منهج المقال الجزء الاول ::: 91 ـ 105
(91)
    قلت : اعتبارها فيها من قبيل الأسباب الشرعيّة والأمور التعبديّة ، وأمّا اعتبارهم إيّاها في الرواية فالظاهر منهم والمستفاد من كلماتهم (1) أنّها لأجل الوثوق ، وأنّ عدم اعتبار رواية غيرهم من عدمه ، مع أنّ ما استدلّوا به له الآية (2) ، وقد عرفت ظهورها ، بل وكونها نصّاً في ذلك. سلّمنا ، لكن ظهورها في كون التبيّن في رواية الفاسق وعدمه في غيرها من باب التعبّد من أين ؟! سلّمنا ، لكن المتبادر من الفاسق فيها والظاهر منه هنا من عرف بالفسق ، وسنذكر في عليّ بن الحسين السعد آبادي ما يؤكّد ذلك ، ولو سلّم عدم الظهور فظهور خلافه ممنوع ، فالثابت منها عدم قبول خبر المعروف به ، وأمّا المجهول فلا.
    ونُسب إلى كثير من الأصحاب قبوله منه ، ويظهر من كثير من التراجم أيضاً ، على أنّ المستفاد حينئذ عدم قبول خبر الفاسق لا اشتراط العدالة ، والواسطة بينهما موجودة قطعاً ، سيما على قولكم بأنّها الملكة ، وخصوصاً بعد اعتبار اجتناب منافيات المروّة ، وكذا بعد تخصيصها بالمكلّفين ، وكذا بالشيعة (3) الاثني عشريّة ، لما ستعرف.
    هذا حال الآية. على أنّه على هذا لا وجه لاشتراط الضبط في الراوي كما شرطتم.
    وأمّا الإجماع ، ففيه ـ بعدما عرفت ـ : إنّ الناقل الشيخ ، وهو صرّح بأنّه يكفي كون الراوي متحرّزاً عن الكذب ، إلى آخر ما ذكرناه عنه سابقاً وما سنذكر عنه في الفائدة الثانية والثالثة ، وسنذكر عن غيره أيضاً ما ينافي
1 ـ في « ق » : كلامهم.
2 ـ أية النبأ ، الحجرات : 6.
3 ـ في « ب » : بين الشيعة.


(92)
هذا الإجماع أو تخصيصه بالعدالة بالمعنى الاعم (1) ، فتأمّل. ومع ذلك لا يظهر منه كون اعتبارها تعبّداً ، بل ربما يظهر من كلماتهم كونه لأجل الوثوق ، على أنّه يمكن منع (2) كون المخطىء في الإعتقاد فاسقاً.
    أمّا بالنسبة إلى غير المقصّر فظاهر ، وسيجيء ما نشير إليه في الفائدة الثانية ، وفي أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وابن نوح (3) ، وزياد (4) بن عيسى ، وغيرهم.
    وبالجملة : جميع العقائد التي من اُصول الدين ليست جليّة على جميع آحاد المكلّفين في جميع أوقاتهم ، كيف ! وأمر الإمامة التي من رؤوسها كان مختلفاً بحسب الخفاء والظهور بالنسبة إلى الأزمنة والأمكنة والأشخاص وأوقات عمرهم ، وهو ظاهر من الأخبار والآثار والاعتبار.
    وأمّا المقصّر منهم فبعد ظهور صلاحه وتحرّزه عن الكذب والفسق بجوارحه مثل الحسن بن عليّ بن فضّال ونظائره فنمنع (5) كونه من الأفراد المتبادرة له في الزمان الأوّل أيضاً (6) ، سيما بعد ملاحظة نصّ الأصحاب
1 ـ فإن قلت : حمل العدالة على المعنى الأعم مع ظهورها في الأخص مما لا وجه له.
    قلت : العدالة وإنْ كانت ظاهرة في المعنى الأخص إلاّ أنّه لابعد في الحمل على الأعم في كلام الشيخ ، لأنّه كثيراً ما يقول في حق شخص : « ثقة » وفي مقام آخر أو كتاب آخر يقول : « واقفي » ، وربما يتسرّى إلى غير كلام الشيخ ( رحمه الله ) كما تشهد به رويّتهم في الجمع بين ثقة وواقفي مطلقاً. عن « ق » بختم « عليّ الرازي ».
2 ـ منع ، لم ترد في « أ » و « ح ».
3 ـ هو احمد بن عليّ بن العبّاس بن نوح السيرافي من مشايخ النجاشي ، يأتي عن المنهج برقم [ 296 ].
4 ـ في « ب » و « ك » و « ن » بدل وزياد : وابن زياد.
5 ـ في « ب » : نمنع ، وفي « ح » : فيمنع.
6 ـ أيضاً ، لم ترد في « ب ». وفي « ب » و « ق » بعد أيضاً زيادة : للفظ الفاسق المذكور.


(93)
على توثيقه وفاقاً للمصطفى بعد المحقّق الطوسي في تجريده ، وشيخنا البهائي في زبدته.
    وأيضاً نرى مشايخنا يوثّقون المخطئين في الاعتقاد توثيق المصيبين من دون فرق بجعل الأوّل موثّقاً والثاني ثقة كما تجدّد عليه الاصطلاح ، ويعتمدون على ثقات (1) الفريقين ويقبلون قولهم ، فالعدالة المعتبرة عندهم هي بالمعنى الأعم ، فظهر قوّة الاعتماد على أخبار الموثّقين.
    وأيضاً من أين عُلم أنّ مرادهم من التوثيق التعديل ، مع أنّ الشيخ صرّح بتوثيق الفاسق بأفعال جوارحه كما مرّ وسنذكر في الفائدة الثانية ، وسيجيء توثيق مثل ( كاتب الخليفة ) ومَن ماثله. إلاّ أنْ يقال : اتّفاق الكلّ على اشتراط العدالة في الراوي على ما أشير إليه يقتضي عدم قبول قول غيرهم ، وغير خفي أنّ توثيقاتهم لأجل الاعتماد وقبول (2) الرواية (3).
    وأيضاً الاتّفاق على إثبات العدالة من توثيقهم وملاحظة بعض المواضع يدلاّن على ذلك.
    وأيضاً ذكر في علم الدراية أنّه من ألفاظ التعديل (4).
    وسيجيء بعض ما في المقام في الفائدة الثانية عن قريب.
    وأمّا مثل ( كاتب الخليفة ) فيوجّه ويصحّح ، وسنذكر في الفائدة الثالثة.
    وبالجملة : لعلّ الظاهر أنّ الثقة بمعناه اللغوي ، وأنّه مأخوذ فيه مثل التثبّت والضبط والتدبّر والتحفّظ ونظائرها ، وأنّهم ما كانوا يعتمدون على من
1 ـ في « ك » : توثيقات.
2 ـ في « ك » بدل وقبول : في قبول.
3 ـ في « أ » و « م » بدل الرواية : قول.
4 ـ الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني : 203.


(94)
لم (1) يتّصف بها ، ولعلّ ممّا اُخذ فيه عندهم عدم الاعتماد على الضعفاء والمجاهيل والمراسيل .... إلى غير ذلك ممّا سنشير إليه في قولهم : ( ضعيف ) ، فمراد الشيخ من توثيق الفاسق أمثال الأمور المذكورة مع التحرّز عن الكذب مطلقاً أو في الروايات.
    وأمّا توثيقات علم الرجال فلعلّه مأخوذ فيها العدالة على ما أشير إليه ، مع أنّ الفاسق من حيث إنّه فاسق لا يؤمن عليه ، ولو اتّفق اتّصافه بالأمور المذكورة فليس فيه وثوق تام كما في العادل المتّصف (2) ، على أنّه على تقدير اعتماد بعضهم على مثله فلعلّه لا يعبّر عنه بـ « ثقة » على الاطلاق ، بل لعلّه نوع تدليس وهم متحاشون عنه ، بل على تقدير اعتماد الكلّ أيضاً لعلّ الأمر كذلك ، فتأمّل.
    وسيجيء في الفائدة الثانية في بيان قولهم : ( ثقة في الحديث ) ما ينبغي أن يلاحظ.
    وممّا ذكرنا ظهر أنّ عدم توثيقهم للرجال ليس لتأمّلهم في عدالتهم ، سيما بالنسبة إلى أعاظمهم مثل الصدوق وثعلبة بن ميمون والحسن بن حمزة ونظائرهم من الذين قالوا في شأنهم ما يقتضي العدالة وما فوقها ، أو يظهر (3) ذلك من الخارج.
    وبالجملة : ليسوا ممّن يجوز عليهم الفسق ـ العياذ بالله ـ وهذا ظاهر لا تأمّل فيه ، بل من قبيل ما قال المحقّق الشيخ محمّد ( رحمه الله ) : وللعلاّمة ( رحمه الله )
1 ـ في « ب » و « ك » و « ن » بدل لم : لا.
2 ـ في « م » زيادة : فتأمّل.
3 ـ في « ب » و « ك » و « ن » بدل أو يظهر : ويظهر.


(95)
أوهام يبعد زيادة بعد معها (1) الاعتماد عليه (2).
    وصدر أمثال ذلك من غير واحد من غيره بالنسبة إليه وإلى غيره ، مع عدم تأمّل أحد منهم في عدالتهم ، بل في زهدهم أيضاً وتقواهم وغزارة علمهم ومتانة (3) فكرهم ، بل وفي كونهم أئمّة في علوم شتّى من الفقه وغيره ، إلى غير ذلك.
    هذا ، ويمكن أنْ يكون عدم تنصيصهم على التوثيق بالنسبة إلى بعض الأعاظم توكيلاً إلى (4) ظهوره ممّا ذكروه في شأنه وغير لازم أن يكون بلفظ « ثقة » ، وصرّح عُلماء الدراية بعدم انحصار ألفاظ التعديل فيه وفي « عدل » (5) ، فتأمّل.
1 ـ في « ق » : بعدها.
    والعبارة كما ترى.
2 ـ استقصاء الاعتبار 3 : 197.
3 ـ في « ح » : وفطانة.
4 ـ في « ب » و « ق » : على.
5 ـ اُنظر الرعاية للشهيد الثاني : 203.


(96)
    في بيان طائفة من الاصطلاحات المتداولة في الفن وفائدتها وغيرها من المباحث المتعلّقة بها :
    منها : قولهم : ثقة.
    ومرّ بيانه مع بعض ما يتعلّق به وبقي بعض.
    قال المحقّق الشيخ محمّد : إنّ النجاشي إذا قال : ( ثقة ) ولم يتعرّض إلى فساد المذهب فظاهره أنّه عدل إمامي ، لأنّ ديدنه التعرّض إلى الفساد ، فعدمه ظاهر في عدم ظفره ، وهو ظاهر في عدمه; لبعد وجوده مع عدم ظفره ، لشدّة بذل جهده وزيادة معرفته ، وإنّ عليه جماعة من المحقّقين (1) ، انتهى (2).
    لا يخفى أنّ الرويّة (3) المتعارفة المسلّمة المقبولة أنّه إذا قال عدل إمامي ـ النجاشي كان أو غيره ـ : ( فلان ثقة ) أنّهم يحكمون بمجرّد هذا القول بأنّه عدل إمامي كما هو ظاهر ، إمّا لما ذكر ، أو لأنّ الظاهر من الرواة (4)
1 ـ منهم الشيخ البهائي كما يظهر منه ذلك في مشرق الشمسين : 271 ، والسيّد الداماد في الرواشح السماوية : 67 الراشحة السابعة عشر ، واُنظر تكملة الرجال 1 : 21 ، وعُدة الرجال : 17 الفائدة الخامسة.
2 ـ حكاه عنه حفيده السيّد حسن الصدر في نهاية الدراية : 387 نقلاً عن شرح الاستبصار.
3 ـ في « ك » و « ن » : الرواية.
4 ـ من الرواة ، لم ترد في « ك ».


(97)
التشّيع ، والظاهر من الشيعة حسن العقيدة ، أو لأنّهم وجدوا منهم أنّهم اصطلحوا ذلك في الإمامية ـ وإنْ كانوا يطلقون على غيرهم مع القرينة ـ بأنّ معنى ثقة : عادل ، أو : عادل (1) ثبت ، فكما أنّ ( عادل ) (2) ظاهر فيهم فكذا ثقة ، أو لأنّ المطلق ينصرف إلى الكامل ، أو لغير ذلك على منع الخلو.
    نعم في مقام التعارض بأن يقول آخر : ( فطحي ) مثلاً يحكمون بكونه موثّقاً معلّلين بعدم المنافاة ، ولعلّ مرادهم عدم معارضة الظاهر النص وعدم مقاومته ، بناءً على أنّ دلالة ( ثقة ) على الإمامية ظاهرة كما أنّ ( فطحي ) على إطلاقه لعلّه ظاهر في عدم ثبوت العدالة عند قائله (3) مع تأمّل فيه ظهر وجهه ، وأنّ الجمع مهما أمكن لازم ، فيرفع اليد عمّا ظهر ويُمْسَك بالمتيقّن ـ أعني : مطلق العدالة ـ فيصير فطحيّاً عادلاً في مذهبه ، فيكون الموثّق سامح أو كلاهما.
    وكذا لو كانا من واحد ، لكن لعلّه لا يخلو عن نوع تدليس ، إلاّ أنْ لا يكون مضرّاً عندهم ، لكون حجّيّة خبر الموثّقين إجماعياً أو حقّاً عندهم ، واكتفوا بظهور ذلك منهم ، أو غير ذلك. وسيجيء في أحمد بن محمّد بن خالد (4) ما له دخل.
    أو يكون ظهر خلاف الظاهر واطّلع الجارح على ما لم يطّلع عليه المعدِّل ، لكن ملائمة هذا للقول بالملكة لا يخلو عن إشكال ، مع أنّ المعدِّل ادّعى كونه عادلاً في مذهبنا ، فإذا ظهر كونه مخالفاً فالعدالة في
1 ـ أو عادل ، لم ترد في « ق » و « ك ».
2 ـ كذا في النسخ ، وهو صحيح على الحكاية. وفي « ق » : عادلاً.
3 ـ في « ن » : ناقله.
4 ـ اي الموثق والقائل انه فطحي ، فالاوول سامح في ظهور كلامه في كونه اماميا ، والثاني سامح في ظهور كلامه في كونه ليس عادلا.
5 ـ البرقي أبو جعفر الكوفي صاحب كتاب المحاسن وغيره من الكتب ، تأتي ترجمته عن المنهج برقم [ 333 ] والتعليقة برقم ( 160 ).


(98)
مذهبه من أين ؟!
    إلاّ أن يدّعى أنّ الظاهر اتّحاد أسباب الجرح والتعديل في المذهبين سوى الاعتقاد بإمامة إمام ، لكن هذا لا يصح بالنسبة إلى الزيدي والعامي ومن ماثلهما جزماً ، وأمّا بالنسبة إلى الفطحيّة والواقفيّة وَمَن ماثلهما فثبوته أيضاً يحتاج إلى تأمّل (1).
    مع أنّه إذا ظهر خطأ المعدّل (2) بالنسبة إلى نفس ذلك الاعتقاد فكيف يؤمن عدمه بالنسبة إلى غيره (3) ؟!
    وأيضاً ربما يكون الجارح والمعدِّل واحداً كما في إبراهيم بن عبد الحميد (4) وغيره.
    وأيضاً لعلّ الجارح جرحه مبنيّ على ما لا يكون سبباً في الواقع على ما سنذكر في إبراهيم بن عمر (5) ، ويقرّبه التأمّل في هذه الفائدة عند ذكر الغلاة والواقفة ، وقولهم : ( ضعيف ) ، وغيرها. وكذا في الفائدة الثالثة في مواضع عديدة. وسيجيء في إبراهيم ما ينبغي أنْ يلاحظ.
    وكيف كان ، هل الحكم والبناء المذكور عند التعارض مطلق أم مقيّد
1 ـ في « ك » : إلى التسلسل.
2 ـ في حاشية « ق » تعليقة للمولى عليّ الرازي ، وصورتها : لا ريب أن ظهور الخطأ في شيء لا يوجب سقوط اعتبار قول العدل إلاّ إذا كان أمراً ظاهراً بديهياً فيرفع الخطأ فيه الوثوق ، بل ربما يقدح في عدالة الرجل باعتبار كونه منبئاً عن تسامحه وعدم مبالاته ، ولا ريب أنّ مذهب الراوي من الوقف والفطحية كان أمراً شائعاً لا داعي إلى خفائه ، انتهى.
3 ـ في « م » زيادة : فتأمّل.
4 ـ حيث صرّح الشيخ في رجاله في أصحاب الامامين الكاظم : 332/26 والرضا : 351/1 ( عليهما السلام ) بكونه واقفياً ووثّقه في الفهرست : 40/12.
5 ـ اليماني الصنعاني ، يأتي عن المنهج برقم [ 123 ] وعن التعليقة برقم ( 39 ).


(99)
بما إذا انحصر ظنّ المجتهد فيه وانعدام الامارات والمرجّحات ـ إذْ لعلّه بملاحظتها يكون الظاهر عنده حقّيّة أحد الطرفين ـ ؟ ولعلّ الأكثر على الثاني وأنّه هو الأظهر كما سيجيء في إبراهيم بن عمر وابن عبد الحميد وغيرهما مثل سماعة وغيره ، ويظهر وجهه أيضاً من التأمّل في الفائدة الاُولى وهذه الفائدة والفائدة الثالثة على حسب ما اُشير إليه.
    ثمّ اعلم أنّ ما ذكر إذا كان الجارح والمعدّل عدلاً إمامياً ،
    وأمّا إذا كان مثل عليّ بن الحسن (1) فَمِنْ جَرْحِه يحصل ظنّ وربما يكون أقوى من الإمامي ـ كما اُشير إليه ـ فهو معتبر في مقام اعتباره وعدم اعتباره على ما سيجيء في أبان بن عثمان (2) وغيره ، بناءً على جعله شهادة أو رواية ولم يجعل منشأ قبولها الظنّ ولم يعتبر الموثقة ، وفيها تأمّل.
    وأمّا تعديله فلو جعل من مرجّحات قبول الرواية فلا إشكال ، بل يحصل منه ما هو (3) في غاية القوّة.
    وأمّا لو جعل من دلائل العدالة فلا يخلو من إشكال ولو على رأي من جعل التعديل من باب الظنون أو الرواية وعمل بالموثّقة ، لعدم ظهور إرادته (4) العدل الإمامي أو في مذهبه أو الأعم أو مجرّد الوثوق بقوله ، ولم يظهر اشتراطه (5) العدالة في قبول الرواية.
1 ـ ابن فضّال الفطحي المذهب كما نصّ على ذلك النجاشي في رجاله : 257/276 والشيخ في فهرسه : 92/391.
2 ـ يأتي ذلك عن معالم الفقه للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني2 : 454.
3 ـ في « ح » بدل ما هو : علماً.
4 ـ في « ك » : إرادة.
5 ـ في « ك » : اشتراط.


(100)
    إلاّ أن يقال : إذا كان الإمامي المعروف مثل العيّاشي الجليل (1) يسأله عن حال راو فيجيبه بأنّه ثقة على الإطلاق ، مضافاً إلى ما يظهر من رويّته من التعرض للوقف والناووسية وغيرهما في مقام جوابه أو إفادته له ، وأيضاً ربما يظهر من إكثاره ذلك أنّه كان يرى التعرّض لأمثال ذلك في المقام.
    وكذا الحال بالنسبة إلى العيّاشي (2) الجليل بالقياس إلى الجليل الآخذ عنه ، وهكذا ، فإنّه ربما يظهر من ذلك إرادة العدل الإمامي ، مضافاً إلى أنّه لعلّ الظاهر مشاركة أمثاله مع الإماميّة في اشتراط العدالة ، وأنّه ربما يظهر من الخارج كون الراوي من الإمامية فيبعد خفاء حاله على جميعهم ، بل وعليه أيضاً ، فيكون تعديله بالعدالة في مذهبنا كما لا يخفى ، فلو ظهر من الخارج خلافه فلعلّ حاله حال توثيق الإمامي ، وأيضاً بعد ظهور المشاركة إحدى العدالتين مستفادة ، فلا يقصر عن الموثّق ، فتأمّل ، فإنّ المقام يحتاج إلى التأمّل التام.
    وأشكل من ذلك ما إذا كان الجارح الإمامي والمعدّل غيره ،
    وأمّا العكس فحاله ظاهر سواء قلنا بأنّ التعديل من باب الشهادة أو الرواية أو الظنون (3).
1 ـ هو محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلّمي السمرقندي أبو النضر المعروف بالعيّاشي ، ثقة ، صدوق ، جليل القدر ، واسع الاخبار ... له ترجمة في رجال النجاشي : 350/944 وفهرست الشيخ : 212/19 وخلاصة العلاّمة : 246/38.
    وغيرها من المصادر.
2 ـ العياشي ، لم ترد في « أ » و « م » و « ن ».
3 ـ في « ق » زيادة : الاجتهادية.


(101)
    ( هذا ، واعلم أنّ الظاهر والمشهور أنّ قولهم : ( ثقة ثقة ) تكرر (1) اللفظ تأكيداً ، وربما قيل : إنّ الثاني بالنون موضع الثاء ) (2).

    ومنها قولهم : ممدوح.
    والبحث فيه من وجوه :
    الأول : المدح في نفسه يجامع صحة العقيدة وفسادها ، والأوّل يُسمّى حديثه حسناً والثاني قويّاً (3).
    وإذا لم يظهر صحّتها ولا فسادها فهو أيضاً من القوي (4) ، لكن نراهم بمجرّد ورود المدح يعدّونه حسناً ، ولعلّه لأنّ إظهار المدح مع عدم إظهار القدح ولا تأمّل منهم ظاهر في كونه إمامياً ، مضافاً إلى أنّ ديدنهم التعرّض للفساد على قياس ما ذكر في التوثيق ، ففي مقام التعارض يكون قويّاً مطلقاً أو إذا انعدمت المرجّحات على قياس ما مرّ.
    والأولى في صورة عدم التعارض ـ أيضاً ـ ملاحظة خصوص المدح (5) بعد ملاحظة ما في المقام ثمّ البناء على الظنّ الحاصل عند ذلك.
    ومن التأمّل فيما ذكر في التوثيق وما ذكر هنا يظهر حال مدح عليّ بن
1 ـ في « ب » و « ك » : تكرار.
2 ـ ما بين القوسين لم يرد في « م ».
    وللمولى الرازي تعليقة بخطّه ، قال ما نصّه : قال في القاموس [ 4 : 397 ] في مادّة ( نقي ) : وثقة نقة : إتباع.
    ويقوّي هذا الاحتمال عدم وقوع تكرير لفظ في مقام الجرح والتعديل للتأكيد ، واحتمال الاختصاص بلفظ الثقة بعيد جداً.
3 ـ قال الكاظمي في العدة : 20 : ثم المدح إن جاء في أصحابنا أفاد الحديث حُسناً وعُدّ حَسناً ، وإن جاء في غيرهم أفاده قوّة وعُدّ قويّاً.
4 ـ قال الطريحي في جامع المقال : 3 : القوي أطلقوه على ما رواه من سكت عن مدحهم وقدحهم.
5 ـ في « ح » بدل المدح : المتن.


(102)
الحسن بن فضّال وأمثاله ، وكذا المعارضة بين مدحه وقدح الإمامي ، وعكسه ، وغير ذلك (1).
    الثاني : المدح ، منه ماله دخل في قوّة السند وصدق القول مثل : ( صالح ) و ( خيّر ).
    ومنه ما لا دخل له في السند بل في المتن مثل : ( فَهِم ) (2) و ( حافظ ).
    ومنه ما لا دخل له فيهما مثل : ( شاعر ) و ( قارئ ).
    ومنشأ صيرورة الحديث حسناً أو قويّاً هو الأوّل.
    وأمّا الثاني فمعتبر في مقام الترجيح والتقوية بعدما صار الحديث صحيحاً أو حسناً أو قويّاً.
    وأمّا الثالث فلا اعتبار له لأجل الحديث ، نعم ربما يُضمّ إلى التوثيق وذكر أسباب الحسن والقوّة إظهاراً لزيادة الكمال ، فهو من المكمّلات. وقس على المدح حال الذم.
    هذا ، وقولهم : ( أديب ) أو ( عارف باللغة أو النحو ) وأمثالها هل هو من الأوّل أم الثاني أم الثالث (3) ؟
    الظاهر أنّه لا يقصر عن الثاني مع احتمال كونه من الأوّل. ولعلّ مثل
1 ـ اُنظر عدة الرجال للكاظمي : 17 ، الفائدة الخامسة.
2 ـ في « ق » : فهيم.
3 ـ في حاشية « ق » تعليقة للمولى عليّ الرازي : إحتمال كون الأوّل وجيه إن أريد التأدّب بالآداب الشرعيّة ، بل لعلّه يشعر بالوثاقة حينئذ.
    وأمّا الثاني فإلحاقه به لم أر له وجهاً ، ولا إشعاراً بكونه مرجعاً متحرّزاً عن الكذب فيهما ، وأمّا وجه إلحاقهما بالثاني فلأن الأدب والمعرفة باللغة والنحو له مدخليّة تامّة في صون المتن عن الخطأ ، سواء قلنا بتغايرهما ـ لكون ظاهر الأدب غير النحو واللغة ـ أو كان من قبيل ذكر الخاص بعد العام.
    وقوله : ( مع احتمال كونه من الأوّل ) كأنّه تكرار لقوله : ( هل هو الأوّل ) انتهى.


(103)
( القارئ ) أيضاً كذلك ، فتأمّل (1).
    الثالث : المدح هل هو من باب الرواية أو الظنون الاجتهاديّة أو الشهادة ـ على قياس ما مرّ في التوثيق ـ ؟ والبناء هنا على ملاحظة خصوص الموضع وما يظهر منه أولى ، ووجهه ظاهر ، وكذا الثمرة.
    الرابع : المدح يجامع القدح بغير فساد المذهب أيضاً ، لعدم المنافاة بين كونه ممدوحاً من جهة ومقدوحاً من أخرى ، ولو اتّفق القدح (2) المنافي فحاله يظهر ممّا ذكر في التعارض.
    ومع تحقّق غير المنافي فإمّا أن يكونا ممّا له دخل في السند ، أو ممّا له دخل في المتن ، أو المدح من الأوّل والقدح من الثاني ، أو بالعكس.
    والأوّل لو تحقّق ـ بأن ذكر له وصفان لا يبعد اجتماعهما من ملاحظة أحدهما يحصل قوّة لصدقه ومن الآخر وهن ـ لا اعتبار له في الحسن والقوّة.
    نعم لو كان المدح ها هنا في جنب قدحه (3).
    بحيث يحصل قوّة معتدّ بها فالظاهر الاعتبار.
    وقس على ذلك حال الثاني ، مثل أن يكون جيّد الفهم رديء الحافظة.
    وأمّا الثالث مثل أن يكون صالحاً سيّء الفهم أو الحافظة ، فلعلّه معتبر في المقام ، وأنّه كما لا يعدّ ضرراً بالنسبة إلى الثقات والموثّقين فكذا هنا مع
1 ـ قال الكاظمي في كتاب العدّة : 20 وقد عدّوا في المدح مثل شاعر ، أديب ، قارئ ، عارف باللّغة والنحو ، نجيب ... والحق أنّ هذا كلّه ونحوه وإن كان في الناس ممدحة لكنّه لا يفيد الحديث حسناً أو قوة.
2 ـ القدح ، لم ترد في « ق ».
3 ـ في « أ » و « ب » و « ح » و « ك » و « م » : نعم لو كان القدح ها هنا في جنب مدحه.


(104)
تأمّل فيه ، إذ لعلّ عدم الضرر هناك من نفي التثبّت أو من الإجماع على قبول خبر العادل والمناط في المقام لعلّه الظنّ ، فيكون الأمر دائراً معه على قياس ما سبق.
    وأمّا الرابع فغير معتبر في المقام ، والبناء على عدم القدح وعدّ الحديث حسناً أو قويّاً بسبب عدم وجدانه كما مرّ ، مضافاً إلى أصل العدم.
    الخامس : مراتب المدح (1) متفاوته وليس أيّ قدر يكون معتبراً في المقام ، بل القدر المعتد به في الجملة ، وسيشير إليه الشهيد في خالد بن جرير (2) وغيره. وربما يحصل الاعتداد من اجتماع المتعدّد ، ويتفاوت العدد والكثرة بتفاوت القوّة (3) ، كما أنّ المدائح في أنفسها متفاوته (4) فيها ، فليلاحظ التفاوت وليعتبر في مقام التقوية والترجيح.

    ومنها : قولهم : ثقة في الحديث (5).
    والمتعارف المشهور أنّه تعديل وتوثيق للراوي نفسه. ولعلّ منشأه الاتّفاق على ثبوت العدالة ، وأنّه يذكر لأجل الاعتماد على قياس ما ذكر في التوثيق ، وأنّ الشيخ الواحد ربما يحكم على واحد بأنّه ثقة ، وفي موضع
1 ـ في « ن » زيادة : والقدح.
2 ـ تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : 33.
3 ـ في « ح » و « ق » و « ك » : وبتفاوت العدد والكثرة يتفاوت القوّة.
4 ـ في « ق » بعد متفاوتة زيادة : فتأمّل.
5 ـ في « ق » تعليقة للمولى علي الرازي : يحتمل أن يكون المراد من الحديث معناه اللغوي ، فيكون المعنى أنّه متحرز عن الكذب ، أو يكون المراد أنّه ثقة في الرواية ، وهذا أعم من الوثاقة ، أو يكون المراد أنّه ثقة عند أهل الحديث ، كما يقال : فلان إمام في النحو ، فيشعر بكونه مسلّم الوثاقة ، فيكون أقوى من لفظة ثقة ، لإشعاره بالإتّفاق دونها ، ولكن لمّا لم يكن دليل على تعيّن أحد الإحتمالات الثلاثة كان مجملاً. ومن هنا ظهر فرق بين « ثقة » و « ثقة في الحديث » كما لا يخفى.


(105)
آخر بأنّه ثقة في الحديث ، مضافاً إلى أنّه في الموضع الأوّل كان ملحوظ نظره (1) الموضع الآخر ، كما سيجيء في أحمد بن إبراهيم بن أحمد (2) ، فتأمّل.
    وربما قيل بالفرق بين ( الثقة في الحديث ) و ( الثقة ) ، وليس ببالي القائل (3).
    ويمكن أن يقال بعد ملاحظة اشتراطهم العدالة : إنّ العدالة المستفادة من الأوّل هي بالمعنى الأعم ـ ( وقد أشرنا وسنشير أيضاً أنّ التي وقع الاتّفاق على اشتراطها هي بالمعنى الأعم ـ ) (4) ووجه الاستفادة (5) إشعار العبارة وكثير من التراجم ، مثل ترجمة أحمد بن بشير (6) ، وأحمد بن الحسن ، وأبيه الحسن بن علي (7) بن فضّال ، والحسين بن أبي سعيد ، والحسين بن أحمد بن المغيرة ، وعليّ بن الحسن الطاطري ، وعمّار بن موسى ، وغير ذلك.
    إلاّ أنّ المحقّق (8) نقل عن الشيخ ( رحمه الله ) أنّه قال : يكفي في الراوي أن
1 ـ في « ق » بدل ملحوظ نظره : ملحوظاً في نظره.
2 ـ حيث حكم الشيخ في رجاله في من لم يرو عن الأئمّة ( عليهم السلام ) : 411/44 بوثاقته ، وقال عنه في الفهرست : 76/28 : وكان ثقة في حديثه.
3 ـ اُنظر الفصول الغرويّة : 303 ( مخطوط ) ورسالة توضيح المقال للشيخ عليّ الكني : 39 ( حجري ).
4 ـ ما بين القوسين لم يرد في « أ ».
5 ـ في « ق » تعليقة للمولى عليّ الرازي : لعلّ وجه الإستفادة من ترجمة أحمد بن أبي بشير في النجاشي والخلاصة والفهرست ، قالوا فيه : ثقة في الحديث واقف المذهب ، فظهر أنّ مرادهم في قولهم : « ثقة في الحديث » العدالة بالمعنى الأعم.
6 ـ في « ق » بدل أحمد بن بشير : أحمد بن أبي بشر ، وفي « م » : أحمد بن بشر.
7 ـ ابن علي ، لم ترد في « أ ».
8 ـ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي المعروف
منهج المقال الجزء الاول ::: فهرس