هندي الأصل بريطاني الجنسيّة و الدراسة و قد ترجم الكتاب بإيعاز من الدول المستعمرة إلى أكثر اللغات العالميّة مع أنّه ليس بكتاب أدبي و لا علمي ولاتاريخي ، بل أشبه بأضغاث أحلام نسجها الخيال و روّج لها الإستعمار ، و إليك القصّة على وجه الإجمال : « جلس رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذ أن لايأتيه من اللّه شيء فينفروا عن ، فأنزل اللّه عليه : ( وَ النَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَ مَا غَوَى ) فقرأه رسول اللّه حتى إذا بلغ ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الاُخْرَى ) ألقى عليه الشيطان كلمتين : « تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَ إِنَّ لَشَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى » فتكلّم بها ثمّ مضى فقرأ السورة كلّها فسجد في اّخر السورة و سجد القوم جميعاً معه ، و رفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه و كان شيخاً كبيراً لايقدر على السجود ، فرضوا بما تكلّم به ، وقالوا : قدعرفنا أنّ اللّه يحيي و يميت و هو الذي يخلق و يرزق و لكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، إذ جعلت لهانصيباً ، فنحن معك. قالا ( محمد بن كعب القرظي ومحمد ابن قيس ) : فلمّا أمسى أتاه جبرئيل ( عليه السلام ) فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه ، قال : ما جئتك بهاتين ، فقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إفتريت على اللّه و قلت على اللّه ما لم يقل!! فأوحى اللّه عليه : ( وَ إِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لَتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ... ثُمَّ لاَتَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ). فما زال مغموماً مهموماً حتّى نزلت عليه : ( وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَ لاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى اُمْنِيَتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج/52 ) ، قال فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة إنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم ، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا : هم أحبّ إلينا ، فوجدوا القوم قد إرتكسوا حين نسخ اللّه ما يلقي الشيطان » (1).
1 ـ تفسير الطبري الجزء 17 ، ص131.
(192)
و تحقيق القوم في تلك القصّة يتوقّف على البحث عن سند الرواية التي أوردها الطبري في تفسيره و السيوطي في الدر المنثور أوّلاً ، و دراسة متنها و عرضه على العقل و القرآن ثانياً لكي يتجلّى الحق بأجلي مظاهره.
تحليل سند الرواية إنّ هذه الروايات لايمكن الإحتجاج بهالوجهين : الأوّل : إنّ أسانيدها تنتهي إلى التابعين الذين لم يدركوا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ). من أمثال : 1 ـ محمد بن كعب القرظي 2 ـ محمد بن قيس 3 ـ أبو العالية 4 ـ سعيد بن جبير 5 ـ الضحّاك 6 ـ ابن شهاب. و لم يدرك واحد منهم النبي قطّ و هم قد ساقوا القصّة من دون أن يذكروا الواسطة بينهم و بينه ، و إليك نصوص علماء الرجال في حقّهم : الف ـ محمد بن كعب القرظي قال ابن حجر : قال العجلي : مدني تابعي ... و قال البخاري : إنّ أباه كان ممّن لم يَثْبُت يوم قريظة فترك ، و ما نقل من قتيبة من أنّه ولد في عهد النبي لاحقيقة له. إنّما الذي ولد في عهده ، هو أبوه ، و قد ذكروا إنّه كان من سبي قريظة ممّن لميحتلم و لم ينبت فخلّوا سبيله ، حكي ذلك البخاري في ترجمة محمد ، و يدلّ على ذلك إنّه مات سنة 108 هـ ق و قيل : 117 هـ ق و هو ابن ثمان و سبعين سنة ، وجاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من طرق أنّه قال : يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لايدرسها أحد يكون بعده. قال ربيعة : فكنّا نقول : هو محمد بن كعب ، و الكاهنان قريظة و النضير ـ إلى أن يقول ـ :
(193)
... فكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف ، فمات هو وجماعة معه (1). ب ـ محمد بن قيس و هو محمد بن قيس المدني قاض عمر بن عبد العزيز ، روى عن أبي هريرة وجابر ، و يقال : مرسل ، توفّي أيام الوليد بن يزيد. روى عنه أبو معشر ـ قال ابن معين : ليس بشيء لايروى عنه (2). ج ـ ابن شهاب و هو محمد بن مسلم الزهري ـ كان يدلّس في النادر ـ و هو أحد التابعين بالمدينة ، و قال ابن حجر محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب ابن عبداللّه بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري و كنيته أبو بكر و هو من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة خمس وعشرين [ بعد المائة ] وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين (3). د ـ أبو العالية و هو رفيع بن مهران الرياحي أدرك الجاهلية و أسلم بعد وفاة النبي بسنتين ودخل على أبي بكر وصلّى خلف عمر ... حتى قيل : إنّه أدرك عليّاً ولم يسمع منه (4).
1 ـ تهذيب التهذيب ج9 ص421. 2 ـ تهذيب التهذيب ج9 ص414. 3 ـ ميزان الإعتدال ج4 ص40 ، و تقريب التهذيب ج2 ص207 ، و وفيات الاعلام ج4 برقم563. 4 ـ تهذيب التهذيب ج3 ص384.
(194)
هـ ـ سعيد بن جبير فهو سعيد بن جبير الكوفي روى عن ابن عباس و ابن الزبير و غيره ، قتله الحجاج صبراً سنة95 (1). و ـ الضحّاك و هو الضحّاك بن عثمان. قال أبو زرعة : ليس بقوي ، و قال أبو حاتم : يكتب حديثه و لايحتج به. مات بالمدينة سنة ثلاث و خمسين (2). هؤلاء الذين ينتهي إليهم السند كلّهم تابعون ، نعم رواه الطبري أيضاً عن ابن عباس فهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ـ مات سنة ثمان و ستين بالطائف و هو أحد المكثرين من الصحابة ، و لكنّه لم يكن حاضراً في زمن القصة بل لم يكن متولّداً فيه ( لأنّ تاريخها يرجع إلى السنة الخامسة من البعثة و هو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ) فتكون روايته مقطوعة. و على كل تقدير فكل ما رواه الطبري في هذا المجال مراسيل أو مقطوعات لايمكن الإحتجاج بها. الثاني : إنّ الأسانيد تشتمل على رجال ضعاف لايمكن الإحتجاج بهم سوى طريق سعيد بن جبير و قد عرفت أنّه أيضاً مرسل. هذا ما لدى الطبري في تفسيره و أمّا ما نقله السيوطي فلايقصر عمّا نقله الطبري في الضعف و الإرسال ، و قدرواه عن « أبي صالح » و أبي بكر بن عبد الرحمان ا بن الحارث و « السدى » أيضاً.
1 ـ تهذيب التهذيب ج4 ص11. 2 ـ تهذيب التهذيب ج4 ص447.
(195)
أمّا الأوّل فهو مشترك بين 19 شخصاً لم يرو واحد منهم عن النبي فالجلّ لولا الكل تابعون (1). و أمّا الثاني فهو أبوبكر بن عبد الرحمان بن الحارث ولد في خلافة عمر (2). و أمّا الثالث فهو محمد بن مروان تابعي. قال ابن معين : ليس بثقه ، قال ابن غير : ليس بشيء و كان كذّاباً (3). نعم رواه أيضاً عن سعيد بن جبير و ابن عباس و قد عرفت حالهما ، و رواه عن السدي و هو أيضاً تابعي. مضافاً إلى إشتمال الإسناد على رجال ضعاف و أمّا ذكره السيوطي من أنّه أخرج الطبراني و البزاز و ابن مردويه و الضياء في المختار بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فهو غير صحيح لما عرفت من أنّ المرسل والمقطوع لايوصفان بالصحة على الإطلاق و لو وصفا بالصحّة فالمراد هو الصحّة النسبية ، فلايحتج بها. إنّ علماء الإسلام و أهل العلم و الدراية من المسلمين ، قد أشبعوا هذه الرواية نقضاً وردّاً و إبراماً فوصفها السيد مرتضى : بأنّها خرافة وضعوها (4). و قال النسفي عند القول بها : غير مرضي. و قال الخازن في تفسيره : إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة ، و لاأسندها ثقة بسند صحيح ، أو سليم متّصل ، و إنّما رواها المفسّرون و المؤرّخون المولعون بكل غريب ، الملفّقون من الصحف كل صحيح و سقيم ، و الذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها و إنقطاع سندها و إختلاف ألفاظها (5).
1 ـ راجع تهذيب التهذيب ، ج12 ص 130 ـ 131. 2 ـ تهذيب التهذيب ج12 ص 130 ـ 133. 3 ـ تهذيب التهذيب ج9 ص436 برقم 719. 4 ـ تنزيه الأنبياء ص109. 5 ـ الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص130.
(196)
و قال القاضي عياض : إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحّة ولا رواه ثقة بسنده سليم متصل ، و إنّما أولع به المفسّرون ، و المؤرّخون ، المولعون بكل غريب ، و المتلقّفون من الصحف كل صحيح و سقيم ، و صدق القاضي بكر بن العلا المالكي حيث قال : لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء و التفسير ، و تعلّق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته ، و إضطراب رواياته ، و إنقطاع أسناده و إختلاف كلماته (1). و قال أمين الإسلام الطبرسي : أمّا الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة و مضعّفة عند أصحاب الحديث ، و قد تضمّنت ما ينزّه الرسل عنه ، فكيف يجوز ذلك على النبي و قدقال سبحانه : ( كَذَلِكَ لِنَثبتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) و قال : ( سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنْسَى ). و أقصى ما يمكن أن يقال : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لماتلا سورة والنجم و بلغ إلى قوله : ( أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَ العُزَّى وَ مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الاُخْرَى ) علمت قريش من عادته أنّه كان يعيبها ، قال بعض الحاضرين من الكافرين : ( تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى ) ف ـ ظنّ الجهال أن ذلك من قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2). و قال السيّد الطباطبائي : إنّ الأدلّة القطعية على عصمته تكذّب متنها ، و إن فرضت صحّة سندها ، فمن الواجب تنزيه ساحته المقدّسة عن مثل هذه الخطيئة ، مضافاً إلى أنّ الرواية تنسب إليه أشنع الجهل و أقبحه فقد تلا « تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى » و جهل أنّه ليس من كلام اللّه ، و لانزل به جبرئيل ، و جهل أنّه كفر صريح يوجب الإرتداد ، و دام على جهله ، حتى سجد و سجدوا في آخر السورة ، و لم يتنبّه ثمّ دام على جهله حتى نزل عليه جبرئيل ، و أمره أن يعرض عليه السورة فقرأها عليه و أعاد الجملتين و هو مصر على جهله ، حتى أنكره عليه جبرئيل ، ثمّ أنزل عليه آية تثبت نظير هذا الجهل الشنيع و الخطيئة الفاضحة لجميع الأنبياء
1 ـ الشفاء ج2 ص126. 2 ـ الطبرسي مجمع البيان ج4 ص61و62.
(197)
والمرسلين و هي قوله : ( وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَ لاَنَبِىَّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى اُمْنِيَّتِهِ ).
لو جاز مثل هذا التصرّف من الشيطان في لسانه بالقائه جملة أو جملتين ، في ثنايا الوحي ، لارتفع الأمن عن الكلام الإلهي ، فكان من الجائز حينئذ أن تكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان فيلقي نفس هذه الآية ( وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَ لاَنَبِىّ ) فيضعه في لسان النبي و ذكره ، فيحسبها من كلام اللّه الذي نزل به جبرئيل كما حسب حديث الغرانيق كذلك ـ إلى أن قال ـ و بذلك يرتفع الإعتماد والوثوق بكتاب اللّه من كل جهة ، و تلغى الرسالة و الدعوة النبويّة بالكليّة جلّت ساحة الحق من ذلك (1). هذا كلّه راجع إلى إسناد الرواية و كلمات العلماء بشأنه ، وأمّا ما يرجع إلى متنها فنشير إلى أمرين كل واحد كاف لإبطال الرواية :
تحليل متن الرواية 1 ـ إنّ هذه الروايات أجمعت على أنّ النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرأ سورة والنجم فلمّا بلغ إلى قوله ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَ العُزَّى وَ مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الاُخْرَى ) وسوس إليه الشيطان بهاتين الجملتين ثمّ مضى في التلاوة حتى إذا بلغ آية السجدة في آخر السورة ، سجد و سجد معه المشكرون. فنقول : إنّ الذين كانوا في المسجد كانوا على قدر من الوعي و الدراية فكيف يعقل منهم أنّهم سمعوا هاتين الجملتين ، اللتين تتضمّنان مدح أصنامهم و أوثانهم ، و غاب عن سمعهم ما يتضمّن التنديد و الازراء بشأن آلهتهم ، فإنّه قدجاء بعد هاتين الجملتين المدّعيتين قوله سبحانه : ( إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَ آبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ مَا تَهْوَى الأَنْفُس وَ لَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ1 ـ الطباطبائي : الميزان ج14 ص435و436.
(198)
رَبِّهِمْ الهُدَى ) ( النجم/33 ).
فهل يتعقّل أن ينسب إلى أوتاد الفصاحة و البلاغة أنّهم أقنعوا بهاتين الجملتين ، و فاتهم ما تضمّنته الآيات الكثيرة التي أعقبتها. فهذه حجة بالغة على أنّ واضع القصة كان غافلاً عن تلك الآيات التي ترد على هاتين الجملتين بصلابة. 2 ـ إنّ وجود التناقض في طيّات الرواية من جهات شتّى دليل واضح على كونها مختلقة حاكتها أيدي القصّاصين. و أمّا بيان ذلك التناقض فمن وجوه : أ ـ تروي الروايات أنّ النبي و المسلمين و المشركين سجدوا إلاّ الوليد ابن المغيرة فإنّه لم يتمكّن من السجود لشيخوخته ، و قيل مكانه سعيد بن العاص ، و قيل كلاهما ، و قيل : اُميّة بن خلف ، و قيل : أبو لهب ، و قيل : المطّلب. ب ـ تضمّن بعضها أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرأها و هو قائم يصلّي ، و تضمّن البعض الآخر أنّه قرأها بينما هو جالس في نادي قومه. ج ـ يقول بعضها حدّث بها نفسه و آخر جرت على لسانه. د ـ يقول بعضها أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تنبّه لها حين تلاوتها ، والآخر أنّه لم يتنبّه إلى المساء حتى جاء إليه جبرئيل فعرضها عليه ثمّ تبيّن له الخطأ ، إلى غير ذلك من وجوه التناقض التي يقف عليها المتتبع عند التأمّل و إمعان النظر في متون الروايات المختلفة التي جمعها ابن جرير و السيوطي في تفسيرهما. فحصيلة الكلام : إنّ الرواية بشتّى طرقها وصورها لاتصحّ الإحتجاج بها لكون إسنادها مراسيل و مقاطيع من جانب ، و كونها متضاربة المضمون من جانب آخر ، والذي يسقط الرواية عن الحجّية أنّها تنتهي إلى قصّاصين نظير محمد بن كعب
(199)
القرظي و محمد بن قيس ، و هما مولعان بذكر كل صحيح و سقيم في أنديتهم ومجالسهم ، لأنّ لكل غيريب لذّة ، ليس في غيره ، خصوصاً أنّ محمد بن كعب ابن بيت يهودي أباد النبي قبيلته ، و لم يبق منه إلاّ نفراً قليلاً ، فمن المحتمل جداً أنّه حاكها على نول الوضع لينتقم من النبي الأكرم و ليشوِّه عصمته ، و الآفة كل الآفة من هؤلاء المستسلمين مثل كعب الأحبار و وهب بن منبه.
ثمّ إنّ الآية التي زعمت الرواية أنّها نزلت في تلك الواقعة أعني قوله سبحانه : ( وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَ لاَنَبِىّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى اُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج/52 ). وقدفرغنا من تفسيره في هذه الموسوعة عند البحث عن عصمة الأنبياء فلانعيد (1).
1 ـ مفاهيم القرآن ج4 ص348 ـ 450.