المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 406 ـ 420
(406)
فَغَادَرَهُ في مَارِقِ الْحرْبِ مَارِقٌ فَمَالَ عن الطرفِ الجَوَادِ أخو النَّدَى سِنَانُ سِنَان خَارِقٌ منه في الحَشَا تجرُّ عليه العاصفاتُ ذُيُولَها فَرُجَّت له السبعُ الطِّبَاقُ وزُلزلت فَيَا لَكَ مقتولا بكته السَّمَا دَمَاً مَلاَبِسُهُ في الحربِ حُمْرٌ من الدِّما بِسَهْم لِنَحْرِ السِّبْطِ مِنْ وَقْعِهِ نَحْرُ الجَوَادُ قتيلا حَوْلَهُ يَصْهَلُ المُهْرُ وَصَارِمُ شِمْر في الوريدِ له شمرُ وَمِنْ نَسْجِ أيدي الصَّافِنَاتِ له طِمْرُ رَوَاسِي جِبَالِ الأرضِ والتطمَ البَحْرُ فَمُغْبَرُّ وَجْهِ الأرضِ بالدمِ مُحْمَرُّ وَهُنَّ غَدَاةَ الحشرِ من سُنْدُس خُضْرُ (1)
    قالوا : فوقف ( عليه السلام ) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال  ، فبينما هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع في جبهته  ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه  ، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب  ، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض الروايات على قلبه ـ فقال الحسين ( عليه السلام ) : بسم الله وبالله  ، وعلى ملّة رسول الله  ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي! إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيٍّ غيره  ، ثمَّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه  ، فانبعث الدم كالميزاب  ، فوضع يده على الجرح  ، فلمَّا امتلأت رمى به إلى السماء  ، فما رجع من ذلك الدم قطرة  ، وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين ( عليه السلام ) بدمه إلى السماء  ، ثمَّ وضع يده ثانياً  ، فلمَّا امتلأت لطَّخ بها رأسه ولحيته  ، وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا مخضوب بدمي  ، وأقول : يا رسول الله! قتلني فلان وفلان.
    ثمَّ ضعف عن القتال فوقف  ، فكلَّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه  ، حتّى جاءه رجل من كندة يقال له : مالك بن النسر  ، فشتم الحسين ( عليه السلام ) وضربه بالسيف على رأسه  ، وعليه برنس فامتلأ دماً  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا أكلت بها ولا شربت  ، وحشرك الله مع الظالمين  ، ثمَّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمَّ عليها  ،
1 ـ الغدير  ، الأميني : 7/16.

(407)
وقد أعيى  ، وجاء الكندي وأخذ البرنس وكان من خزٍّ  ، فلمَّا قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه  ، فقالت له امرأته : أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله ؟ اخرج عنّي  ، حشى الله قبرك ناراً  ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوأ حال  ، ويبُست يداه  ، وكانتا في الشتاء تنضحان دماً  ، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان.
    وقال الشيخ المفيد والسيِّد ابن طاووس عليهما الرحمة : فلبثوا هنيئة  ، ثمَّ عادوا إليه وأحاطوا به  ، فخرج عبدالله بن الحسن بن علي ( عليهم السلام ) ـ وهو غلام لم يراهق ـ من عند النساء يشتدُّ حتى وقف إلى جنب الحسين ( عليه السلام )   ، فلحقته زينب بنت علي ( عليه السلام ) لتحبسه  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : احبسيه يا أختي! فأبى وامتنع امتناعاً شديداً  ، وقال : لا والله لا أفارق عمّي  ، وأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كأهل ـ إلى الحسين ( عليه السلام ) بالسيف  ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة! أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف  ، فاتّقاه الغلام بيده فأطنَّها إلى الجلد فإذا هي معلَّقة  ، فنادى الغلام : يا أمّاه  ، فأخذه الحسين ( عليه السلام ) فضمَّه إليه  ، وقال : يابن أخي! اصبر على ما نزل بك  ، واحتسب في ذلك الخير  ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين  ، قال السيِّد : فرماه حرملة بن كأهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمِّه الحسين ( عليه السلام ) (1).
    قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين ( عليه السلام ) فطعنه بالرمح  ، ثم قال : عليَّ بالنار أحرقه على مَنْ فيه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يا ابن ذي الجوشن! أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي  ، أحرقك الله بالنار  ، وجاء شبث فوبَّخه فاستحيى وانصرف.
    قال الراوي : ولما أُثخن ( عليه السلام ) بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة  ، فسقط ( عليه السلام ) عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن  ، ثم
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/110  ، اللهوف  ، ابن طاووس : 72.

(408)
قام صلوات الله عليه.
    ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
فَتَلَقَّى الجُمُوعَ فَرْداً ولكنْ رُمْحُهُ مِنْ بَنَانِهِ وَكَأنْ مِنْ زَوَّجَ السَّيْفَ بالنُّفُوسِ ولكنْ كُلُّ عُضْو في الرَّوْعِ منه جُمُوعُ عَزْمِهِ حَدُّ سَيْفِهِ مطبوعُ مَهْرُها الموتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ
    ويقول في رائعة أخرى :
رَكِينٌ وَلِلأَرْضِ تَحْتَ الْكُمَاةِ أَقَرُّ على الأرضِ مِنْ ظَهْرِهَا تَزِيدُ الطَّلاَقَةُ في وَجْهِهِ عَفِيراً مَتَى عَايَنَتْهُ الكُمَاةُ فَمَا أَجْلَت الحربُ عَنْ مِثْلِهِ رَجِيفٌ يُزَلْزِلُ ثَهْلاَنَها إِذَا مَلْمَلَ الرُّعْبُ أَقْرَانَها إِذَا غَيَّرَ الْخَوْفُ أَلْوَانَها يَخْتَطِفِ الرُّعْبُ ألْوَانَها صَرِيعاً يُجَبِّنُ شُجْعَانَها
    قال : وخرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي : واأخاه! واسيِّداه! وا أهل بيتاه! ليت السماء أطبقت على الأرض  ، وليت الجبال تدكدكت على السهل.
    قال : وصاح الشمر : ما تنتظرون بالرجل ؟ فحملوا عليه من كل جانب  ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه  ، وضرب الحسين زرعة فصرعه  ، وضربه آخر على عاتقه المقدَّس بالسيف ضربة كبا ( عليه السلام ) بها لوجهه  ، وكان قد أعيى  ، وجعل ( عليه السلام ) ينوء ويكبو  ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته  ، ثمَّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره  ، ثمَّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره  ، فسقط ( عليه السلام ) وجلس قاعداً  ، فنزع السهم من نحره  ، وقرن كفّيه جميعاً  ، وكلَّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته  ، وهو يقول : هكذا حتى ألقى الله مخضَّباً بدمي  ، مغصوباً عليَّ حقّي (1)
1 ـ اللهوف  ، ابن طاووس : 72 ـ 74.

(409)
    قال حميد بن مسلم : وخرجت زينب بنت علي ( عليه السلام ) وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض  ، يا عمر بن سعد! أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه ؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته  ، وهو يصرف وجهه عنها  ، والحسين ( عليه السلام ) جالس  ، وعليه جبّة خزٍّ  ، وقد تحاماه الناس  ، فنادى شمر : ويلكم  ، ما تنتظرون به ؟ قد أثخنته الجراح والسهام اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم  ، فحملوا عليه من كل جانب قال الراوي : وهو يكبو مرّة ويقوم أخرى  ، فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه وفي رواية فوقع ( عليه السلام ) على خده الأيمن  ، وقال لخولي بن يزيد : اجتزَّ رأسه! فضعف وارتعدت يده  ، فقال له سنان : فتَّ الله عضدك  ، وأبان يدك  ، فنزل إليه شمر لعنه الله  ، وكان اللعين أبرص  ، فضربه برجله فألقاه على قفاه  ، ثمَّ أخذ بلحيته  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي  ، فقال : أتشبِّهني بالكلاب ؟ ثمَّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين ( عليه السلام ).
    وروى في المناقب بإسناده عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كنّا مع الحسين بنهر كربلا  ، ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص فقال : الله أكبر ! الله أكبر ! صدق الله ورسوله  ، قال رسول الله : كأنّي أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي.
    وقيل : جاء إليه شمر وسنان بن أنس  ، والحسين ( عليه السلام ) بآخر رمق  ، يلوك لسانه من العطش  ، ويطلب الماء  ، فرفسه شمر ـ لعنه الله ـ برجله  ، وقال : يا ابن أبي تراب! ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) يسقي مَنْ أحبَّه  ، فاصبر حتى تأخذ الماء من يده  ، ثم قال لسنان : اجتزَّ رأسه قفاء  ، فقال سنان : والله لا أفعل  ، فيكون جدُّه محمد ( صلى الله عليه وآله ) خصمي.
    فغضب شمر لعنه الله  ، وجلس على صدر الحسين  ، وقبض على لحيته  ، وهمَّ بقتله  ، فضحك الحسين ( عليه السلام )   ، فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا ؟ فقال : أعرفك حقَّ


(410)
المعرفة : أمُّك فاطمة الزهراء  ، وأبوك عليُّ المرتضى  ، وجدُّك محمد المصطفى أقتلك ولا أبالي  ، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة  ، ثم جزَّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه  ، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم.
فتك العصفور بالصقر فياللعجب حيدر آجرك الله بعالي الرتب ذبح الشمرُ حسيناً ليتني كنتُ فداه مادرى الملعون شمرٌ أيَّ صدر قد رقاه ذبح الشمر حسيناً غيرة الله اغضبي أدرك الأعداء منه ثار بدر وحنين وغدا الأملاك تنعاه خصوصاً عتقاه صدر من داس فخاراً فوق هام الفرقدين
قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة : روى أبو مخنف عن الجلودي أنه لمَّا صُرع الحسين ( عليه السلام ) جعل فرسه يحامي عنه  ، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه  ، حتى قتل الفرس أربعين رجلا  ، ثم تمرَّغ في دم الحسين ( عليه السلام )   ، وقصد نحو الخيمة وله صهيل عال  ، ويضرب بيده الأرض.
    وقال السيِّد رضي الله عنه : فلمَّا قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة  ، فيها ريح حمراء  ، لا ترى فيها عين ولا أثر  ، حتّى ظنَّ القوم أنَّ العذاب قد جاءهم  ، فلبثوا كذلك ساعة ثمَّ انجلت عنهم.
    وروى هلال بن نافع  ، قال : إنّي لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيُّها الأمير  ، فهذا شمر قد قتل الحسين  ، قال : فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه  ، وإنه ليجود بنفسه  ، فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمَّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً  ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله  ، فاستسقى في تلك الحالة ماء  ، فسمعت رجلا يقول : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها  ، فسمعته يقول : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها ؟ بل أرد على جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وأسكن معه في داره  ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر  ، وأشرب من ماء غير آسن  ، وأشكوا إليه ما ركبتم منّي وفعلتم بي  ، قال :

(411)
فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً  ، فاجتزّوا رأسه  ، وإنه ليكلِّمهم  ، فتعجَّبت من قلّة رحمتهم  ، وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً (1).
    وجاء في الزيارة الناحية الشريفة : حتّى نكّسوك عن جوادك  ، فهويت إلى الأض جريحاً  ، تطؤك الخيول بحوافرها  ، وتعلوك الطغاة ببواترها  ، قد رشح للموت جبينك  ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك  ، تدير طرفاً خفيّاً إلى رحلك وبيتك  ، وقد شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك  ، وأسرع فرسك شارداً  ، وإلى خيامك قاصداً  ، محمحماً باكياً  ، فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً  ، ونظرن سرجك عليه ملويّاً  ، برزن من الخدور  ، ناشرات الشعور على الخدود  ، لاطمات الوجوه  ، سافرات  ، وبالعويل داعيات  ، وبعد العزِّ مذلَّلات  ، وإلى مصرعك مبادرات  ، والشمر جالس على صدرك  ، مولغ سيفه على نحرك  ، قابض على شيبتك بيده  ، ذابح لك بمهنَّده  ، قد سكنت حواسك  ، وخفيت أنفاسك  ، ورُفع على القنا رأسك.
    وروى محمد بن إسماعيل الرازي  ، عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) قال : قلت له : جُعلت فداك  ، ما تقول في الصوم فإنه قد روي أنهم لا يوفَّقون لصوم ؟ فقال : أما إنّه قد أجيبت دعوة المَلَك فيهم  ، قال : فقلت : وكيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : إن الناس لما قتلوا الحسين صلوات الله عليه أمر الله تبارك وتعالى مَلكاً ينادي : أيَّتها الأمَّة الظالمة القاتلة عترة نبيِّها! لاوفَّقكم الله لصوم ولا لفطر (2).
    وروي عن رزين  ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : لما ضُرب الحسين بن علي ( عليهما السلام ) بالسيف فسقط رأسه ثمَّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش :
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/47 ـ 57.
2 ـ الكافي  ، الكليني : 4/169 ح 1.


(412)
ألا أيَّتها الأمَّة المتحيِّرة الضالّة بعد نبيِّها! لا وفَّقكم الله لأضحى ولا لفطر  ، قال : ثمَّ قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : فلا جرم والله ما وفِّقوا ولا يُوفَّقون حتى يثأر ثائر الحسين ( عليه السلام ) (1) ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
لاَ عِيْدَ لِلإسْلاَمِ بَعْدَ كَرْبَلا فَأَطْعَمَتْ جُسُومَها بِيْضَ الظُّبَا إِذْ ظَفَرَ الشِّرْكُ بِأَرْبَابِ الْوِلاَ وَتَوَّجَتْ بِالرُّوْسِ مِنْهُ الأَسَلاَ
    ويقول أيضاً :
لَمْ يُبْقِ يومُ السِّبْطِ في الأعْيادِ مِنْ مَلأَ الزَّمَان شَجَاً بِخَطْب لَمْ يَكُنْ يوم لِمَنْ وَالاَهُ فيه سُرُورُ أبداً له في الحَادِثَاتِ نظيرُ (2)

    جاء في زيارة عاشوراء : اللهم! إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك ( صلى الله عليه وآله ) في كل موطن وموقف وقف فيه نبيك  ، وجاء فيها أيضا : وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليهم  ، اللهم! فضاعف عليهم اللعن والعذاب  ، اللهم! إني أتقرب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك عليه وعليهم السلام (3).
1 ـ الكافي  ، الكليني : 4/170 ح 3.
2 ـ الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 53.
3 ـ مصباح المتهجد  ، الشيخ الطوسي : 775.


(413)
    فلقد سن بنو أمية للناس الفرح يوم عاشوراء وأمروا الناس بصيامه  ، واتخذوه يوم فرح وسرور  ، وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
كانت مآتم بالعراق تعدها أمية في الشام من أعيادها
    فالصوم لا يكون إلا عن شكر  ، ولا صوم في يوم عاشوراء لأنه يوم مصيبة  ، وهو يوم يتشأم به آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) كما جاء في الرواية  ، لكن بنو أمية أمروا الناس بصيام عاشوراء فرحا بمقتل الحسين ( عليه السلام )   ، وقد نص على ذلك أهل البيت ( عليهم السلام ) في كلماتهم ووصاياهم الشريفة  ، ونبهوا أصحابهم وشيعتهم على ذلك.
    ومن ذلك ما روي عن جعفر بن عيسى قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن صوم عاشورا وما يقول الناس فيه  ، فقال : عن صوم ابن مرجانة (1) تسألني  ، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين ( عليه السلام ) وهو يوم يتشأم به آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ويتشأم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشأم به أهل الإسلام لا يُصام ولا يتبرك به  ، ويوم الإثنين يوم نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه وما أصيب آل محمد إلا في يوم الإثنين فتشأمنا به  ، وتبرك به عدونا  ، ويوم عاشورا قتل الحسين صلوات الله عليه وتبرك به ابن مرجانة  ، وتشأم به آل محمد صلى الله عليهم  ، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان حشره مع الذين سنوا صومهما و التبرك بهما (2).
    وروي عن زيد النرسي قال : سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن صوم يوم عاشورا فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد  ، قال : قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم ؟ قال : النار أعاذنا الله
1 ـ يعني به عبيد الله بن زياد حاكم الكوفة من قبل يزيد بن معاوية زاد الله في النار عذابهما. والأدعياء : جمع دعي وهو المتهم في نسبه أي ولد الزنا.
2 ـ الكافي  ، الكليني : 4/146 ح 5.


(414)
من النار ومن عمل يُقرِّب من النار (1).
    وروي عن عبد الملك قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن صوم تاسوعا وعاشورا من شهر المحرم فقال : تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه  ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها  ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم  ، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين ( عليه السلام ) ناصر ولا يمده أهل العراق ـ بأبي المستضعف الغريب ـ ثم قال : وأما يوم عاشورا فيومٌ أصيب فيه الحسين ( عليه السلام ) صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله ( عراة ) أفصومٌ يكون في ذلك اليوم ؟! لا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين  ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم  ، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام  ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه.. (2).
    وروي عن الحسين بن أبي غندر  ، عن أبيه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة  ، قلت : فصوم يوم عاشوراء ؟ قال : ذاك يوم قُتل فيه الحسين ( عليه السلام )   ، فإن كنت شامتا فصم  ، ثم قال : إن آل أمية نذرواً نذرا إن قتل الحسين ( عليه السلام ) أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا  ، ويُفرِّحون أولادَهم  ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم  ، فلذلك يصومونه ويدخلون على أهاليهم وعيالاتهم الفرح ذلك اليوم  ، ثم قال : إن الصوم لا يكون للمصيبة  ، ولا يكون إلا شكرا للسلامة  ، وإن الحسين ( عليه السلام )
1 ـ الكافي  ، الكليني : 4/147.
2 ـ الكافي  ، الكليني : 4/147 ح 7.


(415)
أصيب يوم عاشوراء إن كنت فيمن أُصيب به فلا تصم  ، وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني أمية فصم شكراً لله تعالى (1).
    ويقول أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية  ، بعد ذكر ما جرى على الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء : فأما بنو أمية  ، فقد لبسوا فيه ما تجدد  ، وتزينوا واكتحلوا وعيّدوا  ، وأقاموا الولائم والضيافات  ، وأطعموا الحلاوات والطيبات  ، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم  ، وبقي فيهم بعد زواله عنهم  ، وأما الشيعة  ، فإنهم ينوحون  ، ويبكون  ، أسفا لقتل سيد الشهداء ( عليه السلام ) فيه (2).
    ويقول المقريزي بعد أن ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن  ، تتعطل فيه الأسواق  ، قال : فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور  ، يوسعون فيه على عيالهم  ، وينبسطون في المطاعم  ، ويتخذون الأواني الجديدة  ، ويكتحلون  ، ويدخلون الحمام جريا على عادة أهل الشام  ، التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان  ، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، لأنه قتل فيه  ، قال : وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط (3).
    وقال الزرندي : ـ في معرض كلامه عن النواصب والجهلة الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عيد وفرح  ، قال : فاتخذوا هذا اليوم عيدا  ، وأخذوا في إظهار الفرح والسرور  ، إما لكونهم من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وإما من الجهال... فأظهروا الزينة كالخضاب  ، ولبس الجديد من الثياب  ، والاغتسال  ،
1 ـ وسائل الشيعة ( آل البيت ) ( عليهم السلام ) الحر العاملي : 10/462 ح 7.
2 ـ الكنى والألقاب  ، الشيخ عباس القمي : 1/431  ، وراجع : عجائب المخلوقات  ، مطبوع بهامش حياة الحيوان 1/115.
3 ـ الخطط والآثار للمقريزي : 1/490.


(416)
وتوسع النفقات  ، وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات  ، ويفعلون فيه ما يُفعل بالأعياد  ، ويزعمون أن ذلك من السنة والمعتاد  ، والسنة ترك ذلك كله  ، فإنه لم يرد في ذلك شيء يعتمد عليه  ، ولا أثر صحيح يعول ويرجع إليه ؟
    وقد سئل بعض العلماء الأعيان المشار إليه في علم الحديث وعلم الأديان عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الإكتحال والإغتسال والحناء ولبس الثياب الجدد  ، وإظهار السرور وغير ذلك ؟ فقال : لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من الأئمة المسلمين  ، والأئمة الأربعة ولا غيرهم  ، ولم يروي أهل الكتب المعتمدة من ذلك شيئا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ).. لا صحيحا ولا ضعيفا ؟
    وما روي عن بعض المتأخرين في ذلك أن من اكتحل في يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام  ، ومن اغتسل فيه لم يمرض ذلك العام  ، ومن وسع على عياله فيه وسع الله عليه سائر سنته  ، وأمثال ذلك.. كله كذب موضوع (1).
    أقول : فيا أيها الموالي لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حق لك البكاء والحزن في هذا اليوم على مصاب ورزء ريحانة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقرة عين الزهراء البتول ( عليها السلام )   ، فياله من مصاب جلل  ، ورزء تتصدع له الجبال الرواسي  ، فهذا المصاب الجلل قد أحزن وأبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين وفاطمة سيدة النساء والحسن المجتبى وسائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ).
    جاء في الزيارة الناحية الشريفة المروية عن الإمام الحجة أرواحنا له الفداء يُخاطب الحسين سيد الشهداء ( عليه السلام ) : كنت للرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولدا  ، وللقرآن منقذا  ، وللأمة عضدا  ، وفي الطاعة مجتهدا  ، حافظاً للعهد والميثاق  ، ناكباً عن سبل الفساق  ، باذلا للمجهود  ، طويلَ الركوع والسجود  ، زاهداً في الدنيا زُهدَ الراحل عنها  ،
1 ـ نظم درر السمطين  ، الزرندي الحنفي : 229 ـ 230.

(417)
ناظراً إليها بعين المستوحشين منها  ، آمالُك عنها مكفوفة  ، وهمتُك عن زينتها مصروفة  ، والحِاظك عن بهجتِها مطروفة  ، ورغبتُك في الآخرة معروفة  ، حتى إذا الجور مدَّ باعَه  ، وأسفَر الظُلم قناعه  ، ودعا الغي أتباعه  ، وأنت في حرم جدك قاطن  ، وللظالمين مباين  ، جليس البيت والمحراب معتزل عن اللذات والشهوات  ، تُنكرُ المنكرَ بقلبك ولسانك  ، على قدر طاقتك وإمكانك.
    ثم اقتضاك العلم للإنكار  ، ولزمك أن تجاهد الفجار  ، فسرت في أولادك وأهاليك  ، وشيعتك ومواليك  ، وصدعت بالحق والبينة  ، ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة  ، وأمرت بإقامة الحدود  ، والطاعة للمعبود  ، ونهيت عن الخبائث والطغيان  ، وواجهوك بالظلم والعدوان  ، فجاهدتهم بعد الايعاظ لهم  ، وتأكيد الحجة عليهم  ، فنكثوا ذِمامك وبيعتك  ، وأسخطوا ربك وجدك  ، وبدؤوك بالحرب  ، فَثبتَّ للطعن والضرب  ، وطحنت جنود الفجار  ، واقتحمت قسطل الغبار  ، مجالدا بذي الفقار  ، كأنك علي المختار  ، فلما رأوك ثابت الجأش  ، غير خائف ولا خاش  ، نصبوا لك غوائل مكرهم  ، وقاتلوك بكيدهم وشرهم  ، وأمر اللعين جنوده  ، فمنعوك الماء ووروده  ، وناجزوك القتال  ، وعاجلوك النزال  ، ورشقوك بالسهام والنبال  ، وبسطوا إليك أكف الاصطلام  ، ولم يرعوا لك ذماما  ، ولا راقبوا فيك آثاما  ، في قتلهم أولياءك  ، ونهبهم رحالك  ، أنت مقدم في الهبوات  ، ومحتمل للأذيات  ، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات  ، وأحدقوا بك من كل الجهات  ، وأثخنوك بالجراح  ، وحالوا بينك وبين الرواح  ، ولم يبق لك ناصر  ، وأنت محتسب صابر  ، تذب عن نسوتك وأولادك.
    حتى نكسوك عن جوادك  ، فهويت إلى الأرض جريحا  ، تطؤك الخيول بحوافرها  ، وتعلوك الطغاة ببواترها  ، قد رشح للموت جبينك  ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك  ، تُدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك  ، وقد


(418)
شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك  ، وأسرع فرسك شاردا  ، وإلى خيامك قاصدا  ، محمحماً باكيا  ، فلما رأين النساءُ جوادَك مخزيا  ، ونظرن سرجك عليه ملويا  ، برزن من الخدور  ، ناشرات الشعور على الخدود  ، لاطمات الوجوه  ، سافرات وبالعويل داعيات  ، وبعد العز مذللات  ، وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك  ، مولغ سيفه على نحرك  ، قابض على شيبتك بيده  ، ذابح لك بمهنده  ، قد سكنت حواسك  ، وخفيت أنفاسك  ، ورُفع على القنا رأسك (1).
والشمرُ مشتغلٌ في ذبحه عِجلٌ عجِبتُ من فَتكِ شمر بالحسينِ وقد كيفَ استطاع لصدرِ الصدرِ مُرتقياً أفدي الحسينَ طريحاً لا ضريحَ له دِماؤُه هَطلت للشيبِ مِنه طَلت والرأسُ مُرتفعٌ مِن فوقِ مُنتَصب ذَبح الشمرُ حسيناً ليتني كنتُ وقاه مادرى المعلونُ شمرٌ أيَّ صدر قد رقاه بينها زينبُ قرحى الجفنِ ولهى وثكول تندبُ السبطَ بقلب واجد وهي تقول والسبطُ منجدلٌ يدعو ويبتهلُ رقى على الصدرِ ظُلماً وهو مُنتعِلُ ودونَ أدنى سُراقي كَعبه زُحلُ ومالَهُ غيرُ قاني نحرهِ غُسُلُ والجسمُ قد حَجلتَ من فوقهِ الحُجلُ يبكي على حَملهِ المريخُ والحملُ (2) جعل الأملاكَ تبكيه خصوصاً عُتقاه صدر من سادَ فَخاراً فوقَ هامِ الشرطين تَلطمُ الخدَ وفي أحشائِها الحزنُ يجول قد أصابتني بنور العينِ حسادي بعين

1 ـ المزار  ، المشهدي : 502 ـ 505.
2 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 629  ، الأبيات وما بعدها لشاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) الشيخ حسن الدمستاني عليه الرحمة.


(419)
    جاء في الزيارة الناحية الشريفة : لقد قتلوا بقتلك الإسلام  ، وعطلوا الصلاة والصيام  ، ونقضوا السُنَنَ والأحكام  ، وهدموا قواعد الإيمان  ، وحرفوا آيات القرآن  ، وهملجوا في البغي والعدوان  ، لقد أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موتورا  ، وعاد كتابُ الله عزّوجل مهجورا  ، وغودر الحق إذ قُهرت مقهورا  ، وفُقد بفقدِك التكبير والتهليل  ، والتحريم والتحليل  ، والتنزيل والتأويل  ، وظهر بعدك التغيير والتبديل  ، والإلحاد والتعطيل  ، والأهواء والأضاليل  ، والفتن والأباطيل.
    فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )   ، فنعاك إليه بالدمع الهطول  ، قائلا : يا رسول الله قُتل سبطُك وفتاك  ، واستُبيح أهلُك وحماك  ، وسُبيت بعدك ذراريك  ، ووقع المحذورُ بعترتك وذويك  ، فانزعج الرسولُ وبكى قلبُه المهول  ، وعزاه بك الملائكةُ والأنبياءُ  ، وفُجعت بك أمُك الزهراء  ، واختلفت جنودُ الملائكة المقربين  ، تُعزي أباك أميرالمؤمنين  ، وأُقيمت لك المآتم في أعلا عليين  ، ولطمت عليك الحور العين  ، وبكت السماء وسُكانها  ، والجنانُ وخُزانها  ، والهضابُ وأقطارُها  ، والأرضُ وأقطارُها  ، والبحارُ وحيتانُها  ، ومكةُ وبنيانُها  ، والجنانُ وولدانُها  ، والبيتُ والمقامُ  ، والمشعرُ الحرام  ، والحلُ والإحرام (1).
    روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة بالإسناد عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) قال : أصبحت يوماً أم سلمة رضي الله عنها تبكي فقيل لها : مم بكاؤكِ  ؟ فقالت : لقد قُتل ابني الحسين الليلة  ، وذلك أنني ما رأيت رسول الله مُنذ
1 ـ المزار  ، المشهدي : 505.

(420)
مضى إلا الليلة فرأيته شاحباً كئيباً فقالت : قلت : ما لي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً  ؟ قال : ما زلتُ الليلةَ أحفرُ القبورَ للحسينِ وأصحابهِ عليه وعليهم السلام (1).
    وروي أن سلمى المدنية  ، قالت : دفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أم سلمة قارورة فيها رمل من الطف  ، وقال لها : إذا تحول هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتل الحسين  ، قالت سلمى : فارتفعت واعيةٌ من حجرة أم سلمة  ، فَكنتُ أولَ من أتاها  ، فقلت : ما دهاكِ يا أمَّ المؤمنينِ  ؟ قالت : رأيتُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المنام والترابُ على رأسه  ، فقلت : ما لكَ  ؟ فقال : وثبَ الناسُ على ابني فقتلوه  ، وقد شهدتُه قتيلا الساعة  ، فاقشعر جلدي فوثبتُ إلى القارورة فوجدتُها تفورُ دماً  ، قالت سلمى : فرأيتُها موضوعةً بين يديها.
    وروى زر بن حبيش  ، عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي  ، فقلت لها : ما يُبكيك  ؟ قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المنام وعلى رأسه ولحيته أثرُ التراب  ، فقلت : ما لك يا رسول الله مغبراً  ؟ قال : شهدت قتلَ الحسينِ آنفاً (2).
    وروى الشيخ الطوسي عليه الرحمة عن ابن عباس قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صُراخاً عظيماً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )فخرجتُ يتوجه بي قائدي إلى منزلها وأقبلَ أهلُ المدينةِ إليها الرجالُ والنساءُ  ، فلما انتهيت إليها قلت : يا أمَّ المؤمنينِ مالكِ تَصرخينَ وتغوثينَ  ؟ فلَمْ تُجبني وأقبلت على النسوة الهاشميات  ، وقالت : يا بنات عبد المطلب اسعديني وابكين معي فقد قُتل واللهِ سيدكُنَّ وسيدُ شبابِ أهلِ الجنة  ، قد واللهِ قُتلَ سبطُ رسولِ اللهِ وريحانتهِ الحسين  ، فقلت : يا أمَّ المؤمنين  ، ومن أينَ عَلمتِ ذلك  ؟ قالت : رأيتُ رسولَ اللهِ في المنام

1 ـ الأمالي  ، الطوسي : 90 ح49  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/230.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/232 ح3  ، سنن الترمذي : 5/323  ، المستدرك  ، الحاكم : 4/19.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس