كتاب مُسَكِنُ الفُؤادِ ::: 11 ـ 20
(11)
منهجية التحقيق :
    اعتمدنا في تحقيق الكتاب على ثلاث نسخ :
    الاولى النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله المرعشي العامة ، الكتاب الثالث ضمن المجموعة المرقمة (444) ، من ص186 إلى ص249 ، كتبها صفر الكرماني بخط النسخ الواضح يوم الاثنين 27 ذي القعدة سنة 1087 هـ ، على نسخة اخذت من الشيخ محمد العاملي في الشام ن وفي آخر الكتاب توجد عبارة « بلغ مقابلة بعون الله تعالى وحسن توفيقه » ، كما كتب الشيخ يوسف النجفي تلميذ الشهيد الثاني في آخر صفحة من المجموعة أنه قابل النسخة ، وأنهى مقابلتها يوم الاربعاء 9 ربيع الاول سنة 1088 هـ .
    تقع المجموعة في 320 ورقة ، وكتابنا في 63 ورقة ، في كل ورقة 16 سطراً ، بحجم 5 / 20 × 5 /10 سم ، وقد رمزنا لهذه النسخة في هامش الكتاب ب ـ « ش ».
    الثانية : النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران تحت رقم 1017 ، كتبها بخط النسخ حسين بن مسلم بن حسين بن محمد الشهير بابن شعير العاملي ، تلميذ الشهيد الثاني نحو سنة 954 هـ ، تحتوي النسخة على مقدمة الكتاب وبعض من الباب الثاني والثالث والرابع ، توجد في ورقة 73 ب عبارة « تمت 954 » بخطّ آخر ، وفي ورقة 69 ألف توجد عبارة « ثم بلغ قراءة وفقه الله تعالى » بخط الشهيد الثاني.
    تملك النسخة كل من علي بن محمد حسين الموسوي الشوشتري في 15 ج2 سنة 1268 هـ ، وعلي بن حسين بن محمد علي بن زين الدين الموسوي وعلي محمد الموسوي.
    ورق النسخة من النوع السمرقندي بحجم 14 × 5 / 18 و 5 / 8 × 13 س 17. وقد رمزنا لهذه النسخة ب ـ « د ».
    انظر فهرس مكتبة جامعة طهران ، الجزء الثالث ، القسم الاول ، ص 679.
    الثالثة : النسخة المطبوعة على الحجر في ايران ، كتبها ابن علي أكبر الجيلاني في يوم الاثنين 26 صفر سنة 1310 هـ في طهران ، وقد رمزنا لها في هامش الكتاب ب ـ « ح ».


(12)
    واستناداً للمنهجية المتبعة في مؤسسة آل البيت ـ عليهم السلام ـ لإحياء التراث ، مر تحقيق الكتاب بعدة مراحل ، هي كالآتي :
    1 ـ لجنة المقابلة : ومهمتها مقابلة النسخ المخطوطة وإثبات اختلافاتها.
    2 ـ لجنة استخراج الأحاديث : ومهمتها إستخراج النصوص الواردة في الكتاب وإسنادها إلى مصادرها.
    3 ـ لجنة ضبط الإختلافات الرجالية : ومهمتها ضبط ما ينتج من مقابلة النسخ من اختلافات في الأعلام ، وإسناد ذلك إلى المصادر الرجالية.
    4 ـ لجنة تقويم النص : ومهمتها إظهار نص مضبوط وصحيح للكتاب أقرب ما يكون لما تركه المؤلف ، وقد اتبعت طريقة التلفيق بين النسخ بحيث يثبت النص الصحيح في المتن ويشار لما عداه في الهامش.
    5 ـ كتابة الهامش : وذلك بالاستفادة من كل ما تقدم لترتيب وتنسيق الهوامش.
    6 ـ الملاحظة النهائية : ويتم فيها مراجعة الكتاب متناً وهامشاً ، لعل فيه مازاغ عن البصر ، لإصلاحه.
    وختاما ... نتقدم بجزيل الشكر وعظيم التقدير للإخوة الأفاضل الذين ساهموا في اخراج هذا الكتاب بهذه الحلة الجيدة.
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
قم ـ 21 شوال 1407 هـ



(13)
صوره الورقة الاولى من مخطوطة آية الله المرعشي العامة ـ قم



(14)
صوره الورقة الاخيرة من مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي العامة ـ قم



(15)
صوره الورقة الاولى من مخطوطة جامعة طهران



(16)
صوره الورقة الاخيرة من مخطوطة جامعة طهران



(17)
بِسْمِ اللهِ الرّحْمن الرحيم
    الحمد لله الذي قضى بالفناء والزوال على جميع عباده ، وأنفذ أمره فيهم على وفق حكمته ومراده ، ووعد الصابرين على قضائه جميل ثوابه وإسعاده ، وأوعد الساخطين جزيل نكاله وشديد وباله في معاده ، ولذذ قلوب العارفين بتدبيره ، فبهجة نفوسهم في تسليمها لقياده ، هذا مع عجز كلّ منهم عن دفاع ما أمضاه وإن تمادى الجاهل في عناده. فإياه ـ سبحانه ـ أحمد على كل حال ، وأسأله الإمداد بتوفيقه وإرشاده.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أستدفع بها الاهوال في ضيق المحشر ووهاده (1) ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، أفضل من بشر وحذر ، وأعظم من رضي بالقضاء وصبر ، وخدم به سلطان معاده ، صلى الله عليه وعلى آله الأخيار ، أعظم الخلق بلاءً ، وأشدّهم عناءً ، أسدهم تسليماً ورضاءً ، صلاة دائمة واصلة إلى كل واحد بانفراده.
    وبعد : فلما كان الموت هو الحادث العظيم ، والأمر الذي هو على تفريق الأحبة مقيم ، وكان فراق المحبوب يعد من أعظم المصائب ، حتى يكاد يزيغ له قلب ذي العقل (2) ، والموسوم بالحدس (3) الصائب ، خصوصاً ومن أعظم الأحباب الولد ، الذي هو
1 ـ الوهاد : جمع وهدة وهي الحفرة ، اُنظر « القاموس المحيط ـ وهد ـ 1 : 347 ».
2 ـ في نسخة « د » و « ش » : الغفلة.
3 ـ في نسخة « ش » : بالخدش.


(18)
مهجة الألباب ؛ ولهذا رتب على فراقه جزيل الثواب ، ووعد أبواه شفاعته فيهما يوم المآب .
    فلذلك جمعت في هذه الرسالة جملة من الآثار النبوية ، وأحوال أهل الكمالات العلية ، ونبذة من التنبيهات الجلية ، ما ينجلي به ـ إن شاء الله تعالى ـ الصدأ عن قلوب المحزونين ، وتنكشف به الغمة عن المكروبين ، بل تبتهج به نفوس العارفين ، ويستيقظ من اعتبره من سنة الغافلين ، وسميتها (مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والاولاد) ورتبتها على مقدمة ، وأبواب ، وخاتمة.
    أمّا المقدمة : فاعلم أنه ثبت أن العقل هو الآلة التي بها عرف الله (1) سبحانه ، وحصل به تصديق الرسل والتزام الشرائع ، وأنه المحرض على طلب الفضائل ، والمخوف من الإتصاف بالرذائل ، فهو مدبر أمر الدارين ، وسبب لحصول الرئاستين ، ومثله كالنور في الظلمة ، فقد يقل عند قوم ، فيكون كعين الأعشى (2) ، ويزيد عند آخرين ، فيكون كالنهار في وقت الضحى.
    فينبغي لمن رزق العقل أن لا يخالفه فيما يراه ، ولا يخلد (3) إلى متابعة غفلته وهواه ، بل يجعله حاكماً له وعليه ، ويراجعه فيما يرشده إليه ، فيكشف له حينئذ ما يوجب الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى ، سيما فيما نزل به من هذا الفراق ، من وجوه كثيرة ، نذكر بعضها :

    الاول : إنك نظرت إلى عدل الله وحكمته ، وتمام فضله ورحمته ، وكمال عنايته ببريته ، إذا أخرجهم إد من العدم (4) ، وأسبغ عليهم جلائل النعم ، وأيدهم بالالطاف ، وأمدهم بجزيل المعونة والإسعاف ، كلى الوجول ذلك ليأخذوا حظهم من السعادة الأبدية والكرامة السرمدية ، لا لحاجة منه إليهم ، ولا لاعتماد في شيء من أمره عليهم ؛ لأنه الغني المطلق ، والجواد المحقق.
    وكلفهم بالتكاليف الشاقة ، والاعمال الثقيلة ؛ يأخذوا منه حظاً وأملاً وليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، وما فعل ذلك إلا لغاية منفعتهم ، وتمام مصلحتهم ، وأرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، وأنزل عليهم الكتب ، وأودعها ما فيه بلاغ للعالمين.
1 ـ في نسخة « د » : الإله.
2 ـ الإعشى : الذي لا يبصر بالليل ، ويبصر في النهار فقط « الصحاح ـ عشا ـ 6 : 2427 ».
3 ـ في نسخة « ش » : يخلل.
4 ـ في « ح » : من العدم إلى الوجود.


(19)
    وتحقيق هذا المرام مستوفى في باب العدل من علم الكلام.
    وإذا كانت أفعاله ـ تعالى وتقدس ـ كلها لمصلحتهم ، وما فيه تمام شرفهم ، والموت من جملة ذلك كما نطق به الوحي الإلهي في عدة آيات ، كقوله تعالى : ( وما كان لنفس ان تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ) (1) ، ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز إليكم الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) (2) ، ( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) (3) ، ( الله يتوفى الانفس حين موتها ) (4) ، إلى غير ذلك من الآيات.
    فلولا أن في ذلك غاية المصلحة ، ونهاية الفائدة للعبد الضعيف الغافل عن مصلحته ، التائه في حيرته وغفلته ، لما فعله الله تعالى به ؛ لما قد عرفت من أنه أرحم الراحمين ، وأجود الأجودين ، فإن حدثتك نفسك بخلاف ذلك فاعلم أنه الشرك الخفي ، وإن أيقنته ولم تطمئن نفسك وتسكن روعتك فهو الحمق الجلي.
    وإنما نشأ ذلك من الغفلة عن حكمة ( الله تعالى ) (5) في بريته ، وحسن قضائه في خليقته ، حتى أن العبد ليبتهل ويدعو الله تعالى أن يرحمه ، ويجيب دعائه في أمثال ذلك ، فيقول الله تعالى لملائكته : كيف أرحمه من شيء به أرحمه !‍ فتدبر ـ رحمك الله تعالى ـ في هذه الكلمة الإلهية ، تكفيك في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

    الثاني : أنه إذا نظرت إلى أحوال الرسل عليهم السلام ، وصدقتهم فيما أخبروا به من الامور الدنيوية والاخروية ، ووعدوا به من السعادة الأبدية ، وعلمت أنهم إنما أتوا أتوا بما أتوا به عن الله جل جلاله ، ( واعتقدت أن قولهم ) (6) معصوم عن الخطأ ، محفوظ من الغلط والهوى ، وسمعت (7) ما وعدوا به من الثواب على أي نوع من أنواع المصاب (8) كما ستراه وتسمعه ، سهل عليك موقعه ، وعلمت أن لك في ذلك غاية الفائدة ، وتمام السعادة الدائمة ، وأنك قد أعددت لنفسك كنزاً من الكنوز مذخوراً (9) ، بل حرزاً ومعقلاً وجنة
1 ـ آل عمران 3 : 145.
2 ـ آل عمران 3 : 154.
3 ـ النساء 4 : 78.
4 ـ الزمر 39 : 42.
5 ـ في نسخة « د » و « ش » : أيضاً.
6 ـ في نسخة « د » و « ش » : وقولهم.
7 ـ في نسخة « د » و « ش » : وسمع.
8 ـ في نسخة « د » و « ح » : المصائب.
9 ـ ليس في نسخة « ش » و « د ».


(20)
( من العذاب الأليم والعقاب العظيم ) (1) ، الذي لا يطيقه بشر ، ولا يقوى به أحد ، مع أن ولدك مشاركك في هذه السعادة ، فقد فزت أنت وهو ، فلا ينبغي أن تجزع.

    ومثل نفسك : أنه لو دهمك أمر عظيم ، أو وثب عليك سبع أو حية ، أو هجمت عليك نار مضرمة ، وكان عندك أعز أولادك ، وأحبهم إلى نفسك ، وبحضرتك نبي من الأنبياء ، لا ترتاب في صدقه ، وأخبرك : أنك إن افتديت بولدك سلمت أنت وولدك ، وإن لم تفعل عطبت ، و ( الحال أنك ) (2) لا تعلم هل يعطب ولدك ، أو يسلم ؟
    أيشك عاقل أن الإفتداء بالولد الذي يتحقق معه سلامة الولد ، ويرجى معه ـ أيضاً ـ سلامة الوالد ، هو عين المصلحة ، وأن عدم ذلك ، والتعرض لعطب الأب والولد هو عين المفسدة ! بل ربٌما قدٌم كثير من النٌاس نفسه على ولده ، وافتدى به وإن تيقٌن عطب الولد ، كما اتفق ذلك في المفاوز (3) والمخمصة (4).
    هذا كله في نار وعطب ينقضي ألمه في ساعة واحدة ، وربما ينتقل بعده إلى الراحة والجنة ، فما ظنك بألم يبقى أبد الآباد ، ويمكث سنين !؟ وإن يوماً عند ربك منها كألف سنة مما تعدون ، ولو وآها أحدنا ، وأشرف عليها ، لود أن يفتدي ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في ألارض جميعاً ثم ينجيه كلا إنها لضى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى (5).
    ومن هنا جاء ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله ، أنه قال لعثمان بن مظعون رضي الله عنه ، وقد مات ولده ، فاشتد حزنه عليه : « يا ابن مظعون ، إن للجنة ثمانية أبواب ، وللنار سبعة أبواب ، أفما يسرك أن لا تأتي باباً منها إلا وجدت ابنك الى جنبه (6) ، آخذاً بحجزتك يستشفع لك إلى ربك (7) ، حتى يشفعه الله تعالى ؟ ».
    وسيأتي له نظائر كثيرة إن شاء الله.
    الثالث : إنك تحب بقاء ولدك لينفعك في دنياك ، أو في آخرتك ، ولا تريد
1 ـ في نسخة « ش » و « د » : من العذاب العظيم.
2 ـ ما بين القوسين ليس في « ش » و « د ».
3 ـ المفاوز : البوادي « مجمع البحرين ـ فوز ـ 4 : 30 ».
4 ـ المخمصة : المجاعة « مجمع البحرين ـ خمص ـ 4 : 169 ».
5 ـ إقتباس من سورة المعارج 70 : 11 ـ 18.
6 ـ في نسخة « ح » وأمالي الصدوق : جنبك.
7 ـ رواه الصدوق في الامالي : 63 / 1.
مُسَكِنُ الفُؤادِ ::: فهرس