مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 721 ـ 735
(721)
     زيد بن صوحان وعائشة
    لمَّا نزل عليٌّ ( عليه السلام ) بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي : من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان ; أمَّا بعد : فأقم في بيتك ، وخذِّل الناس عن عليٍّ ، وليبلغني عنك ما أحبُّ ; فإنك أوثق أهلي عندي ، والسلام.
    فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلى عائشه بنت أبي بكر ; أمَّا بعد : فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر ; أمرك أن تقري في بيتك ، وأمرنا أن نجاهد ، وقد أتاني كتابك ، فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله ، فأكون قد صنعتُ ما أمرك الله به ، وصنعت ما أمرني الله به ، فأمرك عندي غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسلام (1).

     معاوية مع ابن أحور التميمي
    عن أبي إسحاق قال : جاء ابن أحور التميمي إلى معاوية فقال : يا أميرالمؤمنين ! جئتك من عند ألأم الناس ، وأبخل الناس ، وأعيى الناس ، وأجبن الناس.
    فقال : ويلك ! وأنّى أتاه اللؤم ؟! ولكنَّا نتحدَّث أن لو كان لعليٍّ بيت من تبن وآخر من تبر لأنفد التبر قبل التبن ، وأنّى أتاه العىُّ ؟! وإن كنا لنتحدَّث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي ، ويلك ! وأنّى أتاه
1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 1/226 ـ 227.

(722)
الجبن وما برز له رجل قطّ إلاَّ صرعه ؟! والله يا ابن أحور ! لو لا أن الحرب خدعة لضربت عنقك ، اخرج فلا تقيمن في بلدي.
    قال عطاء : وإن كان يقاتله فإنه كان يعرف فضله (1).

     معاوية مع أبي الأسود الدؤلي في قصّة الحكمين
    روى ابن عبد ربِّه الأندلسي ، قال : لمَّا قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة قال له معاوية : بلغني ـ يا أبا الأسود ـ أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين ، فما كنت تحكم به ؟
    قال : لو جعلني أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين وأبناء المهاجرين ، وألفاً من الأنصار وأبناء الأنصار ، ثمَّ ناشدتهم الله : المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء ؟ (2).
    قال له معاوية : لله أبوك ، أيَّ حكم كنت تكون لو حكمت (3).

     معاوية مع رجل يسأله فيرشده إلى أميرالمؤمنين ( عليه السلام )
    عن قيس بن أبي حازم قال : سأل رجل معاوية عن مسألة ، فقال : سل
1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/414 ـ 415.
2 ـ ومما قاله ابن عباس في كتابه لمعاوية في كلام بينهما في الخلافة : وما أنت وذكر الخلافة يا معاوية ؟ وإنما أنت طليق وابن طليق ، والخلافة للمهاجرين الأولين ، وليس الطلقاء منها في شيء والسلام. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 8/66 وجاء في رواية ابن قتيبة : فما أنت والخلافة ؟ وأنت طليق الإسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر. راجع : الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/134.
3 ـ العقد الفريد ، ابن عبد ربِّه الأندلسي : 4/349.


(723)
عنها علي بن أبي طالب ، فهو أعلم مني ؟
    قال : قولك ـ يا أميرالمؤمنين ـ أحبُّ إليَّ من قول علي.
    قال : بئس ما قلت ، ولؤم ما جئت به ، لقد كرهتَ رجلا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يغرُّه بالعلم غرّاً ، ولقد قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي (1).
    وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه ، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال : ها هنا علي بن أبي طالب.
    ثمَّ قال للرجل : قم لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمه من الديوان (2).
وَمَنَاقِب شَهِدَ العَدُوُّ بِفَضْلِهَا وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاءُ

     معاوية مع محفن بن أبي محفن
    قال ابن أبي الحديد : قال عدوُّه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبّي لمَّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال : ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس ؟! لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه (3).
    ولمَّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيى الناس.
1 ـ تقدَّمت تخريجاته.
2 ـ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/170 ـ 171 ، ذخائر العقبى ، محب الدين الطبري : 79 ، الرياض النضرة ، محب الدين الطبري : 2/195 ، نظم درر السمطين ، الزرندي : 134 ، فيض القدير ، المناوي : 3/61.
3 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 1/22.


(724)
    قال له : ويحك ! كيف يكون أعيى الناس ؟! فو الله ما سنَّ الفصاحة لقريش غيره (1) (2).

     عدي ومعاوية
    قال معاوية لعديِّ بن حاتم : ما فعلت الطرفات يا أبا طريف ؟
    قال : قُتلوا !
    قال : ما أنصفك ابن أبي طالب ; إذ قتل بنوك معه وبقي له بنوه.
    قال : لئن كان ذلك لقد قتل هو وبقيت أنا بعده.
    قال له معاوية : ألم تزعم أنَّه لا يخنق في قتل عثمان عنز ؟ قد والله خنق فيه التيس الأكبر.
    ثمَّ قال معاوية : أما إنه قد بقيت من دمه قطرة ولابد أن أتبعها.
    قال عدي : لا أبا لك ! شم السيف ، فإن سلَّ السيف يسلُّ السيف.
    فالتفت معاوية إلى حبيب بن مسلمة ، فقال : اجعلها في كتابك فإنها حكمة (3).
    وقال المسعودي : وذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية ، فقال له معاوية : ما فعلت الطرفات يعني أولاده.
1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 1/24 ـ 25.
2 ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجارى في الفصاحة ، ولا يبارى في البلاغة ، وحسبك أنه لم يدوَّن لأحد من فصحاء الصحابة العشر ، ولا نصف العشر مما دوِّن له ، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه ( نفس المصدر السابق : 25 ).
3 ـ العقد الفريد ، ابن عبد ربِّه الأندلسي : 1/28 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 40/95 ـ 96.


(725)
    قال : قتلوا مع عليٍّ !
    قال : ما أنصفك عليٌّ ، قتل أولادك وبقي أولاده.
    فقال عدي : ما أنصفت علياً إذ قتل وبقيت بعده.
    فقال معاوية : أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ، ما يمحوها إلاَّ دم شريف من أشراف اليمن.
    فقال عدي : والله ! إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا ، وإن أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فتراً لندنيّن إليك من الشرِّ شبراً ، وإن حزَّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي ، فسلِّم السيف ـ يا معاوية ـ لباعث السيف.
    فقال معاوية : هذه كلمات حكم فاكتبوها (1).
    وفي رواية البيهقي ، قال : إن عدي بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : يا عدي ! أين الطرفات ؟ يعني بنيه : طريفاً وطارفاً وطرفة.
    قال : قتلوا يوم صفين بين يدي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
    فقال : ما أنصفك ابن أبي طالب ; إذ قدَّم بنيك وأخَّر بنيه.
    قال : بل ما أنصفت أنا عليّاً إذ قتل وبقيت.
    قال : صف لي عليّاً.
    فقال : إن رأيت أن تعفيني.
    قال : لا أعفيك.
    قال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلا ، ويحكم فصلا ،
1 ـ مروج الذهب ، المسعودي : 3/13.

(726)
تتفجَّر الحكمة من جوانبه ، والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ، ويقلِّب كفّيه على ما مضى ، يعجبه من اللباس القصير ، ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلِّمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسَّم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يعظِّم أهل الدين ، ويتحبَّب إلى المساكين ، لا يخاف القويّ ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه ، وأرخى الليل سرباله ، وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته ، وهو يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا ! إليَّ تعرَّضت ؟ أم إليَّ أقبلت ؟ غرِّي غيري ، لا حان حينك ، قد طلَّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعيشك حقير ، وخطرك يسير ، آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، وقلّة الأنيس.
    قال : فوكفت عينا معاوية ، وجعل ينشِّفها بكمِّه ، ثمَّ قال : يرحم الله أبا الحسن ، كان كذلك ، فكيف صبرك عنه ؟
    قال : كصبر من ذبح ولدها في حجرها ، فهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تسكن عبرتها.
    قال : فكيف ذكرك له ؟
    قال : : وهل يتركني الدهر أن أنساه (1).
1 ـ المحاسن والمساوئ ، البيهقي : 46 ـ 47.

(727)
     عدي بن حاتم مع عبدالله بن الزبير
    عن أحمد بن إبراهيم الغساني قال : حدَّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدِّه قال : استأذن عدي بن حاتم على معاوية وعنده عبد الله بن الزبير ، فقال له عبدالله : بلغني ـ يا أميرالمؤمنين ـ أن عند هذا الأعور جواباً ، فلو شئت هجته.
    فقال : أمَّا أنا فلا أفعل ، ولكن دونكاه إن بدا لك.
    فلمَّا دخل عدي قال له عبد الله بن الزبير : في أيِّ يوم فقئت عينك يا أبا طريف ؟
    فقال له : في اليوم الذي قتل فيه أبوك ، وكشفت فيه إستك ، ولطم فيه على قفاك وأنت منهزم ، يعني ابن الزبير ... وفي رواية : فضحك معاوية (1).

     قنبر والحجاج
    روى العياشي عن أبي الحسن علي بن محمّد الهادي ( عليه السلام ) أن قنبر مولى أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) دخل على الحجاج بن يوسف ، فقال له : ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟
    قال : كنت أوضّيه.
    فقال له : ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟
    قال : كان يتلو هذه الآية : ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ
1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 40/95 ـ 96.

(728)
وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1).
    فقال الحجاج : كان يتأوَّلها علينا ؟
    فقال : نعم.
    فقال : ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك ؟ (2)
    قال : إذن اُسعد وتُشقى ، فأمر به فقتله (3).

     شهر ابن حوشب والحجاج
    روى القمي عليه الرحمة ، قال : حدَّثني أبي ، عن القاسم بن محمّد بن سليمان بن داود المنقري ، عن أبي حمزة ، عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجاج : بأن آية في كتاب الله قد أعيتني ؟
    فقلت : أيُّها الأمير ! أيَّة آية هي ؟
    فقال قوله : ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) (4) ، والله إني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ، ثمَّ أرمقه بعيني فما أراه يحرِّك شفتيه حتى يخمد ، فقلت : أصلح الله الأمير ، ليس على ما تأوَّلت.
    قال : كيف هو ؟
    قلت : إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ
1 ـ سورة الأنعام ، الآية : 44 ـ 45.
2 ـ العلاوة ـ بالكسر ـ أعلى الرأس ، وقيل : أعلى العنق.
3 ـ تفسير العياشي : 1/359 ح 22 ، اختيار معرفة الرجال ، الطوسي : 1/289 ـ 290 ح 130 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 42/135 ـ 136 ح 16.
4 ـ سورة النساء ، الآية : 159.


(729)
ولا نصرانيّ إلاَّ آمن به قبل موته ، ويصلّي خلف المهدي ( عليه السلام ).
    قال : ويحك ! أنَّى لك هذا ؟ ومن أين جئت به ؟
    فقلت : حدثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ).
    فقال : جئت بها والله من عين صافية (1).

     عمر بن عبد العزيز مع معلِّمه ومع أبيه
    قال عمر بن عبد العزيز : كنت غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة ابن مسعود ، فمرَّ بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان ، ونحن نلعن عليّاً ، فكره ذلك ودخل المسجد ، فتركت الصبيان ، وجئت إليه لأدرس عليه وردي ، فلمَّا رآني قام فصلَّى ، وأطال في الصلاة شبه المعرض عنّي حتى أحسست منه بذلك ، فلمَّا انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ ؟
    فقال لي : يا بنيّ ! أنت اللاعن عليّاً منذ اليوم ؟
    قلت : نعم.
    قال : فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟!
    فقلت : يا أبت ! وهل كان عليٌّ من أهل بدر ؟
    فقال : ويحك ! وهل كانت بدر كلّها إلاَّ له ؟!
    فقلت : لا أعود.
    فقال : الله أنك لا تعود ؟
1 ـ تفسير القمي : 1/158 ، التبيان ، الطوسي : 3/386 ، تفسير مجمع البيان ، الطبرسي : 3/236 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 9/195 ح 45.

(730)
    قلت : نعم ، فلم ألعنه بعدها.
    ثمَّ كنت أحضر تحت منبر المدينة ، وأبي يخطب يوم الجمعة ـ وهو حينئذ أمير المدينة ـ فكنت أسمع أبي يمرُّ في خطبه تهدر شقاشقه ، حتى يأتي إلى لعن علي ( عليه السلام ) فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوماً : يا أبت ! أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عيّياً ؟!
    فقال : يا بنيَّ ! إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم ، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد.
    فوقرت كلمته في صدري ، مع ما كان قاله لي معلِّمي أيام صغري ، فأعطيت الله عهداً ، لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيِّرنّه ، فلمَّا منَّ الله عليَّ بالخلافة أسقطت ذلك ، وجعلت مكانه : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (1) ، وكتب به إلى الآفاق فصار سنَّة.
    وقال كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه السبّ :
وَلَيْتَ فَلَمْ تَشْتم عليّاً وَلَمْ تُخِف وَكَفَّرْتَ بِالعَفْوِ الذُنُوبَ مَعَ الَّذِي بَريّاً وَلَمْ تَقْبَلْ إِسَاءَةَ مُجرِم أَتَيْتَ فَأَضْحَى رَاضِياً كُلُّ مُسْلِمِ (2)

     عامر بن عبدالله بن الزبير وابنه
    روى ابن وهب ، عن حفص بن ميسرة ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه
1 ـ سورة النحل ، الآية : 90.
2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/58.


(731)
سمع ابناً له يتنقَّص عليّاً ، فقال : يا بنيَّ ! إياك والعودة إلى ذلك ، فإن بني مروان شتموه ستين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلاَّ رفعة ، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا ، وإن الدنيا لم تبنِ شيئاً إلاَّ عادت على ما بنت فهدمته (1).
    وفي رواية الثقفي ، قال : حدَّثنا ابن أبي سيف ، قال : قال ابن لعامر ابن عبد الله بن الزبير لولده : لا تذكر ـ يا بنيَّ ـ عليّاً إلاَّ بخير ، فإن بني أمية لعنوه على منابرهم ثمانين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلاَّ رفعة ، إن الدنيا لم تبنِ شيئاً قط إلاَّ رجعت على ما بنت فهدمته ، وإن الدين لم يبنِ شيئاً قط وهدمه (2).
    وقال بعضهم في ذلك :
لَعَنَتْهُ بِالشَّام سِبعينَ عاماً لَعَنَ اللهُ كَهْلَها وَفَتَاهَا
    وفي رواية ابن عبد ربِّه الأندلسي : قال الرياشي : انتقص ابن حمزة ابن عبد الله بن الزبير عليّاً ( عليه السلام ) ، فقال له أبوه : يا بنيّ ! إنه والله ما بنت الدنيا شيئاً إلاَّ هدمه الدين ، وما بنى الدين شيئاً فهدمته الدنيا ، أما ترى عليّاً وما يظهر بعض الناس من بغضه ولعنه على المنابر ، فكأنما والله يأخذون بناصيته رفعاً إلى السماء !! وما ترى بني مروان وما يندبون به موتاهم من المدح بين الناس ، فكأنما يكشفون عن الجيف !! (3).
1 ـ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ، البري : 94 ـ 95 ، المحاسن والمساوئ ، البيهقي : 40 ، في مساوئ من عادى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وفي ط دار إحياء العلوم ببيروت : ص 77.
2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/221.
3 ـ العقد الفريد ، ابن عبد ربِّه الأندلسي : 3/278 ط الثانية بمصر ، في أوائل فضائل علي ( عليه السلام ) من كتاب اليتيمة الثانية ، البيان والتبيين ، الجاحظ : 2/173.


(732)
     أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي (1) وابنه
    وروى العلامة الحلي عليه الرحمة ، قال : كان لأبي دلف ولد ، فتحادث أصحابه في حبِّ علي ( عليه السلام ) وبغضه ، فروى بعضهم عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : يا عليُّ ! ما يحبُّك إلاَّ مؤمن تقيٌّ ، ولا يبغضك إلاَّ منافق شقيٌّ ولد زنية أو حيضة.
    فقال ولد أبي دلف : ما تقولون في الأمير ؟ هل يؤتى في أهله ؟
    فقالوا : لا.
    فقال : والله إني أشدُّ الناس بغضاً لعلي بن أبي طالب.
    فخرج أبوه وهم في التشاجر فقال : ما تقولون ؟
    فقالوا : كذا وكذا ، وحكوا كلام ولده.
    فقال : والله إن هذا الخبر لحقٌّ ، والله إنّه لولد زنية وحيضة معاً ، إني كنت مريضاً في دار أخي في حمَّى ثلاث ، فدخلت عليَّ جاريته لقضاء حاجة ، فدعتني نفسي إليها ، فأبت وقالت : إني حائض ، فكابرتها على نفسها فوطأتها فحملت بهذا الولد ، فهو لزنية وحيضة معاً (2).
    وجاء في رواية المسعودي ، قال : إن دلفاً كان ينتقص علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ويضع منه ومن شيعته ، وينسبهم إلى الجهل ، وإنه قال يوماً ـ وهو في مجلس أبيه ، ولم يكن أبوه حاضراً ـ : يزعمون أن لا ينتقص علياً أحد إلاَّ لغير رشده ، وأنتم تعلمون غيرة الأمير ، وأنا أبغض علياً.
1 ـ توفي سنة 225 هـ.
2 ـ كشف اليقين ، العلامة الحلي : 482.


(733)
    قال : فما كان بأوشك من أن خرج أبو دلف ، فلمَّا رأيناه قمنا له ، فقال : قد سمعت ما قاله دلف ، والحديث لا يكذب ، والخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلق ، هو والله لزنية وحيضة ! وذلك أني كنت عليلا فبعثت إليَّ أختي جارية لها كنت بها معجباً ، فلم أتمالك أن وقعت عليها ، وكانت حائضاً ، فعلقت به ، فلمَّا ظهر حملها وهبتها لي.
    فبلغ من عداوة دلف هذا لأبيه ونصبه ومخالفته له ـ لأنَّ الغالب على أبيه التشيُّع والميل إلى علي ( عليه السلام ) ـ أن شنَّع عليه بعد وفاته ... (1).
    وقال ابن كثير في أبي دلف : وكان فيه تشيُّع ، وكان يقول : من لم يكن متغالياً في التشيُّع فهو ولد زنا ، فقال له ابنه دلف : لست على مذهبك يا أبة ، فقال : والله لقد وطأت أمَّك قبل أن أشتريها ، فهذا من ذاك (2).

     هشام بن الحكم مع أبي عبيدة المعتزلي
    قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم : الدليل على صحّة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا وقلّتكم ، مع كثرة أولاد علي ( عليه السلام ) وادّعائهم.
    فقال هشام : لست إيانا أردت بهذا القول ، انما أردت الطعن على نوح ، حيث لبث في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً ، يدعوهم إلى النجاة ليلا ونهاراً ، وما آمن معه إلاَّ قليل (3).
1 ـ مروج الذهب ، المسعودي : 4/62.
2 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 10/323.
3 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 1/236.


(734)
     مؤمن الطاق مع بعض النواصب
    قال بعض النواصب لصاحب الطاق : كان عليٌّ يسلِّم على الشيخين بإمرة المؤمنين ، أفصدق أم كذب ؟
    قال : أخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود ، فقال أحدهما : ( إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ) (1) كذب أم صدق ؟
    فانقطع (2).

     شريك ورجل
    قال رجل لشريك : أليس قول علي لابنه الحسين يوم الجمل : يا بنيَّ ! يودُّ أبوك أنه مات قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، يدلُّ على أن في الأمر شيئاً ؟
    فقال شريك : ليس كل حق يُشتهى أن يتعب فيه ، قد قالت مريم في حق لا يُشك فيه : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ) (3) (4).

     نصر بن علي والمتوكل
    عن نصر بن علي ، عن علي بن جعفر بن محمّد بن علي بن حسين بن علي ، حدَّثني أخي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه علي بن
1 ـ سورة ص ، الآية : 23.
2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 1/235.
3 ـ سورة مريم ، الآية : 23.
4 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 1/237.


(735)
الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذ بيد حسن وحسين قال : من أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمَّهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
    قال أبو عبد الرحمن عبدالله : لمَّا حدَّث بهذا الحديث نصر بن علي (1) أمر المتوكِّل بضربه ألف سوط ، وكلَّمه جعفر بن عبد الواحد ، وجعل يقول له : هذا الرجل من أهل السنّة ، ولم يزل به حتى تركه (2).

     ابن السكيت والمتوكِّل
    يروى أن المتوكِّل نظر إلى ابنيه المعتزّ والمؤيَّد ، فقال لابن السكّيت (3) : من أحبُّ إليك : هما ، أو الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ؟
1 ـ قال الحسين بن إدريس الأنصاري : سئل محمّد بن علي النيسابوري عن نصر بن علي ، فقال : حجّة ، وقال عبدالله بن أحمد : سألت أبي عنه فقال : ما به بأس ورضيته ، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن نصر بن علي وأبي حفص الصيرفي فقال : نصر أحبُّ إليَّ وأوثق وأحفظ من أبي حفص ، قلت : فما تقول في نصر ؟ قال : ثقة ، وقال النسائي وابن خراش : ثقة ، وقال عبيد الله بن محمّد الفرهياني : نصر عندي من نبلاء الناس.
    قال ابن حجر : قال البخاري : مات في ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين ، وفيها أرَّخه غير واحد ، وقيل : مات سنة إحدى وخمسين ، قلت : هو قول ابن جرير فيما حكاه مسلمة بن قاسم ، وقال : هو ثقة عندهم جميعاً.
    راجع : تهذيب الكمال ، المزي : 29/360 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 10/384 ـ 385.
2 ـ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 13/289 ، تهذيب الكمال ، المزي : 12/359 ـ 360 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 12/135 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 10/384 ، وفيات الأعيان ، ابن خلكان : 6/397 ـ 398.
3 ـ ويقال : إنَّ ابن السكيت كان من خاصّة الإمام محمّد الجواد والإمام علي الهادي ( عليهما السلام ) ، ومن محبّي الإمام علي أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ). راجع : ترتيب إصلاح المنطق ، ابن السكيت الأهوازي : 6.
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس