وفي بعض التفاسير أنّ المراد من « ردّوها » هو طلب رد الشمس عليه ، فردّت فصلّى العصر. (1) ويدّعي بعض هؤلاء أنّ ما ساقوه من القصة تدل عليه الآيات التالية ، أعني قوله سبحانه : ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحَاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) (2).
فهل لما ذكروه مسحة من الحق أو لمسة من الصدق ، أو أنّ الآيات تهدف إلى أمر آخر خفي على هؤلاء ، وأنّهم أخذوا ما ذكروه من علماء أهل الكتاب ، كما سيوافيك بيانه؟
ونقد هذه القصة المزعومة يتوقف على توضيح مفاد الآيات حتى يقف القارئ على أنّها من قبيل التفسير بالرأي ، الممنوع ، ومن تلفيقات علماء أهل الكتاب التي حمّلت على القرآن وهو بريء منها.
أقول :
1 ـ ( الصافنات ) : جمع « الصافنة » ، وهي الخيل الواقفة على ثلاث قوائم ، الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض حتى يكون على طرف الحافر.
2 ـ ( الجياد ) : جمع « الجواد » ، وهي السراع من الخيل ، كأنّها تجود بالركض.
3 ـ ( الخير ) : ضد « الشر » ، وقد يطلق على المال كما في قوله سبحانه : ( إنْ تَرَكَ خَيراً ) (3) ، والمراد منه هنا هي « الخيل » ، والعرب تسمّي الخيل خيراً ، وسمّى
1 ـ مجمع البيان ناسباً إلى « القيل » : 4/475. 2 ـ ص : 30 ـ 33. 3 ـ البقرة : 180.
(202)
النبيُّ زيد الخيل بـ « زيد الخير » وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة » وكيف لا يكون خيراً ، وهو لم يزل يعد وسيلة الحياة في عامة الحضارات.
4 ـ « الحب » : ضد البغض ، قال في اللسان : أحببته وحببته بمعنى واحد.
5 ـ ( حب الخير ) : بدل عن المفعول المحذوف ، وتقديره إنّي أحببت الخيل حبَّ الخير ، ويريد أنّ حبي للخيل نفس الحب للخير ، لأنّ الخيل كما عرفت وسيلة نجاح الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية ، خصوصاً عند الجهاد مع العدو والهجوم عليه ، ويحتمل أن يكون ( حب الخير ) مفعولاً لا بدلاً عن المفعول.
6 ـ ( عن ذكر ربّي ) : بيان لمنشأ حبّه للخير وسببه ، وأنّ حبه له ناش عن ذكر ربّه.
وتقدير الجملة : أحببت الخير حبّاً ناشئاً عن ذكر اللّه سبحانه وأمره ، حيث أمر عباده المخلصين بالإعداد للجهاد ومكافحة الشرك وقلع الفساد بالسيف والخيل ، ولأجل ذلك قمت بعرض الخيل ، كل ذلك امتثالاً لأمره سبحانه لا إجابة لدعوة الغرائز التي لا يخلو منها إنسان كما أشار إليه سبحانه بقوله : ( زُيِّنَ للِنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ والْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ ) (1).
1 ـ آل عمران : 14.
ويجد نظير تلك الدعوة في الذكر الحكيم ، قال سبحانه : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَِمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (1).
7 ـ فاعل الفعل في قوله : ( حتى توارت بالحجاب ) أي الصافنات الجياد والمقصود : إنّ الخيل أخذت بالركض حتى غابت عن بصره.
8 ـ انّ الضمير في قوله : ( ردّوها ) يرجع إلى الخيل التي تدل عليها الصافنات الجياد ، والمقصود أنّه أمر بردّها عليه بعدما غابت عن بصره.
9 ـ وعند ذلك يطرح السؤال ، وهو : أنّه لماذا أمر بالرد ، وما كان الهدف منه؟ فبيّنه بقوله : ( فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) أي شرع بمسح أعراف خيله وعراقيبها بيده تقديراً لركابها ومربيها الذين قاموا بواجبهم بإعداد وسائل الجهاد.
إلى هنا اتضح مفاد مفردات الآية وجملها ، وعلى هذا تكون الآيات هادفة إلى تصوير عرض عسكري قام به أحد الأنبياء ذوي السلطة والقدرة في أيّام ملكه وقدرته.
وحاصله : انّ سليمان النبي ( الذي أشار القرآن إلى ملكه وقدرته وسطوته وسيطرته على جنوده من الإنس والجن وتعرّفه على منطق الطير ، إلى غير ذلك من صنوف قدرته وعظمته التي خصصها به بين الأنبياء ) قام في عشية يوم بعرض عسكري ، وقد ركب جنوده من الخيل السراع ، فأخذت تركض من بين يديه إلى أنْ غابت عن بصره ، فأمر أصحابه بردّها عليه ، حتّى إذا ما وصلت إليه قام تقديراً لجهودهم بمسح أعناق الخيل وعراقيبها.
1 ـ الأنفال : 60.
(204)
ولم يكن قيامه بهذا العمل صادراً عنه لجهة إظهار القدرة والسطوة أو للبطروالشهوة ، بل إطاعة لأمره سبحانه وذكره حتى يقف الموحدون على وظائفهم ، ويستعدوا للكفاح والنضال ما تمكنوا ، ويهيّئوا الأدوات اللازمة في هذا المجال. (1) وهذا هو الذي تهدف إليه الآيات وينطبق عليها انطباقاً واضحاً ، فهلّم معي ندرس المعنى الذي فرض على الآيات ، وهي بعيدة عن تحمّله وبريئة منه.
نقد التفسير المفروض على القرآن إنّ في نفس الآيات قرائن وشواهد تدل على بطلان القصة التي اتخذت تفسيراً للآيات ، وإليك بيانها :
1 ـ انّ الذكر الحكيم يذكر القصة بالثناء على سليمان ويقول : ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ ) فاسلوب البلاغة يقتضي أن لا يذكر بعده ما يناقضه ويضادّه ، فأين وصفه بحسن العبودية والرجوع إلى اللّه في أُمور دينه ودنياه ، من انشغاله بعرض الخيل وغفلته عن الصلاة المفروضة عليه؟!
ولو فرضت صحة الواقعة ، فلازم البلاغة ذكرها في محل آخر ، لا ذكرها بعد المدح والثناء المذكورين في الآية.
2 ـ انّما يصح حمل قوله : ( أحببت حب الخير عن ذكر ربّي ) على ما جاء في القصة إذا تضمن الفعل ( أحببت ) معنى الترجيح والاختيار ، والتقدير أي أحببت حب الخير مقدّماً إيّاه على ذكر ربّي ومختاراً إيّاه عليه ، وهو يحتاج إلى
1 ـ وقد اختار هذا التفسير السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء : 95 ـ 97 ، والرازي في مفاتيح الغيب : 7/136 ، والمجلسي في البحار : 14/103 ـ 104 من الطبعة الحديثة.
(205)
الدليل.
3 ـ ولو قلنا بالتضمين ، فيجب أن يقال مكان ( عن ذكر ربّي ) « على ذكر ربي » ، أي أحببت حب الخير واخترته على ذكر اللّه ، كما في قوله سبحانه : ( فَاسْتَحَبُّوا العَمَى على الهُدَى ) (1) ، وقوله تعالى : ( إنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإيمان ) (2).
4 ـ انّ ضمير الفعل في قوله تعالى : ( توارت ) يرجع إلى الصافنات المذكورة في الآية ، وعلى التفسير المفروض يرجع إلى الشمس ، وليست مذكورة في الآية ، ودلالة لفظ ( بالعشي ) عليها ضعيفة جداً.
5 ـ الضمير في قوله : ( ردّوها ) ـ على المختار ـ يرجع إلى الصافنات ، وعلى التفسير المفروض يرجع إلى الشمس ، وهي غير مذكورة.
6 ـ انّ الخطاب في قوله : ( ردّوها ) على المختار متوجه إلى رؤساء الجنود وهو واقع موقعه ، وعلى التفسير المنقول عن بعضهم (3) يكون متوجهاً إلى الملائكة ، وهو لا يناسب ، إلاّ كونه منه سبحانه لعلوّه واستعلائه ، لا من مثل سليمان بالنسبة إليهم.
7 ـ لا شك أنّ للصفوة من عباده سبحانه ولاية تكوينية ومقدرة موهوبة على التصرّف في الكون بإذنه سبحانه ، لغايات مقدّسة لإثبات نبوّتهم وكونهم مبعوثين من اللّه سبحانه لهداية عباده ، وتدلّ عليها آيات كثيرة تعرضنا لبعضها في كتابنا مفاهيم القرآن (4). ولم يكن المقام هنا مناسباً للتحدّي حتى يتوصل إلى
1 ـ فصلت : 17. 2 ـ التوبة : 23. 3 ـ نسبه الطبرسي إلى « القيل » كما مرَّ. 4 ـ لاحظ الجزء الأول : 444 ـ 446.
(206)
الإعجاز والتصرّف في الكون بالأمر برد الشمس ، فإنّ الصلاة الفائتة لو كانت مفروضة فجبرانها بقضائها ، ولو كانت مسنونة فلا إشكال في فوتها ، فلم يكن هناك لزوم للتصرّف في الكون وأمر ملائكة اللّه بردّها حتى يأتي بالصلاة المسنونة.
8 ـ لو كان المراد من ( ردّوها ) طلب رد الشمس من ملائكته سبحانه ، فاللازم أن يذكر الغاية من ردّها بأن يقول : حتى أتوضّأ وأُصلي ، وليس لهذا ذكر في الآية ، بل المذكور قوله : ( فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) ، وهذا يعرب عن أنّ الغاية المترتبة على الرد هي مسح السوق والأعناق ، لا التوضّؤ والصلاة.
9 ـ انّ تفسير المسح بالقطع ، تفسير بلا دليل ، إذ المتبادر من المسح هو إمرار اليد عليها لا قطعها واجتثاثها ، ولو كان هذا هو المراد ممّا ورد في القصة فالأنسب أن يقول : فطفق ضرباً بالسوق ، لا مسحاً.
10 ـ انّ التفسير المذكور ينتهي إلى كذّاب الأحبار ، وهو كعب الذي لم يزل يدسّ في القصص والأخبار بنزعاته اليهودية ، ومن أراد أن يقف على دوره في الوضع والكذب وغير ذلك في هذا المجال فعليه أن يرجع إلى أبحاثنا في الملل والنحل.
11 ـ انّ بعض المفسرين قاموا بتفسير قوله : ( فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) بمسحها بالماء كناية عن الوضوء. وهو في ضعفه كما ترى ، إذ لو كان المراد ما ذكره ذلك البعض ، فلماذا بدل الغسل بالمسح ، والساقين بالسوق والعنق بالأعناق ، مع أنّه لم يكن لسليمان إلاّ ساقان وعنق واحد؟
12 ـ إنّ قتل الخيل التي عبّر عنها نفس سليمان ( بالخير ) بحجة أنّ الاشتغال بعرضها صار سبباً لفوت الصلاة أشبه بعمل إنسان لا يملك من العقل شيئاً ، وحاشا سليمان الذي آتاه اللّه الحكم والعلم وسلّطه على الأرض من الإنس
(207)
والجن والسماء ، من هذا العمل الذي لا يقترفه السفلة من الناس إلاّ المجانين منهم ، ولا العاديّون من السوقة ، فضلاً عن أنبياء اللّه وأوليائه المنزّهين.
وفي الختام نلفت نظر القارئ إلى ما ذكره « سيد قطب » في تفسير هذه الآيات في تفسيره قال :
أمّا قصة الخيل : انّ سليمان ( عليه السلام ) استعرض خيلاً له بالعشي ، ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب ، فقال : ردّوها عليّ ، فردّوها عليه ، فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربّه.
وفي رواية : روي أنّه جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها ، لأنّها كانت خيلاً في سبيل اللّه.
ثم قال : وكلتا الروايتين لا دليل عليها ، ويصعب الجزم بشيء منها. (1) والعجب من السيد أنّه أعطى الروايتين مكانة واحدة مع أنّ الأُولى تضاد حكم العقل ، وسيرة الأنبياء والعلماء ، لذلك يسهل الجزم ببطلانها ، وأمّا الثانية فهي تنطبق على ظاهر الآيات كمال الانطباق ، وهو المروي عن حبر الأُمّة ابن عباس.
وقد نقل الرواية الأُولى عن أُناس كانوا لا يتحرّزون من الأخذ عن الأحبار المستسلمين ، فنقلها الطبري في تفسيره ، عن السدي وقتادة ، حتى أنّ الطبري مع نقله أُولى الروايتين اختار قول ابن عباس واستوجهه ، وقال : إنّ نبي اللّه لم يكن ليعذب حيواناً بالعرقبة ، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب سوى أنّه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها. (2) 1 ـ في ظلال القرآن الكريم : 23/100. 2 ـ تفسير الطبري : 3/100.
(208)
ولا يقصر عنه ما نقله السيوطي في « الدر المنثور » من الأساطير حول هذه الخيول ، فروي عن إبراهيم التميمي أنّه قال : كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة ، فعقرها; وفي الوقت نفسه نقل قول ابن عباس في تفسير المسح : ظل سليمان يمسح أعراف الخيل وعراقيبها. (1) هذا حال التفسير المفروض على الآية ، وهناك مستمسك آخر في مورد سليمان للمخطّئة نأتي به.
الفتنة التي امتحن بها سليمان قال سبحانه : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأحَد مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (2).
وتوضيح مفاد الآيات يترتب على البحث عن الأُمور التالية :
1 ـ ما هي الفتنة التي امتحن بها سليمان؟
2 ـ ما معنى طلب المغفرة مع التمسّك بحبل العصمة؟
3 ـ لماذا يطلب لنفسه الملك؟
4 ـ لماذا يطلب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده؟
أمّا السؤال الأوّل : فليس في الآيات الواردة في المقام ما يكشف عن حقيقتها.
وأمّا الروايات فقد نقل أهل الحديث حول تبيين الفتنة روايات يلوح منها
1 ـ الدر المنثور : 5/309. 2 ـ ص : 34 ـ 35.
(209)
أنّها إسرائيليات ، بثّها أحبار اليهود بين المسلمين ، وقد ابتلي بها المسلمون في كثير من المجالات التفسيرية والتاريخية والعقائدية و ... فالرجاء من اللّه سبحانه أن يقيض جماعة من المثقفين والمحقّقين ويوفّقهم لتهذيب الكتب الإسلامية منها وتنقيحها عن مروياتهم.
ولكن من بين هذه الروايات ما يمكن أن يعتمد عليه ، وهو ما قيل : كان لسليمان ولد شاب ذكي كان يحبّه حبّاً شديداً ، فأماته اللّه على بساطه فجأة بلا مرض ، اختباراً من اللّه تعالى لسليمان وابتلاء لصبره في إماتة ولده ، وألقى جسمه على كرسيه. (1) ولا شك أنّ الابتلاء بموت الولد الشاب من أعظم الابتلاءات ، والصبر في هذا المجال وتفويض الأمر إلى اللّه سبحانه آية كمال النفس ، فلم يكن الهدف من الابتلاء إلاّ أن يتفتح الكمال المركوز في ذاته ، حتى يخرج من القوّة إلى الفعل ، وسنوضح فلسفة الابتلاء عند البحث عن ابتلاء إبراهيم بالكلمات فانتظر.
والعجب أن سيد قطب قد اعتمد في تفسير الفتنة على رواية يبدو أنّها من الإسرائيليات التي أخذها أبو هريرة عن كعب الأحبار ، قال : ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسير « الجسد الذي أُلقي على كرسي سليمان » سوى حديث صحيح ، في ذاته ، ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة. وهذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً ، ونصه : « قال سليمان : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة ، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل اللّه ، ولم يقل « إن شاء اللّه » ، فطاف سليمان عليهن ، فلم تحمل إلاّ امرأة جاءت بشق رجل ، والذي نفسي بيده : لو قال إن شاء اللّه لجاهدوا في سبيل
1 ـ تنزيه الأنبياء : 99 الطبعة القديمة.
اللّه فرساناً أجمعون ».
ثم قال السيد : وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات ، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق ، ولكن هذا مجرد احتمال. (1) نحن لا نعلّق على هذا الحديث شيئاً وإنّما نترك القضاء فيه إلى القارئ لكي يقضي فيه ، وكفى في ضعفه أنّه من مرويات أبي هريرة ، وقد وصفها سيد قطب بأنّها مجرّد احتمال كما عرفت.
وبذلك يعلم الجواب عن السؤال الثاني ، فالظاهر أنّه كان له ( عليه السلام ) فيه رجاء أو أُمنية ، فأماته وألقاه على كرسيه ، حتى يوقفه على أنّ حق العبودية تفويض الأمر إلى اللّه والتسليم إليه ، ولعل هذا المقدار من الرجاء وعقد الأُمنية على الولد يعد نحو انقطاع من اللّه إلى الولد.
وهو وإن لم يكن معصية ولكن الأليق بحال الأولياء غيره ، ولأجل ذلك لما استشعر بوظيفته التي يوجبها مقامه ، أناب إلى اللّه ورجع إليه وطلب المغفرة كما يقول سبحانه : ( ثم أناب * قال رب اغفر لي ).
وقد تكرر منّا أنّ طلب المغفرة ليس دليلاً على العصيان وصدور الذنب ، بل كل فعل أو ترك صدر من الرجال العارفين بحقيقة الربوبية وعمق العبودية ، وكان الأولى والأليق خلافه ، استوجب طلب الغفران ، وإن لم يكن معصية وخلافاً في منطق الشرع ، ولأجل ذلك انّ أولياء اللّه لم يزالوا مستغفرين كل يوم وليلة لسعة استشعارهم بعظمة الوظيفة في مقابل عظمة الخالق.
وأمّا السؤال الثالث : أعني طلب الملك من اللّه سبحانه ، فلم يكن الملك
1 ـ في ظلال القرآن الكريم : 23/99.