القوم ، فراجعها.

الدليل العاشر :
لقد أثبت علماء الشيعة الإمامية مذهب أهل البيت عليهم السلام وردّوا على خصومهم ، وفندوا آراء المذاهب الأخرى ، وهم في ذلك قد ألزموا أنفسهم بألا يحتجّوا إلا بما ورد في كتب القوم مما يعترفون بصحّته ويسلّمون به ، فأثبتوا صحة المذهب من طريقهم ، وطريق خصومهم.
فاحتجوا على أهل السنة بما روي في الصحيحين وباقي الكتب المعتبرة عندهم ، وبأقوال أعلامهم وأساطين علمائهم.
وأما الخصوم عامة ، وأهل السنة خاصة ، فإنهم لم يتسنَّ لهم ذلك ، فغاية ما سلكوا في إثبات مذاهبهم أنهم يحتجّون على غيرهم بأحاديث رُويت من طريقهم هم ، لا يسلِّم بها الخصم ، فاحتج أهل السنة على الشيعة بما في صحيح البخاري ومسلم وباقي كتب الحديث عندهم ، وبأقوال أحمدبن حنبل والشافعي ومالك وأبي الحسن الأشعري وابن تيمية وغيرهم.
ومن الواضح أن الدليل الذي يصح الاحتجاج به لا بد أن يسلم به الخصم ويقر به ، وأدلتهم كلها ليست كذلك.
ثم إن بعض علماء أهل السنة لمَّا أعياهم الدليل الصحيح في نقد مذهب الإمامية عمدوا مع بالغ الأسى إلى تضعيف الأحاديث الصحيحة المروية عندهم ، كحديث الثقلين ، وحديث الغدير ، وحديث أنا مدينة العلم ، وحديث الطير مع كثرة طرقه ، وغيرها من الأحاديث التي تلزمهم (1).
____________
(1) من ذلك إنكار ابن حزم حديث الغدير قال في الفصل في الملل والأهواء والنحل 4|147 : واما ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فلا يصح من طريق الثقات أصلاً.
ومنه تضعيف ابن تيمية في منهاج السنة 4|104 لحديث ( ما تريدون من علي ؟ علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي ) ، وقد مر بيان ذلك في صفحة 78 من هذا الكتاب.

( 255 )

وعمدوا أيضاً إلى اختلاق الأكاذيب على الشيعة واتهامهم بما لا يقولون به (1) ، وبما ليس فيهم (2). وهذا كله ناشئ من عدم الدليل عندهم على صحة مذاهبهم.
ثم إنا لم نجد في ردّهم على الشيعة الإمامية إلا السباب والشتم المقذع ، مع أن الله تعالى يقول ( ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) فانظر ما كتبه ابن حجر في الصواعق المحرقة ، وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل ، وابن تيمية في منهاج السنة وغيرهم ، وهذا سبيل العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة كما هو معلوم (3).
وهذا كله يدل بوضوح على صحّة مذهب الإمامية وسلامته.

الدليل الحادي عشر :
قد تقدَّم أن مذاهب أهل السنة في الأصول الاعتقادية ثلاثة : الأثرية
____________
(1) من ذلك ما ذكره ابن تيمية في كتابه منهاج السنة 4|111 ، فإنه سطّر الأكاذيب القبيحة على الشيعة ، منها : أن الشيعة ينتفون النعجة كأن لهم عليها ثاراً ، كأنهم ينتفون عائشة ، ويشقون جوف الكبش كأنهم يشقون جوف عمر ، وأنهم يكرهون لفظ العشرة لبغضهم الرجال العشرة ، فإذا أرادوا أن يقولوا : عشرة ، قالوا : تسعة وواحد. إلى غير ذلك مما ملأ به كتابه هذا وغيره من كتبه.
(2) سمعنا من كثير من أهل السنة يعيبون الشيعة بأن لهم أذناباً كما للبهائم. فلا أدري كيف يصدقون هذه الافتراءات والأكاذيب مع أنهم يرون جميع أهل الملل الكافرة لا أذناب لهم ، فهل خص الله الشيعة بالأذناب دون سائر الناس ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
(3) ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13|431 أن الشافعي قال : ناظر أبو حنيفة رجلا فكان يرفع صوته في مناظراته إياه. فوقف عليه رجل ، فقال الرجل لأبي حنيفة : أخطأت. فقال أبو حنيفة للرجل : تعرف المسألة ما هي ؟ قال : لا. قال : فكيف تعرف أني أخطأت ؟ قال : أعرفك إذا كان لك الحجة ترفق بصاحبك ، وإذا كانت عليك تشغب وتجلب.

( 256 )

وإمامهم أحمد بن حنبل ( 164 ـ 241هـ ) ، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري ( 260 ـ 330هـ ) ، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي ( ت 330هـ ). وكلها نشأت بعد القرن الثاني من الهجرة.
وأما في الفروع فهم مذاهب كثيرة ، وأشهرها المذاهب الأربعة المعروفة. وكلها نشأت بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة.
فإذا كانت هذه المذاهب قد نشأت في عصور متأخرة ، فلا بد أن يكون الحق في غيرها قبل نشوئها ، لأنه لا بد أن تكون طائفة من طوائف هذه الأمة على الحق من زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيام الساعة ، وإلا لزم أن تكون الأمة كلها على ضلال إلى زمان نشوء هذه المذاهب ، وهو باطل بالاتفاق.
فإذا كان الحق في غيرها فهو منحصر في مذهب الإمامية ، لأنه هو المذهب الفريد بين كل المذاهب الإسلامية الذي امتد من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العصور المتأخرة (1).
لا يقال : إن أئمة المذاهب أخذوا عمن سبقهم إلى أن يصل الأمر إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لأنا نقول : إن أئمة المذاهب اختلفوا فيما بينهم في الأصول والفروع ، وخالفوا من سبقهم ، لأنهم كانوا مجتهدين غير مقلِّدين لغيرهم ، ولذلك اجتهد الإمام أحمد في المسائل المتجدّدة كمسألة خلق القرآن وغيرها من المسائل التي لم تكن مطروحة من قبل.

الدليل الثاني عشر :
أنَّا رأينا في الحوادث الكثيرة والوقائع المختلفة التي اشتهرت وذاعت أنه
____________
(1) وذلك لأن أول الأئمة عند الإمامية هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم ابنه الإمام الحسن عليه السلام ، ثم الإمام الحسين عليه السلام ، ثم ابنه الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ، ثم ابنه الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام ، ثم ابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، المعاصر له أول ائمة المذاهب الأربعة وهو أبوحنيفة.
( 257 )

ما من رجل كان ينتحل مذهباً من مذاهب أهل السنة ، وانتقل عنه إلى مذهب الشيعة الإمامية ، إلا كان عالماً مخلصاً ، أو مفكِّراً مطّلعاً حُرّاً ، أو كان صاحب شهادة علمية عالية وثقافة واسعة.
كما أنَّا لم نرَ رجلاً كان على مذهب الإمامية وانتقل عنه إلى مذاهب أهل السنة ، إلا كان جاهلاً بالمذهب الذي انتقل عنه ، وبالمذهب الذي انتقل إليه ، أو كان منحرف السلوك ، نفعيّاً يسعى وراء مصلحة دنيوية من مال أو منصب أو شهرة أو غير ذلك.
وقد رأينا علماء ومفكّرين من أهل السنة تشيَّعوا قديماً وحديثاً ، ولم يحدث العكس. ويكفي أن نذكر بعضاً ممن تشيَّع في هذا العصر على سبيل المثال لا الحصر ممن لهم كتب ومؤلفات ، منهم :
1 ـ الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي السوري ، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر ، كان شافعي المذهب فاستبصر ، وألَّف كتاب ( لماذا اخترت مذهب الشيعة ) مطبوع ، يذكر فيه قصة تشيّعه ، ويستدل فيه على لزوم اتباع مذهب الإمامية.
2 ـ الشيخ محمد أمين الأنطاكي السوري ، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر ، وهو أخ الشيخ السابق ، كان شافعي المذهب فاستبصر ، وألَّف كتاب ( في طريقي إلى التشيع ) مطبوع ، ذكر فيه قصة تشيّعه.
3 ـ الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي ، خرّيج جامعة السوربون في فرنسا بشهادة الدكتوراه في الفلسفة ، كان مالكياً فصار شيعياً إمامياً ، وألَّف كتاب ( ثم اهتديت ) مطبوع ، ذكر فيه قصة تشيعه ، وانتصر فيه لمذهب الإمامية ، وألَّف كتباً أخرى في اثبات مذهب الإمامية ، منها : ( مع الصادقين ) ، ( فاسألوا أهل الذِّكْر ) ، ( الشيعة هم أهل السنة ) ، ( اتقوا الله ) ، ( اعرف الحق ) وغيرها ، وكلها مطبوعة.
4 ـ المحامي أحمد حسين يعقوب الأردني ، كان على مذهب أهل السنة ،


( 258 )

ثم صار شيعياً إمامياً ، له كتاب ( النظام السياسي في الإسلام ) وكتاب ( نظرية عدالة الصحابة ) ، و( المواجهة مع رسول الله وآله ) وغيرها ، وهي كلها مطبوعة ينتصر فيها لمذهب الإمامية.
5 ـ أسعد وحيد القاسم ، فلسطيني ، لديه شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية ، والماجستير في إدارة الإنشاءات ، كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً ، وألَّف كتاب ( حقيقة الشيعة الاثني عشرية ) مطبوع ، ذكر فيه قصة تشيّعه وانتصر فيه لمذهب الإمامية.
6 ـ صالح الورداني : كاتب مصري ، كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً ، له عدة مؤلفات مطبوعة ، منها : ( الخدعة : رحلتي من السنة إلى الشيعة ) ، ( أهل السنة : شعب الله المختار ، دراسة في فساد عقائد أهل السنة ) ، ( السيف والسياسة : إسلام السنة أم إسلام الشيعة ) ، ( عقائد السنة وعقائد الشيعة ) ، ( زواج المتعة حلال : عند أهل السنة ) وغيرها ، وكلها ينتصر فيها لمذهب الإمامية ، وهي مطبوعة.
7 ـ إدريس الحسيني : كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً ، له عدة مؤلفات مطبوعة : منها : ( لقد شيعني الحسين : أو الانتقال الصعب في رحاب المعتقد ).
8 ـ الشيخ معتصم سيد أحمد : كاتب سوداني ،كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً ، وألَّف كتاب ( الحقيقة الضائعة : رحلتي نحو مذهب آل البيت ) ، وهو مطبوع ، يذكر فيه قصة تشيّعه.
9 ـ مروان خليفات : كان شافعي المذهب ، فاستبصر واتّبع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وسجَّل رحلته إلى الإيمان في كتابه ( وركبت السفينة ) ، وهو مطبوع ، ينتصر فيه إلى مذهب الإمامية.
وكل هذه الكتب المذكورة جيدة في بابها ، وتدل على سعة اطلاع ، وقوة اعتقاد ، وصلابة في الحق ، فجزى الله أصحابها خير جزاء المؤمنين المخلصين ،


( 259 )

وشكر الله لهم مساعيهم وجهودهم في بيان الحق ونصرة أهله.

الدليل الثالث عشر :
إن علماء الشيعة الإمامية ناظروا خصومهم في الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية ، فكانت الحجّة معهم والغلَبة لهم على غيرهم ، فألَّفوا في ذلك المصنفات الكثيرة المشتملة على أمثال هذه المناظرات ، ككتاب ( الاحتجاج ) لأحمد بن علي الطبرسي ، وكتاب ( الفصول المختارة ) للسيد المرتضى ، وكتاب ( المراجعات ) للسيد شرف الدين ، وكتاب ( الغدير ) للشيخ عبد الحسين الأميني وغيرها من الكتب التي لو تأملها المتأمّل لحصل له القطع بمذهب الشيعة الأمامية دون غيره من المذاهب.
وعلماء الشيعة كانوا وما يزالون يَدْعُون أرباب المذاهب للمناظرة في المذهب ، بل إن عوام الشيعة كثيراً ما يُقدِمون على مناظرة علماء الطوائف الأخرى فضلاً عن العوام منهم ، ثقة منهم بأن ما عندهم هو الحق ، وما عليه غيرهم هوالباطل ، والباطل لا يزهق الحق ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) (1) ، وهذا أمر بيِّن يعرفه كل من عرف الشيعة وخالطهم واطّلع على أحوالهم.

الدليل الرابع عشر :
اعتراف بعض علماء أهل السنة بصحّة مذهب الشيعة الإمامية وجواز التعبّد به دون العكس ، منهم :
1 ـ الشيخ سليم البشري ، شيخ الجامع الأزهر (2) :
____________
(1) سورة الأنبياء ، الآية 18.
(2) الشيخ سليم بن أبي فراج البشري ( 1284 ـ 1335هـ ) شيخ الجامع الأزهر ، من فقهاء المالكية ، ولد في محلة بشر بمصر ، وتعلَّم وعلَّم بالأزهر ، تولّى نقابة المالكية ، ثم مشيخة الأزهر مرتين ، وتوفي بالقاهرة ، له كتاب ( المقامات السنية في الرد على القادح في البعثة النبوية ) مخطوط. ( عن الأعلام 3|119 بتصرف ).

( 260 )

قال فيما كتبه إلى السيد عبد الحسين شرف الدين أعلى الله مقامه : أشهدُ أنكم في الفروع والأصول على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول ، وقد أوضحت هذا الأمر فجعلتَه جلِيّاً ، وأظهرت من مكنونه ما كان خفيّاً ، فالشك فيه خبال ، والتشكيك فيه تضليل... وكنتُ قبل أن أتَّصل بسببك على لبس فيكم ، لما كنت أسمعه من إرجاف المرجفين ، وإجحاف المجحفين (1).

2 ـ الشيخ محمود شلتوت ، شيخ الجامع الأزهر (2) :
أفتى فتواه المشهورة بجواز التعبّد بمذهب الشيعة الإمامية ، ومما ورد فيها :
إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك ، وأن يتخلَّصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معيَّنة ، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب ، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقههم ، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات (3).
____________
(1) المراجعات ، ص295.
(2) الشيخ محمود شلتوت ( 1310 ـ 1383هـ ) فقيه مفسر مصري ، ولد في البحيرة بمصر ، وتخرج من الأزهر سنة 1918م ، وتنقل في التدريس إلى أن نقل للقسم العالي بالقاهرة سنة 1927م ، وكان داعية إصلاح نير الفكرة ، يقول بفتح باب الاجتهاد ، وسعى إلى إصلاح الأزهر ، فعارضه بعض كبار الشيوخ وطُرد هو ومناصروه ، فعمل في المحاماة ، وأعيد إلى الأزهر ، فعين وكيلا لكلية الشريعة ، ثم كان من أعضاء كبار العلماء ، ومن أعضاء مجمع اللغة العربية ، ثم شيخاً للأزهر سنة 1958م إلى وفاته ، وكان خطيباً موهوباً جهير الصوت ، له 26 مؤلفاً مطبوعاً ( عن الأعلام 7|173 بتصرف ).
(3) صورة هذه الفتوى أدرجناها في كتابنا ( دليل المتحيرين ) ، ص388 ، فراجعه.

( 261 )

وقال في مقال له نُشر في كتاب ( دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام ) :
ولقد تهيَّأ لي بهذه الأوجه من النشاط العلمي أن أُطل على العالم الإسلامي من نافذة مشرفة عالية ، وأن أعرف كثيراً من الحقائق التي كانت تحول بين المسلمين واجتماع الكلمة وائتلاف القلوب على أخوة الإسلام ، وأن أتعرف إلى كثير من ذوي الفكر والعلم في العالم الإسلامي ، ثم تهيَّأ لي بعد ذلك وقد عُهد إلي بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدرت فتواي في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتَّبعة لسبيل المؤمنين ، ومنها مذهب الشيعة الإمامية « الاثنا عشرية » ، وهي تلك الفتوى المسجلة بتوقيعنا في دار التقريب ، التي وُزِّعت صورتها الزنكغرافية بمعرفتنا ، والتي كان لها ذلك الصدى البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية ، وقرَّت بها عيون المؤمنين المخلصين الذي لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة ، وظلَّت تتوارد عليَّ الأسئلة والمشاورات والمجادلات في شأنها وأنا مؤمن بصحَّتها ، ثابت على فكرتها ، أؤيّدها في الحين بعد الحين ، فيما أبعث به من رسائل للمستوضحين ، أو أرد به على شُبَه المعترضين ، وفيما أنشئ من مقال ينشر ، أو حديث يُذاع ، أو بيان أدعو به إلى الوحدة والتماسك والالتفاف حول أصول الإسلام ، ونسيان الضغائن والأحقاد ، حتى أصبحت والحمد الله حقيقة مقرَّرة ، تجري بين المسلمين مجرى القضايا المسلَّمة ، بعد أن كان المرجفون في مختلف عهود الضعف الفكري والخلاف الطائفي والنزاع السياسي يثيرون في موضوعها الشكوك والأوهام بالباطل (1).

* * * * *

____________
(1) دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام ، ص10.
( 262 )

شبُهات وردود :
الشبهة الأولى :
قد يقال : إن أحاديث افتراق الأمة تدل على أن الفرقة المحقة هي الطائفة التي تتَّبع الصحابة ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما أنا عليه وأصحابي. وتدل على أن الناجين هم الجماعة ، والمراد بهم أهل السنة.

والجواب :
أن الحديث لم ينص على أن الحق هو ما عليه الصحابة فقط ، بل قال : « ما أنا عليه وأصحابي » ، فما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه وأصحابه هو الحق بلا شبهة ، إلا أن الصحابة لمَّا وقع بينهم الاختلاف بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يصح اتباع بعضهم بمقتضى هذا الحديث دون بعض ، لعدم الدليل على هذا الاتباع ، ولا مناص حينئذ من البحث عن دليل آخر ينفع في هذه الحال.
وحديث الثقلين الذي تقدم الكلام فيه ، هو الدليل الآخر الذي لا مناص من الأخذ به ، وهو يرشد إلى التمسك بالعترة النبوية الطاهرة دون غيرهم.
على أنَّا لو سلَّمنا بلزوم اتّباع الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبما أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم كما مرَّ مفصلاً في الفصل الثالث ، ولا يصح التكليف باتباع الكل ، فلا مناص من اتّباع البعض منهم ، والشيعة اتّبعوا مَن نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن الحق معه ، وهو مع الحق ، وأن الحق يدور معه حيثما دار ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام ، فرجعنا بالنتيجة إلى اتباع العترة أيضاً.
وأما الجماعة المذكورة في أحاديث اختلاف الأمة فليس المراد بهم من يُعرفون الآن بأهل السنة والجماعة بجميع مذاهبهم ، وإنما المراد بهم جماعة الحق وإن قلّوا.
قال الترمذي : وتفسير الجماعة عند أهل العلم : هم أهل الفقه والعلم والحديث.


( 263 )

قال الألباني : وهذا المعنى مأخوذ من قول ابن مسعود رضي الله عنه : الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 13|322|2 ) بسند صحيح عنه (1).
وأهل الحق هم العترة النبوية الطاهرة التي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعها والتمسك بها ، دون غيرها من فئات هذه الأمة كما مرَّ مفصَّلاً في الفصل الثالث ، فراجعه.

الشبهة الثانية :
أن كل الأدلة التي ذكرتها دالة على أن مذهب أهل البيت هو المذهب الحق ، ونحن لا ننكر ذلك ، ولكن ننكر أنكم تتَّبعون أهل البيت عليهم السلام.
قال ابن تيمية : لا نسلِّم أن الإمامية أخذوا مذهبهم من أهل البيت ، لا الاثنا عشرية ولا غيرهم ، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنّة والجماعة : توحيدهم وعدلهم وإمامتهم (2).
قال الذهبي : لا نسلّم أنكم أخذتم مذهبكم عن أهل البيت ، فإنكم تخالفون عليّاً وأئمة أهل البيت في الأصول والفروع (3).
والجواب : أن اتّباع الشيعة الإمامية لأئمة أهل البيت عليهم السلام وتمسّكهم بهم ، وسيرهم على منهاجهم ، أشهر من أن يُذكَر ، وأظهر من أن يُنكَر ، وما إنكاره إلا إنكار بديهة واضحة لا تخفى على ابن تيمية والذهبي وغيرهما.
ومن الواضح أن أهل السنة لم يذكروا في كتبهم أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام في الأصول والفروع ، ولم ينقلوها من طريقهم ، فكيف علم ابن تيمية
____________
(1) حاشية مشكاة المصابيح 1|61.
(2) منهاح السنة النبوية 2|116.
(3) المنتقى من منهاج الاعتدال ، ص167.

( 264 )

والذهبي أن ما عليه الشيعة الإمامية مخالف لما عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام ؟
ولماذا لم يذكرا موارد المخالفة بين الشيعة وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام في الأصول والفروع ، ليكون كلامهما مستنداً إلى حجّة صحيحة ؟
ثم إن المنقول من أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتبهم وهو قليل جداً موافق لما عليه الشيعة الإمامية ، كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.

الشبهة الثالثة :
أن أهل السنّة جازمون بأن الشيعة الإمامية لا يتّبعون أئمة أهل البيت عليهم السلام في أصول الدين وفروعه ، وذلك لأن ما عليه الشيعة مخالف لما رواه الثقات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فالقول بصدق الشيعة في النقل عن أئمة أهل البيت يستلزم الطعن في أهل البيت بمخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا مناص حينئذ تكذيب الشيعة فيما زعموا ، وبذلك لا يكونوا أتباعاً لأهل البيت.
فالجواب : أن مخالفة ما نقله الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لما رواه غيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلزم ما ذكروه ، وذلك لأن رواية الثقات عند أهل السنّة كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وأمثالهم لا يستلزم بالضرورة صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون ما خالفه باطلاً.
ومن الواضح أن الصادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء واحد ، واختلاف الرواية عنه يدل على كذب إحدى الروايتين ، والشيعة أخذوا بما رواه أئمة أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتمسَّك أهل السنّة بما رواه غيرهم من النواصب والخوارج والمرجئة والقدرية (1) ، فأي الفريقين أولى بالنجاة يا أولي الألباب ؟
____________
(1) راجع مقدمة فتح الباري ، ص459 ـ 465 ، لترى من طعن فيه بسبب معتقده من رجال صحيح البخاري.
( 265 )

هذا مضافاً إلى أن أئمة أهل السنّة اختلفوا فيما بينهم وتفرَّقوا إلى مذاهب في الأصول الاعتقادية والفروع الفقهية كما مرَّ ، وتنازعوا في أكثر المسائل كما هو واضح لكل مَن تتبَّع أقوالهم وفتاواهم ونظر في كتبهم ، فأي المذاهب منها هو الصحيح الذي يتَّفق مع ما عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ومن ذلك يتضح بطلان زعم ابن تيمية أن أئمة أهل البيت متفقون مع أهل السنّة والجماعة في الأصول والفروع.

الشيعة الإمامية هم أتباع أهل البيت عليهم السلام :
لقد قلنا فيما تقدم : إن متابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام هي أوضح من أن تُنكَر ، وأشهر من أن تُذكَر ، إلا أنَّا لما ابتُلينا بقوم ينكرون البديهيات ، ويجادلون في الواضحات ، رأينا أن نذكر بعضاً من الأدلة الدالة على متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت وتمسّكهم بهم ، دفعاً لتشويش المشوِّشين ، ودحضاً لشغب المشاغبين. ويمكن بيان ذلك بعدة أدلة :

الدليل الأول :
أن الشيعة الإمامية حصروا الإمامة في أهل البيت عليهم السلام ، ونفوها عن غيرهم ، واعتقدوا أن ما قال أئمة أهل البيت عليهم السلام هو الحق ، وما لم يقولوه هو الباطل.
ولهذا حرص الشيعة على تدوين علومهم ، وكتابة أحاديثهم في أصول الدين وفروعه حتى جمعوا الشيء الكثير.
فإذا كان الداعي لمتابعتهم والتمسّك بهم ـ وهو اعتقاد إمامتهم دون غيرهم ـ موجود ، والمانع من متابعتهم مفقود ، فلا بد من حصول المتابعة لهم والتمسّك بهم.

الدليل الثاني :
اعتراف جمع من علماء أهل السنّة بمتابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام


( 266 )

ومشايعتهم لهم :
1 ـ قال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضي الله عنه على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة ، إما جليّاً وإما خفيّاً ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده (1).
وقال في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدَب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات... وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم (2).
2 ـ قال ابن منظور في لسان العرب ، والفيروزأبادي في القاموس المحيط ، والزبيدي في تاج العروس : وقد غلَب هذا الاسم [ أي الشيعة ] على مَن يتوالى عليّاً وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين ، حتى صار لهم اسماً خاصاً ، فإذا قيل : « فلان من الشيعة » عُرف أنه منهم (3).
3 ـ وقال الزهري : والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم (4).
4 ـ وقال ابن خلدون : اعلم أن الشيعة لغةً : الصَّحْب والأتْبَاع ، ويُطلَق في عُرْف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلَف والسلف على أَتْبَاع علي وبنيه رضي الله عنهم (5).

الدليل الثالث :
أن الشيعة دأبوا على تدوين معارف أهل البيت عليهم السلام وعلومهم ،
____________
(1) الملل والنحل 1|146.
(2) المصدر السابق 1|166.
(3) لسان العرب 8|189. القاموس المحيط 3|49. تاج العروس 21|303.
(4) لسان العرب 8|189. تاج العروس 21|303.
(5) مقدمة ابن خلدون ، ص196.

( 267 )

ورواية أحاديثهم ، والأخذ بأقوالهم ، والتسليم لهم ، ونشر فضائلهم ، وكتابة سِيَرهم ، والحزن على مصائبهم وما جرى عليهم ، وإقامة مآتمهم ، والفرَح بمواليدهم وأعيادهم ، ومحبَّة أوليائهم ، والبراءة من أعدائهم ، حتى حكموا بضعف كل مَن انحرف عنهم ، وبنجاسة كل مَن نصَب العداء لهم.
وهذا كله كاشف عن موالاة الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم لهم ، ولو أنكرنا الموالاة والاتباع مع كل ذلك لحَقَّ لنا إنكار متابعة كل فرقة لِمَن تنتسب إليه ، ولأمكننا بالأولوية أن ننكِر متابعة أهل السنة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وغيرهم ، لأن أهل السنّة لا يصنعون مع أئمتهم جُل تلك الأمور التي ذكرناها عن الشيعة ، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

الدليل الرابع :
أنَّا لو أنكرنا متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت عليهم السلام للزم تخطئة كل الأمَّة ، والحكم على جميع الطوائف بالوقوع في الضلال ، ولَمَا كانت فرقةمنها على الحق ، لِما أوضحناه في الفصل الثالث من أن العاصم عن الوقوع في الضلال هو التمسّك بالكتاب والعترة دون غيرهما ، فإذا كان الشيعة الإمامية وغيرهم قد أعرضوا عن أهل البيت عليهم السلام ولم يتمسّكوا بهم ، فلا مناص من الحكم عليهم كلهم بالضلال ، وهذا باطل بالاتفاق.

الدليل الخامس :
أن ما نقلوه من الفتاوى وغيرها عن بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام عامة وأمير المؤمنين عليه السلام خاصة موافق لما عليه الشيعة الإمامية ، مما يدل على أن الإمامية عنهم عليهم السلام يأخذون ، ولهم متّبعون ، ونحن نكتفي بذِكر عدة موارد تدل على أن ما عليه الإمامية هو بعينه ما نقله أهل السنة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام :
1 ـ اختلف أئمة المذاهب في الجهر في الصلاة بالبسملة ، ونقل علماؤهم


( 268 )

أن علياً عليه السلام كان يجهر بها مطلقاً : في الجهرية والإخفاتية (1).
وهذا هو قول الإمامية ، والأئمة الأربعة كلهم على خلافه.
2 ـ واتفقوا على أنه لا يجوز قول : « حي على خير العمل » في الأذان ، ورووا عن علي بن الحسين عليه السلام أنه كان يقول هذه الفقرة في أذانه (2) ، وعلى هذا علماء الإمامية.
3 ـ واختلفوا في جواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق ، ونقلوا جوازه عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3) ، وبه أفتى علماء الإمامية ، خلافاً للأئمة الأربعة.
4 ـ واختلفوا في أن المسافر هل تجب عليه صلاة الجمعة والعيدين ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ، فلا تجب إلا على الحاضر دون المسافر (4) ، وبه قال الإمامية ، واختلف في ذلك الأئمة الأربعة.
5 ـ واختلفوا في المشي مع الجنائز ، هل الأفضل أمام الجنازة كما يفعله أبو بكر وعمر وذهب إليه الشافعي ومالك ، أو أن الأفضل المشي خلفها كما هومروي عن علي عليه السلام (5) ، والإمامية على الثاني تبعاً لأمير المؤمنين عليه السلام.
6 ـ واختلفوا في طلاق المُكرَه ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام عدم
____________
(1) المستدرك 1|234. قال الفخر الرازي في التفسير الكبير 1|205 : أما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر. وراجع أقوالهم في بداية المجتهد 1|179.
(2) السنن الكبرى 1|425.
(3) بداية المجتهد 2|149.
(4) راجع بداية المجتهد 1|299.
(5) راجع بداية المجتهد 1|299.

( 269 )

وقوعه (1) ، وعلى ذلك فقهاء الإمامية ، خلافاً لأبي حنيفة ، والشافعي على تفصيل عنده.
7 ـ واختلفوا في عدّة الحامل المتوفَّى عنها زوجها ، فذهب الجمهور وفقهاء الأمصار إلى أن عدتها تنتهي بوضع الحمل ، ورووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنها تعتد بأبعد الأجلين (2) ، وعليه فقهاء الإمامية.
8 ـ واختلفوا في مال المرتد إذا قُتل أو مات ، فقال جمهور فقهاء الحجاز : هو للمسلمين ، ولا يرثه قرابته ، وبه قال مالك والشافعي ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه يرثه ورثته من المسلمين (3). وهو قول الإمامية.
9 ـ واختلفوا في المرأة إذا قَتَلت رجلاً ، فقُتلتْ به ، فالجمهور لم يوجبوا على أولياء المرأة شيئاً ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أن عليهم أن يدفعوا نصف الدية لولي المقتول (4) ، وبه قال الإمامية.

نتيجة البحث :
والنتيجة أن الأدلة الصحيحة الثابتة كلها ترشد إلى مذهب الشيعة الإمامية ، وأما باقي المذاهب بما فيها مذاهب أهل السنة ، فلم يقم على صحَّتها دليل صحيح معتبر ، وكل ما ذكروه لا يعدو كونه مجرد دعاوى لا تستند إلى برهان صحيح ، ولا تنهض بها حجّة تامَّة.

( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين *
ليُحِق الحق ويُبْطِل الباطل ولو كره المجرمون
)
الأنفال : 7 ، 8

____________
(1) راجع بداية المجتهد 3|122.
(2) راجع بداية المجتهد 3|137.
(3) راجع بداية المجتهد 4|170.
(4) راجع بداية المجتهد 4|228.

( 270 )

الخاتمة

هذا تمام ما أردنا بيانه في هذا الكتاب ، وألتمِسُ ممن ينظر في كتابي هذا أن يتأمّله تأمّل منصف طالب للحق راغب فيه ، وأن يتجرَّد عن تقديس الآراء الممقوتة والمعتقدات الموروثة ، وعبادة الأحبار والرهبان والسادة والكبراء ، وأن يعلم أن الحق أحق أن يُتَّبَع ، وأن كل امرئ مسؤول عن نجاة نفسه وأهله.
( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (1).
وهذا هو واجب النصيحة لكل مسلم يؤمن بالله ورسوله ويؤمن بيوم الحساب ، وهو مقتضى الأمانة في العلم ، التي ينبغي أداؤها لمن لا يعلم بها.
ثم ليعلم كل من اطّلع على كتابي هذا أنني ما أردت بشيء مما كتبته أن أُعيب طائفة معيَّنة ، أو أن أذم رجلاً من الناس ، أو أن أكشف عورة مستورة ، وإنما كانت الغاية بيان الحق الذي أمرنا الله تعالى ببيانه ، والجهر بالصدق الذي أمرنا الله بالجهر به ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (2) ، وما بدر في ثنايا الكتاب مما لا يرتضيه بعضهم فهو مما اقتضاه البحث وقاد إليه الدليل.
ونحن بحمد الله ما افترينا على قوم فرية ، ولا اتّهمنا فئة بتهمة ، ولم نتَّخذ
____________
(1) سورة الزمر ، الآية 15.
(2) سورة الأنفال ، الآية 42.

( 271 )

الظن دليلاً ، ولا الأهواء سبيلاً ، وكل ما ورد في الكتاب نقلناه من كتب أهل السنة المعروفة المطبوعة المتداولة ، وأثبتنا أسماء الكتب والمصادر بالمجلدات والصفحات ، ليعلم مَن كان في قلبه شك أنَّا سلكنا سبيل الأمانة والتثبّت في النقل ، فدونك فصول الكتاب ، فإنها تشهد بصحة كل ما قلناه.
وفي الختام أسأل الله جلَّت قدرته أن يرشد به المسترشدين ، وأن يُدِلّ به الحائرين ، وينفع به المسلمين ، وأن يجعله في صحيفة الأعمال ، وينفعني به يوم الفقر والفاقة ، إنه على ما يشاء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.