معرفة النفس ::: 16 ـ 30
(16)
وتزيغ عما يقوله. لذلك فان القرآن الكريم يشير الى هذه الناحية فيقول : ( وجحدوا بها واستيقتتها انفسهم ظلماً وعلوا ) (1) فمن الناحية العقلية اصدر العقل حكمه وقال لهم ان هذه الحقائق صحيحة وثابتة وواجبة ولكنهم جحدوا بها مع تيقن انفسهم بصحتها لماذا ؟ لان اهواءهم النفسية وعواطفهم الشوانية لم تسمح لهم بأن يطيقوا كلام العقل وفي آية اخرى يقول القرآن الحكيم : ( وتكتمون الحق وانتم تعلمون ) (2) انظروا وتدبروا انهم يعلمون فعقولهم قررت ان هذا الشيء حق ، العقل ادرك صواب واحقية هذا الامر وقال للانسان : يا انسان هذا حق ولكن الهوى والشهوات والعواطف هي التي تجعل الانسان ينحرف عما يقرره العقل ويكتم الحق ويتستر عليه.
    وهناك امثلة واحاديث كثيرة تدل على ان العقل قد يصبح الة بيد النفس تقوده وتأمره ، العقل هذه القوة العظيمة تصبح اداة بيد النفس وكزورق تتقاذفه رياح الشهوات واهواء النفس يميناً ويساراً فتسخدمه فيما تريد.
    كيف يؤسر العقل ؟
    في البداية العقل يعطي رأيه يقول لك : الصيام ممتاز ومن الجيد ان تصوم هذا ما يقوله لك العقل ولكن النفس قد لا تسمح بالصيام والعواطف والاهواء والشهوات امور تجنح بك نحو الافطار وحينما تريد ان تفطر تحتاج للتفكير في افضل وسيلة للافطار واحسن طعام تتناوله وكيف تستطيع ان تحصل الطعام هنا لا بد ان تستخدم عقلك.
    عقلك قال لك : لا تفطر وصم ولكن نفسك قررت الافطار وعندما
1 ـ سور النحل : ـ 14.
2 ـ سورة آل عمران : ـ 71.


(17)
قررت ذلك استخدمت العقل ، العقل يقول لك : طيب انت تريد ان تفطر وانا لست موافقاً على افطارك انا اقول لك صم افضل فتجيبه النفس وهي تنهره بعنف وحدة : وما شأنك ؟ انت ابديت رأيك وانتهى دورك وليس لك شأن في هذا والمطلوب ان تبتكر طريقة لتحصيل الطعام وان تبتدع وسيلة لتحصيل الشهوة.
    فيقف عند حدوده ويجيب : حاضر بالخدمة فيطيع النفس ويدلها على الوسائل والاساليب وكمثال اخر ، العقل يقول : السرقة ليست جيدة ، النفس تعترضه فتقرر السرقة ولكن السرقة تحتاج الى خطة فمن الذي يضع الخطة ؟ انه العقل.
    فتقول النفس للعقل : انا صممت على السرقة وعليك الان ان تضع خطة للسرقة ، والعقل يحتج بعدم موافقته وان السرقة شيء غير جيد فتنهره النفس : دعك من هذا انتهى دورك وانا الان قررت السرقة ويجب عليك ان تضع خطة للسرقة فيطيعها العقل ويصبح الة في خدمة اهواء النفس وللامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) كلمات جميلة ورائعة تعبر عن هذه الحقيقة الامام يقول : « كم من عقل اسير تحت هوى امير » (1) العقل اسير ولكن عند من ؟
    عند الهوى المتأمر في حياة الانسان فيأسر العقل ويصبح اسيراً تحت سيطرته ويقول ( عليه السلام ) : « اكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع » (2).
    وفي كلمة اخرى يشير الامام علي ( عليه السلام ) الى ان العقل انما
1 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 211.
2 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 219.


(18)
يمارس دوره القيادي الصحيح في حياة الانسان اذا لم تقيده الاهواء ورغبات الدنيا حيث يقول : « شهد على ذلك العقل اذا خرج من اسر الهوى وسلم من علائق الدنيا » (1).
    كما يتحدث الامام ( عليه السلام ) عن حدوث حالة اختراق الشهوات لعقل الانسان فيقول « قد خرقت الشهوات عقله » (2).
    وعنه ( عليه السلام ) : « ذهاب العقل بين الهوى والشهوة » (3).
    ويقول ايضاً : « عدو العقل الهوى » (4).
    اذن النفس لها قدرة التحكم بالعقل وان تستخدم العقل ومن هنا تبرز اهمية النفس ويكمن الخطر ومن هنا نجد القرآن الحكيم يعلق سعادة الانسان وفلاحه ونجاحه على مدى سلامة نفسه يقول تعالى : ( واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى ) (5) اذن فالمسألة مسألة النفس ، من يزكي نفسه فقد فاز فوزاً عظيماً فيجب ان نولي قضية صحة النفس وسلامة النفس اهمية كبرى.
    ثغرة المنطق الاغريقي :
    قالوا في تعريف علم المنطلق بأنه « ألة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر » (6) وقالوا عن تحديد وظيفته وغايته بانها تجنب الخطأ وتصحيح الافكار. « اذن فحاجتنا الى المنطق هي تصحيح افكارنا » (7) ويرى ابن حزم
1 ـ نهج البلاغة / كتاب رقم : 3.
2 ـ نهج البلاغة / خطبة : 109.
3 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 431.
4 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 436.
5 ـ سورة النازعات : ـ 41.
6 و 7 ـ المظفر : المنطق / ص 10.


(19)
الاندلسي : ان علم المنطلق « يقف على الحقائق كلها ويميزها من الاباطيل تمييزاً لا يبقى معه ريب » (1).
    ولكن المنطق الاغريقي المتداول والذي رتب مسائله وفصوله الفيلسوف ارسطو ( 384 ـ 322 ق. م ) هل يؤدي هذا الدور ويقوم بهذه الوظيفة ؟.
    كلا فهو قد اقتصر على الاهتمام بشكل التفكير وصوره لذلك عرف بالمنطق الشكلي والصوري ، ولم يتعداها للبحث عن الخلفيات والتأثيرات النفسية على فكر الانسان ..
    يقول العلامة المدرسي : « يقيم هذا المنطق بانه نظم مسيرة الفكر الانساني في قبال التطرف والفوضى والسفسطة. ولكنه من جهة اخرى قيد هذه الفكر بتركيزه الكبير على الجانب الصوري منه اي انه لم يحاول البحث عن مصدر الافكار بمقدار ماكرس بحوثه حول علاقة الافكار ببعضها وكان مثله مثل من يبذل جهده في جمع الاعداد وتفريقها دون ان يفكر فيما وراء هذه الاعداد من حقائق تدل عليها. فمنطق ارسطو الشكلي باهتمامه بشكل التفكير واغفاله البحث عن مادة التفكير وموضوعه سبب تناسي دور السلبيات ولذلك لم يوفق هذا المنطق لاعطاء الانسان مزيداً من التقدم الفكري » (2).
    « يتصور الرأي السائد في المنطق ان مشكلة الانسان في العلم ، في مشكلة عقلية محضة ، يمكن حلها بوضع قواعد لتنظيم عملية التفكير.
    الا ان الحقيقة : ان المشكلة هي مشكلة نفسية ، قبل ان تكون عقلية ، ولذلك فنحن بحاجة الى معالج النفس البشرية ، قبل ان نضع قواعد لعقله ، وتنظيم فكره. ذلك لان النفس البشرية قد تستأثر بارادة الانسان ،
1 ـ الدكتور مهدي فضل الله : مدخل الى علم المنطق / ص 20.
2 ـ العلامة السيد محمد تقي المدرسي : المنطق الاسلامي / ص 55.


(20)
وتوجهها الى حيث تتحرك اهواؤها ، وهنالك تبقى قدرة الانسان على التفكير معطلة رأساً ، ولا تغنيه القواعد الموضوعة لتنظيم فكره » (1).
    الاهتمام بالنفس :
    البعض قد يصرفون اهتماماتهم ويولون عنايتهم لعقولهم فيزودون عقولهم بالمعلومات والافكار فيخدمون عقولهم كثيراً وبعض الناس يخدمون اجسامهم كثيراً فيقدمون الطعام والشراب واللذات والراحة لاجسامهم ولكن كثيراً من الناس يتساهلون مع انفسهم مع انه لا قيمة للعقل ولا قيمة للجسد ان لم تكن النفس سليمة فاذا كانت النفس مريضة فانها تستخدم العقل استخداماً سيئاً يؤدي بالجسد الى الهلكة ولو راجعنا التاريخ ونظرنا الى الواقع المعاصر لوجدنا ان اشخاصاً لديهم القدرة الكبيرة في الجانب العلمي والعقلي وعقولهم كبيرة والمعلومات التي تختزنها وتمتكلها عقولهم واسعة جدا ولكنهم في اسفل درك من الشقاء والانحطاط وابرز مثال على ذلك هو « ابليس » فهل كان انحطاطه وشقاؤه لقلة علمه ؟
    كلا ...
    ابليس مشكلته لم تأت لقلة معلوماته وبالعكس فهو في هذا الجانب كان متفوقاً وكان عالماً كبيراً يعلم اشياء لا نعلمها نحن ولم نطلع عليها ولكن من اين أدين ؟ قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين مقتله كان التكبر ، والتكبر حالة نفسية وليست عقلية لذلك لم يستطع ان يستفيد من علمه وعقله وكثير من الذين انحرفوا وكثير من الذين شقوا ، المشكلة التي كانت عندهم ليست مشكلة قلة العلم والمعرفة وانما هي مرض النفس.
    وسلام عليك يا أبا الحسن حين قلت : « ومن لم يهذب نفسه لمن ينتفع
1 ـ المصدر السابق : ص 187.

(21)
بعقله ».
    وفي كلمة اخرى يقول الامام علي ( عليه السلام ) :
    « من جانب هواه صح عقله » (1).
    ويشير الامام علي ( عليه السلام ) الى تأثير الامراض النفسيه على العقل وادائه لدوره القيادي في حياة الانسان فيقول : « واعلموا ان الامل يسهي العقل » (2) « عجب المرء بنفسه احد حساد عقله » (3).
    من هنا يجب ان نولي جانب النفس اهمية قصوى فالنفس اذا كانت مصابة بالامراض كالتكبر والغرور والخوف والجبن والكسل والانانية والحقد وما اشبه ، فكل شيء لا يفيد قال الله تعالى : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض ) (4) اي انه حتى الايمان لا يوفقون له فالذين لم يؤمنوا بالانبياء والرسل هل كانت عقولهم مريضة وعاجزة عن المعرفة ؟
    كلا ، بل كانت المشكلة تكمن في نفوسهم حيث مرض التكبر وسيطرة الاهواء.
    مسؤوليتنا تجاه النفس :
    اننا قد نصرف اوقاتاً طويلة على تقديم العلم والمعرفة لعقولنا ، وقد نصرف وقتاً طويلاً على تقديم الراحة واللذة لاجسامنا ولكن كم نصرف لحماية انفسنا ؟ ولوقاية انفسنا من الامراض النفسية ؟
    الذين يدرسون في الجامعات الغربية والشرقية في المجالات التي يتوجهون
1 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 436.
2 ـ نهج البلاغة خطبة : 86.
3 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 212.
4 ـ سورة الاعراف : ـ 146.


(22)
اليها ، عقولهم ضخمة ، ان الانسان ليشعر بالضعة والحقارة امام تلك العقول الجبارة التي تصمم هذه الآلات والتي تبتكر هذه الوسائل والاليات الالكترونية الحديثة ، انظروا الى ما ينتجه الغرب من آلات ووسائل ومن تقدم علمي ، هذه عمل عقلي ضخم جداً ولكن الى جانب ذلك تترعرع الامراض والسلبيات والاخطاء في تلك النفوس فتجعل تلك العقول وتلك الاجساد حطباً للشقاء في الدنيا وفي الاخرة حطباً لجهنم.
    التصور الخاطيء :
    في بعض الاوقات يخطيء الانسان فيتصور ان الوقت الذي يصرفه على سلامة نفسه وقت ضائع مثلاً : انك حينما تذهب الى المقبرة تصرف وقتاً في الذهاب والرجوع والبقاء في المقبرة ، هذا الوقت قد تتصور انك لو صرفته في سبيل نشاط عقلي تطالع كتاباً ، او تفكر في موضوع تفيد به عقلك لكان افضل ولكن هل المطلوب مني فقط افادة عقلي ؟ هل المطلوب مني فقط توفير المعلومات والخدمات للعقل ؟ ونفسي اين هي وكيف صحتها ووضعها ؟
    يجب ان اصرف وقتاً من اجل تزكية نفسي وهذا هو سر العبادات الاسلامية وسر التوجيه اليها انك تصرف وقتاً على الصلاة والدعاء وعلى زيارة القبور ولمحاسبة النفس تطبيقاً للرواية الشريفة عن الامام الكاظم ( عليه السلام ) : « ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فن عمل خيراً استزاد الله منه وحمد الله عليه وان عمل شراً استغفر الله منه وتاب اليه » (1).
    اذا لم يكن هناك توازن بين تقدم علم الانسان وتوسع محيط ادراكه وعقله مع سلامة نفسه فهناك خطر كبير على مستقبل الانسان فيجب ان نهتم بسلامة
1 ـ ميزان الحكمة : ج 1 ص 407.

(23)
انفسنا وليكن من برامجنا فترة للعناية بأنفسنا.
    أنت تنام لمصحلة جسدك قدراً معيناً من الساعات ، وانت تدرس وتتعلم وتقرأ لصالح عقلك كذا ساعة ، فكم من الوقت تصرف من اجل نفسك ؟ من اجل التفتيش والتنقيب عن الرواسب والاوساخ التي تترامى في زوايا نفسك من هنا وهناك ؟ ومن اجل معالجتها وحمايتها ووقايتها كم تصرف من الوقت من اجل ذلك ؟
    علينا ان نصرف جزءاً كبيرا من الوقت على هذا الجانب لان مالم نصرف وقتاً في هذا الجانب فان اوقاتنا الاخرى ستضيع هباءاً لان عقولنا مهما صارت ضخمة فهي فريسة وضحية لانفسنا الامارة بالسوء.
    كما قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
    « اكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع ».
    انتبهوا الى هذا التعبير الرائع « مصارع العقول » ومصرع تعني مقتل ، اي ان عقلك يقتل ولكن الى اين ؟
    لا يقتل العقل بالسيف ولا بالعنف وانما بالرغبات والشهوات التي تنتاب نفوسنا كالخوف والكسل والانانية والراحة وما اشبه من هذه الامراض التي علينا ان نصون انفسنا منها.
    رسالتنا اصلاح النفوس :
    نحن نحمل رسالة اصلاح المجتمع وانقاذ الامة ولكن الى اية منطقة وجانب في الناس نتوجه ؟
    بعض المصلحين يتوجهون الى عقول الناس فيقدمون الفكر والثقافة والعلم للناس وهذا جيد ولكنه وحده لا يكفي ، لان مشكلة الناس لا تنبع فقط من قلة علمهم وانما هناك مشاكل نفسية ، الناس مصابون بالخوف


(24)
والهلع والجبن فيجب انتزاع ذلك من نفوسهم والا فلن ينتفعوا بالعلم ولا الثقافة وهنا اذكر الاخوة بشخصية حسان بن ثابت ذلك الصحابي الاديب الذي اعترف له الشعراء بالفضل والتفوق حتى قال ابو عبيدة : ان العرب قد اجتمعت على ان حسان اشعر اهل المدن.
    ولكن مع قوة ادبه وسعة فقه اسمعوا عن الوجه الاخر لشخصيته : « ذلك ان قتيبة في المعارف انه لم يشهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشهداً قط. قالت صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كان معنا حسان في حصن فارغ يوم الخندق مع النساء والصبيان فمر بنا في الحصن رجل يهودي فجعل يطوف بالحصن فقلت : يا حسان انا والله لا آمن ان يدل علينا هذا اليهودي اصحابه ، ورسول الله قد شغل عنا فانزل اليه واقتله.
    قال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب ما انا بصاحب شجاعة!
    قالت : قلما قال لي ذلك ، ولم ار عنده شيئاً اعتجرت ـ لست المعجر ـ ثم اخذت عموداً ونزلت اليه فضربته بالعمود حتى قلته ، ثم رجعت الى الحصن وقلت : يا حسان انزل اليه واسلبه فانه لم يمنعني من سلبه الا انه رجل.
    فقال : مالي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب !!
    وكان حسان قد اقتدى في فعله هذا بقول الشاعر :
باتت تشجعني هند وما علمت لا والذي منع الابصار رؤيته ان الشجاعة مقرون بهـا العـطب ما يشتهي الموت عندي من له ارب


(25)
للحرب قوم أضل الله سعيهم ولست منهم ولا ابغي فعالهم اذا دعتــهم الى نيرانها وثبــوا لا القتل يعجني منهم ولا السلب (1)
    فهل يسرنا ان يكون ابناء مجتمعنا في مثل علم وادب حسان مع نفسيته الجبنانة الضعيفة ؟!
    اننا اذا اردنا اصلاح شعوبنا ومجتمعاتنا فمن الخطأ جدا ان نركز فقط على اعطاء الفكر والثقافة للناس ، لان ذلك وحده لا يكفي بل يجب اصلاح نفوس الناس في البداية اليس الله سبحانه وتعالى يقول : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) (2).
    ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكل الانبياء ركزوا على هذا الجانب وهو اصلح نفوس الناس فحينما نريد ان نكتب للناس حينما نريد ان نقدم لها الحلول والعلاج وهذه افضل خدمة نقدمها لجماهيرنا.
    أساليب المعالجة النفسية :
    في بعض الاوقات يكون الجانب العملي اكثر تأثيراً من الجانب النظري في اصلاح النفوس ومنا هنا تبرز قيمة الانتفاضات والاعمال الثورية في المجتمعات والشعوب ، بعض الناس يقولون : اننا يجب ان نثقف الناس فنعطيهم الفكر والمعرفة والثقافة الى مرحلة تستغرق سنين عديدة ، اما الاعمال الثورية والاصطدام مع السلطة واعمال اخرى من هذا القبيل فهذه
1 ـ الشيخ عبد الحسين الاميني : الغدير : ج 1.
2 ـ سورة الرعد : ـ 11.


(26)
سابقة لاوانها ، لابد من التثقيف والتوعية فقط في هذه ....
    نقول : اننا اتفقنا على ان المشكلة معالجة نفوس الناس فقد تكون الاعمال الثورية اكثر تأثيراً في اعماق الناس من الاعمال الفكرية والثقافية المجردة.
    الناس مقبلون على حب الدنيا ، يحبون الراحة ، يخافون على حياتهم ، واموالهم وانفسهم ، فلو انك كتبت مائة كتاب عن التضحية ، والقيت الف محاضرة حول العطاء ، وتكلمت وخطبت ومارست التوجيه في هذا المجال قد لا يكون لك هذا تأثير يعادل تأثير القيام بتضحية فعليه امام هذا المجتمع ، وهذا مجرب في مجتمعاتنا وشعوبنا. في مجتمعنا قبل الانتفاضة التي حصلت كنا نمارس دور توجيه الناس وتثقيف المجتمع ولكن احداث الانتفاضة التي عاشها جماهيرنا في كل مكان تلك المظاهرات ، ذلك الاصطدام مع السلطات تلك الاعتقالات وهذه الاعمال الثورية استطاعت ان تقفز بالعمل اشواطاً كبيراً ومرحلة عالية جداً لماذا ؟
    لانه نضال لانه عمل والامام الحسين ( عليه السلام ) كان يعرف انه بثورته لا يصل للحكم ، بل كان ينتظر الشهادة وقد قال في مكة قبل ان يشد رحاله نحو العراق : « وكأني بأوسالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء » كان يعلم بأنه سيستشهد ، اذن لماذا ثار وتحرك ؟ لماذا لم يعمد الحسين والحال هذه الى اسلوب الكتابة والتأليف والخطابة لتحريك الامة وتغيير نفسياتها ؟
    لان الحسين كان يعلم بأن اسلوب الدم في ذلك الوقت كان ابلغ اثراً ، وكان اعظم تأثيراً وبالفعل فان استشهاد الامام الحسين حرك الامة تلك الحركة العظيمة ، وكانت دماؤه ناقوس انذار ، ايقظ بدمائه الامة من سباتها العميق ، وكانت ثورته مشعلاً من مشاعل الهداية في النهضة الاسلامية


(27)
العظيمة ولا يزال.
    مشكلة المجتمع هي الامراض النفسية من خوف وكسل وحب الذات والانشداد الى الدنيا والروح المصلحية ، هذه الاشياء هي التي تجعل الناس يخضعون للسلطات الطاغوتية فعلينا ان نعالج نفوس الناس كما نريد من ثقافتهم ونوسع من آفاق افكارهم.
    وهذه الانتفاضات ثبت ان تأثيرها في معالجة النفوس كثيراً ما يكون ناجحاً ، وشاهدنا ذلك بأَم اعيننا ، شاهدنا اشخاصاً كنا نحتاج الى محاضرات وجلسات لكي نقنعهم بأن يتفرقوا شهراً ليعملوا في سبيل الله ، ويتخلوا عن اهلهم ووطنهم ، ولكن بعد التحرك الثوري اصبح هؤلاء الاشخاص يتطوعون بأنفسهم للتفرغ طيلة العمر وليس شهراً واحداً.
    كنا نلقي المحاضرات والخطابات على الناس ونقول لهم : لاتخافوا ، لاترهبوا كثيراً من قوة السلطة ، ولكن حينما واجه الناس قوات السلطة ، وحينما تساقط الشهداء في المواجهة ، وحينما عانى الناس تلك الظروف وتلك الاوضاع ، اصبح الناس هو الذين يشجعوننا واصبح الناس هم الذين يدفعوننا للمواجهة ، وهم الذين يطمئنونا بأنه لا داعي للخوف ، كلكم تعلمون بأن السجن كان شيئاً رهيباً في مجتمعاتنا ولم تكن الخطابات والمحاضرات كفيلة باقتلاع رهبة السجن من نفوس الناس ولكن الان اصبح شيئاً اعتيادياً عند شبابنا.


(28)

(29)


(30)
معرفة النفس ::: فهرس