معرفة النفس ::: 46 ـ 60
(46)
واطيعوا وانفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ) (1).
    4 ـ والنفس هي التي تزين للانسان وتدفعه للارتداد عن الدين وسوء التعامل مع قضاياه ، كما حصل للسامري ، صاحب نبي الله موسى ( عليه السلام ) ، والذي اضل الناس المؤمنين بتوجيههم لعبادة عجل صنعه من الحلي ، يقول تعالى : ( قال فما خطبك ياسامري. قال بصرت لما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) (2).
    5 ـ واهواء النفس سبب مخالفة الانبياء والعدوان عليهم يقول تعالى : ( افلكما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ) (3).
    6 ـ واخوة نبي الله يوسف ( عليه السلام ) انما قاموا تجاهه بتلك الجريمة النكراء ، حيث القوه في قاع الجب ، وهو ذلك الصغير الوديع المتفرد في جماله وحسنه ، انما صنعه ذلك لانحراف نفسي اصابهم يقول تعالى على لسان ابيهم يعقوب ( عليه السلام ) :
    ( قال بل سولت لكم انفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) (4).
    7 ـ والحسد حالة مرضية نفسية بين الافراد او الامم والمجتمعات يقول تعالى : ( ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفاراً حسداً
1 ـ سورة التغابن : ـ 16.
2 ـ سورة طه : ـ 96.
3 ـ سورة البقرة : ـ 87.
4 ـ سورة يوسف : ـ 18.


(47)
من عند انفسهم ) (1).
    8 ـ والتكبر مرض يعشعش في ارجاء النفس يقول تعالى : ( لقد استكبروا في انفسهم وعتو عتواً كبيراً ) (2).
    9 ـ والاعراض عن دين الله ورسالة الانبياء انما ينشأ من حالة انحراف نفسي يطلق عليه القرآن ( سفاهة ) يقول تعالى : ( ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا ن سفه نفسه ) (3).
    10 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « آفة النفس الوله بالدنيا » (4).
    11 ـ ويقول ايضاً ( عليه السلام ) : « عجب المرء بنفسه احد حساد عقله » (5).
1 ـ سورة البقرة : ـ 109.
2 ـ سورة الفرقان : ـ 21.
3 ـ سورة البقرة : ـ 130.
4 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 147.
5 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 212.


(48)

(49)
    اول واهم قية يجب ان يتوجه اليها الانسان ويركز عليها هي اصلاح نفسه ، لان ذلك مفتاح سعادته ، ولانه بع ذلك يستطيع معاجلة سائر القضايا ، وتحصيل مختلف متطلبات الحياة ، ويضمن حينئذ الاستفادة الصحيحة والاستخدام السلمي لما منحه الله من طاقات وقدرات .. اما مع انحراف النفس فكل المكاسب والامكانيات التي ينالها الانسان في هذه الحياة قد تصبح وبالاً عليه ، ووسائل دمار تصيبه والآخرين بالشر والضرر.
    فالعلم او المال او القوة او الجمال او اي امكانية اخرى اذا كانت تحت تصرف نفس شريرة فاسدة ، او تحكمها قرارات شهوانية من وحي الهوى ، فانها قد تجلب الخسار والشقاء والدمار لصاحبها وللاخرين.
    ومآسي البشرية في الماضي والحاضر هي سجل كبير لشواهد وادلة هذه الحقيقة الواضحة.
    لذا كان من الطبيعي ان تركز النصوص الدينية على مسألة الاهتمام باصلاح النفس كنمطلق لا صلاح الانسان والحياة كما نلاحظ في النصوص التالية :
    1 ـ يقول تعالى : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) (1).
1 ـ سورة الرعد : ـ 11.

(50)
    2 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « من لم يهذب نفسه لم ينتفع بالعقل ) (1) فكما سبق في الفصل الاول من الكتاب ، ان العقل يعطي رأيه وموقفه في القضايا والامور ، لكن النفس بشهواتها واهوائها غير المنضبطة والملتزمة تسكت صوت العقل ، وتدفع الانسان الى مخالفته.
    3 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « اعجز الناس من عجز من اصلاح نفسه » (2).
    فالعاجز عن اصلاح نفسه هل يقدر على اصلاح نفوس الاخرين او اصلاح امور الحياة ؟
    4 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « اعجز الناس من قدر على ان يزيل النقص عن نفسه فلم يفعل » (3).
    ومبدئياً فالانسان قادر على ازالة نواقص نفسه لكن الاهواء والشهوات هي التي تمنعه من ذلك ، ومن عجز عن مقاومة شهواته لا يرجى له الانتصار في الحياة.
    5 ـ ويقول ايضا ( عليه السلام ) : « من اصلح نفسه ملكها من اهمل نفسه اهلكها » (4).
    6 ـ وما قيمة الحياة في اسر الهوى وعبودية الشهوة ؟ انها تصبح حينئذ جحيماً للمعصية والاثم ، وبؤرة للفساد والشر.
    يقول الامام عليه ( عليه السلام ) : « من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في نقص فالموت خير له » (5).
    7 ـ واسوأ شيء ان يشعر الانسان باستغناء نفسه عن الاصلاح وعدم
1 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 145.
2 و 3 و 4 و 5 ـ المصدر السابق : ج 10 ص 146.


(51)
حاجتها للتهذيب ، عندها يغضب عليه السرب سبحانه ، ويكرهه الناس ، لتماديه في فساده وانحرافه. يقول الامام عليه ( عليه السلام ) :
    « ومن رضي عن نفسه كثر الساخط عليه » (1).
    8 ـ ويقول الامام عليه ( عليه السلام ) : « ايها الناس تولوا من انفسكم تأديبها ، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها » (2).
    فالتعوذ على امر لا يعطيه الشرعية ولايجعله صحيحاً ان كان في اصله سيئاً ، وعلى الانسان ان لا يستسلم لعادات نفسه مهما كانت متمكنه في حياته.
    9 ـ وكتب الامام علي ( عليه السلام ) وصية لابنه الامام الحسن ( عليه السلام ) جاء فيها : « ورأيت حيث عناني من امرك ما يعني الوالد الشفيق ، واجمعت عليه من ادبك ، ان يكون ذلك وانت مقبل العمر ، ومقتبل الدهر ، ذونبة سليمة ، ونفس صافية » (3).
    ففي بداية الحياة وقبل ان تتلوث النفس بالمصالح والانشدادات المادية يكون اصلاحها اسهل وافضل.
    10 ـ عن الامام علي ( عليه السلام ) : « ليس على وجه الارض اكرم على الله سبحانه من النفس المطيعة لامره » (4).
    11 ـ وعنه ايضاً ( عليه السلام ) : سبب صلاح النفس الورع » (5).
    12 ـ وقال ايضاً ( عليه السلام ) : (6) « من ذم نفسه اصلحها ، من مدح
1 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 6.
2 ـ المصدر السابق رقم : 359.
3 ـ نهج البلاغة : كتاب : 31.
4 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 125.
5 و 6 ـ المصدر السابق : ص 144.


(52)
نفسه فقد ذبحها ».
    13 ـ ويقول الامام عليه ( عليه السلام ) : « من جانب هواه صح عقله » (1).
    الى ان العقل لا يمارس دوره القيادي الكامل في حياة الانسان الا اذا استقل عن ثأثيرات اهواء النفس وشهواتها فيقول : « شهد على ذلك العقل اذا خرج من اسر الهوى وسلم من علائق الدنيا » (2).
1 ـ المصدر السابق : ج 1 ص 436.
2 ـ نهج البلاغة : كتاب : 3.


(53)
    معرفة الانسان بعدوه ، واطلاعه على خططه واساليبه ، تجعله اقدر على مواجهته والتغلب عليه. وكلما خفي العدو او اخفى خططه ووسائله ، كانت مقاومته اصعب وخطورته اشد.
    وهنا تكمن مشكلة الانسان مع نفسه ، حيث لا يكتشف عداوتها بسهولة ، كما تتفنن في استخدام الاساليب والوسائل الماكرة الخادعة والتي قد لا يحسب الانسان لها حساباً ، او لا يتوقع اثرها العدائي.
    ومهمة النصوص والتوجيهات الدينية تتحدد بشكل اساسي في تعريف الانسان على نفسه ، وكشف دوافعها ونوازعها امامه ، ليتعامل معها بيقظة ونباهة ووضوح.
    1 ـ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك » (1).
    2 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « عدو العقل الهوى » (2)
1 ـ المجلسي : بحار الانوار : ج 70 ص 64.
2 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 6 ص 436.


(54)

(55)
    وجود الرغبات والميول الشهوانية في النفس امر لا خيار للانسان فيه ، حيث اقتضت ذلك حكمة الرب سبحانه ، لكن توجيه تلك الميول وترشيد تلك الرغبات هي مسؤولية الانسان التي خلق من اجل ان يؤديها في هذه الحياة.
    وعلى الانسان ان يمارس بعقله ووجدانه دور الاشراف على نزعات النفس ، وملاحزة رغباتها ، ليمنع من نمو وترعرع الاتجاهات الفاسدة ، وليعالج ما قد يعتور النفس من امراض وعاهات ، وليضع حداً لما قد يحصل من اخطاء واغلاط. كما يحتاج الجسم الى الغسل والتنظيف ، واجراء الفحوص الطبية ، ومعالجة الامراض الطارئة ، كذلك تحتاج النفس الى صيانة مستمرة ، ورقابة دائمة ، للحفاظ عليه من التلوث ، ولحمايتها من الشوائب.
    وتأتي النصوص الدينية بشكل مكثف داعية الى ضرورة اعتماد برنامج ثابت ، وخطة دائمة لمحاسبة النفس ومراقبتها.
    1 ـ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « على العاقل ان يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر


(56)
فيما صنع الله عزوجل اليه » (1).
    (2) وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسه اشد من محاسبة الشريك شريكه والسيد عبده » (2).
    3 ـ وعن الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : « الا فحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ، فان في القيامة خمسين موقفاً كل موقف مقام الف سنة » ثم تلا هذه الاية ( في يوم كان مقداره الف سنة » (3).
    4 ـ وعن الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) : « ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل خيراً استزاد الله منه ، وحمد الله عليه ، وان عمل شراً استغفر الله منه وتاب اليه » (4).
    5 ـ ويحذر الامام علي ( عليه السلام ) من غياب دور المحاسبة والمراقبة على النفس قائلاً : « من اهمل نفسه ضيع امره » (5).
    6 ـ وعلى الانسان ان يكون دقيقاً وصارماً في محاسبة نفسه ومراقبتها والا فسيدفع ثمن التساهل والتسيب غالياً. يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « من سامح نفسه فيما يحب اتعبته فيما يكره » (6).
    7 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر » (7).
    8 ـ وقال ايضاً ( عليه السلام : « عباد الله : زنوا انفسكم من قبل ان توزنوا ، وحاسبوها من قبل ان تحاسبوا » (8)
1 و 2 و 3 و 4 ـ المجلسي : بحار الانوار : ج 70 ص 64.
5 و 6 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 146.
7 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 208.
8 ـ المصدر السابق خطبة : 90.


(57)
    هكذا تتكرر المقارنة والملازمة في النصوص الدينية بين محاسبة الانسان نفسه في الدنيا ومحاسبة الله تعلى له في الاخرة ، فكلما واظب الانسان على الاشراف والتوجيه والملاحظة لنفسه في الدنيا ، وفر على نفسه عناء حساب الاخرة ، اما تفريطه وتماهله وتساهله في محاسبة نفسه في الدنيا ، فسيكلفه مشقة وعذاب طول الحساب امام الله تعالى في الاخرة.
    9 ـ والعجيب من الانسان انه يتشاغل عن محاسبة نفسه ومراقبتها بملاحظة اخطاء الاخرين وثغراتهم ، والتحدث عن عيوبهم ومساؤئهم يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « فحاسب نفسك فان غيرها من الانفس لها حسيب غيرك » (1).
1 ـ المصدر السابق خطبة : 122.

(58)

(59)
    ان مضاعفات واخطار ما يصيب النفس من انحرافات وامراض هي مضاعفات واخطار عظيمة ، تطال مختلف جوانب حياة الانسان ، وتملأ واقعه الدنيوي ومستقبله الاخروي بالحسرة والشقاء.
    والانسان الذي تدفعه غريزة حب الذات الى دفع الاخطار وتجنب الاضرار ، كيف يتساهل تجاه تلك المضاعفات والاخطار العظيمة ؟ وكيف يرضى لنفسه الدمار والشقاء من اجل شهوات محدودة ومكاسب حقيرة ؟
    انه في حاجة ماسة الى التذكير والارشاد والوعظ حتى لا يقع في هذا المزلق الخطير ، وهذا ما تهدفه النصوص التالية :
    1 ـ وكحقيقة مسلمة ينسب القرآن الحكيم كل ما ينال الانسان من مصائب ونكسات الى نفسه يقول تعالى : ( وما اصابك من سيئة فمن نفسك ) (1).
    2 ـ وفي التجمعات والامم كما في الافراد فان مصدر انتكاسات وهزائمها هي الحالات النفسية يقول تعالى : ( او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم اني هذا قل هو من عند انفسكم ان الله على كل شيء قدير ) (2).
1 ـ سورة النساء : 79.
2 ـ سورة آل عمران : 165.


(60)
    والاية الكريمة تتحدث عن الهزيمة العسكرية التي اصابت المسلمين في واقعة احد فهي نتيجة للحالات النفسية الخاطئة التي اصابت نفوس المقاتلين. وخاصة الرماة الذين كانوا على قمة الجبل فتخلوا عن موقعهم الاستراتيجي للحصول على الغنائم مما مكن العدو من احتلال الموقع والسيطرة على المعركة كما هو معروف في التاريخ.
    3 ـ ويقول تعالى : ( ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم وان الله سميع عليم ) (1).
    4 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « لا ترخص لنفسك في مطاوعة الهوى ، وايثار لذات الدنيا ، فتفسد دينك ولا يصلح ، وتخسر نفسك ولا تربح » (2).
    انها خسارة الدين والدنيا.
    5 ـ ان من اخطر الانحرافات النفسية تأثيرها على العقل حيث تشل قدرته وتعطل دوره. يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « ذهاب العقل بين الهوى والشهوة » (3).
    وماذا يبقى من الانسان اذا ذهب عقله ؟ وما هي قيمته بعد ذلك ؟ ليكون أداة لغيها بدل ان يمارس دور الارشاد والتوجيه لها ، فيقول : « قد خرقت الشهوات عقله » (4).
1 ـ سورة الانفال : 53.
2 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 146.
3 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 6 ص 431.
4 ـ نهج البلاغة خطبة : 109.
معرفة النفس ::: فهرس