الفصل التاسع
في أحكام الاَولاد والولادة

مسألة 367 : يلحق ولد المرأة بزوجها في العقد الدائم والمنقطع بشروط:
الاول : دخوله بها مع العلم بالاِنزال أو احتماله، أو الاِنزال على ظاهر الفرج. واما مع انتفاء الاَمرين ودخول مائه في فرجها بطريقة اخرى كالانبوبة ونحوها، واحتمال كون حملها من مائه ففي إلحاق الولد به اشكال.
الثاني : مضيّ ستة اشهر من حين تحقق الدخول أو ما بحكمه الى زمن الولادة، فلو جاءت المرأة بولد حي كامل لاَقل من ستة اشهر من ذلك الحين لم يلحق بالزوج.
الثالث : عدم التجاوز عن اقصى مدة الحمل وهو سنة على الاَظهر، فلو غاب عنها زوجها أو اعتزلها اكثر من سنة وولدت بعدها لم يلحق به.
مسألة 368 : إذا تحققت الشروط الثلاثة لحق الولد بالزوج ولا يجوز له نفيه وان وطئها آخر فجوراً فضلاً عما لو اتهمها بالفجور، ولا ينتفي عنه لو نفاه ان كان العقد دائماً إلاّ باللعان،بخلاف ما إذا كان العقد منقطعاً وجاءت بولد امكن إلحاقه به، فانّه وان لم يجز له نفيه لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهراً من غير لعان لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب.
مسألة 369 : إذا عزل عن زوجته اثناء الجماع وحملت لم يجز له نفي الولد لمكان العزل مع احتمال سبق المني قبل النزع من غير تنبه، أو احتمال بقاء شيء من المنيّ في المجرى وحصول اللقاح به عند العود الى
( 113 )
الايلاج، ويلحق بالعزل في ذلك ما إذا انزل قبل الدخول ثم جامع من غير ان يتأكد من عدم تلوث الآلة بالمني وخلو المجرى منه تماماً.
مسألة 370 : الحكم بلحوق الولد بالزوج وعدم جواز نفيه عن نفسه مع تحقق الشروط المتقدّمة يختص بصورة الشك واحتمال كونه منه، واما مع حصول العلم له بخلافه ـ من طريق فحص الدم أو غيره من الطرق العلمية الحديثة ـ فعليه ان يعمل بمقتضى علمه.
مسألة 371 : إذا اختلف الزوجان في تحقق الدخول الموجب لاِلحاق الولد أو ما بحكمه وعدمه، فادّعته المرأة ليلحق الولد به وانكره الزوج.
أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج وادّعى انها اتت به من خارج.
أو اختلفا في المدة مع الاتفاق في اصل الدخول او ما بحكمه والولادة، فادّعى ولادتها لدون ستة اشهر وادّعت هي خلافه كان القول قوله بيمينه، ولو ادّعى ولادته لاَزيد من اقصى الحمل وانكرت هي فالقول قولها بيمينها ويلحق به الولد ولا ينتفي عنه إلاّ باللعان.
مسألة 372 : لو طلق زوجته المدخول بها فاعتدت وتزوجت ثم أتت بولد، فان لم يمكن لحوقه بالثاني وامكن لحوقه بالاول ـ كما إذا ولدته لاَقل من ستة اشهر من وطء الثاني ولتمامها من غير تجاوز عن اقصى الحمل من وطء الاول ـ فهو للاول، ويتبين بذلك بطلان نكاح الثاني لتبين وقوعه في العدّة وتحرم عليه مؤبداً لوطئه اياها.
وان انعكس الامر ـ بان أمكن لحوقه بالثاني دون الاول ـ كأن ولدته لاَزيد من اكثر الحمل من وطء الاول ولاَقل الحمل دون الاَقصى من وطء الثاني، لحق بالثاني.

( 114 )
وان لم يمكن لحوقه بأحدهما ـ بان ولدته لاَزيد من اقصى الحمل من وطء الاول ولاَقل من ستة اشهر من وطء الثاني ـ انتفى منهما .
وان أمكن لحوقه بهما ـ بان كانت ولادته لستة اشهر من وطء الثاني ودون اقصى الحمل من وطء الاَوّل ـ فهو للثاني.
مسألة 373 : لو طلّقها فوطئها آخر في عدّتها غير الرجعية لشبهة ثم أتت بولد فهو كالتزوج بعد العدّة فتجيء فيه الصور الاَربع المتقدّمة إلاّ ان في الصورة الاَخيرة ـ وهي ما إذا امكن اللحوق بكل منهما ـ وجهين وهما: اللحوق بالاخير والقرعة بينهما واوجههما الثاني. وهكذا الحال في المتمتع بها إذا وهبها زوجها المدة أو انتهت المدة ووطئها الغير شبهة في عدّتها.
مسألة 374 : إذا كانت في عصمة زوج أو في العدّة الرجعية منه فوطئها آخر بشبهة ثم أتت بولد، فان امكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به، وان لم يمكن اللحوق بهما انتفى عنهما، وان امكن لحوقه بكل منهما اقرع بينهما ويعمل بما تقتضيه القرعة.
مسألة 375 : إذا وطىَ امرأة ليست بذات بعل ولا في عدّة الغير لشبهة وجاءت بولد وامكن لحوقه به يلحق به ولو وطئها لشبهة اكثر من واحد وامكن لحوقه بكل منهم اقرع بينهم.
مسألة 376 : إذا ولدت زوجتان لزوجين أو لزوج واحد ولدين واشتبه احدهما بالآخر عمل بالقرعة.
مسألة 377 : انما يرجع الى القرعة في الموارد المتقدّمة ونظائرها فيما إذا لم يتيسر رفع الاشكال والاشتباه بالرجوع الى طريقة علمية بينة لا تتخللها الاِجتهادات الشخصية ـ كما يقال ذلك بشأن بعض الفحوصات
( 115 )
الطبية الحديثة من خلوها عنها ـ وإلاّ لم تصل النوبة الى العمل بالقرعة.
مسألة 378 : إذا وطىَ الاَجنبية شبهة فحملت منه وولدت كان الولد ولد حلال، وإذا كان لها زوج رجعت اليه بعد الاِعتداد من وطئها شبهة.
مسألة 379 : المراد بوطء الشبهة الوطء غير المستحق شرعاً مع جهل الواطىَ بذلك سواء أكان جاهلاً قاصراً ام مقصراً بشرط ان لا يكون متردداً كما تقدم ذلك في المسألة (93).
مسألة 380 : إذا وطىَ الرجل زوجته فساحقت بكراً فحملت يلحق الولد بصاحب النطفة كما يلحق بالبكر، وتستحق الزوجة الرجم والبكر الجلد كما سيأتي في محله، وعلى الزوجة مهر البكر إذا ذهبت بكارتها بالولادة.
مسألة 381 : إذا ادخلت المرأة مني رجل اجنبي في فرجها أثمت ويلحق الولد بصاحب المني كما يلحق بالمرأة، فاذا كان الولد انثى لم يجز لصاحب المني التزوج بها. وكذا الحكم لو ادخلت مني زوجها في فرجها فحملت منه ولكن لا اثم عليها في ذلك.
مسألة 382 : إذا زنى بامرأة ليست بذات بعل ولا في عدّة الغير ثم تزوج بها فولدت ولم يعلم ان الولد من الحلال أو الحرام يحكم بأنه من الحلال. ولو زنى بامرأة فحملت منه وولدت كان الولد ولد حرام فلا يتوارثان وان تزوج باُمّه بعد الحمل.
مسألة 383 : المتولد من ولد الزنى إذا كان من وطء مشروع فهو ولد حلال.
مسألة 384 : لا يجوز اسقاط الحمل وان كان من سفاح إلاّ فيما إذا
( 116 )
خافت الاُم الضرر على نفسها من استمرار وجوده، فانّه يجوز لها حينئذ اسقاطه ما لم تلجه الروح، واما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الاِسقاط مطلقاً، وإذا اسقطت الاُم حملها وجبت عليها ديّته، وكذا لو اسقطه الاب أو شخص ثالث كالطبيب. وسيأتي بيان مقدار الديّة ومن تكون له في محله من كتاب الاِرث والديّات.
مسألة 385 : يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط ان لا يلحق بها ضرراً بليغاً بلا فرق في ذلك بين رضا الزوج به وعدمه، وقد ذكرنا جملة من احكام تحديد النسل في رسالة مستحدثات المسائل فلتراجع.

(أحكام الولادة وما يلحقها)
للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها مندوبة واهمها ما يلي:
مسألة 386 : ينبغي مساعدة المرأة عند ولادتها، بل يجب ذلك كفاية إذا خيف عليها أو على جنينها من التلف أو ما بحكمه.
ولو توقف توليدها على النظر أو اللمس المحرمين على الرجال الاَجانب لزم ان يتكفله الزوج أو النساء أو محارمها من الرجال، ولو توقف على النظر أو اللمس المحرمين على غير الزوج وكان متمكناً من توليدها من دون عسر و لا حرج فلا يبعد تعيّن اختياره إلاّ ان تكون القابلة ارفق بحالها، فيجوز لها حينئذٍ اختيارها، هذا في حال الاِختيار واما عند الاِضطرار فيجوز ان يولّدها الاَجنبي بل قد يجب ذلك، نعم لابدّ معه من الاِقتصار في كل من
( 117 )
اللمس والنظر على مقدار الضرورة فان الضرورات تتقدّر بقدرها.
مسألة 387 : يستحب غَسلُ المولود عند وضعه مع الاَمن من الضرر، والاَذان في اذنه اليمنى والاِقامة في اليسرى فانّه عصمة من الشيطان الرجيم كما ورد في الخبر، ويستحب ايضاً تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين عليه السلام، وتسميته بالاَسماء المستحسنة فان ذلك من حق الولد على الوالد، وفي الخبر: (ان اصدق الاَسماء ما يتضمن العبودية لله جل شأنه(1)، وافضلها اسماء الانبياء صلوات الله عليهم) وتلحق بها اسماء الاَئمّة عليهم السلام ، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : انّه قال: (من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ احدهم بإسمي فقد جفاني)، ويكره ان يكنيه ابا القاسم إذا كان اسمه محمداً، كما يكره تسميته باسماء اعداء الاَئمّة صلوات الله عليهم، ويستحب ان يحلق رأس الولد يوم السابع، وان يتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة، ويكره ان يحلق من رأسه موضعاً ويترك موضعاً.
مسألة 388 : تستحب الوليمة عند الولادة وهي احدى الخمس التي سنّ فيها الوليمة، كما ان احداها عند الختان، ولا يعتبر في السنة الاولى ايقاعها في يوم الولادة، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل، والظاهر انّه ان ختن في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدى السنتان.
مسألة 389 : يستحب للولي ان يختن الصبي في اليوم السابع من ولادته ولا بأس بتأخيره عنه، وهل يجوز له تركه الى ان يبلغ ام يجب عليه ان يختنه قبله فيعصي لو لم يفعل ذلك من دون عذر؟ وجهان، اقواهما
____________
(1) المقصود ما يكون نحو: عبدالله وعبدالرحيم وعبدالكريم.

( 118 )
الاول وان كان الاحتياط في محله. واذا لم يختن الصبي حتى بلغ وجب عليه ان يختن نفسه، حتى ان الكافر اذا اسلم غير مختون يجب عليه الختان وان طعن في السن ما لم يتضرر به.
مسألة 390 : الختان واجب لنفسه، وشرط في صحة الطواف واجباً كان ام مندوباً عدا طواف الصبي غير المميز الذي يطوفه وليه، ولا فرق في الطواف الواجب بين ما كان جزأً لحج او عمرة واجبين او مندوبين، وليس الختان شرطاً في صحة الصلاة على الاقوى فضلاً عن سائر العبادات.
مسألة 391 : الظاهر ان الحد الواجب في الختان ان تقطع الجلدة الساترة للحشفة المسماة بـ (الغُلْفَة) بحيث تظهر ثقبة الحشفة ومقدار من بشرتها وان لم تستأصل تلك الجلدة ولم يظهر تمام الحشفة، وبالجملة يجب قطعها بمقدار لا يصدق عليه الاَغلف ولا يجب القطع ازيد من ذلك.
مسألة 392 :لا بأس بكون الختّان كافراً حربياً أو ذميّاً فلا يعتبر فيه الاِسلام.
مسألة 393 : لو ولد الصبي مختوناً سقط الختان وان استحب امرار الموسى على المحل لاِصابة السنة.
مسألة 394 : تستحب العقيقة عن المولود ذكراً كان أو انثى، ويستحب ان يعق عنه في اليوم السابع، وان تأخر لعذر أو لغير عذر لم يسقط، بل لو لم يعق عن الصبي حتى بلغ وكبر عقّ عن نفسه، بل لو لم يعق عن نفسه في حياته فلا بأس ان يعق عنه بعد موته، ولابدّ ان تكون من احد الاَنعام الثلاثة: الغنم ـ ضأناً كان أو معزاً ـ والبقر والاِبل. ولا يجزي عنها التصدق بثمنها نعم يجزي عنها الاَضحية، فمن ضحّي عنه اجزأته عن
( 119 )
العقيقة.
ويستحب ان تكون العقيقة سمينة، وفي بعض الاَخبار: (ان خيرها اسمنها) قيل: ويستحب ان تجتمع فيها شروط الاُضحية من كونها سليمة من العيوب وعدم كون سنّها اقل من خمس سنين كاملة في الاِبل واقل من سنتين في البقر والمعز، واقل من سبعة اشهر في الضأن ولكن لم يثبت ذلك وفي بعض الاَخبار: (انما هي شاة لحم ليست بمنزلة الاُضحية يجزىَ فيها كل شيء).
مسألة 395 : ينبغي تقطيع العقيقة من غير كسر عظامها، ويستحب ان تخصّ القابلة منها بالربع وان تكون حصّتها مشتملة على الرجل والورك. ويجوز تفريق العقيقة لحماً ومطبوخاً. كما يجوز ان تطبخ ويدعى عليها جماعة من المؤمنين، والاَفضل ان يكون عددهم عشرة فما زاد يأكلون منها ويدعون للولد. ويكره ان يأكل منها الاَب أو احد ممن يعوله ولاسيّما الاُم بل الاَحوط استحباباً لها الترك.
مسألة 396 : لا يجب على الاُم ارضاع ولدها لا مجاناً ولا باُجرة إذا لم يتوقف حفظه عليه، كما لا يجب عليها إرضاعه مجاناً وان توقف حفظه عليه، بل لها المطالبة باُجرة إرضاعه في الحولين ـ لا في الزائد عليها ـ من مال الولد إذا كان له مال ومن ابيه إذا لم يكن له مال وكان الاَب موسراً، نعم لو لم يكن للولد مال ولم يكن الاَب موسراً أو كان متوفّى وكذا جدّه وان علا تعيّن على الاُم إرضاعه مجاناً اما بنفسها أو باستيجار مرضعة اخرى وتكون اجرتها عليها بناءً على وجوب انفاقها عليه كما هو الاحوط على ما سيأتي في محله.

( 120 )
مسألة 397 : الاُم احق بإرضاع ولدها من غيرها، فليس للاَب تعيين غيرها لاِرضاع الولد إلاّ إذا طالبت باُجرة وكانت غيرها تقبل الاِرضاع باُجرة اقل أو بدون اجرة فان للاَب حينئذٍ ان يسترضع له اخرى، وفي هذه الصورة إذا لم تقبل الاُم بإرضاع الغير ولدها وارضعته هي بنفسها لم تستحق بإزائه شيئاً من الاُجرة.
مسألة 398 : إذا ادّعى الاَب وجود متبرعة بالاِرضاع وانكرت الاُم ولم يكن له بينّة على وجودها كان القول قولها بيمينها.
مسألة 399 : ينبغي ان يرضع الصبي بلبن اُمّه ففي النصّ (ما من لبن رضع به الصبي اعظم بركة عليه من لبن اُمّه)، نعم إذا كان هناك مرجّح لغيرها ـ كشرافتها وطيب لبنها بخلاف الاُم ـ فلا بأس باسترضاعها له.
مسألة 400 : يحسن ارضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ولا ينبغي ارضاعه اقل من ذلك، كما لا ينبغي ارضاعه فوق حولين كاملين، ولو اتفق ابواه على فطامه قبل ذلك كان حسناً.
مسألة 401 : حضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدة الرضاع ـ اعني حولين كاملين ـ من حق أبويه بالسوية، فلا يجوز للاَب ان يفصله عن اُمّه خلال هذه المدة وان كان انثى، والاَحوط الاَولى ان لا يفصله عنها حتى يبلغ سبع سنين وان كان ذكراً.
مسألة 402 : إذا افترق الابوان بفسخ أو طلاق قبل ان يبلغ الولد السنتين لم يسقط حقّ الام في حضانته ما لم تتزوج من غيره، فلابدّ من توافقهما على ممارسة حقّهما المشترك بالتناوب أو بأيّة كيفية اخرى يتفقان عليها.

( 121 )
مسألة 403 : إذا تزوجت الاُم بعد مفارقة الاَب سقط حقّها في حضانة الولد وصارت الحضانة من حق الاَب خاصة، ولو فارقها الزوج الثاني فهل يعود حقّها أم لا؟ وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة.
مسألة 404 : إذا مات الاَب بعد اختصاصه بحضانة الولد أو قبله فالاُم احق بحضانته ـ الى ان يبلغ ـ من الوصي لاَبيه ومن جدّه وجدّته له وغيرهما من اقاربه سواء أتزوّجت أم لا.
مسألة 405 : إذا ماتت الاُم في زمن حضانتها اختص الاَب بحضانته وليس لوصيّها ولا لاَبيها ولا لاُمّها فضلاً عن باقي اقاربها حق في ذلك.
مسألة 406 : إذا فقد الاَبوان فالحضانة للجد من طرف الاَب، فاذا فقد ولم يكن له وصي ولا للاَب فالمشهور ثبوت حق الحضانة لاَقارب الولد على ترتيب مراتب الارث الاَقرب منهم يمنع الاَبعد، ومع التعدد والتساوي في المرتبة والتشاح يقرع بينهم، ولكن هذا لا يخلو عن اشكال، فالاَحوط التراضي بينهم مع الاِستيذان من الحاكم الشرعي ايضاً.
مسألة 407 : إذا سقط حق الاُم في ارضاع ولدها لطلبها اُجرة مع وجود المتبرع أو لعدم اللبن لها أو لغير ذلك فهل يسقط حقّها في حضانته ايضاً أم لا؟ وجهان اقواهما عدم السقوط؛ لعدم التنافي بين سقوط حق الاِرضاع وثبوت حق الحضانة لاِمكان كون الولد في حضانة الاُم مع كون رضاعه من امرأة اخرى اما بحمل الاُم الولد الى المرضعة عند الحاجة الى اللبن أو بإحضار المرضعة عنده مثلاً.
مسألة 408 : يشترط فيمن يثبت له حق الحضانة من الاَبوين أو غيرهما ان يكون عاقلاً مأموناً على سلامة الولد، وان يكون مسلماً إذا كان
( 122 )
الولد كذلك، فلو كان الاَب مجنوناً أو كافراً ـ والولد محكوم بالاِسلام ـ اختصت اُمّه بحضانته إذا كانت مسلمة عاقلة، ولو انعكس الاَمر كانت حضانته من حق ابيه خاصة، وهكذا الحال في غيرهما.
مسألة 409 : الحضانة كما هي حق للاُم والاَب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم كذلك هي حق للولد عليهم، فلو امتنعوا اجبروا عليها، وهل يجوز لمن يثبت له حق الحضانة ان يتنازل عنه لغيره فينتقل اليه بقبوله أم لا؟ الظاهر العدم، نعم يجوز لكل من الاَبوين التنازل عنه للآخر بالنسبة الى تمام مدة حضانته أو بعضها.
مسألة 410 : لا تجب المباشرة في حضانة الطفل، فيجوز لمن عليه الحضانة ايكالها الى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.
مسألة 411 : الظاهر ان الاُم تستحق اخذ الاُجرة على حضانة ولدها إلاّ إذا كانت متبرعة بها أو وجد متبرع بحضانته، ولو فصل الاَب أو غيره الولد عن اُمّه ولو عدواناً لم يكن عليه تدارك حقها في حضانته بقيمة أو نحوها.
مسألة 412 : تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً، فاذا بلغ رشيداً لم يكن لاَحد حق الحضانة عليه حتى الاَبوين فضلاً عن غيرهما، بل هو مالك لنفسه ذكراً كان أم اُنثى، فله الخيار في الاِنضمام الى من شاء منهما أو من غيرهما، نعم إذا كان انفصاله عنهما يوجب اذيتهما الناشئة من شفقتهما عليه لم يجز له مخالفتهما في ذلك.

( 123 )

الفصل العاشر
في النفقات

تجـب النفقـة بأحد اسباب اربعة: الزوجية، والقـرابة، والملـك، والاِضطرار.

1 ـ الزوجية
مسألة 413 : تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب اطاعته عليها، فلا نفقة للزوجة المتمتع بها إلاّ مع الشرط، كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيل تقدّم في المسألة (351)، وقد تقدّم ايضاً بيان ما يتحقق به النشوز وان سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها فاذا تابت وعادت الى الطاعة رجع الاستحقاق.
مسألة 414 : لا فرق في وجوب الاِنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابية، واما المرتدة فلا نفقة لها فان تابت قبل مضي العدّة استحقّت النفقة وإلاّ تبين من زوجها كما تقدّم.
مسألة 415 : الظاهر ثبوت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف إلا مع وجود قرينة على الاسقاط ولو كانت هي التعارف الخارجي، والاظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاِستمتاع منها على زوجها خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتع والتلذذ، وكذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لاَن يستمتع منها، نعم لو كانت الزوجة مراهقة وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً أو كان الزوج مراهقاً
( 124 )
وكانت الزوجة كبيرة لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذذ والاِستمتاع منها.
مسألة 416 : لا تسقط نفقة الزوجة بعدم تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو احرام أو اعتكاف واجب أو مرض مدنف أو غير ذلك، ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلى بمرض معدٍ خافت من سرايته إليها بالمباشرة.
مسألة 417 : إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وان كانت اكثر من نفقتها في الحضر، وكذا يجب عليه بذل اُجور سفرها ونحوها مما تحتاج اليه من حيث السفر، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر الى طبيب فانّه يجب على الزوج بذل نفقتها واجور سفرها.
واما في غيره من السفر الواجب كما إذا كان اداءً لواجب في ذمّتها كأن استطاعت للحج، أو نذرت الحج الاِستحبابي بإذن الزوج، وكذا في السفر غير الواجب الذي اذن فيه الزوج فليس عليه بذل اُجوره، وهل يجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وان كانت أزيد من نفقتها في الحضر أم لا؟ الظاهر ذلك، نعم إذا علّق الزوج اذنه لها في السفر غير الواجب على اسقاطها لنفقتها فيه كلاً أو بعضاً وقبلت هي بذلك لم تستحقّها عليه.
مسألة 418 : تثبت النفقة لذات العدّة الرجعية مادامت في العدّة كما تثبت لغير المطلقة، من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً، ولو كانت ناشزة وطلقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة إلاّ إذا تابت ورجعت الى
( 125 )
الطاعة كالزوجة الناشزة غير المطلّقة، واما ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً فانّها تستحق النفقة والسكنى حتى تضع حملها، ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدتها، وكذا الحامل المتوفى عنها زوجها، فانّه لا نفقة لها مدة حملها لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الاقوى.
مسألة 419 : إذا ادّعت المطلقة بائناً انّها حامل فان حصل الوثوق بصحة دعواها استناداً الى الاِمارات التي يستدل بها على الحمل عند النساء، أو تيسر استكشاف حالها بإجراء الفحص الطبي عند الثقة من اهل الخبرة فهو، وإلاّ ففي وجوب قبول قولها والاِنفاق عليها بمجرد دعواها اشكال بل منع.
ولو انفق عليها ثم تبين عدم الحمل استعيد منها ما دفع إليها، ولو انعكس الاَمر دفع إليها نفقتها ايام حملها.
مسألة 420 : لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط القيام بما تحتاج اليه الزوجة في معيشتها من الطعام والادام والكسوة والفراش والغطاء والمسكن والخدم وآلات التدفئة والتبريد وأثاث المنزل وغير ذلك مما يليق بشأنها بالقياس الى زوجها، ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكماً وكيفاً بحسب اختلاف الاَمكنة والاَزمنة والحالات والاَعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً.
فبالنسبة الى المسكن مثلاً ربّما يناسبها كوخ أو بيت شعر في الريف أو البادية وربّما لابدّ لها من دار أو شقة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة، وكذا بالنسبة الى الاَلبسة ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة الى ثياب اخرى وربّما لابدّ من الزيادة عليها بثياب التجمل والزينة، نعم ما
( 126 )
تعارف عند بعض النساء من تكثير الاَلبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة، فضلاً عما تعارف عند جمع منهن من لبس بعض الاَلبسة مرة أو مرتين في بعض المناسبات ثم استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الاُخرى.
مسألة 421 : من النفقة الواجبة على الزوج اُجرة الحمام عند حاجة الزوجة اليه سواء أكان للاِغتسال أو للتنظيف إذا لم تتهيأ لها مقدمات الاِستحمام في البيت أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره، كما ان منها مصاريف الولادة واُجرة الطبيب والاَدوية المتعارفة التي يكثر الاِحتياج إليها عادة، بل لا يبعد ان يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الاَمراض الصعبة التي يتفق الاِبتلاء بها وان احتاج الى بذل مال كثير ما لم يكن ذلك حرجياً على الزوج.
مسألة 422 : النفقة الواجبة للزوجة على قسمين:
القسم الاوّل : ما يتوقف الانتفاع به على ذهاب عينه كالطعام والشراب والدواء ونحوها، وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء، ولها الاِجتزاء ـ كما هو المتعارف ـ بما يجعله تحت تصرفها في بيته ويبيح لها الاِستفادة منه فتأكل وتشرب ممّا يوفره في البيت من الطعام والادام والشراب حسب حاجتها اليه، وحينئذٍ يسقط ما لها عليه من النفقة فليس لها ان تطالبه بها بعد ذلك.
مسألة 423 : لا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل، ولو دفع إليها نفقة ايام كاسبوع أو شهر مثلاً وانقضت المدة ولم تصرفها
( 127 )
على نفسها اما بان انفقت من غيرها أو انفق عليها احد كانت ملكاً لها وليس للزوج استردادها، نعم لو خرجت عن الاِستحقاق قبل انقضاء المدة بموت احدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً يوزع المدفوع على الايام الماضية والآتية ويسترد منها بالنسبة الى ما بقي من المدة، بل الظاهر ذلك ايضاً فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت احدى تلك العوارض في اثناء اليوم فيسترد الباقي من نفقة ذلك اليوم.
مسألة 424 : يتخير الزوج بين ان يدفع الى الزوجة عين المأكول كالخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك، وان يدفع إليها موادها كالحنطة والدقيق والارز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في اعداده للاَكل الى علاج ومؤنة، فاذا اختار الثاني كانت مؤنة الاِعداد على الزوج دون الزوجة.
مسألة 425 : إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والادام وتسلمته ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج، ولكن ليس للزوج الزامها بقبول الثمن وليس لها الزامه ببذله فالواجب ابتداءً هو العين.
القسم الثاني : ما ينتفع به مع بقاء عينه، وهذا ان كان مثل المسكن فلا اشكال في ان الزوجة لا تستحق على الزوج ان يدفعه إليها بعنوان التمليك، والظاهر ان الفراش والغطاء واثاث المنزل ايضاً كذلك، واما الكسوة فلا يبعد كونها بحكم القسم الاوّل فتستحق على الزوج تمليكها ايّاها، ولها الاِجتزاء بالاِستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره.
مسألة 426 : إذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدة فلبستها فخلقت قبل تلك المدة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها، ولو انقضت المدة والكسوة باقيه ليس لها مطالبة
( 128 )
كسوة اُخرى، ولو خرجت في اثناء المدة عن الاِستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق فان كان الدفع إليها على وجه الاِمتاع والاِنتفاع جاز له استردادها ان كانت باقية، واما إذا كان على وجه التمليك فليس له ذلك.
مسألة 427 : يجوز للزوجة ان تتصرف فيما تملكه من النفقة كيفما تشاء، فتنقله الى غيرها ببيع او هبة او اجارة او غيرها الاّ اذا اشترط الزوج عليها ترك تصرف معين فيلزمها ذلك، واما ما تتسلمه من دون تمليك للامتاع والانتفاع به فلا يجوز لها نقله الى الغير ولا التصرف فيه بغير الوجه المتعارف الاّ باذن من الزوج.
مسألة 428 : النفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن واثاث ونحوها، دون ما تشتغل به ذمتها ممّا تستدينه لغير نفقتها، وما تنفقه على من يجب نفقته عليها، وما يثبت عليها من فدية أو كفارة أو ارش جناية ونحو ذلك.
مسألة 429 : إذا لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته وجب عليه تحصيله بالتكسب اللائق بشأنه وحاله، وإذا لم يكن متمكّناً منه أخذ من حقوق الفقراء من الاَخماس والزكوات والكفارات ونحوها بمقدار حاجته في الاِنفاق عليها، وإذا لم يتيسر له ذلك تبقى نفقتها ديناً عليه، ولا يجب عليه تحصيلها بمثل الاِستيهاب والسؤال، وهل تجب عليه الاِستدانة لها إذا امكنه ذلك من دون حرج ومشقة وعلم بالتمكن من الوفاء فيما بعد؟ الظاهر ذلك، واما إذا احتمل عدم التمكن من الوفاء احتمالاً معتدّاً به ففي وجوبها عليه اشكال. هذا في نفقة الزوجة، واما نفقة النفس فليست بهذه المثابة فلا يجب السعي لتحصيلها إلاّ بمقدار ما يتوقف عليه حفظ النفس
( 129 )
والعرض والتوقي عن الاِصابة بضرر بليغ، وهذا المقدار يجب تحصيله بأيّة وسيلة حتى بالاِستعطاف والسؤال فضلاً عن الاِكتساب والاِستدانة.
مسألة 430 : إذا كان الزوج عاجزاً عن تأمين نفقة زوجته أو امتنع من الاِنفاق عليها مع قدرته جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي على ما تقدّم تفصيله في الفصل الثامن.
مسألة 431 : إذا لم تحصل الزوجة على النفقة الواجبة لها كلاً أو بعضاً كماً أو كيفاً؛ لفقر الزوج أو امتناعه بقي ما لم تحصله منها ديناً في ذمته كما تقدّمت الاِشارة اليه، فلو مات اخرج من اصل تركته كسائر ديونه، ولو ماتت انتقل الى ورثتها كسائر تركتها، سواء طالبته بالنفقة في حينه أو سكتت عنها وسواء قدرها الحاكم وحكم بها أم لا، وسواء عاشت بالعسر أو انفقت هي على نفسها ـ باقتراض أو بدونه ـ أو انفق الغير عليها تبرعاً من نفسه، ولو انفق الغير عليها ديناً على ذمّة زوجها مع الاِستيذان في ذلك من الحاكم الشرعي اشتغلت له ذمّة الزوج بما انفق، ولو انفق عليها تبرعاً عن زوجها لم تشتغل ذمّة الزوج له ولا للزوجة.
مسألة 432 : نفقة الزوجة تقبل الاِسقاط بالنسبة الى الزمان الحاضر وكذا بالنسبة الى الاَزمنة المستقبلة على الاَظهر.
مسألة 433 : لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها بل تستحقها على زوجها وان كانت غنية غير محتاجة.
مسألة 434 : نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة، فاذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه ونفقة زوجته انفق على نفسه فان زاد شيء صرفه إليها.

( 130 )
مسألة 435 : المقصود بنفقة النفس المقدّمة على نفقة الزوجة مقدار قوت يومه وليلته وكسوته وفراشه وغطائه وغير ذلك مما يحتاج اليه في معيشته بحسب حاله وشأنه.
مسألة 436 : إذا اختلف الزوجان في الاِنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها إذا لم تكن للزوج بيّنة.
مسألة 437 : إذا كانت الزوجة حاملاً ووضعت وقد طلّقت رجعياً فادّعت الزوجة ان الطلاق كان بعد الوضع فتستحق عليه النفقة، وادّعى الزوج انّه كان قبل الوضع وقد انقضت عدّتها فلا نفقة لها، فالقول قول الزوجة مع يمينها فان حلفت استحقت النفقة، ولكن الزوج يلزم بإعترافه فلا يجوز له الرجوع إليها.
مسألة 438 : إذا اختلفا في الاِعسار واليسار فادّعى الزوج الاِعسار وانّه لا يقدر على الاِنفاق، وادّعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه. نعم إذا كان الزوج موسراً وادّعى تلف امواله وانّه صار معسراً فأنكرته الزوجة كان القول قولها مع يمينها.
مسألة 439 : تقديم قول الزوج أو الزوجة مع اليمين في الموارد المتقدّمة انّما هو فيما إذا لم يكن قوله مخالفاً للظاهر، وإلاّ قدّم قول خصمه بيمينه إذا لم يكن كذلك، ففي مورد المسألة (436) إذا كانت الزوجة تعيش في بيت الزوج وداخلة في عياله وهو ينفق عليهم بنفسه أو بتوسّط وكيله عند غيابه، ثم ادّعت انّها لم تكن تتسلم منه نفقتها خلال تلك المدة ـ مع ظهور الحال في عدم استثنائها عنهم ـ لم يقبل قولها إلاّ بالبيّنة فان لم تكن لها بيّنة كان القول قول زوجها بيمينه.

( 131 )

2 ـ القرابة
مسألة 440 : يثبت للاَبوين حق الاِنفاق على ابنهما، كما يثبت للولد ـ ذكراً كان أو اُنثى ـ حق الاِنفاق على أبيه، والمشهور ثبوت حق الاِنفاق للاَبوين على بنتهما كما يثبت على إبنهما، وانّه مع فقد الولد أو إعساره يثبت حق الاِنفاق لهما على أولاد أولادها اي أبناء الاَبناء والبنات وبناتهم الاَقرب فالاَقرب.
وايضاً المشهور ثبوت حق الاِنفاق للولد مع فقد الاَب أو إعساره على جده لاَبيه وان علا الاَقرب فالاَقرب، ومع فقده أو إعساره فعلى اُمّه، ومع فقدها أو إعسارها فعلى أبيها واُمّها وأبي أبيها واُم أبيها وابي اُمّها واُم اُمها وهكذا الاَقرب فالاَقرب، وفي حكم آباء الاُم واُمهاتها اُم الاَب وكل من تقرب الى الاَب بالاُم كأبي اُم الاَب واُم ام الاَب واُم أبي الاَب وهكذا فتجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه مع مراعاة الاَقرب فالاَقرب اليه، وانّه إذا اجتمع من في الاَصول ومن في الفروع يثبت حق الاِنفاق على الاَقرب فالاَقرب، وما ذكروه لا يخلو عن اشكال وان كان احوط، ولا يثبت حق الاِنفاق لغير العمودين من الاُخوة والاَخوات والاَعمام والعمّات والاَخوال والخالات وغيرهم.
مسألة 441 : إذا تعدّد من يثبت عليه حق الاِنفاق كما لو كان للشخص أب مع إبن أو اكثر من إبن واحد ففي ثبوت الحق على الجميع كفاية أو الاِشتراك فيه بالسوية وجهان، فاذا لم يقم البعض بما يلزمه على تقدير الاشتراك فالاحوط لزوماً لغيره القيام به.

( 132 )
مسألة 442 : يشترط في وجوب الاِنفاق على القريب فقره، بمعنى عدم وجدانه لما يحتاج اليه في معيشته فعلاً من طعام وأدام وكسوة وفراش وغطاء ومسكن ونحو ذلك، فلا يجب الاِنفاق على الواجد لنفقته فعلاً وان كان فقيراً شرعاً اي لا يملك مؤنة سنته، واما غير الواجد لها فان كان متمكناً من تحصيلها بالاِستعطاء أو السؤال لم يمنع ذلك من وجوب الاِنفاق عليه بلا اشكال، نعم لو استعطى فاُعطي مقدار نفقته الفعلية لم يجب على قريبه الاِنفاق عليه، وهكذا الحال لو كان متمكناً من تحصيلها بالاَخذ من حقوق الفقراء من الاَخماس والزكوات والصدقات وغيرها، أو كان متمكناً من الاِقتراض ولكن بحرج ومشقة أو مع احتمال عدم التمكن من وفائه فيما بعد احتمالاً معتدّاً به، واما مع عدم المشقة في الاِقتراض ووجود محل الاِيفاء فالظاهر عدم وجوب الاِنفاق عليه.
ولو كان متمكناً من تحصيل نفقته بالاِكتساب فان كان ذلك بالقدرة على تعلّم صنعة أو حرفة يفي مدخولها بنفقته ولكنه ترك التعلّم فبقي بلا نفقة وجب على قريبه الاِنفاق عليه ما لم يتعلّم، وهكذا الحال لو امكنه الاِكتساب بما يشق عليه تحمّله كحمل الاَثقال أو بما لا يناسب شأنه كبعض الاَشغال لبعض الاَشخاص ولم يكتسب لذلك فانه يجب على قريبه الاَنفاق عليه.
وان كان قادراً على الاِكتساب بما يناسب حاله وشأنه كالقوي القادر على حمل الاَثقال، والوضيع اللائق بشأنه بعض الاَشغال، ومن كان كسوباً وله بعض الاَشغال والصنايع وقد ترك ذلك طلباً للراحة، فالظاهر عدم وجوب الاِنفاق عليه، نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة الى يوم أو أيام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الاِنفاق
( 133 )
عليه وان كان ذلك العجز قد حصل بإختياره، كما انّه لو ترك الاِشتغال بالاِكتساب لا لطلب الراحة بل لاِشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهم كطلب العلم الواجب لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الاِنفاق عليه.
مسألة 443 : إذا امكن المرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً فهل تكون بحكم القادر فلا يجب على أبيها أو إبنها الاِنفاق عليها أم لا؟ وجهان أوجههما الثاني.
مسألة 444 : لا يشترط في ثبوت حق الاِنفاق كون المُنفِق أو المُنفَق عليه مسلماً أو عادلاً، ولا في المُنفَق عليه كونه ذا علّة من عمى وغيره، نعم يعتبر فيه ـ فيما عدا الابوين ـ ان لا يكون كافراً حربياً او من بحكمه.
مسألة 445 : هل يشترط في ثبوت حق الاِنفاق كمال المنفق بالبلوغ والعقل أم لا؟ وجهان أقربهما العدم، فيجب على الولي ان ينفق من مال الصبي والمجنون على من يثبت له حق الاِنفاق عليهما.
مسألة 446 : يشترط في وجوب الاِنفاق على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه وزوجته الدائمة، فلو حصل له قدر كفاية نفسه وزوجته خاصة لم يجب عليه الاِنفاق على أقربائه، ولو زاد من نفقة نفسه وزوجته شيء صرفه في الاِنفاق عليهم والاَقرب منهم مقدّم على الاَبعد، فالولد مقدّم على ولد الولد، ولو تساووا وعجز عن الاِنفاق عليهم جميعاً فالاَظهر وجوب توزيع الميسور عليهم بالسوية إذا كان ممّا يقبل التوزيع ويمكنهم الاِنتفاع به، وإلاّ فالاَحوط الاولى ان يقترع بينهم، وان كان الاَقرب انّه يتخير في الانفاق على أيّهم شاء.
مسألة 447 : إذا كان بحاجة الى الزواج وكان ما لديه من المال لا يفي
( 134 )
بنفقة الزواج ونفقة قريبه معاً، جاز له ان يصرفه في زواجه وان لم يبلغ حدّ الاِضطرار اليه أو الحرج في تركه.
مسألة 448 : إذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه وكان متمكناً من تحصيله بالاِكتساب اللائق بشأنه، وجب عليه ذلك وإلاّ اخذ من حقوق الفقراء أو استدان لذلك، نظير ما تقدّم في المسألة (429) بالنسبة الى العاجز عن نفقة زوجته.
مسألة 449 : لا تقدير لنفقة القريب شرعاً، بل الواجب القيام بما يقيم حياته من طعام وأدام وكسوة ومسكن وغيرها مع ملاحظة حاله وشأنه زماناً ومكاناً حسبما مرّ في نفقة الزوجة.
مسألة 450 : ليس من الاِنفاق الواجب للقريب ـ ولداً كان أو والداً ـ بذل مصاريف زواجه من الصداق وغيره وان كان ذلك احوط لاسيّما في الاَب مع حاجته الى الزواج وعدم قدرته على نفقاته.
مسألة 451 : ليس من الاِنفاق الواجب للقريب اداء ديونه، ولا دفع ما ثبت عليه من فدية أو كفارة أو ارش جناية ونحو ذلك.
مسألة 452 : يجب على الولد نفقة والده دون أولاده؛ لاَنّهم اُخوته ودون زوجته، ويجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته، نعم يجب عليه نفقة أولاد ولده ايضاً بناءً على ما تقدّم من وجوب نفقة الولد على جدّه.
مسألة 453 : يجزي في الاِنفاق على القريب بذل المال له على وجه الاِمتاع والاِنتفاع ولا يجب تمليكه له، فان بذله له من دون تمليك لم يكن له ان يملّكه أو يبيحه للغير إلاّ إذا كان مأذوناً في ذلك من قبل المالك، ولو ارتزق بغيره وجبت عليه اعادته اليه ما لم يكن ماذوناً بالتصرف فيه حتى
( 135 )
على هذا التقدير.
مسألة 454 : يجزي في الاِنفاق على القريب بذل الطعام والادام ونحوهما له في دار المُنفِق ولا يجب نقلها اليه في دار اُخرى، ولو طلب المنفق عليه ذلك لم تجب اجابته إلاّ إذا كان له عذر من استيفاء النفقة في بيت المنفق من حرّ أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك.
مسألة 455 : نفقة الاَقارب تقبل الاِسقاط بالنسبة الى الزمان الحاضر على الاَظهر، ولا تقبل الاِسقاط بالنسبة الى الاَزمنة المستقبلة.
مسألة 456 : لا تُقضى ولا تُتدارك نفقة الاَقارب لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق ولا تستقر في ذمّته، بخلاف نفقة الزوجة كما مرّ، نعم لو أخلّ بالاِنفاق الواجب عليه ورفع من له الحق أمره الى الحاكم الشرعي فأذن له في الاِستدانة عليه ففعل اشتغلت ذمّته بما إستدانه ووجب عليه اداؤه كما سيأتي.
مسألة 457 : إذا دافع وامتنع من وجبت عليه نفقة قريبه عن بذلها جاز لمن له الحق اجباره عليه ولو باللجوء الى الحاكم وان كان جائراً، وان لم يمكن اجباره فان كان له مال جاز له ان يأخذ منه بمقدار نفقته بإذن الحاكم الشرعي، وإلاّ جاز له ان يستدين على ذمّته بإذن الحاكم فتشتغل ذمّته بما استدانه ويجب عليه قضاؤه، وان تعذّر عليه مراجعة الحاكم رجع الى بعض عدول المؤمنين واستدان عليه بإذنه فيجب عليه اداؤه.

3 ـ الملك
مسألة 458 : ذكر جمع من الفقهاء رضوان الله عليهم انّه يجب على
( 136 )
مالك كل حيوان ان يبذل له ما يحتاج اليه ممّا لا يحصله بنفسه من الطعام والماء والمأوى وسائر ضرورياته سواء أكان محلل اللحم أو محرّمه طيراً كان أم غيره اهليّاً أم وحشياً بحريّاً أم بريّاً حتى دود القز ونحل العسل وكلب الصيد.
ولكن هذا لا يخلو من اشكال، نعم الاَحوط وجوباً للمالك الاِنفاق عليه أو نقله ـ ببيع أو غيره ـ الى من يتمكن من تأمين نفقته، أو تذكيته بذبح أو غيره إذا كان من المذكّى ولم يعد ذلك تضييعاً للمال.
مسألة 459 : الاِنفاق على البهيمة ونحوها من الحيوانات كما يتحقق بإعلافها وإطعامها يتحقق بتخليتها ترعى في خصب الارض، فان اجتزأت بالرعي وإلاّ توقف على إعلافها بما نقص عن مقدار كفايتها.
مسألة 460 : لا يجوز حبس الحيوان ـ مملوكاً كان أم غيره ـ وتركه من دون طعام وشراب حتى يموت.

4 ـ الاِضطرار
مسألة 461 : إذا اضطر شخص الى اكل طعام غيره لاِنقاذ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه وكان المالك حاضراً ولم يكن مضطراً اليه لاِنقاذ نفسه وجب عليه بذله له واطعامه ايّاه، ولكن لا يجب عليه ان يبذله من دون عوض، نعم ليس له ان يشترط بذل العوض في الحال مع عجز المضطر عنه وإلاّ عدّ ممتنعاً من البذل وسيأتي حكمه.
مسألة 462 : إذا اختار المالك بذل طعامه للمضطر بعوض فهنا صور:
الاولى : ان لا يقدّر العوض بمقدار معيّن، وحينئذٍ يثبت له على
( 137 )
المضطر مثل ما بذله ان كان مثلياً وقيمته ان كان قيمياً.
الثانية : ان يكون المضطر مريضاً غير قادر على المساومة مع المالك بشأن عوض الطعام، ولم يمكن المالك الاِتصال بوليّه أو وكيله لهذا الغرض، وحينئذٍ يلزم المالك بذل طعامه له بل يلزمه ان يؤكله إذا لم يكن متمكناً من الاَكل بنفسه ولا يستحق عليه سوى المثل أو القيمة كما في الصورة الاولى.
الثالثة : ان يكون المضطر قادراً على المساومة مع المالك في مقدار العوض أو امكن الاِتصال بوكيله أو وليّه، وهنا عدّة حالات:
1 ـ ان يتفق الطرفان على مقدار العوض فيتعين سواء أكان مساوياً لثمن المثل أو أقل أو اكثر منه.
2 ـ ان يطلب المالك لطعامه ثمن المثل أو اكثر منه بمقدار لا يعد مجحفاً، وحينئذٍ يجب على المضطر أو وليّه أو وكيله القبول، ولكن إذا لم يقبلوا وجب على المالك بذله للمضطر، ويحرم تصرفه فيه حينئذٍ ما لم يكن قاصراً، ولا يضمن للمالك إلاّ بدله من المثل أو القيمة.
3 ـ ان يطلب المالك لطعامه ثمناً مجحفاً، وحينئذٍ فان امكن المضطر اجباره على القبول بما لا يكون كذلك ولو بالتوسل الى الحاكم الشرعي فله ذلك، وإلاّ لزمه القبول بما يطلبه بلغ ما بلغ، فان كان متمكّناً من ادائه وجب عليه الاَداء إذا طالبه به وان كان عاجزاً يكون في ذمّته يتبع تمكنه.
مسألة 463 : إذا امتنع المالك من بذل طعامه ولو بعوض جاز للمضطر اجباره عليه واخذه منه قهراً، وتجب مساعدته في ذلك إذا لم يكن متمكّناً من اجباره بمفرده.

( 138 )
مسألة 464 : إذا كان المالك وغيره مضطرين جميعاً الى أكل ذلك الطعام لاِنقاذ نفسهما من الهلاك أو ما يدانيه لم يجب على المالك إيثار الغير على نفسه بتقديم طعامه اليه، ولكن هل يجوز له ذلك أم لا؟ فيه اشكال وان كان لا يبعد جوازه في بعض الموارد.
مسألة 465 : إذا لم يكن اضطرار ايّ منهما بحدّ الهلاك أو ما بحكمه لم يجز للغير اخذ طعام المالك قهرّاً عليه، كما لم يجب على المالك بذله، نعم يرجح له ايثار الغير على نفسه.
مسألة 466 : إذا اختص المالك بالاِشراف على الهلاك أو ما بحكمه لم يجز له ايثار الغير لاِنقاذه مما دون ذلك، وان انعكس وجب الاِيثار ولو بعوض كما مر.
مسألة 467 : إذا اضطر الى طعام وكان موجوداً عند اكثر من واحد وجب عليهم بذله كفاية ـ مع اجتماع شرائط الوجوب بالنسبة الى كل واحد ـ فاذا قام به واحد سقط عن غيره.
مسألة 468 : وجوب بذل الطعام للمضطر اليه لاِنقاذ نفسه من الهلاك أو ما بحكمه لا يختص بالمضطر المؤمن بل يشمل كل ذي نفس محترمة.
مسألة 469 : إذا دار امر المضطر بين الاَكل من الميتة مثلاً وأكل طعام الغير، فهل يجوز له أكل الميتة إذا كان المالك غائباً فلم يتيسر له الاِستيذان منه في أكل طعامه أم يلزمه تقويم الطعام على نفسه والاَكل منه دون الميتة؟
وإذا كان المالك حاضراً فهل يجب عليه بذل طعامه له أم يسعه الاِمتناع من البدل ليضطر الى اكل الميتة؟
لا يبعد الجواز في الاول وعدم الوجوب في الثاني

( 139 )
مسألة 470 : إذا كان المالك غائباً حين حصول الاِضطرار ولم يمكن الاِتصال به او بوكيله او وليه فللمضطر ان يرفع اضطراره بالاَكل من طعامه بعد تقدير ثمنه وجعله في ذمّته، ولا يكون اقل من ثمن المثل، والاَحوط المراجعة الى الحاكم الشرعي لو وجد ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.
مسألة 471 : التفاصيل المتقدّمة في الاِضطرار الى طعام الغير تجري في الاِضطرار الى غير الطعام من امواله كالدواء والثياب والسلاح ونحوها، ففي كل مورد اضطر فيه الشخص الى التصرف في مال غيره لحفظ نفسه أو عرضه يجب على المالك مع حضوره الترخيص له بالتصرف فيه بما يرفع اضطراره بعوض أو بدونه، ويجوز للمضطر مع غياب المالك التصرف في ماله بقدر الضرورة مع ضمانه العوض.
مسألة 472 : إذا توقفت صيانة الدين الحنيف واحكامه المقدّسة وحفظ نواميس المسلمين وبلادهم على انفاق شخص أو اشخاص من اموالهم وجب، وليس للمُنفِق في هذا السبيل ان يقصد الرجوع بالعوض على احد، وليس له مطالبة احد بعوض ما بذله في هذا المضمار.