هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ـ الجزء الثاني‏ ::: 148 ـ 150

هداية الطالب إلى أسرار المكاسب
الجزء الثاني‏
كتاب البيع‏
في تعريف البيع وبيان حقيقته‏


(148)
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
    الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء محمّد وآله الطّاهرين ولعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدّين‏
    قوله قدّس سرّه البيع في الأصل مبادلة
    (1) أقول للبيع وكذلك الشّراء إضافتان إضافة إلى الفاعل ومن يصدر عنه المبدأ وإضافة أخرى إلى المفعول وما يرد عليه المبدأ وهو المبيع والمال وهو بالنّظر إلى الإضافة الأولى عبارة عن التّبديل والتّعويض ونحو ذلك وأمّا بالنّظر إلى الإضافة الثّانية فلمّا أخذ في مفهومه بلحاظ الإضافة المذكورة قيام كلّ واحد من المالين مقام الآخر فيما له من الأوصاف الاعتباريّة العقلائيّة الّتي لها آثار شرعيّة كالملكيّة والوقفيّة والرّقيّة وكان المقصود الأهمّ بيان مفهومه بهذا اللّحاظ الثّاني فلا محيص عن تعريفه بالمبادلة لإفادة قيام كلّ من المالين مقام الآخر حيث إنّ التّبديل ونحوه لا يفيد ذلك كما هو واضح وإلى هذه الإضافة الثّانية ينظر الفيومي في تعريفه بما ذكر فإشكال غير واحد من المحشّين على المتن عليه بأنّ اللّازم عليه من جهة كون البيع فعل شخص واحد بالضّرورة والتّعبير بالتّبديل بدل المبادلة غفلة وذهول عن كونه بصدد تعريفه بلحاظ الإضافة الثّانية لا الأولى وهذا المعنى هو المقصود منه في قوله تعالى وَ ذَرُوا الْبَيْعَ وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وفيما عداهما من الآيات وكذا في الأخبار مثل قوله (ص) البيّعان بالخيار وإذا افترقا وجب البيع وكذا في قول الفقهاء كتاب البيع وأقسام البيع وأحكام البيع وسائر الموارد الّتي نعلم أنّ المراد منه فيها المعاملة الخاصّة المتقوّمة بقيام مال مقام آخر وأمّا أنّ هذه المبادلة بين المالين هل هو قائم بشخص واحد وهو صاحب المثمن أو قائم بشخصين هو وصاحب الثّمن فيه وجهان لعلّ أظهرهما الأوّل لأنّ إقامة كلّ من المالين مقام الآخر إنما تحصل بمجرّد الإيجاب ولا دخل فيها للقبول الّذي هو فعل الآخر الا في مرحلة التّأثير والتّأثّر فتأمّل وكيف كان فالبيع هو المبادلة بين المالين وتلوّن كلّ منهما بلون الآخر بل جعل أحدهما عين الآخر غاية الآمر اعتبارا لا حقيقة وتكوينا فكلّ ما كان لأحد المالين من الأوصاف الاعتباريّة العقلائيّة القابلة للانفكاك عن موصوفها لا بدّ أن يثبت للمال الآخر فقد يكون وصفه الملكيّة كما هو الغالب وقد يكون غيره كما في بيع الوقف في صورة جوازه ونحو ذلك فتعريف البيع بالتّمليك ليس في محلّه وإنما هو يتضمّن التّمليك ويستلزمه في بعض الموارد لأجل خصوصيّة فيه مختصّة به ومن هنا ذكر العلّامة أنّ التّمليك حقيقة في الهبة وجعل ملّكت في إيجاب البيع من الكنايات وحكم بعدم صحّته وقال الشّهيد الثّاني إنّ ملّكت يفيد معنى غير البيع فما ذكره الفخر من أنّ معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري إمّا خلاف التّحقيق أو مبنيّ على الغالب في الأثر فمن ذلك نقول إنّ ثمن الوقف والرّهن يصير وقفا ورهنا بنفس البيع ولا يحتاج إلى إنشاء الوقف والرّهن ونقول أيضا إنّ العبد المشترى من الزّكاة زكاة فهل ينعتق قهرا أو يحتاج إلى عتق فيه وجهان ظاهر بعض الرّوايات هو الثّاني وسيأتي مزيد توضيح لذلك في بيع الغاصب من أقسام الفضولي‏
    قوله قدّس سرّه والظّاهر اختصاص المعوّض بالعين إلى آخره‏
    (2) أقول يعني بها مقابل المنفعة فيعمّ العين الشّخصيّة والكلّي في المعيّن والكلّي في الذّمّة سواء كان استقراره في الذّمّة بنفس البيع أو كان قبله بغير ذاك البيع وعلى الثّاني كان بيعه على من هو عليه أو على غيره وكيف كان لا إشكال في ذلك بحسب العرف والشّرع وأمّا بحسب اللّغة فقد يقال كما هو صريح المحشّين على المتن أنّ مقتضى تعريف المصباح من جهة التّعبير بالمال عن المعوّض أيضا نفي الاختصاص حيث إنّ المال لغة أعمّ من العين والمنفعة ومن هنا نسب التّسامح إلى تعريف المصباح من حيث تعبيره عن الأخصّ بالأعمّ وفيه نظر لأنّ المال كما في المجمع على ما ببالي أنّه في الأصل ملك الذّهب والفضّة ثمّ أطلق على كلّ ما يتملّك من الأعيان انتهى وهو كما ترى صريح في اختصاص المال بالعين مقابل المنفعة ولا ينافيه ما في القاموس من أنّ المال ما ملّكته من كلّ شي‏ء لقوّة احتمال أن يكون العموم من حيث الأعيان قبال الاختصاص بالذّهب والفضّة في الأصل فيكون موافقا لذيل كلام الطّريحي فمن هنا يعلم اختصاص المعوّض بالعين في اللّغة أيضا من دون حاجة إلى التّمسّك بأصالة عدم النّقل وأنّ نسبة التّسامح المذكور إلى تعريف المصباح ليس في محلّها نعم فيه تسامح من جهة أخرى وهي أنّه يعتبر في البيع عنوان المعوّضية في أحد المالين والعوضيّة في الآخر والتّعريف المذكور أعمّ من ذلك لشموله لما كان كلّ من المالين مثل الآخر في صحّة التّعبير عنه بالمعوّض والعوض وهو ليس بيعا بل ليس صلحا أيضا بل الظّاهر أنّه معاوضة مستقلّة يعبّر عنها في اللّغة الفارسيّة ( بسوداگرى ) ويعلم أيضا أنّ العوض مثل المعوّض مختصّ بالعين لاعتبار كونه مالا أيضا وقد مرّ اختصاص المال بالعين والظّاهر عدم التّصرّف في البيع من هذه الجهة أيضا فلا يجوز جعل المنفعة والحقّ معوّضا ولا عوضا


(149)
في البيع لعدم كونهما من الأموال وما تراه من إطلاق المال على المنفعة وبعض الحقوق في لسان العرف إنما هو بلحاظ الأمر المرتكز أعني تقوّمه بالذّهب والفضّة كما لا يخفى هذا والّذي يظهر من المصنّف قدّس سرّه هو التّردّد في صدق المال على المنفعة كما هو ظاهر لمن لاحظ كلماته في ضمان المنافع في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد مثل قوله بناء على صدق المال على المنفعة وقوله لكن يشكل الحكم بعد تسليم كون المنافع أموالا حقيقة بل ظاهر العبارة الثّانية مع صدق المال عليها لعلّك تتوهّم أنّه بعد منع صدق المال على المنفعة لا يبقى لك ما تستند إليه في ضمان المنافع لاختصاص موضوع أدلّة الضّمان بالمال المفروض اختصاصه بالأعيان ولكنّه فاسد بما يأتي إن شاء اللَّه في أحكام المقبوض بالعقد فانتظر
    قوله نعم ربّما استعمل في كلمات بعضهم في نقل غيرها
    (1) أقول الظّاهر أنّ المستعمل له فيه مثل الشّيخ قدّس سرّه في محكي المبسوط حيث أطلق البيع على نقل خدمة العبد قد تبع في ذلك النّص المشتمل على هذه الاستعمال لا أنّه يرى جواز كون المعوّض من المنافع حتّى ينافي ما استقرّ عليه الاصطلاح ولذا لم يتعدّوا في هذا الاستعمال عن مورد النّصوص وأمّا التّعبير بالبيع في النّصوص عن نقل بعض المنافع فإنّما هو بنحو من العناية
    قوله وبيع سكنى الدّار
    (2) أقول يعني بالخبر المتضمّن له ما رواه في الوسائل في باب اشتراط كون المبيع مملوكا عن إسحاق بن عمّار عن العبد الصّالح قال سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنّها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها قال عليه السلام ما أحبّ أن يبيع ما ليس له قلت فإنّه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي ولا أظنّ يجي‏ء لها ربّ أبدا قال عليه السلام ما أحبّ أن يبيع ما ليس له قلت فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي قال نعم يبيعها على هذا والمراد من مكانها في يده كونها فيها بأن يكون المكان مصدرا ميميّا قال في الوافي بيان أو مكانها في يده أي منزلتها عنده كما يفسّره بقوله تكون في يدك كما تكون في يدي انتهى أمّا تجويز نقل منفعة الدّار مع كونها لغير النّاقل لا بأس به لإمكان أن يكون منافعها لهم دونها بالوقف مثلا
    قوله نعم نسب إلى بعض الأعيان‏
    (3) أقول يمكن أن يكون مراد النّاسب من البعض هو الآقا بهبهاني في رسالته العمليّة في المعاملات الموسومة بآداب التّجارة وهو الحقّ حيث إنّ البيع قد أخذ في مفهومه المال في طرف العوض أيضا وقد مرّ منع صدقه على المنفعة فما كان من هذا القبيل فهو إجارة حقيقة وإطلاق البيع عليه لو سلّم تسامح فلا يعمّه أحكام البيع ولا أقلّ من الشّك فيرجع إلى الأصول عند عدم القواعد اللّفظيّة
    قوله ولعلّه إلى آخره‏
    (4) أقول وجه المخالفة ما ذكرنا من اعتبار الماليّة في العوض وأنّ المنفعة ليست بمال حقيقة لا ما ذكره المصنف قدّس سرّه‏
    قوله وأمّا عمل الحرّ إلى آخره‏
    (5) أقول بناء على ما ذكرنا من منع صدق المال على المنفعة لا يجوز جعله عوضا في البيع لأنّه على كلّ حال من المنافع وأمّا بناء على عمومه للمنفعة وصدقه عليها وجواز جعلها عوضا في البيع فلا ينبغي الإشكال في صحّة جعل عمل الحرّ عوضا في البيع مطلقا حتّى قبل وقوع المعاوضة عليه في معاملة أخرى كالإجارة بأن يستأجر شخصا للخياطة مثلا ثمّ يشتري المستأجر كتابا ويجعل ثمنه عمل خياطة ذاك الشخص الّذي ملكه بالإجارة قبل بيع الكتاب وشرائه وذلك ضرورة صدق المال عليه بناء على التّعميم المفروض حتّى قبل المعاوضة حيث إنّه يصدق عليه ما جعلوه معنى المال من أنّه شي‏ء يبدّل بإزائه شي‏ء أو شي‏ء يجري فيه الشّح أو شي‏ء يدّخر لوقت الضّرورة والحاجة وغير ذلك من المعاني ولذا يصحّ جعله صداقا في النّكاح وأخذ العوض بإزائه في الإجارة فيصحّ جعله عوضا في البيع قبل المعاوضة عليه مثل عمل العبد لاشتراكهما فيما هو المعتبر في العوضيّة أعني الماليّة نعم يفترق عمل العبد عن عمل الحرّ في صورة عدم المعاوضة عليها قبل البيع بكون الأوّل ملكا للسّيّد بخلاف الثّاني فإنّه ليس ملكا لأحد فإن قلت بعد أن كان عمل الحرّ مالا كعمل العبد فما الوجه في ضمان الثّاني إذا حبسه الظّالم دون الأوّل قلت الوجه فيه أنّ المدار في الضّمان على إتلاف المال لكن لا مطلقا بل بما هو مضاف إلى الغير كما هو مفاد أدلّة الضّمان من دليل الإتلاف واليد والإضافة إلى الغير موجودة في عمل العبد لأنّه ملك المولى بالتّبع بخلاف عمل الحرّ لأنّه ليس ملكا لأحد نعم له سلطنة تمليك أعماله للغير وهذا من موارد انفكاك السّلطنة عن الملكيّة فتأمّل فإنّ فيه كلاما يأتي في المقبوض بالعقد الفاسد
    قوله قدّس سرّه أمّا الحقوق الأخر إلى آخره‏
    (6) أقول الظّاهر زيادة كلمة الأخر وقد ضرب عليها الخطّ في بعض النّسخ المصحّحة وعلى تقدير وجودها لا بدّ أن يكون معناها المغايرة ويكون التّوصيف للتوضيح يعني وأمّا الحقوق المغايرة للمنافع أو نحو ذلك وكيف كان وفي بعض الحواشي أنّ في صحّة جعل عوض المبيع شيئا من الحقوق خلافا بين المتأخّرين بعد اتّفاقهم على أنّ المبيع لا بدّ أن يكون عينا فأثبته صاحب الجواهر قدّس سرّه تمسّكا بإطلاق الأدلّة والفتاوى ونفاه بعض الأساطين في شرحه على القواعد على ما حكي عنه وفصّل المصنف بين أقسام الحقّ فجزم بالنّفي فيما لا يقبل المعاوضة بالمال وكذا فيما لا يقبل المعاوضة بالمال وكذا فيما لا يقبل النّقل واستشكل فيما هو قابل للنّقل في مقابل المال انتهى أقول المراد من القسم الأوّل ما لا يقبل الإسقاط والنّقل لأنّ مقابلة الحقّ بالمال إمّا أن يكون على إسقاطه وإمّا أن يكون على نقله فإذا لم يقبل المقابلة بالمال فلا بدّ أن لا يكون قابلا للنّقل والإسقاط وذلك كحقّ الحضانة والولاية والمراد من القسم الثّاني ما يقبل الإسقاط دون النّقل إذ مقتضى المقابلة للقسم الأوّل أنّه قابل للمقابلة بالمال وإعطاء المال بإزائه فإذا لم يقبل النّقل فلا بدّ أن يكون قابلا للإسقاط كي يصحّ جعله في مقابل المال ويخرج المعاملة عن السّفهيّة وذلك مثل حقّ الخيار والشّفعة فإنّهما غير قابلان للنّقل الاختياري وإن كانا يقبلان النّقل القهري إذا وجد سببه كالإرث كما هو المعروف وهو مشكل عندنا كما يأتي إن شاء اللَّه في أحكام الخيار ولكنّهما قابلان للإسقاط والمراد من القسم الثّالث ما كان قابلا لكلا الأمرين نظير حقّ التّحجير بناء


(150)
على عدم حدوث الملك بمجرّد ذلك والا كما لا يبعد فهو خارج عن موضوع البحث والظّاهر أنّ الخلاف بين المصنف وصاحب الجواهر قدّس سرّهما إنما هو فيما عدا القسم الأوّل حيث لا شبهة لأحد في أنّ البيع من المعاوضات فلا بدّ فيه من كون العوضين ممّا يبذل بإزائه شي‏ء عند العقلاء والقسم الأوّل ليس كذلك ولعلّ الوجه في عدم تعرّض صاحب الجواهر لعدم صحّة جعل هذا القسم عوضا وإطلاق كلامه مع وضوحه أنّ هذا ليس من الحقوق بل من الأحكام لأنّ الحقّ لا بدّ فيه أن يكون قابلا لأحد الأمرين فينحصر الحقّ في الأخيرين وأمّا القسم الثّاني فجعله عوضا عن المبيع يتصوّر على وجهين الأوّل أن يكون غرض البائع والمشتري كون المبيع بإزاء هذا النّحو من الحقّ بطور النّقل بأن يقول بعتك هذا الكتاب بحقّ لك عليّ على أن ينتقل منك إليّ الثّاني أن يكون الغرض كونه بإزائه على نحو الإسقاط بأن يقول بعتك هذا بحقّ لك عليّ على أن يزول منك ويسقط ولا إشكال في خروج الأوّل عن محلّ البحث بينهما من دون فرق بين أن يكون من عليه الحقّ هو البائع كما في المثال أو غيره كما في قولك بعتك هذا بحقّ لك على زيد على أن ينتقل منه إليّ إذ المفروض عدم قابليّته للنّقل ومعه كيف يمكن لصاحب الجواهر تجويز جعله عوضا لأنّه خلف إذ مرجعه إلى عدم العوض فنسبة الخلاف إليه هنا افتراء صرف وأمّا الوجه الثّاني أعني كون الغرض جعل المبيع بإزاء الحقّ بطور الإسقاط فتحته صورتان إحداهما أن يكون من عليه الحقّ هو البائع والأخرى أن يكون غيره ومنشأ النّزاع في الصّورة الثّانية يمكن أن يكون النّزاع في اعتبار أحد أمرين وعدمه إمّا اعتبار النّقل والتّمليك من الطّرفين وإمّا اعتبار صرف رجوع كلّ من العوضين إلى مالك الآخر ولو بغير الانتقال إليه مثل رجوعه إلى صاحب الآخر بانتفاعه بزواله عنه فمن يقول باعتبار الأوّل كالمصنف أو يقول باعتبار الثّاني يقول بعدم الصّحّة لانتفاء كلا الأمرين أمّا الأوّل أعني النّقل فلفرض عدم قابليّته له وأمّا الثّاني أعني رجوع الحقّ إلى البائع ولو بانتفاعه بالسّقوط فلفرض عدم كون الحقّ عليه ولا ينتفع بسقوط الحقّ الا من عليه الحقّ وهو غير البائع وأمّا الصّورة الأولى فمنشأ النّزاع فيها منحصر في النّزاع في اعتبار خصوص الأمر الأوّل وهو النّقل من الطّرفين وعدم اعتباره لوجود الأمر الثّاني فيها فمن قال باعتباره كالمصنف يقول بالبطلان ومن قال بعدمه واكتفى بمجرّد الانتفاع ولو كان في ضمن السّقوط كصاحب الجواهر قال بالصّحّة فما كان منشأ النّزاع في الصّحّة والفساد منحصرا بخصوص الخلاف في اعتبار النّقل من الطّرفين وعدمه هو الصّورة الأولى من صورتي القسم الثّاني وهي صورة كون من عليه الحقّ هو البائع فمراد المصنف من القسم الثّاني بقرينة تعليله البطلان بخصوص اعتبار النّقل والتّمليك من الطّرفين في البيع هو هذه الصّورة الأولى والا لما اكتفي به في مقام التّعليل فتأمّل وحاصل مرامه قدّس سرّه أنّه لا يصحّ جعل الحقّ الغير القابل للنّقل عن ذيه عوضا عن المبيع على وجه الإسقاط لأنّ البيع من النّوافل حتّى من طرف المشتري ولا نقل هنا من طرفه لعدم إمكانه حسب الفرض مضافا إلى عدم قصد النّقل إذ الفرض قصد العوضيّة على وجه الإسقاط نعم لو كان البيع أعمّ من النّقل والإسقاط لصحّ ذلك ولا بأس بشرح العبارة كي يندفع عنها الإشكال بحذافيره فنقول إنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد أن اختار جعل الحقّ عوضا تارة على وجه الإسقاط ومثّل له ببيع العين بحقّي الخيار والشّفعة على معنى سقوطهما وأخرى على وجه النّقل إلى البائع ومثل له ببيع العين بحقّ التّحجير مستندا في ذلك إلى إطلاق الأدلّة والفتاوى استدرك كلام كاشف الغطاء الّذي منع عن ذلك ثمّ استظهر منه إرادة العوضيّة على وجه الإسقاط وذكر في وجه منعه أنّ البيع ليس من المسقطات بل من النّوافل واستشكل عليه بقوله وفيه أنّه يصحّ بيع الدّين على من هو عليه ولا ريب أنّه ليس فيه الا الإسقاط دون النّقل والتّمليك ولو باعتبار أنّ الإنسان لا يملك على نفسه ما يملكه غيره عليه الّذي يقرّر بعينه في حقّي الخيار والشّفعة انتهى ولمّا كان هذا الإشكال يرد على المصنف القائل بمقالة كاشف الغطاء من اعتبار النّقل من الطّرفين في البيع وجه الورود أمّا في طرف المثمن فواضح وأمّا في‏ طرف الثّمن فبالأولويّة والإجماع لأنّ كلّ من اكتفى بمجرّد الإسقاط في طرف المثمن فقد اكتفى به في طرف الثّمن بطريق أولى حيث إنّه كان يقتضي كون البيع أعمّ من النّقل والتّمليك والإسقاط المستلزم لصحّة جعل الحقّ القابل للإسقاط دون النّقل عوضا عن المبيع تعرّض قدّس سرّه لدفعه بقوله ولا ينتقض إلى آخره وحاصل الدّفع أنّه إن أريد من الملكيّة المنفيّة في قوله إنّ الإنسان لا يملك على نفسه ما يملكه غيره عليه الظّاهر في إرادة عدم معقوليّتها الملكيّة الابتدائيّة أي حدوثها فعدم معقوليّتها ممنوع إذ لا مانع عقلا من كون الإنسان مالكا على ما في ذمّته ثمّ يسقط ومن هنا صار أمر الإبراء ملتبسا فجعله الشّهيد ره مردّدا بين التّمليك والإسقاط ويأتي الكلام إن شاء اللَّه في وجه التّرديد فلو لم يعقل ملكه على ما في ذمّته على نحو يترتّب عليه السّقوط لم يكن له وجه للتّرديد المذكور كما هو ظاهر وإن أريد الملكيّة الاستداميّة وبقاؤها عليه ما لم يطرأ عليه أحد النّواقل فهو مسلّم ولكن لا ضير فيه هذا ويمكن الخدشة عليه بمنع عدم المعقوليّة فيه أيضا الا أن يراد منه مجرّد عدم مساعدة العرف والعقلاء عليه لا حكم العقل بالاستحالة أو عدم قدرته على التّصوير ثمّ إنّه لمّا كان قد يتوهّم جريان تقرير وجه الدّفع في المثال الّذي مثّل به صاحب الجواهر ره وهو بيع العين بحقّي الخيار والشّفعة الّتي استشهد به عليه دفعه المصنف بقوله والحاصل إلى آخره ومحصّله أنّ الإسقاط فرع النّقل والانتقال وهو مع أنّه خلاف الفرض من وجهين إذ المفروض عدم قابليّته للنّقل والمجعول عوضا إنما كان على وجه الإسقاط لا على وجه النّقل مستلزم لاتّحاد المسلّط والمسلّط عليه ومرجعه إلى التّناقض فإن قلت ما الوجه في اكتفاء المصنف قدّس سرّه في دفع التّوهّم المذكور بالاستحالة ولم يتعرّض بغيرها كما ذكر قلت الوجه فيه وضوح ذاك الغير من‏
هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ـ الجزء الثاني