كتاب كشف الغطاء ::: 161 ـ 170
(161)
أحواله في حال الحرب ، فقيل له : ما هذه الحالة وأنت أشجع الناس؟ فقال : لم أمتحن خصمي فلعلّه أقوى منّي.
     وأنّ إعجابه بكماله إن كان لكونه محلاً وقابلاً له فهو مسخّر تحت حكم الفاعل وليس له الا القبول والانفعال والفضل للمؤثّر الفاعل دونه. مع أنّ الاستعداد والقبول أيضاً من فيضه وفضله ، فإنه الخالق للأعضاء والجوارح والقوى والادراكات وغيرها ، وإن كان من تصوّر أنه البعث على حصوله وأنّه ناش عن قدرته ، فهو جهل منه بكون قدرته وأسبابه التي بها يحصل الكمال ويتمّ الأعمال من الكريم الواهب المتعال (1) من غير حق له عليه تعالى فبالحريّ أن يعجب من كرمه وفضله حيث أفاض عليه ما لايستحقّه وهو المنعم الحقيقي بجلائل النعم ودقائقها ، والواهب لصور الأشياء وحقائقها.
     فالعجب ممّن يعجب بنفسه في عبادته أو عبادته أو غيرها مع عجزه عن جميع الأسباب والمصالح المؤدّية إلى ما أعجبه منها وعدم مدخليّته له فيها أصلاً ولا يعجب ممّن يستند إليه كل الأمور وهو الذي اختاره واجتباه وآثره واصطفاه على كثير من خلقه بتمكينهم من استعمال اللذّات التي أغفله عنها وذرأها (2) عنه ، وصرف بواعث الخيرات عنهم وإعدادها له.
     روي أنّ أيّوب النبيّ صلى الله عليه وآله قال : « إلهي إنّك ابتليتني بهذا البلاء ، وماورد عليّ أمر الا آثرت هواك على هواي ، فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت : يا أيّوب أنّى لك ذلك؟ فأخذ رماداً فوضعه على رأسه وقال : منك ياربّ [ ، منك يا ربّ ] » (3) فلو لا فضله ورحمته الواسعة ما زكى أحد » ولذا قال نبيّنا عليه السلام الذي هو أشرف خلق الله سبحانه : « ما منكم من أحد ينجّيه عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا الا أن يتغمّدني الله برحمته ». (4)
1 ـ كذا ، والصحيح : المتعالى.
2 ـ كذا ، والصحيح : زواها كما في المحجة : 6/280.
3 ـ المحجة اليضاء : 6/281_282.
4 ـ المحجة البيضاء : 6/282.

(162)
     ولا يلزم منه سلب الاختيار كما حقّق في محلّه.
     وإن كان من حسبه ونسبه تأمّل أوّلاً في أن إعجاب المرء من نفسه بكمال غيره حمق غريب ، وأنه لشيء عجيب ، فلو كان خسيساً في ذاته الانسان شرفاً على الدودة المخلوقة من فضلة الحمار؟ هيهات ، بل هما سيّان في الدناءة والاستقذار ، لو لم تكن الأولى أخسّ واأدنى بحسب الاعتبار.
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
     ونقل أنّ وحداً من أولاد الملوك افتخر على غلام حكيم ، فقال له الغلام : إن كان فخرك بأبيك فالفخر له ، وإن كان من ملبوسك فالشرف له ، وإن كان من مركوبك فالفضل له ، ولو أخذ كلّ حقه لم يبق فيك ما يصلح لافتخارك.
     وثانياً : في أنّ الله تعالى قد عرّف نسبه بقوله :
     « وبدأ خلق الإنسان من طين ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين ». (2)
     وأيّ شرف في أصل تطأه الأقدام أو تتنجّس من ملاقاته الأجسام.
     وثالثاً : في أنّ شرافة من يفتخر بهم إن كان من تحلّيهم بالكمالات النفسيّة وتخلّيهم عن الرذائل الخلقيّة فلم يكن فيهم العجب أيضاً لا محالة فلابدّ لمن يفتخر بهم أن يقتدي بهم في ترك إعجابه حتّى لا يكون طاغياً في أنسابه.
     وإن كان من تحليهم بالزينة الدنيوية والشوكة المجازية فما أجهله بحقيقة
1 ـ ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام : ص78.
2 ـ السجدة : 7_8.

(163)
حالهم وما أغفله عن كيفيّة مآلهم ، كيف والانتساب إلى الخنازير والكلاب أحسن من الافتخار بتلك الأنساب. ولو ارتفع عنه الحجاب واطّلع على ما هم فيه من أليم العذاب وعظيم المصاب ونظر إلى صورهم المشوّهة في النار وما لحقهم من النتن والاستقذار لا ستننكف منهم وتبرّأ عنهم.
     وروي أنه افتخر رجلان عند الكليم عليه السلام فقال أحدهما : أنا فلان بن فلان إلى أن عدّ تسعة ، فأوحى الله إلى الكليم قل له : « كلّ التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم ». (1)
     وإن كان من جماله ، تأمّل في سرعة زواله بعروض أدنى مرض وألم ، ثم عروض الشيب والهرم ، ثم لحوق الفناء والعدم.
     ثم في ما وكل في كلّ عضو منه من الأقذار المنفرة و الفضلات القبيحة القذرة كبصاق الفم ومخاط الأنف ووسخ الاذن وصديد البشرة ونتن الابط وفضلات المعدة كالبول والعذرة ووجع (2) الأمعاء وديدان الأحشاء وخروج ما لو رآه تنفّر عن رؤيته من بطنه كلّ يوم ، فضلا عن مسّه أو شمّه لكثافته ونتنه مع ما كان في أوّل أمره من النطفة ودم الحيض وخروجه عن مجاري الأقذار كالذكر والرحم والفرج ولو لم يتعاهد لنفسه التنظيف من الأقذار على الدوام كان أشوه من مهملات الدوابّ والأنعام.
     وما يؤول إليه أمره بعد شيبه من قبح الصورة ثم موته وصيرورته جيفة قذرة ، فكيف يعجب بالهيأة التي هذا دوامها وحقيقتها.
     وإن كان من المال ، تأمّل في آفاته من الغصب والنهب والحرق والغرق وغيرها من أسباب وزواله.
     ثم في كون كثير من النصارى واليهود والمجوس والهنود أكثر مالاً منه. فتّباً لشرف لا وثوق له ببقائه في ساعة فضلاً عن أيّام وليال ويسبقه فيه من
1 ـ المحجة البيضاء : 6/243.
2 ـ كذا ، والظاهر : « رجيع الأمعاء » كما في المحجة : 6/258.

(164)
ذكرناه من الرجال.
بر مال وجمال خويشتن غرّه مشو كان را به شبى برند واين را به تبى
     ثم في ماورد في ذمّه وذمّ الأغنياء ومدح الفقر والفقراء وشرافتهم واستباقهم إلى ما أعدّ لهم من النعيم في دار البقاء.
     ثم في موته وتمتّع زوج امرأته أو ابنته أو زوجة ابنه وسائر ورثته منه مع عظم خطره وكثرة حقوقه وطول المحاسبة عليه ، ففي حرامها العقاب ، وفي حلالها الحساب ، وفي الشبهات منها العتاب.
     وإ ، كان من قوّته وشدّة بطشه ، تأمّل في حصول أشدّ الضعف له بأدنى مرض يسلّط عليه وأقلّه ، ولو توجّع عرق واحد من أعضائه صار من أعجز ما يكون وأذلّه ، ولو سلبه الذباب شيئاً لم يستنقذه منه ، وعجزه عن قمّلة وبقّة وأدنى شوكة تدخل في رجله ، وأنّ كثيراً من الحيوانات أشدّ بطشاً منه ، فأيّ إعجاب بما يكون في البهائم والسباع أكمل منه.
     وإن كان من الجاه وقرب السلطان أو كثرة الأنصار والأتباع والأعوان من الأولاد والأقارب والعشائر والخدم الغلمان ، تفكّر في قرب أو ان انقطاعها ومفارقتها لها بفنائه أو فنائها ، وكونها اعتبارات ضعيفة كسراب بقيعة ، فإذا مرض عجزوا عن دفع أدنى مرضه ورفع أقلّ ما يؤذيه ، وأذا دفن في حفرته وخلّي في البيت الجديد وحيداً غريباً ذليلاً كئيباً سلمه أعوانه المذكورون إلى العقارب والحيّات والديدان ، وأنواع ما أعدّ له من الهموم والمصائب والأحزان ، وهو في أحوج حال إلى إعانتهم وإسعادهم وأبعده عن إغاثتهم وإمدادهم.
     على أنّ التجربة شاهدة بأنّ محبّتهم وإعانتهم تبع لما يأملون منه من وجوه البذل والانفاق مادام يرونه متعرّضاً لسخط الله بتحصيل الأموال لهم من غير وجهها ، موقعاً نفسه في المهالك لتحصيلها وبذلها وصرفها فيهم ، فإذا نقص شيء مما يشتهونه مالوا إلى عداوته وتعرّضوا لمقته ومعارضته.


(165)
اين دغل دوستان كه مى بينى مگسانند دور (گردخ ل) شيرينى
     ثم من أقبح أنواعه العجب بالرأي الفاسد والجهل المركّب ، فإنّ جميع أهل البدع والضلال أصرّوا على آرائهم الفاسدة لعجبهم بها وبه هلك الأمم بفرقها فإنّ كلّ حزب بقما لديهم فرحون وقد أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بظهوره في الأمّة بعد وفاته.
     وعلاجه في غاية الصعوبة ، لما عرفت من صعوبة متعلّقة ، فلا يزول إلا بزواله. وأنفع شيء له الرياضة والمجاهدة التامّة والتضرّع والابتهال والاستعداد من النفوس القدسيّة وممارسة الكتاب والأخبار المعصومية ومجالسة العلماء ومدارسة العلوم الرياضية حتى يألف بالعلم واليقين ويهتدي إلى حبل الله المتين.

فصل
     قد تبيّن لك حقيقة الكبر وأنّه من تنائج العجب ، وما يترتّب عليه من التحقير للغير كالاستنكاف عن مواكلته ومصاحبته وتوقّع التقديم فيما يدلّ عرفاً على التعظيم عليه ، وعدم الالتفات في المحاورات وغيرها إليه يسمّى تكّبراً ، وهو من الآفات العظيمة التي هلك بها خواصّ الأنام فضلاً عن العوام ، وهو أعظم الحجب المانعة عن الوصول إلى دار السلام.
     ويترتّب عليه من المفاسد ترك التواضع وكظم الغيظ وقبول النصح والغضب والحقد والحسد والغيبة وازراء الناس وغيرها.
     فما من رذيلة الا ويضطرّ إليها لحفظ عزّه الموهوم ، وما من فضيلة الا وهو عاجز عنها خوفاً عن ذلّه الموهوم.
     وربما زاد إلى أن يؤدي إلى الاستكبار على الله ورسله وأمنائه الأطهار بإنكار كلامهم ونصائحهم والاستنكاف عن امتثال أو امرهم ونواهيهم ، فيصير كفراً بالله الكريم ، أعاذنا الله منه بمنّه العظيم ولطفه العميم.


(166)
     قال الله تعالى : « إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين » (1) « ادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبّرين » (2) « إن في صدورهم الا كبر ماهم ببالغيه ». (3)
     وفي النبويّ : « لايدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر ». (4)
     وفيه أيضاً : « قال الله تعالى : الكبرياء ردائي والعظمة أزاري ، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم ». (5)
     وقال عيسى بن مريم عليه السلام : « كما أنّ الزرع ينبت في السهل ولاينبت على الصفا ، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولاتعمر في قلب المتكبّر ». (6)
     وبالجملة : فالأخبار كثيرة لاتحصى.
     وأقبح أفراد المتكبّر من مكّنه (كمنه خ ل) في قلبه وأظهره بلسانه وجوارحه في أقواله وأفعاله. وأحسن منه في الجملة من مكنّه في القلب والجوارح ماخلا اللسان. وأحسنها من مكنّه في القلب ولم يظهره بقول ولا عمل ، بل يجتهد في التواضع. فإن كان قصده التلبيس على الناس بإثبات التواضع لنفسه فلعلّه أشدّ من الأولين لكونه متكبّراً ومرائياً معاً ، وإن كان منكراً لما يميل إليه قلبه مجتهداً في إزالته عنه ، كلن لايقدر عليه بسهولة ، بل يميل نفسه إلى ما يشتهيه من دون اختيار فيرجى له أجر المتواضع ، والله تعالى عسى أن يوفّقه بموجب وعده لغاية مراده وقصده.
1 ـ غافر : 60.
2 ـ الزمر : 72.
3 ـ غافر : 56.
4 ـ المحجة البيضاء : 6/212.
5 ـ المحجة البيضاء : 6/213.
6 ـ تحف العقول : 504.

(167)
     وعلاجه : بما ذكر في العجب لاشتراك بواعثهما وكونه من نتائجه ، ويخصّه بعد التذكّر لما دلّ على ذمّه ومدح ضدّه من الآيات والأخبار ، التأمّل في أنّ حكمه بمزيته على غيره من غاية جهله ، إذ شرف المرء بسعادته وحسن خاتمته ولا علم بهما الا للعالم بالقضاء الأزلي ، فربّما حسنت خاتمة المتكبّر عليه ووصل إلى أقصى مراتب السعادة وختم للمتكبّر بالشقاوة.
     وأيضاً شرفه بالفضائل النفسيّة ، وخسّته بالرذائل الخلقية ، وهي أمور باطنية لا يعلمها الا علام الغيوب المطّلع بما تخفيه الضمائر والقلوب.
     على أنه لو حصّل مرتبة الشوق والحبّ وبلغ إلى مرتبة اليقين نظر إلى كلّ الموجودات بعين واحدة ، وهي الانتساب إليه تعالى بكونها رشحة من رشحات وجوده وقطرة من قطرات بحار فضله وجوده ، وآثاراً لذاته ومظاهر لصفاته ، فلا ينظر إلى أحد بعين الحقارة.
     ولايرد لزوم حسن التواضع والمحبّة للكفّار والأشرار ، مع كونه مأموراً ببغضهم ولعنهم وترك مودّتهم ، لاختلاف الحيثية ، فبغض الكافر مثلاً لكفره وعداوته لايستلزم ميل النفس إلى التكبّر عليه ، وحبّه لأجل كونه من مظاهره وآثاره لا ينافي بغضه لأفعاله وأخلاقه وعقائده ، فلو وكلّ أحد غلامه المأمون على ولده بمراقبته وتأديبه فالمطلوب المحمود من الغلام ضربه وتأديبه إذا أساء ظاهراً لمجرّد امتثال مولاه ، ومحبّته له باطناً من حيث إنه ولده ومنسوب إليه ، ولايحسن منه أن يتكبّر عليه ويرى لنفسه مزيّة بالنسبة إليه. فالمعيار الكلّي كون حبّه وبغضه خالصاً لوجه الله ، فاينافي حدوث كلّ منهما وزواله وزيادته ونقيصته بالنسيبة إلى ما يعرضه من العقائد والأخلاق والأعمال.
     على أن المناط حسن الخاتمة وسوء العاقبة ، فلعلّ الكافر يسلم ويتوب ، والفاسق يندم ويؤوب.
     والعلاج العملي له المواظبة على ضدّه ولو تكلّفاً إلى أن يعتاد عليه وينقلع عن قلبه شجرته الراسخة فيه بأصولها وأغصانها.


(168)
     وله علامات كحصول السرور القلبي له من ظهور الخطأ في رأيه وحقّية رأي خصمه في مناظراته وشكره الظاهري له على تنبيهه عليه من دون ثقل عليه لا في الخلأ ولا في الملأ.
     وكتقدم أقرانه على نفسه في المجلس والممشى من دون ثقل في الخلأ والملأ.
     وكإجابة دعوة الفقراء وقضاء حوائجهم وحمل حوائجه وحوائجهم إلى منزله ومنازلهم بنفسه من دون ثقل عليه في الخلأ والملأ.
     واللبس من دون زيّ أقرانه كلبس الصوف وغيره من الخشن.
     والأكل مع الفقراء والمعلومين والخدم والغلمان من دون ثقل عليه في الخلأ والملأ.
     وإن ثقل عليه أحد ماذكر في الملأدون الخلأ ، فهو وإن لم يكن متكبّراً الا أنّه مراء ، ينبغي له إعمال معالجات الرياء.
     وفي الخبر : « أنّ رسول الله صلى الله عيله وآله كان يعلف الناضح ، ويعقل العبير ، ويقمّ البيت ، ويحلب الشاة ، ويخصف النعل ، ويرقّع الثوب ، ويأكل مع الخادم ، ويطحن عنه إذا أعيى ، ويشتري من السوق ويعلّقه بيده ، أو يجعله في طرف ثوبه ، ويصافح الغنيّ والفقير والصغير والكبير ، ويسلّم مبتدءاً على كلّ مستقبل من صغير وكبير وأحمر وأسود ، حرّ أو عبد من أهل الصلاة ، وكان أشعث أغبر ، ولايحقّر مادعي إليه ... الحديث ». (1) وسيجيء تمام الكلام في التواضع.
     وأعلم انّ من أظهر أنواعه الافتخار ، وقد ورد في ذمّه بخصوصه أيضاً كثير من الاخبار وعلاجه بعلاجه.
تنبيه
     كما أنّ الكبر طرف إفراط من فضيلة التواضع ، فالتذلّل والتخاسّ
1 ـ المحجة البيضاء : 6/250 نقلاً عن أبي سعيد الخدري.
(169)
ذلك تفريط منها من التملّق لأرباب الدول ، والتواضع للمتكبّرين وغير ذلك ممّا يذكر بعضها في التواضع مع ما يدلّ على ذمّها.
     وعلاجه بعد التذكّر لقبحه عقلاً ونقلاً ، ومدح التواضع كذلك ، بتحصيل ضدّه الذي هو التواضع.
فصل
     البغي عسر الانقياد لمن يجب انقياده عقلاً ، وربما فسّر بمطلق الاستطالة والعلوّ حتّى يشمل أنواع الكبر بأسرها مع الظلم والتعدّي ، وهو من أفحش أنواع الكبر ، والباعث لتكذيب المكذّبين للأنبياء والمرسلين ، وقد هلك به أغلب الكفّار والباغين.
     والأخبار في ذمّه بخصوصه أكثر من أن تحصى.
     وعلاجه_بعد تذكر تلك الأخبار ومادلّ على مدح التسليم والانقياد من الآيات والأخبار الدالّة على وجوب إطاعة الله ورسله وأوليائه_بما تذكر في الكبر والعجب وتكليف نفسه بالانقياد ولو تكلّفاً حتّى تنقاد ويصير لها ملكة.

فصل
     ومن نتائج العجب تزكية النفس بنفي النقائص عنها ، وإثبات الفضائل لها. ويكفيك في قبحه ما قدّمناه في العجب ، مع أنّ فيه من القبح العرفي ما يشهد به الوجدان. ولذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « تزكية المرء لنفسه قبيح ». (1)
     قال الله تعالى : « فلا تزكّوا انفسكم هو أعلم بمن اتّقى » (2).
     وعلاجه علاج العجب مع تكليف نفسه بضدّها ، أي هضمها وكسرها وإثبات النقص لها إلى أن يصير لها ملكة.
1 ـ جامع السعادات : 1/366.
2 ـ النجم : 32.

(170)
فصل
     العصبيّه أي حماية المرء لنفسه أو ما ينسب أليه من الدين والاتباع قولأً وفعلاً ، فإن لم يكن متعدّياً عن الانصاف ولم يقع بسببها في محرّم شرعي فهي غيرة ممدوحة ، وسيجيء ذكرها ، وإن تعدّى عنه أو وقع في المحرم فهي من رذائل قوّة الغضب من باب الرداءة (الإفراط خ ل).
     وقد فسّرها سيّد الساجدين عليه السلام بقوله : « العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين » ، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه ، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم ». (1)
     فالذمّ المطلق في الأخبار مقيّد به ، لأنّه الشائع من معناه ، سيّما في أمثال ذلك الزمان.
     وعلاجها ـ بعد التذكّر لما ورد في ذمّها من الأخبار ومدح ضدّها أي الانصاف ، والتأمّل في المفاسد المترتّبة عليها والمحاسن المترتّبة على ضدّها ـ تكليف نفسه بالعمل بمرّ الحق ولو تكلّفاً إلى يصير له عادة.
فصل
     كتمان الحق إن كان ناشئاً من العصبية كان من رذائل الغضبية من جانب الافراط ، وإن كان من الجبن كن منها من جانب التفريط ، ويندرج فيه كثير من المحرمات ككتمان الشهادة وشهادة الزور والحكم بغير الحقّ وتصديق المبطل وتكذيب الحقّ وغيرها.
     والأخبار في ذمّ مطلقه وكل ممّا يندرج تحته أكثر من أن تحصى.
     وعلاجه ـ بعد التذكّر لكونه موجباً لسخط الله ومقته وفوائد ضدّه أي
1 ـ الكافي : 2/308_309 ، كتاب الايمان والكفر ، باب العصبيّة ، ح7.
كشف الغطاء ::: فهرس