محاضرات عقائدية ::: 121 ـ 135
(121)
لكنه اللجاج ، يعني عندما تأتي آية المودّة بعد آية المباهلة من الطبيعي أن يفهم السامع أن هؤلاء هم أهل المباهلة ـ « يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وابناهما » (1) .
    ولمّا جاء الأمر بالصلاة على النبي ، كرّر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) البيان عندما سألوا : مَن آلك الذين نصلّي عليهم ولا تصح عبادتنا إلاّ بالصلاة عليهم ، فقال : علي وفاطمة وابناهما (2) .
    وأمّا القول القاطع والجامع المانع فهو قول ربّنا على سبيل التأكيد والحصر : « إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً » (3) ، فيجمع الله لآل محمّد مواقف التبيين لنصلّي عليهم ونبايعهم وأن بعض ـ لا أقول من آمن بمحمّد ، لأنّه لو آمن لم يتردّد في إعطاء الحقّ لآل محمّد ـ من تبعوا محمّداً :

    انتبهوا ، فهناك فرق بين مَن تبع محمّداً وبين مَن آمن بمحمّد ، إذ التبعية قد يتبع الرجل الرجل على دخيلة في نفسه لا ينفي
1 - مجمع الزوائد : 7 / 103 و 9 / 168 ، المعجم الكبير : 3 / 47 و 11 / 351 ، وانظر : شواهد التنزيل : 2 / 191 ـ 199 ، فضل آل البيت للمقريزي : 76 ، ينابيع المودة : 2/325 ، فتح القدير : 4 / 537.
2 ـ أنظر : فتح الباري : 11/136.
3 ـ الأحزاب : 33.


(122)
المتابعة الظاهرية ، وهذا شخص مصاحبة ، يعني قد يصحب الرجل الرجل مع اختلاف نيّة كل من الصاحبين ، ليس معنى أن زيداً صاحب عمرو هو أن زيداً وعمرواً كلاهما على نيّة واحدة.
    نحن نقرأ في القرآن في سورة الكهف أن اثنين : واحد مؤمن وواحد كافر ، القرآن يجعلهم صاحبين : « قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أكَفَرتَ بالَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُراب » (1) ، يسميهم صاحبين واحد منهم مؤمن والثاني كافر!
    بل أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حرص على أن يبيّن أن مصطلح الصحابة لا يتطابق مع مصطلح الإيمان ـ فهذا شيء وذاك شيء ـ حرص على أن يبيّن أن كلمة أصحاب تخاطب صحبة الأبدان لا افتراق القلوب والوجدان ، فما أعجب هذا القول النبوي!
    عندما نزل القرآن يفضح نفاق عبد الله بن أُبيّ ويبيّن أنه رأس النفاق ، وتداعى من يقول اضرب عنقه ، فيردّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الردّ الذي غابت حكمته عن العقول التي لا تريد أن تعقل ، فقال : « دعه لا يتحدث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه » (2) .
    فعبد الله بن أُبيّ وصفه رسول الله بأنّه صاحبه!
    هذا المصطلح مصطلح مضلل ، فالتبعية غير الإيمان.
1 ـ الكهف : 37.
2 ـ صحيح البخاري : 6 / 66 ، صحيح مسلم : 8 / 19 ، السنن الكبرى : 9 / 32 ، شرح صحيح مسلم للنووي : 16 / 138 ، صحيح ابن حبان : 13 / 331 ، وغيرها.


(123)
    أخطر آية يحتج بها مَن يأكلون ولا يعقلون ويهتفون بما لا يعرفون ويقلدون وفي كل تقليد يسجدون ، أذكر آية في سورة الفتح : « مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدَاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعَاً سُجَّداً » (1) إلى قوله تعالى من خلال الآية : « وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ مِنهُمْ مَغفِرَةً وَأجراً عَظِيماً » (2) .
    فالعاقل يندهش ، والمتألم يندهش! يا ربّ : بعدما ذكرت الكلّ « وَالَّذينَ مَعَهُ » إذا بالنص الشريف الذي في آخر الآية يقول : لا ، انتبه : « وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ مِنهُمْ » لم يقل وعدهم مغفرةً وأجراً عظيماً ، فلابد أن يكون الوعد متطابقاً مع المعيّة ، لا! فالوعد للذين آمنوا.
    ورغم أنّ القرآن وصفهم بأنّهم أشدّاء على الكفار ، وكم من شديد على الكفار ولكن شدّته لا تخرجه من زمرتهم ، لأنّها شدّةٌ يريد أن يتفاخر بها!
    وعند مصادر العامة هذا الحديث الذي ترويه مسانيدهم : جاء أصحاب رسول الله إلى رسول الله وذكروا له أن فلاناً ـ وهم ما شاء الله ـ أن فلاناً رؤي في هذا اليوم يجاهد جهاداً ويبلي بلاءاً لم نر مثله! يقول الخبر
1 - الفتح : 29.
2 ـ الفتح : 29.


(124)
كما هو عندهم : إنّه من أهل النار ، فذهبوا يتكشفون حال هذا الرجل ، فوجوده على ما يقول الخبر عندهم ـ أنا لم أقرأه في مصادرنا ، وأسأل الله أن يكرمني ربّي لبقية الوقوف على قراءة مصادرنا ـ فذهبوا فوجدوه قتل نفسه!! اتكأ على ذؤابة سيفه فقتل نفسه ، هذا الخبر عندهم (1) .
    وهو يبيّن أنّ الإيمان شيء آخر غير كل ما تصنعه الأبدان في الظاهر.

    أبشروا يا أحباب آل محمّد ، الإيمان يكتمل بموالاة محمّد وآل محمّد ، فقد تكفّل الله عزّ وجلّ بأن يعطي شهادة تخرّج لمدرسة الإيمان ، لمن اطمأن قلبه إلى حبّ محمّد وآل محمّد ، ولا يلزمه أن يملأ الدنيا ادعاءاً أنّه يحب محمّداً ، لكن آله ، كما قال بعض المتخرّصين : آله غير معصومين!
    لا يختلف حبّ محمّد عن آل محمّد ، ولا يتجزأ الإيمان ببعضهم عن كلّهم ، لماذا؟ لماذا حبّ محمّد وآل محمّد وبالتخصيص حبّ آل محمّد ، لماذا هو علامة الإيمان؟
    أولا : نقول هو مجال الحبّ ، الحبّ الذي يعطي آل محمّد حقوقهم كلّها : علم الكتاب فلا يناطحه فيه علم ، الحكمة وهي بيان الكتاب فلا يناطحه بيان ، الملك وهو ولاية أمر الأمة فلا يزاحمهم في ذلك .. إذا أعطى
1 - أنظر : صحيح البخاري : 5 / 74 و 7 / 212 ، صحيح مسلم : 1 / 73 ـ 74 ، مجمع الزوائد : 6 / 116 ، مسند أبي يعلى 13 / 539.

(125)
آل محمّد ما أعطاهم الله دلّ ذلك على تجرّده عن الأشرة وابتعاده عن الأنانية وابتغائه بإيمانه وجه الله عزّ وجلّ ، وهذا هو المطلوب ، فالمطلوب أن يكون الإيمان ممحّض من غير قصد إلى السباق في الدنيا ، لأنّ الله عزّ وجلّ أكرم هذه الأمة بكرامة لم تنتفع بها وضيّعتها!
    مشكلة كبرى في علاقتها بحكامها عبر التاريخ ، لمّا بعث الله محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليردّ للإنسان إنسانيته وليكرّمه ويذهب بالطبقية والاستكبار والاستضعاف ويحجر الناس على قاعدة العبودية لله وحده ، أراد أن يريحكم من التنافس على الملك ، وقال : أنا أرحمكم يا عبادي ، بأن أجعل شأنكم إلى من عصمتهم ، عصمت عقولهم من الهوى وبطونهم من أكل الحرام ، عصمتهم عن أن يستلزموا بشيء ، فسأريحكم من مشكلة الحكم والقيادة والتوجيه ، بأن أعيّن لكم مدرسة معصومة لتنطلقوا في الحياة بغير جدال في مسائل الحكم ، ولتتّفقوا على هداية البشرية ، لأنّه لم يضيّع المسلمين إلاّ انقلابهم على ما خصّص الله به آل محمّد ، فأخذ يأكل بعضهم بعضاً ، وياليتهم عقلوا بعض مقالة الزهراء ( عليها السلام ) وهي تقول : « إمامتنا لمّاً للفرقة » (1) .
    نعم هي الرحمة ، لكن الأمة اتبعت إبليس وقد صدّق
1 ـ دلائل الإمامة : 113 ، كشف الغمة : 2 / 110 ، وانظر : من لا يحضره الفقيه : 3 / 568 ، الاحتجاج : 1 / 134 ، بحار الأنوار : 6 / 107 ، بلاغات النساء : 16.

(126)
عليها ظنّه : « وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيهِمْ إبليسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعوهُ إلاّ فَريقاً مِنَ المُؤمِنينَ » (1) .

    وأنتم إن شاء الله هذا الفريق الذي أبى أن يتّبع إبليس وهو يوسوس للقوم ويقول لهم قولة الأعرابي الذي نزلت فيه مقدّمة سورة المعارج ، الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الغدير بعد خطبة رسول الله وعقد الولاية لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومبايعة القوم له بالولاية وقولهم : « بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم » (2) . هذا مبايع يمزج البيعة بالتهنئة ويمزج التهنئة بالحسد ويمزج الحسد بالتلصص!
    جاء هذا الأعرابي ـ أحمق لا يعرف تلوين الكلام ، لا يعرف أن يأخذ البيعة بنيّة النقض والإنقلاب ـ بعد أن تمّت البيعة من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأعطى الولاية لعلي ( عليه السلام ).
    وهو مشهد غريب! المشهد في تفصيلاته لو أراد مخرج من مخرجي الأحداث في العصر الحديث أن يخرج هذا المشهد لأخرج عرضا ًبادي الوضوح والدلالة على أنّ الإنسان هنا يكمّل شعائره ، والذي يرفض
1 - سبأ : 20.
2 ـ إشارة إلى مقولة عمر بن الخطاب ، أنظر : تاريخ بغداد : 8 / 284 ، البداية والنهاية : 7 / 386 ، شواهد التنزيل : 1 / 204 ، تاريخ دمشق : 42 / 233.


(127)
الشعيرة التي ستتم الآن يكون قد انقلب على عقبيه وخسر الدنيا والآخرة.
    الأعرابي يسأل ـ ماذا يقول ـ : يا رسول الله أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فشهدنا ـ مستكثر ويمنّ ـ وأمرتنا أن نصلّي الخمس فصلّينا ، وأمرتنا أن نخرج من أموالنا الزكاة فأخرجنا ، وأمرتنا أن نصوم فصمنا ، وأمرتنا أن نحج فحججنا ، وقد علمتُ أنّك عمدت إلى صهرك وابن عمك فوضعته على أعناقنا ، اللّهم إن كان كذلك فأمطر علينا حجارةً من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، ثمّ لم يتمهل حتى يسمع جواب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فولّى لبعيره ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أدركوه فقد حاق به ما توعّد نفسه به ، فأدركوه فإذا بصاعقة قد شطرته ببعيره ، وإذا بقول ربنا تعالى : « سَألَ سَائِلٌ بِعَذاب وَاقِع * لِلكَافِرينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ » (1) .
    هذا العذاب الذي عجّل الله به لمن تمرّد على ولاية آل محمد تمرداً صريحاً ظاهراً.
    وأمّا الذين تمرّدوا تمرّداً خفيّاً ، فقد ادّخر لهم رأي الأمة المسكينة التي انخدعت بهم ، عذاب القرون التي تجرّعناه همّاً ووصماً ونحن نستهتف لوعيد ربّنا الذي حذّر منه القرآن وبيّن مدلوله رسول الله صلوات الله عليه وآله في بيان قوله تعالى : « قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلى أن يَبعَثَ عَلَيكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوقِكُمْ أوْ مِنْ تَحتِ
1 - المعارج : 1 ـ 2 ، أنظر : شواهد التنزيل : 2 / 381 ـ 385 ، جامع أحكام القرآن : 18/278 ، نظم درر السمطين : 93 ، ينابيع المودة : 2 / 369 ـ 370.

(128)
أرجُلِكُمْ » (1) الآية لما نزلت ، ومصادر السنة هي التي أوّلت التفسير الذي أضعه بين أيديكم ، يفسّرون ولا يفقهون ، تقول المصادر : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أعوذ بوجهك ، فلمّا نزلت : « أوْ مِنْ تَحتِ أرْجُلِكُمْ » قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أعوذ بوجهك ، فلمّا نزلت : « أوْ يُلبِسَكُمْ شِيَعَاً وَيُذيقَ بَعضَكُمْ بَأسَ بَعض » (2) قال : هذه أهون وأيسر (3) .
    فرّقونا .. وقسّمونا .. وجعلونا هدفاً لانتقام ربّنا في قوله تعالى : « إنَّ الَّذينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانوا شِيَعَاً لَستَ مِنهُمْ فِي شَيء » (4) .
    كل ذلك يا أحباب ، منذ أن عرفت وتيقّنت وتبيّنت أن مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) هو خلاصة مدرسة الأنبياء والمرسلين.

    وبالأمس ، وأنا أمثل بين يدي سيدتي المعصومة صلوات اللهعليها وعلى آبائها ، وأستمع إلى الدعاء يتلوه أحد الأحباب ،
1 و 2 - الأنعام : 65.
3 ـ مسند أحمد : 3 / 309 ، وانظر : صحيح البخاري : 5 / 193 ، سنن الترمذي : 4/327 ، سنن النسائي : 4 / 412 ، المعجم الأوسط : 9 / 36 ، تفسير ابن كثير : 2/145 ، الدر المنثور : 3 / 17 ، تفسير الثعالبي : 2 / 477 ، فتح القدير : 2 / 127 وغيرها.
4 ـ الأنعام : 159.


(129)
شدّني هذا الحرص من الأئمّة في هذه الأدعية على الوفاء لشجرة الأنبياء بدءاً من آدم : السلام عليك يا آدم صفوة الله .. السلام عليك يا نوح .. السلام عليك يا إبراهيم .. السلام عليك يا موسى .. السلام عليك يا عيسى .. صلوات الله عليهم ; هذا هو البرهان على أنّكم ورثة الأنبياء وبقيّة الرسالات ، لأنّكم توفّون للأنبياء بما قدّموه في حقّ نبيّكم.
    الأنبياء والرسل أُخذ عليهم العهد من الله تعالى أن يؤمنوا بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن يصطفّوا خلفه صفاً واحداً : « وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبيينَ لَمَا آتَيتُكُمْ مِن كِتَاب وَحِكمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرتُمْ وَأَخَذتُمْ عَلى ذَلِكُمْ إصْري قَالُوا أَقرَرْنا قَالَ فَاشهَدُوا وَأنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ » (1) .
    الميثاق الذي أُخذ على الأنبياء متأخّر بهذه النقطة جعلهم في حالة انتظار للنبي المنتظر ، بدءاً من آدم .. ونوح .. وإبراهيم .. وعاشوا كل العبادات التي كلّفهم الله بها ، بحيث كانت لا تلزمهم إلاّ أن يعيشوا في حالة انتظار للنبي الخاتم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأن يتعهدوا بأنّهم إن شهدوه آمنوا به ونصروه ، ومعنى نصروه يعني ينقلبوا إلى جنود! فحالة الانتظار التي كتبت على الأنبياء ـ انتظار النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ أصبحت عبادة من أفضل العبادات لأنّها انتظار لأيّ شيء؟ انتظار لأمر الله عزّ وجلّ وأعظم
1 - آل عمران : 81.

(130)
العبادات .. انتظار أمر الله ، لأنّها تنطوي على الآتي :
    الإقرار بالله ربّاً ، وبأنّ له أمراً نافذاً ، وأنّ أمره لا يحيط به إلاّ هو ، وأنّه غيب وأنا في انتظار أمره لأطيع.
    يا مَن شرّفكم ربّكم بعبادة الأنبياء .. بحالة الانتظار للإمام القائم صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه الشريف ، زيدوا بيقينكم بفرجه الشريف في الميقات الذي يعلمه الله ، وتعجلوا الشوق إليه دون أن تتبرموا من إمضائه ، لأن كل ما تعيشون الانتظار فإنكم تعبدون الله العلي الرحمن.
    لأنّ كل العبادات الأُخرى للإنسان يكتب أجره على قدر استغراقه فيها ، يعني ليس كل صلاة مثل بعضها ، وكتاب الآداب المعنوية للصلاة للسيد آية الله الإمام الخميني قدس الله سره الشريف يبيّن أنّ الصلاة يأخذ كل واحد نصيبه منها على قدر ما استغرقه من وجدان ومن صبر عليها ، ولذلك فالأجر عليها دائماً محدود بمحدودية أدائها وكذلك الصيام والحج والزكاة ...
    أمّا الانتظار ، فكلّ ما ملأت وجدانك بالحبّ وأنت تنتظر الإمام ، أصبحت كل اعمالك « 24 ساعة » تمثّل حالة عبادة.
    أسأل الله أن يقسم لي ولكم صحّة الانتظار ، وأن يرينا وإيّاكم وجه القائم ( عليه السلام ) ، وأن يجعلنا جنوداً له مخلصين إن شاء الله.
    اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


(131)
المحاضرة الخامسة :
« مَن هم الشيعة »


(132)

(133)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والحمد حمده كما يستحقه حمداً كثيراً ، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على عبده ورسوله محمّد وآله الطيبين الطاهرين صلاةً وسلاماً دائماً سرمداً.
    أمّا بعد : فيا أيّها الأحباب دعوني أتأمّل معكم مَن نحن؟ مَن هم أتباع مذهب آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
    فإذا عرفنا أنفسنا عرفنا رسالتنا ، وإذا عرفنا رسالتنا حدّدنا أهدافنا ، وإذا استقرت أهدافنا تبينت وسائلنا مَن نحن.

    نحن بحمد الله وفضله الأوفياء لميثاق ربّنا الذي أخذه علينا في أصلاب آبائنا في محكم كتابه من سورة الأعراف في قوله عزّ ثناؤه : « وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِمْ ذُرِّيتَهُمْ وَأشهَدَهُمْ عَلَى أنفُسِهِمْ أَلَستُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدنَا » (1) .
1 ـ الأعراف : 172.

(134)
    أيّها الأحباب ، أيّها الشاهدون ، منذ أن ضرب الله أنفسكم بالأصلاب ، إنّ الله ربّكم أكرمكم فدلّكم على الطريق إلى تحقيق عبوديتكم لله ، لأنّ الإقرار بالربوبيّة إذا خلى من تحقيق العبودية كان إقراراً ناقصاً مبتوراً.
    أكرمكم ربّكم فعرفتم تحقيق طريق العبودية ، وأنتم تتلون أم الكتاب التي قال الحقّ في شأنها : « وَلَقَد آتَينَاكَ سَبعاً مِن المَثَاني وَالقُرآنَ العَظيمَ » (1) ، وأم الكتاب الفاتحة.
    منذ أول سورة في كتاب الله ـ بترتيب القرآن بترتيب الجمع ـ أم الكتاب الفاتحة فيها الإمامة واضحة ، وفيها أنّ الله عزّ وجلّ تفضل على مَن أقرّ بالربوبيّة بأن جمعه في سورة الفاتحة.
    إقرأ يا عبد الله هذه السورة الكريمة التي قسّمها الله بينه وبين عباده قسمين ، فجعلها تتردّد بين دعاء وإجابة ، استهلالا بقول الربّ ، لقد شهدت بأنّ الله ربّك بالميثاق ، فأكرمك الله بأن تشهد بأنّ الله ربّ العالمين كلّهم وليس ربّك وحدك ، الحمد لله ربّ العالمين ، ثمّ أكرمك بأن تعرف من صفاته العليا أنّه الرحمن الرحيم ، ثم أكرمك فعرّفك أنّ للرحمن والرحيم يوماً لا يملك أحد فيه شيئاً إلاّ الله مالك يوم الدين ، ثمّ وجّهك إلى أن تعرف حقّ العبادة مقروناً بحقّ الإستعانة ، حقّ العبادة مقرون بواجب الاستعانة : « إيَّاكَ نَعبُدُ
1 - الحجر : 87.

(135)
وَإيَّاكَ نَستَعينُ » (1) ، ثم ألهمك الدعاء المقرون : « اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقيمَ » (2) ، فجاءت الإجابة : « صِراطَ الَّذينَ أنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالّينَ » (3) .
    فأنت مع الذين أنعم الله عليهم ، مع الأئمّة الطاهرين ورثة النبيين وبقية المرسلين والّذين بدونهم يتغيّر نظام الكون ويخرج عن نظرة العبودية ويحيق به غضب الله الرحمن الرحيم.

    أيّها الأحباب ، القرآن دليلكم لمعرفة حقّ آل محمّد ، إنّه الثقل يدلّكم على الثقل الممثّل بآل البيت تصديقاً للحديث الشريف : « تركت فيكم الثقلين » (4) ، ووصفه الشريف إنّ أحدهما يصدّق الآخر.
    القرآن رسم الطريق للإمامة وللإيمان بالإمامة على نحو ليس بعده وضوح ولا جلاء ، فمنذ أوّل سورة نبّهكم إلى أنّكم لن
1 - الفاتحة : 5.
2 ـ الفاتحة : 6.
3 ـ الفاتحة : 7.
4 ـ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : 15 ، مسند أحمد : 3 / 26 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 109 ، مجمع الزوائد للهيثمي : 9 / 163 ، سنن النسائي : 5 / 45 و 130 ، البداية والنهاية لابن كثير : 5 / 228 ، وغيرها من المصادر التي ذكرت حديث الثقلين بألفاظ وأسانيد متعدّدة.
محاضرات عقائدية ::: فهرس