الصحابة والمعرفة بالتعيين :
سمع الصحابة وشهدوا نصوص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسلوكه في نصب الإمام عليٍّ عليه السلام وتعيينه لخلافته مباشرةً ، فأدركوا ذلك ووعوه ، حتّى ظهر في أقوال بعضهم ، وظهر عند آخرين قولاً وعملاً .
فاشتهر عن بعضهم تمنّيه أن لو كانت له واحدة من تلك الخصال التي خُصَّ بها عليٌّ عليه السلام ، كما عُرف ذلك عن : عمر بن الخطّاب ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الله بن عمر (1).
واشتهر عن آخرين متابعتهم له حتّى عُرفوا في ذلك العهد بشيعة عليّ ( ع )، منهم : أبو ذرّ ، وعمّار ، وسلمان ، والمقداد (2).
بل كان عامّة المهاجرين والاَنصار لا يشكّون في أنّ عليّاً عليه السلام هو صاحب الاَمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وأبو بكر سمع بنفسه قول ابنته عائشة لرسول الله ( ص ) بصوت عال : «والله لقد علمتُ أنّ عليّاً أحبّ إليك من أبي» ! فأهوى إليها ليلطمها ، وقال : ياابنة فلانة ، أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله (4).

____________
(1) منهاج السُنّة 3 : 11 ـ 12 ، المستدرك 3 : 125 ، مجمع الزوائد 9 : 130 ، الصواعق المحرقة : 127 باب 9 فصل 1 ، تاريخ الخلفاء : 161 .
(2) أبو حاتم الرازي : كتاب الزينة : 259 تحقيق عبد الله سلّوم السامرّائي ، محمّد كرد علي : خطط الشام ، تاريخ ابن خلدون 3 : 214 ـ 215 .
(3) الاستيعاب 3 : 55 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 124 ، تاريخ الطبري 3 : 202 ، الكامل في التاريخ 2 : 335 ، شرح نهج البلاغة 6 : 21 .
(4) أخرجه النسائي بإسناد صحيح في السنن الكبرى 5 : 139 | 8495 .

( 113 )
قال معاوية بن أبي سفيان في رسالته إلى محمّد بن أبي بكر ، وهي الرسالة التي أشار إليها الطبري ثمّ قال : ( كرهتُ ذِكرها لاَُمور لا تحتملها العامّة (1) ! قال فيها معاوية مخاطباً محمّد بن أبي بكر : «قد كنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرَّزاً علينا»(2) .
وشهيرةٌ كلمة عمر بن الخطّاب يوم غدير خمّ : «هنيئاً لك يابن أبي طالب ، أصبحتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة» (3).
علماً أنّ هذه الكلمة «مولى» و «وليّ» لم تُعرف لاَحد من الصحابة إلاّ لعليٍّ عليه السلام في جملة من الاَحاديث النبويّة الشريفة كما تقدّم آنفاً .
بل في القرآن أيضاً : ( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (4).
قال الآلوسي : ( غالب الاَخباريّين على أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(5)، وعليه شِبهُ إجماعٍ لدى المفسِّرين (6)، وطائفة من أصحاب
____________
(1) تاريخ الطبري 4 : 557 .
(2) مروج الذهب 3 : 21 ، وقعة صِفّين : 118 ـ 120 ، شرح نهج البلاغة 3 : 188 . وللرسالة تتمّة تأتي في محلّها من بحث لاحق .
(3) مسند أحمد 4 : 281 ، تفسير الرازي 12 : 49 ـ 50 ، سبط ابن الجوزي ، تذكرة الخواصّ : 29 ـ 30 .
(4) سورة المائدة 5 : 55 .
(5) روح المعاني 6 : 167 .
(6) معالم التنزيل ـ للبغوي ـ 2 : 272 ، الكشّاف 1 : 649 ، تفسير الرازي 12 : 26 ، تفسير أبي السعود 2 : 52 ، تفسير النسفي 1 : 420 ، تفسير البيضاوي 1 : 272 ، فتح القدير ـ للشوكاني ـ 2 : 53 ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : 114 ، لباب النقول ـ للسيوطي ـ : 93 .

( 114 )
الحديث ) (1).
وهذا كلّه كان يعرفه الصحابة من المهاجرين والاَنصار خاصّة لقربهم من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن قول محمّد بن أبي بكر في رسالته إلى معاوية ، يصف عليّاً عليه السلام : (وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّه ، وأبو وُلْده ، أوّل الناس له اتّباعاً ، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويُطلعه على أمره) (2).
وعبد الله بن عبّاس ، حبر الاَُمّة ، يصفه أيضاً لمعاوية ، فيسميّه (سيّد الاَوصياء) (3).
والحسن السبط عليه السلام خطب خطبته الاَُولى بعد وفاة أبيه فذكر : «عليّاً خاتم الاَوصياء» (4).
وخزيمة بن ثابت ، ذو الشهادتين ، يصفه لعائشة ، فيقول :

وصيّ رسول الله من دون أهلِه * وأنتِ على ما كان مِن ذاكَ شاهِدَهْ(5)

وهكذا ثبت لقب (الوصي) لعليٍّ عليه السلام عن عدد من الصحابة غير من ذكرنا ، منهم : أبو ذر الغفاري ، وحذيفة بن اليمان ، وعمرو بن الحمق
____________
(1) أخرجه : عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والخطيب في (المتّفق والمفترق) . أُنظر : فتح القدير ـ للشوكاني ـ 2 : 53 .
(2) مروج الذهب 3 : 21 ، وقعة صِفّين : 118 ، شرح نهج البلاغة 3 : 188 .
(3) مروج الذهب 3 : 8 .
(4) مجمع الزوائد 9 : 146 .
(5) شرح نهج البلاغة 1 : 143 ـ 150 .

( 115 )
الخزاعي ، وحُجر بن عَدي ( حجر الخير ) ، وأبو الهيثم بن التيّهان وغيرهم(1)؟ .
فكما عرفوه «وليّاً» عرفوه «وصيّاً» أيضاً ، وذو الشهادتين حين أدلى ، في حديثه المتقدّم ، بشهادتيه على أنّ عليّاً وصيّ النبيّ ، لم يقف عند هذا الحدّ ، بل ألزم عائشة أيضاً الشهادة على ذلك .
إذن لم يكن لقب «الوصيّ» محدَثاً كما صوّره بعض الدارسين الّذين أغفلوا شهادة التاريخ ثمّ أسقطوا نزعاتهم الشخصية على المفاهيم ، وعلى التاريخ كلّه ، فصوّروا «الوصيّ» وكأنّه من صنع اليهود ، ومنهم انتقل إلى المسلمين (2)»؟ ، عن طريق عبد الله بن سبأ المزعوم أو غيره (3)، أو هو من صنع الشيعة ابتدعه هشام بن الحكم ( ت /191 هـ) ولم يكن معروفاً قبله لا من ابن سبأ ولا من غيره (4)! فالاَشعار والنصوص المتقدّمة المحفوظة عن الصحابة سبقت ميلاد هشام بن الحكم بنحو ثمانين سنة !
كلاّ ، بل ذاك ممّا عرفه الصحابة أو بعضهم لعليٍّ ( ع ) ، وحفظه تاريخهم ، لهم أو عليهم !

____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 171 ، وقعة صفين : 103 ـ 104 ، شرح نهج البلاغة 3 : 81 ـ 82 ، وأيضاً 1 : 143 ـ 150 ، فصل (ما ورد في وصايا عليّ من الشِعر) أورد فيه أربعاً وعشرين مقطوعةً للصحابة والتابعين، ثمّ قال : والاَشعار التي تتضمّن هذه اللفظة كثيرة جدّاً ، تجلّ عن الحصر ، وتعظم عن الاِحصاء والعدّ .
وانظر أيضاً : الكامل ـ للمبرّد ـ 2 : 170 ـ 171 في رثاء عليّ بن أبي طالب .
(2) د. مصطفى حلمي ، نظام الخلافة : 157 .
(3) كما نقله الكشّي في رجاله ، ترجمة عبد الله بن سبأ .
(4) د. محمّد عمارة ، الخلافة ونشأة الاَحزاب الاِسلامية : 155 .

( 116 )
ربّما يقال إنّ في تلك المصادر نزعة شيعية ، والشيعة ليس من حقّهم أن يساهموا في كتابة التاريخ ، بل ليس من حقّهم أن يكتبوا تاريخهم الخاصّ أيضاً !
لكن هل يقال هذا في ابن حجر العسقلاني ؟!
ففي شرحه لصحيح البخاري يُثبت ابن حجر أنّ (الشيعة) كانوا يتداولون أحاديث الوصيّة ، فنهضت عائشة في مواجهة ذلك التيّار بحديثها الذي أثبته البخاري ، تقول فيه إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزل به الموت ورأسه على فخذي غُشِيَ عليه ثمّ أفاق ، فقال : «اللّهمّ الرفيق الاَعلى» فكانت آخر كلمة تكلّم بها «اللّهمّ الرفيق الاَعلى» .
قال العسقلاني نقلاً عن الزهري في ما يرويه عن جماعة من أهل العلم فيهم عروة بن الزبير : كأنّ عائشة أشارت إلى ما أشاعته الرافضة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أوصى إلى عليٍّ ( ع ) بالخلافة وأن يوفي ديونه (1)!
لكن لا العسقلاني ولا الزهري ولا جماعة أهل العلم يشاءون أن يتقدّموا في التحقيق خطوة واحدة إلى الاَمام ؛ لاَنّ الخطوة اللاحقة سوف تنفض أيديهم ممّا وضعه فيها حديث عائشة !
فالسيّدة أُمّ سَلَمة أقسمت على كذب الحديث المرويّ عن عائشة ، حين أقسمت أنّ آخر الناس عهداً بالنبيّ هو عليّ بن أبي طالب ! قالت : (والذي أحلف به ، إنْ كان عليٌّ لاَقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عُدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداةً بعد غداة يقول : «جاء عليّ» ؟ مراراً ، فجاء
____________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 8 : 122 .

( 117 )
بعد، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنتُ من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه عليٌّ ، فجعل يُسارّه ويناجيه ، ثمّ قُبض صلى الله عليه وآله وسلم من يومه ذاك وكان أقرب الناس به عهداً) (1).
فالصحابة كانوا يعرفون ذلك وإنْ أنكرته عائشة ، فدخل حديثها صحيح البخاري دون حديث أُمّ سلمة الذي كان رجاله من رجال الصحيح!
والحوارات التي أدارها عمر بن الخطّاب مع ابن عبّاس هي الاَُخرى حوارات كاشفة عن هذا المعنى :
ففي أحدها : يكشف عمر عن معرفته بذلك فيقول : (لقد كان النبيّ يَربَع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه ، فمنعتُ من ذلك ، إشفاقاً وحيطةً على الاِسلام ! وربِّ هذه البَنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً) .
أمّا ابن عبّاس فيؤكّد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد نصّ على عليٍّ ( ع ) ، وأنّه سمع ذلك من عليٍّ والعبّاس (2).
وفي أُخرى : يؤكّد عمر إرادة قريش ، فيقول : كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة فتجخفوا جخفاً (3)، فنظرتْ قريش لنفسها فاختارت!!

____________
(1) مسند أحمد 6 : 300 ، وصحّحه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 112 .
(2) شرح نهج البلاغة 12 : 21 عن أحمد بن أبي طاهر في (تاريخ بغداد) .
(3) الجخف : التكبّر .

( 118 )
لكنّ ابن عبّاس يحمل على هذه الحجّة حملاً عنيفاً ، متسلّحاً بآي القرآن هذه المرّة ، فيقول : (أمّا قولك : كرهت قريش ! فإنّ الله تعالى قال لقوم : ( ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللهُ فأحبط أعمالهم ) (1).
وأمّا قولك : إنّا كنّا نجخف ! فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، لكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال له الله تعالى : (وإنّك لَعلى خُلُقٍ عظيم ) (2)وقال له : ( واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين ) (3) .
وأمّا قولك : فإنّ قريشاً اختارت ! فإنّ الله تعالى يقول : ( وربّك يخلقُ ما يشاء ويختار ما كانَ لهم الخِيَرة ) (4).
وقد علمتَ يا أمير المؤمنين أنّ الله اختار من خَلقه لذلك مَن اختار ! فلو نظرتْ قريش من حيث نظر الله لها لَوُفِّقَت وأصابت) !!
ولهذا الحوار مصادره المهمّة أيضاً (5).
وهذه هي نظريّة النصّ في إطارها التامّ : ( وربّك يخلقُ ما يشاء ويختار ما كانَ لهم الخِيَرة ) ، وإنّ الله اختار مِن خلقه لهذا الاَمر مَن اختار..
والحوار الطويل الذي أداره عثمان أيّام خلافته مع ابن عبّاس ، يكشف
____________
(1) سورة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم 47 : 9 .
(2) سورة القلم 68 : 4 .
(3) سورة الشعراء 26 : 215 .
(4) سورة القصص 28 : 68 .
(5) تاريخ الطبري 4 : 223 ، الكامل في التاريخ 3 : 63 ـ 65 ، شرح نهج البلاغة 12 : 53 ـ 54.

( 119 )
عن وضوح تامّ لهذه القضيّة ، إذ يختم عثمان حديثه بقوله : (ولقد علمتُ أنّ الاَمر لكم ، ولكنّ قومكم دفعوكم عنه ، واختزلوه دونكم) !
فأكّد ابن عبّاس هذا المعنى في جوابه ، وذكر العلّة فيه كما يراها ، ويرى أنّها لم تكن خفيّةً أيضاً على عثمان ، فيقول : (أمّا صَرفُ قومِنا عنّا الاَمرَ فعن حسدٍ قد والله عرفتَه...) (1).
هذا كلّه وكثير غيره عرفه الصحابة ، وحفظه التاريخ ، لهم أو عليهم !
فحقَّ إذن لقائل أن يقول : إنّ غالبية المسلمين حين توفّي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مع الاتّجاه الذي يمثّله الامام عليٌّ بن أبي طالب ( ع ) وأصحابه ، لاَنّ النبيّ ( ص ) كان زعيم هذا الاتّجاه (2).
لقد كان عامّة المهاجرين والاَنصار لا يشكّون في أنّ الامام علياً هو صاحب الاَمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

النصّ في حديث عليّ :
واضح جدّاً في قراءة تلك الحقبة من التاريخ أنّ عليّاً عليه السلام هو أكثر مَن تبنّى إظهار النصوص والاِشارات الدالّة على اختياره من الله لخلافة الرسول ، أو النصّ عليه بالاسم .
فكلماته دالّة على ثبوت الخلافة له بعد الرسول بلا فصل ، وأنّ انتقال
____________
(1) أخرجه الزبير بن بكّار في (الموفّقيّات) ، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 9 : 9 .
(2) أحمد عبّاس صالح ، مجلّة (الكاتب) القاهرية ـ يناير 1965 م ، وعنه محمّد جواد مغنية ، الشيعة في الميزان : 431 .

( 120 )
الخلافة إلى غيره كان بغير حقّ ، بل استئثار وغلَبَة ، بل كلماته نصوص صريحة في هذه المعاني كما سنرى هنا .

في حقّه خاصّة :
الامام عليّ عليه السلام هو الذي أعاد إلى الاَذهان أحاديث نبويّةً تبرز حقّه في الخلافة بلا منازع ، لم يكن مأذوناً بها أيّام الخلفاء ، إذ منعوا من الحديث إلاّ ما كان في فريضة ، يريدون بها الاَحكام وفروع العبادات :
1 ـ فقد جمع الناس أيّام خلافته فخطبهم خطبته المنقولة بالتواتر ، يناشد فيها أصحاب رسول الله مَن سمع منهم رسولَ الله بغدير خمّ يخطب فيقول : «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» إلاّ قام فشهد (1).
2 ـ وعليٌّ ( ع ) هو الذي أعاد نشر حديث آخر يقدّمه على أبي بكر وعمر خاصّة ، إذ أخبر النبيّ أنّ مِن أصحابه مَن يقاتل بعده على تأويل القرآن كما قاتل هو صلى الله عليه وآله وسلم على تنزيله ، فتمنّى أبو بكر أن يكون هو ذلك الرجل ، فلم يصدّق النبيّ أُمنيّته ، بل قال له «لا» ! فتمنّى ذلك عمر لنفسه فلم يكن أحسن حظّاً من أبي بكر ، ثمّ قطع النبيّ الاَمانيّ كلّها حين أخبرهم أنّه عليٌّ، لا غير (2)!
هذه الاَحاديث وغيرها وإنْ رُويت عن غيره إلاّ أنّ روايتها عنه امتازت بكونها خُطَباً على جمهور الناس ، لا حديثاً لواحد أو لبضعة نفر ، وهذا أبلغ في التأكيد على حقّه الثابت له ، وأيقن بأنّ كثيراً من الصحابة كانوا يعرفونه ولا يجهلونه !

____________
(1) تقدّم مع مصادره ، راجع صفحة 91 .
(2) سنن الترمذي 5 | 3715 ، السنن الكبرى ـ للنساني ـ 5 | 8416 . وقد تقدّم .

( 121 )
3 ـ وعليٌّ ( ع ) جدّد التذكير أيضاً بما يبرز حقّه فوق أبي بكر خاصّة ، حين ذكّر الناس بقصة أخذه بسورة براءة من أبي بكر ! روى النسائي بإسناد صحيح عن عليٍّ عليه السلام : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر ، ثمّ أتبعه بعليٍّ فقال له : «خذ الكتاب فامض به إلى أهل مكّة» قال: فلحقته فأخذتُ الكتاب منه ، فانصرف أبو بكر وهو كئيب ، فقال : يا رسول الله ، أَنَزَلَ فيَّ شيء ؟! قال : «لا ، إنّي أُمرت أن أُبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي» (1).
وفي كلّ واحد من هذه الاحاديث ردٌّ على مَن يقول إنّ عليّاً لم يذكر شيئاً يدلّ على أحقّيّته في الخلافة ! هذا ولمّا ندخل بعد رحاب (نهج البلاغة) .
4 ـ خطبته الشقشقيّة التي حظيت دائماً بمزيد من التوثيق (2)، وهي من أكثر كلماته ( ع ) المشهورة وضوحاً ودلالة وتفصيلاً :

____________
(1) سنن النسائي 5 : 128 | 8461 .
(2) نقل ابن أبي الحديد عن بعض مشايخه قوله : والله لقد وقفتُ على هذه الخطبة في كتب صُنِّفت قبل أن يُخلق الرضيّ بمائتي سنة (والشريف الرضي هو الذي جمع خطب الاِمام علي عليه السلام ورسائله في نهج البلاغة) ! ثمّ قال : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديّين من المعتزلة (مولده سنة 279 هـ ووفاته سنة 317 ، علماً أنّ الشريف الرضي وُلد سنة 360 هـ) . شرح نهج البلاغة 1 | 69 .
ونقلها سبط ابن الجوزي من مصادر غير التي اعتمدها الشريف الرضي ، فقال : خطبة أُخرى وتعرف بالشقشقية ، ذكر بعضها صاحب (نهج البلاغة) وأخلَّ بالبعض ، وقد أتيتُ بها مستوفاة ، أخبرنا بها شيخنا أبو القاسم النفيس الاَنباري بإسناده عن ابن عبّاس.. تذكرة الخواصّ : 124 .
وأسندها الراوندي (ت/ 573 هـ) في شرحه إلى الحافظ ابن مردويه، عن الطبراني؛ بإسناده إلى ابن عبّاس . منهاج البراعة 1 : 131 ـ 132 .

( 122 )
«أما والله لقد تقمّصها فلان ، وإنّه لَيعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير..
فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويت عنها كَشحاً ، وطفقتُ أرتئي بين : أن أصولَ بيدٍ جذّاء ، أو أصبر على طخيةٍ عمياء !... فرأيتُ أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرتُ وفي العين قذىً ، وفي الحلق شجاً ، أرى تراثي نَهْباً!
حتّى مضى الاَوّل لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده..
فيا عجباً ! بينا هو يستقيلها (1)في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته !!
لشدَّ ما تشطّرا ضَرعيها !..
فصبرتُ على طول المدّة ، وشدّة المحنة.. حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زَعَم أنّي أحدهم ! فيالله وللشورى ! متى اعترضَ الريبُ فيَّ مع الاَوّل منهم حتّى صرتُ أُقرن إلى هذه النظائر ؟!..» (2).
إذن أبو بكر أيضاً كان يعلم أنّ محلّ عليٍّ من الخلافة محلَّ القطب من الرحى !
وقد يبدو هذا في منتهى الغرابة لمن أَلِفَ التصوّر القدسي لتعاقب الخلافة ، ذاك التصوّر الذي صنعه التاريخ وفق المنهج الذي قرأناه في البحوث المتقدّمة ، ومن هنا استنكروه ، كما استنكروا سائر كلامه في الخلافة ، وقبله استنكروا جملة من الحديث النبوي الشريف الذي يصدم
____________
(1) إشارة إلى قول أبي بكر : أقيلوني ، أقيلوني .
(2) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : الخطبة 3 .

( 123 )
تلك القداسة !
لكنّ الحقيقة ، كلّ الحقيقة ، أنّك لو تلمّست لذلك التصوّر القدسي شاهداً من الواقع مصدّقاً له لعدت بلا شيء .
لم يألف التاريخ الاِصغاء لعليّ !!
التاريخ الذي أثبت ، بما لا يدع مجالاً لشبهة ، أنّ عليّاً لم يبايع لاَبي بكر إلاّ بعد ستّة أشهر ، صمّ آذانه عن سماع أيّ حجّةٍ لعليٍّ في هذا التأخّر !
تناقضٌ لم يستوقف أحداً من قارئي التأريخ !
وكيف يستوقفهم على عيوب نفسه ، وهو وحده الذي صاغ تصوّراتهم وثقافتهم ؟!
5 ـ من كلام له ( ع ) بعد الشورى ، وقد عزموا على البيعة لعثمان :
«لقد علمتم أنّي أحقّ بها من غيري ، ووالله لاَُسلِّمنَّ ما سلمت أُمور المسلمين ولم يكن فيها جَورٌ إلاّ علَيَّ خاصّة ؛ التماساً لاَجر ذلك وفضله، وزهداً في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» (1).
6 ـ « وقوله ( ع ) وقد قال قائل : إنّك على هذا الاَمر يابنَ أبي طالب لحريص .
فقلتُ : بل أنتم والله لاَحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبتُ حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه !
فلمّا قرّعته بالحجّة في الملاَ الحاضرين هبَّ كأنّه بُهِتَ لا يدري
____________
(1) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 102 الخطبة 74 .

( 124 )
مايجيبني به» (1)!!
والقائل إمّا سعد بن أبي وقّاص يوم الشورى على قول أهل السُنّة ، أو أبو عبيدة بعد يوم السقيفة على قول الشيعة ، وأيّاً كان فهذا الكلام مشهور يرويه الناس كافّة كما يقول المعتزلي السُنّي ابن أبي الحديد (2).
7 ـ وقوله ( ع ) : «اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش ومَن أعانهم ، فإنّهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثمّ قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه وفي الحقّ أن تتركه» (3)!
8 ـ وقوله ( ع ) : «أمّا بعد.. فإنّه لمّا قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قلنا : نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع في حقّنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الاِمرة لغيرنا...».
هذه هي مقدّمة خطبته في المدينة المنوّرة في أوّل إمارته ولمّا يمض على إمارته أكثر من شهر (4)!

في أهل البيت :
مثل ما ظهر هناك من وضوح وتركيز في استعراض حقّه خاصّة ، يظهر هنا في شأن أهل البيت في جملة من كلماته ( ع ) :

____________
(1) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 246 الخطبة 172 .
(2) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 9 : 305 .
(3) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 246 الخطبة 172 .
(4) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 1 : 307 عن المدائني .

( 125 )
1 ـ «لا يُقاسُ بآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الاَُمّة أحد.. هم أساس الدِين ، وعماد اليقين.. ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة..»(1).
فبعد ذِكر حقّ الولاية ، هذا واحد من مواضع يذكر فيها الوصيّة تصريحاً أو تلميحاً (2)، ثمّ هو الموضع الاَكثر صراحةٍ في نسبة الوصيّة إلى نفسه وأهل البيت ( ع ) ، مع هذا فهو الموضع الذي أهمله الدكتور محمّد عمارة وهو يستقصي هذه المفردة في كلام الامام عليٍّ ( ع )، أو غفل عنه ، لاَجل أن يقول : (إنّنا لا نجد في خطب عليٍّ وكلامه ومراسلاته ـ التي ضمّها نهج البلاغة ـ وصفه بهذا اللفظ) !
هذا كلّه لاَجل أن يدعم مقالةً حلّق فيها بدءاً حين نسب كلمة (وصيّ) في الحديث النبوي «أنت أخي ووصيّي» إلى صنع الشيعة الّذين وضعوها بدلاً من كلمة «وزيري» (3)! مع أنّ الرواية السُنّية للحديث لم تعرف غير كلمة «وصيّي» (4)!
2 ـ قوله ( ع ) : «إنّ الاَئمّة من قريش ، غُرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم» (5).

____________
(1) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 47 الخطبة 2 .
(2) أُنظر : نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : الخطبة 88 و 182 .
(3) د. محمّد عمارة ، الخلافة ونشأة المذاهب الاِسلامية : 33 و 157 ـ 158 .
(4) معالم التنزيل ـ للبغوي ـ 4 : 278 ، تاريخ الطبري 2 : 217 ، تفسير الخازن 3 : 371 ـ 372 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 310 ـ 311 ، شرح نهج البلاغة 13 : 210 ، 244 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 5 : 41 ـ 42 .
(5) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 201 الخطبة 144 .

( 126 )
وقد وقفنا قبلُ على طائفة من النصوص الصحيحة التي اصطفت بني هاشم من قريش وقدّمتهم عليهم ، وطائفة من الوقائع وأحداث السيرة التي قدّمت بني هاشم على سواهم ، فلا تحتجّ قريش بحجّة إلاّ وكان بنو هاشم أوْلى بها .
3 ـ قوله ( ع ) : «أين تذهبون ؟! وأنّى تؤفكون ؟! والاَعلام قائمة ، والآيات واضحة، والمنار منصوبة ، فأين يُتاه بكم ؟!
وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم وهم أزمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ؟!
فأنزِلوهم بأحسن منازل القرآن ، ورِدُوهم ورود الهيم العطاش .
أيّها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم : إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببالٍ» (1).
استنكار لاذع ، وأسف على هؤلاء الناس الّذين تركوا عترة نبيّهم ، رغم وضوح الدلائل على لزوم اتّباعهم !
4 ـ قوله ( ع ) : «إنّا سنخُ أصلاب أصحاب السفينة ، وكما نجا في هاتيك من نجا، ينجو في هذه مَن ينجو ، ويلٌ رهينٌ لمن تخلّف عنهم.. وإنّي فيكم كالكهف لاَهل الكهف ، وإنّي فيكم باب حطّة ، مَن دخل منه نجا ومن تخلّف عنه هلك ، حجّةٌ من ذي الحجّة في حجّة الوداع : إنّي تركت بين أظهركم ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل
____________
(1) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 119 الخطبة 87 .

( 127 )
بيتي» (1) .
5 ـ قوله ( ع) : «انظروا أهل بيت نبيّكم ، فالزموا سَمْتَهم ، واتّبعوا أثَرهم ، فلن يخرجوكم من هدىً ، ولن يعيدوكم في ردى .. فإنْ لَبَدوا فالبدوا ، وإنْ نهضوا فانهضوا.. ولا تسبقونهم فتضلّوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا» (2).
6 ـ قوله ( ع) : «.. ألم أعمل فيكم بالثَقَل الاَكبر ، وأتركَ فيكم الثَقَل الاَصغر»(3) ؟!
الثَقل الاَكبر : القرآن الكريم ، والثَقل الاَصغر : الحسن والحسين عليهما السلام .
7 ـ قوله ( ع ) : «المهديّ منّا أهل البيت ، يصلحه الله في ليلة» (4).
8 ـ قوله ( ع ) : «المهديّ منّا ، من وُلْد فاطمة» (5).
وهكذا تقسّمت كلمات الامام عليٍّ ( ع ) هذه بين حديث نبويّ بحرفه أو بمضمونه ، وبين وصف أو تقييم لحدثٍ تاريخيّ حاسم ، وليس في هذا كلّه على الاِطلاق ما يشذّ عن وقائع التاريخ في صغيرة ولا كبيرة .

____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 211 ـ 212 .
(2) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 143 الخطبة 97 .
(3) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 119 الخطبة 87 .
(4) مسند أحمد 1 : 84 .
(5) السيوطي ، مسند فاطمة : 94 | 224 . المطبعة العزيزية ـ حيدر آباد ـ الهند ـ ط1 ـ1406هـ ، 1986 م ، تصحيح الحافظ عزيز بيك مدير لجنة أنوار المعارف بحيدر آباد .

( 128 )
خلاصة اليقين بحق علي :
وإنّ تلك الكثرة من الاَدلة الرصينة لا تدع للناظر اليها بعين الانصاف مجالاً للريب في حقّ علي في الخلافة...
لقد أيقن جميع المنصفين بحقّه في الخلافة يقيناً من موقعه الممتاز عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن حياته الخالصة في الاِسلام ، وكذلك كان هو.. فلقد كان ( ع ) في حياة الرسول ( ص ) يقول : «إنّ الله يقول : ( أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ) (1)واللهِ لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، واللهِ لئن مات أو قُتل لاَُقاتِلنَّ على ما قاتل عليه حتّى أموت ، واللهِ إنّي لاَخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي» (2)؟!
لكنّه (أراده حقّاً يطلبه الناس ، ولا يسبقهم إلى طلبه) (3).


* * *

____________
(1) آل عمران 3 : 144 .
(2) المستدرك 3 : 126 ، مجمع الزوائد 9 : 134 وقال : رجاله رجال الصحيح .
(3) العقّاد ، فاطمة الزهراء والفاطميّون .

( 129 )


الخاتمة

هذه هي خلاصة قصّة الخلافة في الاِسلام :
ـ هي شرط لازم لقيام النظام ؛ نظام الدين أو نظام الدنيا ، وشرط لازم لحفظه أيضاً..
ـ وهي قضيّة شرعية ، تولّى الله تعالى بذاته أمرها ، فنصب لعباده أئمّة يهدون إلى سبيله :
( إنّي جاعلك للناس إماماً ).. (1).
( إنّا جعلناك خليفةً في الاَرض فاحكم بين الناس بالحقِّ ).. (2).
( وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا ).. (3).
وأمر عباده بطاعتهم :
( وما أرسلنا من رسول إلاّ ليُطاع بإذن الله ).. (4).

____________
(1) البقرة 2 : 124 .
(2) ص 38 : 26 .
(3) السجدة 32 : 24 .
(4) النساء 4 : 64 .

( 130 )
( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الاَمر منكم ).. (1).
ـ واختار جلّ جلاله لهذه الاَُمّة بعد نبيّه أئمّةً يهدون بهديه ..
أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً..
وجعل الصلاة عليهم واجبةً مع الصلاة على سيّد رسله وخاتم أنبيائه ، بل جعلها جزءاً من شعيرة الصلاة ، فرضاً كانت أو نفلاً ، فلا تقبل الصلاة لمن ترك الصلاة عليهم عامداً..
وجعل الحق معهم ، يدور حيثُ داروا..
وجعلهم مع القرآن ، لا يفارقهم ولا يفارقونه..
وجعل الهداية منوطة باتّباعهم..
فهم الاَئمّة ، سواء أجمع الناس على طاعتهم ، أو أجمعوا على خلافهم ، فالاِجماع لا يغيّر من واقع الاَمر شيئاً.. فهذه قمّة إفِرِستْ أعلى القمم ، فهل صارت أعلى القمم بالاِجماع ، أم لاَن واقعها كذلك ؟ وهل سيغيّر من حقيقة علوّها إجماع أهل الاَرض على أنّ هضبة الجولان هي أعلى القمم ؟
إذا كان ذلك يغيّر من الواقع شيئاً ، فماذا يقال في أنبياء الله الذين أجمعت أقوامهم على تكذيبهم وقتلهم أو إقصائهم ؟!
أمّا «الشورى» في الاِمامة : فقد ثبتت صحّة ما صرّح به القرطبي وابن
____________
(1) النساء 4 : 59 .

( 131 )
كثير من أنّها اُطروحة ابتكرها عمر بن الخطاب قبل وفاته ، وأمر بها ، ولم تكن معروفة قبل ذلك..
كما أثبت البحث التاريخي أنّ عمر إنّما أمر بها ليقطع الطريق على الصحابة الذين عزموا على المبايعة لعليّ عليه السلام بعد وفاة عمر ، فلم يكتف عمر بتقديم اُطروحة الشورى حتّى دعّمها بالتحريض على قتل من بايع لرجل على الطريقة التي تمّت فيها البيعة لاَبي بكر ! بل قتل مَن تتمّ له البيعة كذلك !!


( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا )