فأثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام ما هو ثابت له من الولاية الواجبة والطاعة المفروضة ، كما أثبت لأهل بيته أنهم بمنزلته في أمور لا يختلف فيها الناس ، وهي كثيرة ، منها :
1ـ الصلاة عليهم : فقد أخرج البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وأحمد والدارمي وغيرهم ، عن كعب بن عجرة ، أنه قال : سألْنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا : يا رسول الله ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن الله قد علَّمنا كيف نسلِّم ؟ قال  : قولوا : اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد (1).
وإنما سأل الناس عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا توجَّه إليهم الأمر من الله سبحانه بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث قال ( إن الله وملائكته يصلُّون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه
____________

=

وابن ماجة في السنن 1|43. وابن حبان في صحيحه كما في الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9|42. وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، ص592. والحاكم في المستدرك 3|109 ـ 110 ، 116. وقال : صحيح على شرط الشيخين. والهيثمي في مجمع الزوائد 9|104 وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. وأخرجه كذلك النسائي في خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، ص99 ، 100. وصححه الألباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة 4|330 ، وصحيح سنن ابن ماجة 1|26 ، راجع صفحة 137 من هذا الكتاب.
(1) صحيح البخاري 4|178 كتاب الانبياء ، باب يزفون النسلان في المشي. و6|151 كتاب التفسير ، تفسير سورة الاحزاب . و8|95 كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم رقم 31 ، وباب 32. صحيح مسلم 1|305 كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد التشهد. سنن الترمذي 5|359. سنن أبي داود 1|257. سنن النسائي3|45. سنن الدارمي 1|390. الموطأ ، ص83. مسند أحمد 1|162 ، 3|27 ، 4|118 ، 241 ، 243 ، 244 ، 5|274 ، 374 ، 424.

( 159 )

وسلِّموا تسليماً ) (1).
2 ـ التطهير من الرجس وإذهاب السوء والفحشاء عنهم : قال عز من قائل ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً ) (2).
3 ـ تحريم الصدقة عليهم تنزيهاً لهم عنها : فقد روي في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد (3).
إلى غير ذلك مما هو معلوم ومشهور.
ثم لا أدري لمَ ينكر الجزائري وجوب طاعة أئمة أهل البيت عليهم السلام مع صحة حديث الثقلين عندهم ، الدال بأتم وأوضح دلالة على وجوب التمسّك بهم والاهتداء بهديهم. بينما لا يرى هو ولا وغيره من أهل السنة غضاضة في طاعة سلاطين الجور والضلال ، بل إنهم يرون أن طاعتهم واجبة ، وأن مَن عصاهم فقد عصي الله ، ومَن فَارقَهم فقد فَارق الجماعَة ، وأحاديثهم الدالة على ذلك كثيرة جداً.
منها : ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن يعصني فقد عصى الله ،
____________
(1) سورة الاحزاب ، الآية 56.
(2) سورة الاحزاب ، الاية 33.
(3) صحيح مسلم 2|754 كتاب الزكاة ، باب رقم 51. ص751 باب رقم 50 وما بعده. وراجع صحيح البخاري 2|156 كتاب الزكاة ، باب أخذ صدقة التمر ، ص157 باب ما يذكر في صدقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، 3|71 كتاب البيوع ، باب رقم 4 ، 4|90 كتاب الجهاد ، باب من تكلم بالفارسية ، 7|61 كتاب الطلاق ، باب رقم 14. الموطأ ، ص546. سنن أبي داود 2|123. سنن الترمذي 3|46. سنن النسائي 5|107. مسند أحمد 1|200 ، 279 ، 444 ، 476 ، 3|490 ، 4|35 ، 5|354 ، 390.

( 160 )

ومَن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومَن يعصِ الأمير فقد عصاني (1).
ومنها : ما أخرجه مسلم عن أبي يونس ، قال : سمعت أبا هريرة يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، وقال : « من أطاع الأمير » ، ولم يقل : « من أطاع أميري » ، وكذلك في حديث همام عن أبي هريرة (2).
ومنها : ما أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم وأحمد والدارمي والبيهقي وغيرهم ، عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : مَن رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر ، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية (3).
فإذا كان الحال كذلك فأي غضاضة في أن تكون طاعة أئمة أهل البيت عليهم السلام واجبة ، ويكون اتِّباعهم لازماً ، فإنهم أحد الثقلين اللذين حثَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مراعاتهما والتمسّك بهما ، وإنهم الذين أوجب الله مودَّتهم ، وأذهب عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، وعلى أقل تقدير فطاعتهم أولى من طاعة سلاطين الجور من الطُّلقاء وأبناء الطلقاء وغيرهم.

* * * * *

قال الجزائري : والقصد الصحيح من هذا الاختلاق والكذب الملفَّق ـ أيها الشيعي ـ هو دائماً فصل أمَّة الشيعة عن الإسلام والمسلمين للقضاء
____________
(1) صحيح البخاري 4|60 كتاب فضل الجهاد والسير ، باب يقاتل من وراء الامام ويتقى به ، 9|77 كتاب الاحكام ، الباب الاول. مسند أحمد 2|252 ـ 253 ، 342 ، 416 ، 467.
(2) صحيح مسلم 3|1476 كتاب الامارة ، باب وجوب طاعة الامراء في غير معصية.
(3) صحيح البخاري 9|59 كتاب الفتن ، باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : سترون بعدي امورا تنكرونها ، 9|78 كتاب الاحكام ، باب السمع والطاعة للامام ما لم تكن معصية. صحيح مسلم 3|1477 كتاب الامارة ، باب رقم 13. مسند أحمد 1|275 ، 297 ، 310. سنن الدارمي 2|241. السنن الكبرى 8|157.

( 161 )

على الإسلام والمسلمين ، بحجَّة أن أمَّة الشيعة في غنىً عما عند المسلمين من وحي الكتاب الكريم وهداية السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وذلك بما لديها من مصحف فاطمة الذي يفوق القرآن الكريم ، والجفر والجامعة وعلوم النبيين السابقين ووحي الأئمة المعصومين الذين هم بمنزلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا في مسألة نكاح أكثر من أربع نسوة ، وما إلى ذلك مما سَلَخ أمة الشيعة المعتقدة لهذا الاعتقاد من الإسلام ، وسلَّها من المسلمين انسلال الشعرة من العجين.

والجـواب :
أنا لا نعلم كيف يتم فصل أمَّة الشيعة عن الإسلام ، إلا إذا قلنا بكفرهم ومروقهم من الدين.
وعليه ، فكيف يكون القصد الصحيح عند مَن اختلق هذا الحديث ـ وهو شيعي على الظاهر ـ هو إخراج أمَّة الشيعة من الإسلام ؟!
ثم كيف يثبت كفر الشيعة ومروقهم من الدين باعتقادهم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هم الذين تجب مودَّتهم وموالاتهم وطاعتهم  ، والاقتداء بهم ، والتمسّك بحبلهم ، ويجب اعتقاد عصمتهم ، وما إلى ذلك مما ثبت لهم بالأدلة الصحيحة ، ولا يثبت كفر أهل السنة باعتقادهم وجوب موالاة كافة الصحابة حتى المنافقين منهم والطلقاء وأبناء الطلقاء ، ووجوب التمسك بهم واقتفاء آثارهم ، كما تجب طاعـة سلاطـين الجور المتسلِّطين على الأمة بالقوة والقهر ، ويجب اعتقاد عصمة هذه الأمة من الخطأ ، إلى غير ذلك مما هو معلوم من عقائدهم ؟!
وأما فصل أمَّة الشيعة عن المسلمين فقد أجبنا عنه فيما تقدَّم ، وقلنا بأنه إن كان مراده بالمسلمين هم مَن يُعرفون بأهل السنة فهؤلاء لا يجب اتِّباعهم ، وإن أراد بهم غيرهم فكل طائفة من طوائف المسلمين قد افترقت عن غيرها في أصولها وفروعها ، والمحذور هو مخالفة الكتاب والسنة ، وأما


( 162 )

ما عدا ذلك فلا محذور في مخالفته أصلاً.
وقوله : « إن القصد من اختلاق هذه الأحاديث هو فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين ، للقضاء على الإسلام والمسلمين » لا يخفى ما فيه من الضعف والركاكة (1) ، لأن الأحاديث المذكورة أحاديث ضعيفة  ، لا يمكن أن يكون لها هذا الأثر العظيم في فصل الشيعة عن باقي المسلمين ، ولا سيما إذا علمنا بوجود الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي تحث على حسن معاشرة أهل السنة ، والصلاة معهم ، وعيادة مرضاهم ، وحضور جنائزهم ، والشهادة لهم وعليهم... وما إلى ذلك.
ثم إن الشيعة إذا خرجوا من الإسلام ، وفارقوا باقي فِرَق المسلمين أو أهل السنة بخصوصهم كيف يتسبَّب من ذلك القضاء على الإسلام والمسلمين ، وهم لم يشهروا على باقي المسلمين سيفاً ، ولم يكيدوا لهم مكيدة أبداً في سرٍّ أو علانية ؟!
والإنصاف أن هذا الحديث وأمثاله لا ينشأ منه فصل الشيعة عن الإسلام ولا عن باقي المسلمين ، وإنما يسبب افتراق المسلمين واختلافهم ما يكتبه هؤلاء الكُتَّاب الذين يسعون باذلين جهدهم لتكفير طائفة عظيمة من طوائف المسلمين ، متشبِّثين بأحاديث ضعيفة لم يفهموا معانيها ، أو فهموها ولكن سوَّلت لهم أنفسهم أمراً ، فحمَّلوها ما لا تحتمل من الوجوه الفاسدة والاحتمالات الواهية... فكفَّروا مَن شاؤوا بلوازم فاسدة ، لمعانٍ غير صحيحة ، لأحاديث ضعيفة.
وقوله : « بحجَّة أن أمة الشيعة في غنىً عما عند المسلمين من وحي الكتاب الكـريم وهدايـة السنة النبوية... وذلك بما لديها من مصحف
____________
(1) إن الكاتب ليشعر بالخجل من العلماء والمفكرين والمثقفين وهو يرد على هذا الكلام الركيك المضطرب وأمثاله مما ملأ الجزائري به كتيبه ، ولكن يلجئني إلى رده خوفي من أن ينخدع به بعض ضعفة المؤمنين ، والله المستعان.
( 163 )

فاطمة... إلى آخره » واضح الضعف ، فإن الشيعة الإمامية لم يفارقوا باقي فرق المسلمين حتى يتذرعوا لمفارقتهم بأمثال هذه الخيالات الواهية أو بغيرها ، ولم يستغنوا عن كتاب الله العزيز وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغيرهما. وهذه كتبهم ومصنفاتهم تنص على أن الكتاب والسنة هما أهم مصادر الاستنباط عندهم ، فكيف يستغنون عن الكتاب والسنة بمصحف فاطمة والجفر والجامعة وغيرها من الكتب التي ليست عندهم ، بل لم يرَوها ولم يطَّلعوا على ما فيها ؟!

* * * * *

قال الجزائري : أَلا قاتل الله روح الشر التي اقتطعت قطعة عزيزة من جسم أمَّة الإسلام باسم الإسلام ، وأبعدت خلقاً كثيراً عن طريق آل البيت باسم نصرة آل البيت.
وقال : اللهم اقطع يد الإجرام الأولى التي قطعت هؤلاء الناس عنك ، وأضلَّتهم عن سبيلك.

وأقـول :
إن روح الشر في حقيقة الأمر هي الروح التي تسعى لإثارة الفُرقة بين المسلمين ، بتكفير طائفة كبيرة من أتباع أهل البيت عليه السلام ، وإن يد الإجرام هي اليد التي تكتب من غير حجَّة معتمَدة أو برهان صحيح في الطعن في مذهب أهل البيت عليهم السلام ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتِّباعهم والتمسّك بحبلهم.
ومن الواضح أن الذين أشار إليهم الجزائري بيد الإجرام الأولى وروح الشر التي أبعدت الشيعة عن طريق أهل البيت هم علماء الشيعة الأولون قدس الله أسرارهم.
وهذا القول غير مستبعد ممن يلقي الكلام على عواهنه ، ولا يتورَّع


( 164 )

عن التهمة بكل وجه قدر عليه.
ومن البيِّن أن علماء الشيعة الأبرار ـ رحم الله الماضين منهم ، وحفظ الباقين ـ هم الصلحاء الأتقياء الزهَّاد العُبَّاد ، الذين لم يسيروا كغيرهم في ركاب سلاطين الجور ، ولم يأكلوا من فتات موائدهم ، ولم يحلِّلوا لهم الحرام ، ويحرِّموا لهم الحلال ، ولم يصحِّحوا أخطاءهم ، ويبرِّروا قبائحهم  ، ولو أرادوا ذلك لعرفوا الطريق إليه ، وسَعَوا في الحرص عليه (1).
وهم مع ذلك لم يغرِّروا بأحد من الشيعة ولا من غيرهم ، وحسبك أنهم أوجبوا على كل مكلَّف أن يأخذ أصول دينه ومعتقداته الحقَّة بالدليل القطعي لا بالإتباع والتقليد ، وأكَّدوا على ذلك في كتبهم الكلامية ، وهذه طريقة لا يتَّبعها مَن يريد أن يغرِّر بالعوام من الناس ، ويسعى لإضلالهم عن سبيل الله ، وإبعادهم عن دين الله.
وأما قوله : « إن علماء الشيعة قد اقتطعوا الشيعة من جسم أمة الإسلام ، وأبعدوهم عن طريق آل البيت باسم نصرة آل البيت » فيردّه أن متابعة الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام مما لا يرتاب فيه منصف عاقل ، ولا
____________
(1) قال المناوي في فيض القدير 2|419 : لما مات [ عمر ] بن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي على نمطه ، حتى شهد له أربعون شيخا بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب.
ويكفي شهادة المناوي في وصف أكثر علماء زمانه الذين يظهر منه أنهم من علماء أهل السنة ، حيث قال : واكثر علماء الزمان ضربان : ضر منكب على حطام الدنيا ، لا يمل من جمعه ، وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهمج في المزابل ، يطير من عذرة إلى عذرة ، وقد أخذت الدنيا بمجامع قلبه ، ولزمه خوف الفقر وحب الاكثار.... وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام ، شحا على رئاستهم ، يلتقطون الرخص ، ويخادعون الله بالحيل ، ديدنهم المداهنة ، وساكن قلوبهم المنى ،طمأنينتهم إلى الدنيا ، وسكونهم إلى أسبابها...

( 165 )

يشك فيه عالم فاضل.
ويدل على ذلك أمور (1) :
أولاً : أن الشيعة الإمامية قصَروا الإمامة في أهل البيت عليهم السلام ، وحصَروا التقليد فيهم ، فلا حجة إلا لقولهم ، ولا حق إلا ما صدر منهم.
ولهذا تتابع الشيعة خلفاً عن سلف في تدوين علومهم ، وكتابة أحاديثهم في أصول الدين وفروعه حتى جمعوا الشيء الكثير.
وعليه ، فالداعي إلى متابعتهم والأخذ بهديهم والسير على نهجهم ـ وهو اعتقاد إمامتهم دون سواهم ـ موجود ، والمانع من متابعتهم مفقود ، فلا بد من حصول الاتِّباع وتحقق الموالاة.
وثانياً : اعتراف جمع من أرباب التحقيق من أهل السنة بمتابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام ومشايعتهم لهم.
1 ـ قال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايعوا عليًّا رضي الله عنه على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصًّا ووصيّة ، إما جليًّا وإما خفيًّا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده (2).
وقال في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات... وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم (3).
2ـ وقال ابن منظور في لسان العرب ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط ، والزبيدي في تـاج العروس : وقد غلب هذا الاسم ـ أي الشيعة ـ على مَن
____________
(1) نقلنا هذه الادلة من كتابنا دليل المتحيرين ، ص351 ـ 353.
(2) الملل والنحل 1|146.
(3) المصدر السابق 1|166.

( 166 )

يتوالى عليًّا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين ، حتى صار لهم اسماً خاصاً ، فإذا قيل : « فلان من الشيعة » ، عُرف أنه منهم (1).
3 ـ وقال الزهري : والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي 0 ويوالونهم (2).
4 ـ وقال ابن خلدون : اعلم أن الشيعة لغةً : الصَّحْب والأَتْباع ، ويطلق في عُرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أَتْباع علي وبنيه رضي الله عنهم (3).
ثالثاً : سلوك الشيعة الكاشف عن ولائهم لأهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم لهم ، فقد دأبوا على تدوين معارفهم وعلومهم ، ورواية أحاديثهم ، وأخذ أقوالهم ، والتسليم لهم ، ونشر فضائلهم ، وكتابة سِيَرهم ، وإقامة مآتمهم ، والحزن على مصابهم وما جرى عليهم  ، ووالوا أولياءهم ، وتبرَّأوا من أعدائهم ، حتى حكموا بضعف كل من انحرف عنهم ، وبنجاسة كل من تجاهر بمعاداتهم.
وبالجملة ، فإنّا لو لم نقل بأن الشيعة الإمامية هم أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام مع تحقق هذه الأمور ، لحقَّ لنا إنكار متابعة كل فرقة لمن تنتسب إليه ، ولأمكننا أن نشكِّك في متابعة أهل السنة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم.
____________
(1) لسان العرب 8|189. القاموس المحيط 3|49. تاج العروس 21|303.
(2) لسان العرب 8|189. تاج العروس 21|303.
(3) مقدمة ابن خلدون ، ص196.

( 167 )

كشف
الحقيقة السَّابعة



( 168 )



( 169 )

قال الجزائري :

الحقيقة السابعة

اعتقاد ردَّة وكفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته
ماعدا آل البيت ونفراً قليلاً كسلمان وعمار وبلال

هذا المعتقد يكاد يجمع عليه رؤساء الشيعة من فقهائهم وعلمائهم ، وبذلك تنطق تآليفهم وتصرِّح كتبهم ، وما ترك الإعلان به أحد منهم غالباً إلا من باب التقية الواجبة عندهم.

وأقـول :
إن الشيعة الإمامية لا يعتقدون بكفر عامة صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا نفر قليل كما زعم الجزائري ، وعقيدتهم في هذه المسألة معروفة ، وقد بيَّنها العلماء في كتبهم ، وأوضحوها في مصنفاتهم.
ويمكن أن نجملها بأن نقول :

عقيدة الشيعة الإمامية في الصحابة
يعتقد الشيعة الإمامية أن من اصطُلح عليهم بصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينقسمون إلى ثلاث فئات :
الفئة الأولى : هم الذين آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، واتَّبعوا النبي
( 170 )

صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، حتى جعلوا كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى ، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان.
وهؤلاء هم الذين مدحهم الله في كتابه وأثنى عليهم بقوله ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ) (1).
الفئة الثانية : هم المنافقون الذين كانوا يتربَّصون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الدوائر ، ويكيدون المكائد للإسلام ولخُلَّص المؤمنين.
وهم الذين عناهم الله سبحانه بقوله ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مرَدوا على النفاق لا تعلَمهم نحن نعلَمهم سنعذّبهم مرتين ثم يُردّون إلى عذاب عظيم ) (2).
وهؤلاء المنافقون قد دلَّت الأحاديث الكثيرة على وجودهم في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وبعد مماته.
ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن حذيفة أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَم الخياط ، ثمانية منهم تكفيكهم الدُّبيلة (3) ، وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم (4).
____________
(1) سورة التوبة ، الآية 100.
(2) سورة التوبة ، الآية 101.
(3) قال في لسان العرب 11|235 : الدبيلة : خراج ودمل كبير تظهر في الجوف ، فتقتل صاحبها غالباً. وورد تفسيرها في بعض الأحاديث كما في البداية والنهاية 5|19 ودلائل النبوة 5|261 بأنها شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك.
(4) صحيح مسلم 4|2143 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، حديث 9.

( 171 )

والفئة الثالثة : وهم المؤمنون الذين خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيّئ ، فلم يبلغوا بأعمالهم إلى مرتبة الفئة الأولى ، ولم تحطَّهم ذنوبهم إلى أن يكونوا من الفئة الثانية.
ومن هؤلاء مَن وصفهم الله سبحانه بقوله ( وآخرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) (1).
ومنهم مَن أشار إليهم بقوله جل شأنه ( قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلِتْكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم ) (2).
هذا ما يعتقده الشيعة الإمامية في صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكل من نسب إليهم غير ذلك إما جاهل بعقيدتهم غير متثبِّت في نقلها ، أو كاذب مفترٍ عليهم.
وهذا الذي قلناه هو ما قرَّره علماؤنا الأعلام في كتبهم وأوضحوه في تآليفهم.
قال السيد شرف الدين الموسوي أعلى الله مقامه :
إن مَن وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء ، إذ لم نفرِّط فيه تفريط الغلاة الذين كفَّروهم جميعاً ، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثَّقوهم أجمعين ، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم قالوا بكفر الصحابة كافة ، وقال أهل السنة بعدالة كل فرد ممن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رآه من المسلمين مطلقاً ، واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين.
أما نحن فإن الصحبة بمجرَّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة ، لكنها ـ
____________
(1) سورة التوبة ، الآية 102.
(2) سورة الحجرات ، الآية 14.

( 172 )

بما هي ومن حيث هي ـ غير عاصمة ، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول ، وهم عظماؤهم وعلماؤهم ، وأولياء هؤلاء ، وفيهم البغاة ، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين ، وفيهم مجهول الحال ، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة ، أما البغاة على الوصي أخي النبي ، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن أرطاة وأمثالهم ، فلا كرامة لهم ، ولا وزن لحديثهم ، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبيَّن أمره (1).
ومما تقدم يظهر أن ما زعمه الجزائري من أن كفر عامة الصحابة مما يكاد يجمع عليه رؤساء الشيعة وبه تنطق تآليفهم وتصرِّح كتبهم ، غير صحيح ، وحسبك أنه لم يدلِّل على زعمه بدليل واحد منقول من كلمات علماء الشيعة ، الذين ينبغي الاحتجاج بكلماتهم في هذه المسألة ، فإن ذلك أولى من ذكر حديث يمكن المناقشة في سنده ودلالته .
هذا مع أن الحديث الذي نقَلَه ليس من أحاديث الكافي ، ولا يدل على مطلوبه كما سيأتي بيانه ، وهذا دليل واضح على عوز النصوص التي يحتاج إليها لإثبات حقيقته.
ثم إن ما قاله يتعارض مع قوله : « وما ترك الإعلان به أحد منهم غالباً إلا من باب التقيَّة الواجبة عندهم » ، وذلك لأن التقية إذا كانت واجبة عند الشيعة ، وكانت تقتضي ترك الإعلان بهذا المعتقَد ، فكيف نطقت به تآليف علماء الشيعة وصرَّحت به كتبهم ؟!

* * * * *

قال الجزائري : وتدليلاً على هذه الحقيقة وتوكيداً لها نورد النصوص الآتية :
____________
(1) أجوبة مسائل جار الله ، ص14 ـ 15.
( 173 )

جاء في روضة الكافي للكليني صاحب كتاب الكافي ص 202 قوله : عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر قال : ارتد الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة هم : المقداد وسلمان وأبو ذر. كما جاء في تفسير الصافي ـ والذي هو من أشهر وأجل تفاسير الشيعة وأكثرها اعتباراً ـ روايات كثيرة تؤكد هذا المعتقد ، وهو أن أصحاب رسول الله قد ارتدوا بعد وفاته إلا آل البيت ونفراً كسلمان وعمار وبلال رضي الله تعالى عنهم.

وأقـول :
هذا الحديث لم يروه الكليني في الكافي بهذا اللفظ (1) ، لا في الروضة ولا في غيرها ، بل ولم يرد له ذكر في باقي الكتب الأربعة المشهورة عند الإمامية ، وإنما جاء مروياً في رجال الكشِّي (2) وبعض الكتب الأخرى التي لا يعوَّل عليها في إثبات الأحاديث.
ومع ذلك فهذا الحديث لا يدل على ما عنوَنَ به الجزائري حقيقته هـذه  ، فـإن الارتداد في اللغة هو الرجوع عن الشيء. قال عز من قائل ( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً ) (3) ، وقال ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) (4) ، وقال ( مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم ) (5).
وإذا أُريد بالارتداد الرجوع عن الدين قُيِّد ، ولهذا لم يَرِد في كتاب
____________
(1) بل رواه بلفظ آخر سنذكره قريباً إن شاء الله ، ولعل عدول الجزائري عنه إلى الحديث الذي احتج به على حقيقته مع أنه لم يرو في الكافي ، إنما كان لأن الحديث الذي ذكره يوهم في الجلالة على مطلوبه أكثر من غيره ، والله أعلم.
(2) اختيار معرفة الرجال ، ص5.
(3) سورة يوسف ، الآية 96.
(4) سورة النمل ، الآية 40.
(5) سورة إبراهيم ، الآية 43.

( 174 )

الله إلا مقيَّداً. قال سبحانه ( مَن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبّونه ) (1) ، وقال ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ) (2) ، وقال ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبيَّن لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم ) (3) ، وقال ( ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) (4).
والحاصل أن الحديث الذي احتج به الجزائري لم يقيَّد فيه الارتداد بأنه عن الدين أو على الأدبار والأعقاب.
وعليه ، فمعنى الحديث هو أن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجعوا عما التزموا به في حياته صلى الله عليه وآله وسلم من مبايعة علي عليه السلام بإمرة المؤمنين  ، فبايعوا غيره.
وبهذا المعنى للارتداد فسَّر ابن الأثير هذه اللفظة التي وردت في أحاديث الحوض التي سيأتي ذكرها ، حيث قال :
وفي حديث القيامة والحوض : « فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى » : أي متخلِّفين عن بعض الواجبات. ولم يُرِد ردَّة الكفر  ، ولهذا قيَّده بأعقابهم ، لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده ، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب (5).
فإذا صحَّ ذلك يلتئم الحديثان ، ويتطابق معناهما ، ويكون المراد بارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أنهم رجعوا عن أهم الواجبات
____________
(1) سورة المائدة ، الآية 54.
(2) سورة البقرة ، الآية 217.
(3) سورة محمد ، الآية 25.
(4) سورة المائدة ، الآية 21.
(5) النهاية في غريب الحديث 2|2214. ونقل ابن منظور هذه العبارة بعينها في لسان العرب 3|173.

( 175 )

الدينية المنوطة بهم ، وهي مبايعة علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وخلافة رسول رب العالمين.
والذي يدل على أن ما قلناه هو المراد بالحديث ما رواه الكليني رحمه الله في الروضة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة. فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، رحمة الله وبركاته عليهم ، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير (1). وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا ، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع ، وذلك قوله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) (2).
فإن هذا الحديث ظاهر في أن الثلاثة المذكورين التزموا ببيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبايعوا غيره ، حتى بايع مكرَهاً فبايعوا بعده.
ومن الغريب أن الجزائري الذي ساق هذا الحديث ونسبه للكافي وفسَّر معناه بغير ما هو مراد ، نسي أو تناسى أحاديث كثيرة صحيحة أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما تدل على ردَّة زُمَر وأقوام من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته.
ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يرِد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيُحَلَّؤن (3) عن الحوض ، فأقول : يا ربِّ أصحابي. فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا
____________
(1) أي ثم إن أناسا عرفوا أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الأولى بالأمر بعد وقت يسير.
(2) روضة الكافي ، ص213 ـ 214.
(3) أي يطردون يبعدون.

( 176 )

بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (4).
وعن أبي هريرة أيضاً ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : بينما أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلُمَّ. فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله. قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلُمَّ. قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله. قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همَل النعم (2).
قلت : الظاهر أن الضمير المجرور في « فلا يخلص منهم » يعود على صحابته صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يعود على خصوص المرتدين على أدبارهم ، لأن هؤلاء المرتدين لا يخلص منهم أحد.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : يرِد عليَّ الحوض رجال من أصحابي ، فيحلّؤون عنه ، فأقول : يا ربِّ أصحابي. فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (3).
وأخرج مسلم عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا فرَطكم (4) على الحوض ، ولأُنازَعَنَّ أقواماً ثم لأُغلَبَنَّ عليهم (5) ، فأقول  : يا رب ، أصحابي أصحابي. فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (6).
____________
(1) صحيح البخاري 8|150 كتاب الرقاق ، باب في الحوض.
(2) صحيح البخاري 8|150. قال في لسان العرب 11|710 : وفي حديث الحوض : « فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم » الهمل : ضوال الإبل ، واحدها هامل ، أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة.
(3) صحيح البخاري 8|150.
(4) أي سابقكم ومتقدمكم.
(5) أي سأجادل عن أقوام رغبة في خلاصهم فلا ينفعهم ذلك.
(6) صحيح مسلم 4|1796 كتاب الفضائل ، باب رقم 9.

( 177 )

وأخرج البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله : إني فرطكم على الحوض ، من مرَّ عليَّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، لَيَرِدن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم. فقال : أَشهدُ على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول : إنهم مني. فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي (1).
وهذه الأحاديث رواها حفَّاظ الحديث من أهل السنة بطرق كثيرة جداً وبألفاظ متقاربة ، وفيما ذكرناه كفاية (2).

* * * * *

قال الجزائري : وأما بخاصة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ففي كتب القوم نصوص لا تحصى كثرة في تكفير الشيعة لهما ، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكليني صفحة 20 حيث قال : سألت أبا جعفر عن الشيخين. فقال : فارقا الدنيا ولم يتوبا ، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وأورد أيضاً في صفحة 107 قوله : تسألني عن أبي بكر وعمر ؟ فلعمري لقد نافقا وردَّا على الله كلامه ، وهزئا برسوله ، وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

____________
(1) صحيح البخاري 8|150. صحيح مسلم 4|1793.
(2) راجع إن شئت سنن الترمذي 5|321. سنن النسائي 2|133 ، 4|117. سنن ابن ماجة 2|1016. مسند أحمد 1|235 ، 253 ، 254 ، 384 ، 402 ، 406 ، 407 ، 425 ، 439 ، 453 ، 455 ، 3|28 ، 102 ، 281 ، 5|48 ، 50 ، 388 ، 393 ، 400 ، 412. صحيح ابن خزيمة 1|6. مجمع الزوائد 10|363 ـ 365. صحيح سنن النسائي 2|499. صحيح سنن ابن ماجة 2|182.