هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ـ الجزء الثاني‏ ::: 151 ـ 160
(151)
ملاحظة عنوان البحث أعني عوضيّة ما لا يقبل النّقل من أقسام الحقوق وإن شئت فقل إنّه قطع النّظر عن العنوان لأجل الإشارة إلى أمر دقيق ومن التّأمّل فيما ذكرنا يعلم فساد الإيراد على العبارة بأنّ هذا الكلام مختلّ النّظام أمّا أوّلا فبأنّه في مقام بيان عدم صحّة جعل الحقّ الغير القابل للنّقل عوضا وفساده فلا يناسب التّعليل بقوله لأنّ البيع تمليك الغير لأنّه لا يدلّ على لزوم النّقل من طرف الثّمن الّذي هو محلّ البحث وأمّا ثانيا فلأنّه لا يناسب النّقض ببيع الدّين على من هو عليه لاختصاص مورده بالمعوّض وأمّا ثالثا فلأنّه منقوض بجعل الحقّ عوضا عن مال غير من عليه الحقّ إذ ليس فيه اتّحاد المسلّط والمسلّط عليه وجه الفساد أمّا في الأوّل فلأنّ مراده تمليك الغير على وجه المبادلة لاختياره تعريف المصباح في اعتبار المبادلة ولا يحصل ذلك الا بالنّقل من الطّرفين على ما مرّ تفصيله وإنّما لم يكتف بمجرّد ما مرّ نقله عن المصباح وأتى بتلك العبارة الّتي تراها إمّا للتّفنّن وإمّا نظرا إلى عدم إفادته للنّقل والتّمليك لكون المبادلة أعمّ من النّقل وأمّا في الثّاني فلأنّ الغرض النّقض بنحو الأولويّة حيث إنّ كل من اكتفى بالإسقاط في طرف المعوّض فقد اكتفى به في طرف العوض بطريق أولى وأمّا في الثّالث فلما مرّ من اختصاص محلّ الكلام بجعل الحقّ عوضا عن مبيع من عليه الحقّ على وجه الإسقاط فالنّقض بما ذكر أجنبيّ عن محلّ النّزاع قد نشأ عن توهّم عمومه للصّورة المذكورة وغيرها هذا تمام الكلام في القسمين الأوّلين من أقسام الحقوق وأمّا القسم الثّالث وهو ما كان قابلا للمقابلة بالمال من جهة قابليّته للنّقل والإسقاط معا فمجمل القول فيه إنّه إمّا أن يجعل عوضا عن المبيع على وجه الإسقاط فحاله حال القسم الثّاني وأمّا على وجه النّقل وهو المقصود بالبحث هنا ولعلّ منشأ إشكال المصنف قدِّس سرُّه فيه هو الإشكال في المراد من المال المأخوذ في تعريف البيع في عوضيه فإن كان المراد ما يصحّ أن يكون طرفا للإضافة والسّلطنة ومتعلّقا لهما فلا يصحّ عوضيّة الحقّ المذكور لأنّ الحقّ إمّا مرتبة ضعيفة من الملكيّة أو عبارة عن نفس السّلطنة وعلى كلّ تقدير يكون هو من قبيل نفس الإضافات لا من أطرافها ومن هنا يظهر وجه آخر لعدم صحّة العوضيّة في البيع فيما تقدّم من أقسام الحقّ وإن كان المراد منه مطلق ما يرغب فيه العقلاء ويبذلون شيئا بإزائه ولو كان من قبيل الإضافة والسّلطنة فيصحّ عوضيّته ومن هذا البيان يظهر فساد توهّم الإيراد على المصنّف قدِّس سرُّه بأنّه بعد تسليم مقابلة هذا النّحو من الحقّ بالمال كيف يمكن أن يكون أخذ المال في عوضي البيع وجها لعدم الجواز فتأمّل فعلم من جميع ما ذكرنا أنّ المصنّف يمنع من عوضيّة الحقّ بجميع أقسامه أمّا الأوّلان فواضح وأمّا الأخير فلأنّه مع الشّك في صحّة عوضيّته يرجع إلى الأصل المقتضي لعدم الصّحة هذا ولا يخفى عليك أنّ ما ذكرنا في هذه الحاشية أنّما هو مبنيّ على مذاق القوم القائلين بانقسام الحقوق من حيث القابليّة للإسقاط والنّقل إلى ثلاثة أقسام ومنهم المصنّف وأمّا بناء على المختار من كون الحقوق كلّها من قبيل الأحكام أمّا الوضعيّة كما في بعض الموارد أو التّكليفيّة كما في بعض الآخر على ما تقدّم تفصيله في مسألة كفّارة الغيبة من المكاسب المحرّمة فلا إشكال في عدم صحّة عوضيّة الحقّ في البيع مطلقا وإن شئت بصيرة في المقام فراجع هناك ولاحظ وتأمّل‏
    قوله قدِّس سرُّه ولذا جعل الشّهيد في قواعده الإبراء إلى آخره‏
    (1) أقول ذكره في ذيل قاعدة عنوانها هذا قد تردّد الشّي‏ء بين أصلين يختلف الحكم فيه بحسب دليل الأصلين منه الإقالة إلى أن قال‏ ومن المتردّد بين الأصلين الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك‏
    (2) أقول لعلّ نظره ره في وجه التّرديد إلى أنّ الدّين لأحد على آخر له ربط إلى الدّائن وربط إلى المديون فالدّين مثل جبل أحد طرفيه بيد المالك وطرفه الآخر على ذمّة المديون والإبراء عبارة عن قطع الرّبط وإخلاء الذّمّة عن الدّين وهو كما يتحقّق بقطع ربطه بالمديون ورفع كونه عليه وإزالته عنه كذلك يتحقّق بقطع ربطه بالدّائن ورفع يده عن ملكه وجعله للمديون فهو بلحاظ قطع الرّبط بالطّور الأوّل إسقاط له عن ذمّة المديون ويلزمه زوال ملكه عنه ضرورة عدم ملك الكلّي بدون الذّمّة وبلحاظ قطعه بالطّور الثّاني تمليك له للمديون ويلزمه السّقوط عن الذّمّة وخلوّها عنه وحيث لم يعلم أنّ حقيقة الإبراء إخلاء الذّمّة عن الدّين بالنّحو الأوّل أو الثّاني جعل قدِّس سرُّه أمره بحسب الوضع اللّغوي مردّدا بينهما ويظهر الثّمرة في برء النّذر به وعدمه لو نذر تمليك مال لشخص ومن البيان المذكور ظهر أنّ حكم السّيّد العلّامة الأستاد قدِّس سرُّه بفساد احتمال التّمليك ليس بذلك الوضوح والإنصاف أنّ الحقّ ما ذكره قدِّس سرُّه لأنّ الإبراء من البرء والبراءة والظّاهر أنّ معناه الحقيقي هو الانصراف والمفارقة عن الشّي‏ء فقد يكون في مقابل الشّي‏ء المنصرف عنه شي‏ء آخر فيلزم الانصراف منه التّوجّه إلى الشّي‏ء المقابل له ومنه قوله عليه السلام في زيارة العاشوراء برئت إلى اللَّه وإليكم منهم فإنّهم لعنهم اللَّه مقابلون للَّه تعالى ومحمّد وآل محمّد عليهم الصّلاة والسّلام فالبراءة والانصراف منهم لعنهم اللَّه يلازمه التّوجّه إليه تعالى وإليهم (ص) ومنه قوله تعالى بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الآية حيث إنّ من في من اللَّه قد دخلت على فاعل البراءة ومن يوجدها ويصدر عنه وأمّا المفعول المجرور بمن فمحذوف وهو الأمان والصّبر عن المحاربة وتركها فيكون المعنى براءة وانصراف قد وجدت وصدرت من اللَّه ورسوله من النّهي عن محاربة المشركين وقتلهم إلى الإذن فيها وقد لا يكون في مقابلة شي‏ء وجودي كما في البراءة من الدّين والبرء عن المرض فيكون خاليا عن معنى التّوجّه إلى شي‏ء آخر فعلى هذا يكون معنى الإبراء من الدّين هو صرف الدّين عن المديون وتفريقه عنه ويلزمه السّقوط وأمّا التّمليك فهو أجنبيّ عن معنى البراءة بالمرّة فلا وجه لاحتماله فافهم‏
    قوله وإنّ المعاطاة عنده بيع‏
    (3) أقول قد يجاب عن ذلك بأنّ مراده تعريف البيع اللّازم وهو كما ترى ويمكن أن يجاب عنه بأنّ مراده من الصّيغة أعمّ من القوليّة والفعليّة وهذا ليس ببعيد غاية


(152)
    قوله لا يعقل إنشاؤه بالصّيغة
    (1) أقول ذكر بعض الأفاضل أنّه منقوض بمثل الإذن الصّريح الّذي يتفرّع عليه آثار خاصّة لا تتفرّع على مجرّد الرّضا وشهادة الحال فإنّه عبارة عن الرّضا المنشأ بصيغة مخصوصة وهي صيغة أذنت فكما يعقل إنشاء هذا الإذن بلفظ أذنت على ضرب من التّجريد كذلك إنشاء النّقل المدلول عليه بلفظ خاصّ بخصوص هذا اللّفظ ويشبه هذا أيضا ما إذا قال القائل أتكلّم قاصدا به التّكلّم الحاصل بهذا اللّفظ فيكون من قبيل القضايا الطّبيعيّة الّتي يشمل نفسها كما إذا قال القائل إنّي إذا تكلّمت يوجعني لساني فإنّه يشمل نفسه فيمكن أن يكون البيع هو النّقل الحاصل بلفظ بعت على نحو دخول التّقييد وخروج القيد وينشأ هذا بلفظ بعت فتدبّر جيّدا
    قوله ويرد عليه مع أنّ النّقل ليس مرادفا للبيع إلى آخره‏
    (2) أقول إن كان مراده عدم مرادفة جنس التّعريف وهو النّقل المجرّد عن قيد كونه بالصّيغة المخصوصة فالأمر كما ذكره الا أنّه ليس بشي‏ء إذ اللّازم هو المرادفة بين المعرَّف بالفتح وتمام المعرِّف بالكسر والا لا يسلّم تعريف عن هذا الإيراد ومنه تعريفه قدِّس سرُّه ضرورة أنّ الإنشاء ليس مرادفا للبيع وإن كان مراده عدم مرادفة تمام التّعريف بجنسه وفصله ففيه منع واضح وعلى هذا فعدم جواز إيجاب البيع به لعلّه من جهة عدم إمكان إنشائه كما ذكره المصنّف أو من جهة أنّ المعيار في الصّراحة المعتبرة في ألفاظ العقود عند بعض صراحة اللّفظ بنفسه من دون انضمامه بقيود يكون اللّفظ معها نصّا في المطلوب وليس لمادّة النّقل صراحة في البيع بدون الضّميمة بل معها أيضا كما إذا بيع شي‏ء بإزاء ما هو راجع إلى المسجد فإنّه لا ينقل إلى المشتري بل يكون مثل الثّمن راجعا إلى المسجد ثمّ إنّ العلّامة لم يصرّح في التّذكرة بعدم إيجاب البيع بلفظ قبلت ولم يجعله من الكنايات حيث إنّه قال ويشترط يعني في الصّيغة أمور إلى أن قال الرّابع التّصريح فلا يقع بالكناية مع النّيّة مثل أدخلته في ملكك أو جعلته لك أو خذه منّي وسلّطتك عليه بكذا عملا بأصالة بقاء الملك ولأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب به انتهى‏
    قوله لأنّه إن أريد إلى آخره‏
    (3) أقول هذا علّة لما هو العلّة في الحقيقة لعدم الاندفاع بما ذكره وهو صحّة إرادة ما ذكر في وجه الاندفاع يعني ولا يندفع بما ذكر لأنّه لا يصحّ إرادته حتّى يندفع به لأنّه إن أريد إلى آخره ومحصّله أنّه يلزم من إرادته أحد المحذورين الدّور على تقدير ولزوم الاقتصار على النّقل والتّمليك وترك التّقييد بالصّيغة المخصوصة
    قوله لأنّه إن أريد إلى قوله لزم الدّور
    (4) أقول يمكن اختيار هذا الشّق ورفع الدّور بأنّه أنّما يلزم لو أريد من بعت معناه لا لفظه وهو ممنوع إذ المفروض في وجه الاندفاع كون النّقل مدلول الصّيغة ومعلوم أنّ الّذي يدلّ عليه أنّما هو لفظ بعت لا معناه فممّا ذكرنا هنا والحواشي السّابقة يظهر أنّ تعريف جامع المقاصد سليم عن الإيراد عليه بما في المتن من الوجوه الثّلاثة نعم يرد عليه شي‏ء آخر أشرنا إليه سابقا وهو أنّ البيع ليس نقلا وأنّما يتضمّنه في بعض الموارد دون الآخر وقد مرّ مثاله‏
    قوله قدِّس سرُّه ولا يلزم عليه شي‏ء ممّا تقدّم‏
    (5) أقول قد استشكل على هذا التّعريف بأنّ البيع بالضّرورة من قبيل المنشأ لا الإنشاء فلا يصحّ تعريفه به وفيه أنّه أنّما يرد لو كان المعرّف بالفتح هو البيع بمعناه الاسم المصدري وليس الأمر كذلك وإنّما هو بصدد تعريفه بالمعنى المصدري وذلك بقرينة قوله عليه السلام فيما بعد ثمّ إنّ ما ذكرنا تعريف للبيع المأخوذ في صيغة بعت وغيره من المشتقّات حيث إنّ المبدأ المأخوذ فيه وفي سائر المشتقّات عنده على خلاف التّحقيق هو المصدر لا اسم المصدر والشّاهد على ذلك قوله في أواخر المبحث عند بيان وجه التّمسّك بإطلاقات أدلّة البيع أو على المصدر الّذي يراد من لفظ إلى آخره ومن هذا يعلم المراد من قوله قبل هذه الجملة إذا استعمل في الحاصل من المصدر الّذي يراد من قول القائل بعت إلى آخره إذ بهذا يتّضح أنّ قوله الّذي يراد إلى آخره هناك صفة للمصدر لا الحاصل وبالجملة المعرّف بالفتح عنده هو المصدر وقد أخذ في مفهومه الإضافة إلى الفاعل بنحو الإصدار والإنشاء ولمّا كانت هذه الإضافة من المعاني الحرفيّة الّتي ليس لها لفظ خاصّ عبّر عنها بالاسم فأدرج لفظ الإنشاء في التّعريف لإفادة هذه الإضافة ومع ذكره لا بدّ أن يراد من التّمليك في التّعريف هو بالمعنى الاسم المصدري لا المصدري والا لا يكون ذكره مستدركا وممّا ذكرنا يعلم أنّ المراد من الإنشاء في التّعريف ليس مقابل الإخبار كما توهّم كي يقال إنّ البيع ممّا يطرأ عليه الإنشاء والإخبار بل المراد منه تلك الإضافة المأخوذة في مفاهيم المصادر وهو تارة يخبر عنه كما في باع فلان داره أي أوجده وأخرى ينشأ أي يقصد وجوده في الخارج بالقول أو الفعل وقد يستشكل على تعريف المصنّف بأنّ العوض غير مأخوذ في مفهوم البيع وضعا ولذا يصحّ الإخبار بالبيع عمّن قال بعت هذه الدّار بدون ذكر العوض والوجه فيه أنّه موضوع للأعمّ من الصّحيح والفاسد ولذا تراهم يذكرون البيع بلا ثمن ويختلفون في حكمه فلو لم يكن بيعا لم يكن لهذا وجه وفيه أنّ كون البيع من المعاوضات من الواضحات وما ذكر في وجه صحّة الإخبار بالبيع في الفرض المذكور من وضعه للأعمّ أنّما يجدي بعد إحراز أصل المسمّى وهو ممنوع وإطلاق البيع عليه لو سلّم تسامح نعم يرد على التّعريف المذكور مثل ما أوردناه على تعريف جامع المقاصد وهو أنّ البيع ليس تمليكا وأنّما هو من لوازمه الغالبة كما أشرنا إليه آنفا فالأولى تعريفه بما مرّ عن المصباح فتدبّر
    قوله نظير تملّك ما هو مساو لما في ذمّته إلى آخره‏
    (6) أقول هذا تنظير لمجرّد سقوط ما في الذّمّة قهرا بدون الإسقاط لرفع الاستبعاد في بيع الدّين على من هو عليه ولكن السّقوط القهري في المقيس عليه مشكل لأنّه على خلاف القاعدة مع عدم الدّليل عليه بل قد تقدّم الإشكال فيه في المقيس أيضا
    قوله ولذا قال فخر الدّين إنّ معنى بعت في لغة العرب ملكت غيري‏
    (7) أقول قد تقدّم عن الشّهيد الثّاني قدِّس سرُّه أن ملّكت يفيد معنى غير البيع وقد ذكرنا أنّ التّمليك أنّما يلزم البيع غالبا ولذا جعله العلّامة من الكنايات‏
    قوله وفيه أنّ التّمليك فيه ضمنيّ إلى آخره‏
    (8) أقول ليس المراد من الضّمنيّة ما يدلّ عليه اللّفظ تضمّنا قبال المطابقة والالتزام إذ ربّما ينعقد البيع بدون اللّفظ كما في المعاطاة بل المراد منها كون التّمليك وسيلة إلى ما هو المقصد الأصلي قبال كونه أصلا لتعلّقه بالمقصد الأصلي‏


(153)
فكلّ مال كان من قبيل المقاصد فهو المبيع وصاحبه المملّك بالأصالة وهو البائع وكلّ مال كان من قبيل الوسائل فهو الثّمن وصاحبه المشتري والمملّك بالتّبع ولأجل التّوسّل إلى المقصد ويدلّ على ذلك أصل الحكمة في مشروعيّة البيع وهي أنّ نوع الإنسان غالبا يحتاج إلى ما في أيدي النّاس ويشتهيه لعدم نهوض كلّ شخص بكلّ ما يحتاج إليه فكلّ شي‏ء كان مقصده فهو المبيع الا أنّه لمّا لا يحصل مقصوده مجّانا يتوسّل إليه بشي‏ء وهو الثّمن وبهذا يمتاز البائع عن المشتري كذا حكي عن العلّامة الأستاد المولى المحقّق المدعوّ بالشّريعة قدَّس اللَّه روحه فاحفظ ينفعك فيما يأتي الكلام في تمييز البائع عن المشتري في رابع تنبيهات المعاطاة
    قوله بل معناه الأصليّ هو التّسالم إلى آخره‏
    (1) أقول لعلّ مراده أنّ معناه التّجاوز عن المال المتعلّق به الصّلح والإعراض عنه لكن في الجملة وبالنّسبة إلى شخص خاصّ لا بالجملة وبالنّسبة إلى كلّ أحد فالمال الّذي يأخذه المصالح عن المتصالح في مورد الصّلح المعاوضي أنّما يأخذه في قبال رفع اليد والإعراض فيتملّكه المتصالح بالحيازة مثل المباحات فالصّلح ليس من باب التّمليك أصلا بل من باب الإعراض وتملّك المتصالح لمتعلّق الصّلح من سنخ تملّك المباحات الأصليّة وليس فيه شائبة قبول التمليك إذ المفروض انتفاء التّمليك فتدبّر فإنّه لا يخلو من إشكال‏
    قوله وقد يتعلّق بتقرير أمر بين المتصالحين إلخ
    (2) أقول ولا إشكال في صحّة ذلك لروايتي الحلبي وأبي الصّباح الكناني عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في رجلين اشتركا في مال فربحا وكان من المال دين وعين فقال أحدهما لصاحبه أعطني رأس المال والرّبح لك وعليك التّوى فقال عليه السلام لا بأس إذا اشترطا فإذا كان شرط مخالف لكتاب اللَّه فهو ردّ إلى كتاب اللَّه عزّ وجلّ وإنّما الإشكال في أنّه يصحّ مطلقا كما هو قضيّة إطلاق المحقّق في الشرائع والعلّامة في القواعد و( ـ د ـ ) أم يصحّ عند انتهاء الشّركة وإرادة فسخها كما في الدّروس والمسالك وجامع المقاصد الظّاهر هو الثّاني إذ الظّاهر من الرّواية تحقّق الشّركة وكذلك حصول الرّبح فلا يعمّ صورة اشتراط ذلك في عقد الشّركة وكذلك الظّاهر من قوله أعطني رأس المال مطالبته بالفعل وعدم الرّضا بالعمل به فيما بعد فلا يعمّ اشتراطه في أثناء الشّركة مع بقائها على ما كانت عليه قبل ذلك ثمّ إنّ الظّاهر أنّ المراد من الرّبح هو الرّبح الموجود بقرينة قوله فربحا ومن التّوى هو التّلف المترقّب لأجل كون المال دينا يحتمل عدم وصوله لجهة من الجهات وكيف كان ليس في الرّواية ما يدلّ على كون ذلك بطور الصّلح الا قوله إذا اشترطا وهو أعمّ من ذلك إذ المراد منه العقد الموجب لكون رأس ماله له والرّبح والخسران لشريكه وهو كما يكون صلحا كذلك يمكن أن يكون بيعا بأن ينقل حصّته من المال المشترك بينهما عينا ودينا إلى شريكه بمقدار حصّته من رأس ماله إمّا على ذمّة شريكه وإمّا في المال المشترك بطور الكلّي في المعيّن الا أن يقال نعم لكن قضيّة إطلاق نفي البأس هو الحمل على الصّلح إذ على البيع لا بدّ من تقييده بعدم لزوم الرّبا فتأمّل وعلى أيّ تقدير فالصّلح هنا قد تعلّق بالنّقل والانتقال فلا وجه لجعله قسما على حدة اللَّهمّ الا أن يكون نظره قدِّس سرُّه في ذلك إلى عمومات الصّلح أو إلى الرّواية المتقدّمة بتعميمها لكون الصّلح في أثناء الشّركة مع بقائها على حالها مع فرض تعلّق الصّلح بالرّبح المستقبل بطور شرط النّتيجة ولكن قد مرّ عدم عمومها له فتأمّل‏
    قوله وأمّا الهبة المعوّضة إلى آخره‏
    (3) أقول قد تطلق الهبة ويراد بها ما يرادف العطيّة وهو صرف تمليك المال بلا عوض فتشمل الهديّة والجائزة والنّحلة والصّدقة والوقف وبهذه الملاحظة عبّر عنها في الشّرائع بكتاب الهبات بل تشمل الوصيّة أيضا وقد يطلق ويراد بها ما يقابل المذكورات وهو تمليك المال ملكا طلقا منجّزا بلا عوض بإزاء المال الموهوب من غير اشتراط بالقربة غير ملحوظ فيه عنوان آخر وراء التّمليك فيخرج الوقف لعدم كونه تمليكا أصلا أو لعدم كونه طلقا والصّدقة لكونها مشروطة بالقربة والوصيّة لكون التّمليك فيها معلّقا على الموت والهديّة إذ يلاحظ فيها إرسال شي‏ء إلى شخص بقصد التّكريم والتّعظيم وكذا الجائزة لأنّها الإعطاء من سلطان أو وال أو نحوهما بلحاظ خصوصيّة في المجاز من عمل أو وصف وأمّا النّحلة فقد يقال إنّها مرادفة للهبة بالمعنى الثّاني والظّاهر من بعض الأخبار مغايرتها لها ولعلّه لأنّها تمليك خصوص العقار للأولاد أو مطلق الأرحام لإدرار معاشهم شفقة عليهم فتدبّر وكيف كان فالهبة بالمعنى الأخصّ تمليك مجّاني لم يلحظ فيه خصوصيّة عنوان آخر فتارة يشترط العوض في أصل التّمليك المجّاني فيكون كلّ من التّمليكين مجّانيّا وأخرى يعوّضه المتّهب بلا اشتراط وثالثة لا يعوّضه لا بالشّرط ولا بدونه ويسمّى الأوّلان بالهبة المعوّضة والأوّل منهما هو المراد هنا
    قوله فقد تحقّق ممّا ذكرنا إلى آخره‏
    (4) أقول قد مرّ غير مرّة أنّ التّمليك غير البيع وأنّما هو لازم له في الغالب فجواز البيع به مبنيّ على كفاية الكناية كما هو الحقّ‏
    قوله كان بيعا ولا يصحّ صلحا ولا هبة معوّضة
    (5) أقول أمّا كونه بيعا فلقصد مضمون تلك الألفاظ ومضمونها عنده ره ليس إلا البيع فبواسطة قصد مضمونها قد قصد البيع فلا مانع من وقوعه وأمّا عدم كونه صلحا وهبة أمّا مع عدم قصدهما فواضح وأمّا مع قصدهما فلأنّ القصد أنّما يؤثّر في حصول المقصود إذا كان اللّفظ الّذي قصد به حصوله كاشفا عنه وظاهرا فيه ولو بحسب الوضع الثّانوي لا في ضدّه والصّيغة المفروضة بناء على مذهبه صريحة في البيع هذا فيما لو كان المراد الأصلي وقوع مضمون تلك الصّيغة وأمّا لو كان المراد منها الصّلح أو الهبة بنحو الكناية أو التّجوّز توجّه وقوعهما بها بناء على عدم اعتبار الصّراحة والحقيقة في الصّيغة
    قوله بل هو تمليك على وجه ضمان المثل أو القيمة
    (6) أقول الأولى أن يقول على وجه ضمان نفس المال المقروض بمعنى كونه بنفسه على عهدة المقترض يردّه في وقت الردّ بردّ المثل أو القيمة فخروجه عن التّعريف أنّما هو بأخذ قيد العوض فيه لأنّ الّذي يأخذه المقرض من المقترض من المثل أو القيمة أنّما هو نفس ماله لا عوضه لما سيأتي إن شاء اللَّه أنّ ردّ المثل في المثلي في حال تعذّر نفس العين ردّ لنفس المأخوذ حقيقة ومن أفراده الحقيقيّة غاية الأمر في طول ردّ نفس العين من حيث الفرديّة فباب القرض من التّمليك والاسترداد حقيقة لا من التّمليك وأخذ مال آخر بإزائه ولذا يقال أخذت ما اقرضته واسترددته ولا يقال أخذت عوضه والأمر في البيع بالعكس فافهم قوله‏ ويظهر من بعض من قارب عصرنا


(154)
    (1) أقول الظّاهر أنّه صاحب المقابيس ره والغرض من ذلك دفع ما ينافي ما اختاره في معنى البيع‏
    قوله مأخوذا في تعريف البيع‏
    (2) أقول الظّاهر زيادة كلمة مأخوذا كما لا يخفى‏
    قوله حتّى الإجارة وشبهها الّتي ليست هي في الأصل اسما لأحد طرفي العقد
    (3) أقول عناوين المعاملات على ما يظهر من نكاح المقابيس على ثلاثة أقسام منها ما يكون اسما لأحد طرفي العقد مثل البيع والضّمان والخلع وما أشبهها فإنّها أسماء للإيجاب ومنها ما هو اسم لكليهما مثل الشّركة وكلّما كان عنوانه مصدرا بصيغة الفعال أو المفاعلة مثل القراض والمزارعة والمساقاة والمكاتبة ومنها ما ليس كذلك بل هو اسم عين وذلك مثل الوديعة والعارية والصّدقة فإنّها لغة وعرفا وشرعا نفس المال وقد تستعمل في معنى الإيداع والإعارة والتّصدّق ومثلها لفظ الإجارة فإنّها في اللّغة نفس الأجرة ثمّ إنّ الوجه في التّرقي أنّ ما كان اسما لأحد طرفي العقد في الأصل كالبيع ونحوه يكون استعماله في العقد أقرب من استعمال ما لم يكن كذلك فيه كالإجارة والوديعة ونحوهما لوجود علاقة الكلّ والجزء في الأوّل دون الثّاني‏
    قوله فالظّاهر أنّه ليس مقابلا للأوّل‏
    (4) أقول يعني بالمعنى الأوّل إنشاء تمليك عين بمال وغرضه أنّ البيع في قول المخبر بعت قد استعمل في هذا المعنى الأوّل الجامع بين المتعقّب للقبول وغيره ولكنّه أراد خصوص الأوّل فأفاد إنشاء التّمليك بعوض بقوله بعت هذا بكذا وقيّد تعقّبه للقبول بقرينة مقاميّة أعني كون الموجب في مقام الإخبار عن البيع المؤثّر فيكون من باب تعدّد الدّالّ والمدلول لا أنّه استعمل في المقيّد بتعقّب القبول حتّى يكون استعمالا آخر مقابل المعنى الأوّل كي ينافي انحصار معناه فيه‏
    قوله وكذلك لفظ النّقل إلى آخره‏
    (5) أقول هذا في مقام الاستشهاد على مرامه يعني أنّ النّقل والإبدال والتّمليك وشبهها بحسب المعنى مثل البيع في المعنى ومساو ومرادف له كما مرّ ولم يعتبر أحد تعقّب القبول في تحقّق مفاهيمها فلا بدّ بمقتضى التّرادف أن يكون البيع أيضا كذلك وفيه مع إمكان القلب منع التّرادف أوّلا لما مرّ أنّه قد يتحقّق البيع وليس هناك من هذه المفاهيم أثر الا الإبدال ومنع تحقّق مفاهيمها بدون تعقّب القبول ثانيا وإطلاقها على الخالي عنه أنّما هو بنحو العناية
    قوله إذ التّأثير لا ينفكّ عن الأثر
    (6) أقول هذا كما في بعض الحواشي تعليل للنّفي في قوله لا في نظر النّاقل يعني أنّ تحقّق القبول ليس شرطا للانتقال في نظر النّاقل لأنّه صدر منه النّقل في نظره وهو تأثير والانتقال في نظره أثر له فلا ينفكّ عن التّأثير إذ ليس معنى التّأثير الا إحداث الأثر فمع عدم حدوث الأثر لا يتحقّق تأثير والمفروض تحقّقه فلا بدّ من تحقّق الأثر أيضا هذا شرح العبارة وستعرف الكلام في هذا التّعليل وأنّ تحقّق التّأثير والنّقل في نظر النّاقل ممنوع‏
    قوله قدِّس سرُّه فالبيع وما يساويه معنى من قبيل الإيجاب والوجوب إلى آخره‏
    (7) أقول هذا كما في بعض الحواشي أيضا تفريع على قوله نعم تحقّق القبول شرط للانتقال في الخارج لا في نظر النّاقل يعني أنّ البيع من جهة أنّ القبول شرط لتأثيره في الانتقال في نظر الشّارع لا في نظر النّاقل يكون مثل الإيجاب والوجوب من الأمور الاعتباريّة فيختلف بحسب اختلاف الأنظار في اعتبار شي‏ء في تأثير أمر خاصّ أثرا خاصّا في نظر وعدم اعتباره فيه في نظر آخر مثل الإيجاب فإنّ تأثيره أثر الوجوب وحصوله به بحسب الواقع مشروط بكون الموجب عاليا بخلافه في نظر السّائل الموجب ففي صورة فقدان علوّ الموجب يحصل الوجوب بالإيجاب بحسب نظر الموجب ولا يحصل بحسب نظر غيره ولا يكون مثل الكسر والانكسار من الأمور الواقعيّة الغير الاعتباريّة حتّى لا يختلف باختلاف الأنظار كما تخيّله صاحب المقابيس قال قدِّس سرُّه إنّ للبيع إطلاقات أحدها أنّه يستعمل مصدرا لباع بمعنى أوجد البيع وهو بهذا المعنى عبارة عن الفعل الصّادر عن أحد المتعاملين خاصّة مباشرة أو توليدا ولمّا كان من الأضداد صحّ إطلاقه على كلّ من فعليهما وإن اشتهر في مالك المبيع بحيث لا يتبادر الا فعله ويشترط في كلا الإطلاقين انضمام الفعلين واجتماعهما في الوجود فلا يقال لمن أوجب البيع بقوله بعت إنّه باع الا بعد أن ينضمّ إليه قول الآخر وقبوله ومثله الآخر بل الحكم فيه أظهر ولا وجه لحصر هذا الإطلاق الا اعتبار الضّميمة في أصل الوضع كما هو الشّأن فيما هو من مقولة الفعل والانفعال والتّأثير والمطاوعة وأنّه لا يطلق اللّفظ الدّالّ على أحدهما الا بعد حصول الآخر كالكسر والانكسار ونحو ذلك وأمّا قولهم كسرته فلم ينكسر فمجاز كما أنّ فانكسر في قولهم كسرته فانكسر إنّما هو دفعا للتّجوّز ولذلك يقتصر كثيرا على الأوّل ولا يختلّ المعنى أصلا وكذلك فيما نحن فيه وإن افترق عمّا ذكرنا في أنّ الصّادر من كلّ من المتعاملين لفظ دالّ على الرّضا كالآخر ومن مجموعهما قد وجد الأثر انتهى موضع الحاجة من كلامه قدِّس سرُّه أقول هذا هو الحقّ وإنّ حال البيع في توقّف تحقّق مفهومه اللّغوي على الشّراء كحال توقّف تحقّق مفهوم الإعطاء على الأخذ والشّراء على البيع والإيقاظ على اليقظة والإنامة على النّوم وهكذا فإطلاق البيع على مجرّد الإيجاب مجاز كما مرّ في كلامه قدِّس سرُّه وقد ذكر السّيّد العلّامة الأستاد في تشييد ذلك ما ينبغي له الا أنّه قال باعتبار القبول لفعل البائع في المعنى الاصطلاحي للبيع ولكنّه أخطأ فيه وإنّما هو معتبر في معناه اللّغوي أيضا إذ ينبغي الجزم بعد الوضع الجديد ولو التّعيّني فالبيع مثل الكسر لا يختلف من حيث الوجود والعدم باختلاف الأنظار فتعقّب القبول معتبر فيه في جميع الأنظار حتّى نظر النّاقل وأمّا ما علّل به المصنّف قدِّس سرُّه عدم اعتباره فيه في نظره من أنّ التّأثير لا ينفكّ عن الأثر ففيه أنّه نعم ولكن تمنع تحقّق التّأثير من الموجب ولو في نظره وأنّما المتحقّق في نظره جزء المؤثّر وما هو راجع إليه وإن شئت فقل إنّ المتحقّق في نظره بقوله بعت هو التّأثير المعلّق على مجي‏ء القبول فإن قلت بناء على ما ذكرت فما المستعمل فيه لفظ بعت في مقام الإنشاء قلت المستعمل فيه هو معناه اللّغوي الّذي قلنا بأنّه أخذ في مفهومه تعقّب القبول ولعلّك تقول إنّ هذا القيد ليس في اختيار الموجب فكيف يوجد المقيّد به إذ إيجاده لا يكون الا بإيجاد قيده هذا مع أنّ البيع حينئذ يكون من الإيقاع ولكنّك غفلت عن أنّ الّذي لا يمكن إيجاده من‏


(155)
جهة خروج قيده عن تحت اختياره إنّما هو الإيجاد الحقيقي دون الإنشائي الّذي حقيقته استعمال اللّفظ في مفهومه بقصد حصوله وبداعي أن يكون علّة لوجوده من المعلوم أنّه لا مانع من استعمال بعت في المعنى المذكور الّذي ادّعيناه بقصد أن يتحقّق به فكأنّ الموجب في قوله بعت يقول بنيت على كون مالي مال المشتري وماله مالي وقصدته فإن تعقّبه القبول وإظهار الرّضا به من المشتري حصل المقصود والا تخلّف العقد عن القصد وهذا لا يضرّ بالقصد المذكور وهذا نظير ما إذا قصدت من فعل خاصّ كرمي الحجارة كسر الكوز وأوجدت هذا الفعل ولم ينكسر به فإن تخلّف القصد عن ذاك الفعل لا يضرّ بأصل القصد وإنّما يضرّ بتحقّق المقصود ومن هنا ظهر الجواب عن توهّم كونه إيقاعا لا عقدا وهو واضح جدّا
    قوله ومنه يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معنى البيع المصطلح فضلا أن يجعل أحد معانيها
    (1) أقول ينبغي أن يقول أحد معانيه بتذكير الضّمير لأنّه راجع إلى البيع يعني ومن عدم شرطيّة القبول للنّقل والانتقال في نظر النّاقل الملازم لاستعماله لفظ البيع في مجرّد النّقل واستفادة قيد التّعقّب للقبول من الخارج يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معنى البيع المصطلح عند العرف كما مرّ نقله عن بعض مشايخه فضلا عن أخذه في معناه اللّغوي كما ذهب إليه صاحب المقابيس قدِّس سرُّه وجه الظّهور واضح قوله‏
    و قد يوجّه إلى آخره‏
    (2) أقول الموجّه صاحب المقابيس ره ويمكن أن يوجّه بأنّ إطلاق البيع عليه مجاز بعلاقة السّببيّة وهذا أحسن من ذاك‏
    قوله والظّاهر أنّ المسبّب إلى آخره‏
    (3) أقول لما كان يمكن الخدشة في ظاهر كلام الشّهيد قدِّس سرُّه بأنّ التّجوّز بعلاقة السّببيّة أنّما هو باستعمال اللّفظ الموضوع للمسبّب في السّبب والبيع ليس كذلك لأنّ معناه الحقيقي هو النّقل الحاصل من فعل الموجب فقط بلا دخل للقبول في معناه على ما اختاره المصنّف قدِّس سرُّه فهو مسبّب عن جزء العقد وهو الإيجاب لا عن كلّه لعدم اعتبار القبول في مفهومه في نظر الموجب من حيث النّقل والانتقال فأراد توجيهه بقوله والظّاهر إلخ وحاصله أنّ الخدشة المذكورة أنّما تتوجّه فيما لو أراد الشّهيد ره من المسبّب الأثر الحاصل في نظر الموجب وليس كذلك بل الظّاهر أنّه أراد منه الأثر الحاصل في نظر الشّارع ومن المعلوم أنّ السّبب فيه تمام العقد المركّب من الإيجاب والقبول فيصحّ استعماله فيه بعلاقة السّببيّة وإلى إرادة هذا المعنى الأثر الحاصل في نظر الشّارع نظر جميع ما ورد في النّصوص والفتاوى يعني أنّ هذا المعنى المذكور هو المراد من لفظ البيع الموجود فيهما وعلى هذا التّوجيه المذكور لكلام الشّهيد يكون هذا المعنى للبيع راجعا في الحقيقة إلى المعنى السّابق إذ معناه أنّ البيع موضوع لغة وعرفا للأثر الحاصل من العقد وقد مرّ من المصنّف ره أنّه لم يوجد في اللّغة ولا في العرف فهذا التّوجيه في الحقيقة تمهيد للإيراد على ما ذكره الشّهيد قدِّس سرُّه وإبطال لكون البيع بمعنى العقد فكأنّه قال أمّا البيع بمعنى العقد ففيه أنّ البيع على ما مرّ من أنّه من قبيل المعاني لا الألفاظ لا يصحّ كونه بمعنى العقد الا بما صرّح به الشّهيد الثّاني من كونه مجازا بعلاقة السّببيّة ومن قبيل استعمال اللّفظ الموضوع للمسبّب وهو البيع في المقام في السّبب وهو العقد ولا يصحّ كونه مجازا بالعلاقة المذكورة الا بأن يكون المراد من المسبّب الّذي استعمل لفظه الموضوع له في سببه أعني العقد هو الأثر الحاصل من العقد في نظر الشّارع لأنّه المسبّب من العقد وكان العقد بكلا جزأيه دخيلا فيه ولا يكفي فيه الإيجاب وحده وقد مرّ أنّ الأثر الحاصل من تمام العقد أي الانتقال الخارجي المترتّب على العقد لم يوجد وضع لفظ البيع له في اللّغة ولا في العرف حتّى يكون مسبّبا عن العقد ويصحّ استعمال لفظ البيع في العقد مجازا بعلاقة السّببيّة ثمّ إنّ الاحتياج إلى التّوجيه المتفرّع عليه الإيراد بما ذكره من التّقريب مبنيّ على مذاق المصنّف من عدم اعتبار القبول في مفهوم البيع وأمّا بناء على اعتباره فيه مطلقا كما اخترناه فلا حاجة إليه في تصحيح كلامه ولعلّه لذا لم يتعرّض لبيان المسبّب فافهم‏
    قوله والحاصل إلى آخره‏
    (4) أقول يعني أنّ حاصل كلام الشّهيد بملاحظة التّوجيه المذكور أنّ البيع الّذي يجعلونه من العقود ويستعملونه في العقد بعلاقة السّببيّة ويقولون البيع عقد مركّب من إيجاب وقبول إنّما يراد به بحسب الحقيقة النّقل في نظر الشّارع المسبّب عن العقد ويطلق على العقد بعلاقة السّببيّة لا النّقل في نظر الموجب فإنّه مسبّب عن الإيجاب خاصّة فعلى هذا يكون إضافة العقد إلى البيع في قولهم عقد البيع لاميّة من قبيل إضافة السّبب إلى المسبّب لا بيانيّة بأن يكون البيع بمعنى العقد والا لم يصحّ أن يقال انعقد البيع أو لم ينعقد البيع لرجوعه إلى قوله انعقد العقد ولم ينعقد العقد وهو ممّا لا معنى له فتأمّل‏
    قوله ثمّ إنّ الشّهيد الثّاني نصّ في كتاب اليمين من المسالك على أنّ عقد البيع إلى آخره‏
    (5) أقول لعلّ وجه ربطه بالمقام دلالته على اعتبار القبول في معنى البيع فتأمّل وكيف كان ثمّ غرضه قدِّس سرُّه بيان مدلول المركّب الإضافي أي مدلول إضافة العقد إلى البيع إذ ليس للإضافة صحيح وفاسد حتّى يقال إنّها حقيقة في الأوّل فلا بدّ إمّا أن يكون المراد بيان مدلول المضاف بمعناه الاصطلاحي أعني الإيجاب والقبول فيكون الإضافة لاميّة أو بمعناه اللّغوي المعبّر عنه بالفارسيّة ب گره فيكون الإضافة بيانيّة من قبيل إضافة الكلّي إلى الفرد وإمّا أن يكون المراد بيان مدلول المضاف إليه بمعنى الأثر الحاصل أعني الانتقال ولا سبيل إلى أحد الأخيرين إذ لا بدّ في تحقّق الصّحة والفساد من وجود الموضوع المتّصف بأحدهما ومعلوم أنّ الوصفين المتبادلين بناء عليهما أنّما هما الوجود والعدم لا الصّحّة والفساد بعد الفراغ عن أصل الوجود ضرورة انتفاء الانتقال والعقد بالمعنى اللّغوي على تقدير الفساد لا أنّهما يوجدان ولكن مع الفساد فتعيّن إرادة الأوّل وحينئذ يكون قوله إنّ البيع حقيقة في الصّحيح مجاز في الفساد منافيا لما تقدّم نقله عنه من أنّه مجاز في العقد بعلاقة السّببيّة إذ قضيّة هذا أنّه موضوع للعقد لأنّه القابل للاتّصاف بالصّحّة والفساد وقضيّة ما نقل عنه في السّابق أنّه موضوع للمسبّب عن العقد وهذا تناقض صرف الا أن يقال إنّ مراده قدِّس سرُّه هنا بيان مدلول المضاف إليه بمعنى الأثر


(156)
الحاصل من إنشاء التّمليك وهو التّمليك لا بمعنى الأثر الحاصل من نفس التّمليك أعني التّملّك والانتقال والّذي لا يقبل الاتّصاف بالصّحّة هو الثّاني دون الأوّل فإنّه قابل للتّأثير وعدمه وحينئذ لا تناقض بين الكلامين كما لا يخفى‏
    قوله كالتّبادر
    (1) أقول فيه نظر إذ يمكن أن يكون التّبادر مستفادا من القرائن الحاليّة أو المقامية
    قوله (ره‏) وصحّة السّلب‏
    (2) أقول هي مسلّمة فيما إذا كان الفساد من جهة عدم انضمام القبول وأمّا إذا كان من جهة اختلال الشّرط فلا
    قوله ومن ثمّ حمل الإقرار به إلى آخره‏
    (3) أقول لا شهادة في ذلك إذ المدار في نفوذ الإقرار على الظّهور في إرادة الصّحيح مطلقا ولو الثّانوي المستند إلى القرائن النّوعيّة لا خصوص الأولى المستند إلى الوضع وكذلك في سائر الألفاظ المشتركة
    قوله وانقسامه إلى الصّحيح والفاسد أعمّ من الحقيقة
    (4) أقول نعم لو لم يكن هناك ما يقتضي إرادة انقسام المعنى الحقيقي والا فليس بأعم بل علامة الاشتراك المعنوي والمقام من الثّاني إذ الأصل أي الظّاهر في تقسيم الشّي‏ء إرادة تقسيمه بمعناه الحقيقي‏
    قوله وقال الشّهيد ره في قواعده إنّ الماهيّات الجعليّة إلى آخره‏
    (5) أقول دلالة هذا الكلام على قول الشّهيد ره بوضع ألفاظ العبادات والمعاملات للصّحيح وعدمها مبنيّة على أن يكون المراد من الإطلاق في قوله لا تطلق على الفاسد إلى آخره هو الاستعمال مع كون المراد منه الحقيقي ضرورة صحّة الاستعمال المجازي في الفاسد في غير الحجّ أيضا فيدلّ عليه أو يكون المراد منه الطّلب والتّعبير بالإطلاق تسامح كما استفاده المحقّق القمّي قدِّس سرُّه حيث قال ما حاصله إنّ في قوله لا يطلق على الفاسد مسامحة ومراده لا يطلب الفاسد إلا الحجّ انتهى فلا يدلّ عليه وظاهر اللّفظ وإن كان هو الأوّل الا أنّ تعليل استثناء الحجّ الفاسد بوجوب المضيّ فيه يأبى عن إرادة ذاك الظّهور ويصلح قرينة على إرادة الطّلب منه كما ذكره القمّي ولعلّ نظره إلى هذا فيما استفاده قدِّس سرُّه‏
    قوله قدِّس سرُّه نعم يمكن أن يقال إنّ البيع وشبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الّذي يراد من قوله القائل بعت عند الإنشاء لا يستعمل حقيقة إلى آخره‏
    (6) أقول غاية ما عندي في شرح هذه العبارة من البداية إلى النّهاية على نحو يلتئم أطراف الكلام أن يقال إنّ قوله الّذي يراد من بعت عند الإنشاء صفة للمصدر لا للحاصل وذلك بقرينة قوله في ذيل العبارة أو على المصدر الّذي يراد من لفظ بعت والمراد من المصدر هو إنشاء التّمليك والمراد من الحاصل من المصدر هو التّمليك لا التملّك وذلك بقرينة قوله الا فيما كان صحيحا مؤثّرا لأنّ الّذي يمكن اتّصافه بالصّحّة والتّأثير المتوقّف على أصل وجوده أنّما هو التّمليك لا التّملّك لأنّه نفس الأثر فلا يقبل الاتّصاف الا بالوجود والعدم يعني أنّ البيع في العرف إذا استعمل في التّمليك الّذي يحصل من إنشاء التّمليك الّذي يراد من بعت عند الإنشاء لا يستعمل حقيقة الا في التّمليك الّذي كان صحيحا ومؤثّرا في التّملّك ولو في نظرهم أي العرف ثمّ إذا كان هذا التّمليك مؤثّرا في التّملّك في نظر الشّارع بواسطة إطلاق الحكم بحلّ البيع ووجوب الوفاء بالعقد كان بيعا حقيقيّا عنده أيضا والا كما في موارد قيام دليل على خلاف الإطلاق المذكور دلّ على اعتبار شي‏ء مفقود فيما هو بيع عند العرف كان بيعا صوريّا عند الشّارع نظير كون بيع الهاذل بيعا صوريّا عند العرف فالبيع الّذي يراد منه ما حصل إلى آخره أي البيع الّذي يستعمل في التّمليك الّذي حصل عقيب إنشاء التّمليك الّذي يراد من قول القائل بعت عند العرف وكذا عند الشّرع حقيقة في التّمليك الصّحيح المفيد للأثر وهو التّمليك مجاز في غيره الا أنّ إفادة التّمليك الحاصل بالإنشاء لأثر التّملّك وثبوت الفائدة والأثر المذكور مختلف في نظر العرف والشّرع إذ قد يعتبر في إفادته لتلك الفائدة في نظر الشّرع ما لا يعتبر فيها في نظر العرف وممّا ذكرنا في شرح العبارة إلى هنا يعلم أنّ المراد من الموصول في قوله على ما هو الصّحيح المؤثّر عند العرف هو التّمليك المعبّر عنه في السّابق بالحاصل من المصدر والمراد من المصدر المعطوف عليه في قوله أو على المصدر إلى آخره هو إنشاء التّمليك فتأمّل وافهم جيّدا القول في المعاطاة
    قوله وهو يتصوّر على وجهين‏
    (7) أقول يعني بذلك تصوير خصوص المعاطاة المذكورة في باب البيع الّتي حكي عن بعض العامّة والخاصّة كونها بيعا مفيدا للملك مثل البيع بالصّيغة القوليّة لا مطلق المعاطاة والا فلا إشكال في تصويرها على نحو ليس فيه قصد الإباحة والتّمليك كما في باب الوديعة
    قوله وربّما يذكر وجهان آخران‏
    (8) أقول لعلّه كاشف الغطاء حيث إنّه قدِّس سرُّه جعلها معاملة مستقلّة مفيدة للملك ولا يكون الأمر كذلك الا على أحد هذين الوجهين إذ على الأوّل إباحة محضة لا تفيد الملك وعلى الثّاني معاملة بيعيّة
    قوله ويحصل الملك بتلف إحدى العينين‏
    (9) أقول عبارات الأصحاب خالية عن الحكم بحصول الملك بالتلف وإنّما حكموا باللّزوم به حيث إنّ عبارة جمع من متأخّري الأصحاب كما يأتي التّصريح به من جامع المقاصد أنّها تفيد الإباحة وأنّما تلزم بتلف إحدى العينين والظّاهر من هذه العبارة لزوم الإباحة الحاصلة قبل التّلف لا حصول الملك نعم عبارة التنقيح صريحة في حصول الملك ولكن يمكن أن يراد به الإباحة اللّازمة عكس ما صنعه الكركي ره من تأويل الإباحة إلى الملك‏
    قوله قدِّس سرُّه لمّا استبعد هذا الوجه‏
    (10) أقول وجه استبعاده ذلك أنّ إرادة الملك من الإباحة بعد نفي حصول الملك في غاية البعد كما يأتي بيانه في المتن‏
    قوله التجأ إلى جعل النّزاع إلى آخره‏
    (11) أقول الظّاهر أنّ نسبة ذلك إلى صاحب الجواهر قدِّس سرُّه اشتباه منه قدِّس سرُّه لأنّ معنى كون ذلك محلّ النّزاع توارد الأقوال عليه ولا مجال له إذ من جملة الأقوال القول بكونها بيعا مفيدا للملك اللّازم كما عن بعض العامّة والمفيد قدِّس سرُّه من الخاصّة ولا سبيل إلى ذلك بناء على كون النّزاع في المقصود به الإباحة لأنّ مفاده أنّ التّعاطي المقصود به الإباحة يفيد الملك اللّازم وهو لا يصدر من الصّبيّ فضلا عن غيره فكيف بالعلماء وإنّما همّ صاحب جواهر ره بيان خصوص أنّ مورد حكمهم بإفادة المعاطاة الإباحة ليس عين مورد حكمهم بعدم إفادة الملك قبال القول بإفادتها له فحاصل مرامه قدِّس سرُّه أنّ جملة وإنّما يفيد الإباحة مثلا الواقعة في عبائرهم بمنزلة الاستثناء المنقطع عن الجملة السّابقة عليها واستدراك‏


(157)
عنها لإفادة مطلب آخر مشترك مع ما أفادته الجملة السّابقة فيما به القصد وهو المعاطاة ومغاير له فيما إليه القصد وهو الإباحة هنا والتّمليك في السّابق فيكون محصّل توجيهه قدِّس سرُّه لتلك العبارات المشتملة على نفي البيعيّة أو إفادة الملك عن المعاطاة وإثبات إفادة الإباحة عليها إنّ مورد الأوّل هو المعاطاة المقصود بها الملك ومورد الثّاني هو المقصود بها الإباحة فمعنى العبارات على هذا التّوجيه أنّ العبارات المقصود بها الملك لا تفيد الملك نعم المعاطاة تفيد الإباحة لو قصدت به الإباحة ونقل القول بالبيعيّة عن بعض العامّة في بعض العبائر راجع إلى الجملة السّابقة وبالجملة ليس مقصوده بيان محلّ النّزاع في المسألة المتوارد عليه الأقوال الّتي منها القول بكونها بيعا لازما وإنّما تمام مقصوده توجيه العبائر المتضمّنة للحكم بعدم إفادة المعاطاة للملك والحكم بإفادتها للإباحة بأنّ مورد الحكم الأوّل ما قصد به الملك ومورد الحكم الثّاني ما قصد به الإباحة ولو راجعت إلى الجواهر ولاحظت عبارته حقّ الملاحظة لرأيتها غير آبية عمّا ذكرنا بل رأيتها منطبقة عليه تمام الانطباق‏
    قوله قدِّس سرُّه وأبعد منه إلى آخره‏
    (1) أقول الّذي يبعّده أمور ثلاثة الأوّل ظهور كلمات العامّة والخاصّة في تفريع المعاطاة على اشتراط الصّيغة في البيع وعدمه فمن اشترطها فرّع عليه عدم كفايتها فلو كان مورد النّزاع ما قصد به الإباحة لما صحّ التّفريع من الجانبين الثّاني أنّ مورد نفي الخاصّة إفادتها للملك عين مورد إثبات العامّة فيه إفادتها الملك اللّازم ومن المعلوم أنّ مورد إثباتهم ذلك ما قصد به التّمليك إذ القول بالملك اللّازم مع قصد الإباحة لا يصدر من الصّبيّ الثّالث أنّ الشّائع بين النّاس ما قصد به الملك وأمّا ما قصد به الإباحة فهو نادر جدّا فلو كان محلّ النّزاع بينهم هو الثّاني لزم التّعرّض لبيان حكم النّادر وهو بعيد عن وظيفتهم إلى الغاية هذا ولا يخفى أنّ هذه الأمور أنّما يتوجّه على صاحب الجواهر لو كان مراده بيان أنّ محلّ النّزاع بين العلماء من الخاصّة والعامّة المتوارد عليه الأقوال إنّما هو المعاطاة المقصود بها الإباحة وأمّا بناء على ما ذكرناه في بيان مرامه فلا يتوجّه عليه شي‏ء منها كما لا يخفى‏
    قوله قال في الخلاف إلى آخره‏
    (2) أقول الظّاهر أنّ ضمير فإنّه راجع إلى الدّفع المستفاد من رفع والبيع عند الشّيخ قدِّس سرُّه بقرينة تعريفه في المبسوط بالأثر الحاصل من العقد على ما مرّ نقله عنه في السّابق هو الملك وهو بظاهره غير صحيح فمراده منه سبب البيع وبقرينة المقابلة يعلم أنّ مراده من الإباحة سببها فيكون المعنى أنّ دفع المال بالنّحو المزبور لا يكون سببا للإباحة فيترتّب عليه جواز التّصرّف بعنوان المباحيّة من دون المأخوذ بواسطة التّصرّف فيه ملكا له ومرجعه إلى أنّ التّعاطي لا يؤثّر في الملكيّة وإن كان جامعا لجميع الشّرائط الّتي منها قصد التّمليك والتملّك منها وإنّما يؤثّر الإباحة لو اقترن بالشّرائط المعتبرة فيه ومنها قصد الإباحة منها وبالجملة أنّ التّمليك والتّملّك بعوض من الأمور الّتي يتوقّف حصولها على اللّفظ ولا يحصل بالتّعاطي بخلاف الإباحة فإنّها من الأمور الّتي تحصل بالتّعاطي ولا يتوقّف على اللّفظ وبهذا الّذي ادّعيناه من الحكمين قال الشّافعي وأمّا أبو حنيفة فقد خالفنا في الحكم الأوّل وقال بأنّه سبب للبيع أيضا أي الملك وإن لم يحصل الصّيغة ودليلنا أمّا على الجزء الأوّل من المدّعى وهو عدم كفاية التّعاطي في تحقق البيع فهو أنّ العقد باعتبار سببيّته للملكيّة حكم شرعيّ وضعيّ كسائر الأحكام الشّرعيّة الوضعيّة لا بدّ من أن يؤخذ من الشّارع ولا دليل شرعا على وجوده بما هو سبب ومؤثّر أي على وجود السّببيّة في التّعاطي فيرجع إلى أصالة العدم وأمّا على الجزء الثّاني وهو حصول الإباحة بمجرّد التّعاطي الخارجي بقصد الإباحة فهو الإجماع وبعد ملاحظة شرح العبارة بما مرّ ترى أنّه ليس فيها ما يدلّ على ما رامه المصنّف ره من إثبات الإباحة في مورد حكم فيه أبو حنيفة بالملكيّة والبيعيّة وأنّه منطبق على توجيه الجواهر غاية الانطباق‏
    قوله قال ذلك في المحقّرات‏
    (3) أقول قال في جامع المقاصد اختلفوا في المحقّرات فقال قوم ما لم يبلغ نصاب السّرقة وأحاله آخرون على العرف انتهى‏
    قوله وفي أنّ محلّ الخلاف بينه وبين أبي حنيفة إلى آخره‏
    (4) أقول نعم ولكن لا يكون ردّا على صاحب الجواهر لأنّه لم يجعله مورد حكمه بالإباحة بل قال إنّ مورده غير مورد الخلاف بينهما لأنّ مورده صورة قصد الإباحة ومورد الخلاف بينهما صورة قصد التّمليك‏
    قوله وأيضا فتمسّكه بأنّ العقد إلى آخره‏
    (5) أقول نعم تمسّكه به يدلّ على ما ذكر ولكن في الأوّل من جزأي مدّعاه المخالف له فيه لا في الثّاني منهما أعني كفاية التّعاطي في حصول الإباحة وممّا قدّمناه في شرح عبارة الخلاف يظهر الحال في عبارة التحرير والغنية وأنّهما غير آبيتان عمّا ذكره صاحب الجواهر في توجيه الكلمات والجمع بين نفي إفادة المعاطاة للملك وبين إثبات إفاداتها للإباحة بل عبارة السّرائر بناء على كون ملكه في قوله من غير أن يكون ملكه بصيغة الماضي بالتّشديد من باب التّفعيل كما في بعض النّسخ المصحّحة واضحة الدّلالة على أنّ مورد حكمه بالإباحة صورة عدم قصد التّمليك من التّعاطي‏
    قوله قدِّس سرُّه في حكاية عبارة التحرير فإنّه لا يكون بيعا ولا عقدا
    (6) أقول لعلّ مراده من نفي العقد نفي اللّزوم فافهم ولعلّ نظره في وجه التّرديد في قوله من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه إلى ما ذكره بعض الأساطين في عداد القواعد الجديدة الّتي يستلزمها القول بالإباحة بقوله ومنها أن يكون إرادة التّصرّف من المملّكات فيملك العين أو المنفعة بإرادة التّصرّف بهما أو معه دفعة انتهى يعني من غير أن يكون ملكه قبل التّصرّف بإرادة التّصرّف أو دخل في ملكه بها مع التّصرّف لا بها وحدها هذا بناء على كون ملكه الأوّل بالتّخفيف مثل الثّاني وأمّا بناء على كونه بالتّشديد فعلا ماضيا من باب التّفعيل كما في بعض النّسخ المصحّحة على ما عرفت فالفرق بينهما بكون الملك في الأوّل بالاختيار وفي الثّاني بالقهر
    قوله في عبارته أيضا وذلك ليس من العقود الفاسدة
    (7) أقول الظّاهر أنّها دفع وهم أمّا الوهم فهو أنّه لا فرق بين المقامين فكما أنّ التّعاطي لا يحصل به البيع والملك مع قصد ذلك‏


(158)
منه كذلك لا يحصل به الإباحة أيضا فيما إذا قصد به الإباحة وأمّا الدّفع فهو أنّ الصّحّة والفساد في التّعاطي بالقياس إلى الأثر المقصود منه مثل الملكيّة والإباحة كما في غير التّعاطي إنّما يعلم تحقّق كلّ منهما من ترتّب آثار ما قصد من التّعاطي أو غيره بعد إيجاده للوصلة إلى ذاك المقصود وعدم ترتّبها ونحن نرى صحّة التّصرّف فيما صار إلى كلّ من المتعاطيين وجوازه إجماعا فيستكشف من ذلك بنحو الإنّ حصول الإباحة بالتّعاطي في مقام الإباحة وأنّه ليس كالتّعاطي في مقام البيع في عدم حصول الأثر المقصود منه‏
    قوله في حكاية كلامه أيضا وإنّما ذلك على جهة الإباحة
    (1) أقول لمّا كان قد يتوهّم أنّ صحّة التّصرّف أنّما تكشف عن صحة العقد لو كان التّصرّف مستندا إلى الإباحة وهو غير معلوم لإمكان استناده إلى أمر آخر دفعه بهذه الجملة وحاصله حصر مستند التّصرّف في الإباحة
    قوله يدلّ على ما ذكرنا
    (2) أقول يعني بالموصول قصد التّمليك‏
    قوله ولا ينافي ذلك قوله وليس من العقود الفاسدة إلى آخره كما لا يخفى‏
    (3) أقول يعني بالمشار إليه كون مورد نفيه حصول الملك بالتّعاطي وإثبات حصول الإباحة به صورة قصد التّمليك منه ووجه توهّم المنافاة واضح إذ لا نعني من فساد العقد الا عدم ترتّب الأثر المقصود منه عليه والفرض أنّه لم يترتّب عليه التّمليك المقصود وأمّا وجه عدم المنافاة فغاية ما يمكن أن يقال فيه إنّ المراد من الفساد في هذه الجملة هو عدم ترتّب الأثر عليه أصلا حتّى الأثر الغير المقصود منه فنفي فساد التّعاطي بهذا المعنى لا ينافي فساده بمعنى عدم ترتّب خصوص الأثر المقصود منه هذا ولكنّه كما ترى تأويل بعيد غايته والحقّ في بيان المراد منه هو ما ذكرناه سابقا
    قوله في حكاية عبارة الغنية ولما ذكرنا نهى (ص) عن بيع المنابذة إلى قوله على التّأويل الآخر
    (4) أقول في الدّعائم بعد قوله وعن رسول اللَّه (ص) نهى عن بيع الملامسة والمنابذة وطرح الحصى ما هذا لفظه فأمّا الملامسة فقد اختلف في معناها فقال قوم هو بيع الثّوب مدروجا يلمس باليد ولا ينشر ولا يرى داخله وقال آخرون هو الثّوب يقول البائع أبيعك هذا الثّوب على أنّ نظرك إليه اللّمس بيدك ولا خيار لك إذا نظرت إليه وقال آخرون هو أن يقول إذا لمست ثوبي فقد وجب البيع بيني وبينك وقال آخرون هو أن يلمس الثّوب من وراء السّتر وكلّ هذه المعاني قريب بعضها من بعض وكلّها فاسد واختلفوا أيضا في المنابذة فقال قوم هي أن ينبذ الرّجل الثّوب إلى الرّجل وينبذ إليه الآخر ثوبا يقول هذا بهذا من غير تقليب ولا نظر وقال آخرون هو أن ينظر الرّجل إلى الثّوب في يد الرّجل منطويا فيقول أشتري منك هذا فإذا نبذته فقد تمّ البيع ولا خيار للواحد منّا وقال قوم المنابذة وطرح الحصى بمعنى واحد وهو بيع كانوا يتبايعونه في الجاهليّة يجعلون عقد البيع بينهم طرح الحصاة يرمون بها من غير لفظ من بائع ولا مشتر ينعقد به البيع عندهم وكلّ هذه الوجوه فاسدة انتهى كلامه وكيف كان مراده قدِّس سرُّه من التّأويل الأوّل مقابل هذا التّأويل الآخر ما يكون تعيين المبيع باللّمس أو النّبذ أو إلقاء الحصاة وإن كان الإيجاب باللّفظ مثل أن يقول بعتك الثّوب الّذي ألمسه أو أنبذه إليك أو ألقي الحصاة إليه ولمّا احترز عن ذلك في سابق كلامه باشتراط معلوميّة العوضين قال هنا على التّأويل الآخر في مقام الاحتراز عنه باشتراط الإيجاب والقبول‏
    قوله منها ظهور أدلّته الثّلاثة إلى آخره‏
    (5) أقول يعني بالأوّل الإجماع وبالثّاني الأصل الّذي أشار إليه بقوله وليس على صحّته بما عداه دليل حيث إنّ المعاطاة من أفراد ما عداه وبالثّالث ما أفاده بقوله وبما ذكرنا نهى (ص) عن بيع المنابذة من البرهان على اعتبار الإيجاب والقبول اللّفظيّين في البيع بطور الإنّ واستكشاف العلّة من المعلول بتقريب أنّ النّبيّ (ص) نهى عن بيع المنابذة والملابسة وإلقاء الحصاة على التّأويل الآخر على أن يكون إيجاب البيع وإنشائه بأحد هذه الأفعال ولا وجه له الا فقد اللّفظ ولا لفظ في المعاطاة أيضا
    قوله بل للتّنبيه على أنّه لا عبرة إلى آخره‏
    (6) أقول يعني بل لتعميم عدم كفاية التّعاطي المقصود به البيع لصورة وجود القرينة الدّالة على إرادة البيع وأنّه مع تلك القرينة لا يكفي في تحقّق البيع فضلا عمّا إذا كان خاليا عنها
    قوله ولا دلالته على قصد المتعاطين للملك لا يخفى من وجوه‏
    (7) أقول نعم ولكن ليس له مساس بمرام صاحب الجواهر قدِّس سرُّه فإنّ غرضه توجيه العبارات المشتملة على إثبات إفادة المعاطاة بعد نفي إفادتها للملك وليس في عبارة التّذكرة من إفادتها للإباحة أثر
    قوله قال الشّهيد في قواعده إلى آخره‏
    (8) أقول ذكره في القاعدة التّاسعة والأربعين وذكر لذلك أمثلة منها تقديم الطّعام إلى الضّيف فإنّه مغن عن الإذن القوليّ في الأصحّ وتسليم الهديّة إلى المهدى إليه وإن لم يحصل القبول القولي في الظّاهر واستند في ذلك إلى فعل السّلف ومنها التّصرّف من ذي الخيار في مدّة الخيار والوطي في العدّة الرّجعيّة ثمّ إنّ محلّ الاستفادة
    قوله في المبايعات‏
    (9) وقوله عندنا فإنّه يفيد أنّه عند غيرنا يفيد الملك ومن البديهي أنّ الغير لا يمكن له أن يقول بالملك في التّعاطي المقصود به الإباحة هذا ولكن يمكن أن يقال إنّ كون مراده من المبايعات خصوص البيع والتّعبير بصيغة الجمع باعتبار أصنافه بعيد جدّا بل مراده منها المعاملات المعاوضيّة أعمّ من أن تكون تمليكيّة كالبيع والصّلح والإجارة والهبة ونحوها أو إباحيّة كما في الإباحة المعوّضة وهذه العبارة منه قدِّس سرُّه بمنزلة الاستثناء عمّا ذكره في عنوان القاعدة المذكورة وهو قيام الفعل مقام القول في ترتّب أثر القول عليه المختلف حسب اختلاف الأقوال والموارد من الملكيّة كما في الهديّة ومن الإباحة كما في تقديم الطّعام إلى الضّيف ومن الزّوجيّة كما في الرّجوع في العدّة يعني أنّ الفعل يقوم مقام القول ويترتّب عليه أثر ذاك القول القائم مقامه الفعل وأريد منه أثره الا المعاطاة في المعاوضات فإنّ في قيامها مقام المعاوضة القوليّة تفصيلا لأنّها تقوم مقامها إن كان الّذي أريد قيامها مقامه معاوضة إباحيّة وتفيد الإباحة مثل القول وإن كان معاوضة تمليكيّة فلا تقوم مقامها وإن تأمّلت في عبارة القواعد لعلّك تصدّقنا فيما ذكرناه شرحها وعليه لا إباء لها عمّا ذكره صاحب الجواهر ره في توجيه العبارات ومن هنا يمكن أن يقال إنّ مراده من المعاطاة في عبارته المحكيّة فيما بعد عن حواشيه على قواعد العلّامة من أنّ المعاطاة معاوضة مستقلّة جائزة أو لازمة انتهى هي المعاطاة المقصود بها الإباحة فتأمّل‏


(159)
    قوله مع أنّهم صرّحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين النّاس إلى آخره‏
    (1) أقول ينبغي أن يقول مع أنّ وظيفتهم التّعرّض لبيان حكم المعاملة المتعارفة الشّائعة بين النّاس الكثير الابتلاء بها وليس هذا الا المعاطاة المقصود بها التّمليك والتّملّك لا المقصود بها الإباحة فإنّها نادرة جدّا وذلك لأنّه لم نر إلى الآن من يصرّح بذلك في مورد فعليك بالتّتبّع ولو سلّم فهو إنّما يجدي فيما إذا انحصرت المعاملة المتعارفة بينهم في المقصود منها التّمليك أو كان المقصود بها الإباحة نادرا جدّا وكلاهما سيّما الأوّل محلّ نظر ومنع فتأمّل‏
    قوله بل صراحة بعضها كالخلاف إلى آخره‏
    (2) أقول نظره في عبارة الخلاف إلى قوله من دون أن يكون ملكه وفي عبارة السّرائر إلى قوله من غير أن يكون ملكه وفي عبارة التذكرة إلى قوله لأصالة بقاء الملك وفي عبارة القواعد إلى قوله لا الملك ويشكل دعوى الصّراحة بأنّه إن أراد منها الصّراحة في نفي الملك مطلقا حتّى الجائز منه ففيه منع واضح وإن أراد منها الصّراحة في نفي خصوص اللازم منه ففيه أنّه وإن كان مسلّما ولو من باب الأخذ بالقدر المتيقّن الا أنّه لا مساس له بتأويل المحقّق الثّاني قدِّس سرُّه‏
    قوله ولا يقول أحد بأنّها بيع فاسد سوى المصنّف في النّهاية
    (3) أقول إن أراد فسادها بلحاظ التّأثير في حصول الملكيّة فالفساد بهذا المعنى هو المعروف المشهور وإن أراد فسادها حتّى من حيث جواز التّصرّف بنحو الإباحة فنعم لكنّه لا يجديه بل ينافي ما هو بصدد إثباته وكيف كان فهذا الكلام الّذي مرجعه إلى دعوى الإجماع مع قوله وقوله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ الّذي مرجعه إلى العموم الكتابي استدلال منه قدِّس سرُّه على إثبات أحد جزأي مدّعاه أعني بيعيّة المعاطاة وإفادتها للملك‏
    كما أنّ قوله وإنّما الأفعال لم يكن دلالتها على المراد بالصّراحة إلخ
    (4) استدلال منه على إثبات جزئه الآخر أعني التّزلزل وعدم اللّزوم ومرجعه أيضا إلى دعوى الإجماع والا فلا وجه للتّفكيك بينه وبين اللزوم في عدم الاكتفاء بالفعل في الثّاني دون الأوّل‏
    قوله قدِّس سرُّه لامتناع إرادة الإباحة المجرّدة إلى آخره‏
    (5) أقول الامتناع مسلّم لكن فيما لو أرادوها في المعاطاة المقصود بها التّمليك وأمّا لو كان مرادهم ذلك في المعاطاة المقصود بها الإباحة فلا امتناع فيه وقد مرّ إمكان إرادة ذلك ومن هنا قال الأصحاب كافّة بجواز التّصرف‏
    قوله وأيضا فإنّ الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا
    (6) أقول نعم الأمر كذلك ولذا لم يقل أحد فيما أعلم بالملك حتّى في صورة التّلف سوى صاحب التّنقيح ره وإنّما قالوا باللّزوم فيها ولعلّ بل الظّاهر أنّ مرادهم لزوم الإباحة وليت شعري أنّه قدِّس سرُّه من أين نسب حصول الملكيّة بالتّلف إليهم قدِّس سرُّهم وليس في كلامهم الا اللّزوم بتلف إحدى العينين ونحوه وأين أمثال هذه العبارة من الدّلالة على لزوم الملكيّة فتدبّر فإنّه أعرف بمداليل كلماتهم وأبصر بفتاويهم منّا وإنّ كلّ ما نفهمه إنّما هو من بركة المراجعة إلى كلمات أمثاله قدِّس سرُّه وكيف كان فعلى تقدير حصول الملك اللّازم عند التّلف نقول إنّه ليس من مقتضيات الإباحة حتّى يقال بأنّها لا تقتضيه بل من مقتضيات إنشاء التّمليك بالمعاطاة وأمّا التّلف فهو من قبيل شرط التّأثير فافهم فإنّه محلّ نظر بل منع‏
    قوله إذ المقصود غير واقع‏
    (7) أقول يعني مقصود المتعاطين وهو الإباحة المترتّبة على ملك الرّقبة غير واقع إذ المفروض عدم حصول ملك الرّقبة فإذا انتفى القيد انتفى المقيّد ولو وقع غير المقصود وهو الإباحة المجرّدة عن ملك الرّقبة لوقع بغير قصد هذا وقد مرّ في شرح توجيه صاحب الجواهر حكمهم بالإباحة أنّ مورد حكمهم بها صورة قصد الإباحة من أوّل الأمر لا بقيد ترتّبها على ملك الرّقبة فعلى هذا لا يبقى مورد للإيراد بكون المقام من قبيل وقوع ما لم يقصد
    قوله فمن منع فقد أغرب‏
    (8) أقول يعني من منع عن وطي الجارية مثل الشّهيد في كلامه الآتي نقله فقد أتى أمرا غريبا ولعلّ نظره في وجه الغرابة إلى مخالفته للسّيرة أو ظاهر إطلاقهم جواز التّصرّف وفيه تأمّل يأتي وجهه فيما علّقناه على قوله ويؤيّد إرادة الملك أنّ ظاهر إطلاقهم إلى آخره‏
    قوله وإنّهم يحكمون بالإباحة المجرّدة عن الملك إلى آخره‏
    (9) أقول لا الملك المتزلزل كما وجّه به المحقّق الثّاني كلماتهم‏
    قوله وإنّ الإباحة لم تحصل بإنشائها ابتداء
    (10) أقول قبال حصولها به كما هو قضيّة توجيه صاحب الجواهر قدِّس سرُّه‏
    قوله الإذن في التّصرّف‏
    (11) أقول هذا مفعول للاستلزام‏
    قوله في عبارته المتقدّمة
    (12) أقول يعني بها قوله إذ المقصود للمتعاطين الملك إلى آخره )
    قوله وحاصله إلى آخره‏
    (13) أقول بناء على ما قوّاه المصنّف من إرادتهم الإباحة المجرّدة عن الملك في صورة قصد التّمليك من المعاطاة يمكن دفع إيراد المحقّق الثّاني عنهم إذ لنا أن نختار كون الإباحة من المالك ومستندة إلى إذنه ونقول إنّ المالك وإن لم يصدر منه الا إنشاء التّمليك الا أنّ هذا يدلّ بالملازمة على الرّضا الباطني بل الإذن في التّصرف في ماله المأخوذ منه بالتّعاطي وهذا كاف في الإباحة التّكليفيّة المالكيّة أي في تجويز الشّارع التّصرّف فيه وعدم مؤاخذته عليه تجويزا مستندا إلى رضى المالك به فإن قلت بما هو محصّل ما زاده في حاشية الإرشاد من أنّ الإذن في التّصرّف والرّضا به إنّما هو بعنوان أنّه يصير بالمعاطاة ملكا له والمفروض عدم حصول هذا العنوان في المال الخارجي ولا إذن بدونه قلت نمنع عدم حصول ذاك العنوان لأنّه ليس هو الملك في نظر الشّارع كي يقال بعدم حصوله بل مطلق الملك ولو في نظر العرف أو أقلّ من ذلك لأنّ محلّ الكلام أعمّ من صدور المعاطاة من المعتقدين بالشّرع المقدّس أو من غيرهم ولا ريب في حصوله بمجرّد التّعاطي في المأخوذ بالمعاطاة نعم لو كان مرادهم من الإباحة هو الإباحة الوضعيّة المالكيّة الّتي هي عبارة عن إعطاء نوع سلطنة نظير العارية لاتّجه الإيراد بناء على إرادة الإباحة المالكيّة ويكون حكمهم بهذا النّحو من الإباحة من مصاديق وقوع ما لم يقصد حيث إنّ هذا الوضع مثل الملكيّة ونحوها من الوضعيّات من الأمور التّسببيّة المحتاجة في حصولها في نظر العرف والعقلاء إلى سبب خاصّ يقصد منه ذلك ولا يكفي فيه مجرّد الرّضا الباطني ولو في ضمن الإذن لظهور أنّ المراد من الحلّ في دليل الطيب هو الحلّ التّكليفي ومن المعلوم أنّه لم يوجد سبب يراد به تحقّق الإباحة الوضعيّة إذ الفرض أنّ‏


(160)
المالك لم يصدر منه الا قصد التّمليك وإنشائه فلو وجدت لكانت بلا سبب وهذا خلف فتأمّل ولنا أن نختار كون الإباحة من الشّارع ونمنع عدم الدّليل عليها لإمكان الاستدلال عليها بآية حلّ البيع بالتّقريب الّذي يأتي في الاستدلال بها على إفادة المعاطاة للملك من أنّ مفادها إباحة جميع التّصرّفات المترتّبة على البيع العرفي والمعاطاة بيع عرفا ولا يرد عليه ما أورده عليه هناك من عدم ثبوت الملازمة بين الإباحة والملك إذ المدّعى هنا إثبات الإباحة المجرّدة عن الملك فتدبّر جيّدا وبالجملة إيراد المحقّق الثّاني غير وارد عليهم نعم يرد على من فصّل منهم في المقبوض بالعقد الفاسد بين علم المقبض بالفساد وجهله به بالقول بالإباحة في الأوّل دون الثّاني أنّه لا وجه للتّفرقة بينه وبين المقام بل لا بدّ إمّا من التّفصيل بين الصّورتين فيهما أو القول بالإباحة مطلقا في كلا المقامين إذ هما من واد واحد
    قوله ويؤيّد إرادة الملك أنّ ظاهر إطلاقهم إلى آخره‏
    (1) أقول بعبارة أخرى ويبعّد إرادة الإباحة المجرّدة ويقرّب إرادة الملك المتزلزل كما ذكره المحقّق الثّاني ره أنّ ظاهر إطلاقهم إلى آخره إذ بناء عليه لا بدّ من التّقييد والحمل على التّصرّفات الغير المتوقّفة على الملك بخلافه بناء على إرادة الملك المتزلزل من الإباحة وكيف كان فيمكن الخدشة في هذا المؤيّد بمنع الإطلاق في التّصرف المذكور في كلامهم فإنّ أكثرهم قد رتّبوا جواز التّصرّف على الإباحة وفرّعوه عليها وقضيّة ذلك أنّهم بصدد بيان أثر الإباحة ونتيجتها فينحصر بما لا يتوقّف على الملك لأنّ الإباحة لا تنتج أثرا يضادّها وينافيها ومن هنا منع الشّهيد ره في محكيّ حواشيه على القواعد عمّا يتوقّف على الملك من التّصرّفات‏
    قوله وسيجي‏ء ما ذكره إلى آخره‏
    (2) أقول هذا استشهاد على بعد الالتزام المذكور يعني ولبعد ذلك ذكر بعض الأساطين كما سيجي‏ء أنّ هذا القول يعني القول بالإباحة المجرّدة عن الملك من حين المعاطاة مستلزم لتأسيس قواعد جديدة
    قوله مع أنّ المحكيّ عن حواشي الشّهيد إلى آخره‏
    (3) أقول يعني ومع التّصريح بالمنع عن التّصرّف المتوقّف على الملك كيف يمكن توجيه الإباحة بالملك المتزلزل وفيه أنّه لم يوجّه الإباحة في كلامه به حتّى لا يمكن ذلك ولذا أشار إلى ردّه بقوله ومن منع فقد أغرب وأنّما وجّه به ما في كلام غيره‏
    قوله بإهداء الهديّة إلى آخره‏
    (4) أقول يعني والهديّة ممّا يقصد به التّمليك لا الإباحة فيشهد على أنّ مورد حكمهم بالإباحة هو صورة قصد التّمليك وأمّا وجه شهادة ذلك بأنّ مرادهم من الإباحة هو الإباحة المجرّدة عن الملك لا الملك المتزلزل هو استثناء وطي الجارية إذ لو كان مرادهم الإباحة المترتّبة على الملك المتزلزل لما كان وجه الاستثناء المذكور وبضميمة عدم الفرق من هذه الجهة بين الهديّة والبيع يتمّ الاستشهاد هذا ويتّجه عليه أنّه يتمّ الاستشهاد بكلام الشّيخ لاشتماله على الاستثناء المذكور دون كلام العلّامة والحلّي لخلوّه عنه هذا بناء على أن يكون نظره في الاستشهاد على إرادة الإباحة المجرّدة إلى مسألة الاستثناء وأمّا لو كان نظره فيه إلى تصريحهم بعدم حصول الملك وحصول الإباحة فيتّجه عليه أنّ هذا لا يزيد على تصريحهم بذلك في البيع في عبائرهم المتقدّم نقلها فيمكن أن يراد من الملك المنفيّ حصوله فيها كما في العبائر المتقدّمة الملك اللّازم ومن الإباحة المثبتة الملك المتزلزل وبالجملة الاستشهاد بذلك على ما ذكره غير خال عن المناقشة
    قوله وكلاهما خلاف الظّاهر
    (5) أقول أمّا الثّاني فلوضوح ظهور الإباحة في غير الملك وأمّا الأوّل فلأنّ الظّاهر من البيع عند العرف واللّغة عمومه للمعاطاة لعدم كون التّمليك بخصوص اللّفظ مأخوذا في مفهومه في العرف واللّغة ثمّ إنّه لا منافاة بين جعله هنا نفي البيعيّة عن المعاطاة خلاف الظّاهر الملازم لكون البيعيّة هو الظّاهر وبين تسليمه ظهور كلماتهم في نفي حصول الملك بها وذلك لاختلاف الظّهورين من حيث الموصوف لأنّ الموصوف بالظّهور في عدم حصول الملك بها هو كلماتهم والموصوف بالظّهور في بيعيّة المعاطاة هو لفظ البيع في العرف واللّغة
    قوله ويدفع الثّاني تصريح إلى آخره‏
    (6) أقول يعني ويمنع الثّاني مضافا إلى مخالفته للظّاهر كما عرفت تصريح بعضهم بأنّ شرط لزوم البيع إلى آخره وحاصل وجه الدّفع والمنع أنّ هذا الثّاني أعني إرادة الملك الغير اللّازم من الإباحة لا يجري في كلام هذا البعض القائل بعدم تزلزل البيع من غير جهة الخيار حيث إنّ لازمه تزلزله من غير جهته أيضا وكذا لا يجري في كلام من صرّح بأنّ الإيجاب والقبول من شروط صحّة انعقاد البيع لا لزومه يعني من شرائط انعقاد البيع الصّحيح لا البيع اللّازم هذا بناء على كون الصّحّة في أصل النّسخة وأمّا بناء على وقوعها غلطا فالمعنى واضح وكيف كان فالظّاهر بل المتعيّن أنّ كلمة بالصّيغة من غلط النّسخة ثمّ إنّه قد يستشكل على دفع الثّاني بتصريح البعض بانحصار شرط اللّزوم بأنّ لازم هذا البعض أنّ الصّيغة عنده ليست من شرائط اللّزوم فيلزم أن لا تكون من شرائط الصّحة أيضا إذ لم يقل أحد بأنّها شرط الصّحّة دون اللّزوم وينتج ذلك أنّ المعاطاة عند هذا البعض تفيد الملك اللّازم فتفترق مقالته عن مقالة المشهور القائلين بعدم إفادتها اللّزوم والمحقّق الثّاني في مقام توجيه كلمات المشهور فلا يصحّ دفعه بتصريح هذا البعض القائل باللّزوم ويمكن أن يجاب عنه بأنّ ظاهر قول المصنّف تصريح بعضهم يعني بعض المشهور بل صريحه أنّ هذا البعض أيضا من جملة المشهور وأنّه مثلهم قال بأنّ المعاطاة تفيد الإباحة فحينئذ يصحّ الدّفع بالتّصريح بما ذكر وتقريبه أنّ قضيّة حفظ هذا التّصريح وعدم رفع اليد عنه هو الالتزام في المعاطاة إمّا بالملك اللّازم وإمّا بالإباحة المجرّدة عن الملك مطلقا حتّى الجائز منه والأوّل لا يرضى به المحقّق الثّاني الموجّه لكلمات المشهور فتعيّن الثّاني وأنّ مراده من الإباحة نفس معناها الظّاهرة فيه فافهم‏
    قوله فإن قلنا بأنّ البيع إلى آخره‏
    (7) أقول جواب هذا الشّرط قوله فيصحّ على ذلك نفي البيعيّة على وجه الحقيقة وجملة الشّرط والجزاء معا جواب إمّا
    و أمّا قوله فإن كان في نظر الشّارع إلى قوله فيصحّ‏
    (8) فهو شطر ممّا تقدّم ذكره في دفع الإشكال عن التّمسّك بالإطلاقات بناء على الوضع للصّحيح فالفاء هنا
هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ـ الجزء الثاني