كتاب كشف الغطاء ::: 141 ـ 150
(141)
بالمرة ، غاية ما في الباب ضعفها ونقصها في بعض المواد ، فتزيد وتهيّج بالتحريك والتهييج ، كما يلتهب النار الضعيف وتتوقّد بالتحريك أو المتواتر ، وقد نقل عن بعض الحكماء أنهم كانوا يخوضون في الأخطار العظيمة دفعاً لهذه الرذيلة وطلباً لما يقابلها من الفضيلة.
     وعن عليّذ عليه السلام : « إذا خفت أمرً فقع فيه ». (1)
     وممّا يجرّىء المرء إكثاره ذكر الموت وأنه عاقبة كلّ حيّ وأن الآجال مقدّرة لا تزيد ولا تنقص.

فصل
من أعظم أنواعها الخوف من غير الله سبحانه ، سواء كان غير مقدور له مع كونه لازم الوقوع أو ممكن العدم ، أو كان مقدوراً له ناشئاً من سوء اختيار أو ما يتوحّذش منه الطبيعة بلا داع ظاهر كالجنّ والميّت وأشباههما سيّما مع الوحدة والظلمة ، فإنّ الخوف من ذلك كلّه خطا محض يقبح عند العقل لعدم فائدة في الاولى سوى تعجيل عقوبة مانعة عن تدبير مصالحه ، وكذا الثانية مضافاً إلى احتمال عدمه فلعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً ، فهو أجدر بعدمه ، وكون رفعه بيده في الثالثة وإن كان بعد الفعل ، وظنه حين الفعل بعدم ترتّب أثر السوء عليه ناش من حكمه بالامتناع المتفرّع على جهله ، كما أنّ ظنّه في الثانية ناش من حكمه بالوقوع ، ولو حكم في كلّذ منهما بما يقتضيه ذات الفعل أمن منهما ، وكونه في الرابعة من غلبة الواهمة المورثة للجبن ، فلابدّ من تحريك الغظبية وتهييجها حتّذى تغلب عليها العاقلة ، أو الالزام على نفسه تدريجاً بما يزيلها عنه.
     قال الله تعالى : « إنّما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم » (2).
1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 175 ، وفيه : « إذا هبت أمراً ».
2 ـ آل عمران : 175.

(142)
     ثم مما يعلمّ أغلب أفراد النوع الانساني منه خوف الموت ، ولعلّذة من قبيل الاولى والباعث الكلّي له أنّ للنفس ارتباطاً خاصّاً واتّحاداً معنويّذاً بالبدن ، كما تقدّم ، والطبيعة مجبولة على التألّم من المفارقة بعد حصول الانس والألفة ، كما قال الحكيم النظامي :
شنيدستم كه افلاطون شب وروز يكى پرسيد از او كاين كريه از چيست از آن ترسم كه جسم وجان ودمساز به كريه داشتى چشم جهانسوز بكفتا چشم كس بيهوده نكريست به هم خو كرده اند از ديركه باز
     ولذا ترى حرص الشيوخ والعجائز بالحياة وشوقهم إلى البقاء أكثر من الأحداث ، وكذا إلى المقتنيات الحسّية لطول الانس والعلاقة بها ، كما أنها مجبولة على التناكر والوحشة مع مشاهدة أمر غريب غير معهود لم تأنس به أصلاً.
     ولذا إنّ الحسن بن علي عليه السلام لما سئل عن سبب قلقه عند وفاته اعتذر بهول المطّلع وفراق الأحبّة (1) وأيّ محبّة أشدّ وأقوى من الاتّحاد والارتباط الحاصلين للنفس والبدن في مدّذة مديدة من الزمان.
     والعمري إنّ إزالته من أصعب ما يمكن أن يكون ولا يتيسّر الا لمن وفّقه الله تعالى للتجرّذد التامّ والفناء المحض والاستغراق في حبّذ الله وأنسه بحيث يرى بدنه حجاجاً شاغلاً له عن الوصول إلى مطلوبه ومعشوقه ومحبوبه ، فيقول :
آزمودم مرك من در زندكى است چون رهم زين زندكى پايندكى است

1 ـ الكافي : 1/461 ، كتاب الحجة ، باب مولد الحسن بن علي عليه السلام ، ح1 ، ولايخفى استهجان هذا التعميم لمعنى الأحبّة في كلام الإمام عليه السلام.
(143)
اقتلوني اقتلوني يا ثقات إنّ في قتلي حياةً في حياة
     ولا يتمكّن منه الا بتحصيل ثالث المراتب المتقدّمة من اليقين ، ولا أقلّ من ثانيهما ، إذ بعدما حصل له أحد اليقينين بما له بعد مفارقة النفوس السبعيّة والبهيميّة والشياطين الانسيّة و الجنيّة واتّصاله بالمباديء العالية ووصوله إلى الحضرة القدسية المتعالية كان دائماً طالباً للممات متعطّذشاً شائقاً كالمستسقي للنوع السرمدي الحقيقي من الحياة.
چونكه اندر مرك بيند صد وجود همچو پروانه بسوزاند وجود
     وهذا أحد معاني قوله صلى الله عليه وآله : « الدنيا سجن المؤمن ».
     وقد عرفت أنّ هذه المرتبة لاتحصل الا بعد رياضات شاقّة ومجاهدات صعبة ، وقطع العلائق والشهوات بالمرّة ، وهجر الرسوم والعادات بالكلّية.
     ثم إنّ سائر التصوّرات الباعثة للخوف المزبور يرجع حاصلها إلى نقص في التعقّل وجهل بالموت وما بعده ، وحزن على فوت الحطام الذي عنده ، وهذه سهلة الزوال بتحصيل فضائل العاقلة من العلم والفكر واليقين ، وسلب العلاقة بالزخارف الفانية بمشاهده أمثاله والاعتبار ببني نوعه من عدم وفاء الدنيا بهم ، فيتفكّر في أنّ توقع البقاء الأبدي له مستحيل لكون من الكائنات اللازم فسادها ، كما تقرّر في محلّه.
     وأنّذ ما يفعله الباري تعالى هو النظام الأصلح الأكمل الذي لايعتريه شائبة قصور وخلل.
     وأنّ خوفه منه إن كان لأجل حرمانه عن اقتناء الشهوات الحسّية فلاريب في أنه بعد كبر سنّه تنحلّ بنيته وتضعف قواه وتزول صحّته التي كان بها يلتذّذذ منها ، ولايخلو حينئذ عن ألم حادث ومرض جديد دائماً ، وعن
1 ـ الجامع الصغير : 2/17.
(144)
مفارقة صديق وموت قريب أو رفيق ، والابتلاء بمصيبة أو بليّة فطالب العمر الطويل يطلب في الحقيقة هذه الآلام.
     وإن كان من مرض جسماني لعلّه يعتريه بالموت فهو جهل منه ، إذ لا ألم جسمانياً بعد انقطاع علاقة النفس عن البدن ، بل ينقطع مواده بانقطاعها.
     وكذا إن كان من تصوّر فنائه بالمرّة ، لأنّ النفس لاتفني بفناء البدن كما ذكرناه في صدر الكتاب ، بل ينقطع علاقتها به.
     وكذا إن كان من تصور نقص يعتريه بسببه لما عرفت من أنه سبب وسرور أعدائهم بذلك وشماتتهم فإنه ناش من توهّم كونه سبباً لاستكمال الغير وهو ناش من نقصان عقله ، لأنّه تعالى هو الرزّاق ذوالقوّة المتين ، وهو الخالق للعباد الرؤوف بهم بهم المتكفّل لحوائجهم والمتمّم لنقائصهم ، وفيضه الأقدس لابدّ أن يصل إلى كل أحد يقدر استعداده ، وليس لأحد أن يغيّره عن الحدّ اللائق له ، فربّما يصل أيتام المساكين إلى أعلى المراتب الدنيوية ، ولايصل إلى أدناها أولاد السلاطين مع حشمتهم وغناهم ، فلو فوّض أمورهم إلى من خلقهم وربّاهم ووكلهم إلى ربّهم ومولاهم كان حسبهم ذلك الكفيل ، فإنه نعم المولى ونعم الوكيل.
     وبالجملة فهذا الخوف من نتائج الجبن وضعف النفس ، وعلاجه بما ذكرناه هنا مع ما ذكرناه في دفع الجبن.

فصل
     ومنها صغر النفس ، أي ملكة استعظام مايرد عليه من ملاذّ الدنيا


(145)
ومكارهها ، فيفرح وينشط بوجدان الاولى ويحزن من فقدانها ، ويجزع من عروض الثانية ، ويعجز عن تحمّلها ، ولايقوى على مقاومتها ، بل يصير رقّاً لها مفوّضاً أمره إليها ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له طويل :
     « من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها من قلبه آثرها على الله تعالى فانقطع إليها وصار عبداً لها ... ـ الحديث ». (1)
     ويترتّب عليها أغلب الملكات الرديّة من الطمع والبخل ، وهي أيضاً من نتائج الجبن وضعف النفس ، ويلزمها الذلّ والمهانة وقصور النفس عن طلب المعالي والمسامحة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاضطراب من أدنى بليّة وحادثة وغير ذلك.
     وعلاجها بعد تذكّر مفاسدها وما يترتّب على ضدّها أعني كبر النفس من المحاسن ، وماورد من الأمر به والحثّ عليه ، بما تقدّم في الجبن والتذكّر لمفاسد الدنيا وكثرة عيوبها ومخازيها وعدم وفائها بطالبيها ممّا سيذكر إن شاء الله تعالى.

فصل
     ومنها : عدم الغيرة والحميّة بالاهمال في ما يلزم شرعاً وعقلاً محافظته من الدين والعرض والمال والعيال ، وهو من نتائج ضعف النفس ، ومن المهلكات العظيمة وربما يؤدّي إلى الدياثة والقيادة.
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب ». (2)
     وقال أيضاً : « جدع الله أنف من لايغار من المؤمنين والمسلمين ». (3)
     والفاقد للغيرة غير معدود من الرجال.
     وعلاجه بعد التذكّر لما دلّ على قبحه عقلاً ونقلاً ومادلّ على مدح الحميّة والغيرة من العقل والنقل بما مرّ في الجبن.
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة : 160.
2 ـ الكافي : 5/536 ، ح2 ، وفيه عن الصادق عليه السلام.
3 ـ الكافي : 5/536 ، ح4.

(146)
فصل
     ومنها : العجلة ، أعني المعنى الراتب في القلب الباعث على الاقدام على الأفعال بأوّل خاطر من دون تأمّل وتدّبر ، وهي من لوازم ضعف النفس ، وقد أهلك بها الشيطان أكثر بني نوع الانسان.
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « العجلة من الشيطان والتأنّي من الله ». (1)
     والعقل يحكم بأنّ العمل لابدّ وأن يكون بعد البصيرة والتروّي الموقوفين على التأمّل والتأنّي ، وهما ضدّان للعجلة ، فمن استعجل في أمره لقيه (تلقّاه خ ل) الشرّ من حيث لايعلم ، والتجربة شاهدة بأن ما يصدر عن العجلة يورث الندامة والخسران بخلاف التأنّي وأنّ كل خفيف عجول لاوقع له في القلوب.
     ثم إنك عرفت أنّ أحبّ الأشياء للعاقلة هو التشبّه بالمبدأ في صفاته بطلب الاستيلاء والملكية للأشياء من الملك العظيم الذي لاغاية له ، والسعادة الأبديّة التي لانفاد لها والبقاء الذي لافناء بعده ، والعزّ الذي لاذلّ معه ، والغنى الذي لافقر معه ، والأمن الذي لاخوف فيه ، والكمال الذي لا نقصان يعتريه ، فإنّها من صفات الربوبية والشيطان لحسده الذاتي معه ثمّ شدّة عداوته له بصيرورته طريداً لأجله أضلّة من طريق العجلة وزيّن في نظره الاستيلاء على الملك العاجل المشوب بأنواع الآلام وصدّه عن الملك الآجل المقترن بالثبات والدوام ، فانخدع بغروره واشتغل لعجلته المركوزة في جبلّته بطلب الزخارف الفانية الدنيوية عن طلب السلطنة الباقية الحقيقيّة ، والرئاسة الدائمة الأبديّة ، فهو في طلب الاستيلاء غير ملوم ، إنّما اللوم والذمّ على الخطاء الصادر عنه من قبل الشيطان في متعلّقه ووضعه إيّاه في غير موضعه الذي هو الظلم في الحقيقة بنفسه.
     ولذا ورد ما من ذمّ طلب الدنيا ومدح نعيم الآخرة من الآيات
1 ـ الجامع الصغير : 1/134 ، مع تقدم الجملة الثانية على الاولى.
(147)
والأخبار ، وهو الباعث لارسال الرسل الكرام إلى كافّة الأنام بالوعد والوعيد الترغيب والتأكيد.
     قال الله تعالى : « يا أيّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سيب الله اثّاقلتم إلى الأرض ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قيل ». (1)
     ولو تأمّل وتفكّر ولم يبن أمره على العجلة علم أنّ ما يطلبه ويمييل إليه من الزخارف الدنيوية ليس استيلاء وتملّكا لها في الحقيقة ، بل عبوديّة وانقياد لبطنه وفرجه مثلاً ، وإن كان استيلاء والتملّك للملك العاجل متوقّف أيضاً على تركها ، إذ به يتحقّق الحريّة للعبد وملكيّته لقوّتيه الشهوية والغضبية ، فما أعظم اغترار الانسان حيث يظن أنّه ينال الملك بصيرورته مملوكاً ، والربوبية بصيرورته عبداً.
     فظهر أنّ أكثر مفاسد النفس مترتّبة على العجلة.
     وعلاجها : بعد تذكّر فسادها وسوء خاتمتها وتأديتها إلى الخفة في أعين الناس والندامة والخسران وتذكر شرافة الوقار الذي هو ضدّها أن يكلّف نفسه بعدم ارتكاب فعل الا بعد عرضه على العاقلة ، والتأمّل في وجوه مصالحها ومفاسدها ، فإذا فعل كذلك مدّة صارت له عادة واتّصف بصفة الوقار والطمأنينة.

فصل
     ومن نتائج ضعف النفس سوء الظن بالخالق والخلائق.
     قال الله تعالى : « يا أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم ». (2)
     وقال تعالى : « وذلكم ظنّكم الذي ظننتم بربّكم أرداكم فاصبحتم من
1 ـ التوبة : 338.
2 ـ الحجرات : 12.

(148)
الخاسرين ». (1)
     وقال تعالى : « وظننتم ظنّ السوء وكنتم قوماً بوراً ». (2)
     وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « لاتظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً ». (3)
     ويتبعه الغيبة والحقد والحسد والتقصير في أداء حقوق الاخوان غير ذلك من المهلكات ، على أنّ كلّ إناء يترشّذح بما فيه.
     فهو علامة لخبث الباطن ، حيث يقيس الناس بنفسه ، مع أنّه لا علم بأسرار القلوب الا لعلام الغيوب ، فما لم يعلمه يقيناً لا ينبغي أن يعتقده ويميل إليه وإن احتفّ بقرائن الفساد ، لأنّه من الشيطان حينئذ وهو فاسق والله أمر بتكذيبه بقوله :
     « إن جاء كم فاسق بنبا فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علا ما فعلتم نادمين ». (4)
     والمراد منه عقد القلب وميل النفس لا مجرد حديثها ، بل الشكّ أيضاً لاختصاص النهي في الأخبار بالظنّ ، وكذا العقل يحكم بقبح الأوّل دون الثاني.
     وعلمته تغيّر القلب عمّا كان عليه من الإلف والمحبّة إلى التنفّر والكراهة والجوارح عن العشرة بعنوان الصداقة إلى خلافها وهو السرّ في المنع عن التعرّض للتهمة صيانة لنفوس الناس عنه ، فإنّ من صار باعثاً لمعصية غيره شاركه فيها ، ولذا قال تعالى :
     « ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم ». (5)
1 ـ فصّلت : 233.
2 ـ الفتح : 12.
3 ـ الكافي : 2/362 ، كتاب الايمان والكفر ، باب التهمة وسوء الظن ، ح3.
4 ـ الحجرات : 6.
5 ـ الأنعام : 108.

(149)
     وفي الخبر أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « كيف ترون من يسبّ أبوية؟ فقالوا : هل من أحد يسبّ أبويه؟ فقال : نعم يسبّ أبوي غيره فيسبّون أبويه ». (1)
     وعلاجه : بعد تذكّر فساده وفضيلة ضدّه أن لايتبع خاطره ولا يغيّر قلبه وجوارحه عما كانت عليه قبل ذلك بل يزيد في التعظيم والتكريم والدعاء حتى يدفع الشيطان عن نفسه ويقنّطه ولو تكلّفاً إلى أن يصير له عادة.

فصل
     الغضب كيفيّة نفسانيّة موجبة لحركة النفس إلى دفع الأذيات أو التشفّي بالانتقام ونحوه ، فإن كانت معتدلة كانت من فضيلة الشجاعة ، وإن خرجت عن الاعتدال إلى الافراط فهو من المهلكات ، وقد تشتدّ بحيث يمتلي لأجلها الدماغ والأعصاب من الدخان المظلم فيستر نور العقل ويضعف فعله ، فلا يؤثر في صاحبه الموعظة ، بل تزيده غلظة.
     قيل (2) : الغضب شعلة مقتبسة من نار الله الموقدة الّتي تطّلع على الأفئدة مستكنّة في طيّ الفؤاد كالجمر تحت الرماد ، تستخرجها حميّة الدين عن قلوب المؤمنين أو حميّة الجاهليّة والكبر الدفين في قلوب الجبابرة المترفين ، التي لها عرق من الشيطان اللعين ، حيث قال :
     « خلقتني من نار وخلقته من طين » (3)
     فشأن الطين السكون والتأنيّ ، وشأن النار التلهّب والتلظّي.
     ثمّ إن صدر عن القادر على الانتقام مع استشعاره به احمرّ لونه من انبساط الدم من باطنه إلى ظاهره وهو الغضب الحقيقي ، وإن صدر عن العاجز عنه مع شعوره به اصفرّ لونه من الميل عن الظاهر إلى الباطن ، وهو
1 ـ جامع السعادات ، 1/284 ، والمحجة : 3/377.
2 ـ القائل هو أبو حامد الغزالي ، راجع المحجّة : 5/289 مع تغيير وتلخيص.
3 ـ الأعراف : 12.

(150)
     الحزن ، وإن صدر عن الشاكّ فيه اضطربت أحواله فيه.
     والأخبار في ذمّه كثيرة :
     فعن الصادق عليه السلام : « أنّ الغضب مفتاح كلّ شرّ ». (1)
     وعن الباقر عليه السلام : « الغضب جمرة من الشيطان [ توقد ] في جوف ابن آدم ، وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، ودخل الشيطان فيه » (2) [ وعن الصادق عليه السلام ] : « وكان أبي يقول : أيّ شيء أشدّ من الغضب ، انّ الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرّم الله ويقذف المحصنة ». (3)
     وقال : « إنّ الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدحل النار ». (4)
     وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « الحدّة نوع من الجنون » ، لأنّ صاحبها يندم ، فإن لم يندم فجنونه مستحكم » (5)
     ربما يؤدّي إلى اختناق الحرارة والموت فجأة.
     وقيل : إنّ السفينة الواقعة في اللجج الغامرة المظطربة بأنواع الرياح العاصفة والأمواج الهائلة المتراكمة في الليلة الممطرة المظلمة أرجي إلى الخلاص من المتهب الغضبان.
     ومن مفاسد ترتّب ذمائم الأخلاق التي نشير إلى بعضها كالحقد والحسد والبغضاء وقبائح الأعمال من الشتم وإفشاء الأسرار وهتك الأستار والاسهزاء والضرب والجرح والقتل وغيرها من الفحشاء عليه.
     ومنها : أيضاً تألّم الروح ، وسقم البدن ، وشماتة الأعداء ، وعداوة
1 ـ الكافي : 2/303 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الغضب ، ح3.
2 ـ الكافي : 2/304_305 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الغضب ، ح3.
3 ـ الكافي : 2/303 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الغضب ، ح4 ، واعلم أنه وقع هنا في النسخ خلط بين الحديثين وصحّحناه على ما في الكافي.
4 ـ الكافي : 2/302 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الغضب ، ح2 ، وفيه : عن الباقر عليه السلام.
5 ـ نهج البلاغة الحكمة 255 ، وفيه : « ضرب من الجنون ».
كشف الغطاء ::: فهرس