كليات في علم الرجال ::: 196 ـ 210
(196)
    وبعبارة اخرى ؛ لا يستفاد منها انهم لا يروون إلا عن ثقة حتى ينتهي السند إلى الإمام. وعلى ذلك فلا يكون رواية اصحاب الاجماع عن شيخ دليلاً على وثاقتة ، فاذا وقع ذلك الشيخ في سند ، وكان الراوي عنه غيرهم لا يحكم بوثاقته ، وصحة السند ، فما اشتهر بين المتأخّرين من تصحيح الاسناد إذا كان الراوي مهملاً بحجة انه من مشايخ اصحاب الاجماع مما لا دليل عليه.
    تفصيل من العلامة الشفتي (1) : قد عرفت أن الكشي ذكر اتفاق العصابة على هؤلاء في مواطن ثلاثة ، وعرفت المحتملات المختلفة حول عبارته المردّدة بين كون المراد : 1 ـ تصديق هؤلاء فيما ينقلون. 2 ـ أو تصحيح صدور رواياتهم من المعصوم لأجل القرائن الداخلية أو الخارجية. 3 ـ أو توثيق مشايخهم إلى أن ينتهي السند ، وعلى كل تقدير المراد من العبارة في المواضع الثلاثة واحد.
    لكن يظهر من المحقّق الشفتي ، التفصيل بين العبارة الأُولى والثانية والثالثة ، بأن المراد من الأُولى هو تصحيح الحديث ومن الأخيرتين توثيقهم وتوثيق مشايخهم إلى آخر السند ، ولاجل ذلك اكتفي في أُولى العبارات بذكر التصديق من دون اضافة قول « تصحيح ما يصحّ » ، دون الاخيرتين. وانما فعل ذلك لأن الطبقة الأُولى يروون من الإمام بلا واسطة ، وهذا بخلاف الواقعين في الثانية والثالثة ، فهم يروون بلا واسطة ومعها.
    وقال في هذا الصدد : « إن نشر الاحاديث لما كان في زمن الصَّادقين ( عليهما السلام ) ، وكانت روايات الطبقة الأُولى من اصحابهما غالباً عنهما من غير واسطة ، فيكفي للحكم بصحة الحديث تصديقهم ، واما المذكورون في الطبقة الثانية والثالثة ، فقد كانوا من أصحاب الصادق والكاظم والرضا ( عليهم السلام ) ، وكانت رواية الطبقة الثانية عن مولانا الباقر ( عليه السلام ) مع
1 ـ البحث عن هذا التفصيل ، كلام معترض واقع بين الوجه الثاني والوجه الثالث للمحدث النوري ، وسيوافيك ثالث الوجوه من أدلّته بعد هذا التفصيل.

(197)
الواسطة ، وكانت الطبقة الثالثة كذلك بالنسبة إلى الصادق ( عليه السلام ) ، ولم يكن الحكم بتصديقهم كافياً في الحكم بالصحة فما اكتفي بالتصديق وأضاف : « اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم » ولما روى كل من في الطبقة الثانية ، عن الصادق ( عليه السلام ) ، والطبقة الثالثة عن الكاظم والرضا ( عليهما السلام ) ، أتى بتصديقهم أيضاً.
    والحاصل ؛ ان التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الائمة ( عليهم السلام ) من غير واسطة والتصحيح إذا كانت معها » (1).
    ولا يخفى أنه تفسير ذوقي لا يعتمد على دليل ، بل الدليل على خلافه ، ففيه :
    أوّلاً : ان ما ذكره من أن رواية الطبقة الأُولى كانت عن الإمام بلا واسطة غالباً ، غير تام ، يعرف بعد الوقوف على مشايخهم في الحديث من أصحاب الائمة المتقدمين كالسجاد ومن قبله :
    وهذا زرارة يروي عن ما يقرب من أربعة عشر شيخاً وهم :
    1 ـ ابو الخطاب 2 ـ بكر 3 ـ الحسن البزاز 4 ـ الحسن بن السري 5 ـ حمران بن أعين 6 ـ سالم بن ابي حفصة 7 ـ عبد الكريم بن عتبة الهاشمي 8 ـ عبدالله بن عجلان 9 ـ عبد الملك 10 ـ عبد الواحد بن المختار الانصاري 11 ـ عمر بن حنظلة 12 ـ الفضيل 13 ـ محمد بن مسلم 14 ـ اليسع (2).
    وهذا محمد بن مسلم يروي عن ستّة مشايخ وهم :
    1 ـ أبو حمزة الثمالي 2 ـ ابو الصباح 3 ـ حمدان 4 ـ زرارة 5 ـ كامل
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 769 ـ بتصرّف يسير.
2 ـ معجم رجال الحديث : 7 / 218 ـ 260 ، الرقم 4663.


(198)
6 ـ محمد بن مسعود الطائي (1).
    وبريد بن معاوية يروي عن شيخ واحد وهو مالك بن اعين (2).
    وهذا الفضيل بن يسار يروي عن شيخين وهما : 1 ـ زكريا النقاض 2 ـ عبد الواحد بن المختار الانصاري (3).
    وهذا معروف بن خرّبوذ يروي عن شيخين وهما : 1 ـ أبو الطفيل 2 ـ الحكم بن المستور (4).
    وهذا ابو بصير الاسدي ( يحيى بن القاسم أو ابي القاسم ) يروي عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم (5).
    ومع ذلك كيف يمكن أن يقال إن مروياتهم عن الائمة بلا واسطة غالباً.
    وثانياً : لو كان المراد ما ذكره لوجب عليه التصريح بذلك ، فان ما ذكره ليس أمراً ظاهراً متبادراً من العبارة ، والظاهر في الجميع تصديقهم فيما يقولون ويحكون.
    الوجه الثالث : إن جماعة من الرواة وصفوا في كتب الرجال بصحة الحديث ، كما نجده في حق الافراد التالية :
    1 ـ إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي ، روى عن أبي عبدالله وأبي
1 ـ معجم رجال الحديث : 17 / 262 ـ 286 ، الرقم 11780 و 11783.
2 ـ معجم رجال الحديث : 3 / 277 و 278 و 280 ، و 287 ، الرقم 1166 و 1174.
3 ـ معجم رجال الحديث : 13 / 362 ـ 368 ، الرقم 9437.
4 ـ معجم رجال الحديث : 18 / 231.
5 ـ معجم رجال الحديث : 18 / 262 ـ 265 ، الرقم 12483 ـ وجامع الرواة : ج 2 ، باب حدود الزنا ، وأيضاً في معجم رجال الحديث : 13 / 166 ـ 167 في ترجمة عمران بن ميثم : روى محمد بن يعقوب بسنده عن ابي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم.


(199)
الحسن ( عليهما السلام ) ، ثقة ، صحيح الحديث.
    2 ـ ابو عبدالله أحمد بن الحسن بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار الكوفي ، ثقة ، صحيح الحديث.
    3 ـ ابو حمزة انس بن عياض الليثي ، ثقة ، صحيح الحديث.
    4 ـ ابو سعيد جعفر بن أحمد بن ايوب السمرقندي ، صحيح الحديث.
    5 ـ الحسن بن علي بن بقاح الكوفي ، ثقة مشهور ، صحيح الحديث.
    6 ـ الحسن بن علي بن النعمان الأعلم ، ثقة ، ثبت ، له كتاب نوادر ، صحيح الحديث.
    7 ـ سعد بن طريف ، صحيح الحديث.
    8 ـ ابو سهل صدقة بن بندار القمّي ، ثقة ، صحيح الحديث.
    9 ـ ابو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح ، روى عن الرضا ( عليه السلام ) ، ثقة ، صحيح الحديث.
    10 ـ ابو الحسن علي إبراهيم بن محمد الجواني ثقة ، صحيح الحديث.
    11 ـ النضر بن سويد الكوفي ، ثقة ، صحيح الحديث.
    12 ـ يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي ثقة ثقة ، صحيح الحديث.
    13 ـ ابو الحسين محمد بن جعفر الاسدي الرازي ، كان ثقة ، صحيح الحديث.
    هؤلاء الجماعة عرّفوا في كتب الرجال بصحة الحديث ، ولا يمكن الحكم بصحة حديث راو على الاطلاق ، إلا من جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلى


(200)
المعصوم ، واحتمال كونه من جهة القرائن فاسد كما مرّ ، ولا فرق بينهم وبين اصحاب الاجماع إلا من جهة الاجماع في هؤلاء دونهم ، وهم جماعة أيضاً كما عرفت (1).
    أقول : أما دلالة لفظة « صحيح الحديث » على وثاقة نفس هؤلاء فممّا لا يخفى على أحد ، وقد عدَّه الشهيد الثاني من الالفاظ الدالة على الوثاقة. قال في بداية الدراية وشرحها : « قوله : وهو صحيح الحديث ، يقتضي كونه ثقة ضابطاً ففيه زيادة تزكية ». أضف اليه انه غير محتاج اليه ، لوجود لفظ « ثقة » في ترجمة هؤلاء إلا في مورد السمرقندي وابن طريف. انما الكلام في دلالته على وثاقة مشايخهم سواء كانت بلا واسطة أو معها. فقد اختار المحدث النوري دلالتها على وثاقة المشايخ عامة.
    ولكن إنما يتمّ ما استظهره من قولهم « صحيح الحديث » إذا لم تكن قرينة على كون المراد صحّة أحاديث كتبه ، لا وثاقة مشايخه ، كما ورد في حق الحسين بن عبيدالله السعدي « له كتب صحيحة الحديث » فلا بدّ من الحمل على الموجود في الكتاب ، ومثله إذا قال : « كان ثقة في الحديث إلا انه يروي عن الضعفاء » كما ورد في حقّ ابي الحسين الاسدي (2).
    ولا يخفى انه لو ثبت ما يدَّعيه ذلك المحدث ، لزم تعديل كثير من المهملين والمجهولين ، فتبلغ عدد المعدَّلين بهذه الطريقة إلى مبلغ كبير والاعتماد على ذلك مشكل جدّاً.
    أما أولاً : فلأن صحة الحديث كما تحرز عن طريق وثاقة الراوي ، تحرز عن طريق القرائن الخارجية ، فالقول بأن احراز صحة احاديث هؤلاء كانت مستندة إلى وثاقة مشايخهم فقط ، ليس له وجه ، كالقول بأن احرازها كان
1 ـ مستدرك الوسائل : 1 / 769 بتصرّف يسير.
2 ـ لاحظ مستدرك الوسائل : 3 / 770.


(201)
مستنداً إلى القرائن ، بل الحق ان الاحراز كان مستنداً إلى الوثاقة تارة وإلى القرائن أخرى ، ومع هذا العلم الاجمالي كيف يمكن احراز وثاقة المشايخ. بصحة الاحاديث مع أنها أعم منها.
    وثانياً : إن اقصى ما يمكن ان يقال ما افاده بعض الاجلة من التفصيل بين الاكثار عن شيخ وعدمه ، فاذا كثر نقل الثقة عن رجل ، ووصف احاديث ذلك الثقة بالصحة ، يستكشف كون الاحراز مستنداً إلى وثاقة الشيخ ، إذ من البعيد احراز القرينة في واحد واحد من المجموعة الكبيرة من الاحاديث ، وهذا بخلاف ما إذا قلّ النقل عنه ووصف احاديثه بالصحة ، فمن الممكن جدّاً احراز القرينة في العدد القليل من الاحاديث.
    هذا كله لو قلنا بأن الصحة من اوصاف المتن والمضمون ، وإلا فمن الممكن القول بانها من أوصاف نفس النقل والتحدث والحكاية ، وان المقصود منها كونه صدوقاً في النقل وصادقاً في الحكاية في كل ما يحكيه ، كما ذكرناه في أصحاب الاجماع فلاحظ.
    ثم ان الذي يدفع الاحتمال الثاني للمعنى الثاني رواية اصحاب الاجماع عن الضعفاء والمطعونين ، ومعها كيف يمكن القول بأنهم لا يروون إلا عن الثقة واليك بعض ما يدل على المقصود.
    1 ـ روى الكليني في « باب من أوصى وعليه دين » وكذا في « باب اقرار بعض الورثة بدين في كتاب الميراث » عن جميل بن دراج ، عن زكريا بن يحيى الشعيري ، عن الحكم بن عتيبة (1) وقد ورد عدّة روايات في ذمّه (2).
    2 ـ حكى الشيخ في الفهرست أن يونس بن عبد الرحمن روى كتاب
1 ـ جامع الرواة : 1 / 266.
2 ـ لاحظ رجال الكشي : 137.


(202)
« عمرو بن جميع الازدي البصري قاضي الري » (1) وقد ضعفه الشيخ والنجاشي (2).
    وسيوافيك بعض القول في ذلك عند الكلام في أن ابن ابي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فانتظر.
1 ـ الفهرست للشيخ : 111.
2 ـ رجال الشيخ : 249 ، رجال النجاشي : 205.


(203)
    * محمد بن أبي عمير.
    * صفوان بن يحيى.
    * أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.



(204)

(205)
    قد عرفت التوثيق ينقسم إلى توثيق خاص ، وتوثيق عام. فلو كان التوثيق راجعاً إلى شخص معين ، فهو توثيق خاص ، ولو كان راجعاً إلى توثيق عدة تحت ضابطة فهو توثيق عام / وقد عد من الثاني ما ذكر الكشي حول جماعة اشتهرت بأصحاب الإجماع ، وقد عرفت مدى صحته وأن العبارة لا تهدف إلا إلى وثاقتهم ، لا إلى صحة أخبارهم ، ولا إلى وثاقة مشايخهم.
    ومن هذا القبيل ما اشتهر بين الاصحاب من ان محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فيترتب على ذلك أمران :
    1 ـ ان كلّ من روى عنه هؤلاء فهو محكوم بالوثاقة ، وهذهِ نتيجة رجاليّة تترتب على هذهِ القاعدة.
    2 ـ إنّه يؤخذ بمراسيلهم كما يؤخذ بمسانيدهم وان كانت الواسطة مجهولة ، أو مهملة ، أو محذوفة ، وهذه نتيجة اصولية تترتب عليها ، وهي غير النتيجة الأُولى.
    ثم ان جمعاً من المحقّقين القدامى والمعاصرين ، قد طرحوا هذه القاعدة على بساط البحث فكشفوا عن حقائق قيمة. لاحظ مستدرك الوسائل ( ج 3 ،


(206)
ص 648 ـ 655 ) ومعجم رجال الحديث ( ج 1 ، ص 63 ـ 69 ) ومشايخ الثقات ( هو كتاب قيم اُلف حول القاعدة وطبع في 306 صفحات والكتاب كله حول القاعدة وفروعها ) ومعجم الثقات ( ص 153 ـ 197 ).
    وفيما أفاده بعض الاجلة في دروسه الشريفة غنى وكفاية فشكر الله مساعيهم الجميلة. ونحن في هذا نستضيء من أنوار علومهم. رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الباقين منهم.
    فنقول : الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ في « العدة » حيث قال : « وإذا كان أحد الراويين مسنداً والاخر مرسلاً ، نظر في حال المرسل ، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، بين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم ، فأما إذا لم يكن كذلك ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة فأنه يقدم خبر غيره عليه ، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به » (1). غير ان تحقيق الحال يتوقف على البحث عن هذه الشخصيات الثلاث واحداً بعد واحد واليك البيان.

    1 ـ ابن أبي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ )
    قد يعبر عنه بابن عمير تارة ، وبمحمد بن زياد البزاز أو الأزدي اخرى ، وبمحمد بن أبي عمير ثالثة.
    وقد عرفت انه يترتب على تلك الدعوى نتيجتان مهمتان ، فلاجل ذلك
1 ـ عدة الأُصول : 1 / 386 من الطبعة الحديثة.

(207)
نقدم لتحقيقها اموراً :
    الأول : ان ابن أبي عمير كما قال النجاشي : « هو محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى ، أبو أحمد الأزدي من موالي المهلب بن أبي صفرة ، بغدادي الاصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) وسمع منه أحاديث ، كناه في بعضها فقال : يا أبا أحمد ، وروي عن الرضا ( عليه السلام ) ، جليل القدر ، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين ، الجاحظ يكحي عنه في كتبه. وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وقال في « البيان والتبيين » : حدثني إبراهيم بن داحة عن ابن أبي عمير ، وكان وجهاً من وجوه الرافضة ، وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل انه ولي بعد ذلك ، وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة ، وأصحاب موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وروي انه ضرب أسواطاً بلغت منه إلى حد كاد ان يقر لعظيم الالم. فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول : اتق الله يا محمد بن أبي عمير ، فصبر ، ففرج الله عنه ، وروي أنه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد ، وقيل : ان اخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدث من حفظه ، ومما كان سلف له في أيدي الناس ، ولهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله وقد صنف كتباً كثيرة. ثمَّ نقل النجاشي عن أحمد بن محمّد بن خالد أنّ ابن أبي عمير صنّف أربعة وتسعين كتاباً منها المغازي ـ إلى ان قال : مات سنة سبع عشرة ومائتين » (1).
    وقال الشيخ في الفهرست : « كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكاً ، وأورعهم وأعبدهم ، وقد ذكره الجاحظ في كتابه « فخر قحطان على عدنان » ... انه كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها وأدرك من
1 ـ رجال النجاشي : 326 ، رقم الترجمة 887.

(208)
الأئمة ثلاثة : أبا إبراهيم موسى ( عليه السلام ) ولم يرو عنه. وأدرك الرضا ( عليه السلام ) وروى عنه. والجواد ( عليه السلام ). وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كتب مائة رجل من رجال الصادق ( عليه السلام ) » (1).
    الثاني : ان شهادة الشيخ على التسوية ، لا تقصر عن شهادة الكشي على إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ، فلو كانت الشهادة الثانية مأخوذاً بها ، فالأُولى مثلها في الحجية.
    وليس التزام هؤلاء بالنقل عن الثقات أمراً غريباً ، إذ لهم نظراء بين الأصحاب ـ وسيوافيك بيانهم ـ أمثال : أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، وجعفر بن بشير البجلي ، ومحمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني ، وعلي بن الحسن الطاطري ، والرجالي المعروف : النجاشي ، الذين اشتهروا بعدم النقل إلا عن الثقة.
    واما اطلاع الشيخ على هذه التسوية ، فلأنه كان رجلاً بصيراً بأحوال الرواة وحالات المشايخ. ويعرب عن ذلك ما ذكره في العدة عند البحث عن حجية خبر الواحد حيث قال :
    « انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذة الاخبار ، فوثقت الثقات منهم ، وضعفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم. وقالوا وفلان متهم في حديثه ، وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، فلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها » (2).
    وهذه العبارة ونظائرها ، تعرب عن تبحر الشيخ في معرفة الرواة وسعة
1 ـ الفهرست : 168 ، رقم الترجمة 618.
2 ـ عدة الاصول : 1 / 366 ، من الطبعة الحديثة.


(209)
اطلاعه في ذلك المضمار ، فلا غرو في ان يتفرد بمثل هذه التسوية ، وان لم ينقلها أحد من معاصريه ، ولا المتأخرون عنه إلى القرن السابع إلا النجاشي ، فقد صرح بما ذكره في خصوص ابن أبي عمير من الرجال الثلاثة ، كما عرفت.
    وعلى هذا فقد اطلع الشيخ على نظرية مجموعة كبيرة من علماء الطائفة وفقهائهم في مورد هؤلاء الثلاثة وانهم كانوا يسوُّون بين مسانيدهم ومراسيلهم ، وهذا يكفي في الحجية ، ومفادها توثيق جميع مشايخ هؤلاء ، قد عرفت انه لا يحتاج في التزكية إلى ازيد من واحد أو اثنين ، فالشيخ يحكي اطلاعه عن عدد كبير من العلماء ، يزكون عامة مشايخ ابن أبي عمير ، ولاجل ذلك يسوّون بين مراسيله ومسانيده.
    والسابر في فهرست الشيخ ورجاله يذعن باحاطته بالفهارس وكتب الرجال ، وأحوال الرواة ، وانه كانت تحضره مجموعة كبيرة من كتب الرجال والفهارس وكان في نقضه وابرامه وتعديله وجرحه ، يصدر عن الكتب التي كانت تحضره ، أو الآراء والنظريات التي كان يسمعها من مشايخه واساتذته.
    نعم نجد التصريح بالتسوية من علماء القرن السابع إلى هذه الاعصار فقد اتى المحدث المتتبع النوري باسماء وتصريحات عدة من هذه الثلة ممن صرحوا بالقاعدة ، ونحن نأتي بما نقله ذلك المتتبع ، بتصريف يسير ، مع تعيين مصادر النقل بقدر الامكان.
    1 ـ قال السيد علي بن طاووس ( المتوفّى عام 664 هـ ، في فلاح السائل بعد نقل حديث عن امالي الصدوق ، بسند ينتهي إلى محمد بن أبي عمير ، عمن سمع أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : ما احب الله من عصاه ... ) : « رواة الحديث ثقات بالاتفاق ومراسيل محمد بن ابي عمير كالمسانيد عند اهل الوفاق » ويأتي خلاف ذلك من اخيه ، جمال الدين السيد أحمد بن طاووس


(210)
( المتوفّى عام 673 هـ ) فانتظر.
    2 ـ قال المحقق في المعتبر في بحث الكر : « الثالثة : رواية محمد بن ابي عمير عن بعض اصحابنا ، عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الكر ألف ومائتا رطل ، وعلى هذه عمل الأصحاب ولا طعن في هذه بطريق الإرسال ، لعمل الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير » (1).
    3 ـ وقال الفاضل الآبي في كشف الرموز الذي هو شرح للمختصر النافع في رواية مرسلة لابن أبي عمير : « وهذه وان كانت مرسلة ، لكن الأصحاب تعمل بمراسيل ابن ابي عمير ، قالوا : لانه لا ينقل إلا معتمداً » (2).
    وممن صرح بصحة القاعدة من علماء القرن الثامن :
    4 ـ العلاّمة في النهاية قال : « الوجه المنع إلا إذا عرف ان الراوي فيه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن ابي عمير في الرواية ».
    5 ـ وعميد الدين الحلي ابن اخت العلامة الحلي وتلميذه ( المتوفّى عام 754 هـ ) في كتابه « منية اللبيب في شرح التهذيب » المطبوع في بلاد الهند.
    قال في بحث المرسل : « واختيار المصنف المنع من كونه حجة ما لم يعلم انه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن أبي عمير من الامامية ».
    6 ـ وقال الشهيد ( المتوفّى 786 هـ ) في الذكرى في احكام اقسام الخبر : « أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح ، ولهذا قبلت الأصحاب
1 ـ المعتبر : 1 / 74 ، الطبعة الحديثة.
2 ـ والفاضل الآبي هو حسن بن ابي طالب المعروف بالآبي تارة ، وابن الزينب أُخرى من اجلاء تلاميذ المحقق ، وقد فرغ من شرح كتاب استاذه ( المختصر النافع ) عام 672 هـ ، وله آراء خاصة في الفقه ، منها :
الف ـ انه لا تجوز الزيادة في النكاح على الاربع دائماً كان العقد أو انقطاعاً.
ب ـ القول بالمضائقة في القضاء.
ج ـ انه لا يصح الاداء مع وجود القضاء في الذمة.
كليات في علم الرجال ::: فهرس