مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 441 ـ 449
(441)
يقول به جمهور الإمامية إنّما قال به شرذمة قليلة منهم ، لا اعتداد بهم فيما بينهم. (1)
    8. الشيخ بهاءالدين نابغة عصره ونادرة دهره محمد بن حسين المشتهر ببهاء الدين العاملي ( المتوفّى 1030 هـ ) قال : الصحيح انّ القرآن العظيم محفوظ من ذلك زيادة كان أو نقصاناً ، وما اشتهر بين العلماء من إسقاط اسم أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) في بعض المواضع فهو غير معتبر عند العلماء والمتتبّع للتاريخ والأخبار والآثار يعلم بأنّ القرآن ثابت بغاية التواتر وبنقل الآلاف من الصحابة ، وانّ القرآن الكريم كان مجموعاً في عهد الرسول. (2)
    9. المحدّث الأكبر الفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي الذي يعدّمن الجوامع الحديثية المتأخّرة ( المتوفّى 1091 هـ ) قال : وقال اللّه تعالى : « وانّه لكِتاب عَزيزٌ * لا يَأتيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » وقال : « إِنّا نَحْنُ نَزّلنا الذِّكر وَإِنّا لَهُ لَحافِظُون » عندئذٍ كيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير ... ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب اللّه ، مكذّب له فيجب ردّه والحكم بفساده وتأويله. (3)
    10. الشيخ الحرّ العاملي ( المتوفّى 1104 هـ ) يقول في كتابه : والمتتبّع للتاريخ والأخبار والآثار يعلم يقيناً بأنّ القرآن ثابت بغاية التواتر وبنقل الآلاف من الصحابة ، وانّ القرآن كان مجموعاً مؤلفاً في عهد الرسول. (4)
    هذه هي الشخصيات الكبيرة من الإمامية الذين عرفت تنصيصهم على عدم طروء التحريف على الذكر الحكيم ، وقد جئنا بأسماء القائلين بعدم التحريف إلى نهاية القرن الحادي عشر ، وأمّا الذين نصّوا على عدم التحريف في
1 و 2 ـ آلاء الرحمن : 25.
3 ـ تفسير الصافي : 15/1.
4 ـ راجع آلاء الرحمن : 25/1.


(442)
القرون الأخيرة فحدّث عنهم ولا حرج ، كيف وقد ألّفوا رسائل كبيرة وصغيرة حول الموضوع ، ونحن نسأل من يرمي الشيعة بالقول بالتحريف بأنَّه بأي دليل يقول : بأنّ تنصيص الشخصيات الأربع الأُول على عدم التحريف من باب التقية (1) ، أهكذا أدب العلم وأدب الإسلام ؟ أليس اللّه تعالى يقول : « ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلقى إِليكُمُ السَّلام لستَ مُؤمناً » (2) والعجب أنّه يستشهد على هذا النظر بقول أعداء الشيعة ويترك قول علمائهم ، وبما أنّ الكاتب يستند في بعض أبحاثه إلى كلمات قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني قدَّس سرَّه نأتي بنصّ كلامه في هذا الموضع ، وهذا ما جاء في محاضراته التي أُلقيت قبل خمسين سنة :
    إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة ، يعترف ببطلان تلك المزعمة « التحريف » ، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة ، وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدلّ به ، إلى مجعول يلوح منه أمارات الجعل ، إلى غريب يقضي منه العجب ، إلى صحيح يدلّ على أنّ مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره ، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل ، ولولا خوف الخروج عن طور البحث لأرخينا عنان البيان إلى تشريح تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة القرون ، وأوضحنا لك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفّتين ، والاختلاف الموجود بين القرّاء ليس إلا أمراً حديثاً لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين. (3)
1 ـ الندوي : صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم ، طبع لكهنو.
2 ـ النساء : 94.
3 ـ تهذيب الأُصول ( تقريرات الإمام الخميني ) : 96/2.


(443)
    الرسائل المفردة حول صيانة القرآن من التحريف :
    إنّ علماء الشيعة الإمامية لم يقتصروا على هذه الجمل القصيرة حول صيانة الذكر الحكيم من التحريف ، بل ألّفوا حولها رسائل مفردة منذ أربعة قرون :
    1. الشيخ الحر العاملي قد أفرد رسالة في هذا الموضوع أسماها « تواتر القرآن » . (1)
    2. الشيخ عبد العالي الكركي ، فقد ألّف رسالة في نفي النقيصة عن القرآن ، ذكرها العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغي في « آلاء الرحمان » (2) وقد جاء في الرسالة كلام الصدوق ، ثمّ اعترض على نفسه بورود روايات تدلّ على التحريف فأجاب بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنّة المتواترة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه.
    3. المتتبّع البارع الشيخ آغا بزرگ الطهراني مؤلّف « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » ، فقد أفرد رسالة أسماها « النقد اللطيف في نفي التحريف » .
    4. العلاّمة الحجّة الشيخ عبد الحسين الرشتي الحائري ، فقد ألّف رسالة حول الموضوع أسماها « كشف الاشتباه » .
    5. خصّص العلاّمة المحقّق السيد الطباطبائي في ميزانه بحثاً مبسوطاً بصيانة الذكر الحكيم عند تفسير قوله : « إِنّا نَحْنُ نَزّلنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُون » . (3)
    6. إنّ العلاّمة المحقّق السيد الخوئي ـ دام ظلّه ـ قد أفرد بحثاً ضافياً حول
1 ـ أمل الآمل : 31/1.
2 ـ آلاء الرحمن : 26/1.
3 ـ الميزان : 106/12 ـ 137.


(444)
صيانة الذكر الحكيم في كتابه « البيان في تفسير القرآن » ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق فلم يبق في القوس منزعاً.
    7. وقد قام العلاّمة الشيخ رسول جعفريان بتأليف رسالة نافعة حول الموضوع أسماها « أُكذوبة تحريف القرآن » حياه اللّه وبياه.
    8. زميلنا العلاّمة الحجّة الشيخ محمد هادي معرفة ، صدر منه كتاب باسم « صيانة القرآن من التحريف » وهو كتاب جليل.
    9. العالم الجليل السيد علي الميلاني ، قام بنشر كتاب أسماه « التحقيق في نفي التحريف » حفظه اللّه.
    وليست عقيدة الشيعة حول الذكر الحكيم أمراً خفياً على المحقّقين من السنّة ، فهذا علاّمة الهنود رحمة اللّه الهندي نقل عقيدة الشيعة في كتابه ، وقال : « إنّ القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل ، ومن قال منهم : بوقوع النقصان فيه ، فقوله مردود غير مقبول عندهم » . (1)
    وأخيراً نلفت نظر القارئ إلى محقّق عصرنا السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، فقد قال في كتابه « أجوبة موسى جار اللّه » : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ، ثمّ قال : نعوذ باللّه من هذا القول ونبرأ إلى اللّه تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فانّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت ( عليهم السّلام ) ،
1 ـ اظهار الحقّ : 128/2.

(445)
ولا يرتاب في ذلك إلا معتوه. (1)
    ثمّ إنّ المتحاملين على الشيعة في مسألة تحريف القرآن يستندون إلى كتاب « فصل الخطاب » للمحدّث النوري الذي جمع فيه المسانيد والمراسيل التي استدلّبها على النقيصة ، ولكن غفل المتحامل عن الرسائل الكثيرة التي أُلّفت ردّاً عليه وكفى بذلك ما ذكره العلاّمة البلاغي فقال : إنّ القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ، وقد وصف علماء الرجال كلاً منهم بأنّه :
    1. إمّا ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية.
    2. وإمّا أنّه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ، ويروي عن الضعفاء.
    3. وإمّا بأنّه كذّاب متّهم لا أستحلّ أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً ، وأنّه معروف بالوقف وأشدّ الناس عداوة للرضا ( عليه السّلام ).
    4. وإمّا بأنّه كان غالياً كذّاباً.
    5. وإمّا بأنّه ضعيف لا يلتفت إليه ، ولا يعول عليه ومن الكذّابين.
    6. وإمّا بأنّه فاسد الرواية يرمى بالغلوّ ، ومن الواضح أنّ أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً ، هذه حال المسانيد ، وأمّا أكثر المراسيل فمأخوذة من تلك المسانيد. (2)
    هذا وصف إجمالي لهذه الروايات التي يستند إليها أعداء الشيعة في هذه النسبة ، ويكفي في ذلك أنّ ثلاثمائة حديث من هذه الأحاديث ، يرويها السيّاري ، ويكفي في ضعفه قول الرجالي المحقّق النجاشي في حقّه : إنّه ضعيف الحديث
1 ـ أجوبة مسائل موسى جار اللّه : 34.
2 ـ آلاء الرحمن : 26.


(446)
فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل ، متهم بالغلوّ.
    كما أنّ كثيراً من هذه الروايات تنتهي إلى يونس بن ظبيان الذي وصفه النجاشي بقوله : « ضعيف جداً لا يلتفت إلى ما رواه ، كلّ كتبه تخليط » .
    كما أنّ قسماً منه ينتهي إلى منخّل بن جميل الكوفي ، وقد نصّ النجاشي على كونه : « ضعيفاً فاسد الرواية » . (1)

    الكافي كتاب حديث لا كتاب عقيدة
    ثمّ إنّ كلّ من يتهم الشيعة بالقول بالتحريف يستند إلى وجود روايات التحريف في الكافي ، ولكنّه غفل عن أنّ كتاب الكافي في نظر الإمامية ليس كالصحاح في نظر أهل السنّة الذين يقولون : إنّ كلّ ما في البخاري صحيح ، وإنّما هو كتاب فيه الصحيح والضعيف والمرسل وما يوافق الكتاب وما يخالفه ، فلا يمكن الاستدلال بوجود الرواية فيه على عقيدة الشيعة ، و ما يلهج به علماء الحديث في حقّ صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد ويقولون :
وما من صحيح كالبخاري جامعاً ولا مسند يلفي كمسند أحمد
    أقول : إنّ ما يلهجون به في حقّ كتبهم مخصوص بهم ، فليس كلّ ما في الجوامع الحديثية عند الشيعة ، صحاحاً يستدلّ بكلّ حديث ورد فيها في كلّ موضوع ومورد ، بل الاستدلال يتوقّف على اجتماع شرائط الصحّة التي ذكرها علماء الدراية والحديث ، ونحن واللّه نعاني من عدم اطلاع هؤلاء على « أبجدية »
1 ـ راجع في الوقوف على نصوص النجاشي حول هؤلاء الثلاثة ، رجاله : 211/1 برقم 190 وج 423/2 برقم 1211 وص 372 برقم 1128.

(447)
عقائد الشيعة ومداركها ومصادرها.

    التحريف في كتب أهل السنّة
    نحن نجلّ علماء السنّة ومحقّقيهم عن نسبة التحريف إليهم ، ولكن لو كان وجود الرواية في كتب التفسير والحديث دليلاً على العقيدة ؛ فقد رويت أحاديث التحريف في كتبهم ، أيضاً ، ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من هذه الروايات نشير إلى بعضها.
    1. أخرج أبو عبيد في الفضائل وابن مردويه وابن الأنباري ، عن عائشة قال : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) مائتي آية ، فلمّ ـ ا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن » . (1)
    2. عن عمر : « لولا أن يقول الناس : إنّ عمر زاد في كتاب اللّه لكتبت آية الرجم بيدي » . (2)
    3. نقل عن ابن مسعود أنّه حذف المعوذتين من المصحف ، وقال : إنّهما ليستا من كتاب اللّه. (3)
    وهناك روايات كثيرة مبثوثة في كتب التفاسير والحديث والتاريخ تحكي عن طروء التحريف على الذكر الحكيم ، ونحن نقتصر على الأقل القليل منها ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب « أُكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنّة » . (4)
1 ـ الدر المنثور : 180/5 ؛ تفسير القرطبي : 113/14.
2 ـ صحيح البخاري : 69/9 ، بابالشهادة تكون عن الحاكم في ولاية القضاء ، ط مصر ، 1372 هـ.
3 ـ الدر المنثور : 416/6.
4 ـ انظر من ص 27 ـ 33.


(448)
    ونحن نرى أنّ في الإصرار على نسبة التحريف إلى أيّة طائفة من الطوائف الإسلامية ضرراً واسعاً على الإسلام والمسلمين ولا يستفيد منه إلا المستعمرون وأذنابهم.
    وعلى الرغم من كثرة هذه الروايات نحن لا نؤمن بصحّتها كما لا يؤمن علماء أهل السنّة المحقّقون بها ولا تبتني عقيدتهم عليها فهي بين ضعاف السند ، أو ضعاف الدلالة وقبل كلّ شيء تخالف الذكر الحكيم وإجماع الأُمّة.


(449)
كلمة ختاميّة
    نحمد اللّه سبحانه ونشكره على ما أولانا من تفسير كتابه الكريم علي النهج الموضوعي في أجزاء عشرة ، وقد اقتصرنا في بحوثنا علي المسائل العقائديّة ، و تركنا الخوض في غيرها من الموضوعات الّتي جاءت في الكتاب العزيز.
    وقد نجزالجزءالأوّل من هذه الموسوعة عام 1393 هـ ، وهذا هو الجزء العاشر والأخير نزفّه إلي الطبع و نحن في ثنايا عام 1420 هـ.
    والحمد للّه الذي وفقنا لإنجاز ما كنّا نصبو إليه من نشر هذه الأجزاء العشرة ، أسأل اللّه سبحانه أن يعصمنا من الزلل ، في القول والعمل ، انّه بذلك جدير و بالإجابة قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين
جعفر السبحاني
قم ـ موَسسه الإمام الصادق ( عليه السّلام )
في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق لـ 12 من شهر رمضان المبارك
من شهور عام 1420 هـ
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس