قال : أول من أحدث الأذان في العيد معاوية (1).

الصلاة لم تسلم من التحريف :
لقد مرَّ بنا بعض ما ابتُدع في الصلاة ، كإحداث صلاة التراويح ، والصلاة في منى تماماً ، والتثويب في الأذان ، والأذان لصلاة العيدين ، والأذان الثالث يوم الجمعة ، وجعل خطبة العيدين قبل الصلاة وغير ذلك.
وأما ما ابتُدع في الصلاة نفسها فسيأتي ذِكر بعضه قريباً ، وحسبك ما تجده من الاختلافات الكثيرة بين المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهبهم في كل أحكام الصلاة تقريباً : من التكبير إلى التسليم ، فراجع الكتب المعدة لذلك ككتاب الفقه على المذاهب الأربعة ، وكتاب بداية المجتهد ، وكتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة وغيرها لتدرك صحة ما قلناه.
وللدلالة على كثرة تلكم الاختلافات انظر الفرق بين الصلاة الصحيحة عند أبي حنيفة والصلاة الصحيحة عند غيره ، وسنذكرها فيما يأتي من الكلام.
ولا بأس أن ننقل بعض فقرات مما قاله ابن رشد في اختلافهم في الصلاة ، ليتبيّن للقارئ العزيز صحّة ما قلناه :
قال ابن رشد في بيان اختلافهم في أقوال الصلاة فقط دون أفعالها :
اختلف العلماء في التكبير على ثلاثة مذاهب : فقوم قالوا : إن التكبير كله واجب في الصلاة ، وقوم قالوا : إنه كله ليس بواجب. وهو شاذ ، وقوم أوجبوا تكبيرة الإحرام فقط.
وقال مالك : لا يجزئ من لفظ التكبير إلا : الله أكبر. وقال الشافعي : ( الله أكبر ) و( الله الأكبر ) اللفظان كلاهما يجزئ. وقال أبو حنيفة : يجزئ من لفظ التكبير كل لفظ في معناه ، مثل : الله الأعظم والله الأجل.
وذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلاة واجب ، وهو أن يقول بعد التكبير :
____________
(1) نيل الاوطار 3|295.
( 179 )

( وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) ، وهو مذهب الشافعي ، وإما أن يسبِّح ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وإما أن يجمع بينهما ، وهو مذهب أبي يوسف وصاحبه. وقال مالك : ليس التوجيه بواجب ولا سُنَّة.
وقد ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلاة ، منها حين يكبّر ، ومنها حين يفرغ من قراءة أم القرآن ، وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع ، وممن قال بهذا الشافعي وأبو ثور والأوزاعي ، وأنكر ذلك مالك وأصحابه ، وأبو حنيفة وأصحابه.
واختلفوا في قراءة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في افتتاح القراءة في الصلاة ، فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة ، جهراً كانت أو سرّاً ، لا في استفتاح أم القرآن ولا في غيرها من السور ، وأجاز ذلك في النافلة. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد : يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرّاً. وقال الشافعي : يقرؤها ، ولا بد في الجهر جهراً ، وفي السر سرّاً ، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب ، وبه قال أحمد وأبو ثور وأبو عبيد. واختلف قول الشافعي ، هل هي آية من كل سورة ، أم إنما هي آية من سورة النمل فقط ، ومن فاتحة الكتاب ؟ فرُوي عنه القولان جميعاً.
واختلفوا في القراءة الواجبة في الصلاة ، فرأى بعضهم أن الواجب مِن ذلك أم الكتاب لـمَن حفظها ، وأن ما عداها ليس فيه توقيت ، ومِن هؤلاء مَن أوجبها في كل ركعة ، ومنهم من أوجبها في أكثر الصلاة ، ومنهم من أوجبها في نصف الصلاة ، ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلاة. وبالأول قال الشافعي ، وهي أشهر الروايات عن مالك ، وقد روي عنه أنه مَن قرأها في ركعتين من الرباعية أجزأتْه. وأما من رأى أنها تجزئ في ركعة ، فمنهم الحسن البصري وكثير من فقهاء البصرة. وأما أبو حنيفة فالواجب عنده إنما هو قراءة أي آية اتفقت أن تقرأ ، وحَدَّ أصحابه في ذلك ثلاث آيات قصار أو آية طويلة مثل آية الدَّيْن. وهذا في الركعتين الأوليين ، وأما في الأخيرتين فيستحب عنده التسبيح فيهما دون القراءة ، وبه قال الكوفيون ، والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها.


( 180 )

واتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود... وبه أخذ فقهاء الأمصار ، وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك ، وهو مذهب البخاري.
واختلفوا هل الركوع والسجود قول محدود يقوله المصلّي أم لا ؟ فقال مالك : ليس في ذلك قول محدود. وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجماعة غيرهم إلى أن المصلي يقول في ركوعه : ( سبحان ربي العظيم ) ثلاثاً ، وفي السجود : ( سبحان ربي الأعلى ) ثلاثاً.
وكذلك اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على الله ، فكره ذلك مالك... وقالت طائفة : يجوز الدعاء في الركوع... وأبو حنيفة لا يجيز الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن ، ومالك والشافعي يجيزان ذلك.
واختلفوا في التشهد وفي المختار منه ، فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة إلى أن التشهد ليس بواجب ، وذهبت طائفة إلى وجوبه ، وبه قال الشافعي وأحمد وداود.
وأما المختار من التشهد فإن مالكاً رحمه الله اختار تشهد عمر رضي الله عنه... الذي كان يعلمه الناس على المنبر... واختار أهل الكوفة وأبو حنيفة وغيره تشهد عبد الله بن مسعود... وبه قال أحمد وأكثر أهل الحديث... واختار الشافعي وأصحابه تشهد عبد الله بن عباس.
وقد اشترط الشافعي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ، وقال : إنها فرض... وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب أن يتعوذ المتشهد من الأربع التي جاءت في الحديث من عذاب القبر ، ومن عذاب جهنم ، ومن فتنة المسيح الدجال ، ومن فتنة المحيا والممات.
واختلفوا في التسليم من الصلاة ، فقال الجمهور بوجوبه ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : ليس بواجب ، والذين أوجبوه منهم من قال الواجب على المنفرد والإمام تسليمة واحدة ، ومنهم من قال : اثنتان.


( 181 )

واختلفوا في القنوت ، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب. وذهب الشافعي إلى أنه سنة. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح ، وأن القنوت إنما موضعه الوتر ، وقال قوم : بل يقنت في كل صلاة. وقال قوم : لا قنوت إلا في رمضان. وقال قوم : بل في النصف الأخير منه. وقال قوم : بل في النصف الأول منه (1).
هذا شيء مما ذكره في اختلافاتهم في أقوال الصلاة ، والاختلاف في أفعال الصلاة أكثر ، وما ذكرناه كاف في الدلالة على ما قلناه.
ومنه يتضح مدى ما وقع على الصلاة من جور التحريف والتبديل ، حتى ضاعت معالمها ، وتهدّمت أركانها ، وتغيّرت هيئتها. فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بِدَع كثيرة ذكروها :
لقد ذكر علماء أهل السنة جملة كثيرة من البِدَع الأخرى التي أحدثها الخلفاء ، وهي كثيرة جداً وذكرها يخرجنا عن موضوع الكتاب ، وحيث أنا لا نريد البحث فيها ، فإنا نذكر جملة منها ، وللقارئ العزيز أن يراجع فيها المطوّلات. منها (2) :
1 ـ أول من نقص التكبير معاوية ، كان إذا قال : ( سمع الله لمن حمده ) انحطّ إلى السجود ، ولم يكبّر. وقيل : زياد. ( 94 ، 95 ) ( ص164 )
2 ـ أول من ترك قنوت في الصبح معاوية. ( 97 )
3 ـ أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات : عمر. (24) ( ص113 )
____________
(1) نقلنا مقتطفات من كلام ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ، ص121 ـ 133.
(2) نقلناه من كتاب ( الوسائل في مسامرة الأوائل ) للسيوطي ، وأدرجنا أرقام الكتاب بعد كل بند ذكرناه. ثم أدرجنا بعدها أرقام صفحات البند نفسه إن وجد من كتاب الأوائل للعسكري ، ط العلمية.

( 182 )

ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الجنائز أربعاً أو خمساً ، وأول من جمع الناس على أربع فقط هو عمر (1).
3 ـ أول من جهر بالتسليم عمر بن الخطاب ، فأنكرت عليه الأنصار وقالوا : ما شأنك ؟ قال : أردت أن يكون أذاناً... وقوله : ( أذاناً ) أي إعلاماً بانتهاء الصلاة. ( 98 ، 99 )
4 ـ أول من خفض صوته بالتكبير عثمان. ( 93 )
5 ـ أول من أحدث المحراب المجوّف عمر بن عبد العزيز حين بنى المسجد النبوي. ( 92 )
6 ـ أول من عمل المقصورة في المسجد معاوية ، لأنه رأى على منبره كلباً ، وقيل : مروان بن الحكم ، لأنه ضُرب بسكين وهو يصلي... وقيل : عثمان بن عفان ، خوفاً أن يصيبه ما أصاب عمر. ( 89 ) ( ص163 )
7 ـ أول من أمر المؤذن أن يشعره ويناديه ، فيقول : ( السلام على أمير المؤمنين ، الصلاة يرحمك الله ) معاوية. قال ابن عبد البر : وقيل : إن المغيرةبن شعبة أول من فعل ذلك. والأول أصح. ( 76 )
8 ـ أول من خطب جالساً معاوية ، حين كثر شحمه وعظم بطنه. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاووس : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً وأبو بكر وعمر وعثمان ، وإن أول من جلس على المنبر في الجمعة معاوية بن أبي سفيان. ( 123 ، 124 ) ( ص164 )
9 ـ أول من خطب بمكة على منبر معاوية بن أبي سفيان ، قدم به من الشام سنة حجَّ في خلافته ، وكانت الخلفاء والولاة يخطبون يوم الجمعة على أرجلهم قياماً في وجه الكعبة وفي الحِجْر. ( 252 )
10 ـ أول من فوَّض إلى الناس إخراج زكاتهم عثمان. ( 189 ) ( ص125 )
____________
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى 4|37 ، وصححه ابن حجر في فتح الباري 3|157 وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ، ص108.
( 183 )

11 ـ أول من حمى الحمى عثمان. ( 190 ) ( ص123 )
12 ـ أول من جعل مُدَّين حنطة في زكاة الفطر عدل صاع من تمر : عثمان. ( 191 )
13 ـ أول من جعل العشور : عمر بن الخطاب. وأخرج ابن أبي شيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس على المسلم عشور ، إنما على اليهود والنصارى. ( 201 ، 203 )
14 ـ أول من قنت في النصف الأخير من رمضان : عمر. ( 210 )
15 ـ أول من ركب عند رمي الجمار ذاهباً وراجعاً : معاوية بن أبي سفيان ، وكان الناس يمشون. ( 218 ، 253 )
16 ـ أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف : خالد القسري والي مكة لعبد الملك بن مروان ، فاستمر ذلك إلى اليوم. ( 244 ، 245 )
17 ـ أول من أدار الصفوف حول الكعبة : خالد بن عبد الله القسري. وعن عقبة بن الأزرق : كان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام... فلما ولي خالد القسري مكة لعبد الملك بن مروان ، وحضر شهر رمضان أمر خالد القرّاء أن يتقدّموا ويصلّوا خلف المقام ، وأدار الصفوف حول الكعبة ، وذلك أن الناس ضاق عليهم أهل المسجد ، فأدارهم حول الكعبة. فقيل له : تقطع الطواف لغير المكتوبة ؟ قال : فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعاً. فأمرهم يفصلون بين كل ترويحتين بطواف سبع... ( 249 )
18 ـ أول من اتخذ المحامل في زمن الحجَّاج ، وإنما كانوا يحجّون على الرحال. أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وذكره المبرد في الكامل. وفي ذلك يقول الراجز :

أولُ عبْـدٍ عمل المحامـلا * أخزاه ربي عاجلاً وآجِــلا

( 269 ، 270 )
19 ـ أول من استَلحق بنسبه في الإسلام : معاوية ، استلحق زياد بن


( 184 )

أبيه. ( 329 ) ( ص167 )
20 ـ أول من سنَّ للصداق أربعمائة درهم : عمر بن عبد العزيز. ( 333 )
21 ـ أخرج ابن سعد عن الشعبي : أن أول رأس حمل في الإسلام ، وأول رأس رُفع على خشبة رأس الحسين عليه السلام. ( 429 ، 430 )
22ـ أول من سُمّي ( أمير المؤمنين ) : عمر. ( 491 ) ( ص103 )
23 ـ أول من عَهد بالخلافة : أبو بكر. ( 615 ) ( ص102 )
24 ـ أول من أقطع الأرضين : عثمان. ( 625 ) ( ص122 )
25 ـ أول الملوك : معاوية. ( 629 )
26 ـ أول مَن بايع لولده : معاوية. ( 630 ) ( ص159 )
27 ـ قال مالك : أول مَن استقضى : معاوية. ( 684 )
28 ـ أول من قضى بشهادة الغلمان : مروان بن الحكم. ( 697 ).
29 ـ أول مَن أحلف بالطلاق : سنان بن سلمة وكان عاملاً على كرمان ، ولاّه زياد بن أبيه زمن معاوية. ( 707 ، 708 ).
30 ـ أول مَن جمع الناس في القرآن على حرف واحد : عثمان. أخرجه البخاري ( 716 ).

لفت نظر :
ربما يُظَن لأول وهلة أن بعض ما أدرجناه في هذه البِدع ليس من البدع ، مثل : أن معاوية هو أول الملوك ، وأول من بايع لابنه. إلا أنه بعد التأمل يتّضح أن الأمر كما قلناه ، وذلك لأن الاستيلاء على أمور المسلمين بالقهر والغلبة ، لا بالنص ولا بالشورى ، مما لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرِد في شيء من آيات الكتاب ، أو أحاديث السُنَّة المطهرة ، بل الوارد خلافه ، وكذلك الحال في جعل الخلافة كسروية يتوارثها الأبناء عن الآباء ، فإن بعض الأحاديث وصفت ذلك


( 185 )

بالملك العضوض. وكل ما لم يكن مأموراً به ، بل كان منهيّاً عنه وجُعل من الدين فهو بدعة ، وهكذا الحال في غير هذين الأمرين.

محرَّمات عند أهل السنة جوَّزتها الأحاديث :
لو ألقينا نظرة فاحصة على فتاوى علماء أهل السنة ، وتأملنا الأحاديث الصحيحة التي يروونها في صِحاحهم وغيرها ، لوجدنا أن هناك كمّاً هائلاً من الأحكام عندهم تصطدم مع رواياتهم ، وهي كثيرة ، ونحن سنذكر بعضاً منها :
1 ـ نكاح المتعة : وقد مرَّ الكلام فيها.

2 ـ الجمع بين الصلاتين لا لعذر
:
لم يجوّزه أحد من أصحاب المذاهب الأربعة :
قال ابن رشد في بداية المجتهد : وأما الجمع في الحضر لغير عذر ، فإن مالكاً وأكثر الفقهاء لا يجيزونه ، وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر ، وأشهب من أصحاب مالك (1).
وقال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم : أن لا يُجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرَفة. ورخَّص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : يُجمع بين الصلاتين في المطر ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين (2).
وجوزه الشيعة الإمامية ، ودلَّت عليه أخبار رووها في الصحاح وغيرها.
منها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وأحمد والطيالسي في مسنديهما ، عن ابن عباس قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً :
____________
(1) بداية المجتهد 1|173.
(2) سنن الترمذي 1|357.

( 186 )

الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء (1).
ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، ومالك في الموطأ ، وأبو داود والنسائي في سُننهما ، وأحمد في المسند ، وابن خزيمة في صحيحه ، وأبو عوانة في مسنده ، والبيهقي في السنن وغيرهم ، عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر (2).
ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والترمذي وأبو داود والنسائي في سُننهم ، وأحمد في المسند ، وأبو عوانة في مسنده ، والبيهقي في السنن ، وغيرهم عن ابن عباس قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر... قال : قلت لابن عباس : لمَ فعل ذلك ؟ قال : كي لا يُحرج أمَّته (3).
____________
(1) صحيح البخاري 1|182 مواقيت الصلاة ، ب12 ( ط مرقمة ) ، 1|186 ب18 ، 1|348 التهجد ، ب30. صحيح مسلم 1|491 صلاة المسافرين ، ب6. مسند أحمد بن حنبل 3|280 ح1918 ، 3|283 ح1929 ، 4|154 ح2465 ، ص201 ح2582 ، 5|92 ح3265 ، ص134 ح3397 ( ط شاكر ). مسند أبي داود الطيالسي ، ص341 ، 342 ، ح2164 ، 2629.
(2) صحيح مسلم 1|489 صلاة المسافرين ، ب6. الموطأ ، ص73 ح327 ، سنن أبي داود 2|6 ح1210 ، 1214. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1|224 ح1068. سنن النسائي 1|315 ح600. صحح الألباني في صحيح سنن النسائي 1|130 ح585. مسند أحمد بن حنبل 3|292 ح1953 ، 4|191 ح2557 ( ط شاكر ) ، صحيح ابن خزيمة 2|85 ح971. مسند أبي عوانة 2|353. السنن الكبرى 3|166 ، 167.
(3) صحيح مسلم 1|490 صلاة المسافرين ، ب6. سنن الترمذي 1|354 ح187 ، سنن ابي داود 2|6 ح1211. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1|224 ح1070. سنن النسائي 1|315 ح601. صححه الالباني في صحيح سنن النسائي 1|130 ح586

=


( 187 )

ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد في المسند ، وأبو عوانة في مسنده ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : خطَبَنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبَدَت النجوم. وجعل الناس يقولون : الصلاة.قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة. فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسُّنّة ؟ لا أم لك. ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق : فَحَاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة ، فسألته فصدَّق مقالته (1).
وفي رواية أخرى قال : لا أم لك ، أتُعلِّمنا بالصلاة ؟ وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وقولهم : ( إن هذه الأحاديث محمولة على أن الجمع بين الصلاتين كان لأجل المطر ).
يَرُدّه ما ذُكِر في بعضها ، من أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سبعاً وثمانياً في غير خوف ولا مطر. وفي بعضها : في غير خوف ولا سفر. والجمع بينها يقتضي أنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاتين في غير خوف ولا سفر ولا مطر.
ثم إن التعليل الوارد في أكثر تلك الأحاديث ، وهو قول ابن عباس : ( أراد ألاّ يُحرج أمَّته ) يدل على أن الجمع لم يكن لعذر من تلك الأعذار ، فإن تفريق الصلوات كثيراً ما يكون فيه حرَج نوعي ، وهذا ملاحظ في البلاد التي
____________
=
وفي إرواء الغليل 3|34 ح579. مسند أحمد بن حنبل 5|81 ح3235 ، ص113 ح3323 ( ط شاكر ). مسند أبي عوانة 2|353. سنن البيهقي 3|167.
(1) صحيح مسلم 1|491 صلاة المسافرين ، ب6. مسند أحمد بن حنبل 4|70 ح2269 ( ط شاكر ). مسند أبي عوانة 2|354.
(2) صحيح مسلم 1|492 صلاة المسافرين ، ب6. مسند أحمد بن حنبل 5|100 ح3293 ( ط شاكر ).

( 188 )

تتعطَّل فيها جميع المصالح العامة لأجل إقامة الجماعة بعد دخول وقت الصلاة.

3 ـ التكبير على الجنائز خمساً :
قال ابن المنذر : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع ، وفيه أقوال أخر (1).
أقول : ذهبت الإمامية إلى أن التكبيرات على الجنائز خمس ، ودلَّ على ذلك الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة :
منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني في سُننهم ، وأحمد والطيالسي في مسنديهما ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان زيد يكبِّر على جنائزنا أربعاً ، وإنه كبَّر على جنازة خمساً. فسألته فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبِّرها (2).

4 ـ وجوب الإفطار للسفر :
ذهب أئمة المذاهب الأربعة إلى أن المكلَّف إذا سافر بالشروط المذكورة في محلِّها فهو مخيَّر بين الصيام والإفطار ، واختلفوا في أيهما الأفضل ، فذهب أحمد وإسحاق أن الفطر أفضل وإن لم يشق عليه الصوم. وذهب مالك وسفيان الثوري وابن المبارك إلى أن مَن وجد قوّة فالصيام له أفضل. وذهب الشافعي
____________
(1) فتح الباري 3|157.
(2) صحيح مسلم 2|659 الجنائز ، ب23 ح957. سنن الترمذي 3|343 ح1023 ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. سنن ابي داود 3|210 ح 3197. وصححه الألباني في صحيح سنن ابي داود 2|616 ح2738 ، وأحكام الجنائز ، ص112 ، وصحيح سنن النسائي 2|427 ح1873 ، وصحيح سنن ابن ماجة 1|252 ح1222. سنن النسائي 4|375 ح1981 ( ط محققة ). سنن ابن ماجة 1|482 ح1505. السنن الكبرى 4|36. مسند أبي داود الطيالسي ، ص93 ح674. مسند أحمد بن حنبل 4|367 ، 370 ، 372. سنن الدارقطني 2|73.

( 189 )

وأبو حنيفة إلى أن الصيام أفضل إلا إذا حصلت له مشقة فالفطر أفضل (1).
وذهب الشيعة الإمامية إلى وجوب الإفطار ، وقد دلَّت عليه أحاديث رووها في كتبهم :
منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والترمذي والنسائي والبيهقي في سُننهم ، وابن خزيمة في صحيحه ، والطيالسي في مسنده ، وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس. ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام. فقال : أولئك العصاة ، أولئك العصاة (2).
ومنها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سُننهم ، وأحمد والطيالسي في مسنديهما ، والحاكم في المستدرك ، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس من البِر الصيام في السفر (3).
____________
(1) راجع أقوالهم في سنن الترمذي 3|90 ، الفقه على المذاهب الأربعة 1|575 ، بداية المجتهد 1|296.
(2) صحيح مسلم 2|785 الصيام ، ب15 ، ح1114. سنن الترمذي 3|89 ح710 قال الترمذي : حديث جابر حديث حسن صحيح. سنن النسائي 4|488 ح2262 ( ط محققة ). وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2|482 ح2136. السنن الكبرى 4|241. مسند أبي داود الطيالسي ، ص232 ح1667. صحيح ابن خزيمة 3|255 ح2019.
(3) صحيح البخاري 2|578 الصوم ، ب36 ، ح1946. صحيح مسلم 2|786 الصيام ، ب15 ، ح1115. سنن الترمذي 3|90 ، ح710. سنن النسائي 4|485 ، ح2254 ـ 2261. سنن ابي داود 2|317 ح2407. سنن ابن ماجة 1|532 ح1664 ، 1665. مسند أحمد بن حنبل 5|434. سنن الدارمي 2|9. مسند أبي داود

=


( 190 )

والبِر هو الطاعة والعبادة كما نصَّ عليه ابن الأثير وغيره.
قال ابن الأثير : وفي حديث الاعتكاف : « البِر يُردن » أي الطاعة والعبادة ، ومنه الحديث : ليس من البر الصيام في السفر (1).
وعليه لا يكون الصيام في السفر عبادة ولا طاعة ، فيكون غير مشرَّعاً ولا مأموراً به ، فيتعيّن حينئذ الإفطار.
وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لما رأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : صائم...
وهذا يدل على أن الصيام الذي هو ليس بِبِر إنما هو الصيام الذي تكون معه مشقة ، لا مطلق الصيام في السفر.
وهذا مردود بأن خصوص المورد لا يخصِّص الوارد ، فإن لفظ ( الصيام ) في الحديث مطلق غير مقيد بحالة حصول المشقة والحرج ، فلا يصح تخصيصه بما حدث في تلك الواقعة.
على أن الحديث الأول أوضح دلالة من هذا الحديث ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم وصف كل الصائمين بأنهم عصاة ، مع أنه لم يستعلم أحوالهم فوجدهم قد شقَّ عليهم الصوم ، بل ظاهر الحديث أن صومهم لا مشقة فيه عليهم ، لأنهم لو وجدوا فيه أدنى مشقّة وكانوا قد رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفطر لأفطروا معه ، ولكنهم لما وجدوا في أنفسهم طاقة على الصوم بلا حرج عليه صاموا ، وهو واضح لا
____________
=
الطيالسي ، ص191 ح1343 ، ص238 ح1721. السنن الكبرى 4|242 ـ 243. المستدرك 1|433. صحيح ابن حبان 2|70 ح355 ، 8|317 ، 320 ، 322 ح3548 ، 3552 ، 3554. المعجم الكبير للطبراني 12|374 ، 379 ، 446 ، ح13387 ، 13403 ، 13618. إرواء الغليل 4|58. المصنف لابن أبي شيبة 2|279 ح8959 ، 8960. صحيح ابن خزيمة 3|253 ، 254 ح2016 ، 2017 ، 2018. مسند الحميدي 2|539 ح1289.
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر 1|116.

( 191 )

يحتاج إلى مزيد بيان.

5 ـ مسح الرجلين في الوضوء :
ذهب الأئمة الأربعة إلى وجوب غَسل الرجلين في الوضوء ، وذهبت الشيعة الإمامية تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام إلى وجوب المسح عليهما. وهو ما دلَّت عليه آية الوضوء في الكتاب العزيز ، في قوله عز من قائل ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) (1)
وفي قراءة ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير : ( وأرجلِكم ) بالكسر (2) ، بعطف الأرجل على الرؤوس في المسح عليها.
وقد دلَّ على ذلك أيضاً أحاديث صحيحة عندهم :
منها : ما أخرجه الترمذي في سننه ، وابن أبي شيبة في المصنّف عن الرُّبَيِّع قالت : أتاني ابن عباس فسألني عن هذا الحديث ـ تعني حديثها الذي ذكَرَتْ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ وغسل رجليه (3) ـ فقال ابن عباس : إن الناس أبَوا إلا الغَسل ، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح (4).
ومنها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وأحمد في المسند وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : تخلَّف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدرَكَنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار »
____________
(1) سورة المائدة ، الآية 5.
(2) أحكام القرآن 2|345.
(3) رواه أبو داود في سننه 1|31 ح126.
(4) سنن ابن ماجة 1|156 ح458 ، قال البوصيري في مصباح الزجاجة 1|183 : هذا إسناد حسن ، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1|76. المصنف لابن أبي شيبة 1|27 ح199.

( 192 )

مرتين أو ثلاثاً (1).
بتقريب : أن مسح أولئك الصحابة كلهم على أرجلهم دال على ثبوته في الوضوء في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فكيف يصح أن يكون كل هؤلاء لا يعلمون أن الواجب هو غسل الأرجل ، ولا سيما أن فيهم أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص الذي عدّوه من علماء الصحابة.
وقوله : « ويل للأعقاب من النار » لا يدل على وجوب غَسل القدمين كما ذهبوا إليه ، ولعل زجرهم إنما كان بسبب مسحهم على الأعقاب ، لا لعدم استيعاب القدمين بالغَسل ، فإن الواجب إنما هو مسح ظاهر القدمين دون باقي الأجزاء ، والمخالفة إنما حصلت في الأعقاب فقط ، ولذلك لحِقها الويل ، ولو كان الواجب هو الغَسل لَلَحِق الويل كل القَدم ، لوقوع المخالفة فيها جمعاء ، والله العالم.
ومنها : ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف عن عكرمة قال : غَسلتان ومسحتان (2).
ومنها : ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف عن الشعبي قال : نزل جبريل بالمسح (3).
ومنها : ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف عن الشعبي قال : إنما هو المسح على القدمين ، ألا ترى أن ما كان عليه الغَسل جُعِل عليه التيمم ، وما
____________
(1) صيحح البخاري 1|46 العلم ، ب3 ح60 ( ط مرقمة ) ، ص58 ب30 ح96 ، ص78 الوضوء ، ب27 ح163. صحيح مسلم 1|214 الطهارة ، ب9 ح241. مسند أحمد بن حنبل 11|166 ح6976 ، 12|50 ح7103 ( ط شاكر ).
(2) هذا حديث صحيح ، رواه ابي شيبة في المصنف 1|26 ح180 عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة ، وكلهم ثقات عندهم.
(3) هذا حديث صحيح أيضاً ، رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1|26 ح185 عن وكيع عن إسماعيل ، وهو ابن إبراهيم بن علية ، عن الشعبي ، وكلهم ثقات عندهم.