الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد
وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير
المغضوب عليهم ولا الضالين *


( 55 )

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة ـ وإهداء

هذه صحف لم تكتب اليوم ، وفكر لم تولد حديثا ، وإنما هي صحف انتظمت منذ زمن يربو على ربع قرن ، وكادت يومئذ أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث كانت حواجز قوية عرقلت خطاها ، فاضطرتها إلى أن تكمن وتكن ، فتريثت تلتمس من غفلات الدهر فرصة تستجمع فيها ما تشتت من أطرافها ، وتستكمل ما نقص من اعطافها ، فان الحوادث كما أخرت طبعها ، مست وضعها .
أما فكرة الكتاب فقد سبقت مراجعات سبقا بعيدا ، إذ كانت تلتمع في صدري منذ شرخ الشباب ، التماع البرق في طيات السحاب ، وتغلي في دمي غليان الغيرة ، تتطلع إلى سبيل سوي يوقف المسلمين على حد يقطع دابر الشغب بينهم ، ويكشف هذه الغشاوة عن أبصارهم لينظروا إلى الحياة من ناحيتها الجدية ، راجعين إلى الاصل الديني المفروض عليهم ، ثم يسيروا معتصمين بحبل الله جميعا ، تحت لواء الحق إلى العلم والعمل ، إخوة بررة يشد بعضهم أزر بعض .
لكن مشهد هؤلاء الاخوة المتصلين بمبدأ واحد ، وعقيدة واحدة ، كان ـ واأسفاه ـ مشهد خصومة عنيفة ، تغلو في الجدال ، غلو الجهال ، حتى


( 56 )

كأن التجالد في مناهج البحث العلمي من آداب المناظرة ، أو انه من قواطع الادلة ! ذلك ما يثير الحفيظة ، ويدعو إلى التفكير ، وذلك ما يبعث الهم والغم والاسف فما الحيلة ؟ وكيف العمل ؟ هذه ظروف ملمة في مئين من السنين ، وهذه مصائب محدقة بنا من الامام والوراء ، وعن الشمال وعن اليمين ، وذاك قلم يلتوي به العقم أحيانا ، وتجور به الاطماع أحيانا أخرى ، وتدور به الحزبية تارة ، وتسخره العاطفة تارة أخرى ، وبين هذا وذاك ما يوجب الارتباك فما العمل ؟ وكيف الحيلة ؟
ضقت ذرعا بهذا ، وامتلأت بحمله هما ، فهبطت مصر أواخر سنة 1329 مؤملا في « نيله » نيل الامنية التي أنشدها وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما أريد ومتصل بالذي أداور معه الرأي ، وأتداول معه النصيحة ، فيسدد الله بأيدينا من « الكنانة » سهما نصيب به الغرض ، ونعالج هذا الداء الملح على شمل المسلمين بالتمزيق ، وعلى جماعتهم بالتفريق ، وقد كان ـ والحمد الله ـ الذي أملت ، فإن مصر بلد ينبت العلم ، فينمو به على الاخلاص والاذعان للحقيقة الثابتة بقوة الدليل ؛ وتلك ميزة لمصر فوق مميزاتها التي استقلت بها .
وهناك على نعمى الحال ، ورخاء البال ، وابتهاج النفس ، جمعني الحظ السعيد بعلم من أعلامها المبرزين ، بعقل واسع ، وخلق وادع ، وفؤاد حي ، وعلم عيلم ومنزل رفيع ، يتبوأه بزعامته الدينية ، بحق وأهلية .
وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الروح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الانيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان الناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي اليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه .


( 57 )

كذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكرا لا انقضاء له ولا حد .
شكوت اليه وجدي ، وشكاً إلي مثل ذلك وجدا وضيقا ، وكانت ساعة موفقة أوحت الينا التفكير فيما يجمع الله به الكلمة ، ويلم به شعث الامة ، فكان مما اتفقنا عليه أن الطائفتين ـ الشيعة والسنة ـ مسلمون يدينون حقا بدين الاسلام الحنيف ، فهم فيما جاء الرسول به سواء ، ولا اختلاف بينهم في أصل أساسي يفسد التلبس بالمبدأ الاسلامي الشريف ، ولا نزاع بينهم إلا ما يكون بين المجتهدين في بعض الاحكام لاختلافهم فيما يستنبطونه من الكتاب أو السنة ، أو الاجماع أو الدليل الرابع ، وذلك لا يقضي بهذه الشقة السحيقة ، ولا بتجشم هذه المهاوي العميقة، إذن أي داع أثار هذه الخصومة المتطاير شررها منذ كان هذان الاسمان ـ سنة وشيعة ـ إلى آخر الدوران .
ونحن لو محصنا التاريخ الاسلامي ، وتبينا ما نشأ فيه من عقائد وآراء ونظريات ، لعرفنا أن السبب الموجب لهذا الاختلاف إنما هو ثورة لعقيدة ، ودفاع عن نظرية أو تحزب لرأي ، وإن أعظم خلاف وقع بين الامة ، اختلافهم في الامامة فإنه ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الامامة ، فأمر الامامة إذن من أكبر الاسباب المباشرة لهذا الاختلاف ، وقد طبعت الاجيال المختلفة في الامامة على حب هذه العصبية ، وألفت هذه الحزبية ، بدون تدبر وبدون روية ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الاخرى نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم ، لحصحص الحق ، وظهر الصبح لذي عينين .
وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة بالنظر في أدلة الطائفتين ، فنفهمهما فهما صحيحا ، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب من المحيط


( 58 )

والعادة والتقليد بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات ، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته ، فنلمسها لمسا ، فلعل ذلك يلفت أذهان المسلمين ، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم ، بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق فيكون حدا ينتهى اليه إن شاء الله تعالى .
لذلك قررنا أن يتقدم هو بالسؤال خطا عما يريد ، فأقدم له الجواب بخطي على الشروط الصحيحة ، مؤيدا بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين .
وجرت بتوفيق الله عزوجل على هذا مراجعاتنا كلها ، وكنا أردنا يومئذ طبعها لنتمتع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عزوجل ، ولكن الايام الجائرة ، والاقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك ؛ « ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي » .
وأنا لا أدعي أن هذه الصحف صحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا ، ولا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي ، فان الحوادث التي أخرت طبعها فرقت وضعها أيضا ـ كما قلنا ـ غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها مع زيادات اقتضتها الحال ، ودعا اليها النصح والارشاد ، وربما جر اليها السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتفاق .
وإني لارجو اليوم ما رجوته أمس : أن يحدث هذا الكتاب إصلاحا وخيرا ، فإن وفق إلى عناية المسلمين به ، واقبالهم عليه فذلك من فضل ربي ، وذلك ارجا ما أرجوه من عملي ، إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .


( 59 )

وإني لاهدي كتابي هذا إلى أولي الالباب من كل علامة محقق ، وبحاثة مدقق ، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها ؛ ومن كل حافظ محدث جهبذ حجة في السنن والآثار ، وكل فيلسوف متضلع في علم الكلام ، وكل شاب حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الاغلال ممن نؤملهم للحياة الجديدة الحرة ، فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه فائدة في انفسهم ، فإني على خير وسعادة .
وقد جهدت في إخراج هذا الكتاب ، بنحت الجواب فيه على النحو الاكمل من كل الجهات ، وقصدت به إلهام المنصفين فكرته وذوقه ، بدليل لا يترك خليجة ، وبرهان لا يدع وليجة ، وعنيت بالسنن الصحيحة والنصوص الصريحة ، عناية أغنى بها هذا الكتاب عن مكتبة حافلة مؤثلة بأنفس كتب الكلام والحديث والسير ونحوها مما يتصل بهذا الموضوع الخطير ، بفلسفة معتدلة كل الاعتدال ، صادقة كل الصدق ، وباساليب تفرض على من ألم به أن يسيروا خلفه وهم ـ أعني منصفيهم ـ له تابعون ، من أوله إلى الفقرة الاخيرة منه ، فان ظفر كتابي بالقراء المنصفين فذلك ما أبتغيه ، وأحمد الله عليه .
أما أنا فمستريح والحمد لله إلى هذا الكتاب ، راض عن حياتي بعده ، فانه عمل كما أعتقد يجب أن ينسيني ما سئمت من تكاليف الحياة الشاقة ، وهموم الدهر الفاقرة ، وكيد العدو الذي لا اشكوه إلا إلى الله تعالى ، وحسبه الله حاكما ، ومحمد خصيما ، ودع عنك نهبا صيح في حجراته ، إلى ما كان من محن متدفقة كالسيل الآتي من كل جانب ، محفوفة بالبلاء ، مقرونة بالضيق والاكفهرار، إلا أن حياتي الخالدة بهذا الكتاب حياة رحمة في الدنيا والآخرة ، ترضى بها نفسي ، ويستريح اليها ضميري ، فأرجو من الله سبحانه


( 60 )

أن يتقبل عملي ، ويتجاوز عن خطأي وزللي ، ويجعل أجري عليه نفع المؤمنين وهدايتهم به ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) .

( منه قدس )


( 61 )

المراجعة 1 6 ذي القعدة سنة 1329


1ـ تحية المناظر
2ـ استئذانه في المناظرة

1 ـ سلام على الشريف العلامة الشيخ ( 1 ) عبدالحسين شرف الدين الموسوي ورحمة الله وبركاته .
إني لم أتعرف فيما مضى من أيامي دخائل الشيعة ، ولم أبل أخلاقهم ، إذ لم أجالس آحادهم ، ولم أستبطن سوادهم . وكنت متلعلعا إلى محاضرة أعلامهم ، حران الحوانح إلى تخلل عوامهم ، بحثا عن آرائهم ، وتنقيبا عن أهوائهم ، فلما قدر الله وقوفي على ساحل عيلمك المحيط ، وأرشفتني ثغر كأسك المعين ، شفى الله بسائغ فراتك أوامي ، ونضح عطشي ، وألية بمدينة علم الله ـ جدك المصطفى ـ وبابها ـ أبيك المرتضى ـ إني لم أذق شربة أنقع لغليل ، ولا أنجع لعليل ، من سلسال منهلك السلسبيل ، وكنت أسمع أن من رأيكم ـ معشر الشيعة ـ مجانبة اخوانك ـ أهل


(1) السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي المتولد 1290 هـ والمتوفى يوم الاثنين 8 جمادي الثانية 1377 هـ الموافق 30 كانون الاول 1957 م ودفن بجوار جده أميرالمؤمنين ( ع ) في النجف الاشرف .


( 62 )

السنة ـ وانقباضكم عنهم ، وأنكم تأنسون بالوحشة وتخلدون إلى العزلة ، وأنكم . وأنكم ( 2 ) . لكني رأيت منك شخصا رقيق المنافثة ، دقيق المباحثة ، شهي المجاملة ، قوي المجادلة ، لطيف المفاكهة ، شريف المعاركة ، مشكور الملابسة ، مبرور المنافسة ، فاذا الشيعي ريحانة الجليس ، ومنية كل أديب .
2 ـ وإني لواقف على ساحل بحرك اللجي ، أستأذنك في في خوض عبابه والغوص على درره ، فان أذنت غصنا على دقائق وغوامض تحوك في صدري منذ أمد بعيد ، وإلا فالامر اليك ، وما أنا فيما أرفعه بباحث عن عثرة ، أو متتبع عورة ، ولا بمفند أو مندد ، وإنما أنا نشاد ضالة ، وبحاث عن حقيقة ، فان تبين الحق ، فان الحق أحق أن يتبع وإلا فانا كما قال القائل :

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ * ـدك راض والرأي مختلف

وسأقتصر ـ إن أذنت ـ في مراجعتي إياك على مبحثين ، أحدهما في إمامة المذهب أصولا وفروعا وثانيهما في الامامة العامة ، وهي الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وسيكون توقيعي في أسفل مراجعاتي كلها ( س ) فليكن توقيعك ( ش ) (1) وأسلفك رجاء العفو عن كل هفو والسلام .
س

____________
(1) بسم الله الرحمن الرحيم لم يكتف بالاستئذان حتى بين فيه المواضع اذي ستدور عليه رحى البحث بيننا ، وهذا من كماله وآدابه في المناظرة ، ولا يخفى لطف الرمزين ( س . و . ش ) ومناسبتهما ، فإن السين إشارة إلى اسمه سليم وكونه سنياً ، والشين إشارة إلى ( شرف الدين ) وكوني شيعياً ـ ( منه قدس ) .
( 2 ) التهم التي ألصقت بالشيعة مع أجوبتها . راجع :
=


( 63 )

المراجعة 2 6 ذي القعدة سنة 1329


1ـ رد التحية
2 ـ الاذن في المناظرة

1 ـ السلام على مولانا شيخ الاسلام ( 3 ) ورحمة الله وبركاته .
خولتني بكتابك العطوف من النعم ، وأوليتني به من المنن ما يعجز عن أداء حقه لسان الشكر ، ولا يستوفي بعض فرائضه عمر الدهر .
رميتني بآمالك ونزعت إلي برجائك ، وأنت قبلة الراجي ، وعصمة اللاجي ، وقد ركبت من سوريا اليك ظهور الآمال ، وحططت بفنائك ما شددت من الرحال ، منتجعا علمك ، مستمطرا فضلك ، وسأنقلب عنك حي الرجاء ، قوي الامل ، إلا أن يشاء الله تعالى .
2 ـ استأذنت في الكلام ـ ولك الامر والنهي ـ فسل عما أردت ، وقل ما شئت ، ولك الفضل ، بقولك الفصل ، وحكمك العدل وعليك السلام .
ش

=
كتاب الغدير في الكتاب والسنة والادب للعلامة المغفور له الشيخ عبدالحسين الاميني ج 3 ص 78 ـ 338 ط 3 بيروت ، كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة للشيخ أسد حيدر ج 5 ص 77 ـ 165 وج 6 ص 371 ـ 435 ط 2 في بيروت .
( 3 ) هو الشيخ الجليل العلامة سليم البشري المصري شيخ جامع الازهر المولود سنة 1248 هـ والمتوفى 1335 هـ .

( 64 )


( 65 )

المبحث الاول
في إمامة المذهب

المراجعة 3 7 ذي القعدة سنة 1329


1 ـ لم لا تأخذ الشيعة بمذاهب الجمهور
2 ـ الحاجة إلى الاجتماع
3 ـ لا يلم الشعث إلا بمذاهب الجمهور

1 ـ إنما اسألك الآن عن السبب في عدم أخذكم بمذاهب الجمهور من المسلمين ، أعني مذهب الاشعري في أصول الدين ، والمذاهب الاربعة في الفروع ، وقد دان بها السلف الصالح ، ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها ، واتفقوا على التعبد بها في كل عصر ومصر ، واجمعوا على عدالة أربابها واجتهادهم ، وأمانتهم وورعهم وزهدهم ونزاهة اعراضهم ، وعفة نفوسهم ، وحسن سيرتهم ، وعلو قدرهم علما وعملا .
2 ـ وما أشد حاجتنا اليوم إلى وصل حبل الشمل ، ونظم عقد الاجتماع بأخذكم بتلك المذاهب تبعا للرأي العام الاسلامي ، وقد عقد أعداء الدين


( 66 )

ضمائرهم على الغدر بنا وسلكوا في نكايتنا كل طريق ، أيقظوا لذلك آراء‌هم ، وأسهروا قلوبهم ، والمسلمون غافلون ، كأنهم في غمرة ساهون ، وقد أعانوهم على أنفسهم ، حيث صدعوا شعبهم ، ومزقوا بالتحزب والتعصب شملهم ، فذهبوا أيادي ، وتفرقوا قددا ، يضلل بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض ، وبهذا ونحوه افترستنا الذئاب ، وطمعت بنا الكلاب .
3 ـ فهل تجدون غير الذي قلناه ـ هداكم الله ـ إلى لم هذا الشعث سبيلا ؟ فقل تسمع ومر تطع ، ولك السلام .

س
المراجعة 5 8 ذي القعدة سنة 1329


1 ـ الادلة الشرعية تفرض مذهب أهل البيت

2 ـ لا دليل على وجوب الاخذ بمذاهب الجمهور
3 ـ اهل القرون الثلاثة لا يعرفونها
4 ـ الاجتهاد ممكن
5 ـ يلم الشعث باحترام مذهب أهل البيت

1 ـ إن تعبدنا في الاصول بغير المذهب الاشعري وفي الفروع بغير المذاهب الاربعة لم يكن لتحزب أو تعصب ، ولا للريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب ، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا .
لكن الادلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الاخذ بمذهب الائمة من أهل


( 67 )

بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل ، فانقطعنا اليهم في فروع الدين وعقائده ، وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف السنة والكتاب ، وعلوم الاخلاق والسلوك والآداب ، نزولا على حكم الادلة والبراهين ، وتعبدا بسنة سيد النبيين والمرسلين ، صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين .
ولو سمحت لنا الادلة بمخالفة الائمة من آل محمد ، أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصصنا أثر الجمهور ، وقفونا إثرهم ، تأكيدا لعقد الولاء ، وتوثيقا لعرى الاخاء ، لكنها الادلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم .
2 ـ على أنه لا دليل للجمهور على رجحان شيء من مذاهبهم ، فضلا عن وجوبها ، وقد نظرنا في أدلة المسلمين نظر الباحث المحقق بكل دقة واستقصاء ، فلم نجد فيها ما يمكن القول بدلالته على ذلك ، إلا ما ذكرتموه من اجتهاد أربابها وأمانتهم وعدالتهم وجلالتهم .
لكنكم تعلمون أن الاجتهاد والامانة والعدالة والجلالة غير محصورة بهم ، فكيف يمكن ـ والحال هذه ـ ان تكون مذاهبهم واجبة على سبيل التعيين ؟
وما أظن أحدا يجرؤ على القول بتفضيلهم ـ في علم أو عمل ـ على أئمتنا ، وهم أئمة العترة الطاهرة وسفن نجاة الامة ، وباب حطتها ، وامانها من الاختلاف في الدين ، وأعلام هدايتها ، وثقل رسول الله ، وبقيته في أمته ، وقد قال صلى الله عليه وآله : فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهم


( 68 )

فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ( 4 ) لكنها السياسة ، وما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام .
والعجب من قولكم أن السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب ، ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها ، واتفقوا على التعبد بها في كل عصر ومصر ، كأنكم لا تعلمون بأن الخلف والسلف الصالحين من شيعة آل محمد ـ وهم نصف المسلمين في المعنى ـ إنما دانوا بمذهب الائمة من ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يجدوا عنه حولا ، وأنهم على ذلك من عهد علي وفاطمة إلى الآن، حيث لم يكن الاشعري ولا واحد من أئمة المذاهب الاربعة ولا آباؤهم ، كما لا يخفى .
3 ـ على أن أهل القرون الثلاثة مطلقا لم يدينوا بشيء من تلك المذاهب أصلا ، وأين كانت تلك المذاهب عن القرون الثلاثة ؟ ـ وهي خير القرون ـ وقد ولد الاشعري سنة سبعين ومئتين ، ومات سنة نيف وثلاثين وثلاث مئة ( 5 ) وابن حنبل ولد سنة أربع وستين ومئة ، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومئتين ( 6 ) والشافعي ولد سنة خمسين ومئة ، وتوفي سنة مئتين
( 4 ) إشارة إلى حديث السفينة الآتي مع مصادره تحت رقم ( 39 و 40 ) .
( 5 ) هو أبوالحسن علي بن إسماعيل الاشعري إمام الاشاعرة .
راجع روضات الجنات للخونساري ج 5 ص 207 ـ 214 ط قم .
( 6 ) أحمد بن حنبل إمام الحنابلة :
راجع الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 4 ص 441 ـ 527.

( 69 )

وأربع ( 7 ) وولد مالك سنة خمس وتسعين (1) ومات سنة تسع وسبعين ومئة ( 8 ) وولد أبوحنيفة سنة ثمانين ، وتوفي سنة خمسين ومئة ( 9 ) . والشيعة يدينون بمذهب الائمة من أهل البيت ـ وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ وغير
____________
(1) ذكر ابن خلكان في أحوال مالك من وفيات الاعيان أن مالكا بقي جنينا في بطن امه ثلاث سنوات ، ونص على ذلك ابن قتيبة حيث ذكر مالكا في أصحاب الرأي من كتابه المعارف ص 170 ، وحيث أورد جماعة زعم انهم قد حملت بهم امهاتهم أكثر من وقت الحمل صفحة 198 من المعارف أيضا . ( منه قدس )
( 7 ) الامام الشافعي :
راجع الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 3 ص 175 ـ 254 .
( 8 ) الامام مالك :
راجع أحواله في : روضات الجنات ج 7 ص 223 ـ 227 ، الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 2 ص 487 ـ 540 .
الامام مالك يبقى في بطن أمة ثلاث سنين ! !
راجع : تنوير الحوالك شرح موطأ مالك للسيوطي الشافعي ج 1 ص 3 ط دار احياء الكتب العربية بمصر ، الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 2 ص 489 ، وفيات الاعيان لابن خلكان في ترجمة مالك ج 4 ص 137 ط . دار صادر ، المعارف لابن قتيبة ص 216 و 257 ط الرحمانية بمصر .
ونقله في كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة عن : الانتقاء لابن عبدالبر ص 12 ، مناقب مالك للسيوطي ص 6 .
( 9 ) الامام أبوحنيفة .
راجع : روضات الجنات ج 8 ص 167 ـ 176 ، الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 1 ص 281 ـ 330 .

( 70 )

الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين ، فما الذي أوجب على المسلمين كافة بعد القرون الثلاثة ـ تلك المذاهب دون غيرها من المذاهب التي كان معمولا بها من ذي قبل ؟ وما الذي عدل بهم عن اعدال كتاب الله وسفرته وثقل رسول الله وعيبته ، وسفينة نجاة الامة وقادتها وأمانها وباب حطتها ؟ !
4 ـ وما الذي ارتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة مفتوحا على مصراعيه ؟ لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى الكسل والرضا بالحرمان ، والقناعة بالجهل ، ومن ذا الذي يرضى لنفسه أن يكون ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ قائلا بأن الله عزوجل لم يبعث أفضل أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه ؟ ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه ، فأفضل حكمه ونواميسه ، ولم يكمل له الدين ، ولم يتم عليه النعمة ، ولم يعلمه علم ما كان وعلم ما بقي ، إلا لينتهي الامر في ذلك كله إلى أئمة تلك المذاهب فيحتكروه لانفسهم ، ويمنعوا من الوصول إلى شيء منه عن طريق غيرهم ، حتى كأن الدين الاسلامي بكتابه وسنته ، وسائر بيناته وأدلته من املاكهم الخاصة ، وأنهم لم يبيحوا التصرف به على غير رأيهم ، فهل كانوا ورثة الانبياء ، أم ختم الله بهم الاوصياء والائمة ، وعلمهم علم ما كان وعلم ما بقي ، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ؟ كلا بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته ، وسدنته ودعاته ، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا بابه ، أو يصدوا عن سبيله ، وما كانوا ليعتقلوا العقول والافهام ولا ليسملوا انظار الانام ، ولا ليجعلوا على القلوب اكنة ، وعلى الاسماع وقرا ، وعلى الابصار غشاوة ، وعلى الافواه كمامات ، وفي الايدي والاعناق اغلالا وفي الارجل قيودا ، لا ينسب ذلك اليهم إلا من افترى عليهم ، وتلك أقوالهم تشهد بما نقول .


( 71 )

5 ـ هلم بنا إلى المهمة التي نبهتنا اليها من لم شعث المسلمين ، والذي أراه أن ذلك ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم ، ولا على عدول السنة عن مذهبهم وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجح ، بل ترجيح للمرجوح ، بل تكليف بغير المقدور ، كما يعلم مما قدمناه .
نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل البيت ، واعتباركم إياه كأحد مذاهبكم، حتى يكون نظر كل من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر بعضهم إلى بعض ، وبهذا يجتمع شمل المسلمين وينتظم عقد اجتماعهم.
والاختلاف بين مذاهب أهل السنة لا يقل عن الاختلاف بينها وبين مذهب الشيعة ( 10 ) تشهد بذلك الالوف المؤلفة في فروع الطائفتين واصولهما ، فلماذا ندد المنددون منكم بالشيعة في مخالفتهم لاهل السنة ، ولم ينددوا بأهل السنة في مخالفتهم للشيعة ( 11 ) ؟ بل في مخالفة بعضهم لبعض ، فاذا جاز أن تكون المذاهب أربعة ، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة ؟ وكيف يمكن أن تكون الاربعة موافقة لاجتماع المسلمين ، فإذا زادت مذهبا
( 10 ) الاختلاف بين المذاهب الاربعة :
راجع : كتاب لماذا اخترت مذهب أهل البيت للشيخ محمد الانطاكي ص 13 ـ 15 ط 1 ، الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 5 ص 173 ـ 177 بل مخالفة المذهب نفسه كما في الشافعي بين القديم والجديد كما في كتاب : الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 3 ص 205 ـ 208 ، وراجع : اعتراف الشيخ سليم البشري في المراجعة ـ 19 ـ من المراجعات ، في طريقي إلى التشيع للأنطاكي ص 16 .
( 11 ) رفض السنة النبوية خلافا للشيعة راجع :
راجع : الغدير للاميني ج 10 ص 209 ـ 211 .

( 72 )

خامسا تمزق الاجتماع ، وتفرق المسلمون طرائق قددا ؟ وليتكم إذا دعوتمونا إلى الوحدة المذهبية دعوتم أهل المذاهب الاربعة اليها ، فان ذلك أهون عليكم وعليهم ( 12 ) ولم خصصتمونا بهذه الدعوة ؟ فهل ترون اتباع أهل البيت سببا في قطع حب الشمل ونثر عقد الاجتماع ، واتباع غيرهم موجبا لاجتماع القلوب واتحاد العزائم ، وإن اختلفت المذاهب والآراء ، وتعددت المشارب والاهواء ؟ ما هكذا الظن بكم ، ولا المعروف من مودتكم في القربى والسلام .
ش

المراجعة 5 9 ذي القعدة سنة 1329


1 ـ اعترافه بما قلنا
2 ـ التماسه الدليل على سبيل التفصيل
1ـ أخذت كتابك الكريم مبسوط العبارة ، مشبع الفصول ، مقبول الاطناب ، حسن التحرير ، شديد المراء قوي اللداد ، لم يدخر وسعا في بيان عدم وجوب اتباع شيء من مذاهب الجمهور في الاصول والفروع ، ولم يأل جهدا في إثبات بقاء باب الاجتهاد مفتوحا .
فكتابك قوي الحجة في المسألتين ، صحيح الاستدلال على كل
( 12 ) التضارب بين المذاهب الاربعة في المناقب والمثالب .
راجع : الغدير للاميني ج 5 ص 277 ـ 288 ط بيروت ، الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 1 ص 187 ـ 202 وج 5 ص 172 ـ 173 .

( 73 )

منهما ، ونحن لا ننكر عليك الامعان في البحث عنهما ، واستجلاء غوامضهما ، وإن لم يسبق منا التعرض لهما صريحا ـ والرأي فيهما ما رأيت ـ .
2 ـ وإنما سألناك عن السبب في إعراضكم عن تلك المذاهب التي أخذ بها جمهور المسلمين ، فأجبت بأن السبب في ذلك إنما هو الادلة الشرعية وكان عليك بيانها تفصيلا ، فهل لك أن تصدع الآن بتفصيلها من الكتاب أو السنة أدلة قطعية تقطع ـ كما ذكرت ـ على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم ، ولك الشكر والسلام .
س

المراجعة 6 12 ذي القعدة سنة 1329


1 ـ الالماع إلى الادلة على وجود اتباع العترة
2 ـ أمير المؤمنين يدعو إلى مذهب أهل البيت
3 ـ كلمة للامام زين العابدين في ذلك

انكم ( بحمد الله ) ممن تغنيه الكتابة عن التصريح ، ولا يحتاج مع الاشارة إلى توضيح ، وحاشا لله أن تخالطكم ـ في أئمة العترة الطاهرة ـ شبهة ، أو تلابسكم ـ في تقديمهم على من سواهم ـ غمة ، وقد آذن أمرهم بالجلاء ، فأربوا على الاكفاء وتميزوا عن النظراء ، حملوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علوم النبيين ، وعقلوا عنه أحكام الدنيا والدين .
1 ـ و لذا قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة لاولي الالباب ، وسفنا للنجاة إذا طغت لجج النفاق ، وأمانا للامة من الاختلاف إذا عصفت عواصف


( 74 )

الشقاق ، وباب حطة يغفر لمن دخلها ، والعروة الوثقى لا انفصام لها ( 13 ) .
2 ـ وقد قال أمير المؤمنين (1) « فأين تذهبون وأنى تؤفكون ؟ والاعلام قائمة والآيات واضح‍ة ، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم ، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش . أيها الناس خذوها (2) من خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم : إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلي منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الاكبر (3) وأترك فيكم الثقل الاصغر ، وركزت فيكم راية الايمان ... الخ » ( 14 ) وقال عليه السلام (4) : « انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم
____________
(1) كما في صفحة 152 من الجزء الاول من النهج من الخطبة 83 . ( منه قدس )
(2) أي خذوا هذه القضية عنه صلى الله عليه وآله وهي ( إنه يموت الميت من أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت ) لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور ، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره . ( منه قدس )
(3) عمل أمير المؤمنين بالثقل الاكبر وهو القرآن ، وترك الثقل الاصغر وهو ولداه ، ويقال عترته قدوة للناس ، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره من شارحي النهج . ( منه قدس )
(4) كما في صفحة 189 من الجزء الاول من النهج من الخطبة 93 .

( 13 ) إشارة إلى أحاديث سوف تأتي قريبا .
( 14 ) نهج البلاغة للامام علي ج 1 ص 155 ط دار الاندلس في بيروت وص 149 ط آخر وج 1 | 153 ط الاستقامة بمصر ؛ وهذه الطبعة هي التي ينقل عنها المؤلف ( قدس ) .

( 75 )

واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتظلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا « ( 15 ) وذكرهم عليه السلام مرة فقال (1) : « هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الاسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل » ( 16 ) . وقال عليه السلام من خطبة أخرى (2) « عترته خير العتر وأسرته خير الاسر وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم لها فروع طوال وثمرة لا تنال » ( 17 ) .
وقال عليه السلام (3) : » نحن الشعار والاصحاب والخزنة والابواب ، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ـ إلى أن
____________
(1) كما في صفحة 259 من الجزء الثاني من النهج من الخطبة 234 . ( منه قدس )
(2) كما في صفحة 185 من الجزء الاول من النهج من الخطبة 90 . ( منه قدس )
(3) كما في صفحة 58 من الجزء الثاني من النهج من الخطبة 150 .( منه قدس )

( 15 ) نهج البلاغة ج 2 ص 190 ط دار الاندلس 184 ط آخر .
( 16 ) نهج البلاغة ج 3 ص 439 ط الاندلس وص 433 ط آخر .
( 17 ) نهج البلاغة ج 2 ص 186 ط الاندلس وص 180 ط آخر .

( 76 )

قال في وصف العترة الطاهرة ـ : فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا ، فليصدق رائد أهله ، وليحضر عقله « ( 18 ) ؛ الخطبة . وقال عليه السلام من خطبة له (1) » واعلموا انكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه ، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه ، فالتمسوا ذلك من عند أهله ، فإنهم عيش العلم ، وموت الجهل ، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرههم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق ( 19 ) . إلى كثير من النصوص المأثورة عنه في هذا الموضوع نحو قوله عليه السلام : « بنا اهتديتم في الظلماء ، وتسنمتم العلياء ، وبنا انفجرتم عن السرار (2) وقر سمع
____________
(1) كما في صفحة 43 من الجزء الثاني من النهج من الخطبة 143 [ طبعة الاستقامة ] ( منه قدس )
(2) قال الشخ محمد عبده في تعليقه : السرار ـ كسحاب وكتاب ـ آخر ليلة من الشهر يختفي فيها القمر . وانفجرتم : دخلتم في الفجر ، والمراد كنتم في ضلام حالك ، وهو ظلام الشرك والضلال ، فصرتم إلى ضياء ساطع بهدايتنا وإرشادنا . والضمير لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والامام ابن عمه ونصيره في دعوته . ( منه قدس )

( 18 ) نهج البلاغة ج 2 ص 270 ط الاندلس وص 264 ط آخر .
( 19 ) نهج البلاغة ج 2 ص 260 ط الاندلس وص 254 ط آخر .

( 77 )

لم يفقه الواعية « ( 20 ) ؛ الخطبة (1) . وقوله (2) . : « أيها الناس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متعظ ، وامتاحوا من صفو عين قد روقت من الكدر » ( 21 ) الخطبة .
وقوله (3) : « نحن شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ؛ ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ـ ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة » ( 22 ) .
وقوله (4) : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم . بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى . أن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن
____________
(1) هي الخطبة 3 صفحة 33 من الجزء الاول من النهج [ طبعة الاستقامة بمصر ] ( منه قدس )
(2) كما في الصفحة 201 من الجزء الاول من النهج من الخطبة 101 [ ط الاستقامة بمصر ] ( منه قدس ) .
(3) في آخر الخطبة 105 آخر صفحة 214 من الجزء الاول من النهج . وقال ابن عباس « نحن أهل البيت شجرة النبوة ومختلف الملائكة وأهل بيت الرسالة وأهل بيت الرحمة ومعدن العلم » نقل هذه الكلمة عنه جماعة من اثبات السنة ، وهي موجودة في آخر باب خصوصياتهم صفحة 142 من الصواعق المحرقة لابن حجر [ ط الميمنية بمصر 1312 هـ . ] . ( منه قدس ) .
(4) من كلام له 140 صفحة 36 من الجزء الثاني من النهج [ ط الاستقامة ] . ( منه قدس )

( 20 ) نهج البلاغة ج 1 ص 45 ط الاندلس وص 39 ط آخر .
( 21 ) نهج البلاغة ج 2 ص 200 ط الاندلس وص 194 ط آخر .
( 22 ) نهج البلاغة ج 2 ص 213 ط الاندلس وص 207 ط آخر .

( 78 )

من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ـ إلى أن قال عمن خالفهم ـ : « آثروا عاجلا وأخروا آجلا ، وتركوا صافيا ، وشربوا آجنا » ( 23 ) إلى آخر كلامه . وقوله : (1) « فانه من مات منكم على فراشه ، وهو على معرفة حق ربه ، وحق رسوله ، وأهل بيته ، مات شهيدا ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه » ( 24 ) .
وقوله عليه السلام : « نحن النجباء ، وافراطنا افراط الانبياء ، وحزبنا حزب الله عزوجل ، والفئة الباغية حزب الشيطان ، ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا (2) » ( 25 ) . وخطب الامام المجتبى أبومحمد الحسن السبط سيد
____________
(1) في آخر الخطبة 185 صفحة 156 من الجزء الثاني من النهج [ ط الاستقامة ] . (منه قدس ) .
(2) نقل هذه الكلمة عنه جماعة كثيرون احدهم ابن حجر في آخر باب خصوصياتهم من آخر الصواعق صفحة 142 وقد أرجف فأجحف . ( منه قدس )

( 23 ) نهج البلاغة ج 2 ص 255 ط الاندلس وص 249 ط آخر .
( 24 ) نهج البلاغة ج 3 ص 353 ط الاندلس وص 347 ط آخر .
( 25 ) راجع : ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 3 ص ص 144 حديث 1189 ط 1 بيروت ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 231 ط الحيدرية وص 277 ط اسلامبول ، الصواعق لابن حجر ص 236 ط دار المحمدية بالقاهرة سنة 1375 هـ .

( 79 )

شباب أهل الجنة فقال : « اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم » ( 26 ) الخطبة (1) .
3 ـ وكان الامام أبومحمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين ، إذا تلا قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) يدعو الله عزوجل دعاء طويلا ، يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية ، ويتضمن وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقة لائمة الدين ، والشجرة النبوية ثم يقول : « وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن ، فتأولوا بآرائهم ، واتهموا مأثور الخبر فينا ـ إلى أن قال : فإلى من يفزع خلف هذه الامة ، وقد درست أعلام هذه الملة ، ودانت الامة بالفرقة والاختلاف ، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاء‌هم البينات ) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة ، وتأويل الحكم ؟ إلا اعدال الكتاب وابناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم ؟ إلا من
____________
(1) راجعها في أواخر باب وصية النبي بهم من الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 137 ( منه قدس ) [ ط الميمنية بمصر 1312 هـ وهذه النسخة هي التي ينقل عنها المؤلف ( ره ) ] .
( 26 ) راجع : الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي 227 ط المحمدية ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 8 ط 1 بمصر وج 16 ص 22 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل ، مجمع الزوائد ج 9 ص 172 ط القدسي ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 2 ص 18 ج 650 و 651 و 652 و 653 ط 1 بيروت .
( 80 )

فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا ، وبرأهم من الآفات ، وافترض مودتهم في الكتاب » ? ( 27 ) . هذا كلامه (1) عليه السلام بعين لفظه . فأمعن النظر فيه ، وفيما تلوناه عليك من كلام أمير المؤمنين ، تجدهما يمثلان مذهب الشيعة في هذا الموضوع بأجلى مظاهره . واعتبر هذه الجملة من كلامهما ، نموذجا لاقوال سائر الائمة من أهل البيت ، فانهم مجمعون على ذلك ، وصحاحنا عنهم في هذا متواترة . والسلام .

المراجعة 7 13 ذي القعدة سنة 1329


1 ـ طلب البينة من كلام الله ورسوله .
2 ـ الاحتجاج بكلام أئمة أهل البيت دوري
1 ـ هاتها بينة من كلام الله ورسوله ، تشهد لكم بوجوب اتباع الأئمة من أهل البيت دون غيرهم ، ودعنا في هذا المقام من كلام غير الله ورسوله .
____________
(1) فراجعه في صفحة 90 من الصواعق المحرقة لابن حجر في تفسير الآية الخامس ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) من الآيات التي أوردها في الفصل الاول من الباب 11 . ( منه قدس )
( 27 ) راجع : الصواعق المحرقة لابن حجر ص 150 ط المحمدية ص 90 الميمنة بمصر سنة 1312 هـ وهذه هي الطبعة التي ينقل عنها المؤلف ( قدس ) ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 273 ط اسلامبول وص 327 ط الحيدرية .