الفصل الثاني

وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومراحلهما

المبحث الاَول
وسائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وكما ذكرنا غير مرة فإنّ مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية عظيمة وشاقة لاَنّها تصطدم بالاهواء والشهوات التي أصبحت جزءاً من كيان الكثير من الناس ، وتصطدم بالاعتزاز بالقيم السائدة الموروثة والطارئة وما يتلبس بها من مصالح مادية ونفعية ، وتصطدم مع أعداء الاِسلام الذين يرفضون الهداية ويكيدون لمن حمل لواءها ، وتصطدم مع ما يحمله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من رغبات في حب الراحة ، والخلود إلى الرخاء ؛ لذا فالاُسلوب الاَفضل لانجاح هذه المسؤولية هو تكوين الكتلة الصالحة كما يعبّر عنها القرآن الكريم : (وَلتَكُن مِّنكُم أُمّةٌ يَدعُونَ إلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ


( 50 )

وأُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ ) (1).
فالمسؤولية بحاجة إلى تجميع الطاقات وتكثيف الجهود ، وتنسيق الخطط والبرامج ، وتنظيم الاَعمال ، وتوزيع المسؤوليات ، ولا يتم ذلك إلاّ عبر تكوين الاُمّة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر .
وبتكوين هذه الاُمّة أو الجماعة ، التي ينبغي أن تكون لافرادها الخبرة بأحوال المجتمع المراد اصلاحه وتغييره ، من حيث الافكار والعادات والتقاليد ، ومن حيث الاطلاع على الاشخاص والوجودات المؤثرة في حركة المجتمع، وعلى الحالة النفسية التي يعيشها المجتمع ازاء القضايا والاَحداث .
وبهذه الخبرة يتم اختيار الوسائل المنسجمة مع الاوضاع ، ومع الاَشخاص، فيتخذ كل فرد من أفراد الاُمّة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر الوسيلة المناسبة المنسجمة مع طاقاته وامكانياته ، ومع المستويات المراد اصلاحها وتغييرها ، ويغيّر الوسائل من ظرف لآخر ، ومن محيط لآخر ، أو ينوع الوسائل مع المراد اصلاحهم وتغييرهم ، تبعاً لاختلاف الامزجة ، واختلاف مستويات التلقي والقبول ، واختلاف الاَجواء .
ولهذا تعددت وسائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أهم هذه الوسائل :

أولاً : اُسلوب الخطاب :

إنّ آيات القرآن الكريم والسُنّة النبوية حافلة بالخطابات ، والبيانات التي تخاطب العقول ، وتخاطب المشاعر ، وتخاطب الارادة ، لتنفتح أمام
____________
1) سورة آل عمران : 3 / 104 .

( 51 )

الحقائق وأنوار الهداية ، وتستجيش عناصر الخير والصلاح ، وتطارد عناصر الشر والانحراف ، وتستثير حالة الحذر من مزالق الشيطان والنفس الامارة بالسوء .
ففي بداية الدعوة الاِسلامية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشيرته الاقربين وكانوا يومئذٍ أربعين رجلاً وقال : « يا بني عبدالمطلب ، اني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه... » (1).
ثم صدع بأمر الدعوة ، وكان يخاطب المشركين في أماكن تجمعهم ، وفي المسجد الحرام ، يدعوهم إلى التوحيد وإلى اصلاح نفوسهم وأعمالهم .
وكان يخاطب القبائل في منازلهم ، ونواديهم التي يجتمعون فيها ، وهكذا استمر في استخدام هذه الوسيلة بعد قيام الدولة الاسلامية .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلّمهم موارد المعروف وموارد المنكر ، ثم يحثّهم على الالتزام بالمعروف ، والانتهاء عن المنكر ، ويتابعهم في سيرتهم ، ويستطلع قربهم وبعدهم عمّا دعاهم إليه .
وكان للمنبر دور في تهيئة الاَجواء لممارسة الخطابات النبوية ، ولا زال إلى يومنا هذا .
واستمر أهل البيت عليهم السلام على هذا النهج في استخدام الخطاب لتعليم الناس وارشادهم وحثهم على تبني المفاهيم السليمة وممارسة الاعمال
____________
1) تاريخ الطبري 2 : 319 .

( 52 )

الصالحة .
والخطاب أهم وسيلة لتحريك العقل الجمعي وتوجيهه الوجهة الصالحة ، وبه يتم اللقاء بأكبر عدد من الناس .
ويمكن عن طريقه ممارسة بقية الوسائل الاصلاحية الاُخرى ، فهو شامل لها جميعاً ومتنوعاً بتنوعها .

ثانياً : القصص :

القصص بطبيعتها تشد المستمع إليها وتجعله متعلقاً بسمعه ووجدانه بفصولها ، متتبعاً لاحداثها وتسلسلها المنتظم ، وتجعله دائم التأمل في مفاهيمها ومعانيها ، والتأثر بأبطالها وشخصياتها ، وتبقى عالقة في ذهنه ووجدانه ؛ لسهولة حفظها ونقلها .
وقد حفلت الآيات القرآنية باحسن القصص منذ النشأة الاولى للبشرية، وتطرقت إلى قصص الانبياء والصالحين وخصومهم واعدائهم ، وإلى مواقفهم وممارساتهم العملية ، وما قدّموه للبشرية من أعمال في طريق هدايتها .
وللقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكّر ، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في الواقع ، قال تعالى : ( ... فَاقصُصِ القَصَصَ لَعلّهُم يَتَفكَّرُونَ)(1).
ولكلِّ نبي ورسول قصصاً في مسيرته إلى الله تعالى ، لها دور في ارشاد الناس واصلاحهم ، لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة في جميع مجالات
____________
1) سورة الاَعراف : 7 | 176 .

( 53 )

الحياة الفردية والاجتماعية ، وفي جميع مجالات النفس الانسانية في أفكارها وعواطفها وارادتها .
ولو تابعنا قصة يوسف عليه السلام ـ مثلاً ـ لوجدناها حياة واقعية كاملة ، ابتداءً بحسد اخوانه له ؛ لتفضيل أبيه له عليهم ، وتحوّل الحسد إلى حقد ثم تآمر على يوسف ، ثم الكذب على أبيهم ، وإلقائه في البئر . فيتوجه يوسف ـ وهو في هذه الحال ـ بكل كيانه إلى الله تعالى ، فينقذه مما هو فيه ، ويعيش الغربة والفراق صابراً ، ثم تتسلسل القصة وتصل إلى رفض الانسياق للشهوة ، والاعتصام من الانحراف ، وتحمّل السجن ، وفي داخل السجن يبقى متعلقاً بالله تعالى طالباً منه العون ، ثم تنفتح له الحياة فيصبح في مقام حكومي عالٍ ، ويعفو عن اخوانه ويجمع الله تعالى شمله مع والديه .
وهنالك قصص من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في الاخلاص لله تعالى ، والصبر على المصائب ، والعمل من أجل المصلحة الاِسلامية الكبرى ، وحسن الخلق مع الموالين والمخالفين ، وهي بنفسها أمر بمعروف ونهي عن منكر .

ثالثاً : الاَمثال :

استخدم القرآن الكريم ضرب الاَمثال كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الهداية وإلى الاستقامة ، والحث على الالتزام بأوامر الله ونواهيه ، قال تعالى : ( ... وَيَضربُ اللهُ الاَمثالَ لِلنّاسِ لَعلّهُم يَتَذكَّرُونَ ) (1).
فقد مثَّل القرآن الكريم الذين اتخذوا من دون الله أولياء في عقيدتهم
____________
1) سورة إبراهيم : 14 / 25 .

( 54 )

ومنهجهم في الحياة ( كَمَثَلِ العَنكبُوتِ اتَّخذَت بَيتاً وإنَّ أوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ ) (1).
وضرب الله تعالى مثلاً للموحدين لله تعالى ولغير الموحدين التائهين في التوجيهات المتناقضة ( ضَرَبَ اللهُ مَثلاً رَّجُلاً فيهِ شُركاءُ مُتَشاكِسُون وَرَجُلاً سَلَماً لِرجُلٍ هَل يَستَويانِ مَثَلاً الحَمدُ للهِ بَل أكثرُهُم لا يَعلمُونَ ) (2).
وضرب الله مثلاً في عبد أتاه الله الآيات فانسلخ منها واستسلم للشيطان : ( وَلَو شِئنَا لَرَفعنَاهُ بِهَا وَلَكنَّهُ أخلَدَ إلى الاَرضِ واتَّبعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إن تَحمِل عَليهِ يَلهَث أو تَترُكْهُ يَلهَث ذَلكَ مَثلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا... ) (3).
ومثَّل القرآن الكريم العلماء الذين لم يجسّدوا علومهم في سلوكهم العملي بالحمار يحمل اسفاراً : ( مَثَلُ الَّذينَ حُمّلوا التَوراةَ ثُم لَم يَحمِلُوها كَمَثلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أسفاراً... ) (4).
والقرآن الكريم مليء بالاَمثال ، وكذا السيرة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام .
وضرب الاَمثال يقرّب المعنى إلى الاذهان ويجعله متفاعلاً في الضمير والوجدان البشري ، وهو سهل الحفظ والنقل ، وله تأثير محسوس على جميع مقومات الشخصية ، لذا استخدم كوسيلة من وسائل الاَمر
____________
1) سورة العنكبوت : 29 / 41 .
2) سورة الزمر : 39 / 29 .
3) سورة الاَعراف : 7 / 176 .
4) سورة الجمعة : 62 / 5 .

( 55 )

بالمعروف والنهي عن المنكر .

رابعاً : العبرة والموعظة :

المنهج الاِسلامي يتّخذ من العبرة والموعظة مادة تنبيه وتوجيه وتنوير للعقل والقلب ، تُستلخص منها المفاهيم والقيم الكامنة وراء المواقف والحوادث التاريخية المتسلسلة ، فهو يستحضرها ليعمّقها في أغوار النفس الانسانية .
وبالعبرة والموعظة يعي الاِنسان مداولة الاَيام ، وتعاقب الشدة والرخاء، وأسباب التقدم والتأخر للمجتمعات والحضارات وهي تربية للنفوس واعداد لها لشق طريقها متوجهة إلى الله تعالى .
وبالعبرة والموعظة يرتدع الاِنسان عن الانحراف والرذيلة وانتهاك المقدسات ، وينطلق لاصلاح نفسه ومجتمعه ، حينما يرى مسيرة الاُمم السابقة ، فقد أغرق الله تعالى قوم نوح ونجّى المؤمنين ، وعذّب قوم لوط وأهلكهم ، وأهلك ملوكاً واستخلف آخرين .
ومن مظاهر الموعظة التذكير بالموت والهلاك ، والتذكير بما يصيب الاُمم المتمردة على المنهج الالهي من قلق واضطراب عقلي ونفسي ومن نقص في الثمرات والانفس .
والقرآن الكريم والسُنّة النبوية وامتدادها في أهل البيت عليهم السلام مليئة بالعبر والمواعظ ، وقد ورد في نهج البلاغة كثير منها فكان عليه السلام يدعو للاعتبار بالانبياء والصالحين ، وبالاقوام السالفة ، ويحذّر المسلمين مما أصاب الاقوام المتمردة على طول التاريخ .


( 56 )

خامساً : التمثيل العملي :

التمثيل العملي يوصل المفاهيم والافكار إلى العقول أو يقرّبها إليها ، ويوصل القيم كذلك ، والناس يتفاعلون مع المظاهر الحسيّة أكثر من المفاهيم النظرية ، اضافة إلى ذلك فان التمثيل العملي يستشري في المجتمع أكثر فأكثر عن طريق الانتقال من لسان إلى لسان ، ومن محفل لآخر .
ومن الاَمثلة على ذلك قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه ، فحينما كسَّر الاصنام وضع المعول في رقبة صنم كبير ، فلما جاء المشركون واجتمع الناس معهم : ( قَالُوا أأنتَ فَعلتَ هَذا بآلِهَتِنا يَا إبراهيمُ * قَالَ بَل فَعلَهُ كَبِيرُهُم هَذا فاسألُوهُم إن كانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلى أنفُسِهِم فَقَالوا إنّكُم أنتُمُ الظَّالِمُونَ )(1).
وبهذه العملية استطاع إبراهيم عليه السلام ان يشككهم في معتقداتهم ، حينما أيقنوا أنّ الاَصنام لا تنطق ولا تضرّ ولا تنفع .
وعن الامام الصادق عليه السلام قال : « إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بأرض قرعاء ، فقال لاَصحابه : ائتوا بحطب ، فقالوا : يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ، قال : فليأت كل إنسان بما قدر عليه ، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه ، بعضه على بعض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هكذا تجتمع الذنوب ، ثم قال : إيّاكم والمحقّرات من الذنوب ، فإنّ لكلِّ شيء طالباً ، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين » (2).
____________
1) سورة الانبياء : 21 / 62 ـ 64 .
2) الكافي 2 : 288 .

( 57 )

وقد يدخل الفن والتمثيل المسرحي والسينمائي في هذه الوسيلة ، لذا نجد ان أعداء الاِسلام استخدموها للتشكيك في العقيدة الاِسلامية واشاعة الفساد الاخلاقي في مجتمعاتنا .

سادساً : الحوار :

الحوار من الوسائل المفضلة في أداء مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فبه يتم إيقاظ العقول والقلوب ، وتحريك العواطف والمشاعر ، وخصوصاً لمن يبحث عن الحقيقة ، فهو يساعد على معرفة مستويات المشاركين في الحوار ، وما يطرحونه من شبهات فكرية وسلوكية ، فيطالب المحاور غيره بالحجّة والدليل ، ويعلّمه في الوقت نفسه طريقة الاستدلال الصحيح ، ويأخذ عليه طريق الادعاء بلا بينة أو ببينة مضطربة .
وينبغي أن يكون الحوار في مفهوم أو موقف واقعي ، لا في الاَلفاظ والتعاريف ، وان يبدأ الحوار من القضايا المشتركة ثم إلى القضايا المختلف فيها .
والحوار وسيلة استخدمها جميع الانبياء والمرسلين في مسيرتهم ، كحوار نوح عليه السلام مع قومه ، وإبراهيم عليه السلام مع النمرود ، وموسى عليه السلام مع فرعون، وعيسى عليه السلام مع بني اسرائيل ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين من قريش ومن أهل الكتاب ، ومع المسلمين أنفسهم ، وأهل البيت عليهم السلام مع حكّام زمانهم ومع أئمة المذاهب الاُخرى .
وقد دعا القرآن الكريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحوار مع الآخرين بطريقة


( 58 )

( ادعُ إلى سَبِيلِ رَبّكَ بِالحِكمةِ والموعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالتي هِيَ أحسَنُ )(1)
والحوار يختلف حسب اختلاف المعتقدات ، فهو يتركّز على المفاهيم والافكار مع غير المسلمين ، وعلى اثارة العواطف مع المسلمين الذين آمنوا بالاسلام فكراً وعاطفة وسلوكاً .
فقد كان حوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين حول التوحيد والنبوّة واليوم الآخر ، أمّا حواره مع المسلمين فقد كان حول الممارسات العملية باثارة عواطفهم اتجاه الافكار والمفاهيم الاِسلامية لتجسيدها في الواقع العملي ، فحينما وزّع صلى الله عليه وآله وسلم الاموال على المؤلفة قلوبهم ، اعترض الانصار وكثر الكلام ، فحاورهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً : « أما ترضون أن يذهب الناس بالاَموال ، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم... لولا الهجرة لكنت أمرأً من الاَنصار... » ، فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا بالله ربّاً ورسوله قسماً (2).

سابعاً : الاقتداء :

من الثوابت في حركة الناس أنّهم يقتدون بمن له القدرة على التأثير على عقولهم وقلوبهم وإراداتهم ، وأصحاب القدرة هم الشخصيات التي يحترمهم الناس ، ويكرمونهم ، ويبجّلونهم ، وهم الطبقة العليا في المجتمع ، كالرؤساء والقادة وجميع من يتصدر المناصب الحساسة السياسية والدينية والاجتماعية .
____________
1) سورة النحل : 16 | 125 .
2) صحيح البخاري 4 : 37 باب مناقب الاَنصار .

( 59 )

والاقتداء بالاسلاف أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا ؛ لاَنّ الناس يتأثرون بالتراث الفكري والسلوكي لاَسلافهم .
وإذا كانت الشخصية المؤثرة تتصف بصفات فريدة ونادرة فإنّها تساعد على تشبّه الناس بها في جميع المقومات إلى أن يصل الاَمر إلى التشبّه بها في المظاهر الخارجية كاللباس وطريقة العيش .
ويمكن للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بواجبه من خلال دعوته الصامتة ليقتدي به المجتمع في أقواله وأفعاله ، إن كان يملك الموقع الذي يؤهله للتأثير .
فحينما يجد أفراد المجتمع القدوة الصالحة فإنّهم يقتبسون منه مايمارسه من أعمال وأفعال ، ويتشبهون به ، ويحاكونه في سيرته ليصبح الاقتباس والتشبّه والمحاكاة تقليداً ؛ في علاقته بالله تعالى ، وفي ارتباطه بالقرآن وولائه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، وفي زهده وتقواه وتواضعه وصدقه وايثاره .
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « من نصَّب نفسه للناس إماماً ، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه » (1).
وكلّما ازداد عدد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، حتى إذا كانوا أُمّة وجماعة ، فإنّ الاقتداء بهم سيكون آكد وأشدّ .
وخير أُسلوب لتعميق الاقتداء هو الترويج المتزايد والمستمر لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام والسلف الصالح من أتباعهم .
____________
1) شرح نهج البلاغة 18 : 220 .

( 60 )

المبحث الثاني
مراحل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر

المرحلية سنّة تاريخية أودعها الله تعالى في الكون والحياة والمجتمع ، فكل أمر وظاهرة لا تتم إلاّ عن طريق المراحل ، والتدرج في النشوء ، والتكوين ، والترعرع ، والاستمرار في الوجود باتجاه السمو والارتقاء .
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يخضع لهذه السُنّة ، فقد قام بادائه الاَنبياء والمرسلون على مراحل من حيث اللين والشدّة ، والاندفاع والانكماش ، والاساليب والوسائل .
وتختلف مظاهر المرحلية باختلاف الظروف التي يعيشها المجتمع من حيث درجات القرب والبعد عن المفاهيم والقيم الاِسلامية وباختلاف الامكانيات والطاقات التي تملكها الاُمّة والجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، وباختلاف المؤهلات التي يتصف بها المنضوون تحت لوائها ، وطبيعة الانحراف الذي تواجهه ، وخصائص المخالفين والمعارضين ـ للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كماً ونوعاً ، اضافة إلى الزمن المستغرق في اداء التكليف للوصول إلى الهدف .
وسنستعرض مراحل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن مجموعتين هما :

أولاً : المراحل الوقائية :

ويتم العمل بها ابتداءً ، بدعوة غير المسلمين إلى الاِسلام ، أو دعوة المسلمين إلى التمسك بما آمنوا به من مفاهيم وقيم ، ومن خلالها يتم


( 61 )

تقرير مبادئ الاِسلام في واقع الحياة بصورة عملية منظورة ومحسوسة عن طريق :
1 ـ تفنيد أُسس المفاهيم والعقائد الجاهلية : إنّ غريزة التديّن من الغرائز المشتركة بين جميع الاجناس البشرية ، وان الاهتمام بمعنى الاِله وبما فوق الطبيعة هو (احدى النزعات العالمية الخالدة للانسانية) (1).
وتختلف مظاهر هذا التدين من انسان إلى آخر ومن مجتمع لآخر . ومن يؤمن بالخالق بالكيفية التي ورثها أو اقتبسها ، فإنّه يشعر بالانتماء ، فيكون عقله وقلبه مشدودين لهذا الاِيمان وان كان خاطئاً ، ولهذا يصعب ابعاده عن إيمانه في الوهلة الاُولى ، وهو بحاجة إلى تفنيد تصوراته الخاطئة ، ومتبنياته العقائدية الواهية ، عن طريق الاَدلة والبراهين والحجج، وتبيان نقاط الضعف في الاُسس التي تقوم عليها ، عن طريق اللفتات والاضاءات والاثارات التي تخاطب العقل لتوقظه .
وقد كانت سيرة الانبياء والمرسلين والاَئمة والصالحين قائمة على أساس تفنيد أُسس المفاهيم والعقائد الباطلة ، كالشرك بالله تعالى ، والاِيمان بالاوهام والخرافات ، وبالوجودات الوهمية المتحكمة في الكون . فإذا ثبت بطلانها، فإنّ الاِنسان سيتخلّى عنها ان كان طالباً للحقيقة .
2 ـ الحيلولة بين الناس ومعتقداتهم الباطلة : الاستئناس بالمعتقدات أمر طبيعي في داخل الشخصية الاِنسانية ، حتى إنّ عواطف الاِنسان وأحاسيسه كلّها تدور حول محور تلك المعتقدات التي يتبناها ؛ وبذلك
____________
1) الدين / محمد عبدالله دراز : 82 ، دار القلم ـ الكويت 1390 هـ ، عن : معجم لاروس للقرن العشرين .

( 62 )

يتم الاستقرار داخل النفس بوحدة الافكار والعواطف والممارسات .
وتزداد الاُلفة والاُنس بمرور الوقت ، وخصوصاً إذا أصبح الاَمر جزءاً من التراث ومن معتقدات الاسلاف .
قال تعالى : ( وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزَلَ اللهُ قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا ألفَينَا عَليهِ آباءَنَا... ) (1).
وتزداد كلّما كان المتبني لها من الشخصيات المؤثرة في نفوس الناس ، كالرؤساء والقادة والاَبطال ، وتزداد أيضاً كلّما وجد الاِنسان أنّ جمهوراً غفيراً من الناس يتبنى نفس معتقداته تأثراً بالعقل الجمعي .
وإذا اطبق الاُنس على عاطفته ، فإنّه سيغلق منافذ الهداية ، وفي هذه الحالة فان المرحلة الثانية لا بدّ أن تنحصر بكسر هذا الاُنس ، وتحطيم الاَواصر المألوفة بين الاِنسان ومعتقداته الباطلة .
ويتم كسر الاُلفة والاُنس عن طريق استخدام وسائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ التي تقدّمت ـ والعمل على ابعاد الاِنسان عن المحيط الذي ألفه ، بإحاطته بمجموعة من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ليتأثر بما يسمى بالعقل الجمعي المحيط به .
فإذا آمن بخطأ معتقداته السابقة، فإنّ كسر الاُلفة والاُنس بها سيكون أسهل .
3 ـ تحطيم الحواجز النفسية بين الناس والعقيدة الاِسلامية : حينما يؤمن الاِنسان بعقيدة جاهلية أو منحرفة ويأنس إليها ويألفها ، فإنّ ذلك يؤدي إلى أن تشكّل هذه العقيدة حاجزاً نفسياً بينه وبين غيرها ، وهو أمر
____________
1) سورة البقرة : 2 | 170 .

( 63 )

طبيعي ، خاصة إذا كانت تحقق رغباته وشهواته .
فعلى المكلّف بتحمّل مسؤولية الهداية أن يحطّم هذه الحواجز النفسية عن طريق التدرج في الحجّة والبرهان ، والتدرج في التلقين ، وزرع الايمان في قلب ذلك الاِنسان الذي يُراد هدايته ، عن طريق الشواهد الحسيّة ، ثم تبيان مظاهر التوحيد ، وتحريك العقل للايمان بانّ لطف الله تعالى يتجسد ببعثة الاَنبياء ؛ ليؤمن بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ، إيماناً حقيقياً من حيث العصمة والتسديد الالهي ، ثم يتم التدرج في اقناعه بضرورة الاِمامة في كلِّ زمان ، مصحوباً كل ذلك بتركيز البعث والنشور والايمان باليوم الآخر ، وبالتدريج تتحطّم الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة الاِسلامية ، فيتقبل ما يقال له باسلوب شيّق وجذّاب .
وخير أُسلوب على هذا التحطيم هو أُسلوب الترغيب والترهيب بالجنّة والنار ، وبابراز نماذج من الشخصيات التي سعدت واستقرت نفسياً ؛ لايمانها بالله تعالى وبالعقيدة الاِسلامية .
4 ـ إبعاد الناس عن السلوك الجاهلي : السلوك تتحكم به الافكار والعواطف ، فإذا آمن الاِنسان بخطأ أفكاره ومعتقداته ، وانكسرت الاُلفة معها ، وتحطّمت الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة السليمة ، عندها يسهل إبعاده عن السلوك الجاهلي ؛ لاَنّه سيتّبع ماتمليه عليه عقيدته الجديدة وعواطفه اتجاهها . وقد حفلت الآيات القرآنية والاَحاديث الشريفة بالاوامر والنواهي الهادية للاِنسان في سلوكه وممارساته العملية ، فقد بيّنت الآثار السلبية للسلوك الجاهلي كالكذب والغيبة والبهتان والتنابز بالالقاب ، وبيّنت مضار الخمر والزنا ، ومضار التقاطع والتدابر ، ثم زرعت الخوف من العقاب الالهي في الدنيا والآخرة في نفوس الناس ، وقصّت


( 64 )

عليهم قصص الغابرين الذين تعرضوا له .
وأبرز القرآن الكريم والاحاديث الشريفة نماذج من الشخصيات التي يمكن الاقتداء بها في السلوك والخُلق الرفيع .
وينبغي على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يوجّه الناس طبقاً للارشادات والتعاليم القرآنية ، وتعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، وان يوضّح لهم آثار الانحراف السلوكي على الفرد والمجتمع الذي يبتعد عن الاِسلام ، حيث الامراض البدنية والروحية ، من اضطراب وبلبلة وفقدان الاستقرار والاطمئنان والسعادة ، وخصوصاً في البلدان الغربية .
وإذا عرف الانسان مضرة السلوك الجاهلي ، وابتعد عنه فإنّه سيتوجه إلى الالتزام بالسلوك الاسلامي .
قال الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « من لم يعرف مضرّة الشر لم يقدر على الامتناع عنه » (1).
« لن تتحقق الخير حتى تتبرأ من الشر » (2).
« من ترك الشر فتحت عليه أبواب الخير » (3).
« للعادة على كلِّ انسان سلطان » (4).
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 106 .
2) تصنيف غرر الحكم : 106 .
3) تصنيف غرر الحكم : 106 .
4) تصنيف غرر الحكم : 322 .

( 65 )

« غيّروا العادات تسهل عليكم الطاعات » (1).
« لن تهتدي إلى المعروف حتى تضلّ عن المنكر » (2).
5 ـ تمرين الناس على السلوك الاِسلامي : السلوك الاِسلامي يستدعي التحرر من ضغط الشهوات ، وثقلة المطامع ، وتهذيب العواطف والانفعالات ، والابتعاد عن المثيرات والمغريات الخارجية التي تدعو إلى اشباع الشهوات والمطامع باسلوب غير مشروع .
وهذه بدورها تحتاج إلى تمرين متدرج ، ورياضة متسلسلة ؛ لكي يكون السلوك الاِسلامي جزءاً من شخصية الاِنسان ، ويتحقق ذلك عن طريق الدعوة لامتثال التكاليف كالصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر والداعية إلى السلوك الصالح ، والصوم الذي يهذب الغريزة ، والزكاة التي تزرع في القلب روح الايثار وحب الانفاق وهكذا في بقية التكاليف ، والتي هي تكاليف هينة يسيرة ، ثم التدرج لتحمّل التكاليف الاَكبر للوصول إلى السمو والكمال السلوكي .
وينبغي ربط الاِنسان بالشخصيات التي جعلها الله تعالى موضع قدوة ، وتبيان مظاهر سلوكها وخُلقها .
والتركيز على الآثار الايجابية للسلوك الرفيع في دار الدنيا والآخرة ، وما يحصل جراؤه من ثواب ورضوان من الله تعالى .

الاجواء المساعدة في المرحلة الوقائية :

إذا ترك الاِنسان لوحده فإنّه قد تهجم عليه الشكوك ، وتنتابه
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 322 .
2) تصنيف غرر الحكم : 322 .

( 66 )

الهواجس، وتطغى عليه الغرائز ، وتثيره المغريات ، فهو بحاجة إلى أجواء فكرية وسلوكية تساعده على اصلاح وتغيير أفكاره وعواطفه وممارساته ، ومن هذه الاَجواء :
1 ـ حلقات الذكر : هنالك تجمعات يذكر فيها اسم الله تعالى ، وتسودها اجواء الاِيمان والتقوى ، فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يشجِّع الآخرين على حضورها ، أو يصطحبهم معه إليها .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « بادروا إلى رياض الجنة » ، قالوا : وما رياض الجنة ، قال : « حلق الذكر » (1).
وتتنوع حلقات الذكر بتنوع الظروف ، كمجالس العلماء الاتقياء ، ومجالس الصالحين ، وجلسات الدرس ، وجلسات حفظ القرآن وتلاوته، والجلسات الدوّارة التي تنعقد في بيوت مختلفة .
ومنها مجالس العزاء على الاِمام الحسين عليه السلام ، ويلحق بها الاحتفالات والمهرجانات التي تقام على مدار السنة في الاعياد ومناسبات ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمة عليهم السلام ، ويوم المبعث ، ويوم الغدير وغير ذلك .
2 ـ ارتياد المساجد : المسجد من أهم الاَجواء الايمانية التي لها دور كبير في اصلاح الاِنسان وتغييره .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من اختلف إلى المسجد أصاب احدى الثمان : أخاً مستفاداً في الله ، أو علماً مستطرفاً ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنباً خشية
____________
1) أمالي الصدوق : 297 .

( 67 )

أو حياء » (1).
3 ـ زيارة قبور الاَنبياء والاَئمة عليهم السلام والصالحين : لزيارة قبور الاَنبياء والاَولياء المعصومين وعباد الله الصالحين تأثير واضح محسوس على الاِنسان ، حيث يرتبط من خلالها بأرقى الشخصيات الاِسلامية ، ويندفع للاقتداء بها في أفكارها وعواطفها وسلوكها ، ويستمد منها روح السمو والارتقاء ، ويعاهدها على التقيّد بسيرتها .
وقد وردت أحاديث عديدة في الحث على زيارة قبور الاَئمة الاَطهار وأولياء الله الاَخيار والصالحين من عباده وأفضل من الزيارة الفردية القيام بزيارات جماعية من قبل المؤمنين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إلى تلك الاَماكن المتبركة ، فإنّ لها وقعاً أشدّ ، وتأثيراً أكبر على الاِنسان المراد إصلاحه ؛ لاَنّه سيتأثر حيئنذ بهذا الجمع المؤمن المتجه إلى الله تعالى بالدعاء وبالتوسل بأوليائه الصالحين .
4 ـ الجليس الصالح : من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاَبي ذر الغفاري قال : « الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء ، واملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من املاء الشر » (2).
ويلحق بهذه الاجواء المشاركة في السفرات الجماعية ، والحضور في المكتبات الاِسلامية العامّة وأمثال ذلك .
____________
1) آمالي الصدوق : 319، وينسب هذا القول إلى الاِمام الحسن عليه السلام كما ورد في : تحف العقول : 166.
2) مكارم الاخلاق : 466 .

( 68 )

ثانياً : المراحل العلاجية :

وهي المراحل العملية المقارنة واللاحقة لوقوع الممارسات السلبية في الواقع الخارجي ، وهي خطوات علاجية الهدف منها معالجة الواقع المنحرف ، بإيقاف المنكر أو تطويقه وتحجيمه ؛ لمنع استشرائه في العقول والقلوب والارادة .
ويمكن تصنيفها إلى صنفين :
1 ـ المراحل العلاجية المقارنة للتلبس بالمنكر :
إنّ الله تعالى فتح للاِنسان أبواب الهداية من خلال البيّنات الظاهرة ، والبراهين الواقعية ، وانزل الكتاب لارشاده وتوجيهه إلى الاستقامة والاعتدال ، ودعا إلى تكوين الاُمّة والجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، ووضع منهجاً متكاملاً لوقايته من الانحراف عن طريق غلق منافذه إلى النفس ، ومعالجة الاَسباب المؤدية إليه ، وتهيئة الاجواء لتهذيب السلوك والخُلق ، فإذا خالف الاِنسان جميع هذه المؤهلات ، وانحرف عن الاستقامة في سلوكه غروراً منه أو استسلاماً لشهواته وغرائزه ، وارتكب المنكر بصورة علنية متحدياً قيم المجتمع ، فيجب على الآخرين ردعه وايقاف أو تحجيم انحرافه ، وأول مراحل الردع هي التغيير باليد التي تعبّر عن القوة ، ثم باللسان ، ثم بالقلب .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان » (1).
____________
1) صحيح مسلم 1 : 69 ، كتاب الايمان باب 20 / 78 .

( 69 )

والتغيير باليد مقدّم على غيره ؛ لاَنّه يقتلع المنكر من جذوره ويمنع من استمراره الذي قد يضر بالمصلحة العامّة وخصوصاً ما يتعلق بالاعتداء على حقوق الآخرين ، كالاعتداء على أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم ، فلا يجوز التهاون به ، والسكوت عنه ، وهو يتوقف على القدرة والطاقة التي يمتلكها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، التي تساعده على العمل الفوري في التغيير ، ولذا فإنّ الحكمة من تكوين الاُمّة أو الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، هي تظافر الطاقات والجهود لازالة المنكر الواقع ، وردع المتلبس به .
وإذا عجزت الطاقات والجهود المتاحة من تغيير المنكر باليد ، فتأتي مرحلة الانكار باللسان عن طريق تبيان أضرار المنكر ، وتحقير فاعله ، وترذيله وتقبيحه ، وتخويفه من العواقب السيئة المترتبة على هذا المنكر ، وتهديده وتخويفه من ردعه بالقوة أو تخويفه بالاستعانة بالغير لانزال العقاب الصارم به ، أو تهديده بالمحاصرة الاقتصادية والاجتماعية ، وكل كلام يساعد على ردعه .
وإذا عجز الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عن التغيير باللسان ينتقل إلى مرحلة التغيير بالقلب وهو الانكار والاشمئزاز وعدم الرضا بعمل المنكر ، والتصميم على اعداد القوة البدنية والبيانية لتغييره في الظروف المؤاتية .
وملاك التكليف هو القدرة ، وهي التي تحدّد مراحل التغيير باليد واللسان والقلب ، وقد تجتمع هذه المراحل لتنطلق في آن واحد تبعاً لقدرة الافراد ، فتستخدم اليد من قبل البعض واللسان من قبل البعض الآخر ، والقلب من قبل البقية المتبقية .


( 70 )

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ، إلاّ كان له من أُمّته حواريون وأصحاب ، يأخذون بسُنّته ، ويقتدون بأمره ، ثم انها تخلفُ من بعدهم خلوف ، يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لايؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الايمان حبّة خردل » (1).
ويجب استخدام القوة المناسبة للردع وتغيير المنكر ، فالمنكرات الفردية التي يقوم بها الافراد ، قد لا تحتاج إلى مزيد من القوة ، أما المنكرات الجماعية التي يرتكبها جمع من الناس أو كتلة منهم ، أو تقوم بها مؤسسات أو جمعيات تمتلك طاقات متنوعة اعلامية ومالية وبشرية ، فإنّها لا ترتدع إلاّ باستخدام القوة الموازية لها .
وتختلف القوة المستخدمة باختلاف نوعية المنكر المرتكب ، من الناحية الفكرية والسلوكية ، فهنالك منكر له تأثير ملحوظ على أصل الوجود الاسلامي كياناً وقيادةً وافراداً ، وهنالك منكر له تأثير على اضطراب المعتقدات وبلبلة الافكار ، وهنالك منكر له تأثير على أخلاق المجتمع بإفساده لاَفراده ، ومن هنا شرّع الله تعالى الجهاد لاِيقاف المنكر الاَكبر الذي يستهدف القضاء على الوجود الاسلامي .
نماذج من السيرة النبوية :
إنّ الموقف من المنكر بتغييره باليد أو اللسان أو القلب تحدده عدة عوامل :
____________
1) صحيح مسلم 1 : 70 ، كتاب الايمان ، باب 20 / 80 .

( 71 )

الاَول : الظروف .
الثاني : مصلحة الاِسلام كعقيدة وتشريع .
الثالث : مصلحة المسلمين الانية والمستقبلية .
ففي العهد المكي لم تكن الظروف مؤاتية لاستخدام القوة في القضاء على المنكر ، ولا مصلحة في ذلك لانها تؤدي إلى قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ظرف لا يملك القوة اللازمة للقضاء على رؤوس الكفر أو ردعهم عن منكراتهم ، فاكتفى صلى الله عليه وآله وسلم بالتغيير باللسان .
وحينما هاجر إلى المدينة تغيّر الموقف حيث امتلك القوة اللازمة لخوض مهمة التغيير بقوة اليد ، فاستخدمها صلى الله عليه وآله وسلم لردع العدوان على الاِسلام والمسلمين .
كما استخدم صلى الله عليه وآله وسلم القوة لاِزالة المنكرات الواقعية ، فأمر بطرد بعض المنافقين من المسجد ، وأمر باحراق منزل سويلم اليهودي لاجتماع المنافقين به ، وأمر باحراق مسجد ضرار (1).
وحينما تمادى رأس المنافقين عبدالله بن أبي سلول في نفاقه بخلقه للفتن داخل المجتمع الاِسلامي ، رفض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقتراح البعض في قتله ؛ لاَنّ قتله يؤدي إلى حدوث الخلل في تماسك جبهة المسلمين لاَنّ له أنصاراً وأعواناً وعشيرة مترامية الاَطراف ، وقد أثبت صلى الله عليه وآله وسلم صحة موقفه قائلاً لمن حرّضه على قتله : « أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لاَرعدت له
____________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 160 ـ 177 .

( 72 )

أنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته » (1).
فالظروف والمصلحة الاِسلامية هي التي تحدّد الموقف العملي من تغيير المنكر ، فقد يؤدي استخدام القوة احياناً إلى إلحاق الضرر بالاِسلام والمسلمين فلا يجب بل لا يجوز استخدامها ، ويجب أن تؤجل إلى الظرف المناسب ، وقد يؤدي التخلي عن استخدامها إلى الحاق الضرر بالاسلام والمسلمين ، فيجب النهوض بها ، كما هو الحال في تنوع مواقف أئمة أهل البيت عليهم السلام من رؤوس المنكر واجهزتهم الممتدة في المجتمع الاسلامي ، بين هدنة وحركة ملحة ، واعداد العدة للظرف المناسب .
2 ـ المراحل العلاجية اللاحقة لوقوع المنكر :
إنّ اتخاذ الموقف من المرتكبين للمنكر ، وتصنيفه أو توزيعه على مراحل ، يعتمد على اكتشاف الواقع وإدراكه ، وليس على وضع مراحل نظرية متدرجة ، فالظرف والواقع الذي يعيشه المكلف ويعيشه المرتكب للمنكر ، ونوعية المنكر كمّاً ونوعاً ، ومن حيث التكرار وعدمه ، كل ذلك له مدخلية في تحديد المراحل والخطوات .
وللوهلة الاُولى تحدّد هذه المراحل من خلال استقراء مسيرة المصلحين والمغيّرين على طول التاريخ ، والتي تكون قريبة من الواقع :
1 ـ اظهار الكراهية والتعريف بالمنكر : اظهار الكراهية للمنكرات والموبقات المرتكبة يساهم في ردع المرتكب لها ، أو على الاَقل التستر بها كخطوة اُولى ، واظهار الكراهية يبدأ بالوجه ثم باللسان الكاشف عن
____________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 3 : 305 .

( 73 )

الكراهية القلبية .
والتعريف بالمنكر غالباً ما يكون مقارناً في مقطعه الزمني لاظهار الكراهية ، فهو تذكير لمن يعرفه ، وتعليم لمن لا يعرفه ويرتكبه جهلاً منه بحرمته .
قال تعالى : ( وإلى مَدينَ أخاهُم شُعَيباً قالَ يَا قَومِ اعبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّن إلهٍ غَيرُهُ... * ويَا قَومِ أوفُوا المِكيَالَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ وَلا تَبخَسُوا النَّاسَ أشياءَهُم وَلاتَعثَوا في الاَرضِ مُفسِدِينَ * بَقِيّتُ اللهِ خيرٌ لَّكُم إن كُنتُم مُّؤمِنِينَ... ) (1).
ومن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه كان يظهر كراهيته لبعض الممارسات الخاطئة ، ويرتقي المنبر من أجل ذلك ، فحينما بعث صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعياً لا مقاتلاً ، فلمّا وضعوا السلاح أمر بقتلهم ، فلمّا انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : « اللهمّ إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » (2).
وحينما سمع بريدة يقع في عليّ عليه السلام قال له صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تقع في عليّ فانه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي » (3).
فقد أظهر صلى الله عليه وآله وسلم كراهيته لهذا العمل ، ثم عرف بريدة بكون ما ارتكبه منكراً .
فالبعض قد يرتكب ما ينافي الاَوامر الالهية ولا يعلم بحرمة ذلك ،
____________
1) سورة هود : 11 / 84 ـ 86 .
2) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 72 .
3) كنز العمال 11 : 608 .

( 74 )

فلابدّ من توضيح ذلك إليه .
2 ـ الوعظ والنصح : بعد التعريف بالمنكر أو التذكير به يأتي دور الوعظ والنصح ، فإنّ الموعظة والنصيحة لها تأثير ملموس على الاِنسان ، لذا فإنّ الاَنبياء والاَئمة عليهم السلام لم يتوقفوا عن ابداء المواعظ والنصائح لاَتباعهم وللمخالفين لهم .
ويتم ذلك عن طريق التنبيه لمضار الانحراف الفكري والسلوكي وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع . والتنبيه إلى الرقابة الالهية المحيطة بالاِنسان والعالمة بسكناته وحركاته، وما يسرّ وما يُعلن . وتذكيره بالثواب والعقاب يوم القيامة ، وتخويفه من غضب الله تعالى في دار الدنيا . وتذكيره بحقوق الله تعالى وحقوق الناس ، وتوجيهه إلى الآثار الايجابية للاستغفار والتوبة والعودة إلى الاستقامة ، وابداء المعونة له للتغلب على الاَسباب التي تدفعه للانحراف، والمساهمة في معالجة المشاكل التي تواجهه .
وقد حفل القرآن الكريم وكتب السيرة بالمواعظ والنصائح للمنحرفين . وأفضل أُسلوب في هذا المجال هو الترغيب والترهيب .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « من اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات .
من أشفق من النار اجتنب المحرّمات .
من خاف العقاب انصرف عن السيئات .
( 75 )

ذكر الآخرة دواء وشفاء » (1).
وقال الاِمام موسى الكاظم عليه السلام : « يا هشام ثم وعّظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة.. ثم خوِّف الذين لا يعقلون عذابه » (2).
3 ـ الزجر والتغليظ بالكلام : حينما يصرُّ مرتكب المنكر على انحرافه ، ولم تنفع معه المواعظ والنصائح المتكررة من قبل الفرد أو الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، فلا بدّ من استخدام الاساليب الرادعة له ، والانتقال مع الاساليب من الاَسهل إلى الاشد .
وكثيراً ما يكون الكلام اللاذع مؤثراً في ردع الانحراف ؛ لاَنّه سيكون بمثابة المطرقة الموقِظة التي تنبه العقل والضمير والارادة ، وتدفع المنحرف إلى التخلي عن انحرافه تجنباً للزواجر الموجهة إليه .
ومن ذلك قول إبراهيم عليه السلام ـ كما ورد في القرآن الكريم ـ : ( قَالَ أفتَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَالا يَنفَعُكُم شَيئاً ولا يَضُرُّكُم * أُفٍّ لَّكُم وَلِما تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أفلا تَعقِلُونَ ) (3).
وقد سمّى القرآن الكريم اصنافاً من المسلمين بالفاسقين والمنافقين لكي يرتدعوا .
وفي السيرة النبوية بعض الشواهد على ذلك ، فحينما عصى بعض الصحابة أوامره صلى الله عليه وآله وسلم بالتوجه إلى جيش اُسامة ، غضب صلى الله عليه وآله وسلم وقال :
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 146 .
2) تحف العقول : 287 .
3) سورة الاَنبياء : 21 / 66 ـ 67 .

( 76 )

« جهزوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه » (1).
وقد يرتدع البعض خوفاً من الصاق الالقاب المذمومة بهم .
4 ـ المقاطعة والهجران : حينما يتمادى المنحرف في انحرافه تاركاً للمعروف عاملاً بالمنكر ، عناداً منه واصراراً ، ولم يستجب لكلِّ موحيات الهداية والاستقامة ، ولم تنفعه الزواجر والتهديدات ، واغلق منافذ الهداية في قلبه وارادته ، تأتي مرحلة المقاطعة والهجران لاشعاره بانه عنصر غير مرغوب فيه من قبل الصالحين ، والاستفادة من الوقت للتفرّغ إلى هداية الآخرين وتغييرهم .
قال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « لو انكم إذا بلغكم عن الرجل شيء تمشيتم إليه ، فقلتم : يا هذا إمّا أن تعتزلنا وتجتنبنا ، وإمّا أن تكفّ عن هذا ، فإن فعل وإلاّ فاجتنبوه » (2).
وقال عليه السلام لقوم من أصحابه : « إنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحقّ لي ذلك ، وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلاتنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه حتى يتركه » (3).
وقال عليه السلام : « من مشى إلى صاحب بدعة فوقّره فقد مشى إلى هدم الاِسلام » (4) .
والمقاطعة كان معمولاً بها من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام .
____________
1) الملل والنحل / الشهرستاني 1 : 29 . وشرح نهج البلاغة 6 : 52 .
2) وسائل الشيعة 16 : 146 .
3) المقنعة : 809 .
4) بحار الانوار 2 : 304 .

( 77 )

فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمقاطعة ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك وقال لبقية أصحابه : « لا تكلمنَّ أحداً من هؤلاء الثلاثة » فاعتزلوهم خمسين يوماً ، ثم أبلغهم صلى الله عليه وآله وسلم بتوبة الله عليهم (1).
وقاطع أهل البيت عليهم السلام الغلاة والواقفة وبعض التيارات الهدّامة بعد ان يئسوا من اصلاحهم .
5 ـ اظهار التكفهر والعبوس : بعد مرحلة الهجران والمقاطعة تأتي مرحلة التكفهر والعبوس في وجوههم أثناء اللقاء في الطرقات والاماكن العامّة ، لكي يرتدعوا ويعودوا إلى الاستقامة .
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة » (2).
وقال عليه السلام : أدنى الانكار أن يُلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة (3).
وهذه المراحل أو الخطوات يتوقف اُسلوب العمل بها على طبيعة المجتمع من حيث درجة قربه وبعده عن الاِسلام ، وعلى عدد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وطبيعة أصحاب المنكرات وعددهم ، فإذا كان الاِسلام هو القاعدة الفكرية للنظام القائم وللمجتمع فإنّ هذه المراحل ستكون أقرب إلى تحقيق الهدف ، أمّا إذا كان الاِسلام مقصيّاً عن الحياة ، وكان المجتمع بعيداً عنه في فكره وعاطفته وسلوكه ، فلا تحقق هذه المراحل أهدافها في الآن وفي المستقبل القريب إلاّ بمضاعفة
____________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 175 ، 179 ، 180 .
2) الكافي 5 : 58 .
3) تهذيب الاحكام 6 : 176 .

( 78 )

الجهود ، والاقدام الدائم على اداء المسؤولية دون تردد أو تراجع أمام المعوقات والمصائب ، والصبر على الاَذى والبلاء ، فكل ذلك يؤدي إلى الاصلاح والتغيير ولو بعد حين .
6 ـ التهديد والتخويف : حينما يزداد الانحراف ، ولا يرتدع مرتكبه بشتى الاَساليب المعمول بها معه ، فقد يكون التهديد والتخويف نافعاً بحقّه ، والتهديد والتخويف لا ينحصر باُسلوب معيّن ، بل يتناسب مع شخصية المنحرف ومدى انعكاسه عليها ، كالتهديد بالمحاصرة الاقتصادية أو الاجتماعية أو كليهما، أو التهديد بالحاق الاَذى البدني به ، أو التهديد بكشف انحرافاته، أو التهديد بالسجن واحياناً بالقتل تبعاً لدرجات انحرافه .
فحينما اشتد اذى المنافقين والمنحرفين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين، هددهم القرآن الكريم بالقول : ( لَّئِن لَّم يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبِهِم مَّرضٌ وَالمرجِفُونَ في المدِينَةِ لَنُغرِينَّكَ بِهِم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلاّ قَلِيلاً ) (1).
____________
1) سورة الأحزاب : 33 / 60 .