كتاب كشف الغطاء ::: 401 ـ 410
(401)
بذلك تغليظاً في جرمه وجنايته ، وإن أضاف إلى ذلك الحمل والترغيب وتهيئة الأسباب للغير كان مضيفاً لمعصية رابعة إلى معصيته.
     قال الصادق عليه السلام : « من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن فدعوه ، ومن جاءنا يبدي عورة سترها الله عليه فنحّوه ». (1)
     وسادسها : أن يكون ممّن يقتدى به ، فيفعل المعصية بحيث يطّلع عليه الناس ويتبّعونه فيبقى شرّه مستطيراً في العالم بعد موته.
     قال الله تعالى : « ونكتب ما قدّموا وآثارهم ». (2)
     فكما أنّ العالم مأمور بترك الذنب فكذا بإخفائه مع فعله وكما يتضاعف ثوابه على الحسنات إذا اتّبع ، فكذا وزره في السيّئات ، ولذا إنّ البدعة من أشدّ المعاصي وأعظمها.
     وفي الاسرئيليات : « أنّ عالماً كان يضلّ الناس بالبدعة ثم تاب فأصلح دهراً فأوحى الله إلى نبيه أن قل له : لو كان ذنبك فيما بيني وبينك لغفرت لك ، ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فأدخلتهم النار » (3) فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه ».

فصل
     الكراهة لأفعال الله تعالى والسخط لما يخالف هواه من الواردات الربّانية والتقديرات الالهيّة ونحوها الانكار والاعتراض عليه تعالى ممّا ينافي الإيمان والتوحيد ، فما للعبد الذليل العاجز الفقير والجاهل بموارد الحكم والمصالح ومواقع التقدير والانكار والسخط لما يفعله الحكيم الخبير؟!
     قال الله تعالى : « إنّي خلقت الخير والشرّ فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يده ، وويل لمن خلقته للشرّ وأجريته على يديه ، وويل ثم ويل0
1 ـ الكافي : 2/442 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب اللّمم ، ح4.
2 ـ يس : 12.
3 ـ المحجة البيضاء : 7/62.

(402)
لمن قال : لم وكيف؟ ». (1)
     وقال أيضاً : « إنّي أنا الله لا إله الا أنا ، لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائي فليتّخذ ربّاً سواي ». (2)
     وقال أيضاً : « قدّرت المقادير ودبّرت التدبير وأحكمت الصنع ، فمن رضي فله الرضا عنّي حين يلقاني ، ومن سخط فله السخط منّي حين يلقاني ». (3)
     وأوحى الله إلى داود : « تريد واريد وإنّما يكون ما اريد ، فإن سلّمت لما اريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلّم لما اريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لايكون الا ما اريد ». (4)
     وقال الباقر عليه السلام : « من سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره ». (5)
     وبالجملة : من عرف أنّ العالم بجميع أجزائه صادرة على وفق الحكمة المحضة والنظام الأصلح وعرف الله بالربوبيّة ونفسه بالعبودية عرف أنّ السخط والانكار على الله في أمر من الأمور من غاية الجهل والغرور ، وسيجيء تمام الكلام في فصل الرضا.

فصل
     ترك الاعتماد على الله أو ضعف الثقة بالله فيما قدّر له من مجاري الأمور ناش إمّا من ضعف اليقين به تعالى ، أو ضعف القلب الذي هو من رذائل الغضبية من جانب التفريط ، وهو من المهلكات العظيمة المنافية
1 ـ المحجة البيضاء : 8/89 ، الكافي : 1/154.
2 ـ المحجة البيضاء : 8/89.
3 ـ المحجة البيضاء : 8/89.
4 ـ المحجة البيضاء : 8/90.
5 ـ الكافي : 2/62 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الرضا بالقضاء ، ح9.

(403)
للايمان ، بل من الشرك في الحقيقة.
     قال الله تعالى : « إنّ الذين تعبدون من دون الله لايملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ». (1)
     وقال : « ولله خزائن السماوات والأرض ولكنّ المنافقين لايفقهون ». (2)
     وفي أخبار داود : « ياداود ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته الا قطعت أسباب السماوات من بين يديه والأرض من تحته ولم أبال بأيّ واد هلك ». (3)
     وقال النبي صلى الله عليه وآله : « من اغترّ بالعبيد أذلّه الله ». (4)
     وقيل : مكتوب في التوراة : « ملعون من كان ثقته بانسان مثله ». (5)
     فمن أيقن بأنّه لا فاعل الا الله ولا حول ولا قوّة الا بالله وأنّ له تمام العلم والقدرة والرحمة العناية وأنّ سواه عبيد مملو كون مضطرّون لايملكون خيراً ولا شرّاً ولا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً لم يلتفت إلى أحد سواه ولم يثق الا بالله ولم يطمع الا في عطاياه ، فالواجب على كلّ أحد تحصيل مراتب اليقين بالله وتقوية النفس بما ذكر سابقاً ، وسيجيء تمام الكلام في فصل التوكّل ، إن شاء الله تعالى.
     تتمّه
     ومن جملتها : كفران نعمة المنعم ، ويتبيّن لك حقيقته وما يترتّب عليه من المفاسد بمعرفة ضدّه ، أعني الشكر ، وسنفصّل الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
1 ـ العنكبوت : 17.
2 ـ المنافقون : 7.
3 ـ الكافي : 2/63 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التفويض إلي الله ، ح1 ، مع اختلاف.
4 ـ المحجة البيضاء : 7/408 ، وفيه : « من استعزّ ».
5 ـ المحجة البيضاء : 7/408.

(404)
المقام الثاني
في ذكر أنواع العدالة بالمعنى الأعم
     أي القيام بالحقوق اللازمة مراعاتها ، وفيه أيضاً مقصدان :

المقصد الأول
     في الحقوق اللازمة مراعاتها فيما بينه وبين الخلق ، وقد بيّنا لك أنّ لها مراتب مختلفة بحسب اختلاف الروابط الباعثة للخلطة وأنّ أخصّها القرابة وأعمّها الاسلام.
     وفيما بينهما درجات متفاوتة ونحن نشير إلى جوامع الحقوق في هذه المراتب إجمالاً إن شاء الله تعالى في عدّة فصول :

فصل
     قد أشار مولانا الصادق عليه السلام إلى حقوق المسلم في الخبر المروي في الكافي عن معلّي بن خنيس قال : قلت له ما حقّ المسلم على المسلم؟ فقال عليه السلام : « سبع حقوق واجبات ما منهنّ حقّ الا وهو عليه واجب إن ضيع منها حقّاً خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب ، قلت : له جعلت فداك وما هي؟ قال : يامعلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيّع ولاتحفظ وتعلم ولا تعمل ، قال : قلت له : لاقوّة الا بالله ، قال : أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك.
     والحقّ الثاني أن تجتنب سخطه وتتّبع مرضاته وتطيع أمره.
     والحقّ الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.
     والحقّ الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته.


(405)
     والحقّ الخامس أن لاتشبع ويجوع ولاتروي ويظماً ولا تلبس ويعرى.
     والحقّ السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم ، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويتعهّد فراشه.
     والحقّ السابع أن تبرّ قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أنّ له حاجة تبادر إلى قضائها ، ولا تلجئه إلى أن يسألكها ، ولكن تبادر مبادرة فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته [ وولايته بولايتك ] ». (1)
     فأعظم حقوق المسلم على أخيه أن يحبّ له مايحبّ لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه.
     قال الصادق عليه السلام : « المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها ». (2)
     وقال عليه السلام : « يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون عل التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتّى يكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ رحماء بينهم متراحمين مغتمّين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ». (3)
     وعن الصادق عليه السلام : « أوحى الله إلى آدم : سأجمع لك الكلام في أربع كلمات ، قال : ياربّ وماهنّ؟ قال : واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس ، قال : ياربّ بيّنهنّ لي حتّى أعلمهنّ ، قال : أمّا التي لي فتعبدني لاتشرك بي شيئاً ، وأمّا التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا التي بيني وبينك فعليك الدعاء
1 ـ الكافي : /196 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب حقّ المؤمن على أخيه ، ح2 ، وما بين المعقوفتين في المصدر.
2 ـ الكافي : 2/166 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض ، ح4.
3 ـ الكافي : 2/175 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التراحم والتعاطف ، ح4.

(406)
وعليّ الإجابة ، وأمّا التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ». (1)
     ثم أن لا يوذي أحداً من المسلمين بقول ولا فعل.
     قال الباقر عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الا أنبّئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أموالهم وأنفسهم ، الا انبّئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر من هجر السيّئات وترك ما حرّم الله ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة ». (2)
     « ثم التواضع وترك التكبّر ، فإنّ الله لايحبّ كلّ مختال فخور ».
     فعن النبي صلى الله عليه وآله : « أوحى الله إليّ أن تواضعوا حتّى لايفخر أحد على أحد ». (3)
     وقد مضى مايكفيك في ذلك.
     وترك النميمة بينهم كما أشير إليه فيما مضى ، وأن لايهجر من يعرفه فوق ثلاث كما أشير إليه. قال النبي صلى الله عليه وآله : « لا هجرة فوق ثلاث ». (4)
     وأن يحسن إلى كلّ من قدر منهم إن استطاع.
     قال النبي صلى الله عليه وآله : « اصنع المعروف إلى أهله ، فإن لم تصب أهله فأنت أهله ». (5)
     وقال صلى الله عليه وآله : « رأس العقل بعد الدين التودّد إلى الناس ، واصطناع المعروف إلى كلّ برّ وفاجر ». (6)
1 ـ الكافي : 2/146 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الإنصاف والعدل ، ح13.
2 ـ الكافي : 2/235 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب المؤمن وعلاماته ، ح19 ، وفيه : « من لسانه ويده ».
3 ـ المحجة البيضاء : 3/360.
4 ـ المحجة البيضاء : 3/362 نقلاً عن الكافي : 2/344.
5 ـ المحجة البيضاء : 3/363 ـ 346.
6 ـ المحجة البيضاء : 33/364.

(407)
     وأن لايدخل على أحد الا بإذنه بل يستأذن ثلاثاً ، فإن لم يؤذن له انصرف.
     فعن علي عليه السلام : « كان النبي صلى الله عليه وآله يستأذن ثلاثاً فإن أذن له والا انصرف ». (1)
     وأن يخالق كلّ أحد على طريقته.
     قال الصادق عليه السلام : « خالقوا الناس بأخلاقهم » (2) فلقاء الجاهل بالعلم واللاهي بالفقه أو المعرفة تأذّ ».
     وأن يوقّر المشايخ ويرحم الصبيان.
     قال النبي صلى الله عليه وآله : « من تمام إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ». (3)
     وقال صلى الله عليه وآله : « من عرف فضل كبير لسنّه فوقّره آمنه الله من فزع يوم القيامة ». (4)
     ومن جملة إتمامه أن لايتكلّم بين يديه الا بإذن.
     قال النبي صلى الله عليه وآله : « ما وقّر شاب شيخاً الا قيّض الله له في سنّة من يوقّره ». (5) وهو بشارة بدوام الحياة ، وكان من عادته صلى الله عليه وآله التلطّف بالصبيان.
     وأن يكون مع الكافّة مستبشراً طلق الوجه.
     فقد قيل للنبي صلى الله عليه وآله : دلّنا على عمل يدخلنا الجنّة ، فقال صلى الله عليه وآله : « أنّ من موجبات المغفرة بذل السلام وطيب الكلام ». (6)
     وقال صلى الله عليه وآله : « من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلفظه بها وفرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك ». (7)
1 ـ المحجة البيضاء : 3/365 ، نقلاً عن الفقيه : /80.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/365.
3 ـ المحجة البيضاء : 3/366.
4 ـ المحجة البيضاء : 3/366 ، نقلاً عن الكافي : 2/658.
5 ـ المحجة البيضاء : 3/366.
6 ـ المحجة البيضاء : 3/367.
7 ـ المحجة البيضاء : 3/368 ، نقلاً عن الكافي : 2/206 وفيها : « يلطفه » بدل « يلفظه ».

(408)
     وأن يفي بما يعده.
     فعن الصادق عليه السلام : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد ». (1)
     وأن ينصف الناس من نفسه.
     فعن النبي صلى الله عليه وآله : « لايستكمل العبد الايمان حتّى يكون فيه ثلاث خصال : النفاق من الإقتار ، والانصاف من نفسه ، وبذل السلام ». (2)
     وقال النبي صلى الله عليه وآله : « طوبى لمن طاب خلقه ـ إلى أن قال ـ : وأنصف الناس من نفسه ». (3)
     وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : « [ ألا إنّه ] (4) من ينصف الناس عن نفسه لم يزده الله الا عزّاً ». (5)
     وأن ينزل الناس منازلهم فيزيد في توقير من يدلّ هيئته وثيابه على علوّ رتبته.
     « فقد روي أنّ جرير بن عبدالله البجلي أتى النبي صلى الله عليه وآله ومجلسه مملوء من أصحابه فقعد على الباب فلف صلى الله عليه وآله رداءه وألقاه إليه وأمره بالجلوس عليه فأخذه ووضعه على وجهه وقبّله وبكى ثم قال : ماكنت لأجلس على ثوبك أكرمك الله كما أكرمتني ، فنظر النبي صلى الله عليه وآله يميناً وشمالاً وقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ». (6)
     وأن يصلح بين المسلمين مهما أمكنه.
     وقد ورد فيه أخبار كثيرة كما ورد في ذمّ الإفساد.
1 ـ المحجة البيضاء : 3/369 ، نقلاً عن الكافي : 2/364.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/370.
3 ـ المحجة البيضاء : 3/370 ، نقلاً عن الكافي : 2/144.
4 ـ كما في المصدر.
5 ـ المحجة البيضاء : 3/370 ، نقلاً عن الكافي : 2/144.
6 ـ المحجة البيضاء : 3/371 ـ 372.

(409)
     وعن أنس قال : « بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر : ماالذي أضحكك يارسول الله؟ قال : رجلان ممن أمّتي جثيا بين يدي ربّ العزّة فقال أحدهما : ياربّ خذ مظلمتي من هذا ، فقال الله تعالى : رد على أخيك مظلمته ، فقال : ياربّ لم يببق من حسناتي شيء ، فقال الله للطالب : كيف تصنع ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال : ياربّ فليحمل عنّي من أوزاري ، ثم فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله بالبكاء ، فقال : إنّ ذلك اليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل من أوزارهم قال : فيقول الله تعالى للمظلوم : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فقال : ياربّ أرى مدائن من فضّة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ ، لأيّ نبيّ هذا ولأيّ صدّيق أو لأيّ شهيد؟ قال الله تعالى : لمن أعطى الثمن ، قال : ياربّ ومن كان يملك ذلك؟ قال : أنت تملك ، قال : بماذا ياربّ؟ قال : بعفوك عن أخيك ، قال : ياربّ فقد عفوت منه ، قال الله تعالى : خذ بيد أخيك فادخل الجنّة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإنّ الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ». (1)
     وأن يستر عورات المسلمين ، فإن الله يحبّ المتستّرين فإذا كان ستر عورته مطلوباً منه فكذا ستر عوره غيره ، فإن حقّ إسلامه عليه كحقّ اسلام غيره. وقد طلب الشارع ستر الفواحش فنيط الزنا وهو أفحشها بأربعة شهود يشاهدون المرود في المكحلة وهو أمر لايتّفق فانظر إلى الحكمة في سدّ باب الفواحش بإيجاب أعظم العقوبات أعني الرجم ، ثم إلى ستر الله الذي أسبله على العصاة بتضييق الطرق في كشفه ، فالمرجوّ من كرمه سبحانه أن لا يخرم ذلك يوم تبلى السرائر.
     ففي الخبر : « أنّ الله إذا ستر على عبد في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها في الآخرة ، وإذا كشفها في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها مرّة
1 ـ المحجة البيضاء : 3/373.
(410)
أخرى ». (1)
     هذا ، والأخبار في مدح الستر لاتحصى ، وكذا في ذمّ إذاعة الستر وتتبّع عورات المسلمين ، وقد أشير إلى بعضها.
     قال النبي صلى الله عليه وآله : « من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ». (2)
     وقال صلى الله عليه وآله : « لايرى امرء من أخيه عورة فيسترها عليه الا دخل الجنة ». (3)
     وأن يتّقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس من سوء الظن ، ولألسنتهم عن الغيبة لأنّهم إذا عصوا الله بسببه كان شريكاً معهم فيه.
     وقد قال الله تعالى : « ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم ». (4)
     وفي الأخبار ما يشهد عليه.
     وأن يهتمّ في قضاء حوائجهم بما يمكن له.
     فعن الصادق عليه السلام : « قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله ». (5)
     وعنه عليه السلام : « لقضاء حاجة امرىء مؤمن أحبّ إلى الله من عشرين حجّة كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف ». (6)
     وقال عليه السلام : « تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله ، فإنّ للجنّة باباً يقال لها المعروف ولايدخله الا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا ، فإنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله به ملكين واحداً
1 ـ المحجة البيضاء : 3/373.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/375.
3 ـ المحجة البيضاء : 3/375.
4 ـ الأنعام : 108.
5 ـ المحجة البيضاء : 3/379 ، نقلاً عن الكافي : 193.
6 ـ المحجة البيضاء : 3/379 ، نقلاً عن الكافي : 2/193.
كشف الغطاء ::: فهرس