كتاب كشف الغطاء ::: 211 ـ 220
(211)
الحجاب ويصل إلى لذّة اللقاء والمشاهدة ، بشرط أن لايكون له علاقة بالدنيا ، فإنّ المحبّ لها قد استأنس بزخارفها ، فتحصل له من الموت وحشة عظيمة من مفارقتها ، فتلك العلاقة حاجبة له عن تلك اللذّة المترتّبة على الانس كما في الحبّ ، فعلم أنّ سالك الآخرة لابدّ له من المواظبة على الذكر المحصّل للانس ، والفكر المحصل للحبّ ، والعمل المحصّل لصفاء القلب حتّى تقطعه عن ملاذّ الدنيا وتمنعه عن شهواتها وهي متوقّفة على صحّة البدن وهي على المأكل والملبس والمسكن ، ولكلّ منها لوازم وأسباب ، فمن أخذها لتحصيل هذه الثلاثة لم يكن من أبناء الدنيا ، وكلّ من يتنعّم منها ولو بسماع صوت طائر أو نظر إلى خضرة أو شربة ماء بارد كان منهم ، فإنّ حوظ الدنيا.
     وإن لم تكن بأسرها معرضة لسخط الله وعذابه لكنّها حائلة بين العبد وبين الدرجات العالية مفوتّة لحظوظ دائمة باقية مع كونها في جنبها حقيرة زائلة فانية موجبة طول الحساب والمناقشة من ربّ الأرباب.
     ومعلوم أنّ طول الموقف في عرصة القيامة لأجل الحساب أيضاً نوع من العذاب.
     ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ». (1)
     فمن كان معرفته بالله سبحانه أقوى وأتمّ كان حذره من الدنيا أكثر وأعظم حتّى إنّ عيسى بن مريم عليهم السلام وضع رأسه على حجر لمّا نام ثم رمى به إذ تمثّل له إبليس وقال : رغبت في الدنيا. (2)
     وكلّ من كان عنايته تعالى به أكثر ومنّته عليه أوفر ابتلاه في الدنيا بأنواع المحن والبلاء من الأنبياء والأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل في درجات
1 ـ المحجة البيضاء : 6/21 ، وفيه : « حلالها حساب ، وحرامها عقاب » نعم في النهج (الخطبة : 85) عن أميرالمؤمنين عليه السلام كما في المتن.
2 ـ المحجة البيضاء : 6/21 ـ 22.

(212)
العلى ليوفّر من الآخرة حظّهم كما يمنع الوالد المشفق ولده عن لذائذ الفواكه والاطعمة ويلزمه بالفصد والحجامة حبّاً له وإشفاقاً عليه ، ولأجله لم يرض لهم بقليل الدنيا وكثيرها.
     روي أنّ روح الله اشتدّ به المطر والريح والرعد والبرق يوماً فجعل يطلب بيتاً بلجا إليه ، فرفعت خيمة من بعيد ، فأتاها فإذا فيها امرأة فما دعته ، ثم نظر فإذا بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده عليه وقال : إلهي جعلت لكل شيء مأوى ، ولم تجعل لي مأوى ، فأوحى الله إليه : مأواك في مستقرّ من رحمتي ... الحديث. (1)
     تلخيص
     قد تلخّص ممّا ذكر أنّ من الدنيا ما ليس لله صورة ومعنى كالمعاصي وغيرها ممّا لايكون لتحصيل الآخرة.
     ومنها : ما صورته منها ويمكن أن يكون معناه كذلك أيضاً ، مثل ما يتوقّف عليه تحصيل الآخرة إذا قصدت به الدنيا وحظّ النفس ، ويمكن كونه لله بالاستعانة به على الآخرة.
     ومنها : عكس ذلك ، كترك الشهوات والاتيان بالطاعات ، فيمكن أن يكون معناه لله بقصد التقرّب إليه ، يمكن كونه من الدنيا إذا قصد به حفظ المال والاشتهار بالزهد والعلم.

فصل
     ثمّ من أفراده حبّ المال ، لكونه من الحظوظ العاجلة ، لكنّه أعظمها آفة ، لاحتياج الكلّ إليه ، فبوجوده يحصل الغرور والطغيان ، وبعدمه الفقر المؤدّي إلى الكفر في أغلب الأحيان ، وله فوائد منجية وآفات مردية ، وتمييز كلّ منها عن الآخرة مشكلة ومعرفة دقائق أخطاره معظلة ، فلفاقده غالباً
1 ـ المحجة البيضاء : 5/357 ، وفيه : « فحاد عنها » بدل « فما دعته ».
(213)
خصلتان القناعة االمحمودة والحرص المذموم ، ويترتّب على الحرص الانهماك (1)في الصناعة والطمع من الناس المؤدّي إلى الذلّة ودناءة الهمّة ، وللواجد حالتان إمساك مذموم وإنفاق محمود ، ويترتّب على الإنفاق اقتصاد محمود وإسراف مذموم ، فهذه أمور تشابهة لابدّ أوّلاً من تمييز مذمومها عن محمودها حتّى يمكن تحصيل محمودها والتجنّب عن مذمها ، فيحصل النجاة من غوائلها وسمومها. قال بعض الأكابر : الدرهم عقرب ، فإن لم تحسن رقيته فلاتأخذه ، فإنه إن لدغك قتلك سمّه ، قيل : ما رقيته؟ قال : أخذه من محلّه (2)ووضعه في حقّه.
     وقد ورد في ذمّه من الآيات والأخبار ما لاتحصى.
     قال الله تعالى : « إنّما أموالكم وأولادكم فتنة ». (3)
     « المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربّك ». (4)
     وقال النبي صلّى الله عليه وآله : « الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكالكم ». (5)
     وقال صلّى الله عليه وآله : « لكلّ أمّة عجل وعجل هذه الأمّة الدينار والدرهم ». (6)
     وغير ذلك ممّا لاتحصى.
     وورد أيضاً في مدحه ما لا تحصى.
1 ـ عبارة أبي حامد هكذا : « وللحريص حالتان : طمع فيما في أيدي الناس أو تشمّر للحرف والصناعات مع الياس عن الخلق ، والطمع شرّ الحالتين » (المحجة البيضاء : 6/40).
2 ـ كذا في النسخ ، والصحيح : « من حلّه » كما في المحجة : 6/43 ، قاله يحيى بن معاذ.
3 ـ التغابن : 15.
4 ـ الكهف : 46.
5 ـ الوسائل : كتاب الزكاة ، ب6 من أبواب ، تجب فيه ، ح5.
6 ـ المحجة البيضاء : 7/328.

(214)
     فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « نعم المال الصالح للرجل الصالح ». (1)
     وقال صلى الله عليه وآله : « العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال ». (2)
     وقال رجل للصادق عليه السلام : « إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتاها ، فقال عليه السلام : تحبّ أن تصنع بها ماذا؟ فقال : أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدّق وأحجّ وأعتمر ، فقال : ليس هذا طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة ». (3)
     وقال الباقر عليه السلام : « ليس منّا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ». (4)
     وقال عليه السلام في رجل قال : لأقعدنّ في بيتي ولأصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربّي فأما رزقي فسيأتيني : « هذا من أحد الثلاثة الذين لايستجاب لهم ». (5)
     وغيرها من الأخبار.
     وطريق الجمع أنّك عرفت أنّ له فوائد كتحصيل السعادة بها (به ظ) ، فإنّ من جملة أسبابها الفضائل الخارجة التي لاتتحقّق بدونه ، ومفاسد كالمقاصد المانعة عن حصولها. فإذن هو محمود بالنظر إلى غاياته المحمودة ، ومذموم بالنظر إلى غاياته المذمومة ، وكيف يكون المال مذموماً مطلقاً مع إنّ به تحصل فضيلة الحرّية بالمعنى الأخصّ ، أعني تحصيل المال من المكاسب الطيّبة ، وبعدمه يحصل الافتقار إلى الناس فيما يحتاج إليه ، وحوالة رزقه عليهم إمّا بطريق محرّم كالغصب والنهب والسرقة وغيرها ، أو غير محرم كالأخذ من الصدقات التي هي أو ساخ الناس وهو معنى الرقية التي يقابلها ،
1 ـ المحجة البيضاء : 6/44.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/206 نقلاً عن الكافي : 5/78.
3 ـ الكافي : 5/72 ، كتاب المعيشة ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح10.
4 ـ المحجة البيضا :7/418 ، عن الصادق عليه السلام.
5 ـ الكافي : 5/77 ، كتاب المعيشة ، باب الحثّ على الطلب ، ح1 عن الصادق عليه السلام ، وفيه : « هذا أحد الثلاثة ».

(215)
     وهي مذمومة مطلقاً ، لكون أول فرديها محرّماً وأداء ثانيهما إلى الذلّ والمسكنة والتخضّع والعبودية للناس الممنوع شرعاً والمذموم عقلاً ، رفع الوثوق بالله ، والتوكّل عليه ، وترجيح المخلوق على الخالق المنافي لقوّة اليقين.
     فظهر أنّه كحيّة فيها سمّ وترياق ، فلابدّ للعاقل من معرفة غوائله حتّى يحترز من شروره وآفاته والاطّلاع على فوائده حتى يستدرّ منّ محاسنه وخيراته. فغوائله الدنيوية من المخاوف والمتاعب والأحزان وتفرّق الخاطر في كسبه وحفظه ودفع كيد حسّاده وغير ذلك غنيّة عن البيان ، لأنّ أصحابه أعرف بها ، فلا حاجة لهم إلى بيانها ، ومن غوائله الدينيّة أداؤه إلى المعصية لكونه من أقوى أسبابها المحصّلة للقدرة عليها ، فإذا استشعر الانسان به انبعث داعيه إلى فعلها ، فإن فعل عصى وإن ترك وقع في مضيق الصبر على تركها ، بخلاف العجز ، ثم إلف صاحبه بسبب ثمرّنه على الشهوات والتنعّمات بها ، بحيث لايقدر على تركها ، فإذا لم يقدر على حلالها اقتحم في الشبهات ، ثمّ في المحرّمات لتنظيم الشهوات وما أقلّ من قويت نفسه مع القدرة عليها على تركها والاكتفاء بقدر الضرورة منها.
     ثم في أمثال هذا الزمان لايمكن محافظة المال وتنميته الا بارتكاب أنواع المكر والحيلة والتحمّل لما يسخط الله تعالى طلباً لمرضاة أهل الدنيا باحتياجه إلى معاشرتهم ومعاملتهم. هذا.
     والعمدة فيه اشتغاله بسبب الدنيوي في تنمية ماله عن إصلاح حاله ، كما قال عيسى بن مريم عليه السلام :
     « في المال ثلاث آفات ، أن يأخذه من غير حلّه. فقيل : إن أخذه من حله؟ قال : يضعه في غير حقّه. فقيل : إن وضعه في حقّه؟ قال : يشغله إصلاحه عن الله تعالى ». (1)
     فإنّ أودية الأفكار الدنيوية ممّا لا تنتهي إلى حدّ ».
1 ـ المحجة البيضاء : 6/49.
(216)
     وأمّا قوائده الدنيوية فكالحظوظ العاجلة الحاصلة لصاحبه مضافاً إلى خلاصه عن ذلّ السؤال ، والعزّ والوقار عند الناس ، وكثرة الأصدقاء والأعوان ، وغير ذلك.
     وأمّا فوائده الدينية فكالانفاق في الطاعة كالحج والجهاد والأكل واللبس والسكنى والنكاح للتقوّي عليها والصدقات الواجبة والمستحبّة والمروءات كالهدايا والضيافات وإقراض ذوي الحاجات واستجلاب فضيلة الجود والسخاء ووقاية العرض بدفع مثالب المغتابين والفحّاشين من السفهاء وهجاء الشعراء ومنع الظلمة والأعداء.
     فقد ورد بكلّ منها أخبار لاتحصى ، مع شهادة الاعتبار بحسنها ، وكأجرة الاستخدام لتهيئة ما يحتاج إليه من الخياطة والنكس والغسل وطبخ الطعام وغيرها ممّا يحتاج إليه ، فإنّ المباشرة لها بنفسه يستوعب الأوقات ، فلايبقى له مجال لتحصيل ماهو المقصود بالذات من الذكر والفكر وسائر الطاعات وكالخيرات الباقية الجارية من بناء المسجد والقناطير والمدارس ونسخ المصاحف والأدعية والعلميّات.
     إرشاد
     فإذ قد ظهر لك محاسنه ومفاسده فينبغي لك التجنّب عن غوائله بمراعاة التفكّر والتأمّل في علّة الحاجة إليه والباعث على خلقته ، وما هو المقصود الأصلي منه ، فإنّك إذا عرفت أنّه خير مضاف وآلة وأنّ الافراط فيه مانع عن الوصول إلى ما هو المقصود بالأصالة ، لم تكتسب ولم تحفظ مايزيد عن حاجتك ولزمك الاجتناب عن الحرام والشهبة والسؤال الموجب للذلّ والمهانة ، ولم تنفقه الا على وجه الاقتصاد ، قال الله تعالى :
     « والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ». (1)
     فلا تصرفه في غير حقّه ولايكون قصدك في تحصيل ماتحصّله وترك
1 ـ الفرقان : 67.
(217)
ما تترك الا كونها آلة يستعان بها على حصول السعادة ، فيصير كلّ عمل صادر منك خالصاً لوجه الله تعالى وفرداً من أفراد العبادة.
     ثمّ إنّ حبّ المال إن كان لغاية أعني اقتناء ما يتوقّف عليه من المشتهيات مع طول الأمل بحياته واقتنائه منها أو بحيياة أولاده ومنت ينتسب إليه حيث إنه لحبه لهم يقدّر بقاءهم فيجمعها لأجلهم ، كان علاجه بضدّ تلك الغاية ، أعني الصبر على تركها والقناعة وكثرة ذكر الموت الماحي لطول الأزمل ، والتأمّل في مفاسد شهوة البطن والفرج والأموال وغوائلها المشار إليها ، وفي حال أقرانه الذين سبقوه في الجمع والحرص والادّخار وانقطاعهم عنها بالموت وتلفها بتمتع الظلمة والحكام بعده منها أو أزواج البنات أو الزوجات ، وغير ذلك من الحاثات ، وصيرورة أولادهم بعدهم بيسير من الأوقات في أقصى الفقر والفاقة ومن جملة ذوي الحاجات.
     وإن كان لذاته حيث إن له تعشّقاً به من حيث هو مال كما نرى كثيراً من المعمّرين أنّ لهم من المال ما يكفيهم لغاية ما يحتمل بقاؤهم إليها من المدّة ، بل يزيد عليه ، وليس لهم من الأولاد وغيرهم من يحتاطون لأجله ، ومع ذلك لايسمحون بالواجبات فضلاً عن المستحبّات والمرؤات ، فليس ذلك الا لكون الدرهم والدينار معشوقاً لهم يلتذّون برؤيتها ووجودها في أيديهم ، كان من الأمراض الصعبة سيّما للمعمّرين ، حيث صار بطول المدّة مزمناً وضعفت الطبيعة عن مقاومته ، فسلمت الأمر إليه وحاله حال من يعشق أولّاً بأحد ثم يحبّ رسوله ويعشقه فينسى معشوقة الأوّل الأصلي ، ويشتغل بالرسول ، فإنّ الأموال رسل الشهوات ، ولأجلها حبّبت إلى القلوب ، وهذا قد نسيها وعشق برسلها ، فهو في غاية الجهالة ونهاية الضلالة. ولما كان هذا القسم مستلزماً للبخل فعلاجه بعد التذكّر لمفاسد الأموال وغوائلها وما ورد في ذمّها بما سيذكر في البخل.


(218)
فصل
     ثم الحرص من أقوى شعب حبّ الدنيا وهو ملكة مهلكة تبعث على جمع الزائد عن الحاجة من الأموال من دون وقوف على حدّ مخصوص.
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يشيب ابن آدم ويشبّ فيه خصلتان الحرص وطول الأمل ». (1)
     وقال الباقر عليه السلام : « (مثل) الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ كلما ازدادت على نفسها لفّاً أبعد لها عن الخروج حتّى تموت غمّاً ». (2)
     وعن الصادق عليه السلام فيما نزل به الوحي من السماء : « لو أنّ لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضّة لبتغى لهما ثالثاً ، يابن آدم إنّما بطنك بحر من البحور ، وواد من الأودية لايملأه شيء الا التراب ». (3)
     وعلاجه التذكّر لما ورد في ذمّه من الأخبار وما فيه من الذلّ والمهانة ورقيّة الشهوة ، والتأمّل في أنّ ايثارها على غز النفس نقص في الإيمان والمعرفة ، ثم ما في جمعه من الآفات الدينية والدنيوية ، والاعتبار بالقرون الماضية والألم السالفة ، وأن القناعة من شيم عظماء الأمم من الأنبياء والأولياء والسلف الأتقياء الأبدال.
     والحرص من خبائث طبائع الأداني والجهّال والأذال من الأعراب والأكراد وطوائف الكفّار من الرجال.
     ويعرف أنّ المقصود من المال قضاء الضرورة وهو ممّا ضمنه الله تعالى على نفسه في مواضع كثيرة.
     « فوربّ السماء والأرض إنّه لحقّ ». (4)
1 ـ جامع السعادات : 2/100.
2 ـ جامع السعادات : 2/100 ، الكافي : 2/316 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب حب الدنيا والحرص عليها ، ح7.
3 ـ جامع السعادات : 2/100.
4 ـ الذاريات : 23 ،

(219)
     ولا خلف لو عده ، ولا مانع له عن فضله وجوده ، فإذا حصلت له المعرفة التأمة بذلك حصل له التوكل والاعتماد على الوهاب الجواد ، فليبادر بعده إلى العلاج العملي بالتوسط في أمر المعيشة والاقتصاد حتى لا يحتاج إلى المشقة الزائدة في تحصيله والاجتهاد ، ولذا ورد في مدح الاقتصاد أخبار كثيرة غنية عن الايراد ، وليكن نظره دائماً إلى من هو دونه ، دون من هو فوقه ، حتى يحصل له الرغبة في التشبه به.
     قال أبوذر رضي الله عنه : « أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله أن النظر إلى من هو دوني لا إلى من هو فوقي في الدنيا ». (1)

فصل
     الطمع أيضاً من شعبه وهو التوقع لما في أيدي الناس من الأموال من غير استحقاق ولا عوض ، وهو من رذائل الحرص إذا انضم إليه البطالة الجهالة بحكمة الله وهو الرقية بالمعنى الأخص.
     وقد أشرنا إليها سابقاً ، وذكرنا أنها من الرذائل المهلكات المؤدية إلى الاتيان بالمناهي والمحرمات في وجوه المعاشرات والمعاملات ، مضافاً إلى ما فيه من الذل والمهانة والعبادة لمن هو دونه أو مثله في الحاجة.
     قال النبي صلى الله عليه وآله : « إياك والطمع ، فإنه الفقر الحاظر ». (2)
     وعن علي عليه السلام : « استغن عمن شئت تكن نظيره ، وارغب إلى من شئت تكن أسيره ، وأحسن إلى من شئت تكن أميره ». (3)
     وعنه عليه السلام : « المنية ولا الدنية والتقلل ولا التوسل ». (4)
     مع ما فيه من سلب التوكل والوثوق بالله تعالى والاعتماد على نظائره
1 ـ المحجة البيضاء : 6/58 ، « أي في الدنيا » والتفسير من أبي حامد.
2 ـ جامع السعادات : 2/106.
3 ـ جامع السعادات : 2/106.
4 ـ نهج البلاغة : الحكمة : 396.

(220)
في الفقر والحاجة.
     وعلاجه بالتذكّر لمفاسده وغيره ممّا ذكر في الحرص ، ثم النظر في حكمة المعاملات والمعاوضات ، فإنّ النظام يختلّ بإطلاق الخيرات مجّاناً والعطيات والانتهاء عن كلّ مكسب حتى في التحف والهديّات ، وتشويق النفس إلى اللذّات الفعلية حتى تعلو همّتها عن الانفعاليات ومخالطة الأحرار واستماع كلماتهم وما نقل عنهم من الحكايات.
     وعن بعض الأكابر : أنّ الحرّ من لايتوكّل على الله.
     ومعناه أنه لا يطلب ما لا يستحقّه فيحتاج إلى تفويض حصوله إلى الله ، بل يدري أنّ كلّ ما يليق به ويقتضيه [ استعداده موهوب له من حضرته ] (1).

فصل
     البخل هو الامساك حيث ينبغي البذل وعكسه الاسراف ، وقد نهى الله ورسوله عنها ، فقال :
     « ولا تجلع يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسوراً ». (2)
     وقال : « والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ». (3)
     والأولّ من نتائج حبّ المال ، ومن رذائل القوّة الشهويّة من طرف الافراط ، ويترتّب عليه مفاسد دينية ودنيوية يشهد بها الوجدان ، ويؤدّي إلى الحرمان عن صنوف السعادات من وجوه الخيرات والقربات وقسوة القلب وزوال المرؤّات بحيث يسري إلى الغير ممّن ينظر إليه ويتسلّط الناس بسبه على عرضه وماله وغير ذلك من الآفات ، وكفاه ذمّاً استعاذة الأئمّة عليهم السلام عنه
1 ـ ساقط من « ج ».
2 ـ الاسراء : 29.
3 ـ الفرقان : 67.
كشف الغطاء ::: فهرس