معرفة النفس ::: 1 ـ 15

    حسن موسى
معرفة النفس


(6)
بسم الله الرحمن الرحيم
( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله وكفى بالله حسيباً )
سورة الاحزاب ـ 39 ـ


(7)
    جهود طائلة وامكانات هائلة يصرفها الانسان من اجل الاهتمام بجسمه وبحياته المادية ، حتى اصبح كل جانب من جوانب الحياة المادية عالماً قائماً بذاته ... ففي مجال الغذاء والطعام هناك الزراعة وتربية المواشي واسماك البحر ، ومصانع الاطعمة والاغذية بمختلف الوانها واشكالها .. وفي مجال الصحة والطب : هناك الجامعات والمستشفيات ومصانع الادوية والبحوث والاكتشافات .. وفي مجال الالبسة والازياء وشؤون المنزل وقضايا الاناقة والجمال هناك آفاق واسعة واهتمام كبير ..
    وعلى صعيد الاهتمام بالجانب العقلي من شخصية الانسان ، تتقدم البشرية بخطى حثيثة لاكتشاف مجاهيل العلم والكون فكل فرع من فروع المعرفة له تخصصه ومؤسساته ، وهناك المدارس والجامعات ومراكز البحوث والدراسات ، والمؤتمرات ودوائر المعارف والمجلات والمطبوعات ... ولاتزال مسيرة الاختراعات والاكتشافات العلمية متواصلة متتابعة ..
    اما الجانب الروحي النفسي فهو البعد المهمل والمتروك من شخصية الانسان ، حيث لا يستأثر الا بالاهتمام ضعيف بسيط وحتى مجال دراسات علم النفس فانها غالبا ما تنحو الاتجاه المادي ، وتتجاهل العمق الروحي المعنوي.
    ولا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان الرسالات والشرائع الدينية الالهية انما جاءت للاهتمام بهذا المجال الاساسي قبل غيره لاولويته على المجالين


(8)
الاخرين ، ولعلم الله تعالى بضعف البشر وتساهلهم فيه ، فحينما يتحدث القرآن الحكيم عن اهداف بعثة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فانه يضع هدف التزكية النفسية في المقام الاول يقول تعالى : ( هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ).
    ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعتبر ان دوره الاساسي ومهمته الرئيسية هي انضاج واكمال المستوى الروحي النفسي الذي تنبثق عنه اخلاق الانسان وسلوكياته يقول ( صلى الله عليه وآله ) في الحديث المتواتر المشهور : « انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ».
    لذلك فان الثروة المعنوية والكنوز الروحية في الاسلام عظيمة وهائلة ، وانسان هذا العصر الذي طغت فيه المادة ، وسادت اجواءه الشهوات والاهواء ، هذا الانسان يعاني الان فراغاً روحياً قاتلاً ، واهمالاً خطيراً في التوجه الى خبايا اعماق نفسه ، واكتشاف زواياها وجوانبها.
    وما الآم البشر ومآسيهم المحزنة في هذا العصر والتي تتجلى في الحروب المدمرة ، والاعتداءات الظالمة ، والتمييز العنصري ، والفقر والجوع المييت ، والجرائم البشعة المنتشرة ، والفساد الاخلاق الفتاك ، وانتهاك حقوق الانسان ، كل ذلك ما هو الا نتيجة طبيعية للفراغ الروحي الانحراف النفسية.
    ان البشرية اليوم ، واكثر من اي وقت مضى في حاجة ماسه لثروات الاسلام الروحية وكنوزه المعنوية .. وهنا يأتي دور المسلمين في اكتشاف تلك الكنوز للعالم.


(9)
    غير ان المؤسف في الامر ما يعانيه اكثر المسلمين من بعد وابتعاد عن قيم دينهم وتعاليم شريعتهم حتى كادوا ان يساووا غيرهم في الجهل بمعالم الدين والتنكر لاحكامه مع تفوق الاخرين عليهم بالتقدم المادي.
    ومع اليقظة الجديدة والصحوة الاسلامية المباركة التي يهب نسيمها على المسلمين الان ، كان لا بد من التوجه والاهتمام بالبعد الروحي الاخلاقي في الثقافة الاسلامية.
    وهذه السطور المتواضعة بين يديك ـ ايها القارئ العزيز ـ هي محاولة بسيطة للمشاركة في الاهتمام بهذه الجانب الخطير .. وكانت في الاساس مجموعة من الاحاديث والمحاضرات القيتها في فترات مختلفة ، وقد نالت الاحاديث ، مما شجع بعض الاخوة المؤمنين على كتابتها وتقديمها للطبع وتنقيحات لاعتذر القارئ من غلبة طابع الاسلوب الخطابي على مواضيعها ، واضرع الى الباري سبحانه ان يجعلني من المتعظين بها وان يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وان ينفع بها المؤمنين وله الشكر والحمد على نعمه وتوفيقه.
المؤلف
1 / شعبان / 1411 هـ


(10)

(11)


(12)

(13)
    قال الله العظيم في كتابه الحكيم : ( ونفس وماسواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) (1)
صدق الله العلي العظيم
    لشخصية الانسان في هذه الحياة ثلاثة ابعاد ومن مجموع التفاعل بين هذه الابعاد الثلاثة تتكون شخصية الانسان :
    البعد الاول : العقل.
    البعد الثاني : النفس.
    البعد الثالث : الجسد.
    أما الروح فهي وعاء يشمل هذه الابعاد جميعا ولعلنا بحاجة الى تحديد ما نقصد من هذه المصطلحات فماذا نقصد بالروح ؟ وماذا نقصد بالعقل ؟ وماذا نعني بالنفس ؟
    اما الجسد فأمره واضح ولا يحتاج الى شرح وتحديد ، ذلك لان هذه المصطلحات كثيرا ما تدور حولها معارك ضارية بين الفلاسفة والعلماء والمتكلمين لتحديد المقصود من كل مصطلح.
1 ـ سورة الشمس : 7 ـ 10.

(14)
    معنى الروح :
    اننا نقصد بالروح هنا تلك القوة التي تبعث الحياة في الانسان وتنبع منها الحياة والتي بمفارقتها للجسم تنتهي حياة الانسان في هذه الدار الدنيا.
    هذا ما نقصده بالروح ولذلك قلنا انها وعاء يشمل العقل والنفس والجسد لانه من دون الروح التي تعطي الحياة اي عقل يكون ؟! او اية نفس تمارس دورها ؟! واي جسد يتحرك ؟! واذا انتهت اقامة الروح في جسد الانسان في هذه الدنيا انتهى وجوده منها ايضا وانتقل الى عالم آخر.
    ما هو العقل ؟
    نقصد به ذلك « النور الذي يميز الانسان به بين الحق والباطل » بين الشر والخير بين الممكن والمستحيل وبعبارة اخرى هو قوة الادراك والتمييز والمعرفة فبالعقل يدرك الانسان ويميز ويقيم الاشياء.
    تعريف النفس :
    اما النفس فهناك اختلاف كبير عند الفلاسفة في تحديد المقصود منها حتى ان بعضهم انهى تعريفات النفس الى اربعين تعريفاً حتى قال الشاعر :
قد حار في النفس جميع الورى وبرهن الكل على ما ادعــو من جهل الصنعة عجزاً فمـا والفكر فيها قد غدا ضائعا وليس برهانهم قاطـعـا اجدره ان يجهل الصانعـا
    ولكننا نقصد بالنفس هنا « هي مركز العواطف والميول والشهوات لدى الانسان » يطلق عليها القرآن تارة عنوان « النفس » ويطلق عليها تارة اخرى


(15)
اسم « القلب ».
    بين النفس والعقل :
    بالعقل تدرك الاشياء فتعرف ان هذا الامر ممكن وذاك مستحيل وان واحد زائد واحد يساوي اثنين واثنين يساوي اربعة ، العقل هو الوحيد القادر على ادراك هذه الاشياء فالعلم يكون بالعقل والمعرفة تكون بالعقل والتقييم والحكم على الاشياء يكون بواسطة العقل.
    اما النفس ففيها عواطف الانسان مثل الحب والبغض فالحب وحب الذات والانانية والخوف وجميع العواطف والمشاعر والاحاسيس تنبع من النفس اذن فهناك فرق واضح بين العقل والنفس.
    والنفس بهذا المعنى تعتبر اخطر منطقة في شخصية الانسان. فهي مصدر سعادته او شقائه وكما يقول الله عزوجل : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ) النفس التي هي مركز الميول والعواطف والرغبات بامكانها ان توجه الانسان نحو السعادة وبامكانها ان تنحرف بالانسان وتنزلق به في هاوية الشقاء والفساد والانحراف.
    أين دور العقل ؟
    العقل ليس له دور حاكم مثل النفس لماذا ؟
    لان العقل يدرك الاشياء ويقيمها ، يدرك مثلا ان العمل والنشاط جيد وان الكسل سيء ويدرك ان العدل حسن والظلم قبيح .. فدور العقل في حياة الانسان هو دور الادراك والتقييم ولكن النفس تتخذ الموقف وهي التي تبادر وتمتلك زمام الموقف فبيدها ان تصدق وتعمل بما يقوله العقل او تنحرف
معرفة النفس ::: فهرس