مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 401 ـ 410
(401)
الفتّال النيسابوري صاحب التفسير ، ثقة وأيّ ثقة. أخبرنا جماعة من الثقات عنه بتفسيره. ويظهر منه أنّه غير الفتّال المعروف مؤلّف روضة الواعظين ، حيث عنونه أيضاً وقال : ... الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسي مصنّف « روضة الواعظين » (1) ، ولم يذكر له التفسير ، واحتمل المصحّح وحدتهما وأشار في التعليقة أنّه تقدّم ، ولكنّه خلاف الظاهر ، إذ لا وجه لعنوان شخص واحد مرّتين.
    39. محمد بن الحسن الفتّال النيسابوري : له كتاب « التنوير في معاني التفسير » ، « روضة الواعظين وبصيرة المتعظين » (2) ويأتي هناك ما ذكرناه سابقاً من احتمال الوحدة ، وانّ هناك فتّالاً واحداً باسم محمد بن الحسن بن علي بن أحمد ، وقد أضافه ابن شهر آشوب إلى أبيه ، وقال : محمد بن الحسن ، وأضافه منتجب الدين إلى جدّه ، وقال « محمد بن علي » ، كما يحتمل تعدّدهما ، وعلى كلّ حال فقد قتل شيخنا الفتّال عبد الرزاق رئيس نيسابور ابن أخي الخواجة نظام الملك الطوسي. (3)
    40. فضل بن الحسن بن الفضل المعروف بالطبرسي والمقام يضيق عن نقل معشار ما ذكروا في حقّه ، وهو من أكابر علماء الإماميّة في القرن السادس ، وتفسيره المسمّى بـ « مجمع البيان » يقع في عشرة أجزاء طبع في إيران وبيروت ومصر ، ولد عام ( 471 هـ ) ، وتوفّي عام ( 548 هـ ) ، وقد ترجمه أصحاب المعاجم بأبلغ الألفاظ ، يقول الدكتور محمد موسى في مقالة حول « مجمع اليبان » :
    ـ بعد نقل كلام الطبرسي في وصف كتابه ـ القارئ لهذا الكتاب ، والباحث الذي يلجأ إليه فيما يعاني من تفسير كتاب اللّه العظيم ومعضلاته ، والمتتبع لتطوّر
1 ـ فهرست منتجب الدين : 166 برقم 395 ، وص 191 برقم 511.
2 ـ معالم العلماء : 118 برقم 769.
3 ـ شهداء الفضيلة : 38.


(402)
علم التفسير وما كتب فيه على مرّ القرون. كلّ من أُولئك يتبيّن كيف وفِّق المؤلّف رضوان اللّه عليه للوفاء بكلّ ما قال في المقدّمة من علوم القرآن المتعدّدة ، وإلى أيّ مدى عال مرموق بلغ من ذلك كلّه ، وبأيّ أُسلوب بليغ عالي المنزلة عالج النواحي التي عالجها ، وبأيّ أمانة وصدر رحب نقل ما نقل من آراء مخالفيه في الرأي أو المذهب ، على ندرة هذه الخطة الأخيرة بين غير قليل من العلماء الذين يتصدون للتأليف في العلوم والفنون التي يكثر فيها الاختلاف ، ويشتدّ ، كما ترى بوضوح في كثير من المؤلّفات في علم الكلام ، وعلم الفقه. (1)
    يقول الطبرسي في مقدمة مجمع البيان : ابتدأت بتأليف كتاب هو في غاية التلخيص والتهذيب وحسن النظم والترتيب ، يجمع أنواع هذا العلم وفنونه ، ويحوي فصوصه وعيونه ، من علم قراءاته وإعرابه ، ولغاته وغوامضه ومشكلاته ، ومعانيه وجهاته ، ونزوله وأخباره ، وقصصه وآثاره ، وحدوده وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، والكلام على مطاعن المبطلين ، وذكر ما ينفرد به أصحابنا ـ رضي اللّه عنهم ـ من الاستدلالات بمواضع كثيرة منه على صحّة ما يعتقدونه من الأُصول والفروع والمعقول والمسموع على وجه الاعتدال والاختصار ، فوق الإيجاز ودون الإكثار ـ إلى أن يقول : ـ إنّي قد جمعت في عربيته كلّ غرّة لائحة ، وفي إعرابه كلّ حجّة واضحة ، وفي معانيه كلّ قول متين ، وفي مشكلاته كلّ برهان مبين ، وهو بحمد اللّه للأديب عمدة ، وللنحوي عدّة ، وللمقرئ بصيرة ، وللناسك ذخيرة ، وللمتكلّم حجّة ، وللمحدّث محجّة ، وللفقيه دلالة ، وللواعظ آلة ....
1 ـ الدكتور محمد يوسف موسى الأُستاذ بكلية أُصول الدين في القاهرة مجلة رسالة الإسلام ، العدد الأوّل من السنة الثانية ص 68.

(403)
    والشيخ الذهبي مؤلّف « التفسير والمفسّرون » مع عناده ولجاجه لعلماء الشيعة لم يستطع أن ينكر ما للطبرسي في كتابه « مجمع البيان » من مقدرة كبيرة في مجال التفسير. يقول : « والحقّ أنّ تفسير الطبرسي ـ بصرف النظر عمّا فيه من نزعات تشيّعيّة ، وآراء اعتزالية ـ ، كتاب عظيم في بابه ، يدلّ على تبحّر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة ، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام وترتيب جميل ، وهو يجيد في كلّ ناحية من النواحي التي يتكلّم عنها ، فإذا تكلّم عن القراءات ووجوهها أجاد ، وإذا تكلّم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد ، وإذا تكلّم عن أسباب النزول وشرح القصص استوفى الأقوال وأفاض ، وإذا تكلّم عن الأحكام تعرّض لمذاهب الفقهاء وجهر بمذهبه ونصره إن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء ، وإذا ربط بين الآيات آخى بين الجمل ، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم ، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال ، وهو ينقل أقوال من تقدّمه من المفسّرين معزوّة لأصحابها ، ويرجّح ويوجّه ما يختار منها ـ إلى أن قال ـ : والحقّ أن يقال : إنّه ليس مغالياً في تشيّعه ولا متطرّفاً في عقيدته » . (1)
    ثمّ إنّ الذهبي يقول :
     « وإذا كان لنا بعض المآخذ عليه ، هو تشيّعه لمذهبه وانتصاره له ، وحمله لكتاب اللّه على ما يتّفق وعقيدته ، وتنزيله لآيات الأحكام على ما يتناسب مع الاجتهادات ... » .
    يلاحظ عليه : أنّه لو صحّت تلك الموآخذه فلا تختصّ بالطبرسي ومجمعه ،
1 ـ التفسير والمفسّرون : 104/2.

(404)
بل يعمّ كلّ من ورد في مجال التفسير وكتب تفسيراً علمياً ، فانّ كلّ مفسّر يتشيّع لمذهبه وينتصر له ، فالحنابلة والسلفيّون الذين يصرّون على إمكان رؤية اللّه سبحانه يوم القيامة ويسعون لأن يثبتوا له سبحانه أعضاء كأعضاء الإنسان ، متدرّعين بلفظ « بلا كيف » ، ينتصرون لمذهبهم ويتشيّعون له ، ولكنّهم في نظر الذهبي موضوعيون واقعيّون ! وأمّا من حاول تنزيه اللّه سبحانه عن الرؤية والأعضاء البشرية فهو عنده طائفي متعصّب لمذهبه ! وممّا جعله الذهبي دليلاً لتعصّبه ، أنّه يصرّ على عدم رؤية اللّه تبارك وتعالى ، ويستدلّ على مذهبه بما يدلّ عليه. ولو كان ذلك دليلاً على تعصّبه لمذهبه ، فليكن ذلك دليلاً على تعصّب مفسّري أهل السنّة من أهل الحديث والأشاعرة كالرازي والآلوسي ، حيث يصرّون على إمكان رؤيته ، ويستدلّون بما ظاهره إمكان رؤيته. فلماذا ، « باؤك » تجرّ و « بائي » لا تجرّ ؟!
    ثمّ إنّ لشيخنا الطبرسي تفاسير أُخرى منها « جوامع الجامع » الذي لخّص فيه كتاب الكشّاف وضمّن فيه نكات كتابه « مجمع البيان » ، وهو تفسير بديع في بابه ، طبع عدّة مرّات.
    إنّ الشيخ الطبرسي بعد أن ألّف « مجمع البيان » ، اطّلع على الكشاف ، فأراد أن يجمع بين فوائد الكتابين على وجه الاختصار ، فألّف ذلك الكتاب المعروف بـ « جوامع الجامع » ، وقد ذكروا في ترجمته تفسيراً آخر له باسم الوسيط في أربعة مجلّدات ، والظاهر أنّه هو ذلك الكتاب ، وله تفسير آخر باسم الوجيز ، فكأنّه ألّف تفاسير بألوان ثلاثة على وجه التبسيط وهو مجمع البيان ، وعلى وجه الإيجاز والاختصار وهو « الوجيز » ، وعلى نمط بين التبسيط والإيجاز وهو « جوامع الجامع » ، وقد فرغ من الكتاب « مجمع البيان » عام ( 536 هـ ) ، وفرغ من الجزء الأوّل من عشرة أجزاء عام ( 530 هـ ) ، وكأنّه استغرق تأليف مجمع البيان سبع سنوات ، وقد


(405)
قام بهذا الجهد البليغ ، وقد ذرف على الستين.
    41. ضياء الدين ، أبو الرضا فضل اللّه بن علي الراوندي الحسني ، وهو مؤلّف الكافي في التفسير ، صرّح به العلاّمة في إجازته لبني زهرة والمؤلّف شيخ منتجب الدين الرازي ، ( المتوفّى سنة 600 هـ ) ، وشيخ ابن شهر آشوب ، ( المتوفّى عام 588 هـ ) ، وكان المؤلّف ( حيّاً عام 548 هـ ).
    قال الرازي : « علاّمة زمانه ، جمع مع علو النسب كمال الفضل والحسب ، وكان أُستاذ أئمّة عصره » ، ثمّ ذكر تصانيفه ، منها التفسير ، قال : شاهدته وقرأت بعضها عليه. (1).
    42. جمال الدين ، أبو الفتوح الحسين بن علي الخزاعي ، النيسابوري ، الرازي. شيخ منتجب الدين ، وابن شهر آشوب ، وقد تعرّفت على سنة وفاتهما ، والمدفون في جوار سيدنا عبد العظيم الحسني ، له تفسيران أحدهما : عربي أشار إليه في مفتتح تفسيره الفارسي ، والآخر : فارسي في عشرة أجزاء كبار ، وهو المتداول الموسوم بـ « روض الجنان » ، طبع مرّتين مرّة عام ( 1323 هـ ) ، وثانياً عام ( 1370 هـ ) بتصحيح العارف الشيخ مهدي الإلهي القمشئي ، في عشرة أجزاء ، وقد طبعت ترجمة المؤلّف في الطبعة الأُولى بقلم الكاتب الأديب محمد القزويني ، والتفسير مشحون بالأبحاث الأدبية ، وما يرجع إلى القراءة وحجّتها ، وأسباب النزول ، والاحتجاج على المذهب المختار ، ولعلّ المؤلّف توفّي عام ( 550 هـ ) (2) ، وربّما
1 ـ العلاّمة الحلي : الإجازة الكبيرة لبني زهرة. لاحظ البحار : 135/104 ، ويروي عنه بواسطة أبيه عن السيد صفي الدين ، عنه ؛ فهرست منتجب الدين : 144.
2 ـ وقد أجاز لبعض تلامذته عام ( 547 هـ ). لاحظ مقدمة المحدّث الأرموي لجلاء الأذهان : ص ( ل ).


(406)
يقال : إنّ الرازي وضع تفسيره على منوال هذا التفسير (1) والمؤلّفان رازيّان غير أنّ الفخر متأخّر عنه قليلاً.
    43. رشيد الدين ، أبو علي محمد بن علي بن شهر آشوب السروي ، ( المتوفّى عام 588 هـ ) عن مائة سنة إلا أربعة أشهر ، له كتاب في التفسير عبّر عنه في كتابه « معالم العلماء » بـ « متشابه القرآن » ، وهو كتاب نفيس منبئ عن طول باعه. يقول في مقدمة الكتاب : سألتم ـ وفّقكم اللّه للخيرات ـ املأ كتاب في بيان المشكلات من الآيات المتشابهات ، وما اختلف العلماء فيه من حكم الآيات ، ولعمري أنّ لهذا التحقيق بحراً عميقاً فأسأل اللّه المعونة على إتمامه ، وأن يوفّقني لإتمام ما شرعت فيه من كتاب أسباب نزول القرآن ، فانّ بانضمامهما يحصل جلّ علوم التفسير. (2)
    وقد طبع الكتاب في طهران سنة ( 1370 هـ ) ، وأمّا الكتاب الآخر الذي أشار إليه ، فلم نقف على نسخته ، وقد ترجم المؤلّف لفيف من أعلام الطائفة وغيرهم من أهل السنّة.
    44. قطب الدين ، سعيد بن هبة اللّه بن حسن الراوندي ، ( المتوفّى سنة 573 ) ، المدفون بقم ، في صحن السيدة معصومة سلام اللّه عليها ، له « فقه القرآن
1 ـ القائل هو الشيخ محمد علي السهوري في كتابه « عدّة الخلف في عدّة السلف » يقول :
وترجمان الذكر ذو الاعزاز فخر المشككين شيخ القالة قد سرق الحقّ له لغير حقّ آس الهدى أبو الفتوح الرازي للأخذ من أفضاله أفضي له نعم ومن قبل له أخ سرق
2 ـ مقدمة تأويل متشابهات القرآن ؛ معالم العلماء : 119 برقم 791.


(407)
في بيان آيات الأحكام » ، و ربما يسمّى بأُمّ القرآن ، والكتاب مرتّب على ترتيب كتب الفقه ، ابتدأ فيه بكتاب الطهارة ، ثمّ الصلاة ، وهكذا إلى كتاب الديات ، فرغ منه سنة ( 563 هـ ) ، وله أسباب النزول ، وهو من مصادر كتاب « بحار الأنوار » ، صرّح به العلاّمة المجلسي وينقل عنه فيه. (1)
    45. أبو عبد اللّه محمد بن هارون ، المعروف والده بالكال أو الكيّال ، ولد عام ( 515 هـ ) ، وتوفّي عام ( 597 هـ ) ، ترجمه الجزري ( المتوفّى سنة 833 هـ ) ، في طبقات القرّاء ، وترجمه ابن العماد في « شذرات الذهب » ، كما ترجمه الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل. ومن تصانيفه « مختصر التبيان في تفسير القرآن » ، وكتاب « متشابه القرآن » . (2)
    46. الشيخ أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي : مؤلّف السرائر في الفقه ، الطائر الصيت ، ( المتوفّى عام 598 هـ ) له مختصر التبيان ، طبع في جزءين ، وقد فرغ منه عام ( 582 هـ ) ، ونسخه متوفرة. عسى أن يبعث اللّه بعض ذوي الهمم العالية لنشره.
    47. برهان الدين محمد بن أبي الخير ، علي بن أبي سليمان ، ظفر الحمداني ، مؤلّف « مفتاح التفسير » و « دلائل القرآن » ، ترجمه منتجب الدين في فهرسته ، وقال : عالم مفسّر ، صالح واعظ ، كما ترجم ولده محمد بن برهان الدين أيضاً ، ولكن بقي ولده إلى المائة السابعة ، فانّه كتب بخطه نسخة فهرست الشيخ منتجب الدين في ( 613 هـ ) ، كما ذكره الشيخ الشهيد الأوّل في آخر نسخته التي استنسخها عن تلك
1 ـ روضات الجنات : 6/4 ؛ بحار الأنوار : 12/1.
2 ـ شذرات الذهب : 333/4 ؛ أمل الآمل : 311/2 برقم 947. لاحظ الذريعة : 245/4 برقم 1190.


(408)
النسخة. (1)
    هذه عشرة كاملة من أعيان القرن السادس اكتفينا بهم وطوينا الكلام عن غيرهم ، وما هذا إلا لأنّ الغاية هي إراءة نماذج من مشاهير المفسّرين من الشيعة في كلّقرن.

    أعلام التفسير في القرن السابع والثامن
    كانت نهاية القرن السادس ومجموع القرن السابع والثامن عصر البؤس والدمار وبالتالي شرّ القرون وأسوأها بالنسبة إلى المسلمين ، فقد حلّت فيها بالمسلمين فجائع ونكبات لم يسجّل التاريخ لواحد من الأُمم مثلها ، فبينما كانت الحروب الصليبية لا تزال طاحنة ومشتعلة في أواخر القرن السادس ينتصر فيها المسلمون على العدو الصليبي في فترة بعد فترة ، إذ بدأت الحملات الأُخرى من جانب الشرق على يد التتار والمغول ، فكان مختتم الحروب الصليبية مبدأ للحروب الوثنية على يد عبدة الشمس والكواكب ، وكان هذا يعكس اتّفاق الصليب والصنم وبالتالي الصليبين والوثنيين على تدمير الحضارة الإسلامية.
    وفي سنة ( 616 هـ ) قصد چنگيزخان البلاد الإسلامية ودمّرها هو وأولاده وأحفاده ، عصراً بعد عصر ، وقد هجم هولاكو على مركز الخلافة العباسي ، بغداد عام ( 656 هـ ) ، ففتحوا البلد ، وقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والصبيان و المشايخ والكهول والشبّان ، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحوش وقنى الوسخ ، فبلغ عدد القتلى في نفس بغداد فضلاً عن ضواحيها 000 ، 800 قتيل.
1 ـ فهرست منتجب الدين : 161 ؛ الذريعة : 252/8 برقم 1038 و 323/21 برقم 5287.

(409)
    وقد ارتكب مثل ذلك في خراسان والري وهمدان وبلد الجبل ثمّ آذربيجان إلى كثير من الأقطار والأصقاع ، ولم يتوقّف هجومهم على فتح بغداد حتى وصل جيش العدو إلى عين جالوت وغزة في فلسطين ، وكانت الأُمنية الكبرى للعدو هو الاستيلاء على الشامات ثمّ مصر ، والزحف وإن توقّف بتدبير الملك الظاهر بيبرس ، ولكنّ العدو بقى يهاجم الشام بين الحين والآخر ، وهذا هو اليافعي يقول في تاريخه في حوادث سنة ( 702 هـ ) :
     « طرق غازان بالشام ولكن انهزم عند سور دمشق و تفرّقت جيوشه ، ثمّ جهّز غازان جيوشه فساروا إلى مرج دمشق وتأخّر المسلمون وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة باللّه وخطب شديد وقدم السلطان وانضمت إليه جيوشه » . (1)
    وقد امتدّ الدمار إلى أواخر القرن الثامن ، وقد أدّى ذلك إلى مجزرة للمسلمين عامّة والعلماء من بينهم خاصة ، فأُحرقت مكتباتهم ، ودمّرت آثارهم في ذينك القرنين ، حيث ابتدأت الحروب التترية عام ( 616 هـ ) ، وانتهت عام ( 807 هـ ) بموت تيمور لنگ الذي تظاهر هو بالإسلام وبعض من قبله ، ولكن لم تزل القلوب مضطربة باستيلاء هؤلاء على المناطق الإسلامية.
    وعلى ضوء هذا التحليل الإجمالي للوضع المأساوي في ذينك القرنين لا عجب من قلّة العثور على أعلام التفسير فيهما أو قلّة العناية به جرّاء القلاقل ، حيث إنّ التأليف والتصنيف يتوقّف على توفّر الأمن والهدوء ، فلا عتب علينا إذا لم نقف إلا على فئة قليلة من أعلام التفسير في هذين القرنين ، ولعلّ الداثر أكثر من الباقي.
    هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى لما استقرت السلطة التترية في المناطق
1 ـ مرآة الجنان : 234/4 ـ 235.

(410)
المحتلّة وضربت بجرانها في البلاد الإسلامية أخذت تحرّك دفّة العلم باتجاه العلوم الطبيعية والرياضية وأخيراً العقلية ، فصار الغور في هذه الموضوعات ، الشغل الشاغل لأكثر العلماء المتواجدين في المناطق الشرقية من العالم الإسلامي ، ولأجل ذلك أنجبت المدارس العلمية في ذينك القرنين ( السابع والثامن ) ، بل والقرن الذي يليهما مئات الكتب حول النجوم والفلكيّات والرياضيات ، وصارت المسائل الكلاميّة مدار التفكير ، فمن مختصرات إلى مطوّلات ، ومن متون إلى شروح ، نرى أعيانها في المكتبات والمتاحف أو نقرأ أسماءها في مختلف المعاجم ، وصار ذلك هو السبب الثاني لقلّة التأليف حول التفسير إلى أواخر القرن العاشر ، ومع ذلك فنأتي بأسماء أعلام التفسير في هذه القرون :
    48. رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني الحلّي ، المولود بالحلّة في ( 15 ) محرم من سنة ( 589 هـ ). أقام ببغداد زمن العباسيين خمسة عشر سنة ، ثمّ رجع إلى الحلّة ، ثمّ جاور النجف ، ثمّ رجع إلى بغداد في أوّل عصر المغول ، وتولّى النقابة من قبل نصير الدين الطوسي عن هولاكو ثلاث سنين وأحد عشر شهراً. قال ابن الفوطي في « الحوادث الجامعة » أنَّه وليّ النقابة للطالبيين بالعراق سنة ( 661 هـ ) وتوفّي سنة ( 664 هـ ).
    له مشايخ وتلاميذ كثيرون ، كما أنّ له تآليف قيّمة ، ومنها « سعد السعود في تاريخ القرآن » . (1)
    49. السيد جمال الدين ، أحمد بن موسى بن طاووس الحسني الحلي ، من مشايخ العلاّمة الحلّي وتقي الدين الحسن بن داود صاحب الرجال ، له مؤلّفات كثيرة ، ذكرها تلميذه ابن داود في رجاله ، تبلغ إلى اثنين وثمانين مجلداً ، له خطوات
1 ـ الحوادث الجامعة : 107 ؛ الأنوار الساطعة : 117.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس