index kd2

مشايخة:
الاستقراء في متون كتب المؤلف رحمه الله تعالى يظهر أنه يروي عن جملة من المشايخ الاجلاء، أمثال:
1 ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد البغدادي.
2 ـ السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي.
3 ـ أبو يعلى سلار بن عبدالعزيز الديلمي.
4 ـ أبو عبدالله الحسين بن عبيدالله بن الحسيني الواسطي.
5 ـ أبو عبدالله محمد بن عبيدالله بن الحسين الحسيني.‎
6 ـ أبو منصور أحمد بن حمزة العريضي.
7 ـ أبو الرجا محمد بن علي بن طالب البلدي.
8 ـ أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان القمي.
9 ـ أبوالحسن طاهر بن موسى الحسيني.
10 ـ أبو الحسن أسد بن ابراهيم بن كليب القمي.
11 ـ أبو الفرج الكاتب محمد بن علي بن يعقوب.
12 ـ أبو العباس أحمد بن علي بن العباس السيرافي.
13 ـ أبو محمد بن هارن بن موسى التلعكبري.
14 ـ أبو الحسين أحمد بن محمد الكوفي الكاتب.
كما أن المؤلف رحمه الله تعالى برحمته الواسعة قد روى عن جملة من محدثي العامة، فراجع ترجمته في المصادر المختلفة التي سبقت الاشارة اليها.
(27)
مصنفاته:
تقدم منا القول في طيات حديثنا السابق أن المؤلف رحمه الله كان مكثراً في التصنيف والتأليف، وفي علوم ومناهج شتى، ولذا فلا غرو أن يخلف تراثاً واسعاً متنوعاً أدركه بعض معاصريه فاغترفوا من معينه وتزودوا من عطائه.
بلى فقد ذكر مؤرخو سيرته ومترجموه أن له مؤلفات كثيرة قيمة قد تتجاوز السبعين، سنحاول هنا أن نورد شطرا منها:

1 ـ كنز الفوائد.
2 ـ التلقين لأولاد المؤمنين.
3 ـ الابانة عن الممثالة.
4 ـ المنهاج الى معرفة مناسك الحاج.
5 ـ الغاية في الاصول.
6 ـ معدن الجواهر ورياضة الخواطر.
7 ـ النوادر.
8 ـ التعجب من أغلاط العامة.
9 ـ الاستطراف في ذكر ما ورد من الفقه في الانصاف.
10 ـ رياض الحكم .
11 ـ مختصر دعائم الاسلام.
12 ـ معارضة الاضداد باتفاق الاعداد.
13 ـ البستان في الفقه.
14 ـ نصيحة الاخوان.
15 ـ روضة العابدين ونزهة الزاهدين.
(28)
16 ـ تهذيب المسترشدين.
17 ـ التأديب.
18 ـ مختصر البيان عن دلالة شهر رمضان.
19 ـ الاستبصار في النص على الائمة الاطهار.
20 ـ عدة البصير في حج يوم الغدير.
21 ـ موعظة العقل للنفس.
22 ـ غاية الانصاف في مسائل الخلاف.
23 ـ معونة الفارض في استخراج سهام الفارض.
24 ـ الاصول في مذهب آل الرسول.
25 ـ نظم الدرر في مبنى الكواكب والدرر.
26 ـ الرسالة الدامغة للنصارى.
27 ـ مختصر كتاب تنزيه الانبياء للسيد المرتضى.
28 ـ نهج البيان في مسائل النسوان.
29 ـ المقنع للحاج والزائر.
30 ـ رياضة العقول في مقدمات الاصول.
31 ـ التعريف بوجوب حق الوالدين.
32 ـ الانساب.
33 ـ ردع الجاهل وتنبيه الغافل.
34 ـ حجة العالم في هيئة العالم.
35 ـ ايضاح السبيل الى علم أوقات الليل.
36 ـ التحفة في الخواتيم.
37 ـ الرسالة العلوية في فضل أمير المؤمنين عليه السلام على سائر البرية سوى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله.

(29)
38 ـ انتفاع المؤمنين بما في أيدي السلاطين.
39 ـ الزاهد في آداب الملوك.
40 ـ المجالس في مقدمات صناعة الكلام.
وغير ذلك مما تكلفت مصادر ترجمته بذكرها، بالاضافة الى غيرها من المؤلفات الاخرى التي لم تتم مثل: هداية المسترشد، نصيحة الشيعة، مسألة العدل في المحاكمة الى العقل، الكتاب الباهر في الاخبار، وغيرها، فراجع.



***

(30)
منهجية التحقيق:
سبق لكتاب كنز الفوائد ـ والذي تندرج رسالتنا ضمنه ـ أن خرج محققا من قبل دار الاضواء في بيروت، بتحقيق الشيخ عبدالله نعمة، بذل فيه المحقق جهداً لا يستهان به، وأخرج الكتاب من حلتة الحجرية السقيمة التي طفحت بالاخطاء والتصحيفات، والتي كانت قد طبعت عام 1322 هـ .
بيد أن اعتماد المحقق في تحقيقه على هذه النسخة فحسب أربك عمله الى حد ما ، فخرج هذا الكتاب دون ما كان مؤمل له، وما يتناسب والجهد الذي بذله، والذي يتضح من خلال المراجعة البسيطة له.
ومن هنا فقد عمدنا ـ وبعد حصولنا على نسخة مخطوطة نفسية ـ الى اعادة تحقيق بعض رسائل هذا الكتاب، ومن ضمنها هذه الرسالة الماثلة بين يدي القارئ الكريم.
وقد اعتمدت هذه المخطوطة المحفوظة في المكتبة الرضوية بمدينة مشهد المقدسة برقم (226) والتي يرجع تأريخ نسخها الى عام (677هـ) واعتبرتها نسخة الاصل.
كما استعنت بالنسخة المطبوعة المحققة كمساعد لي في عملي.
وبعد اتمام المقابلة والتصحيح عمدت الى تخريج الاحاديث والاخبار والاقوال من مصادرها الاصلية.
كما قمت بشرح المفردات اللغوية تسهيلا لعمل القارئ واتماما للفائدة.
ثم عمدت الى ترجمة الاعلام الواردين في متن الرسالة بشكل توخيت فيه الوضوح والاختصار.
وألحقت عملي هذا بذكر فهرس لمصادر التحقيق التي استعنت بها في عملي ومراكز نشرها، لتيسير رجوع الباحث إليها.
(31)
وأخيرا وأنا أقدم هذا الجهد المتواضع بين يدي القارئ لا يسعني الا أن أتقدم بشكري الجزيل لمؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / قم، لمبادرتها بنشر هذه الرسالة على صفحات مجلتها الغراء تراثنا سائلا المولى جل اسمه لها دوام التوفيق في خدمة تراث العترة الطاهرة، إنه الموفق لكل خير.
وأخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

عـلاء آل جـعـفـر


(32)
صورة الورقة الاولى من مخطوطة رسالة « دليل النص بخبر الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام »

(33)
صورة الورقة الاخيرة من مخطوطة رسالة «دليل النص بخبر الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام»

(34)
نموذج من النسخة الحجرية

(35)
الصفحة الأخيرة من النسخة الحجرية

(36)

(37)

دليل النص بخبر الغدير

على إمامة أمير المؤمنين

صلوات الله عليه


اعلم أنه مما يدل أنه المنصوص بالامامة عليه ما نقله الخاص والعام من أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع نزل بغدير خم (1) ـ ولم يكن منزلا ـ ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالاجتماع، فلما اجتمعوا خطبهم ثم قررهم على ما جعله الله تعالى له عليهم من فرض طاعته، وتصرفهم بين أمره ونهيه بقوله: « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم »؟
فلما أجابوه بالاعتراف، وأعلنوا بالاقرار، رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال ـ عاطفا على التقرير الذي تقدم به الكلام ـ: « فمن كنت مولاه فهذا عليٌ
____________
(1) خم في اللغة: قفص الدجاج، فان كان منقولا من الفعل فيجوز أن يكون مما لم يسم فاعله من قولهم: خم الشيء إذا ترك في الخم، وهو حبس الدجاج، وخم إذا نطف، كله عن الزهري.
قال السهيلي عن ابن اسحاق: وخم بئر كلاب بن مرة، من خمت البيت اذا كنسته، ويقال: فلان مفهوم القلب أي نقيه، فكأنها سميت بذلك لنقائها.
قال الزمخشري: خم اسم رجل صباغ اضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة، وذكر صاحب المشارق أن خما اسم غيضة هناك وبها غدير نسب إليها؛ وخم موضع تصب فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال عرام: ودون الجحفة على ميل غدير خم وواديه يصب في البحر، لانبت فيه غير المرخ والثمام والأراك والعُشر، وغدير خم هذا من نحو مطلع الشمس لا يفارقه ماء المطر أبداً، وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير.
وقال الحازمي: خم واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب « مكة » : بئر خم قريبة من الميثب حفرها مرة بن كعب بن لؤي.
انظر: معجم البلدان ـ خم ـ 2: 389.

(38)
مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله »(2).
فجعل لأمير المؤمنين عليه السلام من الولاء في أعناق الامة مثل ما جعله الله له عليهم مما أخذ به إقرارهم، لأن لفظة « مولى » تفيد ما تقدم من التقرير من ذكر الأولى، فوجب أن يريد بكلامه الثاني ما قررهم عليه في الأول، وأن يكون المعنى فيهما واحدا حسبما يقتضيه استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم.
وهذا يوجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بهم من أنفسهم، ولا يكون أولى بهم إلا وطاعته فرض عليهم وأمره ونهيه نافذ فيهم، وهذه رتبة الامام في الأنام قد وجبت بالنص لأمير المؤمنين عليه السلام.
واعلم ـ أيدك الله ـ أنك تسأل في هذا الدليل عن أربعة مواضع:
أولها: أن يقال لك: ما حجتك على صحة الخبر في نفسه، فإنا نرى من يبطله؟
وثانيها: أن يقال لك: ما الحجة على أن لفظة « مولى » تحتمل « أولى » وأنها أحد أقسامها ؟
وثلاثها: إذا ثبت أنها أحد محتملاتها، فما الحجة على أن المراد بها في الخبر « الأولى » دون ما سوى ذلك من أقسامها؟
ورابعها: ما الحجة على أن « الأولى » هو الإمام، ومن أين يستفاد ذلك في الكلام؟
____________
(2) الحديث مروي في معظم كتب الحديث وبطرق لا يمكننا حصرها هنا، ولكن انظر: أمالي الصدوق: 460، إرشاد المفيد: 94، خصائص الرضي؛ 42، الشافي الامامة 2: 258، الفصول المختارة: 235، إعلام الورى: 200 من طرق الخاصة؛ ومن طرق العامة: سنن ابن ماجد 1: 43/ 116 و 45/ 121، سنن ترمذي 5: 633/ 3763، خصائص الامام علي عليه السلام للنسائي: 96/ 79 و 99/ 83 ، مسند أحمد 1: 84 و 88، 4: 368 و 372، 5: 366 و 419، تأريخ بغداد 7: 377 و 8: 290 و 12: 343، اسد الغابة 2: 233 و 3: 93، الإصابة 1: 304 مستدرك الحاكم 3: 109 و 3: 110 و 116، كفاية الطالب: 64، ترجمة الامام علي عليه السلام من تأريخ دمشق 2: 5/ 501 ـ 531، الرياض النضرة 2: 175، مناقب الامام علي عليه السلام للمغازلي: 16 ـ 26 ، مصنف ابن أبي شيبة 12: 59/ 12121. وغيرها كثير.
(39)
الجواب عن السؤال الأول:
أما الحجة على صحة خبر الغدير، فما يطالب بها إلا متعنت، لظهوره وانتشاره، وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به، ولا فرق بين من قال: ما الحجة على صحة خبر الغدير؟ ، وهذه حاله، وبين من قال: من الحجة على أن النبي صلى الله عليه و آله حج حجة الوداع؟ لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة.
وبعد:
فقد اختص هذا الخبر بما لم يشركه فيه سائر الأخبار، فمن ذلك أن الشيعة نقلته وتواترت به، وقد نقله أيضا أصحاب السير نقل المتواترين به، يحمله خلف منهم عن سلف، وضمنه جميعهم الكتب بغير إسناد معين، كما فعلوا في إيراد الوقايع الظاهرة والحوادث الكائنة، التي لا يحتاج في العلم بها إلى سماع الأسانيد المتصلة.
ألا ترى إلى وقعة بدر وحنين وحرب الجمل وصفين، كيف لا يفتقر في العلم بصحة شيء من ذلك إلى سماع إسناد ولا اعتبار أسماء الرجال، لظهوره المغني، وانتشاره الكافي، ونقل الناس له قرنا بعد قرن بغير إسناد معين، حتى عمت المعرفة به، واشترك الكل في ذكره.
وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى، واختلط في الذكر والنقل بما وصفنا، فلا حجة في صحته أوضح من هذا.
ومن ذلك إنه قد ورد أيضا بالأسانيد المتصلة، ورواه أصحاب الحديثين(3) من الخاصة والعامة من طرق في الروايات كثيرة ، فقد اجتمع فيه الحالان، وحصل له البيان(4).
ومن ذلك أن كافة العلماء قد تلقوه بالقبول، وتناولوه بالتسليم، فمن شيعيٍّ
____________
(3) كذا في نسخنا، والاولى: الحديث.
(4) في نسخة « هـ » السببان.

(40)
يحتج به في صحة النص بالامامة، ومن ناصبي يتأوله ويجعله دليلا على فضيلة ومنزلة جليلة، ولم ير للمخالفين قولا مجردا في ابطاله، ولا وجدناهم قبل تأويله قد قدموا كلاما في دفعه وإنكاره، فيكون جاريا مجرى تأويل أخبار المشبهة وروايتها بعد الإبانة عن بطلاتها وفسادها، بل ابتدأوا بتأويله ابتداء من لا يجد حيلة في دفعه، وتوفره على تخريج الوجوه له توفر من قد لزمه الاقرار به، وقد كان إنكاره أروح لهم لو قدروا عليه، وجحده أسهل عليهم لو وجدوا سبيلا أليه.
فأما ما يحكى عن [ ابن ](5) أبي داود السجستاني (6) من إنكاره له، وعن الجاحظ(7)
____________
(5) لم ترد في نسخنا، ولعله اشتباه وقع فيه النساخ.
(6) عبدالله بن سليمان الأشعث السجستاني، ويكنى بأبي بكر، ولد بسجستان في سنة ثلاثين ومائتين، أبوه صاحب السنن المعروف، أخذ عن أبيه، وطاف معه كثيرا من البلدان، وحضر دروس العديد من شيوخ أبيه حتى اعتبروه من كبار الحفاظ، إلا أنه يؤخذ عليه تجراه على الحديث نقل عن الذهبي ( ت 748 هـ ) في سير أعلام النبلاء 13: 222/ 118: « قال عبدالرحمن السلمي: سألت الدار قطني عن ابن أبي داود فقال: ثقة، كثير الخطأ في الكلام على الحديث » وكذا نقل مثله في تذكرة الحفاظ 2: 771.
بل طعن فيه ابن عدي ( 277 ـ 365 هـ ) في الكامل في ضعفاء الرجال 4: 1577 حيث قال: « سمعت علي اين عبدالله الداهري يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عمرو بن عيسى كركر يقول: سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ابني عبدالله هذا كذاب»
وكان ابن صاعد يقول: « كفانا ما قال أبوه فيه.
سمعت عبدالله بن محمد البغوي يقول له ـ وقد كتب إليه ابن داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجده لما قرأ رقعته ـ : أنت والله عندي منسلخ من العلم.
سمعت عبدان يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ومن البلاء أن عبدالله يطلب القضاء» انتهى.
(7) أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، له تصانيف كثيره، أخذ عن النظام، روى عن أبي يوسف القاضي، وثمانة بن أشرس، وروى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع.
خبيث مطعون فيه، لا يؤخذ بأقواله و لا يعتد بآرائه، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 247/ 6333، وفي سيرأعلام النبلاء 11: 526/ 149: « قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون.
قلت: وكان من أئمة البدع.
وعن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي!!.
قلت: كان ماجناً قليل الدين..‎ يظهر من شمائله أنه يختلف » إنتهى.
وقال الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) في البداية والنهاية 11: 19: « وفي سنة خمس وخمسين ومائتين توفي

=


(41)
من طعنه في كتاب الثمانية (8) فيه ، فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحته، لأن القول الشاذ لو أثر في الاجماع، وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدم الاتفاق، لم يصح الاحتجاج بأجماع ولا ثبت التعويل على اتفاق، على أن السجستاني قد تنصل من نفي الخبر(9).
فأما الجاحظ، فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة، وأقواله المتضادة المتناقضة، وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة، وأنواع السخف والمجانة، الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة، يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه، ويوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه.
وأما الخوارج الذين هم أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام فليس يحكي عنهم صادق دفعا للخبر(10)، والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل،
____________

=

الجاحظ المتكلم المعتزلي، وإليه تنسب الفرقةالجاحظية لجحوظ عينيه، كان شنيع المنظر سيء المخبر، رديء الاعتقاد، ينسب إلى البدع والضلالات، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال، حتى قيل في مثل: يا ويح من كفره الجاحظ » إنتهى.
(8) رسالة من رسائل الجاحظ طرح فيها جملة من الآراء والمعتقدات الشاذة، نقضها أبو جعفر محمد بن عبدالله الإسكافي ( ت 240هـ ) وهو من أكابر علماء المعتزلة ومتكلميهم حيث يندر أن تخلو كتبهم من آرائه، ويقال: إنه صيف سبعين كتابا في الكلام منها: « المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام » و « نقض العثمانية ».
وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي جوانب متعددة من هذه الرسالة ونقضها.
انظر: شرح نهج البلاغة 7: 36، 13: 215 ـ 294، 16: 264.
(9) قيل : إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وانما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدما، وقد حكي عنه تنصله من ذلك والتبرئ مما قذفه به محمد بن جرير الطبري.
انظر: الشافي في الامامة 2: 264.
(10) قال السيد المرتضى ـ رفع الله في الخلد مقامه ـ : « اما الخوارج فما يقدر أحد على أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر، أو امتناعا من قبوله، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة، وهي خالية مما ادعي، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفضيل وما جرى مجراه من ضروب تأويل مخالفي الشيعة، وانما آنس بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر منهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليه السلام، فظن أن رجوعهم عن ولايته

=


(42)
ولم يزل القوم يقرون لأمير المؤمنين عليه السلام بالفضائل، ويسلمون له المناقب، وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه، وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين، فزعموا أنه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل بالتحكيم، وقد قال شاعرهم:

كان علي قبــل تحكــيمــه * جلدة بين الــعــين والحـاجـب

ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى، حيث قال للقوم في ذلك المقام: «أنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، غيري؟».
قالوا: اللهم لا، فأقر القوم به ولم ينكروه، واعترفوا بصحته ولم يجحدوه(11).
فان قال قائل: فما باله لم يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلى الله عليه وآله للناس على أنه أولى بهم منهم بأنفسهم؟ ولم اقتصر على ما ذكر، وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدم؟؟
وما جوابكم لم قال: إن المقدمة لم تصح، وليس لها أصل، وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها، فما قولكم فيها؟؟
قيل له: إن خلو انشاد أمير المؤمنين عليه السلام من ذكر المقدمة لا يدل على نفيها أو الشك في صحتها، لأنه قررهم من بعض الخبر على ما يقتضي الإقرار، بجميعه، اختصارا في كلامه، وغنى معرفتهم بالحال عن إيراده على كماله، وهذه عادة الناس فيما يقررون به.
وقد قررهم عليه السلام في ذلك المقام بخبر الطائر(12) فقال: « أفيكم رجل قال
____________

=
يقتضي أن يكونوا جاحدين بفضائله ومناقبه ».
انظر: الشافي في الامامة 2: 264.
(11) انظر المناقب ـ للخوارزمي ـ: 222، وشرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ 6: 167 ، ومناقب الامام علي عليه السلام ـ للمغازلي ـ :112/ 155.
(12) حديث الطائر وقصته من الشهرة والتصديق بشكل لا يخفى وقد نقلته كثير من مصادر الحديث بأسانيد

=


(43)
له رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم آبعث إلى بأحب خلقك إليك يأكل معي، غيري؟» ولم يذكر هذا الطائر.
وكذلك لما قررهم بقول النبي عليهم السلام فيه يوم ندبه لفتح خيبر وذكر لهم بعض الكلام دون جميعه اتكالا منه على ظهوره بينهم واشتهاره.(13)
فأما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلا على كماله، ولا سطروه في كتبهم إلا بالتقرير الذي في أوله، وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد، وإن كان منهم آحاد قد أغفلوا ذكر المقدمة، فيحمل أن يكون ذلك تعويلا منهم على العلم بالخبر، فذكروا بعضه لأنه عندهم مشتهر، فإن ( أصحاب الحديث ) (14) كثيرا ما يقولون: فلان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله خبر كذا، ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصارا.
وفي الجملة: فالآحاد المتفردون بنقل بعضة لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجميعه على كماله.

____________

=
وطرق مختلفة، وفي كلها إقرار بأفضلية أمير المؤمنين عليه السلام دون غيره من الصحابة.
انظر: سنن الترمزي 5: 636/ 3721، تأريخ بغداد 3: 171و 9: 369، حلية الأولياء 6: 339، الرياض النضرة 3: 114، مستدرك الحاكم 3: 130، المناقب ـ للمغازلي ـ: 156ـ 174، ترجمة الامام علي عليه السلام من تأريخ دمشق 2: 151، تذكرة الخواص: 44.
(13) هاتان المناشدتان بحديث الطائر وندبه عليه السلام لفتح خيبر وردتا في سلسلة مناشداته لأصحاب الشورى بعد إصابة عمر بن الخطاب وطرحه جملة من الأصحاب قبالة أمير المؤمنين عليه السلام بما يسمى بأصحاب الشورى.
انظر: مناقب الامام علي ـ للمغازلي ـ : 112/ 155، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 222، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ 6: 167.
(14) في نسخة « ف » الأصحاب.

(44)
الجواب عن السؤال الثاني:
وامّا الحجة على أن لفظة « مولى » تحتمل « أولى » وانها احد أقسامها، فليس يطالب بها أيضا منصف كان له أدنى الاطلاع في اللغة، وبعض الاختلاط بأهلها، لأن ذلك مستفيض بينهم، غير مختلف عندهم، وجميعهم يطلقون القول فيمن كان أولى بشيء أنه مولاه.
وانا أوضح لك أقسام « مولى » في اللسان لتعلمها على بيان.
اعلم ان لفظة « مولى » في اللغة تحتمل عشرة أقسام:
اولها: « الاولى »، وهو الاصل الذي ترجع إليه جميع الأقسام،قال الله تعالى: ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير)(15) .
يريد سبحانه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير(16) وذكره أهل اللغة(17). وقد فسره على هذا الوجه أبوعبيدة معمر بن المثنى (18) في كتابه المعروف
____________
(15) الحديد 57: 15.
(16) تفسير الطبري 27: 131، الكشاف 4: 64 ، زاد المسير الكبير للرازي ـ 29: 227.
(17) معاني القرآن ـ للفراء ـ 3: 134، معاني القرآن ـ للزجاج ـ 5: 125، الصحاح ـ ولي ـ 6: 2528.
(18) معمر بن المثنى التيمي، تيم قريش، أو تيم بني مرة على خلاف بينهم، وهو على القولين معا مولى لتيم، وقد اختلفوا في مولده، ولعل الأقرب إلى الصحة أنه ولد سنة 110هـ، ولم تذكر المراجع اين ولد، إلا أنها تصفه في عداد علماء البصرة، ارتحل إلى بغداد سنة ثمانية وثمانين ومائة حيث جالس الفضل بن الربيع وجعفر ابن يحيى وسمعا منه، وتكاد تتفق كلمات أصحاب المراجع على أنه كان من الخوارج، وأنه كان يكتم ذلك ولا يعلنه، ولكن يبدو أنهم اختلفوا في الفرقة التي ينتمي إليها، فمنهم من يقول: إنه كان صفريا، في حين يذهب الآخرون إلى أنه كان من الإباظية.
عاصر من علماء اللغة: الأصمعي وأبا زيد، وله معهم مناظرات متعددة، كان يرجحه الباحثون في كثير منها عليهما.
توفي نحو سنة 210 هـ، وقيل: لم يحضر جنازته أحد لأنه كان شديد النقد لمعاصريه.
انظر: فهرست النديم: 59، تأريخ بغداد 13: 254، معجم الادباء 9: 154 تذكرة الحفاظ 1: 371.

(45)
بالمجاز في القرآن (19)، ومنزلته في العلم بالعربية معروفة، وقد استشهد على صحة تأويله ببيت لبيد(20):

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وامامها(21).

يريد أولى المخافة، ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة.
وثانيها: مالك الرق، قال الله سبحانه: ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) [ إلى قوله تعالى ] ( وهو كل على مولاه )(22).
يريد مالكه، واشتهار هذا القسم يغني عن الإطالة فيه.
وثالثها المعتق (23).
ورابعها: المعتق (24)، وذلك أيضا مشهور معلوم.
وخامسها: ابن العم (25) قال الشاعر(26):
____________
(19) مجاز القرآن 2: 254.
(20) لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء المعلقات، أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وأسلم وحسن إسلامه، يصفه المؤرخون بأنه ذو مروءة وكرم مشهود، عاش بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى زمن عثمان بن عفان، يقال: إن عمر بن الخطاب كتب إلى واليه في الكوفة المغيرة إن يستنشد من بالكوفة من الشعراء بعض ما قالوه في الاسلام، فلما سأل لبيدا قال له: إن شئت من أشهار الجاهلية، فقال: لا فذهب فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال: أبدلني الله هذه في الاسلام مكان الشعر.
انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري.
(21) من معلقته التي يقال إنه انشدها النابعة فقال له: اذهب فأنت أشعر العرب، ومطلعها:
عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تابد غولاها فرجامها
انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 163/ 51.
(22) النحل 16: 75ـ 76.
(23) أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 5: 166، الصحاح ـ ولي ـ 6: 2529، وفي الحديث: نهى عن بيع الولاء وعنه هبته.
(24) أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 5: 166، الصحاح ـ ولي ـ 6: 2529.
(25) مجاز القرآن ـ1: 125، أحكام القران ـ للجصاص ـ 2: 184، تفسير الطبري 5: 32.
(26) هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم، وكان شديد الأدمة، ولذلك قال: وأنا الأخضر من يعرفني؛ كان معاصرا للخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، وله أشهار متناثرة في بطون الكتب.
انظر: الاغاني ـ لأبي الفرج ـ 16: 175.

(46)
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * ( لا تنشروا بيننا ) (27) ما كان مدفونا(28)

وسادسها: الناصر، قال الله عزوجل ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )(29).
يريد لا ناصر لهم(30).
وسابعها: المتولي لضمان الجريرة ومن يحوز الميراث(31).
قال الله عز وجل: ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا)(32).
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالموالي ها هنا من كان أملك بالميراث، وأولى بحيازته(33).
قال الأخطل:
فأصبحت مولاها من الناس بعده * وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا(34)

____________
(27) في المصادر: لا تظهرن لنا.
(28) انظر: مجاز القرآن 1: 125، أحكام القرآن ـ للجصاص ـ 2: 184، تفسير الطبري 5: 32.
(29) محمد(ص) 11:47.
(30) تفسير الطبري 30:25، زاد المسير 400:7، التفسير الكبيرـ للرازي ـ 50:28، أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 166:5.
(31) في نسخة «هـ» الميزان.
(32) النساء 33:4.
(33) معاني القرآن ـ للزجاج ـ 46:2، تفسير الطبري 32:5، مجاز القرآن 124:1، تفسير الرازي 84:10، أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 167:5، تفسير ابن جزي:118، زاد المسير 71:2.
(34) من قصيدة له في مدح عبد الملك بن مروان الاموي، يقول فيها:

فما وجدت فيها قريش لأمــرها * أعـف واولــى من ابـيـك وأمجــدا!!
واورى بـزنـديه ولو كان غيـره * غداة اختلاف الناس ألوى وأصلد !!

والأخطل هو: غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، ويقال: ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن تغلب، ويكنى أبا مالك، والأخطل لقب غلب عليه، ذكر أن السبب فيه أنه هجا رجلا من قومه، فقال له: يا غلام أنك لأخطل ؛ إن عتبة بن الزغل حمل حمالة فأتى قومه يسأل فيها، فجعل الأخطل يتكلم وهو يومئذ غلام، فقال عتبة : من الغلام الأخطل ، فلقب به ، وقيل غير ذلك.
كان نصرانياً من أهل الجزيرة ، برع في الشعر حتى عدوه هو وجرير والفرزدق طبقة واحدة ، وهو كما يعدونه من شعراء بني امية.
انظر : الأغاني 8 : 280.