هداية الطالب إلي أسرار المكاسب ـ الجزء الثالث‏ ::: 404 ـ 410

هداية الطالب إلي أسرار المكاسب
الجزء الثالث‏
القول في الخيارات‏


(404)
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
    الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطّاهرين ولعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين وبعد فالقول فيما يتعلّق بالخيارات‏
    [ مقدمتان‏ ]
    [ الأولى في معنى الخيار ]
    قوله قدّس سرّه على ما فسّره به في موضع من الإيضاح‏

    (1) أقول قضيّة هذا التّعبير أنّ نسبة التّغليب الّذي ذكره مبنيّة على تفسير الإيضاح للخيار ويتّجه عليه أنّه لا يمكن أن يكون ذلك مبنى لتلك النّسبة إلا أن يكون هذا التّفسير منه قدّس سرّه في مقام بيان ما هو المصطلح عندهم فيه وهو كما ترى تخرّص صرف وذكره قدّس سرّه هذا التّفسير بطور إرسال المسلّمات لو دلّ فإنّما يدلّ على تحقّق التّغليب عند جميع الفقهاء لا جماعة من المتأخّرين ويمكن أن يقال إنّ هذا بيان لمبنى تحقّق الغلبة في زمان تلك الجماعة بتقريب أن يراد منهم الفخر ومن تأخّر عنه قدس سرهم ويكون نظره (ره) في قوله على ما فسّره إلى آخره إلى بيان ما يستكشف به تحقّق الغلبة في زمانهم إلى حدّ الحقيقة يعني قد استعمل في كلمات جماعة من المتأخّرين الفخر ومن تأخّر عنه في ملك الفسخ إلى أن بلغ لأجل الغلبة وكثرة الاستعمال إلى حدّ الحقيقة بناء على تفسير الفخر له به حيث أنّ قضيّة تفسيره به كونه معنى حقيقيّا له قد وضع له ومعلوم أنّه لم يوضع له وضعا تعيينيّا فلا بدّ أن يراد منه الوضع التّعيّني الحاصل من غلبة الاستعمال فيدلّ على تحقّق الغلبة الموجبة لتعيّن اللّفظ بإزاء المعنى في زمان الفخر (ره) ففي زمان من تأخّر عنه بطريق أولى وحينئذ لا يبقى للإشكال مجال فتدبّر
    قوله فيدخل ملك الفسخ‏
    (2) أقول يعني يشكل التّعريف بدخول ملك الفسخ في العقود الجائزة وفي العقد الفضولي والحال أنّه ليس من الخيار ثمّ إنّ دخوله فيه إنّما هو بناء على ما هو الظّاهر من الملك في التّعريف المذكور من كون المراد منه القدرة كما في قوله تعالى ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي بقدرتنا بناء على قراءته بضمّ الميم وجه الظّهور أنّ الخيار بحسب اللّغة والعرف هو القدرة بمعنى إن شاء فعل وإن شاء ترك وظاهر التّغليب بحسب الغلبة أن يكون المغلّب فيه من أفراد المعنى الحقيقي ومقتضى الفرديّة أن يكون الملك فيه بمعنى القدرة فالمراد أنّ الخيار بمعنى القدرة وغلّب في هذا القدرة الخاصّة كما أنّ قوله (ره) في مقام الجواب عن هذا الإشكال ولعلّ التّعبير بالملك للتّنبيه على أنّ الخيار من الحقوق لا من الأحكام إلخ مبنيّ على ما هو خلاف هذا الظّاهر المذكور كما يشعر به التّعبير بكلمة بعد بل خلاف قوله بعد ذلك أنّ القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه إلى آخره لأنّه صريح في تفسير الملك بالقدرة من كون المراد من الملك في كلماتهم هو السّلطنة الشّرعيّة المجعولة من جانب الشّارع بطور الوضع الّتي تنشأ منها القدرة بالمعنى المذكور فيكون التّغليب من باب تغليب اللّفظ الموضوع للملزوم في اللازم فلا يرد على المصنف قدّس سرّه أنّ ابتناء الإشكال والجواب معا على وجود كلمة الملك في تعريفهم الخيار تناقض فتأمّل نعم يشكل عليه (ره) أنّ هذا الجواب منه مناف لمذاقه ومسلكه في حقيقة الأحكام الوضعيّة هذا ولكن يمكن لنا أن نختار الشّقّ الأوّل وهو كون الخيار بمعنى القدرة ونقول بأنّ الملك في الموارد المذكورة نقضا على طرد التّعريف على فرض كون متعلّقه الفسخ كما عليه بناء النّقض بها أيضا من قبيل الخيار ومن أفراده بحيث لو لم يشمله التّعريف لما كان جامعا للأفراد كما يرشد إلى ذلك إطلاق الخيار على ملك الفسخ فيها في الأخبار وكلمات علمائنا الأخيار وذلك بتقريب أنّ المراد من الملك هو القدرة الشّرعيّة على الفسخ ومرجعه إلى جوازه شرعا ولا يكون هذا إلا مع جواز العقد وعدم لزومه في الشّرع وإلا يلزم انفكاك اللازم عن الملزوم ففي جميع موارد الخيار لا بدّ من جواز العقد أمّا مع عدم تأثيره في الغرض المقصود منه كما في الفضولي إذ ليس له إلا أهليّة التّأثير أو مع تأثيره فيه كما في الهبة والوكالة والعارية والبيع الخياري وعلى الثّاني إمّا أن يكون جواز العقد بالنّسبة إلى المتعاقدين بمعنى قدرتهما على الفسخ شرعا كالأمثلة المتقدّمة وإمّا بالنّسبة إلى غيرهما كالزّوجة بالنّسبة إلى العقد على بنت أخيها أو أختها وبالجملة الخيار وملك فسخ العقد في كلّ مورد إنّما هو من قبيل الأحكام الشّرعيّة من غير فرق بين أن يجعله الشارع ابتداء فيستكشف منه بالإنّ جعل ملزومه وهو جواز العقد وبين أن يجعل الملزوم المذكور ابتداء فيترتّب عليه لوازمه ولازم ما ذكرنا عدم سقوط الخيار بالإسقاط ما لم يرجع إلى الإمضاء والإيجاب وكذا عدم قابليّته للإرث ولا بأس بذلك لما سيأتي وتوهّم أنّ لازم ما ذكرت عدم جواز فسخ العقد الجائز بعد الإمضاء كما في البيع الخياري وليس كذلك مندفع بأنّه إنّما يلزم ذلك على تقدير كون معادل الفسخ في تعريف الخيار هو الإمضاء والإيجاب بأن يكون مرادهم أنّ الخيار ملك فسخ العقد وإمضاءه بمعنى جعله لازما غير قابل للفسخ وعليه لا بدّ من الالتزام بعدم تأثير الفسخ في العقود الجائزة بالذّات بعدم الإمضاء وإلا يلزم الخلف وكون الإمضاء غير مؤثّر في اللّزوم وهو باطل وأمّا على تقدير كون المعادل له ترك الفسخ فلا يلزم ذلك بل اللازم جواز الفسخ أيضا ما دام الوقت باقيا فيها وفي موارد الخيار ولنا أن نختار الشّق الأوّل أيضا ونجيب إمّا عن النّقض بالعقود الجائزة فبمنع كون متعلّق الملك فيها هو فسخ العقد وحلّه بل هو عبارة عن إزالة ما هو مسبب عن العقد من دون تصرّف في العقد أصلا بأن نقول إنّ الموكّل مالك على إزالة الوكالة الحاصلة بعقدها بالعزل والواهب‏


(405)
مالك على إزالة الملك بالرّجوع إليه نظير الطّلاق بالنّسبة إلى النّكاح فإنّه مزيل للزّوجيّة مع بقاء عقد النّكاح غير مفسوخ كما كان قبل الطّلاق وإمّا عن النّقض بالفضولي ومنه عقد المورّث على أزيد من الثّلث بعقد الوصيّة والعقد على بنت الأخ أو الأخت للزّوجة على الظّاهر فبأنّ متعلّق الملك فيه هو الرّدّ ودفع تأثير العقد لا الفسخ ورفع أثره بعد تحقّقه وفرق بين الدّفع والرّفع وأمّا الباقي فنلتزم فيه بكون متعلّق الملك هو الفسخ وأنّه من قبيل الخيار ولا دليل على بطلانه على إشكال في الأوّل منه لعدم إحراز كون الحال فيه من باب الفسخ لاحتمال كونه من باب بطلان النّكاح اللازم مع اختيارها المفارقة وعليه ليس متعلّق الملك والخيار إلا المفارقة لا نفس العقد فلا يرد النّقض به أيضا وربّما يستشكل على تعريف الإيضاح وكذلك على التّعريف الإيضاح وكذلك على التّعريف الآتي بخروج خيار السّفيه وغيره من أفراد المحجور عليه وفيه ما لا يخفى‏
    قوله لأنّ القدرة على الفسخ عين القدرة على التّرك‏
    (1) أقول قضيّة هذا التّعليل أنّ ذكر واحد منه ومن الإزالة مستدرك لا خصوصه ثمّ إنّ في تعبيره ما لا يخفى من المسامحة إذ على ظاهره يلزم أن يكون أحد النّقيضين عين الآخر فالمراد من العينيّة لا بدّ وأن يكون هو الملازمة وعدم إمكان الانفكاك وعليه وإن كان ذكر أحدهما يغني عن الآخر إلا أنّه لمّا كان اختيار ذكر أحدهما على ذكر الآخر ترجيحا بلا مرجّح لم يكن له بدّ من ذكرهما معا فتأمّل‏
    قوله وإن أريد منه إلزام العقد إلى آخره‏
    (2) أقول كما هو الظّاهر من لفظ الإقرار ويشهد له قوله في بعض الأخبار مشيرا إلى إحداث الحدث ذلك رضا منه مفرّعا عليه نفي الشّرط والخيار حيث أنّ الّذي يتفرّع هذا عليه هو إبرامه وجعله لازما لا صرف ترك الفسخ كما هو ظاهر بل ولا صرف الرّضا بالبقاء لما ستقف عليه إن شاء اللَّه وما ذكره من رجوع الإلزام والإمضاء إلى إسقاط الحقّ حتّى يكون أخذه في التّعريف موجبا للدّور ممنوع ضرورة أنّ الإمضاء عبارة عن إنشاء لزومه ومضيّه وأمّا السّقوط فهو من آثاره مثله في الفسخ الّذي ليس هو بإسقاط بالضّرورة وبالجملة موضوع الخيار هو العقد الجائز وبإعمال الخيار بالفسخ أو الإمضاء يزول الموضوع أوّلا ويترتّب عليه سقوط الخيار ثانيا لأجل زوال الموضوع غاية الأمر بالفسخ يزول ذات الموضوع وهو العقد وبالإمضاء وصفه وهو الجواز
    قوله مع أنّ ظاهر الإلزام مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا
    (3) أقول يمكن أن يقال إنّ مقتضى المقابلة ليس أزيد من كون الإلزام عبارة عن جعله لازما بالنّسبة إلى الممضى لا مطلقا بدعوى أنّ الفسخ أيضا عبارة عن حلّ العقد بالنّسبة إلى الفاسخ وما تراه من الفرق إنّما هو من خصوصيّات مفهوم الفسخ وأنّه شي‏ء إذا حصل بالقياس إلى أحد المتعاقدين يحصل بالقياس إلى الآخر أيضا قهرا نظير أصل العقد وهذا بخلاف الإمضاء وبالجملة الفسخ عبارة عن رفع اليد عن التزامه ولازمه عقلا ارتفاع التزام الآخر لعدم تقوّمه بدون الطّرف الآخر والإمضاء عبارة عن إبرامه ولا يلازمه استحكامه من الطّرف الآخر بحيث لا يقدر على رفع اليد عن التزامه واختلاف المفهومين من تلك الجهة لا يوجب كون الفسخ عبارة عن حلّ العقد من الفاسخ حتّى بالنّسبة إلى غير الفاسخ كي يصير الإلزام بمقتضى المقابلة إلزاما مطلقا فتدبّر
    [ الثانية في معنى أن الأصل في البيع اللزوم‏ ]
    قوله لأنّ الشّارع وضعه لنقل الملك إلى آخره‏

    (4) أقول لعلّ مراده (ره) الوضع التّقريري لعدم الوضع التّأسيسي منه ص‏
    قوله (ره) والغرض تمكّن إلى آخره‏
    (5) أقول هذا معنى آخر للأصل في عبارة التّذكرة ومرجعه إلى المعنى الرّابع الآتي في المتن‏
    قوله قابل لإرادة معان‏
    (6) أقول يعني معان أربعة معروفة عند الأصحاب أحدها الظّاهر وهو المراد من الرّاجح في المعنى الأوّل فلا تغفل‏
    قوله احتمله في جامع المقاصد
    (7) أقول حيث أنّه بعد تفسير الأصل بالمعنى الرّابع بقوله أي بنائه على اللّزوم لا الجواز وإن كان قد يعرض لبعض أفراده الجواز قال بلا فصل ما هذا لفظه وإنّ الأرجح فيه ذلك نظرا إلى أنّ أكثر أفراده على اللزوم انتهى‏
    قوله قدّس سرّه وإن أراد غلبة الأزمان إلى آخره‏
    (8) أقول وإنّ الجواز والخيار في كلّ مورد ثبت إنّما هو في زمان نادر بالنّسبة إلى أزمنة لزومه وعدم جوازه كما بين زمان العقد والافتراق في خيار المجلس والثّلاثة أيّام في الحيوان وزمان ظهور العيب والغبن في خياري العيب والغبن بناء على الفور ومدّة الشّرط في خيار الشّرط وإن بلغت من الكثرة ما بلغت فإنّها بالقياس إلى زمان اللّزوم الممتدّ إلى يوم القيامة في غاية القلّة ثمّ إنّه لا مجال لهذا الاحتمال لأنّ عبارته المتقدّم نقلها صريحة في إرادة غلبة الأفراد إلا أنّ المصنف (ره) ذكره أيضا جريا على قانون المناظرة ثمّ بناء على إرادة هذا الاحتمال لا يمكن أن يكون مراده دعوى غلبة اللّزوم في كلّ فرد من أفراد البيع بحيث لا يشذّ فرد من أفراده إلا أنّه يتّصف باللّزوم في غالب أزمنة وجوده وبالجواز في نادرها وذلك ضرورة وجود فرد منه في الخارج يكون لازما أبدا كالبيع المشروط فيه عدم الخيار أصلا وإنّما مراده الأفراد المعلوم اتّصافها بالجواز في مقدار من الزّمان وباللّزوم في مقدار آخر يعني أنّ كلّ فرد يكون كذلك إنّما يكون وصف لزومه في غالب أزمنته وجوازه في نادرها فحينئذ يصحّ أن يقال عليه بأنّه لا ينفع في الفرد المشكوك في أنّه لازم مطلقا أو جائز كذلك أو لازم في زمان وجائز في آخر وإنّما ينفع فيما إذا شكّ في طول زمان الخيار والجواز وقصره بعد الفراغ عن أصل ثبوته في زمان في الجملة فلا يمكن دفعه بما ذكره سيّدنا الأستاد قدّس سرّه من أنّ الشّكّ في اللّزوم والجواز من حيث الزّمان يلازم الشّكّ فيه من حيث الفرديّة حيث أنّ الشّكّ في لزوم فرد لا يكون إلا في زمان فإذا حكم بلزومه من حيث الزّمان المشكوك يكفي في ترتّب آثار اللّزوم على الفرد المشكوك في لزومه وذلك أنّه إنّما ينفع فيما لو كان مورد غلبة اللّزوم جميع أفراد البيع وقد مرّ عدم إمكان إرادته وأنّ مراده الأفراد المعلوم اتّصافها باللّزوم في مقدار من الزّمان والجواز في آخر فلا يعمّ الأفراد الّتي يحتمل فيها اللّزوم دائما وفي جميع الأزمنة
    قوله مع أنّه لا يناسب إلى آخره‏
    (9) أقول الظّاهر رجوع الضّمير إلى خصوص الشّق الثّاني والوجه في عدم المناسبة على هذا بحيث يختصّ بهذا الشّقّ أنّ ثبوت الخيار وظهور العيب يوجب تغاير متعلّقهما بالقياس إلى الفاقد لهما من حيث الفرديّة لا من حيث الزّمان فيكون الخروج بهما عمّا يعمّهما وما يقابلهما خروجا فرديّا لا زمانيّا وإنّما المناسب لذلك أن يقول العلامة قدّس سرّه وإنّما يخرج عن الأصل في زمانين زمان ثبوت خيار وزمان ظهور عيب ويمكن إرجاعه إلى حمل الأصل على الرّاجح بمعنى الغالب والوجه في عدم المناسبة حينئذ أنّ مورد الخيار وظهور العيب على هذا من الأفراد النّادرة المقابلة للأفراد الغالبة


(406)
لا أنّه شي‏ء خارج من الغالب فالتّعبير بالخروج كاشف عن شمول الأصل له ومن المعلوم أنّ الأصل بمعنى الغالب لا يعمّ جميع الأفراد حتّى يقال إنّه خرج عنه فردا وفردان بل كلّما لم يلحق بالغالب فيعدّ هو من الأفراد النّادرة مقابل الغالبة وكيف كان فلعلّ وجه تخصيص عدم المساعدة بعبارة القواعد مع عدم الفرق فيه بينها وبين عبارة التذكرة هو لحاظ كونه شرحا للقواعد
    قوله القاعدة المستفادة من العمومات‏
    (1) أقول يعني بالعموم الأعمّ من الوضعي والحكمي أي الإطلاقي فلا يرد أنّ العموم متعرّض لحكم الأفراد فلا يرفع الشّكّ في الأحوال والأزمان لأنّ الإطلاق في العمومات متعرّض للحكم بحسب الأحوال والأزمان‏
    قوله وهذا حسن إلى آخره‏
    (2) أقول ستعرف ما فيه عن قريب‏
    قوله ولكن لا يناسب إلى آخره‏
    (3) أقول نعم ولكن لا ضير فيه إلا أن يكون نظر القائل بذلك إلى بيان مراد العلامة في عبارة التّذكرة وهو بعيد بل غير محتمل لأنّه تفسير اللّفظ بغير ما فسّره به صاحبه‏
    قوله ومرجعه إلى أصالة إلى آخره‏
    (4) أقول الّذي دعاه إلى ذلك عدم صحّة أصالة اللّزوم بمعنى استصحابه لعدم الحالة السّابقة له وعلى أي تقدير فحمل اللّزوم على الأصل في عبارة التّذكرة وغيرها من قبل حمل المقتضى بالفتح على المقتضي بالكسر
    قوله قدّس سرّه الرّابع المعنى اللّغوي بمعنى أنّ وضع البيع إلى آخره‏
    (5) أقول قد حكي هذا الوجه عن السّيّد الصّدر في مقام توجيه مراد الشّهيد قدّس سرّه من قوله الأصل في البيع اللّزوم كي يندفع عنه إيراد الفاضل التّوني عليه بإنكاره الأصل لأجل خيار المجلس وملخّص مرامه على ما يظهر من مقايسة أصالة اللّزوم في البيع على أصالة الاستدارة في الأجسام أنّ اللّزوم بالنّسبة إلى البيع كالاستدارة بالنّسبة إلى الأجسام من الأعراض اللازمة لطبيعته عند العرف والشّرع الغير القابلة للانفكاك عنها إلا لأجل القاسر الخارجيّ وأنّ الجواز فيه كغير شكل الاستدارة في الأجسام بمنزلة الصّفة القسريّة خارج عن مقتضى طبيعته ناش من أمر خارج عن ذاته وهو حقّ الخيار المجعول من جانب الشّارع إمّا ابتداء أو إمضاء وأمّا الهبة فهي عكس البيع فإنّ الجواز من مقتضيات طبيعتها واللزوم يعرض عليها من قبل القاسر الخارجي وفيه أنّه ليس إلا صرف الدّعوى إذ يمكن دعوى العكس أو التّساوي لأنّ جواز الرّجوع في الهبة أيضا قابل للانفكاك عنها بالتّصرّف وبكون الموهوب له رحما للواهب ودعوى أنّ ملاك الفرق بين كون الخيار والجواز في البيع واللّزوم في الهبة من العوارض الخارجيّة لا العكس ولا المساواة إنّما هو قابليّة الخيار للانفكاك عن البيع بخصوص الإسقاط دون جواز الرّجوع في الهبة مندفعة بما أشرنا إليه من عدم سقوط الخيار بالإسقاط ما لم يرجع إلى الإمضاء والإيجاب وإن أراد منه الإمضاء فنقول إنّ جواز الرّجوع في الهبة وإن كان لا يسقط به إلا أنّه لأجل كونه أجنبيّا عن طرف الجواز لأنّ طرف جواز الرّجوع هو عدم جواز الرّجوع في العين لا الإمضاء للعقد وهذا لا يكفي فيما ذكر من الفرق وبالجملة كون بناء البيع على اللّزوم شرعا ما دام المجلس لم ينقض والجواز إنّما ثبت بدليل خارجيّ لا العكس بمعنى أنّ بناءه على الجواز وإنّما ثبت اللّزوم بعد انقضاء المجلس بدليل خارجيّ ممنوع ولو سلّم فمرجع هذا إلى المعنى الثّاني إذ بناء الشّرع على اللّزوم ليس إلا ما يستفاد من العمومات وأمّا بناؤه عليه عرفا فإن أريد منه بناء المتعاقدين ففيه أنّ ليس بناؤهما إلا على صرف تحقّق الأثر المقصود فتأمّل فإنّ بناءهما على انقطاع علاقة المالك الأوّل بالمرّة بحيث لو أراد خلاف ذلك لاشترطا الخيار ولكن مجرّد ذلك لا يجدي بل لا بدّ من الإمضاء له شرعا ولا دليل له إلا العمومات ومع ذلك يرجع هذا إلى المعنى الثّاني ويمكن إرجاع هذا الوجه إلى قاعدة المقتضي والمانع بتقريب أن يقال إنّ المراد أنّ بناء عقد البيع ووضعه عند العرف والشّرع على اللّزوم بمعنى اقتضائه لبقاء أثره واستحكامه أيضا بحيث لا يزول بالفسخ والخيار مانع عن تحقّق هذا المقتضى بالفتح فإذا شكّ في وجود المانع أو مانعيّة الموجود فيبنى على العدم وفيه مضافا إلى إمكان منع اقتضائه للاستحكام واللّزوم نعم يقتضي البقاء وهو غير اللّزوم ضرورة أنّ العقد الجائز يبقى ما دام لم يتحقّق الرّافع مع أنّه غير لازم ومضافا إلى عدم مساعدة دليل عليها ما لم يرجع إلى الاستصحاب كما في المقام لعدم وجود حالة سابقة لعدم الخيار على ما شرحنا الكلام فيه في مقام بيان مفاد أخبار الاستصحاب من شرحنا على الكفاية أنّه أيضا يرجع إلى المعنى الثّاني بالنّسبة إلى الاقتضاء الشّرعي‏
    قوله وتوجيهه بعطف الخاصّ كما في جامع المقاصد
    (6) أقول يعني به توجيهه الثّاني فإنّه قدّس سرّه بعد إيراده على العبارة بأنّ ظهور العيب أيضا مقتض للخيار فكأن حقّه الاستغناء به وجّهها أوّلا بقوله إلا أن يقال إنّ ثبوت الخيار لا بسبب نقصان في نفس العين وصفاتها قسم برأسه وبسببه قسم آخر ومرجعه كما لا يخفى إلى ما ذكره المصنف بعد ذلك بقوله وحاصل التّوجيه إلخ ومحصّله كون العطف من قبيل عطف أحد القسمين المتباينين على القسم الآخر ثمّ وجّهها ثانيا بقوله أو أنّ مباحث العيوب لسعتها حقيق بأفراد فصل لها ولأجل ذلك جعل العيب قسما برأسه انتهى ومرجعه كما لا يخفى إلى كون العطف من عطف الخاصّ على العامّ‏
    قوله غير ظاهر إذ لم يعطف العيب على أسباب الخيار
    (7) أقول نعم لو لم يقل بعد ذلك الفصل الأوّل في أسباب الخيار وكذا لو لم يقل في مقام تعداد أسباب الخيار السّابع خيار العيب فإنّ هذا قرينة على أنّ المراد من الخيار هنا أسبابه وهو استعمال شائع وإلا كان عليه أن يقول الفصل الأوّل في الخيار وأسبابه سبعة ولأجل هذا رجّحه المحقّق الثّاني على التّوجيه الأوّل بحسب مراد العلامة فقال بعد ما ذكرناه من التّوجيه وهذا هو الملحوظ له المطابق لفعله فإنّه في أقسام الخيار قال السّابع خيار العيب‏
    قوله نعم قد يساعد عليه ما في التّذكرة
    (8) أقول ظنّي أنّ الضّمير لا يرجع إلى توجيه المحقّق الثّاني فإنّ ما في التّذكرة لا يساعد عليه بل هو آب عنه وإنّما يرجع إلى الظّاهر أي ظاهر العطف الّذي فسّره في السّابق بكون ظهور العيب سببا مستقلّا لتزلزل البيع في مقابل الخيار يعني نعم يساعد على ظهور العطف وعدم الاستغناء عنه في عبارة القواعد ما في التّذكرة وجه المساعدة تقييد المعطوف عليه أعني الخيار في عبارة التذكرة بما يوجب مغايرته مع المعطوف وهو ظهور العيب من قوله من غير نقص في أحد العوضين‏


(407)
    قوله وحاصل التّوجيه على هذا
    (1) أقول لمّا كان ظاهر العطف على ما يساعد عليه عبارة التّذكرة راجعا إلى التّوجيه وحيث أنّه يتّجه عليه أنّ ظاهره كون ظهور العيب في عرض الخيار في كونه سببا للخروج عن الأصل وتزلزل العقد مع أنّه في عرض أسبابه ذكر هذا لدفع هذا الإشكال يعني وحاصل ما يوجّه به العطف في العبارتين بناء على هذا الّذي يساعد عليه عبارة التّذكرة ويقتضيه من كون ظهور العيب سببا مستقلّا في قبال الخيار هو أن يقال في عبارة التّذكرة بأنّه حذف في المعطوف المسبّب والمقيّد أعني الخيار وأقيم السّبب والقيد مقامه ويقال في عبارة القواعد بأنّه حذف القيد وهو قوله من غير نقص في أحد العوضين من جانب المعطوف عليه والمقيّد وهو الخيار من جانب المعطوف فافهم ثمّ لا يخفى عليك أنّ هذا التّوجيه كما أشرنا إليه هو التّوجيه الأوّل من توجيهي المحقّق الثّاني فتفطّن‏
    قوله أحدهما ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما
    (2) أقول الأوّل كما في خيار المجلس وبعض أقسام خيار الشّرط والثّاني كما في سائر الخيارات‏
    قوله قدّس سرّه مع عدم تماميّته إلى آخره‏
    (3) أقول هذا إيراد على التّوجيه الّذي ذكره بقوله وحاصل التّوجيه إلى آخره والّذي أورده عليه أمور ثلاثة أوّلها وهو عدم تماميّة التّوجيه جار في كلتا العبارتين وثانيها وهو التّكلّف الّذي يمكن أن يكون وجهه الاحتياج إلى كثرة الحذف والإضمار مختصّ بعبارة القواعد وثالثها وهو الّذي ذكره بقوله ومقتضى التّوجيه مختصّ بعبارة التّذكرة إذ في القواعد لم يتكلّم في الأمر الأوّل إلا فيما عدا خيار العيب حيث أنّه فيها في آخر الفصل الأوّل المعقود لبيان أقسام الخيار قال السّابع خيار العيب وسيأتي وهذا الخيار ليس تكلّما فيه وإنّما تكلّم فيه في فصل آخر مستقلّ قال الفصل الثّاني في العيب وفيه مطالب ولذا لا يرد هذا الإيراد على ما وجّه به جامع المقاصد عبارة القواعد من التّوجيهين المتقدمين في عبارته المتقدّم نقلها ثمّ إنّ وجه عدم تماميّة التّوجيه المذكور على ما في بعض الحواشي انتقاض الحصر فيهما بالجواز في عقد الفضولي والمعاطاة وفيه أنّ هذا ليس إيرادا على التّوجيه وإنّما هو إيراد على أصل الحصر حتّى مع فرض كون العبارة على نحو لا تحتاج إلى التّوجيه بأن قال وإنّما يخرج عن الأصل لأمرين سبب الخيار وظهور العيب كي يكون من عطف الخاصّ على العام أو قال وإنّما يخرج لأمر وهو ثبوت الخيار أو لأمور وهي سبعة المجلس والحيوان والشّرط إلى تمام أسباب الخيار ولعلّ المراد من عدم التّماميّة هو بلا تصرّف في واحد من طرفي العطف واحتياجه إلى التّجوّز في ظهور العيب بإرادة الخيار المسبّب منه أو في الخيار بإرادة أسبابه وفيه أيضا ما لا يخفى ويحتمل أن يكون نظره في ذلك إلى أنّ خيار العيب أيضا ثابت بأصل الشّرع لأجل العيب مثل ثبوته للتّروّي فتدبّر
    قوله (ره) ويمكن توجيه ذلك إلى آخره‏
    (4) أقول يعني توجيه ظاهر العطف من كون ظهور العيب سببا مستقلّا للخيار وحاصل هذا التّوجيه هو الفرق بين المعطوف والمعطوف عليه بأنّ الثّاني سبب في تزلزل العقد بالقياس إلى تمام متعلّقه والأوّل سبب له بالقياس إلى بعض أجزائه ولكن هذا مبنيّ على كون الأرش جزء من الثّمن وعدم جواز فسخ العقد بالنّسبة إلى تمام العوضين في ظهور العيب وكلاهما ممنوع‏
    قوله وقد صرّح العلامة في كتبه إلى آخره‏
    (5) أقول مجرّد هذا لا يكون دليلا على المطلب وإنّما اللازم إقامة الدّليل على أحد الطّرفين وسيأتي في أوائل خيار العيب أنّ الحقّ كون الأرش جزء من الثّمن من جهة أنّ الحقّ أنّ وصف الصّحة من بين الأوصاف منزّل بمنزلة الجزء عرفا مع إمضاء الشارع لهذا التّنزيل فانتظر
    قوله ثمّ إنّ الأصل بالمعنى الرّابع إنّما ينفع مع الشّك في ثبوت خيار في خصوص البيع إلى آخره‏
    (6) أقول نعم على القول بقاعدة المقتضى والمانع ولكنّه (ره) لا يقول بها
    قوله فمنها قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلى آخره‏
    (7) أقول قد اشتهر الاستدلال بذلك على لزوم العقد في السنة الفقهاء (ره) خلفا عن سلف إلا العلامة قدّس سرّه في باب السّبق من المختلف وسيأتي نقل كلامه عن قريب ووجه الاستدلال بها يتوقّف على شرح حقيقة مفهوم مادّتي العقد والوفاء بعد وضوح كون هيئة الأمر فيها كسائر الموارد ظاهرة في الوجوب إمّا لأجل الوضع كما قيل أو لأجل الإطلاق كما هو الحقّ على ما قرّر في الأصول فنقول العقد لغة وعرفا بالمعنى المصدري عبارة عمّا يعبّر عنه في الفارسيّة بگره زدن وبالمعنى الاسم المصدري بگره وإطلاقه على عقد القلب وكذا إطلاق العقدة على شدّة الحزن والهمّ وأمثال ذلك إنّما هو بنحو من العناية والتّشبيه والتّنزيل وهو في تحقّق معناه يحتاج إلى معقود ومعقود فيه فإن كان كلّ منهما من الأمور الخارجيّة القابلة لعروض هذا المعنى عليها فالعقد حقيقيّ من غير فرق بين أن يكون تعدّدهما أيضا حقيقيّا كما في الحبلين المعقود أحدهما في الآخر أو اعتباريّا كما في الحبل الواحد الواقع في وسطه العقد وإن كان كلّ واحد منهما من الأمور الاعتباريّة أو الخارجيّة الغير القابلة لعروضه عليها كما في مثل البناء والالتزام والعهد فالعقد مجازيّ حصل من تنزيل العهدين والالتزامين من الطّرفين منزلة الحبلين المنفصل أحدهما عن الآخر وتنزيل وصل كلّ منهما وربطه بالآخر بكون أحدهما إيجابا والآخر قبولا له منزلة العقد وقد أشرنا إليه وهذا بخلاف العهد فإنّه عبارة عن صرف البناء على شي‏ء والالتزام به أعمّ من أن يكون هناك التزام من طرف آخر مرتبط به أم لا فالعهد أعمّ من العقد فكلّ عقد عهد ولا عكس فما في المجمع من العكس فهو سهو منه قدّس سرّه وما في صحيحة ابن سنان من تفسيره بالعهد فهو من التّفسير بالأعمّ أو المراد من العهد هو العهد القائم بالطّرفين ومن هنا علم أنّه لا يصحّ إطلاق العقد ولو مجازا على مثل النّذر واليمين وسائر العهود الّتي ليس فيها إلا طرف واحد إذ يعتبر في صحّته وجود الطّرفين نعم يصحّ بنحو آخر وظهر أيضا أنّ الفرق بين العقد والعهد إنّما هو باحتياج الأوّل إلى شيئين وشدّ أحدهما بالآخر بالنّحو الخاصّ دون الثّاني لا بما يظهر من كلمات مثل صاحبي القاموس والكشّاف والقاضي البيضاوي ممّن فسّره بالعهد الموثّق كما عن الأوّلين أو العهد المشدّد كما عن الأخير من اعتبار الوثوق أو الشدّة في العقد وعدمه في العهد فما كان من العهد والبناء والالتزام موثّقا أو مشدّدا


(408)
فهو عقد وإن لم يكن هناك التزام آخر مربوط به بناء على أن يكون نظرهم في جهة التّوثيق والتّشديد إلى غير ما ذكرناه من الاحتياج إلى الطّرف الآخر وربط التزامه بالتزامه وأمّا إذا كان نظرهم فيها إلى ما ذكرنا فنعم الوفاق ولعلّ هذا هو الظّاهر إذ ليس هناك شي‏ء آخر سواه يكون جهة توثيق وتشديد فتأمل هذا ما يرجع إلى معنى العقد وأمّا الوفاء فمعناه المطّرد في جميع مشتقّاته وموارد استعمالاته إعطاء تمام الحقّ لذيه وإيصاله إليه والمراد من الحقّ ما يقتضيه الشّي‏ء وينبغي له ويتعدّى بنفسه إلى الأوّل أي الحقّ الّذي بحسب المعنى بمنزلة المفعول الثّاني لباب وفي وبالباء إلى الثّاني أي ذي الحقّ الّذي هو بمنزلة المفعول الأوّل لذاك الباب ولو تعدّى إليه بنفسه في مورد فهو من باب الحذف والإيصال فيقال وفيت الحقّ بذيه أي أعطيته إياه وأوصلته إليه كما أنّ الاستيفاء أخذ ذي الحقّ حقّه ومنه الوفاء بالكيل والوزن بمعنى إعطائه ما يقتضيه من الإتمام والإكمال مقابل البخس والنّقص ثمّ إنّ الحقّ تارة يكون روحا كما في قولك توفّي فلان بمعنى مات أي ردّ روحه إلى الخالق وأوصله إليه ويمكن أن يكون بمعنى أتمّ أجله المعيّن وقد يكون دينا وهو واضح وقد يكون فعلا وعملا كما في الوعد وقد يكون امتثالا كما في التّكاليف وقد يكون أمرا اعتباريّا وضعيّا مثل الملكيّة في العقود المملّكة ونذر النّتيجة والزّوجيّة إلى غير ذلك من الأمور الاعتباريّة والوفاء وأداء الحقّ إلى ذيه في الأخير إبقاء ذاك الحقّ وعدم إزالته عن ذيه كما أنّه في سابقه عبارة عن إيجاد ذاك العمل وذو الحقّ أيضا قد يكون من أفراد الإنسان وهو واضح وقد يكون من الأفعال والالتزامات كما في قوله تعالى وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا و يُوفُونَ بِالنَّذْرِ إلى غير ذلك من الآيات الشّريفة وقد يكون من الأعيان الخارجيّة كالكيل كما في قوله تعالى وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وفَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ بناء على كون الكيل بمعنى المكيال لا مصدرا وإلا يكون من أمثلة ما قبله كما لا يخفى فالعقود في الآية الشّريفة هو ذو الحقّ والمفعول الآخر للوفاء المعبّر عنه بالحقّ محذوف والمراد به ما ينبغي للعقود وما هي تقتضيه وما يتوصّل بإيجادها إلى تحصيله أعني مدلولها المقصود منها مثل الملكيّة في البيع والزّوجيّة في النّكاح ومعنى وفاء ذاك الحقّ كما ذكرنا هو إبقاؤه على حاله وعدم إزالته فيكون معنى وجوبه وجوب إبقائه وعدم حلّه ثمّ إنّ اللام في العقود مثلها في سائر صيغ الجمع للاستغراق من حيث الأفراد إمّا لأجل الوضع أو لظهورها فيه عرفا ولا ينافيه تفسير العقود بالعقود الخاصّة على اختلاف بينهم في تلك الخصوصيّة كما لا يخفى على من راجع كتب التّفاسير إذ الظّاهر أنّه من قبيل تفسير العامّ بالخاصّ ومثله في تفسير الآيات الشّريفة كثير جدّا أو من قبيل التّفسير بالباطن هذا مع عدم حجّيّة بعض التّفاسير لعدم دليل عليه من الأخبار إذا عرفت هذا فنقول أنّ مقتضى العقد أي مدلوله اللّفظي المقصود منه قد يكون شيئا مقيّدا بزمان كما في الإجارة وعقد المتعة وقد يكون شيئا مطلقا غير مقيّد بزمان دون آخر ويلزمه الدّوام لو لم يرفعه رافع كما في مثل البيع والنّكاح ومعنى الوفاء بالعقد هو إعطاء هذا المقتضى بالفتح بتمام حدوده الّتي منها عدم التّقييد بزمان في بعض الموارد للعقد المقتضي له وإتمامه له بمجرّد صدوره وإيصاله إليه وقد مرّ أنّ إيصال مثل الملكيّة من الأمور الاعتباريّة المنتزعة من الالتزام والبناء أي العقد هو إبقاء تلك النّتيجة المقصودة من العقد وعدم إزالتها وعدم سلبها عن ذاك العقد والالتزام ومرجع الإبقاء هنا إلى الالتزام ببقاء ما حدث بالالتزام الأوّل الحاصل بالعقد فهنا التزامان أحدها الالتزام بكون هذا ملكا لهذا بذاك مطلقا والثّاني الالتزام ببقاء هذا الحادث في كلّ زمان وعدم رفعه والأوّل عقد والثّاني وفاء كما أنّ في الوعد ونذر الفعل أمرين أحدهما الالتزام بالفعل والآخر إيجاده ولا يكون ذلك إلا بإبقاء هذا المقتضى وترك الالتزام بخلافه وزواله في زمان إذ لو ترك العمل به في زمان من الأزمنة فلم يف بالعقد بمعنى أنّه لم يعط العقد حقّه بتمامه لأنّ حقّه بمقتضى إطلاقه هو الملكيّة حتّى في ذاك الزّمان فإذا وجب الوفاء بالعقد بمعنى الالتزام ببقاء نتيجته للأمر به الظّاهر في الوجوب فيحرم ضدّه وهو الالتزام بالنّقض والفسخ وارتفاع تلك النّتيجة والنّهي في المعاملات ومنها الفسخ يوجب الفساد هذا غاية تقريب الاستدلال بالآية الشّريفة على اللّزوم بمعنى عدم تأثير الرّجوع عن الالتزام في زوال العقد وانحلاله ولا يتّجه على هذا التّقريب ما يتّجه على تقريب المصنف قدّس سرّه من الإشكالين أحدهما جواز التّمسّك بالعامّ في الشّبهة الموضوعيّة ولا يقول به وذلك لأنّ موضوع وجوب الوفاء هو العقد ووجوده بعد الفسخ غير معلوم إذ المفروض هو الشّكّ في تأثير الفسخ وعدمه وإلا لا معنى للتّمسّك بالآية حينئذ تمسّكا بالعامّ مع الشّكّ في انطباق موضوعه على المورد وهو غير جائز فلا بدّ من التّمسّك باستصحاب العقد ومعه لا حاجة إلى الآية هذا بل يمكن أن يناقش في الاستدلال بالآية بأنّه من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة بتقريب أنّه لا ريب في تخصيصه بالعقد الّذي ينفسخ واقعا بالفسخ وخروجه عنه قطعا فمع الشّكّ في انفساخ عقد من العقود بالفسخ واقعا لأجل الشّكّ في جوازه ولزومه يشكّ في أنّه من أفراد الخاصّ أم لا والتّحقيق عنده عدم جوازه أيضا إلا أن يقال نعم ولكن لا بأس به في مثل المقام ممّا كان المخصّص لبّيا على ما قرّر في الأصول إذ ليس هنا دليل لفظيّ يدلّ على خروج العقد القابل للانفساخ بذاك العنوان بل الدّليل عليه إنّما هو الإجماع لو كان بل يمكن منع الإجماع على ذلك وإنّما الإجماع على خروج بعض العقود بعنوانه الخاصّ كعقد الوكالة والهبة والعارية والوديعة ونحو ذلك لا على خروج العقد بعنوان القابل للانفساخ فتدبّر وثانيهما أنّ لازم تقريبه قدّس سرّه كون تصرّفات البائع مثلا في المبيع وحيلولته بينه وبين مالكه وهو المشتري نقضا وتركها وفاء والحال أنّه ليس كذلك حيث أنّ سرقة البائع المبيع من المشتري كسرقة سائر أمواله لا ربط لوجودها بالنّقض ولعدمها بالوفاء والوجه في سلامة تقريبنا عن ذاك أنّه بناء على تقريبنا يكون الوفاء هو الالتزام ببقاء النّتيجة والنّقض هو الالتزام بخلافه لا الالتزام بآثار تلك‏


(409)
النّتيجة من مثل الاستيذان من المشتري في التّصرّف في المبيع وحرمة سرقته وغصبه منه وهكذا ومتعلّق الوفاء هو الملتزم به أي النّتيجة الحاصلة من الالتزام بالحدوث وهو موجود حين الوفاء والنّقض القطعي فضلا عن النّقض المشكوك إلا أنّه يتّجه عليه أنّ تماميّة دلالتها على اللّزوم بالمعنى المذكور مبنيّة على اقتضاء الأمر بالشّي‏ء مثل الأمر بالوفاء النّهي عن ضدّه كالنّقض والفسخ أوّلا وعلى دلالة هذا النّهي التّبعي الغيري على الفساد ثانيا وكلا الأمرين في حيّز المنع على ما ذكرناه في الأصول هذا ويمكن أن يقال إنّه لا حاجة في إثبات اللّزوم بالآية إلى مسألة الضّدّ حتّى يشكل بما ذكر بل يكفي فيه صرف وجوب الوفاء بالمعنى المذكور وذلك لأنّ مفاد الآية حينئذ أنّ كلّ عقد يجب الوفاء به فيصير صغرى لكبرى قطعيّة وهي أنّه لا شي‏ء من العقد الجائز يجب الوفاء به لو خلّي وطبعه مع قطع النّظر عن طرق الطّواري المورثة لوجوب الوفاء به مثل شرط عدم الفسخ في ضمن عقد لازم ونذر الوفاء به فينتج بطور الشّكل الثّاني أنّه لا شي‏ء من العقد بعقد جائز وهو المطلوب وفيه ما لا يخفى لأن كون العقد الجائز عقدا حقيقة لغة وعرفا وشرعا غير قابل للإنكار هذا مع إمكان المناقشة في الكبرى فهذا آية اللَّه العلامة أعلى اللَّه مقامه يظهر منه في كلامه الآتي نقله وجوب الوفاء بالعقود الجائزة أيضا وعدم المنافاة بينه وبين جواز العقد وقابليّته للانحلال بالحلّ وقد يستشكل على الاستدلال بالآية على اللّزوم بأنّه إنّما يتمّ لو كان الوجوب فيها تكليفيّا وليس كذلك لاستلزامه خروج التّكاليف الإلهيّة والعقود الرّبّانيّة إذ الأمر بالنّسبة إليها عين الأمر بالإطاعة وهو إرشاديّ صرف ولا مجال للخروج لاستلزامه عدم المناسبة بينها وبين قوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فلا بدّ أن يكون إرشاديّا ومعه لا تدلّ على أزيد من الصّحّة وفيه أنّ الأمر في كلّ مورد ظاهر في الطّلب الإلزامي إلا فيما إذا قيّد ولو بدليل منفصل بما يكون قرينة على عدم إرادة الإلزام كما في موارد النّدب وأمّا الإرشاد فهو من قبيل الدّاعي إلى الإلزام لا من معانيه ولا تنافي بين كون الدّاعي إلى الأمر والإلزام بالنّسبة إلى بعض أفراد متعلّقه هو الإرشاد وبالنّسبة إلى غيره غيره وليس هذا من استعمال اللّفظ في أكثر من معنى وتوهّم أنّه منه ناش من الخلط بين الدّاعي والمستعمل فيه فتأمل جيّدا
    قوله والمراد من العقد مطلق العهد إلى آخره‏
    (1) أقول فيعمّ العقد المصطلح وهو ما يحتاج إلى طرفين وغيره ممّا يقوم بطرف واحد كالنّذر والعهد
    قوله والمراد بوجوب الوفاء العمل إلخ‏
    (2) أقول الصّواب أن يقول وجوب العمل إلى آخره‏
    قوله بل قد حقّق في الأصول أن لا معنى للحكم الوضعي إلا ما انتزع من الحكم التّكليفي‏
    (3) أقول قد حقّق فيها أنّه لا محيص عن الالتزام بتأصّلها وأنّه قضيّة التّحقيق‏
    قوله وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قيل من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد إلى آخره‏
    (4) أقول لعلّ نظره في ذلك إلى العلامة قدّس سرّه في المختلف في جواب من استدلّ بالآية على لزوم عقد السّبق وتبعه في ذلك المحقق القمي في أوائل البيع من أجوبة مسائله وببالي أنّه قدّس سرّه أطال الكلام في ذلك في مسائل الطّلاق الخلعي من ذاك الكتاب قال العلامة (ره) في أوّل فصل السّبق ما هذا لفظه مسألة ذهب الشّيخ في المبسوط والخلاف إلى أنّ عقد الرّمي والسّبق من العقود الجائزة كالجعالة لا من العقود اللازمة كالإجارة وقال ابن إدريس أنّه من العقود اللازمة والوجه الأوّل لنا الأصل عدم اللّزوم ولأنّه نوع جعالة فإنّ قوله من سبق فله كذا هو عين الجعالة احتجّ بقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ والجواب القول بالموجب فإنّ الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه فإن كان لازما كان الوفاء به العمل بمقتضاه على سبيل اللّزوم وإن كان جائزا كان الوفاء به العمل بمقتضاه على سبيل الجواز وأيضا ليس المراد مطلق العقود وإلا لوجب الوفاء بالوديعة والعارية وغيرهما من العقود الجائزة وهو باطل بالإجماع فلم يبق إلا العقود اللازمة والبحث وقع فيه انتهى كلامه رفع مقامه أقول نظره في الجواب الأخير المبتني على كون الأمر بالوفاء للوجوب المولوي إلى ما ذكرنا سابقا من أنّ الاستدلال بالآية على اللّزوم في مورد الشّكّ من قبيل التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة بناء على عدم تعنون العامّ بضدّ عنوان المخصّص وهو عنوان اللازم أو من قبيل التّمسّك به في الشّبهة الموضوعيّة بناء على تعنونه به وفيه ما مرّ لأنّ العامّ لا يتعنون بضده الخاصّ ولا بأس بالتّمسّك به في الشّبهة المصداقيّة فيما إذا كان المخصّص لبيّا مثل الإجماع كما في المقام على ما اعترف به قدّس سرّه وأمّا الجواب الأوّل فظنّي أنّ نظره فيه إلى أنّ الأمر بالوفاء في الآية للإرشاد نظير ما قاله الشّيخ المصنف قدّس سرّه في الجواب عن الاستدلال بأوامر الاحتياط على وجوب الاحتياط في الشّبهة البدويّة التّحريميّة من أنّها للإرشاد المحض فذلك الأمر بالوفاء في الآية لصرف الإرشاد إلى حسن الوفاء وأمّا أنّه بطور اللّزوم أو الجواز فهو تابع للزوم العقد فيلزم وجوازه فلا ودلالة لها على ذلك فيطلب من مقام آخر وعلى هذا لا يتوجّه عليه قدّس سرّه ما أورد عليه بما في جامع المقاصد من أنّه لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على سبيل الجواز فإنّ وجوب الوفاء ينافي الجواز انتهى لأنّ وروده موقوف على كون الأمر للوجوب وعليه لا ريب في التّنافي فكيف يمكن لمثل العلامة عدم الالتفات إليه إلا أن يقال إنّ قوله قدّس سرّه على سبيل اللّزوم وعلى سبيل الجواز قيد للعقد لا العمل بالمقتضى والمراد من الجواز قابليّة العقد للانفساخ بالفسخ ومن اللّزوم عدمها ولا منافاة بين وجوب الوفاء بعقد وبين كونه جائزا بمعنى قابليّته للانحلال وإنّما التّنافي فيما إذا كان الجواز بمعنى جواز العمل به وإلا فلو كان الجواز بمعنى قابليّة الحلّ منافيا لوجوب الوفاء لما أمكن وجوب الوفاء بالبيع اللازم لجواز حلّه بالإقالة فوجوب الوفاء بالبيع اللازم بأيّ نحو يجتمع مع جوازه بمعنى قابليّته للحلّ بالإقالة بذاك النّحو يجتمع مع البيع الجائز مع جوازه بمعنى قابليّته للحلّ بالفسخ فضلا عن الإقالة ولكنّه كما ترى تكلّف غايته فلا بدّ أن يكون نظره إلى ما ذكرنا من كون الأمر لمطلق الإرشاد أو إلى كونه لمطلق الطّلب كما في أوامر الاحتياط نعم يرد عليه أنّه خلاف الظّاهر بلا قرينة تدلّ عليه فالأولى في الجواب عن الاستدلال بالآية على اللّزوم هو ما ذكرناه فافهم واغتنم وكن من الشّاكرين‏
    قوله (ره) وقد عرفت أن ليس المستفاد إلى آخره‏
    (5) أقول‏


(410)
يتّجه ذلك فيما لو كان مراد القائل المذكور أنّ كلا منهما مدلول مطابقيّ لها والظّاهر أو المحتمل أنّ مراده أنّ الحكم التّكليفي مدلولها المطابقي والحكم الوضعي مدلولها الالتزامي وعليه يرجع إلى ما ذكره المصنف قدّس سرّه سرّه في وجه الضّعف بقوله وقد عرفت إلى آخره فلا يبقى مجال للإيراد عليه سيّما بذاك التّعبير الّذي تراه‏
    قوله قدّس سرّه لكن يمكن أن يقال إنّه إذا كان المفروض إلى آخره‏
    (1) أقول هذا إيراد على تعميم الإطلاق في الآيتين لزمان ما بعد الفسخ وحاصل وجهه أنّ إطلاق المطلق بالنّسبة إلى قيد من القيود إنّما يكون فيما إذا كان قابلا لتقييده به وجودا وعدما بأن لا يكون وجود المطلق متقوّما بعدمه بمعنى كون وجود القيد مزيلا للمطلق رافعا له وكذلك لو شكّ فيه ومن المعلوم أنّ الفسخ حسب الفرض يشكّ في رافعيّته لحلّيّة التّصرّفات الثّابتة بإطلاق الآيتين من حيث الأزمنة والأحوال فلا يعمّ الإطلاق لما بعده إذ مرجعه إلى تعميم الحكم إلى حالة الشّكّ في ارتفاعه وهذا لا ربط له بالإطلاق المتوقّف على إحراز وجود المطلق وإنّما هو مورد الاستصحاب فلا بدّ من التّمسّك به ومعه لا يكون الإتيان دليلا على اللّزوم إلا بضمّه وهذا الإيراد بعينه جار فيما ذكره في تقريب الاستدلال بالآية الأولى حرفا بعد حرف كما أشرنا إليه في السّابق فلم أفهم وجه اختصاصه بالأخيرتين نعم لو قرّبنا وجه دلالتها على اللّزوم بما ذكرنا من أنّ المراد من الوفاء بالعقد هو إبقاؤه وعدم نقضه مع دعوى الملازمة بين حرمة النّقض وفساده عرفا فلا يرد عليه الإيراد المذكور ولكنّه كما مرّ مبنيّ على اقتضاء الأمر بالشّي‏ء للنّهي عن ضدّه واقتضاء النّهي مطلقا وإن كان تبعيّا أيضا للفساد فكلّ منهما خلاف التّحقيق‏
    قوله قدّس سرّه وموارد ترخيص الشّارع ليس من الباطل‏
    (2) أقول هذا دفع وهم أمّا الوهم فهو أنّ الباطل في الآية قد خصّص بموارد ترخيص الشّارع بالأكل بالباطل ومنها التّرخيص في التّملك بالفسخ بغير رضى الآخر فمع الشّكّ في إذن الشّارع في التّملّك بالفسخ وعدمه من جهة الشّكّ في جواز العقد ولزومه يكون التّمسّك بالآية من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة للشّكّ في أنّ المورد من مصاديق المخصّص أي الباطل الّذي أذن فيه الشّارع أم لا وأمّا الدّفع فحاصله أنّ كونه منه مبنيّ على كون موارد التّرخيص من أفراد الباطل العرفي قد خصّص وأخرج عن حكمه وهو ممنوع بل ليست هي من أفراد الباطل العرفي بمعنى أنّ الشّارع بترخيصه فيها خطّأهم في جعلها من الباطل وكشف لهم أنّها من أفراد الحقّ وعلى هذا لا يكون مخالفة هذه الموارد للباطل العرفي في الحكم من باب التّخصيص بل من باب التّخصّص وبيان الخطاء في تسميتها بالباطل فلا يكون الرّجوع إلى الآية من ذاك الباب فإن قلت بناء على ما ذكرت وإن كان الرّجوع إليها في المقام لا يكون من ذاك الباب إلا أنّه يكون من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة الموضوعيّة إذ مع فرض عدم كون موارد التّرخيص باطلا عرفا يشكّ في كون الفسخ بدون رضى صاحبه باطلا عرفا لأجل الشّك في ترخيصه فيه وعدمه قلت نعم لو لم يكن هناك حجّة على عدم التّرخيص كما في المقام حيث أنّ إطلاق حرمة الأكل مع الباطل عرفا وشموله بإطلاقه على الفسخ المذكور حجّة شرعيّة ظاهريّة على عدم التّرخيص وعدم التّخطئة لهم وأنّ ما هو باطل عرفا متّحد مع الباطل الشّرعي كما يقال في الاستدلال بآية حلّيّة البيع على صحّة البيع مع فرض كون المراد منه في الآية هو البيع العرفي ومع فرض حكم الشّارع بعدم صحّة البيع في غير مورد بأنّ إطلاق الحكم بحلّية كلّ بيع عرفيّ ومنه البيع المشكوك في صحّته وفساده شرعا حجّة شرعيّة على كونه بيعا عند الشّرع فيصحّ وبعد وجود تلك الحجّة الشّرعيّة لا بدّ من الاقتصار في ترخيص الأكل بالباطل العرفي على مورد قيام حجّة أقوى على جواز الأكل به المستكشف منها التّخطئة هذا ولكن الشّأن في كونها من باب التّخطئة والتّخصيص لا التّخصيص وكيف كان فالاستدلال بتلك الآية على اللّزوم مبنيّ على عموم المراد من الأكل لمثل التّملّك وفيه تأمّل بل منع لقوّة احتمال انصرافه عنه‏
    قوله عن حقّ للفاسخ متعلّق بالعين‏
    (3) أقول ينبغي أن يراد من الحقّ ما يعمّ الحكم والحقّ المقابل له كي يصحّ بالقياس إلى العقود الجائزة بالذّات وكذلك ينبغي أن يضيف إلى العين قوله أو العقد أو بقول بدل هذه العبارة عن حقّ الأخذ والمتملّك‏
    قوله وممّا ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله ص لا يحلّ إلى آخره‏
    (4) أقول يمكن الخدشة في الاستدلال به وحديث السّلطنة بأنّ مفادهما عدم جواز كلّ تصرّف من الغير يرد على مال المالك حتّى التّملّك فيدلّان على عدم جواز الفسخ بلا رضاه فيما إذا كان مفاد الفسخ تملّك الفاسخ لمال المفسوخ عليه وهو قابل للمنع وإنّما مفاده حلّ العقد وأمّا رجوع الملك إلى الفاسخ فهو من لوازم الحلّ ومع الغضّ عن ذلك يمكن الخدشة في الاستدلال بهما بالأخصيّة عن المدّعى حيث أنّ المدّعى هو الاستدلال على قاعدة اللّزوم في جميع العقود في البيع وغيره وما ذكره في تقريب الاستدلال بهما من أنّ أخذ مال الغير وتملّكه من دون رضى صاحبه لا يجوز ولا يحلّ والفسخ من هذا القبيل إنّما هو مختصّ بالعقود الّتي يكون مفادها التّمليك والتملّك بالفعل فلا يشمل ما لم يكن كذلك مثل الجعالة والمسابقة فتدبّر
    قوله قدّس سرّه فيدلّ على اللّزوم بالتّقريب المتقدّم في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
    (5) أقول ويورد عليه أيضا بالتّقريب المتقدّم في الإيراد عليه‏
    قوله لكن لا يبعد منع صدق الشّرط إلى آخره‏
    (6) أقول هذا مناف لما ذكره في مبحث المعاطاة ومبحث الشّروط من أنّ الشّرط مطلق الالتزام فراجع إلى هذين المبحثين وسيأتي الكلام في صحّة ذلك في باب الشّروط إن شاء اللَّه تعالى‏
    قوله حتّى في مثل قوله عليه السلام في دعاء التّوبة إلى قوله في أوّل دعاء النّدبة
    (7) أقول وذلك لما في بعض الحواشي من أنّ الشّرط في الأوّل تابع للإيمان وفي الثّاني لجعل اللَّه تعالى للأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ولاية على النّاس‏
    قوله ومنها الأخبار المستفيضة في أنّ البيعين بالخيار إلى آخره‏
    (8) أقول نوقش في الاستدلال بذلك على أصالة اللّزوم بأنّها على أصالة الجواز أدلّ حيث أنّ مفادها أنّ الخيار مقتضى طبيعة البيع وأنّ اللّزوم يطرء عليه من جهة أمر خارج وهو الافتراق فقط كما هو قضيّة ما عدا صحيحة الفضيل أو مع الرّضا كما هو قضيّتها ولو أغمضنا عن هذه الجهة فيشكل الاستدلال بها على أصالة اللّزوم مطلقا بأنّه مبنيّ على دلالتها على اللّزوم حتّى بلحاظ الأمور الخارجة عن طبيعة البيع والطّارية عليها أحيانا وهو ممنوع إذ الظّاهر أنّ المقصود منها بيان لزوم البيع بلحاظ ذات البيع خاصّة والشّاهد على ذلك أنّه لا يكون أدلّة
هداية الطالب إلي أسرار المكاسب ـ الجزء الثالث‏