمثيل له بالمشاعر وعلى كلّ حال فقد قال في الجواهر إنّه ربّما يظهر من خبر التّحف عدم دخول الأعيان النّجسة في الملك ولعلّ نظره في ذلك إلى قوله أو ملكه بضميمة جعل وجوه النّجس من جملة ما أشير إليه في قوله لأنّ ذلك كلّه منهيّ عنه إلخ ولا يخفى ما فيه لأنّه إن أريد النّهي عن ملك وجوه النّجس في دليل آخر غير هذا الخبر ففيه منع واضح ضرورة أنّه ليس لنا دليل شرعيّ يتضمّن النّهي عن ملك النّجس ولو مثل قوله لا يملك النّجس وإن أريد النّهي عنه ولو بنفس هذا الخبر ففيه أنّ الظّاهر من قوله قبل ذلك ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله إلى آخره هو ما أشرنا إليه من كونه منهيّا عنه في دليل آخر ومن الظّاهر أنّ قوله هنا لأنّ ذلك إلى آخره إعادة لذلك فتأمل وإمساكه فيما كان الغرض المهمّ منه هو الإمساك وقد عرفت المثال له والتّقلّب والتّصرّف فيه بوجه من وجوه المنافع الّذي نهي عنه بلحاظ هذا الوجه من بينها وإن كان هو غير ما ذكره أوّلا من الأكل والشّرب وسائر الوجوه الخاصّة المعطوفة عليها فيكون من عطف العامّ على الخاصّ لأجل الإشارة إلى علّة الحرمة في الأمر الثّاني وهو شي‏ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد كما أنّ المعطوف عليه علّة الحرمة في الأمر الأوّل لما فيه من الفساد اللّام علّة للنّهي والضّمير راجع إلى كلّ واحد من الأكل وجميع ما عطف عليه حتّى التّقلب فيه بوجه ويحتمل كونها علّة لخصوص النّهي عن التّقلّب بوجه ورجوع الضّمير إلى الوجه المكنّى به عن فعل من الأفعال والأوّل أظهر وحينئذ فجميع أنحاء تقلّبه من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول أي تقلّب هذا الشّي‏ء الّذي‏


(10)
أشار إليه سابقا بقوله فهذا كلّه وقوله لأنّ هذا كلّه في ذلك الوجه نهي عنه بهذا الوجه وإن كان تقلّبه وتصرّفه بغير البيع والشّراء والإمساك والملك والاستعمال والهبة والعارية من أنحاء التّقلّبات والتّصرّفات كالإجارة والجعالة وغيرهما ومن تقييد التّقلّب بقوله في ذلك يعلم أنّ حرمة بيع الشي‏ء المذكور في صدر العنوان إنّما يعتبر فيها القصد إلى ترتيب الوجه المنهيّ عنه وكونها لأجل ذلك فتأمل ويعلم أيضا اندفاع توهّم دلالة الحديث على حرمة إمساك النّجاسات لأجل التّسميد كما في العذرة أو لأجل إيكال جوارح الطّير كما في الميّتة إلى غير ذلك لابتنائها على كون إضافة التّقلّب إلى الضّمير من إضافة المصدر إلى الفاعل وكون ذلك إشارة إلى المنهيّ عنه وهو خلاف الظّاهر ولا أقلّ من عدم ظهوره في ذلك فيرجع إلى أصالة البراءة والإباحة ويظهر أيضا عدم دلالته على عدم جواز الانتفاع بها في غير ما نهي عنه وعدم دلالته على عدم دخولها في الملك كي يخصّص به ما دلّ على الملك بمثل الحيازة ويكون حاكما على الأصل المقتضي لجواز الانتفاع بها ولمّا لم يكن المحرّمات منحصرة فيما ذكر ممّا كان المنهيّ عنه وما كان فيه الفساد نفس الشّي‏ء بعنوانه الأولي الذّاتي إذ قد يكون الشّي‏ء حراما من جهة انطباق عنوان آخر محرّم عليه كعنوان اللّهو والتّقرّب لغير اللَّه تعالى وتقوية الكفر والشّرك وتقوية الضّلالة والباطل وتوهين الحقّ بحيث لو قطع النّظر عن طروّ ذلك العنوان وانطباقه عليه لم يكن حراما عطف عليه لإفادة التّعميم قوله وكذلك كلّ مبيع ملهوّ به ومعدّ للهو بحيث لا ينتفع به غيره كالنّرد والشّطرنج والمزمار والقصب والعود والبربط والطّنبور وقيل هو الطّبل وفسّر بالبربط وغيره والمناسب للقول المعروف وزاد في الطّنبور نغمة أخرى كونه ممّا يتغنّى به والدّف مطلقا ولو لم يكن له صنج والمعازف والأربعة عشر والسّدء والعرطبة وغير ذلك ممّا يأتي بعضه مع تفسيره وتفسير ما ذكرناه من أقسام الآلات المتّخذة للّهو في باب حرمة اللّهو إن شاء اللَّه ومن هذا كلّما كان ملهوّا به في هذه الأزمنة كالفنقراف والقراموف والپيانو وغير ذلك من آلات اللّهو المستحدثة ولعلّ الظّاهر أن الرّاديو منها أمّا ما لم يكن معدّا لذلك فهو خارج عن هذا العنوان وكذلك وكلّ مبيع منهيّ عنه لا بعنوان ذاته كما في المعطوف عليه بل بعنوان أنّه ممّا يتقرّب به لغير اللَّه كالصّنم وقد يمثّل لذلك بالصّليب وفيه منع يأتي وجهه في محلّه إن شاء اللَّه أو ممّا يقوّى به خصوص معصية الكفر بجميع أقسامه وأعظمها الشّرك من بين جميع وجوه المعاصي وعناوينها وأقسامها والظّاهر أنّ من هنا للتّبعيض في موضع الصّفة للكفر والشّرك لا لبيان الموصول المطوي في الكلام وذلك لأنّ جميع وجوه المعاصي ليس ممّا يصدق عليه تقوية الكفر والشّرك كما لا يخفى على من لاحظ العرف وإنّما هو مختصّ ببعضها مثل بيع السّلاح لأعداء الدّين حال قيام الحرب ونحوه ممّا يتقوّى به العدوّ على عساكر الإسلام حتّى الأرزاق والألبسة والخيل والبغال والسّفن ونحوها يعني وكذلك كلّ منهيّ عنه ممّا يقوى به خصوص معصية الكفر ومعصية الشّرك من بين جميع عناوين المعاصي أو من باب من الأبواب يقوى به من باب من أبواب الضّلالة أو باب من أبواب الباطل أو من باب يوهن به الحقّ في حاشية الفاضل الممقاني قدّس سره فيما علّقه على المتن في أواخر النّوع الثّاني أنّ المراد بباب يوهن به الحقّ هو ما كان يوهن به الحقّ بوصفه العنواني بمعنى أنّه يوهن به الدّين والشّريعة انتهى موضع الحاجة ولذا تأمّل المصنف في مسألة بيع السّلاح لأعداء الدّين في شموله لبيعه لقطّاع الطّريق وذلك لأنّ قطع الطّريق لا يوهن به الحقّ من حيث هو حقّ لأنّ ذلك إتلاف لمال المسلم ولا يزاحم شيئا من أمور دينه هذا ومن بياننا هذا يظهر فساد ما علّقه المولى الفاضل الممقاني قدّس سره على هذه الفقرة في مسألة حفظ كتب الضّلال قال ره بعد جملة كلام له فيما يتعلّق بالاستدلال بهذه الفقرة على حرمة الحفظ ما هذا لفظه ثمّ إنّ قوله أو ما يقوى به الكفر في جميع وجوه المعاصي ممّا لا ملاءمة فيه بين القيد والمقيّد فإن‏ قلنا بورود ظهور المقيّد أعني عموم جميع وجوه المعاصي على ظهور المقيّد أعني قوّة الكفر نظرا إلى أنّ المعاصي عن شعب الكفر كما أشار إليه قوله عليه السلام لا يزني الزّاني وهو مؤمن ولا يشرب الشّارب وهو مؤمن كان مؤدّاه حرمة الإعانة على مطلق المعصية ومنه ما نحن فيه وإن قلنا بظهور المقيّد هنا نظرا إلى مقارنة الكفر بقوله باب يوهن به الحقّ المقتضي لبقاء الكفر على ظاهره لزم الاقتضاء من عموم المعاصي على ما كان في ضمن الكفر ولعلّه الأظهر في المقام وإن كان الظّاهر أنّه لو لا الصّارف كان ظهور القيد واردا على ظهور المقيّد بحسب المتعارف فافهم انتهى وجه الظّهور ظاهر قد علم من إدراج كلمة من هنا وفي قوله أو باب من الأبواب وعدمه في قوله أو باب من أبواب الباطل أنّه بالرّفع عطف على باب من أبواب الضّلالة وأنّهما بالجرّ عطف على الموصول فيما يتقرّب به ثمّ إنّ الفرق بين توهين الحقّ وتقوية الضّلالة كالفرق بين نفس الضّلالة والبطلان ممّا لا يخفى على المتفطّن فلا تكرار في الحديث فهو حرام محرّم مبتدأ وخبر والجملة خبر الكلّ في قوله وكذلك كلّ مبيع ملهوّ به وقوله حرام بيعه وشراؤه عطف بيان للحرام الأوّل وقد مرّ في السّابق أنّ عطف إمساكه وملكه وهبته وعاريته وغير ذلك من أنحاء التّقلب فيه بدل على قاعدة كلّية وهي أنّ كلّما يحرم بيعه وشراؤه يحرم إمساكه إلى آخر الأمور المذكورة والمراد الجدّي من حرمة الأفعال المذكورة حرمتها حال الاختيار لا الأعمّ منها ومن حال الاضطرار وذلك لقوله عليه السلام إلا في حال تدعو الضّرورة فيه أي في هذا الحال إلى ذلك الّذي حرم فعله لأنّه استثناء من جميع الأمور المذكورة على الظّاهر لا خصوص الأخير أعني قوله عليه السلام والتّقلّب فيه بل وكذلك الحال وإن اختصّ بالأخير أيضا لأنّه عنوان يعمّ جميع ما قبله فالاستثناء منه استثناء من جميع المذكورات قبله مع زيادة وليس هذا من قبيل الاستثناء المتعقّب لجمل عديدة كما يظهر من بعض الأعلام حتّى يتفاوت الأمر بين رجوعه إلى الأخيرة ورجوعه إلى جميعها لأنّ النّزاع فيه فيما إذا لم يكن الموضوع في الجملة الأخيرة ممّا يعمّ لما هو الموضوع فيما عداها من الجمل ممنوع ولكن الإنصاف اختصاص الاستثناء الأخير مع تخصيص عمومه ما عدا الإمساك من الأفعال الخاصّة المتقدّمة على هذا العام إذ مع فرض النّهي عن ملك شي‏ء لا يجوز بيعه وشراؤه وهبته و
هداية الطالب إلى أسرار المكاسب جلد الأول ::: الحاجّ ميرزا فتاح الشّهيديّ التّبريزي