نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: 91 ـ 105
(91)
    ومنها : عدم صحة سلبها عن الفاسدة حيث يرى بالوجدان عدم صحة سلب الصلاة عن الصلاة التي نقص منها بعض اجزائها خصوصا إذا كان الناقص من الاجزاء الغير الركنية كما هو ذلك في المركبات العرفية ، بل ولئن صح سلبها عنها فإنها هو باعتبار الصحة حيث يقال : بأنها ليست بصلاة صحيحة لا انها لا تكون بصلاة حقيقة.
    ومنها : قوله عليه السلام : ( بنى الاسلام على خمس : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ، يعنى الولاية ، فلو ان أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير الولاية لم يقبل منه صوم ولا صلاة ) بتقريب ان الاخذ بأربع أي الصلاة والصوم والحج والزكاة مع بطلان عبادة تاركي الولاية انما يتم بناء على كونها أسامي للأعم والا لما كانوا آخذين بأربع فلايصح القول بأنهم آخذين بأربع.
    وفيه ما لايخفى ، فإنه لو تم البيان المزبور فغايته اثبات استعمال الأربع في قوله عليه السلام فاخذ الناس بأربع في الفاسدة وهو غير مثبت للوضع للأعم الذي هو المدعي باعتبار أعمية الاستعمال من الحقيقة. مع أنه نقول : بأنه بعد أن كان المراد من الأربع التفصيلي في صدر الرواية بقرينة بناء الاسلام عليها هو الصحيح بلا اشكال فلابد وان يحمل الأربع الاجمالي أيضا على الصحيح ، ولو باعتقادهم ، من جهة ما هو المعلوم من كون المراد من الأربع الاجمالي هو ذاك الأربع التفصيلي في صدر الرواية ، وعليه فلايكون الأربع الاجمالي أيضا الا مستعملا في الصحيح ، غايته هو الصحيح باعتقادهم دون الصحيح الواقعي النفس الأمري وهو أيضا لايكون من المجاز كما لايخفى. مع أنه لو سلم استعمال الأربع الاجمالي في الفاسدة من جهة فقدانها للولاية نقول بان مجرد ذلك غير مضر بدعوى القائل بالصحيح من جهة ان مقصودهم من الصحيح على ما تقدم انما هو الصحيح من غير ناحية قصد التقرب كما يكشف عنه اتفاقهم على خروج مثل قصد التقرب عن الصحة ، وحينئذ فإذا كانت الولاية من شؤون القربة المصححة للعبادة فللقائل بالصحيح دعوى خروجها أيضا كنفس قصد القربة ، وعليه فلايكون استعمال الأربع الاجمالي الا فيما هو الصحيح عند القائل به كما هو واضح.
    ومنها : قوله عليه السلام ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) بتقريب انه بعد عدم امكان حمل الرواية على إرادة الصحيح منها من جهة معلومية عدم قدرة الحائض في حال المحيض على


(92)
ايجاد الصحيح ومعلومية اعتبارها في صحة توجه النهى إليها ، فلابد من حملها على الأعم بإرادة الجامع مع إفادة خصوصية الفرد الفاسد منها بدال اخر.
    وفيه : أيضا انه اما ان يحمل النهى الوارد في الرواية على النهى المولوي الذاتي الناشي عن مفسدة ذاتية في متعلقه في حال الحيض ، واما ان يحمل على مجرد التشريع باعتبار مزاحمة مصلحة الصلاة في حال الحيض مع مفسدة أقوى في البين ، واما ان يحمل على الارشاد إلى مانعية الحيض عن صحة الصلاة ، فعلى الأول لا دلالة لها على المطلوب من الوضع للأعم بوجه أصلا من جهة ان كون الشيء عبادة ومنهيا عنه بالنهي المولوي الذاتي حينئذ لايتصور الا بكون الشيء من الآلات الموضوعة للخضوع ومن ابزار العبودية نظير تقبيل اليد والرجل ورفع القلنسوة في العرفيات الموضوعة عندهم من ابزار العبودية ومن آلات الخضوع ، فان مثل هذا المعنى هو الذي يكون قابلا لتعلق النهى المولوي به ، كما أنه يكفي في مقربيته ووقوعه عبادة فعلا مجرد رضاء المولى به وعدم نهيه عن الاتيان به ، وبهذه الجهة أيضا صححنا النيابة في العبادات حيث قلنا بأنه يكفي في صحة العبادة ووقوعها عن الغير مجرد رضاء ذلك الغير باتيان العبادة عن قبله كما نظيره في الخضوعات العرفية من نحو تقبيل اليد والرجل عن قبل الغير حيث إنه مع امر ذلك الغير بتقبيل يد الأمير مثلا عن قبله أو رضائه به يقع ذلك التقبيل الصادر عن النائب خضوعا عن ذلك الغير ويكون ذلك مقربا له دون النائب المباشر للتقبيل ، نعم عند عدم رضائه بذلك أو نهيه عنه لا يقع ذلك خضوعا له ولا مقربا له. وعلى ذلك نقول : بأنه من الواضح حينئذ عدم دلالة الرواية على القول بالأعم لولا دعوى دلالتها على القول بالصحيح كما هو الظاهر ، حيث إنه للقائل بالصحيح حينئذ دعوى كونها مستعملة في الراوية في خصوص الصحيح باعتبار ان الفساد حينئذ مستند إلى قضية نهى الشارع وعدم رضائه باتيان الحائض الصلاة في حال الحيض ، لا إلى قصور في نفس العبادة في عالم اقتضائها للمقربية ، ولقد عرفت بان مثل قصد القربة خارج عن المسمى عند الصحيحي أيضا وان ما هو المسمى عنده انما هو الصحيح من غير ناحية قصد القربة ، والمفروض في المقام أيضا انه لولا نهى الشارع لا قصور في صلاة الحائض في عالم مقربيتها. هذا كله بناء على حمل النهى في الرواية على النهى المولوي الذاتي.
    واما بناء على الاحتمال الثاني من حمله على مجرد التشريع فكذلك أيضا ، حيث نقول


(93)
بكونها مستعملة في الرواية في خصوص الصحيح وان البطلان والفساد انما نشأ من جهة فقد الامر وخلوها عن قصد القربة الذي هو خارج عن المسمى قطعا عند الصحيحي أيضا.
    واما بناء على الاحتمال الثالث من حمل النهى فيها على الارشاد إلى مانعية الحدث وهو الحيض عن صحتها فعليه وان كانت للرواية دلالة على المطلوب ، ولكنه أيضا مبنى على أن يكون الاطلاق المزبور في قوله صلى الله عليه وآله ( دعي الصلاة ) بلحاظ حال الحيض بنحو يتحد ظرف الجري مع ظرف النسبة الحكمية ، والا فبناء على تغاير الظرفين وكون الاطلاق المزبور بلحاظ حال قبل الحيض وهو حال الطهارة فلاتدل أيضا على مطلوب الأعمى من الاستعمال في الأعم ، إذ المعنى حينئذ ان الصلاة التي يؤتى بها في حال الطهارة لا تأتى بها في حال الحيض ، ومن المعلوم حينئذ كونها مستعملة في خصوص الصحيح.
    ومنها أي من أدلة القول بالأعم صحة تعلق النذر بترك الصلاة في مكان مكروه كالحمام مثلا مع حصول الحنث بفعلها فيه أيضا ، بتقريب ان صحة النذر وحصول الحنث لايكون الا بوضعها للأعم ، والا فبناء على الصحيح يلزم عدم حصول الحنث بفعلها فيه بل عدم صحة النذر رأسا ، لان النذر الصحيح هو ما يجب الوفاء به يأمر الشارع بالوفاء به ، واعتبار القدرة على المتعلق تركا وايجادا مما لابد منه في صحة توجيه التكليف بالوفاء بالايجاد أو الترك ، وحينئذ فمع فرض وضعها للصحيح يلزمه كونها منهيا عنها بمقتضي توجه التكليف بالترك إليه ، ولازم كونها منهيا هو فسادها على ما برهن في محله من اقتضاء النهى عن العبادة لفسادها ، ومع فسادها لايكون له القدرة على الحنث بايجاد الصلاة الصحيحة ، لان كل ما أوجده يقع فاسدا بمقتضى النهى المزبور ، ومع عدم قدرته على الحنث لايكاد توجه التكليف بالوفاء به إليه ، ولازمه هو عدم انعقاد نذره من أصله ، مع أن ذلك خلاف البداهة من صحة النذر وحصول الحنث ، فيكون ذلك برهانا اجماليا تاما على أن المسمى والموضوع له هو الأعم دون الصحيح ، لأنه على الأعم لا يلزم محذور في البين أصلا.
    وفيه ما لايخفى ، إذ نقول : بأنه بعد معلومية اعتبارهم الرجحان الفعلي في متعلق النذر ، اما ان يحمل الكراهة في المواضع المزبورة على أقلية الثواب كما التزم به جماعة من


(94)
الأصحاب نظرا إلى اعتبارهم الرجحان الفعلي في العبادة ، واما ان تحمل على معناها المصطلح لكن بجعل المكروه عبارة عن خصوصية كينونة الصلاة مثلا في الحمام مع ابقاء ذات العبادة على ما هي عليها من الرجحان والمحبوبية الفعلية.
    فعلى الثاني نقول : بان النذر وان كان صحيحا في فرض تعلقه بخصوصية كينونة الصلاة في الحمام لا بذات الصلاة ولكن لازمه أيضا هو صحة الصلاة المزبورة عند حصول الحنث واتيانه بالصلاة في الحمام ، فلا يلزم حينئذ من مجرد حصول الحنث بفعلها فيه فسادها كي ينفع القائل بالأعم. وتوهم عدم انفكاك الخصوصية عن الذات لمكان اتحادها معها فتسري الحرمة حينئذ إلى أصل الصلاة فتقع فاسدة ، مدفوع بمنع اقتضاء هذا المقدار من الاتحاد للسراية إلى ذات الصلاة والا لاقتضى السراية إليها ولو في غير مورد تعلق النذر بها ، فيلزمه حينئذ بطلان الصلاة في الحمام ونحوه باعتبار سراية المرجوحية من الخصوصية على الفرض إلى ذات العبادة ولو في غير مورد تعلق النذر مع أن ذلك كما ترى لايظن بأحد الالتزام به. هذا بناء على فرض تعلق النذر بخصوصية كينونة الصلاة في الحمام واما لو فرض تعلق النذر في الفرض المزبور بنفس العبادة ، ففي مثل الفرض نلتزم بعدم انعقاد النذر من رأسه وذلك لا من جهة عدم القدرة على الحنث بل من جهة انتفاء الرجحان في المتعلق الذي هو ترك الصلاة كما هو واضح.
    ومن ذلك البيان ظهر انه كذلك الامر أيضا في الفرض الأول وهو فرض حمل الكراهة على أقلية الثواب حيث إن لازمه بعد اعتبارهم الرجحان الفعلي في متعلق النذر هو عدم صحة النذر المزبور من رأسه لان مجرد كونها أقل ثوابا لايوجب مرجوحيتها حتى يكون تركها راجحا فصح النذر على تركها.
    وحينئذ فالأولى في المقام هو التمثيل بباب العهد واليمين بناء على عدم اعتبار الرجحان في متعلقهما فإنه حينئذ يسلم عن الاشكال المزبور. وعليه نقول أيضا بأنه وان كان صح العهد واليمين ويحصل أيضا الحنث بفعل الصلاة في المكان المكروه ولكن نقول : بان مجرد صحة العهد واليمين وحصول الحنث لاينافي تعلقهما بالصحيح إذ نقول بان ما تعلق به العهد واليمين حينئذ انما هو الصحيح لولا هذا العهد لا الصحيح على الاطلاق حتى من جهة هذا العهد ، وعليه كان العهد صحيحا ويقع الحنث أيضا بفعلها لان ما أوجده انما كان هو الصحيح لولا العهد ، وما الفساد من قبل العهد فهو غير


(95)
مناف لصحة متعلقه وصحة عهده لأنه نتيجة وجوده نعم لو كان متعلق النذر هو الصحيح الفعلي حتى بالنظر إلى هذا العهد لما كان يتحقق الحنث بفعلها فيتوجه المحذور المزبور ، ولكن ذلك من المستحيل لاستحالة تقيد المتعلق وهو المسمى بالصحيح حتى من قبل هذا الحكم العهدي المتأخر ، كما هو واضح. على أن غاية ذلك هو عدم صحة تعلق النذر والعهد بفعل الصحيح وأين هذا والقول بان المسمى هو الأعم دون الصحيح ؟ كما لايخفى. وحينئذ فالأولى في اثبات الوضع للأعم دون الصحيح هو التشبث بما ذكرناه سابقا من التبادر وصحة التقسيم ونحوهما.
    بقى الكلام فيما قيل من الثمرة بين القولين ، فنقول : انه قيل بظهور الثمرة بين القولين في أمور :
    منها : ظهورها من حيث مرجعية البراءة والاشتغال عند الشك في مدخلية شيء شطرا أو شرطا في المأمور به ، بتقريب انه على الصحيح كان المرجع هو الاشتغال باعتبار الشك في تحقق ما هو المسمى بالصلاة بدون المشكوك بخلافه على الأعم فإنه عليه يكون المرجع عند الشك هو البراءة بناء على جريانها في الارتباطيات.
    وفيه ما مر سابقا من عدم ابتناء الرجوع إلى البراءة بكونه من خواص القول بالأعم ، بل هو كذلك أيضا حتى على القول بالصحيح ، ولو على القول ببساطة المأمور به ، حيث إن التكليف المتعلق بالمأمور به بعد انحلاله إلى تكاليف ضمنية فبالنسبة إلى المشكوك يشك في أصل توجه التكليف بالنسبة إليه ، وحينئذ فعلى القول بجريان البراءة في الارتباطيات يجوز للصحيحي أيضا الرجوع إليها عند الشك في شرطية شيء أو شطريته ، كما هو واضح. ولذلك أيضا ترى بناء الأكثر على الرجوع إلى البراءة عند الشك في دخل شيء في المأمور به جزء أو شرطا مع مصيرهم في المقام إلى الصحيح.
    وقد يفصل في مرجعية البراءة والاشتغال بين الصحيح الشخصي والنوعي ، بتقريب انه على الصحيح الشخصي يكون مرجع الشك في الشرطية أو الجزئية في البدل إلى الشك في كون الفاقد بدلا أم لا ، فأصالة العدم تقضي بالاحتياط والاشتغال ، بخلافه على الصحيح النوعي فان للرجوع إلى البراءة عليه كمال مجال. ولكن يدفعه ان الشك في البدلية حيثما كان مسببا عن الشك في جزئية المشكوك أو شرطيته فلا جرم تجرى البراءة فيه ومعه لايبقى مجال التفرقة بينهما ، كما لايخفى.


(96)
    ومنها : ظهورها في مسألة النذر فيما لو نذر اعطاء درهم لمن يصلي ، بتقريب انه على الأعم يتحقق البراءة باعطائه لمن يصلى الفاسدة من جهة صدق الصلاة عليها حقيقة بخلافه على الصحيح فإنه لايحصل الوفاء بالنذر الا في صورة احراز كونها صحيحة ولو من جهة أصالة الصحة في فعل المسلم.
    وفيه أيضا ما لايخفى ، فإنه بعد تقيده بما لو كان المنذور هو المسمى بالصلاة نمنع كونها ثمرة للمسألة ، حيث نقول بأنها حينئذ ثمرة لمسألة فرعية ، لان المسألة الأصولية على ما ذكرنا ها غير مرة هي التي يقع نتيجتها في طريق الاستنباط وتكون منتجة لحكم كلي فرعى ، كما في مسألة حجية خبر الواحد ، والثمرة المفروضة في المقام لا تكون كذلك إذ لا تكون تلك الا من باب تطبيق كبرى فرعية وهي مسألة وجوب الوفاء بالنذر على المورد ، وعليه فلايكون جواز الاعطاء الا ثمرة لمسألة فرعية دون الأصولية ، كما هو واضح.
    ومنها : صحة التمسك بالاطلاقات والأصول اللفظية عند الشك في دخل بعض الأمور في المأمور به جزء أو شرطا على القول بالأعم وعدم صحته على الصحيح ، للشك في تحقق المسمى بدونه وعدم العلم بدخوله في موضوع الاطلاق ، فلابد على القول بالصحيح من الرجوع إلى الأصول العملية براءة أو اشتغالا.
    وفيه أيضا ان ذلك وان كان ثمرة للمسألة ، الا انه نقول بكونه مجرد فرض لا واقع له من جهة ابتنائها على أن يكون تلك المطلقات من مثل أقيموا الصلاة واردة مورد البيان من جهة الاجزاء والشرائط لا في مقام الاهمال وهو أول شيء ينكر ، حيث نقول : بان ورود ها انما كان لمحض التشريع من غير أن تكون بصدد البيان من هذه الجهات ، وعليه تكون الثمرة المزبورة بحكم العدم. هذا كله بالنسبة إلى الاطلاقات اللفظية ، واما الاطلاقات المقامية ففي فرض تماميتها يصح على كلا القولين الرجوع إليها عند الشك في دخل شيء في المأمور به. كما هو واضح. هذا كله في العبادات.

    واما المعاملات كالبيع والصلح والإجارة ونحوها فيبقى الكلام فيها في أنها كالعبادات داخلة في محل النزاع أو خارجة عن موضوع النزاع ، فنقول :


(97)
    انه ان قلنا بان تلك العناوين أسام للأسباب كما هو المترائي من ظاهر من عبر عنها في مقام شرحها بعقودها بقولهم البيع مثلا عقد كذا فلا اشكال في دخولها في محل النزاع فكان للنزاع فيها في كونها أسامي للصحيح أو الأعم كمال مجال باعتبار كونها حينئذ من الأمور القابلة للاتصاف بالصحة بمعنى ترتب الأثر عليها تارة وبالفساد بمعنى عدم ترتب الأثر عليها أخرى. نعم لما كان هذا النزاع مخصوصا بالمخترعات الشرعية ولا يجرى في الأمور العرفية أمكن دعوى خروج الأسباب عن مورد النزاع من هذه الجهة ، نظرا إلى أن العقد والايقاع والايجاب والقبول أمور عرفية لا تكون من المخترعات الشرعية ، فبهذه الجهة لا مجال للنزاع فيها في كونها موضوعة للصحيح أو الأعم ، كما هو واضح. هذا كله بناء على القول بكون عناوين المعاملات أسامي للأسباب.
    واما على القول بكونها أسامي للمسببات كما هو التحقيق وعليه المعظم بأنها أمور بسيطة ناشئة من قبل أسبابها الخاصة وانها مما يتوصل إلى وجودها بعقودها وان عقودها بمنزلة الأسباب الموجدة لها لا انها نفسها ، فقد يقال : بأنه لا اشكال في خروجها عن محل النزاع ، تارة من جهة انها بنفسها آثار ، ومحل الكلام انما هو في المؤثرات التي يترتب عليها الآثار تارة ولايترتب عليها الآثار أخرى ، لما مر ان معنى كون الشيء صحيحا عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر المقصود كما أن معنى كونه فاسدا عبارة عن كونه بحيث لايترتب عليه الأثر المقصود ، فعلى هذا يختص النزاع المزبور بالمؤثرات ولا يشمل الآثار نفسها ، وأخرى من جهة انها أمور بسيطة دائرة أمرها بين الوجود والعدم غير متصور فيها التمامية والنقصان ، لما تقدم من اختصاص هذا النزاع بما يكون قابلا للامرين بحيث يتصف بالصحة والتمامية تارة وبالفساد والنقصان أخرى.
    ولكنه يدفع ذلك ، اما الأول فبأنها وان كانت بنفسها آثارا ولكنها بالنسبة إلى الاحكام المترتبة عليها من مثل جواز التصرف وحرمة تصرف الغير بل بالنسبة إلى مثل السلطنة التي هي من الأحكام الوضعية مؤثرات ، وحينئذ فمن هذه الجهة لا مجال للاشكال فيها في دخولها في محل النزاع. واما الاشكال الثاني من كونها أمورا بسيطة دائرة بين الوجود والعدم فله وجه ، بناء على رجوع تخالف الشرع والعرف إلى تخطئة الشارع للعرف في الموارد الخاصة كما في بيع المنابذة والبيع الربوي ما يرونه مصداقا للبيع مع اتحاد البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ، والا فبناء على رجوع ذلك إلى تعدد


(98)
حقيقة البيع عند العرف والشرع لا مجال لهذا الاشكال ، فإنه عليه أمكن قابلية البيع مع كونه بسيطا غاية البساطة للاتصاف بالصحة والفساد.
    ولتوضيح المرام نذكر المحتملات المتصورة في موارد تخالف الشرع والعرف ، فنقول : ان المحتملات المتصورة لعدم امضاء الشارع لكثير من المعاملات العرفية كبيع المنابذة والملامسة والبيع الربوي وغيرها ثلاثة :
    الأول : ان يكون من باب تخطئة الشارع نظر العرف في عدهم غير البيع مصداقا حقيقيا للبيع ، ومرجع ذلك إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ، ولكن العرف لما أخطئوا في نظرهم وتخيلوا بزعمهم غير البيع بيعا حقيقيا خطاهم الشارع بأنه لايكون مصداقا للبيع وانه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
    الثاني : ان يكون ذلك من باب التخصيص والاخراج الحكمي والتنبيه على أن جميع البيوع العرفية وان كان بيعا حقيقة حتى في نظر الشارع الا ان الأثر الشرعي مرتب على بعض مصاديق البيع لا على جميع مصاديقه ، ومرجع ذلك أيضا إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ولكن الشارع لم يرتب الآثار الا على بعض مصاديقه.
    الثالث : ان يكون ذلك من باب ان الأثر الشرعي مرتب على ما هو مصداق للبيع عند الشارع لا على الجامع المنطبق على المصداق الشرعي والعرفي ، ومرجع هذا الوجه إلى أن للبيع حقيقة مصداقين : أحدهما منسوب إلى الشارع ومضاف إليه وهو الموضوع للآثار الشرعية ، والآخر منسوب إلى العرف وهو الموضوع للآثار الخاصة عندهم. والفرق بين الوجهين الآخرين هو انه في الأول يكون جميع المصاديق من البيوع العرفية بيعا حقيقة في نظر الشارع أيضا ولكنه مع ذلك يخص حكمه ببعض افراده ومصاديقه ، بخلافه على الأخير فإنه عليه يكون للبيع مصداقان : مصداق شرعي ومصداق عرفي ، نظير مفهوم الايجاب الذي كان له مصداقان : مصداق شرعي ومصداق عرفي ، فكان الأثر الشرعي مرتبا على ما هو مصداق للبيع عند الشارع. فهذه وجوه ثلاثة متصورة للاختلاف.
    وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم ، فان لازم الوجه الأول هو عدم قابلية البيع للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى نظرا إلى دوران امره دائما بين الوجود والعدم ، بخلافه على الآخرين فإنه عليهما قابل لان يوجد البيع ويكون مؤثرا شرعا


(99)
تارة وغير مؤثر أخرى. هذا كله في مقام التصور.
    واما مقام التصديق : فأبعد الوجوه هو الوجه الأوسط لمخالفته لما عليه ارتكاز الأصحاب فان السلطنة على الملك من لوازم ملكية الشيء ، فالتصديق بتحقق مصداق البيع والملكية مع نفى السلطنة على الملك ربما يعد من التناقض ، فمن هذه الجهة لا مجال للمصير إلى الوجه الثاني بل لا مجال لتوهمه. وحينئذ فيدور الامر بين الوجه الأول والأخير وفى مثله نقول : بأنه ان بنينا على أن البيع امر واقعي انتزاعي عن منشأة غير منوط بالجعل يتعين المصير إلى الوجه الأول من ارجاع موارد عدم امضاء الشارع للبيوع العرفية في الموارد الخاصة إلى تخطئة الشارع الأنظار العرفية فيما يرونه مصداقا للبيع وللنقل والانتقال ، ولازمه هو خروج المسببات من عناوين المعاملات عن مورد البحث والنزاع. واما ان بنينا على كون تلك المسببات من الأمور الاعتبارية الجعلية يتعين المصير إلى الوجه الا خير حيث لايتصور حينئذ وجه لتخطئة الشارع للعرف ، لان البيع المضاف إليهم والمصداق المختص بهم متحقق لا محالة في جميع الموارد حسب اعتبارهم إياه. نعم البيع الشرعي والمصداق المضاف إليه يكون تحققه تابع اعتبار الشارع وجعله إياه فمع عدم اعتبار الشارع إياه في مورد لاتحقق للبيع الشرعي وانما المتحقق هو البيع العرفي والمصداق المختص بهم. فعلى ذلك فاطلاق القول بخروج عناوين المعاملات عن حريم النزاع بتقريب انها أمور بسيطة أمرها دائر بين الوجود والعدم مما لا وجه له ، بل اللازم هو التفصيل بين المسلكين والقول بالخروج عن مورد النزاع على أحد المسلكين دون الاخر.
    ثم إن المتعين من هذين الوجهين أيضا هو الوجه الأخير فان دعوى كون تلك المسببات من الأمور الواقعية بعيد جدا ، بل هي من الأمور الاعتبارية الجعلية التي قوام تحققها بالجعل ، نعم بعد الجعل والاعتبار يصير من قبيل الأمور الواقعية نظير الارتباط المتحقق بين اللفظ والمعنى الحاصل بالجعل والوضع أو من كثرة الاستعمال ، فكما ان أصل تلك العلاقة والارتباط تكون تابعة للجعل في أصل تحققها وبعد الجعل تصير من الأمور الواقعية كذلك تلك المسببات ، وعليه فتدخل في حريم النزاع.
    ثم إن الثمرة تظهر من مقام التمسك بالاطلاق من مثل ( أحل الله البيع ) عند الشك في مدخلية شيء في البيع ، فإنه على الأعم لا باس بالتمسك بالاطلاق في نفى ما شك في اعتباره. ولا كذلك الامر على الصحيح ، فإنه عليه مع الشك في مدخلية شيء في صحته عرفا يشك في


(100)
تحقق المسمى بدونه ومعه لايبقى مجال للتمسك بالاطلاق. نعم بعد احراز البيع العرفي بما له من الشرائط لو شك في دخل شيء في صحته شرعا يجوز التمسك باطلاق مثل ( أحل الله البيع ) في نفى ما شك في اعتباره شرعا حتى على الصحيح. هذا بناء على المسلك الأخير من جعلية البيع ونحوه ، واما بناء على المسلك الأول ففي التمسك بالاطلاقات اللفظية في نفى ما شك في اعتباره شرعا في صحته البيع اشكال ينشأ من احتمال خطأ العرف فيما يرونه مصداقا للبيع ، حيث إنه مع هذا الاحتمال يشك لا محالة في أصل تحقق البيع بدون المشكوك ، من جهة معلومية عدم اتباع فهم العرف الا في مقام كشف المفاهيم لا في مقام تطبيق المفهوم على المصداق الخارجي فارغا عن معلومية المفهوم. وحينئذ فمع احتمال خطأ العرف في تطبيق مفهوم البيع على المورد لم يجز التمسك بالاطلاق ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام ، هذا.
    ولكن الذي يسهل الخطب هو وجود الاطلاق المقامي في المقام ، حيث إنه بعد ما يرون العرف الفرد الغير الواجد للمشكوك بحسب ارتكازهم مصداقا حقيقيا للبيع ويرتبون عليه الآثار من النقل والانتقال ومع ذلك لم يردعهم الشارع يكشف ذلك عن أن ما يكون بيعا عندهم بيع شرعي أيضا ، والا لكان عليه التنبيه بذلك ببيان : ان غير الواجد لايكون حقيقة مصداقا للبيع وانه مصداق زعمي تخيلي. وحينئذ فبهذا الاطلاق الموصوف بالمقامي يستكشف ان جميع ما يراه العرف بيعا بيع حقيقة لذي الشارع الا ما خرج قطعا بالردع كبيع المنابذة والبيع الربوي ونحوهما ، فيكون الاطلاق المقامي حينئذ مثمرا لثمرة الاطلاق اللفظي. ومن ذلك أيضا نتمسك به لنفى اعتبار مثل قصد القربة مع عدم جريان في الرسائل من منعه عن التمسك بالاطلاق في مورد قائلا بأنه ليس ذلك تقييدا في دليل العبادة حتى يدفع بالاطلاق ، وتجويزه التمسك به في مورد آخر في ضمن تقريب دليل الانسداد ، حيث نقول بان نظره في المنع عن التمسك بالاطلاق إلى الاطلاق اللفظي وفى التجويز إلى الاطلاق المقامي.
تنبيه
    قد يكون الشيء مطلوبا في العبادة ومندوبا إليه فيها من جهة جزئيته ودخله


(101)
الشطري في المهية المخترعة كالقراءة والركوع والسجود في الصلاة ، وقد يكون من جهة دخله الشرطي على نحو يكون تقيده داخلا في المهية المطلوبة دون نفسه وهذا كالطهور والستر والقبلة ، وقد يكون من جهة كونه من قبيل الواجب في الواجب فيكون مطلوبيته في تلك العبادة من جهة انحصار ظرفه فيها وتوقف وجوبه على وجوبها ووجودها لا من باب دخالته في المطلوب بنحو الشطرية أو الشرطية وهذا القسم لم أجد له مثالا في الصلاة ولكنه متصور في الحج وقد يكون من جهة كونه مستحبا في الواجب بنحو يوجب وجوده صيرورة الفرد من أفضل الافراد نظير القنوت وسائر الأذكار المندوبة في الصلاة ، حيث إنها لا تكون مما لها الدخل في أصل الواجب بنحو الشرطية أو الشرطية ولايكون الاخلال بها ولو مع العمد أيضا منافيا للامتثال ، ولكنها عند وجودها توجب مزية للفرد الواجد لها على الفاقد وتكون جزء للفرد لا للطبيعة ، لأنها من قبيل اللا بشرط بالنسبة إليها فتحقق معها وبدونها ، غاية الأمران الفرد المشتمل عليها يصير من أكمل الافراد وأفضلها. وهذا واضح. خصوصا على ما بيناه من أن الصلاة معنى تشكيكي مختلف المراتب ولها حدود تبادلية كالنور والخط.
    ثم لايخفى ان تصوير الواجب في واجب ربما يستلزم ورود نقض على منكري معقولية الترتب المدعين لاستحالته ، بتقريب ان تعدد الامر يقتضي تعدد القدرة على الامتثال ومع عدم القدرة على الجمع بين الضدين يستحيل توجه التكليف بهما دفعة بالايجاد في زمان واحد ، توضيح الورود انه لو تم هذا المحذور لجرى نظيره في المقام أيضا فيلزمه الالتزام بعدم معقولية الواجب في واجب ، من جهة ان مقتضى القدرة على الشيء هو القدرة على تركه ونقيضه والا فمع فرض عدم القدرة على الترك والنقيض لايكاد تحقق القدرة على الفعل أيضا ، وعليه نقول : بأنه لو اعتبرت القدرة الفعلية على الامتثال في صحة توجه التكليف بالضدين يلزمه اعتبارها في المقام أيضا ، وحيث انه لايكون للمكلف في المقام القدرة على عصيان كلا الامرين في زمان واحد يترتب عليه عدم تصور الواجب في الواجب ، لان ظرف أحد الواجبين حيثما كان هو ظرف إطاعة الواجب الاخر فلا جرم لم يتصور القدرة الفعلية على عصيان كلا الامرين فيتوجه حينئذ النقض المزبور ، ومن ذلك كنا نورد هذا الاشكال على من ادعى استحالة الامر بالضدين ولو بنحو الترتب.


(102)
    واما حل الاشكال : فهو ان القدرة الفعلية على الامتثال والعصيان انما تعتبر فيما لو كان الامر ان عرضيين ، واما لو كان الامر ان طوليين فلا يعتبر فيهما الا القدرة الطولية ، وحينئذ نقول : بان القدرة الطولية على عصيان الامرين كما كانت متحققة في المقام ومصححة للامر بايجاد شيء في واجب آخر كذلك متحققة في الامر بالضدين بنحو الترتب فتدبر.

    لاينبغي الاشكال في امكان الاشتراك بالنسبة إلى معنيين وأزيد بل وقوعه أيضا في لغة العرب بل وفي غيرها من اللغات كما في لفظ شير بالفارسية الذي هو اسم للأسد الذي هو الحيوان المفترس واسم أيضا لللبن كقول الشاعر : ( آن يكى شير است اندر باديه وان يكى شيراست اندر باديه ) وحينئذ فدعوى امتناعه كما عن بعض مدعيا لاستلزامه الاخلال بالتفهيم والتفهم المقصود من الوضع بلا نصب القرينة على المراد واستلزامه التطويل بلا طائل معها في غير محلها ، لما عرفت من الوقوع الذي هو أدل دليل على امكانه.
    وحينئذ فما ذكر من المحذور على تقدير تماميته يكون من الشبهة في قبال البداهة ، خصوصا مع عدم تماميته أيضا ، حيث نقول : بأنه كثيرا ما يتعلق الغرض بالاجمال المعلوم عدم حصوله غالبا الا بذلك ، فلايكون حينئذ اخلال بالغرض. واما حديث لزوم التطويل بلا طائل مع نصب القرينة فهو أيضا ممنوع إذا كان الاتكال على القرينة الحالية ، مع لزوم الاحتياج على المجاز إلى قرينتين : إحديهما صارفة والأخرى معينة للمراد ، بخلافه على الاشتراك فإنه لايحتاج الا إلى قرينة واحدة معينة للمراد.
    نعم هنا وجه آخر للقول بالامتناع ، وهو ان قضية الوضع حيثما كان عبارة عن نحو اختصاص خاص بين اللفظ والمعنى وكونه على نحو المرآتية والفناء لا مطلق الاختصاص ولو على نحو الا مارية ، فلا جرم يلزمه امتناع اختصاص لفظ واحد بذلك الاختصاص الخاص بالمعنيين المتبائنين أو أزيد بنحو كان اللفظ مرآة وفانيا فيهما.
    ولكن يدفع هذا الوجه أيضا بأنه انما يتوجه هذا المحذور فيما لو كان قضية الوضع


(103)
جعل المرآتية الفعلية للفظ على الاطلاق بنحو يلزمه ظهور اللفظ في المعنى ظهورا فعليا بقول مطلق ولو مع وجود المانع أو المزاحم ، إذ حينئذ يتوجه المحذور المزبور من امتناع ان يكون للفظ واحد ظهور فعلى في المعنيين المتبائنين ، ولكن هذا المعنى ممنوع جدا بل المقدار الذي يقتضيه قضية الوضع من العلقة والاختصاص بينه وبين المعنى انما هو صيرورة اللفظ ظاهرا في المعنى ظهورا فعليا لولا ما يمنعه ويزاحمه ، وبعبارة أخرى ان ما يقتضيه الوضع من العلاقة والاختصاص لايكون الا عبارة عن كون اللفظ بنحو فيه اقتضاء المرآتية والظهور في المعنى الموضوع له بحيث لو أطلق ينسبق منه المعنى الفلاني لولا ما يزاحمه ويمنعه ، لا ان مقتضاه هو الظهور الفعلي والمرآئية الفعلية حتى مع وجود المانع أو المزاحم. وحينئذ نقول : بأنه على ذلك لايكاد يتوجه المحذور المزبور فإنه من الممكن حينئذ ان يكون للفظ واحد اقتضاء المرآتية والظهور بالنسبة إلى أزيد من معنى واحد ، غايته انه من جهة تصادم المقتضيين في مرحلة الفعلية لايكون له ظهور فعلى في واحد من المعنيين الا إذا كان هناك ما يمنع عن فعلية أحدهما فيؤثر الاخر حينئذ في الفعلية ويصير عند اطلاقه ظاهرا فعليا في المعنى الآخر ، كما هو واضح.
    ثم إن في قبال هذا القول قولا آخر بوجوب الاشتراك بملاحظة تناهى الألفاظ وعدم تناهى المعاني ، ولكنه أيضا في غير لتناهي المعاني الكلية ولو كان جزئياتها غير متناهية ، على أن للمنع عن تناهى الألفاظ أيضا كمال مجال ، لما يرى بالوجدان من بلوغها إلى غير النهاية بتركيب الحروف بعضها مع بعض ، ومع تسليم ذلك نمنع الاحتياج إلى المعاني بأزيد من الألفاظ المستعملة في ألسنة الناس بتركيب بعض الحروف مع بعضها ، وعلى تقدير الاحتياج أحيانا بأزيد من ذلك مما لم يوضع له لفظ يمكن تفهيمه بمعونة القرائن ، فيبطل حينئذ ما ادعي من وجوب الاشتراك ، كما لايخفى.

    قد وقع الخلاف بين الاعلام في وجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد على نحو الاستقلال بنحو كان كل واحد من المعنيين أو المعاني كما إذا لم يستعمل اللفظ الا فيه على أقوال : ثالثها عدم الجواز بنحو الحقيقة والجواز على نحو المجاز ، ورابعها التفصيل بين المفرد وبين


(104)
التثنية والجمع بعدم الجواز في الأول والجواز في الثاني. وقبل الخوض في المرام لا بأس من تمهيد مقدمة لبيان الأنحاء المتصورة من الاستقلال في المقام لكي يعلم ما هو المراد من الاستقلال المأخوذ في عنوان البحث لا يختلط عليك الامر فيما هو الحق الحقيق من هذه الأقوال.
    فنقول وعليه التكلان : ان المحتملات المتصورة من الاستقلال المبحوث عنه في المقام أمور :
    الأول : إرادة استقلال ذات المعنى الملحوظ في الذهن في قبال عدم الاستقلال الذي هو بمعنى انضمامه مع الغير فيه سواء كان مستقلا بحسب اللحاظ أيضا كما لو تعلق بكل واحد من المعنيين لحاظ مستقل أو لم يكن مستقلا بحسب اللحاظ بان تعلق لحاظ واحد بالمجموع ، وذلك من جهة انه لا تلازم بين تعدد المعنى الملحوظ وبين تعدد اللحاظ ، فيمكن ان يكون المعنى الملحوظ مع كونه متعددا متعلقا للحاظ واحد ، كما في لحاظك نقاطا متعددة بلحاظ واحد متعلق بالمجموع ، كامكان كون كل واحد منهما متعلقا للحاظ واحد مستقل ، كما أنه يمكن في طرف العكس ان يكون الملحوظ مع كونه غير مستقل بذاته مورد تعلق لحاظات متعددة مستقلة كما في تصورك النقاط المتعددة خطا طويلا بالغاء حدوداتها الخاصة وجعلك كل جزء منه مورد لحاظ مستقل ، بحيث تحكم عليه بان هذا الطرف من الخط أحسن من الطرف الآخر. وتوهم ان لحاظ الشيء ليس الا عبارة عن تصوره وايجاده في الذهن فمع فرض وحدة المتصور وجودا في الذهن لا معنى لصيرورته متعلقا للحاظات متعددة مستقلة ، كما أنه في فرض تعدد المتصور لا معنى لصيرورته متعلقا للحاظ واحد ، مدفوع بان تصور الشيء كما ذكرت انما هو عبارة عن ايجاد الشيء في الذهن ، واما اللحاظ فهو عبارة عن توجه النفس إلى شيء ملحوظ بعد تصوره وايجاده في الذهن ، ولذلك ترى في تصورك الخط الواحد بأنك إذا لاحظت أوله وآخره تحكم عليه بأن أوله أحسن من اخره.
    الثاني : إرادة استقلال المعنى في عالم اللحاظ بمعنى ان يكون المعنيان كل واحد منهما مورد لحاظ مستقل في قبال ما لو كان المجموع مورد تعلق لحاظ واحد.
    الثالث : إرادة استقلال المعنى بحسب إرادة التفهيم في قبال عدم استقلاله بحسبها ، كان المعنى بحسب ذاته أو بوصف كونه ملحوظا متعددا أم لا ، حيث لا تلازم أيضا بين استقلال المعنى بحسب إرادة التفهيم وبين الاستقلال بالمعنيين المتقدمين فيمكن ان يكون


(105)
المعنى مع كونه مستقلا في ذاته أو بوصف كونه ملحوظا غير متعلق لإرادة التفهيم رأسا فضلا عن تبعيتها في الاستقلال والضمنية لاستقلاله بحسب اللحاظ أو بحسب ذاته.
    ورابعها : إرادة الاستقلال حسب مرحلة إرادة الوجود والحكم أو الاعراض الخارجية كما في العام الافرادي في قبال عدم استقلاله بحسبه كما في العام المجموعي. فهذه محتملات أربعة متصورة فيما هو المراد من الاستقلال المبحوث عنه.
    واما مقام التصديق : فينبغي القطع بعدم إرادة الاستقلال بالمعنيين الأخيرين بل وخروجهما عن حريم النزاع ، بداهة ان إرادة التفهيم باللفظ وكذا إرادة الحكم ، انما هي من دواعي الاستعمال ، ومن هنا قد يتحقق الاستعمال ومع ذلك لايكون في البين إرادة ولا إرادة وجود أصلا ، بل وخصوصا الأخير ، حيث إنه قد يكون إرادة الوجود متحققة بلا ذكر لفظ أصلا ، وعليه فلاينبغي توهم إرادة القائل بالامتناع مثل هذه الصورة خصوصا بعد اجتماع هذين المعنيين مع وحدة اللحاظ المتعلق بهما تفصيلا أم اجمالا عند تعلق إرادة الوجود بكل واحد منهما. واما ما يترائى من بعض التعابير من كون المعنيين كل واحد منهما بحيث يقع موردا للنفي والاثبات أو الحكم بهما ، فالمراد منه هو الاستقلال في مرحلة النسبة الحكمية الكلامية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ باعتبار تفرعها على لحاظ المنتسبين ، نظرا إلى أن استقلال المعنى بالإضافة إلى مثل هذه النسبة الكلامية فرع على لحاظ كل من المنتسبين مستقلا في مقام إرجاع المحمول إليه خصوصا مع اختلاف المنتسبين من جهة الايجاب والسلب ، فان ايقاع الايجاب والسلب حينئذ لكل واحد منهما لا محالة يحتاج إلى لحاظ كل منهما بلحاظ مستقل بنحو يكون كل واحد منهما تمام الملحوظ في لحاظه ، لا ان المراد هو استقلال المعنيين بحسب إرادة الوجود كما هو واضح. كيف وان لازمه هو خروج فرض استعمال اللفظ في المعنيين بنحو يكون كل واحد منهما متعلقا للحاظ مستقل إذا اعتبر تعلق حكم واحد بالمجموع كما في العام المجموعي عن حريم النزاع ، مع أنه كما ترى ، إذ لاينبغي الاشكال في دخول مثل هذا الفرض في مورد النزاع بينهم.
    وحينئذ يدور الامر في المراد من الاستقلال بين الاحتمالين الأولين ، وهو استقلال ذات المعنى الملحوظ أو استقلاله بوصف الملحوظية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ.
    وحينئذ نقول : بأنه لو كان المراد من الاستقلال عبارة عن استقلال المعنى الملحوظ
نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس