كفاية الاصول ::: 1 ـ 15

كفاية الأصول
تأليف
الأستاذ الأعظم المحقق الكبير
الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني
قدس سره
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث


(2)

(3)
بسم الله الرحمن الرحيم


(4)

(5)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله الأئمة خيرة الله.
    إنّ الإسلام الذي ارتضاه الله للإنسان ديناً كاملاً ، وشريعة تامة ، إنما هو عبارة عن مجموعة من التعاليم التي جاء بها رسول الله الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    والتي تنقسم إلى تعاليم عقائدية يتكفّل ببيانها « علم الكلام ».
    وإلى تعاليم أخلاقية مفصّلة في « علم الأخلاق » وإلى تعاليم شرعية ترتبط بأفعال المكلّفين ، تحدّد أحكام جميع تصرفاته : أفعاله أو تروكه ، في عباداته أو معاملاته ، أو سائر شؤونه وعلاقاته فتحدّد ما يحكم بها كلّ من وجوب ، أو حرمة أو استحباب ، أو كراهة ، أو إباحة ، فإنّ لله في كل ما يقوم به حكماً معيناً يجب على الملتزم بالإسلام أن يعرفه ، ويطبق تصرفه عليه ، عملاً بالتزاماته وابتعاداً عما يحتمله من الضرر في مخالفته.
    والعلم المتكفّل ببيان الأحكام الشرعية ـ تلك ـ واستنباطها من مصادرها المعتمدة هو « علم الفقه ».
    والفقيه هو الذي يحاول أن يعرف لكل تصرف حكمه الشرعي من خلال تلك الأدلة ، مستنبطاً له منها على أساس القواعد المقررة والأصول المعيّنة التي تعارف عليها


(6)
الفقهاء.
    وقد قرّر الفقهاء مجموعةً من القواعد والأصول يجمعها هدف مشترك وهو التأثير في تصحيح عملية الاستنباط وتنسيقها ، وبعبارة متداولة « التمهيد لها » ، وقد تكفّل جمع تلك القواعد « علم أصول الفقه ».
    ولذلك عرّف القدماء هذا العلم بأنه : « العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية ».
    ويفترق علم الأصول من علم الفقه ، في أن الفقه يتكفّل ببيان الحكم الشرعي من خلال أدلته المعتمدة ، لكن الأصول يتكفّل تحديد تلك الأدلة وبيان مدى دلالتها ـ من وجهة عامة ـ أو بإثبات دليليّتها ، أو تحكيم بعضها على بعض عند تعارضها ، أو بيان ما على المكلف عند فقدان أي دليل من تلك الأدلة.
    وعلى هذا الأساس لجأ المصنّف الآخوند الخراساني إلى تعريفه بأنه : صناعة تعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام والتي ينتهي إليها في مقام العمل (1).
    ومن هنا تبدو أهميّة علم الاُصول ويبرز أثره العظيم ، فهو العلم الذي به يتمكن الفقيه من التوصل إلى أحكام الله ، والتكاليف الشرعية المقررة للعمل من عبادة أو معاملة ، اقتصادياً ، أو نظاماً عائلياً ، أو قانوناً جزائياً ، وبعبارة جامعة : ما يرتبط بتنظيم حياته ، ضمن مجتمع سليم من قوانين وأنظمة ، تضمن كافة الحقوق التي له أو عليه.
    ومن المعلوم أنّ المسلمين في عصر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يكونوا محتاجين إلى هذا فقد كان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) بينهم ينزل عليه
1 ـ كفاية الأصول : 9.

(7)
الوحي من السماء وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فالرسول كان يحكم ويقضي بما يوحي إليه ربه من القرآن وبما يلهم به من السنن من غير حاجة إلى أصول وقواعد الاستنباط الأحكام الشرعية.
    « وكان أصحابه يفتون ويقضون بالنصوص التي فهمونها بملكتهم العربية السليمة من غير حاجة إلى قواعد لغوية يهتدون بها على فهم النصوص ، ويستنبطون فيما لا نصّ فيه بملكتهم التشريعية التي ركزت في نفوسهم من صحبتهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ووقوفهم على أسباب نزول الآيات ، وورود الأحاديث وفهم مقاصد الشارع ومبادىء التشريع » (1).
    ولكن بعد مرور الزمان وابتعاد المسلمين عن مصدر التشريع ، وفقدان السليقة اللغوية ، وحدوث قضايا جديدة بحكم الاتصال بالحضارات المختلفة ، واتّساع البلاد الإسلامية ، ودخول مجتمعات وأمم كثيرة في الدين الحنيف .. احتاج المسلمون إلى طريق يصلون به إلى معرفة الأحكام الإسلامية من نصوصها الأصلية ، وإلى استنباط أحكام للقضايا الجديدة تتّفق مع الكتاب والسُنّة بل تنبع من الكتاب والسُنّة.
    وهكذا اجتاجوا إلى علم الأصول.
    وتفيد الروايات التي وصلتنا عن أئمة أهلُ البيت ( عليهم السلام ) ، أنّ الأئمة كانوا ـ في بعض الأحيان ـ يلقون إلى أصحابهم كلّيات بعض الأمور ، ويوكلون إليهم تفريع الأحكام حسب هذه الكليات.
    وأول من فتح باب هذا العلم وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر وبعده ابنُه أبو عبدالله الصادق عليهما السلام ، وقد أمليا على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله ، وقد جمع من تلك الأمالي مسائل رتّبها المتأخّرون في كتب مستقلّة متّصلة الإسناد إلى أهل البيت عليهم السلام منها كتاب « اُصول
1 ـ علم اُصول الفقه : 16

(8)
آل الرسول » وكتاب « الفصول المهمة في اُصول الأئمة » وكتاب « الأصول الأصيلة » ، وكتاب « الأصول الأصلية ».
    بل أفرد بعض مباحث هذا العلم بالتصنيف هشام بن الحكم تلميذ الإمام الصادق عليه السلام ، فصنّف كتاب الألفاظ ومباحثها وهو أهمّ مباحث هذا العلم (1).
    وأمّا عند أهل السنّة فانّ أول من دوّن من قواعد هذا العلم وبحوثه مجموعة مستقلّة مرتّبة ، مؤيّداً كلّ ضابط منها بالبرهان هو محمد بن إدريس الشافعي ( المتوفى عام 204 هـ ).
    يقول الفخر الرازي : كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلّمون في مسائل أصول الفقه ويستدلّون ويعترضون ، ولكن ما كان لهم قانون كلّي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة ، وفي كيفية معارضتها وترجيحاتها فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه ، ووضع للخلق قانوناً كلّياً يرجع إليه في معرفة مراتب أدلّة الشرع (2).
    هذا ، وإنّ الشافعي صنّف كتاب الرسالة ببغداد ، ولمّا رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة.
    وقد بحث الشافعي في الرسالة كثيراً من المواضيع الأصولية مثل القرآن وبيانه ، والسنة ومقامها بالنسبة إلى القرآن والناسخ والمنسوخ وعلل الاحاديث وخبر الواحد والإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان والاختلاف (3).
    وقد تكلّم بعض السابقين على الشافعي في علم الأصول كأبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ، ولكنّ الحقّ أنّ ما ذكروه كان من قبيل القواعد والمناهج التي كان يسير عليها الفقهاء ، وهي قواعد كانت موجودة حتى في عصر
1 ـ الشيعة وفنون الإسلام : 78.
الرسالة : 13 المقدمة ، نقلاً عن مناقب الشافعي : 57.
تاريخ التشريع : 161.


(9)
الصحابة
    فعليه أنّ أول من ألّف في الاُصول كتاباً مستقلاً متكاملاً هو الشافعي في الرسالة كما قاله السبكي وكما هو المتّفق عليه بين العلماء (1).
    وعلى كل حال فقد وُجدت بعد الشافعي طريقتان ابتني عليهما البحث في علم الأصول هما :
    1 ـ طريقة المتكلّمين : وهي طريقة الشافعي والجمهور ، وتبتني أصولهم على مجرّد الأدلّة المقتضية لإثبات القاعدة الأصولية دون النظر إلى فروع الفقهاء وأقوالهم.
    وقد سار على هذه الطريقة أكثر الأصولييّن من الشافعية والمالكية ومن أشهر المؤلفين الّذين كتبوا على هذه الطريقة هم :
    1 ـ أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ( 204 هـ ) وله كتاب الرسالة.
    وشرحه وجمع كثير من علماء الشافعية كأبي بكر الصيرفي وأبو الوليد النيشابوري ( 349 هـ ) والقفّال الكبير ( 365 هـ ) وأبوبكر الجوزقي النيشابوري ( 388 هـ ) والإمام الجويني ( 438 هـ ).
    2 ـ أبو العبّاس أحمد بن عمر بن سريج ( 306 هـ ) له الردّ على ابن داود في إبطال القياس.
    3 ـ أبو الحسن الأشعري ( 324 هـ ) له إثبات القياس واختلاف الناس في الأسماء والأحكام والخاصّ والعامّ.
    4 ـ أبوبكر الصيرفي ( 330 هـ ) له كتاب دلائل الأعلام على اُصول الأحكام.
1 ـ أنظر : تاريخ بغداد 2 : 64 ـ 65 ، معجم الاُدباء 17 : 325 ، رسالة الشافعي : 13 ، ومناقب الشافعي للرازي : 57.

(10)
    5 ـ القاضي أبو بكر الباقلاني ( 314 هـ ) وله كتاب التقريب والإرشاد في ترتيب طرق الاجتهاد.
    6 ـ القاضي عبد الجبّار المعتزلي ( 415 هـ ) وله كتاب العمد وتعتبر كتبه وكتب الباقلاني من أهمّ المصادر الاُصولية وقد اعتمد عليه كل من جاء بعدهما من الأصوليّين.
    7 ـ أبو الحسين البصري ( 436 هـ ) أحد أئمّة الاعتزال وله كتاب المعتمد في أصول الفقه وقد أخذ الرازي كتاب المحصول من كتاب المعتمد لأبي الحسين البصري (1).
    2 ـ طريقة الفقهاء : وهي طريقة الحنفية ، وتبتنى أصولهم على الفروع المنقولة عن أئمتهم ، فقد حدّدوا القواعد والبحوث الأصولية بتلك التبي رأوا أنّ أئمّتهم بنوا عليها اجتهادهم ، وأكثروا في كتبهم من ذكر الفروع.
    وقد صاغوا في بعض الأحيان القواعد الاُصولية على ما يتّفق وهذه الفروع ، فكانت وجهة نظرهم استخلاص أصول فقه أئمّتهم من فروعهم.
    وأشهر مؤلّفي هذه الطريقة هم :
    1 ـ أبو منصور الماتريدي ( 330 هـ ) له كتاب « مأخذ الشرائع ».
    2 ـ عبيد الله الكرخي ( 340 هـ ) له كتاب في علم الأصول.
    3 ـ أبو بكر الجصاص الرازي ( 370 هـ ) له كتاب في الأُصول.
    4 ـ أبو زيد الدبوسي ( 430 هـ ) له كتاب « تقويم الأدلّة وتأسيس النظر ».
    5 ـ فخر الإسلام البزدوي ( 483 هـ ) له كتاب في الاُصول.
    6 ـ شمس الأئمّة السرخسي ( 490 هـ ) له كتاب في الأصول.


(11)
    كما انفرد عن الجميع بطريقة مبتكرة الشاطبي المالكي بكتابه الموافقات وهو كتاب نفيس قال الإمام الحفيد ابن مرزوق : كتاب الموافقات المذكور من أنبل الكتب وهو في سفرين.
    ومن ثمة وقع الخلاف بين الفقهاء والمتكلمين في كيفية استنباط الأحكام. ووقع الخلاف ـ أيضاً ـ بين المتكلمين أنفسهم ، وبين الفقهاء أنفسهم ... كذلك. وكان من نتائج هذه الاختلافات ان خرجوا بالأصول من البحث النظري إلى الواقع العملي ، ونشأ علم آخر هو علم أثر الخلاف في القواعد والأصول في الفروع الفقهية ، وأصبح مادة تدرس في الجامعات.
    وقد كانت الحنفية السباقة في ذلك حيث بنت أصولها على الفروع الفقهية فأصبحت كتبها مشخونة بالفروع الفقهية الموافقة لها والمخالفة لها.
    وأما كتب المتكلمين فهي كتب عقلية محضة تبحث في القاعدة الأصولية من حيث ثبوتها وعدمها.
    وكتب الجمهور ( المتكلمين ) وإن كان معظمها خالياً من الأمثلة الفقهية إلا ان بعضها قد وجدت فيه هذه الظاهرة وظهرت فيه الأمثلة الفقهية بصورة لا بأس بها من ناحية الكثرة كما فعل الغزالي في كتابه « شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل » حيث أورد فيه جملة كبيرة من الفروع الفقهية في مجموع المسائل التي تعرض لها أو بحثها أثناء الكتاب.
    وكذلك فعل السبكي في كتابيه « رفع الحاجب عن ابن الحاجب » و « الابهاج بشرح المنهاج » حيث تعرض في كثير من القواعد الأصولية إلى بعض آثارها في الفقه.
    والفرق بين هذه الكتب التي صنفت على طريقة المتكلمين وتخللتها الفروع الفقهية ، وبين الكتب التي صنفت على طريقة الفقهاء وتخللتها هذه الفروع أيضاً ، ان الاُولى تذكر الفروع لتبين أثر القاعدة لا لكي تستدل على صحة القاعدة ، أما الثانية فإنها تذكر الفروع الفقهية للإستدلال على صحة القاعدة الأصولية.


(12)
    تطور علم الأصول في مدرسة آل البيت ( عليه السلام )
    سبق ان ذكرنا ان الإمام الصادق ( عليه السلام ) القى على جماعة من خلّص أصحابه قواعد وأسساً يستنبطون منها الاحكام ، وذكرنا كذلك تأليف هشام بن الحكم لكتاب في مباحث الألفاظ.
    ولكن الظروف الطبيعية عند الشيعة ومنها طول زمان عصر النصوص إلى آخر القرن الثالث تقريباً ، قد سببت تأخر تكامل علم الأصول.
    ومن السابقين الذين كتبوا في هذا العلم كتاباً متكاملاً الشيخ المفيد ( 413 هـ ) في كتابه « التذكرة باُصول الفقه » الذي حفظ لنا الكراجكي في كتابه كنز الفوائد ملخصاً له.
    ثم كتب تلميذه السيد مرتضى ( 436 هـ ) كتابه « الذريعة إلى أصول الشريعة » وهو أقدم كتاب أصول عند الشيعة فقد ناقش آراء أصوليّي السنة مناقشة جادة ومتينة ورد استدلالاتهم بأدلة أقوى ، فقد ناقش الشافعي وأبا حنيفة والجبائيين وأبا الحسين البصري والنظام والقفال وغيرهم.
    وكتب تلميذه الشيخ الطوسي ( 460 هـ ) كتابه « عدة الأصول ».
    وهذا الكتابان يعتبران المرحلة الأولى التي قامت على ضوء منهجية خاصة في هذا الباب وكانا يدرسان في الحوزات العلمية إلى عهد قريب.
    ولم يحدث بعدهما تطور له أثره إلى عهد العلامة الحلي ( 726 هـ ) حيث أبدع في هذا العلم وألف كتباً كثيرة أهمّها :
    1 ـ نهاية الوصول في علم الأصول.
    2 ـ تهذيب الوصول في علم الأصول.
    3 ـ مبادىء الوصول في علم الأصول.
    وكان همّ مَن بعد العلامة شرح كتبه ، وذلك نجد في كتب الفهارس مجموعة


(13)
كبيرة من شروح الأصولية (1) ومن أشهرها « منية اللبيب » لضياء الدين الأعرجي و « شرح التهذيب » لعميد الدين الأعرجي ، من أبناء أخت العلامة الحلي ، وهما من أعلام القرن الثامن الهجري.
    وقد جمع الشهيد الأول ( 786 هـ ) بين هذين الكتابين وأضاف إليهما بعض تحقيقاته في كتاب سماه « جامع البين ».
    وبعد مدرسة العلامة أخذ المدّ الاخباري في العقد الرابع من القرن الحادي عشر الهجري بالتوسع ، وانخرط في ذلك السلك جلّ علماء الشيعة وفقهاؤهم في العراق ومن ثم في إيران وكانت أصفهان المعهد العملي للشيعة في ذلك الزمان ، وكانت تنحو منحى الأصوليين ولوان المجلسي الأول كان أخبارياً والمجلسي الثاني كان حداً وسطاً بين الأصوليين والأخباريين.
    وقد تمكن زين الدين علي بن سليمان بن درويش البحراني ( 1064 هـ ) من نقل فكرة الأخبارية من إيران إلى البحرين.
    وبذلك تمكن الأخباريون من الهيمنة على الفقه الشيعي خلال قرن من الزمان.
    وأهم أعلام الإخباريين :
    1 ـ المولى محمد أمين الاسترآبادي ( 1036 هـ ).
    2 ـ المولى محسن الفيض الكاشاني ( 1091 هـ ).
    3 ـ الشيخ يوسف البحراني ( 1186 هـ ) مؤلف الحدائق الناضرة.
    4 ـ الحر العاملي ( 1104 هـ ) مؤلف وسائل الشيعة.
    5 ـ السيد نعمة الله الجزائري ( 1112 هـ ).
    6 ـ المجلسي الأول ( 1070 هـ ).
    7 ـ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني ( 1121 هـ ).
    8 ـ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني ( 1135 هـ ).
1 ـ الذريعة 6 : 54 و 150 ، 13 : 165 ـ 170 ، 14 : 52 ـ 54.

(14)
    وفي أواسط القرن الثاني عشر ظهر علم عظيم من أعلام التشيع تمكن بفكره الثاقب ونزعته الأصولية من القضاء على الفكر الأخباري وإعادة الطريقة الأصولية إلى مكانها الطبيعي في الدراسات الحوزوية.
    هذا العلم هو أستاذ الكل على الاطلاق محمد باقر بن محمد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني ( 1205 هـ ).
    وقد كانت مدرسة الوحيد البهبهاني مباركة الإنتاج حميدة الأثر في تطور علم الأصول فقد كتب تلاميذ هذه المدرسة عشرات الكتب المهمة في الأصول وأهمها :
    1 ـ القوانين ، لأبي القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمرزا القمي ( 1231 هـ ).
    2 ـ الفصول الغروية ، لمحمد حسين بن محمد رحيم الاصفهاني ( 1254 هـ ).
    3 ـ هداية المسترشدين ، لمحمد تقي بن محمد رحيم الاصفهاني ( 1248 هـ ).
    4 ـ مفاتيح الأصول للسيد المجاهد السيد محمد الطباطبائي ( 1242 هـ ).
    5 ـ الضوابط للسيد ابراهيم القزويني ( 1262 هـ ).
    ثم جاءت مدرسة الشيخ الأنصاري لتتوج تطور علم الأصول عند الشيعة ، ولترفعه الى القمة التي لا تدانيها فيها مدرسة أخرى ـ سواء عند الشيعة أم السنة ـ فقد أسس ( قدس سره ) مدرسته الأصولية على اُسس راسخة ساعدها فكر ثاقب بناء ، وبذلك فقد فتح آفاقاً واسعة جديدة أمام الباحثين في هذا العلم.
    وألف كتابه العظيم « فرائد الأصول » الذي هو من خيرة كتب الأصول ، واصبح عليه المعول في الدراسات الحوزوية ، والمحور الذي تدور عليه رحى أبحاث الخارج.
    واستمرت مدرسة الشيخ الأنصاري في العطاء العلمي فخرّجت المئات من فطاحل العلماء من أبرزهم الآخوند الخراساني ( 1329 هـ ).


(15)
حياة المؤلف
    ولد الشيخ الآخوند في عام 1255 هجرية في عهد محمد شاه ثالث ملوك الأسرة القاجارية وفي بيئة معروفة بالصلاح ومشهورة بالسداد فقد كان والده المولى حسين تاجر الحرير المعروف في مشهد من أهل هراة ، محباً للعلم والعلماء. وبلغ حبه لهداية الناس ان قصد كاشان وبقي فيها مدة من الزمان يؤدي وظيفته في الوعظ والإرشاد.
    دراسته في مشهد :
    بدأ الشيخ في مشهد بدراسة المقدمات ، وأكمل هناك العربية والمنطق وشيئاً من علمي الأصول والفقه ، واستمرت هذه المرحلة من دراسته إلى بلوغه الثالثة والعشرين من عمره.
    ثم تاقت نفسه إلى استكمال تحصيله العلمي فقصد حوزة النجف العلمية الكبرى ، وشد الرحال إلى بغيته ، ولكن سفرته هذه طالت حوالي السنتين.
    في الطريق إلى النجف الأشرف :
    غادر الشيخ مشهد متوجهاً إلى النجف سنة 1277 هجرية ومرّ بسبزوار فقصد شيخ علمائها المولى هادي السبزواري صاحب المنظومة للإرتشاف من نميره واستقر في مدرسة سبزوار من رجب 1277 هـ إلى ذي الحجة 1277 هجرية.
    ثم سافر إلى طهران وتتلمذ هناك على يد الحكيم المتأله ميرزا أبو الحسن جلوه والمولى حسين الخوئي في الفلسفة والحكمة ، واستقر في مدرسة الصدر ، وكان شريكه في غرفته تلميذ آخر هو المولى عبد الرسول المازندراني.
    وبقي في طهران ثلاثة عشر شهراً وعشرين يوماً.
    ولم يترك خلال ذلك مقصده الأصلي ـ النجف ـ ولم يكن الشيخ قدس سره
كفاية الاصول ::: فهرس