مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 451 ـ 465
(451)
    أحد الإخوة الذين استبصروا كان يميل للوهابيَّة بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس معهم تماماً منَّ الله عليه بأحد الأصدقاء ، والذي أعطاه بعض مؤلَّفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحُذِّر منهم ، فطلب منّي ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيُّع وما إليه ، فرحَّبنا به وجلسنا ، فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفَّس قائلا : هذا الكلام حقٌّ لا لبس فيه ، ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل ؟!
    قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلاَّ على باطل.
    قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثُّر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة ، كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت : الآن بإمكانك أن تصلّي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدّعون.
    توضَّأنا وصلَّينا ، وكان اليوم يوم خميس ، وبعد الصلاة ـ وكما هو معروف عند الشيعة ـ يستحبُّ قراءة دعاء كميل ، وهو دعاء علَّمه أميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) لأحد أصحابه ، وهو كميل بن زياد النخعي ، والشيعة يواظبون على قراءته.
    قرأنا ذلك الدعاء ، وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألَّمت لهذه الأمّة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت ( عليهم السلام ) ، خصوصاً


(452)
فيما يختصُّ بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربَّه.
    بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه ، وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا : إن الشيعة لا يعرفون الصلاة ، والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة (1).
1 ـ بنور فاطمة ( عليها السلام ) اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : 210 ـ 211.

(453)
    المناظرة الثانية والثمانون
مناظرة
هشام آل قطيط مع مجموعة من مشايخ السنّة
وتساؤلاته حول عقائد الشيعة ورحلته في البحث عن الحقيقة
    قال الشيخ هشام آل قطيط : عندما كنت في القرية وأنا طالب في الجامعة أتردَّد على بعض المساجد في المنطقة ، فأجد الخطاب عند العلماء متشابهاً تماماً ، بحيث لا يختلف عالم عن آخر بطريقة الخطاب من حيث المقدِّمة والموضوع والخاتمة والدعاء ، أشعر بأن علماءنا يتبعون طريقة روتينية في إلقاء الكلام ، بحيث إذا غاب إمام المسجد لمرض أو لظرف معيَّن يكلّف أحد الإخوة المصلّين بإلقاء الخطبة ، يصعد على المنبر ويقرأ علينا بطريقة الدرج والسرعة ، فأنظر ممن حولي أجد قسماً من الناس نياماً ، والقسم الآخر كأنه مسافر في حافلة.
    هذا من جهة الخطاب ، وأمَّآ من جهة الحوار الموضوعي والانفتاح الفكري فهو مفقود تماماً ، لماذا ؟ لأننا ترعرعنا على طريقة التفكير التقليدي الموروث غير القابل للتطوُّر ، رغم أن الإسلام دين التطور ، ودين المرونة ، ودين الانفتاح ، ودين المعاملة ، ودين النصيحة ، ودين الأخلاق ، ودين الإنسانيّة ، دين


(454)
السماحة والعزّة والكبرياء والأنفة ، هذه هي مبادئ ديننا الحنيف الذي نزل به الوحي على نبيِّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بحيث إذا أردت السؤال من أحد العلماء فإجابته على شقّين :
    الشقّ الأوّل : إما يجاوبني ، وإمّا يقول لي : ما هذا السؤال الذي تطرح ؟ فيسفِّه سؤالي !!
    والشقّ الثاني : إذا كان سؤالي عن مذهب معيَّن ، ولم يكن الجواب حاضراً في ذهن الشيخ فيقمعني : ما يجوز تسأل هكذا سؤال ، هذا سؤالك غلط ، لا يجوز أن تجادل ، الجدل فيه إثم ، صوم وصلي وبس ، لماذا تقلق نفسك بهكذا أفكار ، فالشيخ عندنا في البلد ديكتاتور.
    فصرت أتساءل في نفسي : يا إلهي ! إذا أريد أن أستفسر عن ديني ، وعن بعض الأفكار الصعبة التي تدور في ذهني أواجه بالقمع .. والإرهاب ، وأهل البلد مع الشيخ ، وليسوا معي ، ولا مع أفكاري ، فعشت في حيرة.

    مع الشيخ عزّ الدين الخزنوي
    فمرَّة من المرّات كنت طالباً في الثانوية ، وقال لي أحد الأصدقاء : ما رأيك في أن نزور الشيخ العلامة الكبير عزّ الدين الخزنوي ، بقرية تل معروف ، شرق مدينة القامشلي ؟
    فقلت له : حاضر ، وفعلا سافرنا أنا وصديقي ، وكانت في جعبتي مجموعة من الأسئلة ، ففرحت وشعرت بأن صديقي يريد أن ينفِّس عني ، فوصلنا إلى قرية تل معروف ; قرية الشيخ الخزنوي ، فرأيت الناس آلافاً مؤلَّفة تتقدَّم قبل عشرة أمتار من الوصول إلى الشيخ زحفاً على الأيادي والركب ، وبعد الوصول يقبِّلون


(455)
أيادي الشيخ وجبهته ، فرأيت صفّاً كبيراً من الناس خلف بعضهم البعض ، بحيث السائل يجلس عند الشيخ دقيقة ويخرج ، فقلت لصديقي : كيف أستطيع أن أسأل وسط هذا الزحام الهائل من البشر ؟ وهل أتجرَّأ أن أناقش وسط هذا المعترك ؟ فقلت لصديقي : والله إن سألت وناقشت ليمزِّقوني هؤلاء الخدم المقيمون عند الشيخ ، فقال لي : نتبارك بالشيخ ، ونسلِّم عليه ونخرج.
    وبقينا أكثر من ثلاث ساعات ولم نستطع أن نصل للشيخ ، ورجعنا إلى القرية ولم نستفد شيئاً.

    إلى الشيخ محمّد نوري
    فصرت أتساءل ، هل الدين ديكتاتورية ، امبراطورية ، تسلط ... ؟
    فقلت : غداً أذهب إن شاء الله تعالى إلى قرية تقع في الجنوب الشرقي من حقول البترول ( رميلان ) لشيخ مشهور هناك يدعى : الشيخ محمّد نوري ، عالم المنطقة ، فعندما ذهبت إليه أسأله ، ودخلت إلى المضافة التي تقع شرق المصلَّى للمسجد ، قالوا لي : الشيخ مريض ولم يستطع الإجابة عن الأسئلة.
    ومرَّت الأيّام .. والسنون ... وأنهيت دراستي الجامعيَّة في حلب ، وشاء الله والأقدار بأن أخدم خدمة العلم في بيروت ، وكنت بعد الانتهاء من الدوام أقوم بزيارة بعض المكتبات ، وأجلس أقرأ في المكتبة ; لأن الوضع لا يسمح لي في المنطقة أن أقرأ بسبب عدم وجود الفراغ ، وبدأت أستعير بعض الكتب الدينيّة لأقرأها ، عسى أن أجد حلاًّ لأسئلتي التي كانت تدور في ذهني وأنا في الثانويَّة ، بالرغم من أن أسئلتي لم تكن محيِّرة ، مثل : من هي الفرقة الناجية ؟ باعتبار أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية ،


(456)
والباقون في النار (1).
    ومن هذه الأسئلة والسؤال الأكثر إلحاحاً : باعتبار أن الله خلق آدم وحوّاء فهل تزوَّج أولاد أدم أخوات بعضهم البعض ؟
    فاقترحت على بعض الأصدقاء الذهاب إلى الشيخ ونسأل ، وفعلا ذهبنا وسألته عن بعض القضايا العقائديَّة التي تتعلَّق بالكون والإله ، عقل يفكِّر ، فالإنسان بطبعه يحبُّ السؤال ; لأن عمدة العلم كما يقول العلماء في السؤال ، والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : اثنان لا يتعلَّمان : مستح ومتكبِّر (2) ، وكما يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا حياء في الدين ، والله تعالى يقول في محكم كتابه : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) (3) ويقول تعالى في آية أخرى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
1 ـ تقدَّمت تخريجاته.
    قال الشيخ علي بن يونس العاملي عليه الرحمة في الصراط المستقيم : 2/96 : روى أهل الإسلام قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقون في النار ، فهذه شهادة صريحة من النبيِّ المختار ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على وصف أكثرهم بالضلال والبوار ، ولا بدَّ أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال ، لئلا يكون لهم الحجّة عليهما يوم الحساب والسؤال ، وبهذا يتّضح وجه إمساك علي ( عليه السلام ) وعترته عن الجهاد ، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد ؟ ومن فرَّ عن أكثر من اثنين قد عذره القرآن ، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان ؟!
2 ـ روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في علل الشرائع : 2/606 عن أبي إسحاق الليثي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ( عليه السلام ) ، في حديث له عن المؤمن المستبصر قال ( عليه السلام ) : فإن هذا العلم لا يتعلَّمه مستكبر ولا مستحي.
    وقال الشهيد الثاني عليه الرحمة في منية المريد : 175 : وقيل أيضاً : لا يتعلَّم العلم مستحي ولا مستكبر.
    وروى العامة عن مجاهد أنه قال : لا يتعلَّم مستحي ولا مستكبر.
    مقدّمة ابن الصلاح ، عثمان بن عبد الرحمن : 152 ، فتح الباري ، ابن حجر : 1/202.
3 ـ سورة الزمر ، الآية : 9.


(457)
الْعُلَمَاء ) (1).
    فلهذا كانت طبيعتي منذ نعومة أظفاري التساؤل ، وأسأل بكثرة لأفهم المسألة والموضوع ، وهكذا تعرَّفت على صديق لي في بيروت أثناء فترة خدمة العلم ، اسمه : دخل الله ، من الجنوب ، يسكن في منطقة اسمها : حي السلم ، فدعاني مرَّة لزيارته في بيته فلبَّيت الدعوة ، ولأول مرَّة أزوره ، فعندما زرته رأيت عنده مكتبة صغيرة ، فدفعني الفضول وحبُّ المعرفة لأرى هذه الكتب ، وعن ماذا تبحث وتدور ، فوقع نظري على كتاب اسمه ( المراجعات ) ، فسألت صديقي : عن ماذا يبحث هذا الكتاب ؟
    فقال لي : عبارة عن حوار بين عالم سنّيٍّ وعالم شيعيٍّ ، يتحاورون في قضيَّة الخلافة والإمامة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قلت له : لطيف ، هل أن العالم السنّيّ غلب الشيعيَّ في الحوار ؟
    فضحك صديقي ، وقال لي : العالم السنّيُّ يغلب العالم الشيعيَّ ؟! هذا مستحيل ، فعرفت منذ تلك اللحظة بأن صديقي شيعي ، حيث إنه كان يجهِّز الطعام ، ففوجئت ، ذلك لأن أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً : إيّاك ومجالسة الشيعي ، إياك ومحاورة الشيعي ، لا تحاور الشيعي ، ولو كان الجدال عن حقّ ، هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين ( عليه السلام ) ، ولحدّ الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم ندماً وخوفاً ، عسى الله أن يغفر لهم.
    هؤلاء الشيعة يعتقدون بأن الرساله نزلت على علىّ ( كرّم الله وجهه ) وتاه الوحي جبرائيل ونزل على محمَّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وغير ذلك ، يسجدون للحجر ، ويسبُّون
1 ـ سورة فاطر ، الآية : 28.

(458)
الصحابة ، ويعملون بالتقيَّة بينهم سرّاً ، لا يظهرونها لأحد ، وذبيحتهم محرَّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها.
    فتذكَّرت كلام الشيخ عندنا في المنطقة ، فاعتذرت عن الطعام بطريقة لبقة ، بحيث إني لم أشعر صديقي بشيء ، وشربت عنده القهوة والشاي ، فقال لي صديقي : لماذا لا تأكل ؟ أنا أتيت باللحم من أجلك.
    فقلت له : لا أستطيع أن آكل اللحم ! فصارت الأفكار تتضارب في ذهني وتتصادم وتتصارع ، فقلت : يا إلهي ! هذا ما حدَّثنا به الشيخ ، وفعلا شاهدته أمام عيني ، كان يقول لنا الشيخ عندما كنّا في المنطقة : الشيعي يقول آخر الصلاة ثلاث مرَّات : تاه الوحي جبرائيل ..
    وفعلا راقبت صديقي وهو يصلّي على الحجر ، وأشار إلى أذنه ثلاث مرَّات دون أن أفهم ما قال ; لأنه كان يتمتم بصوت هادئ ، عندئذ أيقنت تماماً بأن كلام الشيخ صحيح ، وكان يؤكِّد لنا الشيخ : حتى إذا سألته لا يعطيك الحقيقة ; لأنهم يستعملون التقيّة ، والتقية أشدُّ خطراً ، ولا يطلعون أحداً على دينهم ; لأن لديهم الظاهر شيء ، والباطن شيء آخر ، ولا يطلعون أحداً على باطنهم.
    فقال لي صديقي : إذا أردت أن تستعير هذا الكتاب فخذه ، وبعد الانتهاء منه أرجعه إليَّ ، فأخذت منه كتاب ( المراجعات ) إعارة لمدّة أسبوع ، وفعلا بدأت بالقراءة في هذا الكتاب ، وكنت واثقاً من نفسي بأنه كتاب ضلال ، سوف أردُّ عليه ، وأفهم الشيعي من هو السني ؟!!
    فقرأت ترجمة الكتاب ، واستمرّيت بالقراءة ، وقطعت منه تقريباً أكثر من مئتين صفحة ، ففوجئت وتشنَّجت من هذا الكتاب المدسوس ، واستغربت من هذه المعلومات الغريبة التي لأول مرَّة تطرق ذهني ، وخاصة علماؤنا دائماً


(459)
يحذِّرونا من قراءة كتب الضلال ، فقلت : إن استمرّيت في القراءة في هذا الكتاب سوف يحرفني ، لا شك في ذلك إطلاقاً ، وإذا أردت أن أتتبَّع الأدلّة ليس لديَّ المصادر ، وليس لديَّ الفراغ الكافي للبحث في هذه القضية الشائكة ، فأغلقت الكتاب لأنه شوَّش تفكيري.

    اللقاء مع الدكتور عبد الفتاح صقر المصري (1)
    وبعد أسبوع من قراءة كتاب المراجعات وإغلاقه لشدّة ما رأيت فيه من بعض المسائل التي جعلتني أتشنَّج ، فقرَّرت وبدافع قويٍّ أن ألتقي الشيخ عبد الفتاح صقر ، وذهبت أسأل عنه في كليَّة الشريعة ، فقالوا لي : في السكن حالياً ، والسكن بعد منطقة عائشة بكار توجد منطقة اسمها نزلة أبي طالب ( عليه السلام ) ، فنزلت فيها وبدأت أسأل إلى أن وصلت موقع السكن ، فصعدت وطرقت الباب ، انتظرت قليلا ، وفتح الباب ، فقلت للذي فتح الباب : أودُّ مقابلة الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، وإذا به يقول لي : تفضَّل ، تفضَّل يا بنيَّ ، ودخلت وجلست لحظات ، وقال لي : من أين أنت أيها الأخ ؟
    قلت له : من سوريا.
    فقال : أهلا وسهلا ، أهلا وسهلا ، نحن وسوريا كنّا وحدة ، ولا يزال الشعب المصري والسوري شعباً واحداً.
    قلت له : نعم.
1 ـ الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، من البعثة الأزهرية في بيروت ـ عائشة بكار ، أستاذ في كلية الشريعة ، وأحياناً يخطب الجمعة في مسجد دار الفتوى في بيروت.

(460)
    قال : ما سؤالك أيُّها الأخ ؟
    قلت له : سؤالي ـ شيخنا الجليل ! ـ دعاني أحد الأصدقاء ، ولم أعلم أنه شيعيٌّ ، لأني لو كنت أعلم أنه شيعيٌّ بصراحة لم أزره ، لماذا ؟ لأن الشيخ عندنا في المنطقة دائماً يحذِّرنا من مجالسة الشيعيِّ ، وعدم محاورته في المجال الديني.
    فقال الشيخ عبد الفتاح صقر : الشيعة عندهم مبالغات كثيرة ، وكثير من أقوال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينسبونها للإمام علي ( عليه السلام ) ، وعندهم تحريف في بعض الأحاديث.
    فقلت : أيُّها الشيخ ! ما رأيكم في كتاب المراجعات ؟
    الشيخ عبد الفتاح صقر : إيَّاك أن تقرأه يا بنيَّ ، هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه عبد الحسين شرف الدين بعد وفاة شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري ، أحذِّرك من قراءته ، لا تفرقن بك السبل يا بنيَّ ، مالك ومال الشيعة ؟؟ فرقة وضعت مقابل المعتزلة !!
    ودَّعت الشيخ عبد الفتاح صقر ، وطلبت منه الدعاء ، وأرجعت كتاب المراجعات لصديقي ، وأوقفت المطالعة طيلة فترة خدمة العلم.
    وأخيراً انتهت خدمة العلم في عام تسعين ، وبعد الانتهاء من معركتنا مع ميشيل عون ، حيث لم أسافر إلى البلد مباشرة ، بسبب الفقر المدقع ، والظروف الصعبة التي يمرُّ بها أهلي ، وخاصة الظروف الماديّة ، حيث لم أتمكَّن من الذهاب إلى أهلي بعد التسريح من خدمتي الإلزاميَّة ، فاضطررت إلى المكوث في بيروت ، وأسكن مع الشباب السوريين في منطقة تسمَّى خلدة ( مشروع نائل السكني ) ، فكان هناك شباب من القرية والبلد فسكنت معهم ، وتركت مهنة


(461)
التعليم ، وكنت أجد مصلحة شاقّة وصعبة من الإعداديّة والثانويّة ، حيث كنت أسافر مع عمّي ( أبو طلال ) إلى بيروت ، وعلَّمني تجارة الإسمنت والحديد ، إذ أصبحت معلِّماً في هذا المجال ، ومكثت أكثر من شهرين بعد انتهائي من الخدمة.
    وبعد فترة من العمل أكثر من أسبوع جاءتنا عطلة ، فتوقَّفت أسبوعاً آخر عن العمل ، وكنت أقف صباحاً مع العمَّال العاطلين في هذا المشروع ; لأن هناك مكاناً يشبه المعرض كنت أقف فيه وأنتظر الساعات الطويلة ، حتى يأتيني إنسان بحاجة إلى عامل أو معلِّم حدّاد أو نجّار ، وهكذا تجري الأَيَّام والليالي ، وإذا بهذا الصديق الشيعي ( دخل الله ) يأتي إلى معرض العمَّال ، فينظر في وجوه العاملين ، فيشاهدني من بينهم ، شتان ما بين الموقفين !! موقف كنت أرتدي البزّة العسكريّة ، وموقف حاليّاً أرتدي فيه لباس العمل ، فقال صديقي الشيعي : أتشتغل معي ؟ تشغِّلني في مصلحة ( البلاط ) ؟
    فقلت له بعد فترة : نعم ، وبدأنا نشتغل أنا وصديقي الشيعي سويَّة ، وفي اليوم الثاني قال لي : لِمَ لمْ تحدِّثني ـ يا أخي ـ إلى أين وصلت في كتاب المراجعات ؟
    فقلت له : والله لم أتمكَّن من قراءته كما يجب ; لأن القراءة ـ يا صديقي ـ تحتاج إلى ذهن صاف ; لأن العلم ـ كما يقال ـ شديد الانفلات ، إذا أعطيته كلَّك أعطاك بعضه ، وإذا أعطيته نصفك لم يعطك شيئاً ، وأنا كنت مكابراً معه لوصايا علمائنا الحادّة من مجالسة الشيعي والحوار معه.
    وبدأ شبح المراجعات يطاردني من جديد ، وشبح صديقي يطاردني في كل مكان ، أفكِّر بكلمات الشيخ عندنا في المنطقة ، أفكِّر بكلمات الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر : يا بنَّي ! هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه العالم الشيعي بعد وفاة شيخ


(462)
الأزهر.
    وأحدِّث نفسي وأصارعها ، هل أنا أعقل من هذا الدكتور الذي قضى عمره في الدراسة واختصاصه في الشريعة الإسلاميّة ، ومن الجامع الأزهر العاصمة الإسلاميّة للعالم ؟

    مع الشيخ عبدالله الهرري
    وذات يوم جاء أخي إلى بيروت ليعمل في العطلة الصيفيّة ، حيث كان طالباً في الثانويّة ، فحدَّثته في الموضوع وقلت له : ما رأيك ـ يا أخي ـ تنزل معي إلى بيروت ؟
    قال لي : لماذا ؟
    قلت له : عندي بعض الأسئلة عن الشيعة ، وقلت له أيضاً بأني ذهبت فيما سبق إلى دار الفتوى منذ ستة أشهر ، والتقيت بشيخ مصري ، وأريد اليوم الذهاب إلى مسجد برج أبي حيدر ، يقال أن هناك عالماً علامة اسمه : الشيخ عبد الله الهرري ، أودُّ اللقاء معه ، وفعلا وصلنا أنا وأخي والصغير ( دحام ) إلى هذا المسجد ، والتقيت بشيخ اسمه : طارق اللحام ، وبعد أن أدَّيت فريضة صلاة المغرب خلف سماحة الشيخ اقتربت منه وصافحته ، وقلت له : تقبَّل الله أعمالكم يا شيخ.
    فردَّ عليَّ : وأنتم كذلك.
    فقلت له : شيخنا ! لديَّ بعض الأسئلة.
    فقال لي : تفضَّل ، حيث كان يتكلَّم الفصحى.
    فقلت له : ما رأيك بكتاب المراجعات عند الشيعة ؟


(463)
    فقال لي الشيخ طارق : من أين أنت ؟
    قلت له : من سوريا ، وأصلا من ريف حلب ، وأسكن حاليّاً في مدينة القامشلي.
    وإذا به يسألني : هل قرأت كتاب ( ثمَّ اهتديت ) للضالّ التونسي ؟ إذا قرأته أو موجود عندك فأحرقه !!
    قلت له : لأوَّل مرَّة أسمع باسم هذا الكتاب.
    فقال لي : مؤلِّفه خياليٌّ غير موجود ، اسمه : التيجاني السماوي ، كتبوه الشيعة باسمه على أنه سنّيٌّ وتشيَّع ، وبدأ يدعو لمذهبهم ، ونحن اتصلنا في تونس ، فقالوا لنا : هذا الاسم غير موجود.
    وأمَّا عن كتاب المراجعات أحذِّرك من قراءته ، ولا تأخذ علمك من القراءة والصحف فتسمَّى مصحفياً ; لأن هناك قواعد للقراءة ، فتضلن بك السبل ، إذا عندك فراغ احضر عندنا للدروس ; لأن العلم عندنا بالتلقّي ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان ، وقال لي : تفضَّل إلى المكتبة ، وقدَّم لي كتاباً هديَّة اسمه ( المقالات السنيّة في كشف ضلالات ابن تيمية ) للشيخ عبد الله الهرري.
    فودَّعت سماحة الشيخ طارق ، وقبلت منه الهديَّة ، وذهبت ، وبدأ يراودني الفضول للبحث عن كتاب ( ثمَّ اهتديت ) للتيجاني السماوي ، ورجعت أنا وأخي لمجمع نائل السكني حيث مقرُّنا هناك ، وبعد فترة أسبوع وإذا بصديقي الشيعي يقدِّم لى كتاب ( ثمَّ اهتديت ) هذا ما حدَّثني به سماحة الشيخ طارق وحذَّرني من قراءته ، وأنه شخص لا أصل له.
    فأخذت الكتاب وقلت لصديقي بأن هذا الشخص شخص خياليٌّ ، وإذا بالأخ دخل الله يقول لي : منذ شهر كان في بيروت ، وأنا رأيته بنفسي ، دعك ـ يا


(464)
أخي ـ من هذه الأقاويل ، أنت إنسان متعصِّب ، وتفكيرك على الطريقة التقليديّة الموروثة ، دائماً تقول لي : الشيخ عندنا قال كذا ، والشيخ قال كذا ، فكِّر بعقليَّتك لا بعقليَّة الشيخ.
    فقلت لصديقي : عفواً ، أنا وأنت نفهم أكثر من العلماء والشيوخ ؟
    فردَّ عليَّ صديقي الشيعي قائلا : أنتم السنة .. الدين عندكم عادة وليس عبادة.
    فقلت له : أفهمني كيف ؟
    قال لي : الشيوخ عندكم تصلون بهم إلى درجة القداسة ، وبعد قال الشيخ .. لم يبق مجالا إطلاقاً للنقاش والحوار معكم.
    قلت : وأنتم الشيعة كيف تتعاملون مع الشيوخ ؟
    قال : نحن نحترم الشيوخ ، ولكن على الطريقة المألوفة في الوسط الشيعي ، إذا كان هناك خطأ من العالم .. ونبَّهته إليه فإنه يتقبَّل ذلك بكل رحابة صدر.
    فقلت له : هل هذا من المعقول ؟ عندنا العالم لا يستطيع أحد مناقشته ، حتى إذا أردت أن تسأل سؤالا ولم يعجبه لا يردُّ عليه أصلا.
    مع مفتي دمشق في المسجد الأموي
    وأعطيك مثالا على ذلك : مرَّة دخلت إلى المسجد الأموي ، وقصدت مفتي دمشق في هذا المسجد ، وكان برفقتي المهندس عبد الحكيم السلوم ، لأسأله عن حديث الفرقة الناجية والخلفاء الاثني عشر من هم ؟
    فأجابني بكلمة : آسف.
    وكرَّرت السؤال ، وقال لي : آسف .. وكرَّرته ثالثاً وقال لي : آسف. بصوت


(465)
عال.
    فخرجت مخذولا .. لماذا لم يردَّ على أسئلتي ؟
    صديقي الشيعي : وهل هذا عالم ؟ العالم متواضع ، ليِّن ، لا يكون فظّاً غليظ القلب ، يردُّ على أسئلة الناس ، يجب أن يستقطب الناس من حوله .. لأنه إذا صلح العالِم صلح العالَم ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ، هؤلاء علماء الأمّة هم القدوة ، والأسوة الحسنة في المجتمع الإسلاميّ.
    ولكن نحن الشيعة عندنا مسألة مهمّة ، وهي الدليل في النقاش والحوار ، والدليل يجب أن يكون من القرآن والسنّة ، ونحن أبناء الدليل ، أينما مال نميل.
    فأجبته : هل نحن على الباطل حتى تقول لي : دليلكم القرآن والسنة ؟
    ونحن ماذا عندنا ؟ أليس القرآن والسنة ؟
    صديقي الشيعي : يا أخي ! نفترض جدلا هذا الكتاب كتاب ضلال ، لماذا لا يردُّ عليه علماؤكم السنة ؟
    قلت له : يردّون على شخصيّة خياليّة موهومة ، مع الأسف عليك أيُّها الصديق ، إذا إنه إنسان خياليٌّ غير موجود فكيف يردُّون عليه ؟
    صديقي الشيعي : سؤال ، نفترض أن التيجاني شخصيّة خياليّة وهميّة غير موجودة ، فهل الأدلّة الموجودة في كتابه أيضاً خياليّة موهومة وغير موجودة ؟ أجبني على ذلك.
    فأحرجت أمامه ; لأني لا أعرف مضمون كتاب ( ثم اهتديت ) ، ومن ثمَّ حذَّرني منه الشيخ طارق وقال لي : احرقه ، فوقعت بين نارين ، بين إحراج الصديق الشيعي : لماذا لا يردُّ عليه علماؤكم ؟ وبين تحذيرات الشيخ طارق : إيَّاك أن تقرأه ، فأحرقه ! يا إلهي ! خلِّصني من هذا المأزق الشديد ، الله أكبر !
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس