معرفة النفس ::: 91 ـ 105
(91)


(92)

(93)
    عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله » (1).
    هنالك ثلاثة ابعاد في شخصية الانسان المؤمن تعكس ايمانه بالله عزوجل ، ومدى تدينه ، وتتفاوت هذه الابعاد في القوة من شخص لاخر.
    وهذه الابعاد هي :
    1 ـ البعد العقلي « العلمي ».
    2 ـ البعد السلوكي « العملي ».
    3 ـ البعد النفسي « المعنوي ».
    ماذا تعني هذه الابعاد ؟
    ـ البعد العقلي .. ويعني ان يكون ايمان الانسان وتدينه قائماً على اساس عقلي وادلة علمية مستوحاة من القرآن واحاديث الرسول وآل البيت ( عليهم السلام ) ومن الطبيعة والسنن الكونية ، والتي عبرها يستطيع الرد على المبطلين والملحدين.
    ـ البعد السلوكي .. ويعني الممارسات الدينية والطقوس العبادية التي
1 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 2 ص 212.

(94)
يمارسها الانسان المتدين من صلاة وصيام والتزام بالاحكام في مختلف ـ المجالات ، وقد تكون هذه السلوكيات العبادية على اساس علمي كما مضى او على اساس تقليدي وراثي او توافق اجتماعي.
    ـ البعد النفسي ... وهذا البعد والذي سوف نتناوله بشيء من التفصيل يحتاج منا الى تعريف النفس ولو باختصار ، ويقصد بالنفس هنا الدائرة الداخلية في كيان الانسان والتي تتمركز فيها العواطف والمشاعر والاحاسيس السلبية منها والايجابية اللذيذ منها والمؤلم.
    وعلى هذا فان هذا البعد يختلف عن البعدين الاخرين وهو اهم منهما لانه الحصانة لهما. ذلك ان البعد الاول المستند على ادلة علمية لايمكنه ان يحصن الانسان من الانحراف لان جل الانحرافات التي تصيب الانسان مصدرها النفس وليس العقل.
    كما ان البعد السلوكي للتدين والذي ربما يكون باعثه تقليلد الاباء والمحيط الاجتماعي هذا البعد قد ينهار عندما ينتقل الانسان الى محيط آخر ، بينما البعد النفسي والذي يعني تفاعل المشاعر والاحاسيس مع وجود الله ، مثل الحب والبغض والخوف والرجاء والرضا والغضب ، والهيام والشوق والمناجاة ، هذه المشاعر هي ركيزة الايمان والتدين والمناعة ضد الغواية والانحراف والسلاح الذي يشهره الانسان المؤمن في وجه الشيطان والاغراءات الدنيوية.
    نوعية التدين عند المجتمع
    بالرغم من ان ابعاد التدين الثلاثة في شخصية الانسان المؤمن تتفاوت من حيث القوة والضعف من انسان لاخر ، فهناك من يبرز البعد العقلي في شخصيته دون البعدين الاخرين ، وآخر يبرز البعد السلوكي دون البعد


(95)
العقلي والنفسي وهكذا .. غير ان اكثر مجتمعاتنا جل افرادها المتدينين يبدو في شخصياتهم البعد العقلي والسلوكي بينما ينحصر البعد النفسي للتدين في مجموعات البعد العقلي والسلوكي بينما ينحصر البعد النفسي للتدين في مجموعات وفئات قليلة من المجتمع ، وهذا ما يلاحظ في المناقشات التي تدور في المجالس والخطب التي تلقى من على المنابر والكتابات التي تصدر انما تدور حول الادلة العلمية والعقلية لاثبات وجود الله ، وكذلك يبدو الجانب السلوكي بشكل واضح ، بينما يكاد يختفي التفاعل النفسي مع تلك الحقائق الالهية والسلوكيات العبادية.
    اذ يؤمن الانسان ـ مثلاً ـ بوجود اسرار الطبيعة والسنن الكونية الا ان هذا الايمان لا يخرج عن الاطار النظري ليدخل في الاطار النفسي كلا ، بل يبقى بعيدا عن التفاعل النفسي ، تماماً مثل ذلك الانسان الذي يخضع لحكومته نظرياً وسلوكياً غير انه غير خاضع نفسياً وشعورياً لها.
    وقد اشار الله سبحانه وتعالى الى هذه الحقيقة في كتابه الكريم حيث قال : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فاني تؤفكون ) (1) ( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل اكثرهم لا يعقلون ) (2) ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) (3) ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) (4).
    اذن المشكلة ليست في الايمان العقلي بل هي في الايمان النفسي والخضوع لتلك الحقائق والتفاعل معها حيث ان الادلة
1 ـ سورة العنكبوت : ـ 61.
2 ـ سورة العنكبوت : ـ 63.
3 ـ سورة الزخرف : ـ 87.
4 ـ سورة النمل : ـ 14.


(96)
التي تثبت وحدانية الله وملكيته وحاكميته لا يمكن لاحد عاقل ان ينكرها ولكنه ينكمنه ان لا يتفاعل معها ، فلهذا لا عجب ان نرى كثيراً من المسلمين لا ينكرون وجود الله عقلاً ومنطقاً الا انهم لا يتفاعلون مع هذا الايمان العقلي ولا ينعكس على مشاعرهم وتصرفاتهم.
    التفاعل النفسي مع الدين :
    من هنا لابد من التفاعل النفسي مع الدين وتحكيمه في عواطفنا ومشاعرنا فيكون الله عزوجل حاضراً امام اعيننا وفي نفوسنا دائماً لكيلا نغفل ونتيه ، اذ ان حضور الدين في مشاعر الحب والخوف والرضا والغضب والرغبة والكره تنمي في شخصية الانسان المقاومة ، بينما خلو المشاعر من التدين يؤدي الى سهولة انحراف الانسان ، وهذا الامر هو سبب انحراف قطاع واسع من ابناء المجتمع ورفضهم للتضحية في سبيل الله ، فالتضحية انما تتأتى عبر التفاعل مع الله سبحانه وتعالى والاشتياق لملاقاته كما ان الاغراءات والضغوط التي يواجهها الانسان او المجتمع في حياته ليست فكرية عقلية وانما هي في غالبها نفسية روحية ، فحينما اراد الماركسيون ابعاد الامة عن دينها بطرح الشبهات الفكرية والنظريات العقلية لمن ينجحوا في التأثير على قطاع صغير من الامة ، ولكن الغربيين الرأسماليين كانوا اكثر نجاحاً لانهم عملوا على اضعاف التدين في نفوس ابناء الامة بأساليب اليموعة والانحلال وتشجيع الروح المادية والمصلحية والتوجيهات الدنيوية.
    ومشكلة التوجيه الديني الموجود في مجتعاتنا اضافة الى قلته ومحدوديته انه كان وما زال يركز على تعميق التدين في عقلية المجتمع ويطرح الادلة العقلية والبراهين النقلية على احقية الاسلام وضرورته ووجود الله وو ... ، وهذا


(97)
ما يلاحظ بصورة جلية في الكتب والخطابات الاسلامية ، بينما اغفل الجانب المهم في شخصية المجتمع وهو الجانب النفسي وتعميق التدين في روح المجتمع ، مما مكن الاستعمار من غزو بلادنا ، فمع ان الجميع متفق على ضرورة محاربة الاستعمار ومقاومته الا اننا نقبل كل ما يرد الينا منه ونتفاعل معه نفسياً وذلك لزوال المانع النفسي والتدين المعنوي في كياننا.
    الروح الدينية للشعب الايراني :
    المجتمع الايراني المسلم يتميز بتدينه النفسي وهذه الميزة هي التي جعلته ينتصر قبل غيره من المجتمعات الاسلامية الاخرى ، ذلك لان ايمانه النفسي يدفعه للالتفات حول القيادة الشرعية وللشهادة والتضحية في سبيل الله. ويعود سبب ذلك الى الموجهين الدينيين في ايران ، فقد كانور يركزون على الجانب الروحي ويشوقون الناس لله ويوثقون علاقتهم به وبأهل بيت الرسالة صلوات الله وسالمه عليهم ، الى درجة ان بعضهم كان الطابع العام لخطاباته تذكير الناس بالله سبحانه وتعالى وبالاخرة ... ومن البارزين في هذا المجال آية الله الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب رحمة الله عليه ، حيث كان له مجموعة من الكتب والخطابات حلو القيامة والحساب والشفاعة والتقوى والشيطان والبكاء من خشية الله ... الخ (1)
1 ـ هو نجل المرحوم العلامة السيد حكيم دستغيب ، ولد الشهيد في عام 1333 هـ بمدينة شيراز من عائلة دينية ، غادر الى النجف بعد ان اتم دراسة مرحلة السطوح لاكمال دراسته ثم عاد الى شيراز.
    ومنذ ان عاد الشهيد الى مدينة شيراز بدأ بتنفيذ خدماته الدينية والسياسية ، فنفث روح التدين في نفوس قاطبة سكان محافظة فارس واشعل في نفوسهم حماساً دينياً.
    وفي عام 1382 هـ بدأ نضاله السياسي ضد النظام الشاهنشاهي المقبور حيث تزامن ذلك مع جهاد الامام الخميني.
    بعد حوادث 15 خرداد عام 1382 هـ القي القبض عليه واطلق سراحه بعد فترة وجيزة ، ولكنه اعيد الى السجن مجدداً في عام 1384 هـ ثم اطلق سراحه ، ولقد زاول الشهيد نشاطاته السياسية والدينية طيلة

(98)
    وهذه المجموعة الروحية القيمة منتشرة بين صفوف المجتمع الايراني ، اضافة الى هذه المواضيع كان الشهيد يشارك في دعاء كميل ويتفاعل مع الدعاء ويبكي ما يؤثر في نفسية المستمعين ويأخذون بالبكاء معه ، ولذلك لا عجب ان نرى الادعية اصبحت محبوبة عند الشعب الايراني ، حيث يتزاحمون رجالاً ونساءاً واطفالاً على مجالس دعاء كميل في ليلة الجمعة مع تقلب الطقس والمناخ سواءاً كان الجو صيفاً او برداً او حتى ممطراً من اجل الاستماع للدعاء بخشوع وبكاء وتهجد ونحيب بالرغم من انهم يقرأونه باللغة العربية ، وكذلك هذا الامر ينحسب على قراءة الزيارات للائمة عليهم السلام اذ تجدهم في قراءتها متذللين دموعهم ممتزجة بصيحاتهم.
    ولاتزال مجالس دعاء كميل ليالي الجمع معلماً من معالم التحول الاسلامي في ايران وكل زائر يأتي الى ايران ويشارك في هذه المجالس يبدي دهشته وتأثره بذلك الجو الروحي الرائع.
    يقول احد المتأثرين بتلك الاجواء الروحية :
    « زرت طهران في فصل الشتاء وكنت سمعت عن الاجواء الروحانية الخاشعة في مجالس دعاء كميل ليلة الجمعة ، وهو دعاء مناجاة علمه الامام
40 عاماً باذلاً قصارى جهده في بث العقيدة والجهاد واليقظة الروحية والنفسية وقد فرضت السلطة الاقام الجبرية عليه في عام 1389 هـ ولكن الجماهير رفعت ذلك الحصار عنه.
    وبعد انتصار الثورة انتخب الشهيد من قبل اهالي محافظة فارس عضواً في مجلس الخبراء لصياغة الدستور وبعدها عين اماماً لصلاة الجمعة في مدينة شيراز وقد قال عنه الامام الخميني : « انه بحق معلم الاخلاق ومهذب النفوس ».
    صدر الشهيد مؤلفات كثيرة منها : النبي والقرآن ، آداب من القرآن ، قلب القرآن ، العبودية سر الخليقة ، صلاة الخاشعين ، القلب السليم ، الذنوب الكبيرة ، المعاد ، المعراج ، جنة الخلود ، النفس المطمئنة ، وكذلك في تفسير القرآن ...
    استشهد على يد المنافقين بينما هو ذاهب الى صلاة الجمعة في 21 / ربيع الاول / 1401 هـ.
    ـ انظر الذنوب الكبيرة للشهيد دستغيب.


(99)
علي ( عليه السلام ) لكميل بن زياد النخعي رحمه الله ويعقد المسلمون في ايران مجالس لقراءته ليلة الجمعة .. وتأسفت عندما حلت ليلة الجمعة وكان البرد شديداً والثلج غزيراً لان ذلك سيمنع من انعقاد المجلس ، ولكن قيل لي ان المجلس لا يتعطل والناس يقصدونه في كل الظروف !
    اتجهنا الى مدرسة الشهيد مطهري في وسط طهران فرأينا ان حركة السير تزداد كلما اقتربنا من المكان.
    ترجلنا بعيداً عن المدرسة لانهم اخلوا الساحة والشوارع المحيطة بها من السيارات كان قراءة الدعاء قد بدأت والناس ملؤوا المدرسة بمسجدها الكبير وساحاتها الواسعة وامتدوا الى الخارج وجلسوا في الساحة والشوارع يتقون تساقط الثلج بما يتيسر من مظلة او غطاء للراس او معطف ، ويقرؤون الدعاء!.
    هل يصدق الناس في العواصم الباردة ان الالوف او عشرات الالوف من الطهرانيين يخرجون من بيوتهم في مثل هذا الجو ويجلسون في الشوارع ساعتين تحت الثلج لقراءة الدعاء ؟!
    نعم تحت الثلج ، وفوق الثلج ايضا ، فقد رأيتهم يجلسون على ما تيسر لهم : بساط عادي او مفرش من السيارة او معطف يجلس عليه اثنان ويغطيان رأسيهما بالمعطف الاخر ، او قطعة نايلون او كارتون .. وبعضهم يجلس القرفصاء ..! والكل باتجاه القبلة يتابعون فقرات الدعاء مع القارئ ، وتشعر انهم يحفظونها ويفهمون معناها ، او يتابعون الموضوعات التي يطرحها القارئ بالفارسية تعقيباً على مفاهيم الدعاء .. او يأخذ الواحد منهم بالبكاء فينطلق في التضرع الى ربه عزوجل يطلب منه المغفرة ويطلب حاجاته .. ثم يعود الى متابعة الدعاء ..


(100)
    وقد خلف شاب في حوالي الثلاثين من عمره ، كان جالساً ويرتدي معطفاً يغطي رأسه ، وتحاشيت ان يشعر بوجودي حتى لا ازعجه في دعائه .. ولكنه كان في حالة لا يشعر معها بالثلج المتساقط على رأسه وبعض وجهه ولا يشعر بأحد .. كان منفصلاً عن متابعة الدعاء مع القارئ ويتكلم مع الله تعالى ويبكي مع الله تعالى بكل وجوده ويتوجه اليه بكل مشاعره ، وان الكلمة الواحدة تخرج من صدره وجوداً حياً يحمل من اجزاء روحه وينبض بها ؟
    سمعته يقول : خدايا ، اي الهي ويطلقها نداءاً عميقاً حزيناً طويلاً .. وينفجر بعدها بالبكاء .. ثم يمسك بكاءه ويواصل دعاءه .. فهمت منه انه يقول : الهي انت رحيم محب .. وانا بعيد عنك .. ذنوبي .. ليلة الجمعة .. العفو .. جئت اليك .. اريد منك التوفيق .. النجاة من النار .. الشهادة ..
    وفي داخل مسجد المدرسة كان المشهد اعظم واكثر تأثيراً .. فعندما يصل القارئ الى مقاطع يرددها الحاضرون معه مثل : يا رب يا رب يا رب ، او يا رب ارحم ضعف بدني ، عن النار .. يتجاوب الدوي والدموع الى عنان ، السماء .. وعندما يطلب القارئ عنهم طلباً من الله تعالى فيرفعون ايديهم واصواتهم بقولهم ( الهي آمين ) تشعر بعبودية المسلمين الضارعة الراغبة ... (1).
    والواقع ان هذه الاجواء الروحية هي مخزون الثورة الاسلامية وعامل
1 ـ الممهدون للمهدي : ص 248 ـ 251.

(101)
الانتصار القوى ، وهو نفسه الذي يدفعهم الى التضحية والجهاد والنفير الى الجبهات اذ تجد الواحد منهم يصاب في الجبهة بجراج بليغة ويوشك ان يلفظ انفاسه الاخيرة وهو يهتف بالله وباسماء اولياء الله على ماذا يدل هذا ؟ او ليس على التفاعل النفسي العميق مع الايمان ؟
    وذات العامل هو الذي مكن الثورة الاسلامية من البقاء رغم المؤامرات والاغتيالات والتفجيرات والاعلام المضاد والحرب ، ذلك ان الشعب يعيش الاخرة ويتفاعل مع ايمانه ولم يكن سبب هذا الصمود في الوقع ارتفاع مستوى الوعي والعلم والمعرفة فقد لا يكون مستوى وعي الشعب الايراني ومعرفته ارفع من بقية المجتمعات الاسلامية ولكن لا ريب ان مستوى تدينه وصل الى مستوى رفيع جداً.
    وموسم الحج فرصة مناسبة لكي يشاهد المسلمون الوافدون من مختلف اقطار العالم الاسلامي مظاهر هذه الروحية الدينية للشعب الايراني حيث يقيمون مجالس دعاء كميل ليالي الجمع عند البقيع في المدينة المنورة وفي المسجد الحرام بمكة المشرفة.
    اذن اذا اردنا ان نزرع روح التضحية في نفوس شعوبنا وندفعهم للجهاد والعمل في سبيل الله فلا يكفي ان نعطيهم فكراً وعلماً وثقافة وانما يجب ان نزرق في نفوسهم روح التدين ونمزج نفوسهم بحب الله سبحانه وتعالى لان هذا هو الذي يضمن الالتزام بالدين ويدفع الانسان الى التضحية من اجله وهو المسلك الى الثورة والانتصار.
    توثيق العلاقة بالله :
    ولكي نوثق علاقتنا النفسية بالله سبحانه وتعالى لابد من اسكان حب الله في قلوبنا دون سواه بأن نجعل له حضوراً دائماً في نفوسنا وفي مخليتنا ونتشوق


(102)
للقائه لان المحب يشتاق ويوله لحبيبه ، ولتقريب الفكرة نضرب مثلاً.
    لا ريب انك عندما تفارق اهلك او اصدقائك الاعزاء دون سابق عادة سوف تتذكرهم دائما وتتصور المشاهد اللطيفة بينك وبينهم وتتخيل اشكالهم في ناظريك ويكون لهم حضور دائم في نفسك وشعورك ، كذلك الاب الذي يترك اولاده لمدة طويلة بعيدين عنه او الشخص الذي يترك بلاده لفترة مديدة من الزمن يتشوق ويحن لها اليس كذلك ؟.
    فكما هو حاصل في الحياة العادية مع من نحب كذلك يحب ان تكون علاقتنا بالله سبحانه وتعالى وبدرجة اعلى.
    بل نجعلها في صدارة شؤننا لانه ربنا والمنعم علينا وهو الذي يثيبنا ويجازينا وما الاشياء التي نحبها في الدنيا الا جزء بسيط من نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
    يقول تعالى : ( والذين آمنوا اشد حباً لله ) (1) ويقول ايضاً : ( فاذكروا الله كذكركم آبائكم او اشد ذكرا ) (2).
    دلائل محبة الله :
    ان حب الله ليس شيئاً خفياً وانما له ظواهر وحقائق وانعاكاسات على جوارح الانسان وبها يعرف الانسان هل هو محب ام لا ؟ هل يحب الله ام يحب غيره ؟ فما هي هذه الدلالات التي تعرف بها اننا نحب الله دون سواه ؟
    1 ـ استقرار حب الله :
    في قلب الانسان دون غيره وابعاد جميع الميول والانشدادات الدنيوية عن قلبه واعطاء القيمة العليا لرضا الله سبحانه وتعالى ، وقد صرح القرآن
1 ـ سورة البقرة : ـ 165.
2 ـ سورة البقرة : ـ 200.


(103)
الكريم بذلك وقال : ( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) (1).
    وفي الحديث عن الامام الصادق ( عليه السلام قال : « لا يمحض رجل الايمان بالله حتى يكون الله احب اليه من نفسه وابيه وامه وولده واهله ومن الناس كلهم » (2).
    اذن عندما نجد ان احد تلك الامور الدنيوية مسيطرة على نفوسنا بشكل يزاحم الشوق لرضا الله فلا بد ان نشك في حبنا لله لان « دليل الحب ، ايثار المحبوب على من سواه » (3) كما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) ، وعنه ايضا « القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله » (4).
    وعن الرسول ( صلى الله عليه وآله والائمة ( عليهم السلام ) الى ان حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان في قلب واحد ابداً فعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « حب الدنيا وحب الله لا يجتمعان في قلب ابداً » (6).
    وعن الامام علي ( عليه السلام ) قال : « كيف يدعي حب الله من سكن قلبه حب الدنيا » (7).
1 ـ سورة براءة : ـ 25.
2 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 212.
3 ـ نفس المصدر : ج 2 ص 209.
4 و 5 ـ نفس المصدر : ج 2 ص 213.
6 و 7 ـ نفس المصدر : ص 228.


(104)
    وعنه ايضاً ( عليه السلام ) « كما ان الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان ».
    وفي دعاء للامام زين العابدين ( عليه السلام : « اللهم اني اسئلك ان تملأ قلبي حباً لك » (1).
    وفي دعاء للرسول ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم اجعل حبك احب الاشياء الي ... » (2).
    وعنه ايضاً : « اللهم اني اسئلك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك ، اللهم اجعل حبك الي من نفسي واهلي ومن الماء البارد » (3).
    2 ـ مناجاة الله وذكره بخضوع :
    فمن يحب شخصاً فانه دعائماً يذكره الايام التي قضاها معه ، واذا ما كان ذلك الانسان شديد المساعدة له فانه يتذكره ايضا في المشاكل والملمات والحاجات ، كذلك من يحب الله سبحانه وتعالى فانه لابد ان يكون ذاكراً له دائماً ومعدداً نعمته عليه ومناجياً له حين الازمات والعقبات والنكبات مسبحا له ومقدساً وممجداً ومكبراً ولائذاً له دون سواه لان الاسباب بيده والخلائق عباده.
    لذلك ترى شغله الشاغل هو ذكر الله.
    وفي الحديث عن الامام علي ( عليه السلام ) : « من احب شيئاً لهج
1 و 2 و 3 ـ نفس المصدر : ص 214.

(105)
بذكره » (1).
    وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « فيما اوحى الله تعالى الى موسى ( عليه السلام ) كذب من زعم انه يحبني فاذا جنه الليل نام عني ، اليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟! ، ها انا ذا عمران مطلع علي احبائي ، اذا جنهم الليل حولت ابصارهم من قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين اعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ويكلموني عن الحضور ، يابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ومن عينك الدموع في ظلم الليل وادعني فانك تجدني قريباً مجيباً » (2).
    وعن الامام الصادق ايضاً : « حب الله اذا اضاء على سر عبد اخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله عنده ظلمة والمحب اخلص سراً لله واصدقهم قولاً واوفاهم عهداً وازكاهم عملاً ، واصفاهم ذكراً واعبدهم نفساً تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته ، وبه يعمر الله تعالى بلاده ، وبكرامته يكرم عباده ، يعطيهم اذا سألوا بحقه ويدفع عنهم البلايا ، برحمته فلوا علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ما تقربوا الى الله الا بتراب قدميه » (3).
    وعن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : « علامة حب الله تعالى حب ذكر الله ، وعلامة بغض الله تعالى بغض ذكر الله عزوجل » (4).
    وعن الامام علي ( عليه السلام ) : « القلب المحب لله يحب كثيراً النصب لله ، والقلب اللاهي عن الله يحب الراحة ، فلا تظن يابن آدم! انك تدرك رفعة البر بغير مشقة فان الحق ثقيل مر ... » (5).
    وفي دعاء كميل فقرات تعلم الانسان كيف يطلب من ربه ان يوصله الى
1 ـ نفس المصدر : ص 209.
2 و 3 ـ بحار الانوار : ج 70 ص 15.
4 و 5 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 226.
معرفة النفس ::: فهرس