هداية الطالب إلى أسرار المكاسب جلد الأول ::: 11 ـ 20
(11)
عاريته على إشكال في الأخير لأنّ النّهي عن الملك مساوق لعدم القابليّة له ولا يتفاوت الحال فيه بين حال الاختيار وحال الاضطرار وبالجملة الحرمة بالنّسبة إلى ملك ما ذكره من الأمور مع فرض ذكر الشّراء قبل المراد منه التّملّك بعوض كما أنّ المراد من البيع هو التّمليك بعوض لا بدّ وأن يكون وضعيّة صرفة ولا فرق فيها بين الاختيار والاضطرار ولا يلزم من ذلك استعمال لفظ الحرمة في أكثر من معنى واحد لأنّ الاختلاف من حيث الوضع والتّكليف راجع إلى ما هو السّبب للحرمة فلا يوجب تعدّد معنى الحرمة وهو المنع فقد يجتمع فيها الجهتان كما في بيع الرّبا وقد يختصّ بجهة الوضع كما في حرمة الملك وقد يختصّ بجهة التّكليف وهي قبح الفعل ومبغوضيّته ومثاله كثير وكيف كان فإذا عرفت شرح الحديث إلى هنا وعلمت أنّ الضّابطة الثّانية في جواز بيع شي‏ء هو وجود وجه من وجوه الصّلاح فيه وفي عدم جوازه وجود وجه من وجوه الفساد فاعلم أنّه قد يستشكل على الحديث بأمرين أحدهما عدم اطّراد الضّابطتين لمكان ثبوت الواسطة بين وجود الصّلاح ووجود الفساد وهي صورة خلوّ الشّي‏ء عنهما معا فيكون الحديث ساكتا عن بيان حكم ذلك والحال أنّه عليه السلام في مقام تميّز كلّ ما يجوز ممّا لا يجوز بل بناء على اعتبار المفهوم فيما ذكر من الضّابطتين يقع التّعارض بينهما في تلك الصّورة نظرا إلى أنّ قضيّة الضّابطة الأولى عدم جواز البيع لانتفاء ملاكه وهو الصّلاح وقضيّة الثّانية جوازه لانتفاء ما يمنع عنه وهو الفساد وقد أجيب عن ذلك بما حاصله أنّ هذا مبنيّ على كون الفساد مثل الصّلاح أمرا وجوديّا وكان لهما ثالث وهو ممنوع لأنّ التّحقيق أنّهما من قبيل العدم والملكة وأنّ الصّلاح عبارة عن الاعتدال والاستقامة والفساد عبارة عن عدم الاعتدال فيما من شأنه الاعتدال قال في المصباح صلح الشّي‏ء صلوحا من باب قعد وصلاحا أيضا خلاف فسد وصلح يصلح بفتحتين لغة ثالثة وقال في موضع آخر واعلم أنّ الفساد إلى الحيوان أسرع منه إلى النّبات وإلى النّبات أسرع منه إلى الجماد انتهى وعلى هذا لا يكون بينهما واسطة انتهى الجواب بحاصله وفيه ما لا يخفى لأنّ لكلّ واحد من الصّلاح والفساد لحاظين أحدهما لحاظهما بالنّسبة إلى نفس الشّي‏ء من حيث هو فيقال صلح الشّي‏ء أي اعتدل وإلى هذا ينظر ما سمعته من المصباح والفساد على هذا عبارة عن عدم الاعتدال وثانيهما لحاظهما بالنّسبة إلى فعل المكلّف المتعلّق به فصلاح الشّي‏ء بهذا اللّحاظ كونه ذا منفعة عائدة إلى المكلّف وفساده كونه ذا مضرّة واصلة إليه وما يكون من قبيل العدم والملكة هما باللحاظ الأوّل وأمّا باللّحاظ الثّاني فهما أمران وجوديّان يتحقّق بينهما الواسطة ويشهد لذلك ما عليه العدليّة من ابتناء الأحكام الشّرعيّة على المصالح والمفاسد في متعلّقاتها وأنّ مورد الإباحة ليس فيه مصلحة ولا مفسدة إذ لو كانا من العدم والملكة مطلقا لما تحقّقت الإباحة ولزم كون الأحكام أربعة فتأمّل إذا تبيّن ذلك فنقول إنّ الصّلاح والفساد إنّما أخذا في الحديث باللّحاظ الثّاني الّذي اعتبر فيه تضمّن المنفعة والمضرّة كما يؤمي إليه قوله قبل ذلك فكلّ مأمور به ممّا هو غذاء للعباد وقوله بعد ذلك منها منافعهم وقوله بتصريفه إلى جهات المفاسد والمضارّ وقوله لما فيه الرّجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم وقوله عليه السلام في الفقه الرّضوي الموافق لهذا الحديث من حيث المدلول فحرام ضارّ للجسم إلى غير ذلك وعلى هذا يتحقّق واسطة في البين لم يعلم حكمها من الرّواية ولو لأجل التّعارض فيرجع فيها إلى الأصل المقتضي للإباحة من حيث التّكليف والفساد من حيث الوضع فالأولى أن يجاب عنه بأنّ الإشكال مبنيّ على كون المدار في الحرمة على وجود وجه من وجوه الفساد وهو ممكن المنع بملاحظة إمكان كون ما ذكره ضابطا للتّحريم بمنزلة المفهوم لما ذكره ضابطا للحلّ فكأنّه عليه السلام قال أمّا وجوه الحرام فهو كلّما لم يكن فيه الصّلاح وهو وإن كان على قسمين أحدهما ما يكون فيه الفساد والآخر ما لم يكن فيه ذلك أيضا الّذي هو محلّ البحث فعلا إلا أنّه لم يتعرّض إلا لبيان حرمة القسم الأوّل خاصّة مع حرمة الثّاني أيضا لكونه من جملة أفراد مفهوم الضّابط الأوّل بملاحظة أنّ الغرض المهمّ من البيان هو إحداث الدّاعي إلى ترك المعاملة
    على ذلك والمحتاج إلى هذا هو القسم الأوّل وأمّا القسم الثّاني فيكفي في الدّاعي إلى التّرك مجرّد عدم الصّلاح فيه وعلى ما ذكرنا لا مفهوم للضّابط الثّاني كي يقع التّعارض بينه وبين مفهوم الأوّل ويرجع إلى الأصل بعد التّساقط ووقوع التّعارض بين الضّابطتين فيما اشتمل على جهتي الصّلاح والفساد وبعد التّساقط يبقى حكم هذه الصّورة غير معلوم من الرّواية والجواب أنّ المدار في جواز البيع فيها وعدمه على قصد جهة الفساد فلا يجوز وعدمه فيجوز ويدلّ على ذلك ما ذكره عليه السلام في ما يأتي في تفسير الصّناعات من كون مجرّد وجود عنوان الصّلاح علّة لحليّة تعليمها وتعلّمها والعمل بها إذ الظّاهر عدم الفرق بين الصّناعة والتّجارة من تلك الجهة هذا ما يرجع إلى تفسير التّجارات وأمّا تفسير الإجارات فاعلم أنّ أمّا شرطيّة فإجارة الإنسان من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل مبتدأ ونفسه مفعول الإجارة وكلّ من قوله أو ما يملك أي ما يملكه عينا أو منفعة فيشمل الأجير وقوله أو ما يلي أمره عطف على المفعول ومن قرابته بيان لما يلي أمره والمراد منه كلّ من كان للإنسان ولاية شرعيّة عليه من جهة القرابة فلا يعمّ لغير الولد وولده وإن نزلوا كما أنّ ودابّته وثوبه بيان لما يملك بطور النّشر المشوّش بوجه الحلال بالباء الجارّة كما ( ما رأيته من نسخة البحار ) في نسخة تحف العقول وبعض نسخ المكاسب ومن جهات الإجارات وأقسامها قيد للمبتداء وأن يوجر يعني للغير مطلقا أيّ شخص كان ذاك الغير خبر له وأمّا بناء على كونه بالفاء بدل الباء فهو مبتدأ وأن يوجر خبره والجملة خبر الإجارة والأوّل أظهر وقوله نفسه بالنّصب وما عطفه عليه مثالا لما يملك تارة بنحو الخصوص أعني قوله أو داره أو أرضه وأخرى بنحو العموم أعني قوله أو شيئا يملكه مفعول به لقوله أن يوجر كما أنّ فيما ينتفع به مفعول‏


(12)
فيه بالنسبة إليه ومن وجوه المنافع بيان للموصول والمراد منها بقرينة ما يأتي في مقابله هو المنافع المحلّلة وقوله أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو أجيره أي فيما ينتفع به دائما حذف بقرينة الفقرة السّابقة عطف على الخبر المذكور وهو قوله أن يوجر إلى آخره والفرق بين المتعاطفين أنّ المراد من الأوّل هو العمل بأمر المستأجر بعوض معلوم ومن الثّاني هو العمل بدون تعيين العوض ولكن بقصد أخذ الأجرة قبال التّبرّع بل بدون قصد التّبرّع والمجّانيّة مطلقا فيستحقّ أجرة المثل وقوله من غير أن يكون المؤجر أو العامل المستفاد من السّابق وكيلا للوالي أو واليا للوالي قيد لكلّ واحد من الخبر وما عطف عليه والمراد من الوالي هنا والي الجور إذ قد مرّ حلّية الكسب مع الوالي العدل ومعه لا يبقى وجه لصحّة الاستثناء يعني أنّ إجارة الإنسان نفسه وسائر المذكورات على وجه الحلال إنّما هو أن يوجرها للغير في تحصيل ما يجوز الانتفاع به في الشّريعة المطهّرة من جميع وجوه المنافع المحلّلة أو أن يعمل لذاك الغير بتلك المذكورات في ذاك الّذي يجوز لذلك الغير الانتفاع به من دون فرق بين كون من يعمل له العمل أي المستأجر والي الجور أو غيره ولكن على الأوّل لا مطلقا بل فيما إذا لم يعدّ ذلك الإنسان العامل بسبب العمل المستأجر فيه وكيلا لوالي الجور ولو في خصوص ذاك العمل بحيث يصحّ أن يقال مثلا إنّه خيّاط الوالي أو بنّاؤه أو نجّاره أو خادمه أو معلّمه أو حاجبه إلى غير ذلك من العناوين وبعبارة أخرى إنّ حليّة كون الإنسان أجيرا للوالي الجائر في عمل كالبناء والخياطة وتأديب العصاة والطّغاة ونحوها ولكن في غير جهة ولايته وسلطنته لما تقدّم في تفسير وجوه الحرام من حرمة مطلق العمل لولاة الجور في جهة الولاية لهم وإن لم يدخل بذلك في ولاته وعمّاله إنّما هي مشروطة بعدم كونه عاملا له في ذاك العمل وعدم صدق هذا العنوان عليه الحاصل بجعل الوالي أمر هذا العمل على عهدة هذا الأجير عند الحاجة إلى هذا العمل وتفويضه إليه وعدم كونه أيضا واليا وحاكما من قبله ومنصوبا من جانبه في ذلك العمل والفرق بين المتعاطفين أنّه يعتبر في متعلّق الولاية أن يكون راجعا إلى سياسة الرّعيّة وإن كان أمرا واحدا جزئيّا بخلاف الوكالة فإنّ متعلّقه أعمّ منه ومن غيره فيكون العطف في المقام من عطف الأخصّ على الأعمّ وحينئذ فلا بأس أن يكون الإنسان أجيرا أي موجرا يوجر إمّا نفسه أو ولده أو قرابته ممّن كان للموجر ولاية عليه شرعا من جهة القرابة كأولاد الأولاد وإن نزلوا أو يوجر ملكه كالعبد والدّابّة والثّوب وغيرها من الأملاك أو يوجر أجيره ومن كان نائب المؤجر ووكيله ومن كان مفوّضا إليه عمله في إجارته أي من جهة إجارته ومن هذا البيان يعلم أن قوله يوجر صفة مبنيّة للموصوف ووكيله عطف على نفسه وكلمة في تعليليّة كما في قوله إنّ امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها إلى آخره والمراد منه الأجير لأنّه وكيل المستأجر في العمل لكن بعنوان الإجارة ويؤيّد ذلك أنّه تفريع على السّابق والمناسب حينئذ ذكر جميع ما ذكر في السّابق ومنه الأجير وهو موقوف على ما ذكرنا في تفسير الوكيل إذ لو كان المراد منه الموكّل وكان ضمير إجارته راجعا إلى وكيله لا إلى الأجير كي يكون المعنى لا بأس أن يكون الإنسان أجيرا يوجر من وكله في إجارته أي في أن يوجر ذاك الموكّل للغير لفات ذلك مع أنّه خلاف الظّاهر وكذا لو كان المراد منه الوكيل بمعناه الاصطلاحي وكان الضّمير المجرور فيه راجعا إلى الغير وهو الموكّل وكان هو بالنّصب عطفا على قوله أجيرا الّذي هو خبر يكون كي يصير المعنى أنّه لا بأس بأن يكون الإنسان وكيل الأجير في إجارته وتمليك منفعته للغير يوجر نفسه أو ولده كما لا يخفى وجهه على المتدبّر هذا مضافا إلى كونه على هذا أجنبيّا عن المقام إذ الكلام في حليّة موارد الإجارة لا الوكالة الاصطلاحيّة مع استلزامه اختلاف مرجع الضّمائر وكلاهما خلاف الظّاهر وما ذكرناه من الاحتمال وإن كان خلاف الظّاهر أيضا إلا أنّه بعد ملاحظة ما ذكرناه من التّأييد لا بأس به ثمّ إنّه لمّا كان قد يتوهّم عدم جواز إيجار الغير من الولد والقرابة والوكيل أي الأجير بلحاظ استلزامه‏
    الولاية عليه علّل الحكم المذكور بالنّسبة إلى إيجارهم دفعا للتّوهم المذكور بقوله لأنّهم وكلاء الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي ولا وكلائه بتقريب أنّ ضمير الجمع المنصوب في كلا الموضعين راجع إلى الأجير بمعنى المؤجر نظر إلى تعدّده في المعنى عدد متعلّق الإجارة وهو وإن كان خمسة إلا أنّ اثنين منها وهما موجر النّفس والملك خارجان عنها في لحاظ إرجاع الضّمير إليها وذلك لاختصاص الإشكال المتوهّم المذكور بما عداهما من الموجرين والمراد من الأجير المضاف إليه الوكلاء هو متعلّق الإجارة في الثّلاثة الباقية من الخمسة أعني الولد والقرابة والوكيل في الإجارة فاللّام فيه للجنس ومن عنده متعلّق بالوكلاء وضميره المجرور راجع إلى الأجير يعني لأنّ موجري هؤلاء الثّلاثة وكيل لهم من عند أنفسهم حيث إنّهم جعلوه وكيلا لأنفسهم باختيارهم لا من عند الوالي ومن قبله بأن يكون هو الّذي سلّط المؤجر عليهم قهرا عليهم كي يندرج موجرهم تحت عنوان ولاة الوالي فيكون فعله وهو إيجاره لهم حراما هذا ما أفاده سيّدنا الأستاد مدّ ظلّه بتوضيح منّا ولكن فيه مضافا إلى كونه مكلّفا ما لا يخفى إذ من جملة موارد الإشكال إجارة الولد والمراد منه الصّغير ومعلوم أنّ الولاية عليه من عند اللَّه لا الولد ومقتضى التّوجيه المذكور كونها من الولد ودعوى إرادة الكبير من الولد هنا يدفعها قوله سابقا أو ما يلي قرابته حيث إنّ الكبير لا ولاية للأب عليه مع أنّه مدّ ظلّه السّامي قد حمله في تلك العبارة في شرح قوله عليه السلام أو قرابته على الولد الصّلبي والقرابة على ولد الولد أو الأعمّ ومن الواضح أنّ المولّى عليه منحصر في الصّغير فالأولى أن يقال إنّ ضمير الجمع في كلا الموضعين راجع إلى الولد والقرابة والوكيل الّذي قد مرّ غير مرّة أنّ المراد منه الأجير واللّام في الأجير في الموضع الثّاني للعهد الذّكري إشارة إلى الأوّل وأمّا وجه التّعليل بذلك فتوضيحه أنّ المستفاد من قوله من غير أن يكون وكيلا للوالي أو واليا للوالي أنّ المدار في حلّيّة الإجارة فيما إذا كان موردها ممّا يجوز الانتفاع به شرعا وعدم حليّتها هو انطباق أحد


(13)
هذين العنوانين على الأجير فتحرم وعدمه فتحلّ فالتّعليل بذلك للإشارة إلى انتفاء مناط الحرمة حتّى في الثّلاثة المذكورة لأنّهم وكلاء الأجير وعملته بمعنى أنّهم قد فوّض إليهم الأجير أمر مورد الإجارة من عند نفس الأجير وبما هو هو لا من عند الوالي الجائر وبما هو ( أي الأجير ) منصوب من قبله كما هو المفروض إذ قضيّة جعل قوله فلا بأس إلى آخره تفريعا على سابقه أنّ الأجير لا ينطبق عليه عنوان وكالة الوالي ولا عنوان الولاية من قبله فيكونون من عمّال الأجير لا من ولاة الوالي فيكون عملهم حلالا وبالجملة إنّ حرمة عملهم بعد أن لم يكن في جهة راجعة إلى ولاية ولاة الجور إنّما هي متوقّفة على كونهم من جملة ولاة الوالي وهو مبنيّ على كون الأجير على النّحو المذكور والمفروض بمقتضى التّفريع أنّه ليس كذلك فكذلك هؤلاء الثّلاثة أيضا ليسوا منهم ولعمري إنّ هذا ممّا ينبغي تصديقه والإذعان به بعد أدنى تأمّل وإنصاف ثمّ إنّه عليه الصّلاة والسّلام قد أتى لتوضيح ما ذكره بالمثال وقال نظير الحمّال الّذي يحمل شيئا يجوز له حمله كما يدلّ عليه كلامه في السّابق واللّاحق وإنّما ترك التّقيد به لوضوحه لا مجّانا بل بشي‏ء معلوم فيجعل الحمّال هذا الشّي‏ء الّذي يجوز له حمله إلى مكان آخر معيّن وينقله إليه إمّا بنفسه أو بملكه أيّ شي‏ء كان سفينة أو دابّته أو غير ذلك من أملاكه أو يواجر نفسه عطف على يجعل والفرق بينه وبين المعطوف عليه بوقوع العقد هنا وعدمه هناك في عمل متعلّق بيؤاجر يعني به العمل الحلال بقرينة ما قبله وما بعده من دون فرق بين أن يعمل ذلك العمل الحلال ويوجده بنفسه أو يعمله بمملوكه كالعبد والدّابّة أو قرابته يعني به من له ولاية عليه من جهة القرابة كالأولاد الصّغار أو يعمله بأجير من قبله أي من قبل المؤجر لا من قبل الغير فهذه الوجوه المذكورة وجوه من وجوه الإجارات وطرق من صفتها أنّها حلال لكلّ مستأجر ممّن كان من آحاد النّاس سواء كان ذاك المستأجر ملكا وسلطانا أو سوقة أي غير ملك قال السّيّد الشّريف في حاشية شرح الرّضي في مبحث إذا من الظّروف السّوقة خلاف الملك يستوي فيه الواحد والجمع المذكّر والمؤنّث قالت بنت النّعمان بن المنذر
فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف أو كافرا أو مؤمنا
    و الوجه في ذكر هذه هو الفقرة مع معلومية حلّية هذه الوجوه ممّا سبق أنّ الفرض من هذه الفقرة بيان حليّة الإجارة بالإضافة إلى المستأجر وهو غير معلوم ممّا سبق حيث إنّه مسوق لبيان حليّتها من حيث المورد كما أنّ الغرض من قوله فحلال إجارته وحلال كسبه من هذه الوجوه بيان الحليّة الوضعيّة وانتقال العوض في مقابل العمل مضافا إلى الحليّة التّكليفيّة ولذا عطف حليّة الكسب على حليّة الإجارة والتّعرض هنا للحليّة التّكليفيّة مع العلم بها ممّا سبق لأجل التّوطئة لبيان الحكم الوضعي هذا كلّه بيان وجوه الحلال وأمّا وجوه الحرام عطف على إجارة الإنسان والوجوه مبتدأ خبره نظير أن يوجر الإنسان نفسه على حمل ما يحرم عليه إمّا من جهة أكله أو شربه أو لبسه كلباس الحرير والذّهب فيما إذا كان غرضه من حمله توصّل المستأجر إلى تلك الجهة المحرّمة لما عرفت في وجوه التّجارات أو يواجر نفسه في صنعة ذاك الشّي‏ء المحرّم أو يواجرها في حفظه أو في لبسه على الغير كأن يكون أجيرا على أن يلبس الغير لباسه الحرير أو الذّهب هذا الشّرح والتّفسير بناء على وجود أو لبسه في ما صدر من الإمام وإلا بناء على عدمه فيه كما فيما رأيته من نسخ المكاسب فالأمر سهل أو يواجر نفسه في هدم المساجد ضرارا لها لا مقدّمة لتعميرها أو في قتل النّفس بغير حلّ بخلاف قتله بحلّ كالقصاص فإنّه لا بأس به أو يواجر نفسه في حمل التّصاوير الّتي لا يجوز تصويرها كتصاوير الرّوحاني على ما يأتي في الصّناعات ويحتمل أن يكون عطف الأصنام عليها للتّفسير بناء على اختصاصها بما يكون مصوّرا من حجر أو صفر أو غير ذلك والمزامير والبرابط والخمر والخنازير والميّتة والدّم ولكن فيما إذا كان حمل المذكورات بقصد الجهة المحرّمة المطلوبة منها وفي نسخ المكاسب وعمل بدل وحمل وهو غلط ضرورة عدم إمكانه بالنّسبة إلى الخنازير وما بعده أو يواجر نفسه شي‏ء من وجوه الفساد الّذي كان محرّما عليه من غير جهة
    الإجارة فيه وكلّ أمر منهيّ عنه من جهة من الجهات قال سيّدنا الأستاد إنّ هذا إمّا مرفوع عطفا على النّظير أو مجرور عطفا على ما أضيف إليه النّظير وكلاهما فاسد إذ عليه يكون المعنى أنّ وجوه الحرام كلّ منهيّ عنه أو نظيره وهو كما ترى والظّاهر أنّ الواو للاستيناف وكلّ أمر مبتدإ وهو من جهة تضمّنه لمعنى الشّرط من جهة إضافته إلى نكرة موصوفة أتي بالفاء الجزائيّة في خبره وهو قوله عليه السلام فمحرّم على الإنسان والوجه في إتيان هذه الجملة الاستئنافيّة هنا إنّما هو إفادة ما لم يستفد من الفقرات السّابقة من تعميم الحرمة لجميع أنحاء الإجارة المتعلّقة بالمنهيّ عنه سواء كان إجارة الإنسان نفسه فيه أي في خصوص إتيان المنهيّ عنه وعمله أو إجارته له أي لغرض حصول المنهيّ عنه وذلك المعنى لأنّ الظّاهر أنّ اللّام الجارّة للغاية والضّمير المجرور بها الرّاجع إلى المنهيّ عنه علّة غائية لمتعلّقها وهو الإجارة وحينئذ لا بدّ أن يكون مورد الإجارة شيئا يكون حصول المنهيّ عنه غاية له فيكون المعنى أو إجارته في فعل غير منهيّ عنه لغرض أن يترتّب عليه المنهيّ عنه وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين قوله فيه أنّ مورد الإجارة هنا مقدّمة الحرام وفي المعطوف عليه نفس الحرام عكس ما ذكره السّيّد الأستاد أو إجارته في شي‏ء هو بعض وجزء منه أي المنهيّ عنه أو له أي لتحصيل شي‏ء هو جزء من المنهيّ عنه وممّا ذكرنا يعلم أنّ الضّمير المجرور باللّام راجع إلى الشّي‏ء الموصوف بقوله منه ويحتمل رجوعه إلى المنهيّ عنه بالتزام حذف الشّي‏ء وكلمة من بين اللّام والضّمير المجرور وكيف كان فالفرق بين التّعبيرين هنا هو الفرق بينهما في السّابق على هذه العبارة وما ذكر من أنحاء الإجارة لا يحلّ إلا إذا كانت لمنفعة من استأجره أي المستأجر هذا الّذي كتبتها وإن كان مخالفا لما رأيته من نسخة التّحف والبحار والمكاسب فإنّ المؤجور فيها استأجرته بصيغة الخطاب إلا أنّ الظّاهر غلطيّته وما كتبناه هو الصّحيح إذ لا وجه للعدول عن الغيبة إلى‏


(14)
الخطاب مع أنّ الخطاب لا يناسبه بيان الموصول والتّمثيل له بقوله كالّذي يستأجر الأجير إذ قضيّة البيان اتّحاد المبيّن والمبيّن في الفاعل والمفعول ولا يخفى أنّ الفاعل في المبيّن بالكسر هو المستأجر وكونه كذلك في المبيّن بالفتح موقوف على كون النّسخة كما كتبنا استأجره بصيغة الغيبة إذ لو كانت بصيغة الخطاب لاختلفا من حيث الفاعل والمفعول وبالجملة كلّما ازددت التّفكّر فيما ذكره بعنوان البيان والتّمثيل ازددت الوثوق والاطمئنان بغلطيّة نسخة الخطاب ويؤيّده نسخة الحدائق المطبوعة في تبريز ونسخة الوسائل في كتاب الإجارة وإن كانت توافق الأصل إلا أنّ الموجود عندي من النّسخة لا أطمئنّ بصحّتها وما أمكنني المراجعة إلى غيرها ومع ذلك كلّه يمكن توجيه الخطاب بما يوافق الغيبة وهو أن يقال إنّ باب الاستفعال هنا للصّيرورة من حال إلى حال كما في استحجر الطّين واستنوق الجمل فالمعنى على هذا يكون صرت أجيرا له فمال التّعبيرين إلى شي‏ء واحد وكيف كان فلا إشكال في حليّة الإجارة فيما إذا كانت لمنفعة المستأجر منفعة محلّلة عقلائيّة كان يستأجر الأجير ويحمل المستأجر له أي على الأجير الميّتة الواقعة في مورد تؤذي النّاس فيه وينحّيها أي يبعّد المستأجر الميّتة بواسطة حملها على الأجير عن مورد أذاه أذى المستأجر وأذى غيره وما أشبه ذلك ومقتضى ما ذكرنا في شرح الفقرة المذكورة أنّ الفعلين الأخيرين عطف على الفعل الأوّل بحذف العاطف ونظائره غير عزيزة والضّمير المستتر فيهما راجع إلى المستأجر لا الأجير واللّام في قوله بمعنى على وكفاك شاهدا عليه ما ذكره ابن هشام في المغني عند تعداد معاني اللّام من قوله التّاسع موافقة على في الاستعلاء الحقيقي نحو وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ و دَعانا لِجَنْبِهِ وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ وقوله وخرّ سريعا لليدين وللفم والمجازي نحو إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ونحو قوله صلى الله عليه وآله لعائشة اشترطي لهم ولاء انتهى موضع الحاجة والضّمير المجرور باللّام راجع إلى الأجير ويمكن أن يكون يحمل بالنّصب بأن المقدرة المدخول عليها لام التّعليل وضميره المستتر راجعا إلى الأجير وضمير له راجعا إلى المستأجر واللّام فيه للتّعليل أي لأن يحمل الأجير لمنفعة المستأجر الميّتة وعلى هذا يكون عطف كلّ لاحق من الأفعال الثّلاثة على سابقه من عطف الغاية على ذيها ويساعد ذلك كون النّسخة في المكاسب ليحمل باللّام ولعلّه الصّحيح لأنّ في التّوجيه الأوّل تكلّفا باردا كما لا يخفى ثمّ إنّه لمّا كان هنا جهة اشتباه في الفرق بين الإجارة والولاية حيث إنّ كلّ واحد من الوالي والأجير إن يعمل بعوض فقد تصدّي الإمام عليه السلام لبيان الفرق بينهما بقوله والفرق بين معنى الولاية والإجارة وإن كان كلاهما أي الوالي والأجير يعملان بأجر وعوض أنّ معنى الولاية أن يلي الإنسان ويصير واليا وحاكما على إقليم أو بلد مثلا لأجل نصب والي الولاة يعني سلطان تمام المملكة ذاك الإنسان أو لأجل نصب ولاة الولاة والحاصل أنّ معنى الولاية هو أن يكون الإنسان حاكما من قبل نفس الوالي الكبير أي السّلطان بلا واسطة كوالي تبريز وأصفهان وشيراز وما ضاهاها من الإيالات أو من قبل الوالي المنصوب من قبل السّلطان كحكّام البلاد الصّغار الواقعة في نواحي الإيالات كخوي وسلماس وأردبيل ومراغة فيلي ذاك الإنسان بعد أن صار واليا وأخذ فرمان الولاية والحكومة من النّاصب ويباشر أمر غيره من أهل قطر أو بلد كبير أو صغير ويفعل ذاك ويعمله لكن لا مطلقا بل بعنوان السّلطنة والحكومة كما هو قضيّة التّقييد بقوله في التّولية أي لأجل تولية النّاصب وإعطاء الولاية له عليه أي على الغير وتسليطه عليه وجواز أمره ونهيه على الغير ومن أجل قيامه مقام الوالي الّذي نصبه واليا على أهل محلّ مخصوص إلى أن ينتهي إلى الرّئيس من الولاة وهو الوالي أعني السّلطان أو من جهة قيامه مقام وكلائه في أمره أي في إجراء أمر هو وخليفة الوالي وفي توكيده وتقويته الوالي في معونته وقاهريّته على الرّعية وتسديد ولايته واستحكام سلطنته وهذا الّذي ذكر في معنى الولاية موجود في كلّ وال من الولاة وإن كان ذاك الإنسان المفروض كونه واليا أدينهم فضلا عن أعلاهم وعلل وجوده في الوالي الأدنى بقوله فهو لأنّ الفاء للتّعليل أي الوالي الأدنى وال ومسلّط على ما هو وال عليه وإن كان أقلّ قليل كالكدخدائيّة والمختارية في القرى والمحلّات والمعنى أنّ الدّار فيما ذكر في معنى الولاية إنّما هو على مباشرة الإنسان على أمر غيره وإقدامه بعنوان أنّه قاهر ومسلّط عليه وهو متحقّق في الأدنى ضرورة أنّ إقدامه في أمور من هو وال عليه إنّما هو بهذا الملاك والمناط فيصدق عليه الوالي أيضا ويجري مجرى الولاة الكبار الّذين هم يلون ويباشرون ولاية النّاس والسّلطنة عليهم في قتلهم من قتلوا وإظهار الجور والفساد الظّرف متعلّق بيكون هذا معنى الولاية وأمّا معنى الإجارة فهو على نحو ما فسّرناه من التّمكّن والقدرة على إجارة الإنسان نفسه أو ما يملكه قدرة موجودة من قبل أن يواجر الشّي‏ء الّذي يتعلّق به الإجارة من النّفس والملك ومن زائدة لتعلّق يواجر بمفعوله وهو غيره كما نصّ عليه في المصباح يعني أنّ حقيقة الإجارة شي‏ء يتوقّف على قدرة الإنسان يعني المؤجر على إيجاد العمل المستأجر عليه قدرة متحقّقة من قبل أن يستند في وجود هذه القدرة إلى أن يوجر نفسه للغير ثمّ بعد ذلك يوجره لشخص آخر نقيض الولاية في ولاية ولاة الوالي الّذين هم يأخذون الأجر على عملهم فإنّ القدرة على العمل إنّما يجي‏ء من قبل الاستناد إلى الوالي وينشأ منه ولا قدرة له عليه قبله فحاصل ما ذكره عليه السلام في الفرق بينهما أنّهما من قبيل المتباينين لأنّهما وإن كانا يعملان بأجر إلا أنّ قوّة خروج الإنسان عن عهدة العمل وتمكّنه من إتيانه الّذي لا بدّ منه فيهما معا وإلا لا يصحّ أخذ الأجرة عليه لا يتحقّق في موارد الولاية بالأجرة إلا بعد صيرورة الشّخص معنونا بعنوان الوالي بمعنى أنّه ما لم يستند هو إلى الغير وهو من يتصدّى لنصبه ولم يتقوّ به لا يقدر على إتيان ما صار واليا فيه من أمور النّاس ولذا رتّب قوله فيلي أمر غيره الّذي قد تبيّن من شرحه كون المراد منه هو التّمكّن من المباشرة على قوله أن يلي الإنسان إلى آخره الّذي علمت أنّ المراد منه صيرورته واليا على جماعة ومسلّط عليهم لأجل الاستناد إلى الوالي الّذي نصبه وهذا بخلاف‏


(15)
الإجارة فإنّ المؤجر له قدرة على إتيان العمل المستأجر عليه قبل أن يستند إلى الغير بأن يواجره منه لأجل تحصيل القدرة عليه ولهذا قيّد الإجارة بقوله من قبل أن يواجره إلخ وبعبارة أخرى التّمكّن من العمل في الوالي الّذي يأخذ الأجرة فرع تحقّق عنوان الولاية الّذي هو من الوضع وموقوف عليه وأمّا الإجارة فالأمر فيها بالعكس فإنّها فرع التّمكّن من إتيانه ومن هنا يعلم أنّ مورد الولاية هو العمل الّذي فيه جهة السّلطنة والقهّاريّة على الغير إذ مثل ذلك هو الّذي يحتاج في إتيانه إلى سلطنة الآتي به وولايته وأمّا مورد الإجارة فهو العمل القابل لتلك الجهة فافهم قوله فهو تفريع على ما ذكره من الفرق والضّمير راجع إلى المؤجر المستفاد من الإجارة يعني أنّ المؤجر إنّما يملّك بالإجارة يمينه أي قوّته وقدرته على إتيان العمل الموجودة فيه فاليمين كناية عن القوّة وقضيّة نسبة التّمليك إلى اليمين وجود ملك القدرة والقوّة فيه قبل التّمليك ولا يتفاوت الأمر في ذلك بين أن يكون يملك مجرّدا أو مزيدا فيه من باب التّفعيل وذلك أي وجود تلك القوّة فيه قبل الإجارة لأنّه على ما علم ممّا سبق إنّما يلي أمر نفسه وأمر ما يملك ويتسلّط على إعمالهما حتّى في عمل يريد أن يكون أجيرا فيه للغير قبل أن يواجره ممّن هو أجره بخلاف الوالي فإنّه من جهة أخذ السّلطنة على الغير في عمله لا يقدر ولا يملك على أن يأتي من أمور النّاس شيئا حتّى يملّكه للغير وهو السّلطان النّاصب له ويأخذ الأجرة بإزائه إلا بعد ما يلي من أمورهم ويملك توليتهم والسّلطنة عليهم يعني لا يقدر على إتيان أمور النّاس إلا بعد أخذ منصب الولاية ممّن هو فوقه وصار واليا ومسلّطا عليهم في تلك الأمور وكلّ من أجر نفسه أو أجر ما يملك أو يلي أمره من أيّ مستأجر كان كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة ورعيّته على إتيان ما فسّرناه وشرحناه سابقا ممّا تجوز الإجارة فيه أي في الإقدام على إيجاده ممّا كان فيه منفعة محلّلة من جميع وجوه المنافع فحلال محلّل أصل فعله وهو الإيجار وحلال كسبه يعني المال المكتسب ولكن فيما إذا لم يعدّ واليا للوالي الجائر أو وكيلا له وإلا يحرم فعله والمال الّذي يأخذه بإزائه كما تقدّم شرحه هذا تمام الكلام في تفسير الإجارات فأمّا تفسير الصّناعات وتمييز حلالها عن حرامها فاعلم أنّ كلّ ما يتعلّم العباد أو يعلّمون غيرهم من كلّ صنف من صنوف الصّناعات مثل الكتابة والحساب والنّجارة ( بالنّون لا التّاء ) والصّياغة والسّراجة والبناء والحياكة والخياطة وهكذا من الصّناعات المتوقّف عليها معاش نوع بني آدم ومثل صنعة صنوف التّصاوير وأقسامها ما لم يكن مثل الرّوحاني جمع مثال ككتب جمع كتاب بمعنى الصّور جمع صورة وقضيّة إطلاقه عدم الفرق بين أن يكون مجسّما أو لا وبين أن يكون بالقلم أو بآلة أخرى أو بالنّسج أو بغيره وسيجي‏ء في محلّه أنّ أخذ الرّسم والعكس المرسوم في زماننا من أقسام التّصوير أيضا فإنّ حفظ الصّورة في الزّجاجة مثلا وإن لم يكن بتصوير إلا أنّ أخذ الصّورة منها وطبعها في الكاغذ لا ينبغي الإشكال في صدق التّصوير عليه كصدقه على ما يوجده الأفرنجيّون بمعونة المكاين من الصّور المجسّمة كما أنّ قضيّة إطلاق الرّوحاني في عدم الفرق بين أن يكون ذو المثال وذو الصّورة حيوانا أو يكون ملكا أو جنّا لأنّهما أيضا من أفراد الرّوحاني إلا أن يدّعى الانصراف إلى غيرهما وعلى أيّ حال يأتي بيان وجود الفرق بين الصّورة والمثال وعدمه في مسألة حرمة التّصوير ومثل صنعة أنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد الّتي إتيان الموصول هنا للإشارة إلى وجه احتياجهم إليها وأنّه من جهة أنّه ينشأ منها منافعهم ويكون بها قوامهم وفيها بلغة جميع حوائجهم وكفايته في المصباح في هذا بلاغ وبلغة وتبلغ أي كفاية وذلك كآلات الزّرع والطّحن والنّسج إلى غير ذلك من آلات الصّنائع الّتي لا تعيش في العالم بدونها وبالجملة إنّ جميع ما ذكر من الصّنائع فحلال أي جائز تعلّمه وتعليمه والعمل به أي بواسطته وفيه أي في إيجاده ( والضّمائر الأربع راجعة إلى ما في قوله فكلّما يتعلّم العباد إلى آخره ) سواء كان هذا العمل بنفسه أو لغيره وإن كانت تلك الصّناعة وتلك الآلة
    قد يستعان بها وتكون مقدّمة على وجوه الفساد والمضرّة ووجوه المعاصي ويكون معونة على الحقّ تارة والباطل أخرى فلا بأس بصناعته وتعليمه وقوله هذا جواب إن الشّرطيّة في قوله عليه السلام وإن كانت تلك الصّناعة ويحتمل كونها وصلية وعليه يكون قوله فلا بأس بصناعته وتعليمه إعادة للجواب السّابق ذكره في قوله فحلال فعله فافهم وذلك نظير الكتابة الّتي هي قد يستعان بها على وجه من وجوه الفساد من تقوية معونة ولاية ولاة الجور بيان للوجه وإضافة التّقوية إلى المعونة يحتمل كونها بيانيّة ويحتمل كونها لاميّة وفي نسخ المتن تقوية ومعونة بدون لفظة من وعليه فالظّاهر أنّها بالجرّ على أنّها عطف بيان للوجه وعطف المعونة على التّقوية للتّفسير ويمكن أن يكون بالنّصب على المفعوليّة للفعل المقدّر مثل أعني منه أي من الوجه أو بالرّفع على الخبريّة للمبتداء المحذوف مثل هو أي الوجه وكذلك السّكّين والسّيف والرّمح والقوس والسّهم وغير ذلك من وجوه الآلة وعناوين أسباب الحرب المعدّة له في كلّ زمان بحسبه كالتّفنك والتّوب والبوم وغيرها وآلات حفظ الكلام وضبطه وإيصاله إلى الغير كالفونقراف والرّاديو وأمثال ذلك فإنّها أيضا قد تصرف في جهة الصّلاح لضبط الإقرار والوصيّة وإعلام بعض الأخبار والمساحة وقراءة القرآن وأمثال ذلك وقد تصرف في جهة الفساد كضبط الغناء وضرب الأوتار ونحوهما فصناعتها وتعليمها وتعلّمها وكذا بيعها وشراؤها وإجارتها يجوز إلا إذا كان لأجل التّوصّل إلى جهة الفساد فيحرم جميع ذلك مع ذكر ذلك في العقد أو التّواطي عليه قبله الّتي قد تصرف إلى جهات الصّلاح وقد تصرف إلى جهات الفساد وتكون آلة ومعونة عليهما فلا بأس بتعليمه وتعلّمه وأخذ الأجرة عليه والضّمائر المفردة كلّها راجعة إلى ما ذكر ممّا تصرف في الصّلاح والفساد بلحاظ إضافة الصّناعة إليها وكذا لا بأس بأخذ الأجر فيه أي في مقدّمته وكذا لا بأس بالعمل به وفيه والفرق بين المتعاطفين قد علم ممّا سبق ثمّ إنّ تلك الفقرة عطف بيان لقوله في السّابق‏


(16)
فلا بأس بصناعته إلى آخره والجارّ في قوله لمن كان له فيه جهات الصّلاح من جميع الخلائق ومحرّم عليهم تصريفه إلى جهات الفساد والمضادّ ( متعلّق بالتّعليم والتّعلّم ) وقوله فليس على العالم ولا المتعلّم إثم وعصيان ولا وزر وعقاب تفريع على الحكم السّابق من حليّة تعليم الأمور المذكورة وتعلّمها في جهات الصّلاح يعني إذا جاز الفعل فلا يكون على فاعله ذمّ ولا عقاب قوله لما فيه من الرّجحان في جهة من جهات منافع هي جهات صلاحهم وقوامهم به وبقاؤهم به علّة لنفي الإثم والوزر وإنّما الإثم والوزر على المتصرّف بها يعني التّصرّف بالآلات المشتركة بين جهتي الصّلاح والفساد واستعمالها في وجوه الفساد والحرام ثمّ إنّ قوله عليه السلام وذلك إنّما هو في مقام العلّة لعدم البأس في صناعة ما ذكر ومحصّله أنّ ما حرّم اللَّه من بين الصّناعات منحصر في الصّناعة الّتي حرام هي كلّها أي جميع منافعها وهي الّتي يجي‏ء ويقصد منها الفساد محضا وهذا صفة ثانية للصّناعة أو عطف بيان لها جي‏ء به لبيان علّة الوصف الأوّل وهو حرمة كلّ المنافع فافهم وذلك الّذي لا يجي‏ء منه الفساد المحض نظير صناعة البرابط جمع بربط كجعفر وهو كما في المجمع شي‏ء من ملاهي العجم يشبه صدر البطّ معرّب بربط أي صدر البطّ لأنّ الصّدر يقال له بالفارسيّة بر والضّارب به يضعه على صدره قال في القاموس ويقال له العود بالفاء أو غيرها على اختلاف النّسخ من ملاهي العجم انتهى ويقال له بالتّركية ساز والمزامير جمع مزمار بالكسر قصبة يزمر بها والشّطرنج وكلّ ملهوّ به يعني به ما أعدّ للّهو على نحو لا ينتفع به في غيره ولو كان غير الثّلاثة المذكورة ممّا تقدّم ذكر بعضها في تفسير محرّم من التّجارات ونظير صناعة الصّلبان جمع صليب وهو كما في المجمع هيكل مربّع يدّعون النّصارى أنّ عيسى عليه السّلام صلب على خشبة على تلك الهيئة وفيه عن المغرب أنّه شي‏ء مثلّث كالتّماثيل يعبده النّصارى انتهى ولعلّ مراده من العبادة هو صرف التّعظيم والاحترام والأصنام الّتي تعبد من دون اللَّه واحدها صنم قيل هو ما كان مصوّرا من حجر أو صفر أو نحو ذلك والوثن من غير صورة وقيل هما واحد ومادّة وث ن من المجمع بعد تفسير الوثن بالصّنم ما لفظه قال المغرب الوثن ما له جثّة من خشب أو حجر أو فضّة أو جوهر ينحت انتهى وفي أوقيانوس في مادّة صنم ما ترجمته بالعربيّة صنم معرّب من شمن وهو فارسيّ يقول المترجم قال بعض إنّ الفرق بينه وبين الوثن أنّ الصّنم ما كان مصوّرا من الجواهر المعدنيّة المذابة والوثن ما يصنع وينحت من الأحجار والأخشاب انتهى وما أشبه ذلك في أنّه لا يجي‏ء منه إلا الفساد من صناعات أشربة الحرام من حيث الإسكار كالخمر والبتع والفضيخ والنّبيذ والفقّاع وغيرها أو من حيث القتل أو الإضرار بالبدن كالأشربة المعمولة من السّمّ والظّاهر أنّ التّعبير بالأشربة لأجل الغلبة في صناعة ما يحرم تناوله فيعمّ صناعة مثل البنج من جوامد المسكرات وصناعة الحبوبات القاتلة والمضرّة ثمّ إنّه وإن كان قد علم من هذا التّعليل ما هو حرام من بين الصّناعات إلا أنّه عليه السلام لم يكتف بذلك وتصدّى له على وجه الاستقلال فعطف على الموصول في كلّما يتعلّم إلى آخره في صدر الفقرة قوله وما يكون منه وفيه الفساد محضا أي وكلّ ما يكون إلى آخره والفرق بين قوله منه وفيه كما في حاشية سيّدنا العلّامة الأستاد مدّ ظلّه أنّ الأوّل ما يجي‏ء الفساد من قبله بأن يكون مقدّمة له والثّاني ما يكون الفساد في نفسه فالمراد بالأوّل ما يكون مقدّمة لوجود الفساد وبالثّاني ما يكون علّة تامّة له ويمكن إرادة العكس على وجه وقوله ولا يكون فيه ولا منه شي‏ء من وجوه الصّلاح عطف على ما قبله من قبيل عطف اللّازم على الملزوم إذ وجود الفساد المحض في شي‏ء ملازم لعدم الصّلاح فيه أصلا لا من قبيل عطف التّفسير حتّى يكون المدار في حرمة الصّناعة على فقدان جهة الصّلاح ولو لم يكن فيه جهة الفساد وعلى ما ذكرنا يكون حكم الخالي عن الجهتين مسكوتا عنه في الحديث فيرجع إلى الأصل المقتضي للحليّة والفساد على ما عرفت وقد مرّ أنه‏
    لا حاجة فيه إلى بيان حكمه لأنّ المقصود فيه بيان حكم المعاملة الّتي يقدم فيها العقلاء أعني ما يكون دخيلا في معاشهم وما ذكر من الفرض ممّا لا يقدم فيه العاقل وكيف كان قوله فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع أنحاء التّقلب والتّصرّف فيه من جميع وجوه الحركات كلّها خبر لقوله ما يكون وإتيان الفاء الجزائيّة في الخبر قد مرّ وجهه مرارا إلا أن يكون صناعة قد تصرّف إلى جهات الصّنائع كذا في نسخة تحف العقول والبحار والظّاهر كونه غلطا والصّحيح كما في الحدائق هو المنافع بالميم والفاء لا بالصّاد والباء وكيف كان فالاستثناء منقطع لعدم كون ما بعد أداة الاستثناء من أفراد ما قبلها وإن كان مال الاستثناء المنقطع على التحقيق إلى المتّصل على ما ستقف على وجهه عند الكلام في آية التّجارة عن تراض في بحث الفضولي فانتظر والواو في وإن كان وصيّته قد ينصرف بالنّون من باب الانفعال وفي الحدائق والبحار بالتّاء من باب التّفعل والظّاهر هو الثّاني بقرينة قوله بها إذا المناسب للأوّل ترك هذه الكلمة لعدم سلاسة المعنى حينئذ كما لا يخفى وجهه وعلى أيّ حال فقد حذف متعلّق الفعل المذكور وهو مثل قوله إلى وجه أو في وجه من وجوه المعاصي وذلك بقرينة قوله ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي هذا بناء على الأصل من كون العطف للمغايرة وأمّا بناء على كونه لصرف التّفسير فلا حاجة إلى الالتزام بحذف المتعلّق كما هو ظاهر وقوله فلعلّة ما فيه من الصّلاح تعليل لاستثناء القسم المذكور من أقسام الصّناعات والفاء تعليليّة يعني فلأنّه لأجل وجود الصّلاح فيه حلّ تعلّمه وتعليمه والعمل به وإنّما يحرم على خصوص من صرفه إلى غير وجه الحقّ والصّلاح فهذا الّذي ذكرناه من أوّل الحديث تفسير هو بيان ما هو مورد السّؤال والجواب من وجوه اكتساب معايش العباد وطرقه فإضافة التّفسير إلى البيان بيانيّة في البحار بيان تفسير عكس ما في التّحف ولعلّه أحسن وتعليمهم عطف على التّفسير من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول الأوّل وفي زائدة على الظّاهر بناء على صحّة النّسخة وجميع وجوه اكتسابهم مفعول ثان للتّعليم وللحديث بقيّة تصدّى فيها


(17)
لبيان شي‏ء آخر خارج عمّا هو المهم على العجالة لو مدّ اللَّه في عمرنا شرحناها في مقام آخر مناسب له إن شاء اللَّه‏
    [ القول في رواية فقه الرضا ]
    و في الرّضوي فيما يرجع إلى بيان الصّناعات المحلّلة والمحرّمة ما هذا لفظه على ما في البحار اعلم يرحمك اللَّه أنّ كلّما يتعلّمه العباد من أنواع الصّنائع مثل الكتاب والحساب والتّجارة والنّجوم والطّبّ وسائر الصّناعات والأبنية والهندسة والتّصاوير ما ليس فيه مثل الرّوحانيين وأبواب صنوف الآلات الّتي نحتاج إليها ممّا فيه منافع وقوام معايش وطلب الكسب فحلال كلّه تعليمه والعمل به وأخذ أجرة عليه وإن قد تصرّف بها في وجوه المعاصي أيضا مثل استعمال ما جعل للحلال ثمّ تصرفه إلى أبواب الحرام ومثل معاونة الظّالم وغير ذلك من أسباب المعاصي مثل الإناء والأقداح وما أشبه ذلك ولعلّه لما فيه من المنافع جاز تعليمه وتعلّمه وحرم على من يصرفه إلى غير وجوه الحقّ والصّلاح الّذي أمر اللَّه تعالى بها دون غيرها اللَّهمّ إلا أن يكون صناعة محرّمة أو منهيّا عنها مثل الغناء وصنعة الأمة ومثل بناء البيعة والكنائس وبيت النّار وتصاوير ذوي الأرواح على مثال الحيوان والرّوحاني ومثل صنعة الدّف والعود وأشباهه وعمل الخمر والمسكر والآلات الّتي لا تصلح في شي‏ء من المحلّلات فحرام عمله وتعليمه ولا يجوز ذلك وباللَّه التّوفيق‏
    قوله في حكاية ما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرّضا عليه السّلام إنّ كلّ مأمور به على العباد إلى آخره‏
    (1) أقول الموجود فيه على ما في المستدرك أنّ كلّ مأمور به ممّا هو منّ على العباد إلى آخره وكذا الموجود فيه بعد قوله للجسم قوله وفساد للنّفس‏
    [ القول في رواية دعائم الإسلام‏ ]
    قوله وعن دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري إلى آخره‏

    (2) أقول عن فهرست الشّيخ قدّس سره وعن البحار نسبة كتاب دعائم الإسلام إلى الصّدوق قدّس سره وعن مصابيح السّيّد الأجلّ بحر العلوم قدّس سرّه الشّريف في مبحث أحكام المسافر أنّ كتاب دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري من علماء الشّيعة ولعلّ المسمّى بهذا الاسم كتابان لكن يبعد كونه للصّدوق قدّس سره إنّه ره ذكر في الفقيه أخبار الحياة وأخبار حرمان الزّوجة من رقبة الأرض ولم ينبّه على ما حكي عن دعائم الإسلام من حمل الأولى على ما هو خاصّة الأئمّة عليهم السّلام ممّا كان ميراث الإمامة منقولا من الإمام إلى إمام كمصحف القرآن الثّابت ومصحف فاطمة عليها السّلام والكتب السّماويّة وخاتم سليمان وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ودرعه ورحله وسلاحه إلى غير ذلك وعدم بيان هذا المعنى فيها إمّا للرّمز أو للاكتفاء بعلم المخاطب أو لحذف الرّواة بيانه وحمل الثّانية على الأرض المفتوحة عنوة وعلى الأوقاف الّتي ليس للنّساء فيها حظّ إلا من جهة الأعيان والحملان سيّما الأخير غريبان وعند صيارفة الفقه مهجوران وعلى أيّ حال ففي السّفينة في الجزء الأوّل في مادّة حنف ما هذا لفظه أبو حنيفة الشّيعة هو القاضي نعمان بن محمّد بن منصور قاضي مصر كان رحمه اللَّه مالكيّا أوّلا ثمّ اهتدى وصار إماميّا وصنّف على طريق الشّيعة كتبا منها كتاب دعائم الإسلام وفي كتاب دائرة المعارف أبو حنيفة المغربي هو النّعمان بن أبي عبد اللَّه محمّد بن منصور بن أحمد بن حيوان أحد الأئمّة الفضلاء المشار إليهم ذكره الإمام المسيحي في تاريخه فقال كان من أهل العلم والفقه والدّين والنّبل على ما لا مزيد عليه وله عدّة مصنّفات منها كتاب اختلاف أصول المذهب وغيره وكان مالكيّ المذهب ثمّ انتقل إلى مذهب الإماميّة وقال ابن زولاق كان في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه عالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللّغة والشّعر والمعرفة بأيّام النّاس مع عقل وإنصاف وألّف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف وأفصح شجع وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا وله ردّ على المخالفين له ردّ على أبي حنيفة ومالك والشّافعي وعليّ بن سريج وكتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت وله القصيدة الفقهيّة لقّبها بالمنتخبة وكان ملازما صحبة المعزّ العلوي توفّي سنة 363 شسج انتهى ملخّصا ثمّ اعلم أنّ أخبار كتابة الدّعائم أكثرها موافق لما في كتبنا المشهورة لكن لم يرو عن الأئمّة عليهم السّلام بعد الصّادق عليه السّلام خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة حيث كان قاضيا منصوبا من قبلهم بمصر ولكنّه تحت ستر التّقيّة أظهر الحقّ لمن نظر فيه متعمّقا وأخباره تصلح للتّأييد والتّأكيد انتهى مورد الحاجة من كلامه زاد اللَّه في علوّ مقامه‏
    [ القول في كيفية تقسيم المكاسب إلى محرم ومكروه‏ ]
    قوله إذا تعذّر قيام الغير به فتأمّل‏

    (3) أقول لعلّ الأمر بالتّأمّل إشارة إلى الخدشة في كلا التّمثيلين بأنّ التّمثيل بالزّراعة والرّعي للكسب المستحبّ إنّما يصحّ لو كان استحبابهما لأجل التّكسب والتّعيّش بهما وهو في حيّز إمكان المنع لقوّة احتمال كونه لأجل توفير ما يمون به النّاس ورخص أسعارهم وللرّفق على البهائم ولو لم يصرف مهتمّا في عيشة وبأنّ التّمثيل للواجب بالصّناعات الواجبة إنّما يصحّ لو كان الواجب هو الاكتساب بها وأخذ الأجر عليها ويمكن منعه بأنّ الواجب فيها نفس العمل والقيام بها ولو لم يأخذ الأجرة لا أخذ الأجرة عليها وبعبارة أخرى إنّ الواجب هو نفس القيام بالعمل بالمعنى المصدري وأخذ الأجرة الّذي به الاكتساب إنّما هو بمعناه الاسم المصدري‏
    قوله ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النّقل والانتقال بقصد ترتّب الأثر المحرّم‏
    (4) أقول ذكر الفاضل الممقاني قدّس سره في ذلك وجوها ستّة وجعله خامس الوجوه واستحسنه وأخذ في المناقشة فيما عداها ولا يخفى أنّ مقتضى توصيف الأثر هنا بالمحرّم وفي قوله فيما بعد وأمّا لو قصد الأثر المحلّل إلى آخره بالمحلّل أنّ للاكتساب المحرّم في العنوان نحوان من الأثر محرّم ومحلّل وأيضا الظّاهر من الأثر المحرّم والمحلّل ما ثبت حلّه وحرمته في لسان دليل آخر غير دليل حرمة الاكتساب وأيضا المراد من الأثر المحرّم بقرينة استدلاله بالانصراف هو الأثر الظّاهر الغالب المقصود من المعاملة عند نوع أهل العرف إذ لا منشأ للانصراف إلا تعارف قصد هذا من المعاملة المتعلّقة بالمحرّمات كالخمر والميّتة مثلا ولا تعارف إلا في الصّورة الّتي ذكرناها وحينئذ نقول في مرحلة الخدشة على تفسير المصنف قدّس سره الّذي اختاره الشّارح المتقدّم ذكره إنّه إن أريد من الأثر التّسليم والتسلّم بالقياس إلى متعلّق المعاملة من العين والمنفعة وبدلهما


(18)
ففيه أوّلا أنّه ليس في عرض هذا الأثر أثر آخر للاكتساب يتّصف بالمحلّل حتّى يصحّ التّقييد في العبارة بقصد الأثر المحرّم احترازا عن صورة قصد الأثر المحلّل بل وعن صورة الإطلاق أيضا وثانيا أنّه ليس لنا دليل يكون مدلوله حرمة خصوص التّسليم والتّسلّم في شي‏ء ممّا يحرم الاكتساب به نعم يحرم ذلك من جهة فساد المعاملة فتأمل ولكنّه أجنبيّ عن المقصود وإن أريد من الأثر في العبارة ما يتعلّق بما يكتسب به من أفعال المكلّفين كالشّرب في الخمر والأكل في الميّتة وهكذا كما هو قضيّة استدلاله عليه بانصراف الأدلّة إليه ففيه بعد غمض العين عن وقوع التّسامح في جعل هذا من آثار الاكتساب مع أنّ شرب الخمر مثلا ليس من آثار البيع ومقتضياته لأنّ الأمر فيه سهل أنّه يرد عليه أنّه لو تمّ إنّما يتمّ في الجملة وفي بعض الموارد كالاكتساب ببيع الخمر والميّتة ونحوهما ممّا هناك نحوان من الفعل المتعلّق به لا مطلقا وفي جميع الموارد إذ منها ما يكون الأثر المحرّم منه بالنّسبة إلى المحلّل نادرا جدّا مثل العذرة فإنّ الأكل فيها بالنّسبة إلى التّسميد في غاية النّدرة بل الأكل فيها لا يعدّ نفعا فلا يصحّ في مثله دعوى الانصراف فيكون المعنى الّذي ذكره لحرمة الاكتساب بالنّسبة إليه خاليا عن الدّليل ومنها ما ليس فيه محرّم آخر غير متعلّق الاكتساب والإجارة يقصد منه ترتّبه عليه كالتّصوير والغناء وهجاء المؤمن والولاية من قبل الجائر بناء على حرمتها الذّاتيّة وغير ذلك من المكاسب المحرّمة فحقّ التّعبير السّالم عن الخدشة أن يقول بقصد التّوصّل إلى الفعل المحرّم فيعمّ ما كان الفعل المحرّم بنفسه متعلّق الاكتساب وما كان متعلّقا لمتعلّقه ولكن لا دليل على هذا التّقييد عدا مسألة الانصراف وهو كما عرفت مختصّ ببعض المكاسب المحرّمة فالحقّ في معنى حرمة الاكتساب هو التّفصيل بينها باعتبار قصد التّوصّل إلى الفعل المحرّم في بعضها ممّا كانت منفعته المقصودة الشّائعة حراما وعدمه في بعضها الآخر ممّا لم يكن كذلك لأجل الانصراف في الأوّل والإطلاق في الثّاني فتأمّل‏
    قوله ره لأنّ ظاهر أدلّة إلى آخره‏
    (1) أقول هذا بيان لوجه التّقييد بالقصد المذكور وقد مرّ عدم جريانه في بعض المكاسب المحرّمة
    قوله وأمّا لو قصد الأثر المحلّل فلا دليل على حرمة المعاملة إلا من حيث التّشريع‏
    (2) أقول قد يتوهّم أنّه بعد فرض انصراف الأدلّة عن هذه الصّورة لا مانع من الرّجوع إلى العمومات الجنسيّة والنّوعيّة الدّالّة على الصّحة مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ والصّلح جائز بين المسلمين ومعه لا مجال لدعوى التّشريع وفيه أنّ نظره في ذلك بمقتضى استدلاله بالانصراف كما أشرنا إليه إلى ما يكون الأثر المحلّل فيه منفعة نادرة لا يوجب ماليّته وعليه لا يشمله مثل العمومات المذكورة أيضا ومعه يتحقّق التّشريع كما لا يخفى ولكن بناء على تعميمه لإدخال ما لم يعلم أنّه من الدّين في الدّين وعدم اختصاصه بصورة العلم بعدم كونه من الدّين ومن هذا البيان يعلم أنّه لا دليل على صحّة المعاملة في مفروض البحث مثل حرمتها فيرجع إلى الأصل في كلا المقامين وقضيّة الإباحة من حيث التّكليف والحرمة من حيث الوضع فتدبّر جدّا
    [ أنواع المكاسب المحرمة ]
    [ النوع الأوّل الاكتساب بالأعيان النّجسة ]
    [ الأولى يحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم‏ ]
    قوله قدّس سره الأوّل الاكتساب بالأعيان النّجسة

    (3) أقول ولو بالعرض كما يشهد له استثناء الدّهن المتنجّس لفائدة الاستصباح‏
    قوله ولا ينتقض أيضا بالأدوية المحرّمة في غير حال المرض لأجل الإضرار لأنّ إلى آخره‏
    (4) أقول لأنّ نظره في ذلك إلى ما ذكر السّيّد علي البحر العلوم في البرهان القاطع حيث إنّه قدّس سره احتمل المنع عن توقّف صحّة بيع شي‏ء على حليّة منفعته الشّائعة في الغالب وأنّها موقوفة على عدم كون البيع سفهيّا ويكفي فيه وجود منفعة محلّلة نادرة وحمل النّبوي صلى الله عليه وآله على أنّه إذا حرّم الغاية المقصودة بالشّراء حرم الثّمن المدفوع إليها فيكون المراد إذا حرم الشّي‏ء من جهة حرم ثمنه من تلك الجهة أو على أنّه إذا حرم مطلقا ومن جميع وجوه الانتفاعات به واستدلّ على ذلك بأنّه لو لا ذلك لبطل بيع السّم والأدوية من المعجونات والحبوبات والعقاقير الّتي كثير منها يضرّ بالمزاج الصّحيح في الغالب فيحرم أكلها غالبا للضّرر فيحرم ثمنها ولا يلتزم بمثله وكيف كان إن كان وجه الانتقاض بها جواز بيعها مع حرمة الانتفاع بها حال الاختيار لأجل الإضرار بلحاظ مجرّد حلّيّة الانتفاع بها في حال الضّرورة والمرض صحّ جعل عدم ورود الانتقاض بها متفرّعا على ما ذكره سابقا من كون الضّابطة في تحريم البيع حرمة الشّي‏ء في حال الاختيار بقول مطلق وذلك لما ذكره من التّعليل الّذي مرجعه إلى منع ما ذكر في وجه الانتقاض من كون الحليّة في حال المرض لأجل الاضطرار إليها مع بقائها على ما كانت عليه من الخصوصيّات الموجبة للحرمة على ما هو معنى الحليّة لأجل الاضطرار كما في المنتقض عليه فإنّ الأبوال إنّما يطرأ عليها الحليّة لأجل الاضطرار مع بقائها على تلك الخصوصيّة الموجبة لحرمة شربها في حال الاختيار حاصل التّعليل أنّ قضيّة النّبوي أنّ ضابطة حرمة البيع حرمة الشّي‏ء المبيع بقول مطلق بعنوانه الأولي الذّاتي بدون ملاحظة طرو عنوان آخر عليه ولا يكفي في جوازه حلّيته بلحاظ طروّ عنوان آخر عليه مجوّز له مع بقائه على عنوانه الأولي الذّاتي المقتضي للحرمة كالاضطرار ونحوه من العناوين الثّانويّة كما في الأبوال وهذا بخلاف الأدوية المضرّة في حال الصّحة فإنّها لم تحرّمها الشّارع في تلك الحال بعناوينها الأوّليّة الذّاتيّة وقد طرأ عليها الحلّ لأجل طرو عنوان مجوّز عليها مثل المرض بلحاظ أنّه من أفراد الاضطرار وذلك واضح بالضّرورة وإنّما نهى الشّارع عن المضرّ الّذي ينطبق على الأدوية في حال الصّحة ولا ينطبق عليها في حال المرض والاضطرار فيجوز بيعها لوجود المقتضي وهو المنفعة ولو في حال المرض إذ لا يلزم في صحّة بيع شي‏ء اشتماله على النّفع في جميع الآنات والحالات وعدم المانع لانحصاره في نهي الشّارع عنه بعنوانه الأولي وهو منتف كما عرفت وبالجملة المدار على الحرمة بالعنوان الأولي لا العرضي والأبوال من الأوّل والأدوية من الثّاني‏
    قوله ولا ينافيه النّبوي‏
    (5) أقول أي لا ينافي جواز بيع شحوم السّباع‏
    قوله ولكن الموجود من النّبوي في باب الأطعمة عن الخلاف أنّ اللَّه إذا حرّم أكل شي‏ء حرّم ثمنه‏
    (6) أقول أي الموجود منه في ذاك الباب من نسخة الخلاف‏


(19)
الموجودة عندي في مسألة موت الفأرة في الزّيت والسّمن وفي باب البيع في مسألة بيع المسوخ وكذا في مسألة بيع السّرجين أنّ اللَّه إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه خاليا عن لفظ الأكل نعم هو مشتمل عليه في عوالي اللّئالي في ذيل النّبوي المتقدّم ذكره في المتن قال فيه على ما حكاه عنه في المستدرك في باب جواز بيع الزّيت والسّمن النّجسين إلى آخره من أبواب ما يكتسب من كتاب التّجارة عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قال لعن اللَّه اليهود حرّمت عليهم الشّحوم فباعوها وأكلوا ثمنها وإنّ اللَّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شي‏ء حرّم عليهم ثمنه ويخطر ببالي أنّ في الخبر تصحيفا والأصل كلّ والألف زائدة وقعت من النّساخ وكيف كان غرضه قدّس سره من هذا الاستدراك بيان وجود ما ينافي جواز بيع شحوم السّباع وهو النّبوي على هذا التّقدير حيث إنّ مقتضاه حرمة بيعها
    قوله ودلالة لقصورها
    (1) أقول لو قال وقصورها دلالة لكان أولى ولعلّ وجه قصور الدّلالة احتمال أو ظهور كون المراد من الشّي‏ء من جهة إضافة الأكل إليه هو الشي‏ء المأكول أي ما كان منفعته المتعارفة المقصودة منه هو الأكل فلا يشمل مثل الشّحوم ممّا له منفعة مقصودة غير الأكل ثمّ إنّ قوله بلزوم تخصيص الأكثر في محلّ الرّفع على الخبريّة للجواب يعني والجواب عنه مضافا إلى ما ذكر من الضّعف أنّ فيه لزوم تخصيص الأكثر فلا بدّ من الطّرح أو التّأويل بما ذكرنا هذا بناء على صحّة وجود كلمة في قوله مع ضعفه وأمّا بناء على ما في بعض النّسخ المصحّحة من الضّرب عليها وعلى ما في الآخر من حينئذ بدل مع فالخبر له قوله ضعفه ويكون بلزوم متعلّقا للقصور فتأمّل فإنّ في العبارة ما لا يخفى على التّقديرين‏
    قوله بول الإبل يجوز بيعه‏
    (2) أقول يعني في حال الاختيار
    قوله عليه السلام خير من ألبانها
    (3) أقول تمام الرّواية ويجعل اللَّه الشّفاء في ألبانها وهو من جهة التّعبير في الذّيل بالشّفاء الّذي لا يطلق على الظّاهر إلا في مورد وجود المرض يمكن الخدشة في دلالة صدرها على الجواز في حال الاختيار فيبقى مفهوم سائر الرّوايات الدّالّ على عدم الجواز سليما عن المعارض فافهم‏
    قوله قدّس سره كما يدلّ عليه رواية سماعة إلى آخره‏
    (4) أقول مع تخصيص السّؤال عن الجواز بصورة الاستشفاء لا دلالة فيه على الحرمة في غيرها إلا بدعوى كونها مفروغا عنها والاستناد إليه كما ترى‏
    [ الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان‏ ]
    قوله ويدلّ عليه مضافا إلى ما تقدّم من الأخبار رواية يعقوب إلى آخره‏

    (5) أقول لا دلالة لما تقدّم منها عليه إلا قوله عليه السلام في رواية التّحف أو شي‏ء من وجوه النّجس لأنّ الظّاهر أنّ موضوع حرمة البيع في الرّضوي ورواية الدّعائم والنّبوي ما كان منفعته الظّاهرة المقصودة محترمة كالأكل والشّرب بالنّسبة إلى المأكول والمشروب وهكذا كما لا يخفى على المتأمّل والعذرة النّجسة ليست كذلك قطعا لأنّ المنفعة المقصودة منها كالتّسميد والإحراق ونحوهما لم ينه عنها بل في رواية أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ عليه السّلام أنّه كان لا يرى بأسا أن يطرح في المزارع العذرة والأكل المنهيّ عنه ليس ممّا يقصد منها بل يمكن أن يقال إنّ النّهي عن أكلها لغو لا يصدر عن الشارع لأنّ النّهي لا بدّ وأن يكون لإحداث الدّاعي إلى التّرك ومن المعلوم أنّه متروك بنفسه إذ لا يقدم إليه عاقل أصلا قوله‏
    لأنّ الأوّل نص إلى آخره‏
    (6) أقول يعني النّصوصيّة والظّهور بالنّسبة إلى مجموع الكلام المركّب من الموضوع والمحمول لا بالنّسبة إلى خصوص لفظ العذرة كي يقال إنّه لفظ واحد لا يمكن فيه الاختلاف من حيث النّصوصيّة والظّهور باختلاف المورد
    قوله فإنّ الجمع بين الحكمين إلى قوله يدلّ على أنّ التّعارض إلى آخره‏
    (7) أقول نعم لو كان الجمع من الإمام عليه السلام دون الرّاوي ولعلّه يساعد الثّاني توسيط قال بين الحكمين أو مع كون الجمع منه عليه السلام لو لم يكن في المجلس من أوّل الكلام إلى آخره من يتّقي منه وهو غير معلوم فيحتمل وجوده في التّكلّم بالفقرة الأولى وخروجه عن المجلس مقارنا لانتهائه ويمكن الجمع بين الفقرتين بحمل الفقرة الأولى على الحكم الوضعي والثّاني على التّكليفي وبه يجمع بين الرّوايتين أيضا فتأمل فإنّه كما ترى ولو تنزّلنا عن جميع ما ذكرنا فنقول إنّ الجمع بين الحكمين يقرب مطلق الجمع الدّلالي قبال التّرجيح السّندي لا خصوص الجمع المذكور
    قوله واحتمل السّبزواري حمل خبر المنع على الكراهة
    (8) أقول حملا للظّاهر على النّصّ لأنّ خبر الجواز نصّ في الجواز بخلاف المنع فإنّه ظاهر فيه فيحمل على الكراهة كحمل ما دلّ على كون أجرة الحجّام سحتا إذ الشّارط على الكراهة لمّا دلّ على جوازها بالنّصوصيّة فلو كان خبر الجواز حجّة في حدّ نفسه مع قطع النّظر عن المعارضة لخبر المنع فهذا الجمع هو المتعيّن من بين وجوه الجمع بين الخبرين الأوّلين وكذلك بين صدر خبر سماعة وذيله ولا نرى فيه بعدا أصلا إلا أن يمنع حجّية خبر الجواز في نفسه بحيث لا يعمل به مع فرض عدم المعارض له أيضا وعليه لا موضوع للجمع الدّلالي ولعلّ سند المنع لحجّية مخالفته للشّهرة والإجماع المنقول والعمومات المتقدّمة وإلى هذه الوجوه ينظر المصنف في قوله فيما بعد وإلا فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفى وقد مرّ أن ليس من العمومات المتقدّمة ما يدلّ على المنع هنا إلا رواية التّحف والعمل بها الجابر لضعفها غير معلوم لاحتمال استنادهم إلى رواية المنع فتأمل فالعمدة في وهن خبر الجواز هو إعراض المشهور عن العمل به فتدبّر ومعه لا يكون حجّة فيكون خبر المنع سليما عن المعارض فيجب العمل به والحكم بسحتيّة الثّمن فيه كاشف عن إلغاء الشارع مالية العذرة النّاشئة من المنفعة المحلّلة فيها كالتّسميد فلا يصحّ جعلها ثمنا في البيع كجعلها مثمنا وجعلها أجرة في الإجارة وعوضا في الجعالة والخلع وجعلها مهرا فتأمل وهل يجوز هبتها والصّلح عنها بغير عوض فيه وجهان أحوطها عدم الجواز وأظهرهما الجواز لوجود المقتضي وهو المنفعة المحلّلة الموجبة للماليّة وعدم المانع لاختصاص أدلّة المنع بالمعاوضة عليها وجعلها عوضا إذ الظّاهر من الثّمن في الأدلّة هو مطلق العوض والمقابل لا معناه الاصطلاحي المقابل للبيع ومن هنا يشكل عدم صحّة جعلها عوضا في الجعالة والخلع إذ لا معنى لسحتيّة مقابلها فيهما من العمل والطّلاق بل وكذلك الكلام في جعلها مهرا أيضا فتأمل فإنّ فيه إشكالا فلا يترك الاحتياط
    قوله مع ما عدا عذرة الإنسان‏
    (9) أقول يعني مطلقا ولو كان ما عداها نجسا
    قوله وفيه نظر
    (10) أقول يعني في الاستظهار المزبور نظر وجه النّظر احتمال إرادة المثال من عذرة الإنسان لكلّ عذرة نجسة
    قوله وعن المفيد


(20)
    حرمة بيع‏
    (1) أقول الغرض من ذلك بيان ما يظهر منه عدم جواز بيع الأرواث الطّاهرة وجه الظّهور عموم العذرة للرّوث الطّاهر بقرينة تخصيص المستثنى ببول الإبل فيدلّ على حرمة بيع مطلق العذرة ولو كانت طاهرة
    قوله ره إنّ المراد بقرينة مقابلته لقوله تعالى إلى آخره‏
    (2) أقول لم أفهم الوجه فيما يظهر منه ره من الفرق بين آية تحريم الخبائث وآية حليّة الطّيبات بعموم المحرّم في الآية الأولى لجميع الانتفاعات حتّى البيع واختصاص الحلال في الثّانية بالأكل حيث جعل الثّانية قرينة على التّصرّف في الأولى بحملها على الأكل فإنّه ظاهر في عموم الأولى بغير الأكل حتّى البيع واختصاص الثّانية بالأكل بل الظّاهر أنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة وأنّ المراد هو الأكل في الآية الأولى لكن لا بقرينة المقابلة بل لما هو الوجه في اختصاص المراد بالأكل في الثّانية وهو ظهور الآية الأولى في تحريم الخبائث في الجهة الّتي تستخبث وظهور الثّانية في حلّية الطّيّبات في الجهة الّتي تستطاب وهي الأكل فيهما
    [ الثالثة يحرم المعاوضة على الدم بلا خلاف‏ ]
    قوله وأمّا الدّم الطّاهر إذا فرضت له منفعة محلّلة كالصّبغ لو قلنا بجوازه‏

    (3) أقول الضّمير المجرور بالإضافة راجع إلى الصّبغ وليس المراد من الجواز الإباحة التّكليفيّة وإلا لما صحّ التّعبير بلو إذ لا ريب في الجواز بهذا المعنى على المختار وفاقا للمصنف قدّس سره من أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة لا الحظر فلعلّ المراد منه الجواز العادي بمعنى نفوذه بينهم ورواجه عندهم ومرجع ذلك حينئذ إلى اشتراط كون الصّبغ منفعة محلّلة معتدّة بها في قبال الأكل المحرّم الموجب لعدم صدق كونه شيئا حرّمه اللَّه على الإطلاق كي يحرم ثمنه وحينئذ الأقوى ما ذكره المصنف لما ذكره من الدّليل ولكنّه فرض محض إذ ليس الصّبغ معتدّا به عند العرف كما هو قضيّة كلمة لو ولذا حرّمه في الآية الشّريفة بقول مطلق فيدخل في النّبوي فيكون المنع أقوى ثمّ إنّ وجه عدم فرض مثل ذلك في الدّم النّجس هو عدم صحّة الانتفاع بالمصبوغ به عند العرف بعد وجوب غسله شرعا الموجب لزوال اللّون خصوصا مع وجوب غسل ما يلاقيه الموجب لغير اللّبس والاستعمال فتدبّر
    [ الرابعة لا إشكال في حرمة بيع المني‏ ]
    قوله قدّس سره لا ينتفع به المشتري إلى آخره‏

    (4) أقول هذا في مقام التّعليل للحكم المستفاد من قوله ره فكذلك أعني حرمة بيع المنيّ الواقع في الرّحم وفي الكلام حذف يعني لا ينتفع به المشتري مطلقا انتفاعا يتوقّف على الشّراء أمّا ما دام منيّا ولم يصر ولدا فواضح وأمّا بعد صيرورته ولدا فلأنّ الولد تابع للأمّ في الملكيّة في الحيوانات فإن لم يكن الأمّ للمشتري فلا يكون الولد له بل يكون لمالك الأمّ بمقتضى التبعيّة وإن كانت له فالولد له أيضا قهرا مجّانا بمقتضى التّبعيّة للأمّ فيكون شراؤه وبذل المال بإزائه بمنزلة شراء مال نفسه فيكون أخذ المال في قباله أكلا للمال بالباطل فيبطل‏
    قوله متفرّع على عدم تملّك المني‏
    (5) أقول فلو علّل به عدم جواز بيعه وعدم جواز تملّكه لكان دورا واضحا
    قوله فالمتعيّن التّعليل بالنّجاسة إلى آخره‏
    (6) أقول لا يصحّ التّعليل بذلك على حرمة البيع تكليفا ووضعا أمّا الأوّل فلما مرّ منه قدّس سره من انصراف أدلّة حرمة الاكتساب إلى ما لو قصد ترتّب الأثر المحرّم لا ترتّب الأثر المحلّل كالاستنتاج في المقام وأمّا الثّاني فلما سيصرح به مرارا من أنّ النّجاسة بنفسها غير مانعة عن البيع وإنّما المدار في الجواز وعدمه على الانتفاع المحلّل المعتدّ به وعدمه والمفروض هنا تحقّق الانتفاع عرفا فالمتعيّن التّعليل بالنّبوي المرسل في بعض كتب العامّة كنهاية ابن الأثير والخاصّة كقواعد العلّامة ومحكي المنتهى والتّذكرة والسّرائر والمهذّب عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وآله أنّ اللَّه إذا حرّم شيئا حرم ثمنه بل لا يصحّ التّعليل به أيضا لعدم تحقّق ما يكون صغرى له في المقام لعدم حرمة عين المني بقول مطلق ضرورة توقّف حرمته كذلك على ما تقدّم في ذيل المسألة الأولى على حرمة جميع منافعه أو أهمّها المقصود للعقلاء ومنفعة المني المحرّمة هي الأكل وهي بالنّسبة إلى منفعة الاستنتاج منفعة نادرة فلم يبق ما يكون دليلا على حرمة بيعه تكليفا ووضعا فتأمل‏
    قوله وقد ذكر العلّامة عسب الفحل‏
    (7) كفلس له في اللّغة معان ثلاث ماء الفحل وضرابه وأجرة ضرابه كما في النّهاية ومحكيّ الصّحاح والقاموس وفي المجمع عسيب الفحل ماؤه انتهى ومراد العلّامة منه ماء الفحل بقرينة إضافة البيع إليه أقول فلو كان المراد من الوقوع في قوله ولو وقع فيه أي في الرّحم هو الوقوع المستقرّ بمعنى قبول الرّحم إيّاه وضبطه له لكان الغرض من ذكر كلام العلّامة قدّس سره هو التّعرض لحكم الوقوع الغير المستقرّ المردّد بين أن يحفظه الرّحم ويقذفه إن كان المراد من العسيب هو الماء الخارج من الفحل الواقع في الرّحم قبل الاستقرار فيه لا مطلقا كما يرشد إليه في الجملة قوله في القواعد وأمّا المضامين فهو ما في أصلاب الفحول ولم يتعرّض لعلّة الحكم هنا لاشتراك الفرعين في العلّة حينئذ وهو النّجاسة عند المصنف قدّس سره وكأنّ الغرض من ذكر كلام الغنية وهو التّعرض لفرع آخر غيرهما ولمّا كان علّة الحكم فيه غير ما كان في الآخرين لعدم نجاسة ماء الفحل ما دام في الأصلاب تعرّض لنقل علّته أيضا وإن كان المراد منه أعمّ منه ومن الوقوع الغير المستقرّ كان الغرض من ذكر كلام العلّامة صرف الاستشهاد وأمّا على خصوص الفرع الثّاني لو كان العسيب مختصّا بما ذكرنا وعلى كلا الفرعين لو كان مطلقا ولكنّه محلّ تأمّل وعلى هذا يكون الغرض من ذكر كلام الغنية هو التّعرّض لفرع آخر أيضا كما ذكرنا لأنّه أجنبيّ عن كلا الفرعين وإنّما تعرّض له لمجرّد المناسبة فلا يشكل بأنّه أجنبيّ عن المقام لكون مفاده الفساد والكلام في الحرمة التّكليفيّة وكيف كان يتّجه على ما علّل به البطلان في الغنية بأنّ لازم دليله الأوّل وهو الجهالة المراد منها الجهالة من حيث الوجود والعدم أو من حيث كون الموجود منه مبدأ نشوء الحيوان وعدمه لا من حيث الكمّ حتّى يدّعى أنّها إنّما توجب المنع إذا كان المطلوب منه الكمّ لا في مثل المقام جواز الصّلح عليه ولازم دليله الثّاني أعني عدم القدرة على التّسليم بعد تسليمه جواز بيعه مع الضّميمة وليس كذلك فتأمّل فالأولى تعليله بالتّعبّد والنّهي الشّرعي المستفاد من قوله إنّ اللَّه إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه وأمّا مرسلة الفقيه نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله عن عسيب الفحل وهو أجرة ضراب الفحل فلا يصحّ الاستناد إليه في المسألة أمّا بناء على كون التّفسير من الإمام عليه السلام فواضح وأمّا بناء على كونه من الصّدوق كما عن الحدائق فلأنّه مبنيّ على كون العسيب بمعنى الماء
هداية الطالب إلى أسرار المكاسب جلد الأول ::: الحاجّ ميرزا فتاح الشّهيديّ التّبريزي