نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: 256 ـ 270
(256)
    الثاني : ان انكشاف الخلاف قد يكون بالقطع وأخرى بأمارة ظنية معتبرة وعلى التقديرين : تارة يقطع أو ظن بالخطأ في اجتهاده الأول وأخرى يقطع أو يظن بخطأ الامارة عن الواقع لا في اجتهاده ، والأول كما لو قام عنده امارة على عدم وجوب السورة مثلا فبان بعد ذلك عدم جامعية الامارة المزبورة لشرائط الحجية ، والثاني كما لو قطع بخطأ الامارة عن الواقع أو ظن بذلك مع القطع في الحال بكونها واجدة لشرائط الحجية وبعد ذلك نقول :
    اما في فرض كشف الخطأ في اجتهاده فسواء كان ذلك بالقطع أو بالظن المعتبر فلاينبغي الاشكال في أن لازمه هو عدم الاجزاء بل لا مجال لتوهمه خصوصا في فرض كشف الخلاف بالقطع ، من جهة كشفه حينئذ عن عدم امر ظاهري في البين ، لان الامارة الغير الجامعة لشرائط الحجية وجودها كعدمها ، فلابد حينئذ من الإعادة ، هو واضح.
    واما في الصورة الثانية من فرض الكشف عن خطأ الامارة عن الواقع ، فان كان كشف الخلاف قطعيا فالاجزاء أو عدمه مبني على ما تقدم من حجية الامارة على الكشف والطريقية أو على نحو السببية والموضوعية ، واما ان كان كشف الخلاف أيضا ظنيا من جهة قيام أمارة ظنية أخرى على خلاف الامارة الأولى ففي هذا الفرض تارة يكون في البين ما يوجب ترجيح الامارة الثانية بحسب السند أو الدلالة من نحو موافقة الكتاب ومخالفة العامة ونحوهما من المرجحات ، وأخرى لايكون في البين ما يوجب ترجيحها عليها لا بحسب السند ولا بحسب الدلالة بل كانتا متساويتين من تمام الجهات ، فعلى الأول حكمه حكم صورة انكشاف الخلاف بالقطع فيبتني على ما تقدم من الموضوعية أو الطريقية في الامارات ، وعلى الثاني ينتهي الامر إلى التخيير في الاخذ بين الخبرين ، فان اخذ بالامارة الأولى فلا اشكال ، وان اخذ بالامارة الثانية فلابد من إعادة الأعمال الواقعية على طبق الامارة الأولى على الطريقية كما هو المختار ، من جهة انه بالأخذ بالامارة الثانية يصير مدلولها حجة عليه وحيث إن مفادها عبارة عن وجوب السورة مثلايجب عليه إعادة ما صلى من الصلوات بدونها ، وهذا واضح. نعم على الموضوعية لايجب عليه الإعادة على التفصيل المتقدم سابقا.
    الثالث : قد تبين مما قدمناه في الاجزاء في الامارات أنه لا تلازم بين القول بالاجزاء وبين القول بالتصويب الباطل وانه يمكن القول بالاجزاء فيها ولو على الموضوعية و


(257)
السببية من دون استلزامه للقول بالتصويب كما في الاجزاء بمناط المفوتية أو الوفاء بتمام الغرض ، ضرورة ان الاجزاء بأحد المناطين المزبورين غير ملازم للقول بالتصويب المحال ، فان التصويب الباطل انما هو الذي يدور التكليف معه مدار قيام الامارة أو الذي يوجب قيام الامارة انقلاب الواقع عما هو عليه حتى بمرتبة اقتضائه إلى التكليف بالمؤدى ، ومثل هذا المعنى كما عرفت غير ملازم مع القول بالاجزاء ، كما لايخفى.
    هذا تمام الكلام في الأصول والامارات.


(258)
المبحث الرابع : في مقدمة الواجب
    قد وقع الكلام بين الاعلام في أن ايجاب الشيء يقتضي ايجاب مقدماته أم لا وذلك بعد الفراغ عن وجوبها عقلا بمناط اللابدية ، فمحل الكلام انما هو وجوبها شرعا بالوجوب الغيري نظرا إلى دعوى الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته ، واما وجوبها بالوجوب الشرعي النفسي فهو أيضا مما لو يتوهمه أحد كالوجوب الشرعي الطريقي وكيف كان فتحقيق المرام في المقام يحتاج إلى بيان أمور :
الامر الأول :
    قد عرفت أن مورد الكلام في المقام بين الاعلام انما هو وجوب المقدمة بالوجوب الشرعي الغيري ، لا مطلق وجوبها ولو عقليا بمناط اللابدية ، ولا وجوبها الشرعي النفسي أو الطريقي ، من جهة ان الأول منها كما عرفت مورد اطباق الفريقين والأخيرين أيضا مورد اطباقهم بالعدم خصوصا الأخير منها وهو الطريقي باعتبار عدم تصور الوجوب الطريقي بالنسبة إلى المقدمة ، فمرجع هذا البحث في الحقيقة عندهم إلى البحث عن الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته. ومن ذلك أيضا لايختص هذا النزاع بخصوص مقدمة الواجب بل يجري في مقدمة الحرام والمكروه والمستحب كما هو واضح. كما أن الظاهر هو عدم اختصاص النزاع بخصوص المقدمات التبعية غير الواقعة تحت الخطاب المستقل كما لعله يظهر من بعضهم حسب جعلهم مورد النزاع الوجوب التبعي الغيري الشرعي بل يعم البحث هذه وما وقع منها مورد الامر في حيز خطاب مستقل كالوضوء والغسل ونحوهما


(259)
لان مجرد وقوعها تحت خطاب اصلى مستقل لايقتضي وجوبها شرعا بالوجوب الغيري لامكان كون الامر بها في تلك الخطابات ارشاديا إلى وجوبها العقلي بمناط اللابدية ، فتأمل.
الامر الثاني :
    هل المسألة من المسائل الفرعية ، أو هي من المسائل الأصولية العقلية ، أو من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء ، أو من المسائل الكلامية باعتبار رجوعها إلى البحث عن استحقاق المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة ؟ فيه وجوه أبعدها الأخير من جهة وضوح أن المقدمة على القول بوجوبها ليست مما يترتب عليها المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة فان المثوبة والعقوبة كانتا من تبعات موافقة الواجب النفسي ومخالفته لا من تبعات مطلق الواجب ولو غيريا ، وما يرى من استحقاق العقوبة عند ترك المقدمة فإنما هو من جهة تأدية تركها إلى ترك ذيها الذي هو الواجب النفسي لا من جهة انما مما يقتضي مخالفتها في نفسها مع قطع النظر عن ترتب ترك ذيها استحقاق العقوبة عليها ، كما لايخفى. ومعه لا مجال لعد المسألة من المسائل الكلامية ، وحينئذ يدور الامر بين كونها من المسائل الفرعية أو من المسائل الأصولية أو المبادي الاحكامية.
    نعم قد يقال حينئذ بتعين كونها من المسائل الفرعية نظرا إلى ظاهر عنوان البحث وكون المقدمة أيضا فعلا من أفعال المكلف ، فيكون البحث عن وجوبها حينئذ كالبحث عن حكم سائر أفعال المكلف في كونه فرعيا محضا لا أصوليا ، وعليه فكان ذكرها في المقام حينئذ لمحض الاستطراد.
    ولكن فيه أن عنوان البحث وان كان هو البحث عن وجوب المقدمة وعدم وجوبها ولكن المهم المبحوث عنه كما عرفت لما كان ثبوت الملازمة بين حكم شيء بواحد من الأحكام الأربعة وبين حكم مقدماته بلا نظر إلى خصوص الوجوب ، فلا جرم لا تكون من المسائل الفرعية غير المناسبة لتعرض الأصولي إياها في الأصول ، بل عليه تكون المسألة أصولية محضة ، إذ البحث عن الملازمة حينئذ كالبحث عن سائر الأحكام العقلية غير المستقلة فلا ترتبط حينئذ بالمسألة الفرعية.
    ومع الغض عن ذلك والاخذ بظاهر عنوان البحث نقول بعدم ارتباطها أيضا بالمسألة الفرعية لان الملاك في المسألة الفرعية ، على ما يقتضيه الاستقراء في مواردها انما هو


(260)
وحدة الملاك والحكم والموضوع ، فكان المحمول فيها دائما حكما شخصيا متعلقا بموضوع وحداني بملاك خاص كما في مثل الصلاة واجبة في قبال الصوم واجب والحج واجب ، ومثل هذا الملاك غير موجود في المقام فلايكون تعلق الوجوب بعنوان المقدمة من باب تعلق شخص حكم بموضوع وحداني بمناط وحداني خاص ، بل بعد أن كان عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا التقييدية لا جرم الحكم المحمول على العنوان المزبور يكون حاكيا عن وجوبات متعددة مختلفة شدة وضعفا بموضوعات عديدة بملاكات متعددة ، فكان حال المقدمة حينئذ بعد كون وجوبها بمناط دخلها في ذيها حال كل واجب يترشح إليه الوجوب من جهة دخله في ترتب المصلحة الخاصة عليه ، فيختلف الوجوب فيها حينئذ حقيقة وملاكا باختلاف ما يترتب على المقدمات نظير اختلاف الوجوبات باختلاف المصالح المترتبة عليها ، وعليه فلايكون هذا العنوان في المقام حاكيا عن محمول واحد متعلق بموضوع واحد بملاك واحد كما في الصلاة واجبة ، والصوم واجب بل هو يكون حاكيا ومرآة موضوعا ومحمولا عن موضوعات متعددة محكومة بأحكام متعددة بمناطات مختلفة ، ومن المعلوم حينئذ أنه لايكون في البين حينئذ جهة وحدة في البحث المزبور الا حيثية الملازمة التي عرفت كونها محط النظر والبحث ، وعليه لايكاد ارتباطها بالمسألة الفرعية بوجه أصلا ، مضافا إلى ما عرفت أيضا من عدم اختصاص مورد البحث بخصوص مقدمة الواجب بل عمومه في مقدمات الحرام والمكروه والمستحب أيضا مع مالها من الاختلاف بحسب المراتب والمناط ، فكان المقام من هذه الجهة من قبيل البحث عن أن فعل المكلف هل يكون محكوما بالأحكام الخمسة أم لا ومعلوم حينئذ عدم ارتباطها بالمسألة الفرعية ، كما هو واضح.
    على أنه ينطبق عليه أيضا ميزان المسألة الأصولية ، فان ميزان كون المسألة أصولية كما أفادوه هو ما يكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الحكم الفرعي على معنى وقوع نتيجتها كبرى في القياس لصغرى يقيد الحكم الفرعي ، ومثل هذا الميزان ينطبق على المسألة كما في قولك : ( هذه مقدمة الواجب وكل مقدمة الواجب واجبة فهذه واجبة ) كما ينطبق في فرض جعل النزاع في ثبوت الملازمة ، غايته انه على ذلك يحتاج إلى تشكيل قياسين في انتاج الحكم الفرعي ، بخلافه على ظاهر عنوان البحث ، فإنه لايحتاج الا إلى تشكيل قياس واحد. واما توهم انتقاضه بمثل الشرط المخالف للكتاب والسنة لوقوع نتيجتها أيضا كبرى


(261)
في القياس في قولك : ( هذا شرط مخالف للكتاب وكل ما هو كذلك فاسد فهذا فاسد ) مع وضوح كونها من أجلي المسائل الفرعية ، فيدفعه شخصية الحكم المحمول فيها ، بخلاف الحكم المحمول في المقام على عنوان المقدمية ، ومعه لا وجه لجعل المسألة من المسائل الفرعية غير المناسبة لتعرض الأصولي إياه في الأصول لمحض الاستطراد.
    ثم إن ذلك كله بناء على الاخذ بظاهر عنوان البحث وهو وجوب المقدمة ، والا فبناء على الاخذ بما هو المهم في المقام من ثبوت الملازمة وعدمها فعدم ارتباطها بالمسألة الفرعية أوضح.
    وعلى ذلك فهل هي من المسائل العقلية كالبحث عن غيرها من الملازمات أم هي من المبادئ الاحكامية باعتبار كونها بحثا عن لوازم وجوب الشيء وانه هل من لوازم وجوب الشيء وجوب مقدماته أم لا كالبحث عن أن من لوازم الشيء حرمة ضده ، فيه وجهان : حيث تناسب المسألة كلا منهما ، فإنه بعد فراغ من دلالة الصيغة على الوجوب كما يناسب البحث عن ثبوت الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته كذلك يناسب البحث عن لوازم وجوب الشيء وان كان الأنسب هو الأول ، وعليه تكون المسألة من المسائل العقلية الأصولية حيث كانت من الاحكام العقلية غير الاستقلالية وكان ذكرها في المقام للمناسبة المزبورة لا انها كانت لفظية كما ربما يظهر من بعض كصاحب المعالم ( قدس سره ) حسب استدلاله على النفي بانتفاء الدلالات ، اللهم الا ان يقال في وجه ذلك : بأنه من جهة كشف الدلالة عن ثبوت الملازمة وعدم الدلالة عن عدم ثبوتها ، بتقريب أنه على فرض الثبوت لا محالة يكون اللفظ دالا عليها بنحو الالتزام فكان البحث حينئذ في دلالة الصيغة على الوجوب وهو بهذا الاعتبار عين البحث عن ثبوت الملازمة بين الإرادتين. ولايخفى أنه على ذلك لايتوجه عليه اشكال الكفاية : بأنه إذا كان نفس الملازمة ثبوتا محل الاشكال لا مجال لتحرير النزاع في مرحلة الكشف والاثبات ومقام الدلالة بإحدى الدلالات ، لان مقام الدلالة فرع ثبوت أصل المعنى. إذ نقول : بان ما أفيد من عدم المجال لا يراد البحث في مقام الدلالة مع الاشكال في أصل ثبوت المعنى انما يتم بالنسبة إلى المدلول المطابقي الذي يمكن فيه تخلف الدلالة واما بالنسبة إلى المدلول الالتزامي فحيث انه لا ينفك ثبوت الملازمة عن دلالة اللفظ عليها بنحو الالتزام فلا يتم هذا الاشكال ، إذ عليه يكون البحث عن دلالة الصيغة عين البحث عين ثبوت الملازمة و


(262)
يستكشف بنحو الان من دلالة الصيغة عن ثبوت الملازمة ومن عدم دلالتها عن عدم ثبوت الملازمة بين المعنيين. نعم يرد عليه حينئذ أن مجرد ثبوت الملازمة بين معنيين ما لم يكن اللزوم بنحو البين بالمعنى الأخص لايرتبط بمقام الدلالة اللفظية حتى تكون المسألة لفظية وداخلة في مباحث الألفاظ ، وعليه ينحصر الامر في المسألة في كونها عقلية محضة وكان ذكرها في مباحث الألفاظ للمناسبة المزبورة ، فتأمل.
الامر الثالث :
    انهم قسموا المقدمة إلى تقسيمات :
منها تقسيمها بالداخلية والخارجية
    وذكروا ان الداخلية هي الأمور المأخوذة في ماهية المأمور به وحقيقته المعبر عنها بالاجزاء ، واما الخارجية فهي الأمور الدخيلة في تحقق المأمور به الخارجة عن حقيقته وماهيته ، كما في السبب والشرط والمانع والمعد ، على ما يأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى. فنقول : اما المقدمات الخارجية فسيأتي الكلام فيها في كونها مورد البحث اثباتا ونفيا. اما المقدمات الداخلية فلا اشكال في وجوبها بالوجوب النفسي الضمني ، وانما الكلام في وجوبها بالوجوب الغيري ، ومنشأه انما هو الاشكال في أصل مقدمية الاجزاء وتحقق ملاك المقدمية فيها ، وغاية ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه مقدمية اجزاء المركب دعوى ان المقدمة هي نفس ذوات الافعال بلا شرط وذا المقدمة هو الكل الذي عبارة عن ذوات الافعال بشرط الاجتماع بنحو كان للهيئة الاجتماعية أيضا دخل فيه ، نظير الهيئة السريرية الحاصلة من اتصال الأخشاب بعضها ببعض ، فان من المعلوم حينئذ ان تلك الذوات بملاحظة معروضيتها للهيئة متقدمة على الكل طبعا ، فتحقق فيها ملاك المقدمية ، هذا.
    ولكن التحقيق خلافه وانه لا مجال لاعتبار المقدمية في اجزاء المركب من جهة وضوح ان الملاك في مقدمية شيء لشيء انما هو كون الشيء مما يتوقف عليه وجود الشيء وفى رتبة سابقة عليه ، إذ لايكاد انتزاع هذا العنوان الا عما تقدم على الشيء رتبة بنحو يتخلل بينهما الفاء كما في قولك : ( وجد فوجد ) وقضية ذلك لا محالة هي المغايرة والاثنينية في


(263)
الوجود بين المقدمة وذيها ، والكاشف عن ذلك كان هو الفاء المزبور في قولك : وجد فوجد ومن المعلوم حينئذ انتفاء مثل هذا الملاك بالنسبة إلى اجزاء المركب نظرا إلى أن المركب لايكون في الحقيقة الا نفس الاجزاء بالأسر وفي ذلك لايكون بينها وبين الاجزاء المغايرة والا ثنينية بحسب الهوية أو الوجود بوجه أصلا ، ومن هذه الجهة أيضا نقول بعدم المجال لاعتبار المقدمية بين الطبيعي وافراده كما توهم ، لان الطبيعي بعد اتحاده مع فرده خارجا لا مغايرة ولا اثنينية بينهما حتى يجيء فيه ملاك المقدمية وصح تخلل الفاء الكاشف عن اختلاف الرتبة بينهما ، كما هو واضح.
    نعم لا يعتبر في صحة تخلل الفاء المزبور لزوم المؤثرية والمتأثرية بين الوجودين كما بين العلة والمعلول ، بل يجري ذلك في مثل العارض والمعروض أيضا كما في الصورة السريرية العارضة على الأخشاب المتعددة المتصل بعضها ببعض بالكيفية الخاصة ، ولكن ذلك أيضا غير مرتبط بعنوان الاجتماع والانضمام في المركبات الاعتبارية من جهة ان عنوان الاجتماع وكذا الترتب والانضمام انما كان انتزاعها في المركبات الشرعية عن جهة وحدة الامر المتعلق بالمتكثرات الخارجية كما أن عنوان الانفراد والاستقلال أيضا كان انتزاعهما عن تعدد الامر المتعلق بالمتكثرات ، حيث إنه من تعلق تكليف واحد بعدة أمور يطرء عليها وحدة اعتبارية ينتزع بها عنها عنوان الاجتماع والتركب والانضمام فيقال بأنها مجتمعات تحت وجوب واحد ، ومن تعلق تكاليف متعددة بها ينتزع عنها عنوان الانفراد والاستقلال في مقام عروض الوجوب فيقال بأنها واجبات متعددة مستقلة وان فرض كونها في الخارج متلازمات الوجود لملازمتها مع هيئة خارجية كما في اجزاء السرير وبهذه الجهة أيضا يمتاز العمومات المجموعية والاستغراقية حيث إن تمام الميز بينهما انما هو في وحدة الإرادة القائمة بالمجموع وتعددها ، كما هو واضح.
    وعلى ذلك فبعد ما لايمكن اخذ مثل هذه الوحدة الاعتبارية الطارية على المتكثرات الخارجية من قبل وحدة التكليف والوجوب في متعلق هذا التكليف وموضوعه ، فلا جرم في رتبة تعلق الوجوب لايبقى الا الذوات المتكثرة الخارجة ولايكون متعلق الوجوب ومعروضة الا نفس الذوات المتكثرة ، ومعه لايبقى مجال لاعتبار الكلية والجزئية للواجب إذ لايكون في هذه المرحلة امر وحداني تعلق به الوجوب حتى ينتهى الامر إلى مقدمية الاجزاء بوجه أصلا ، ولئن شئت فاستوضح ذلك بذوات أمور متعددة في الخارج حيث


(264)
ترى انها مما لا اقتضاء في ذاتها للتركب والانضمام لولا طر وجهة وحدة عليها من وحدة اللحاظ والمصلحة أو التكليف ، نظرا إلى قابليتها لكونها مستقلات في عالم اللحاظ والمصلحة والتكليف بصيرورة كل واحد منها معروضا للحاظ مستقل ومصلحة مستقلة وتكليف مستقل ، وقابليتها أيضا لكونها منضمات ومجتمعات في عالم اللحاظ والمصلحة والوجوب بتعلق لحاظ واحد ومصلحة واحدة وتكليف واحد بالجميع ، إذ حينئذ بتعلق اللحاظ الواحد أو المصلحة الواحدة والتكليف الواحد يطرء عليها جهة وحدة اعتبارية في تلك المرتبة المتأخرة ينتزع بها عنها عنوان الاجتماع والارتباط والانضمام ونحوها من العناوين ، كالكلية للمجموع والجزئية لكل واحد من الذوات ، فاعتبار الكلية انما هو بلحاظ ملاحظة اجتماع الذوات بأسرها تحت تكليف واحد ، واعتبار الجزئية بلحاظ ملاحظة كل واحد منها بشرط لا لكن في عالم العروض لا بحسب الخارج ، وعلى ذلك فدائما كان العنوانان المزبوران وهما الكلية والجزئية اعتبارين عرضيين منتزعين عن مرحلة تعلق الإرادة الواحدة بالأمور المتعددة المتكثرة بلا طولية بينهما أصلا.
    ومن ذلك البيان يظهر الكلام في الذوات المعروضة للهيئة الخارجية كما في اجزاء السرير ، إذ نقول فيها أيضا بعدم كون مناط التركب في الواجبات واستقلاله على مثل هذه الهيئة الخارجية العارضة على ذوات الأخشاب المتعددة ، نظرا إلى إمكان كون كل واحدة من ذوات الأخشاب المزبورة حينئذ تحت مصلحة مستقلة وتكليف مستقل بنحو كان كل واحدة منها واجبة بوجوب نفسي مستقل في قبال الأخرى ، غايته كونها حينئذ متلازمات الوجود في الخارج ، كامكان كون الجميع حينئذ تحت مصلحة واحدة وتكليف واحد ، وربما ينتج ذلك في كيفية التقرب بالامر من جهة الضمنية والاستقلالية وفي وحدة العقوبة والمثوبة وتعددهما في صورة الموافقة والمخالفة ، فان ذلك حينئذ برهان تام على عدم كون مناط التركب والاستقلال في الواجب على مثل هذه الوحدات الخارجية وان تمام المناط في التركب والاستقلال في الواجب على وحدة الوجوب المتعلق بالمتكثرات وتعدده وانه من تعلق وجوب واحد على المتكثرات ينتزع عنوان الكلية للمجموع والجزئية للآحاد وان فرض عدم اجتماعها في الخارج تحت هيئة خارجية ، كما أنه بتعلق وجوبات متعددة بها ينتزع عنها استقلال كل واحد منها في عالم الوجوب وان فرض كونها في الخارج مجتمعات تحت هيئة خارجية.


(265)
    وحينئذ فبعد ان كان مناط التركب في الواجب واستقلاله على وحدة الامر وتعدده ولايمكن أيضا اخذ مثل تلك الوحدة الاعتبارية الناشئة من قبل وحدة الامر في موضوعه ومتعلقه فكان متعلق الامر عبارة عن ذوات المتفرقات الخارجية ، فلا جرم يبطل القول بمقدمية الاجزاء ، من جهة انه حينئذ لم يكن في البين امر وحداني تعلق به الوجوب والتكليف حتى يجيء توهم المقدمية للاجزاء ، إذ لايكون الواجب وما تعلق به الوجوب حينئذ الا الذوات المتعددة المتكثرة ولا كان في هذه المرحلة الكلية ولا الجزئية بوجه أصلا.
    ثم إن هذا كله بناء على فرض خروج وصف الاجتماع عن الدخل في الملاك والمصلحة. واما بناء على مدخلية حيث وصف الاجتماع أيضا في المصلحة فقد يتوهم حينئذ تحقق مناط المقدمية في الاجزاء ، بتقريب : ان هذه الهيئة الاجتماعية حينئذ نظير الصورة السريرية الحاصلة من الأخشاب العديدة ، فتكون الذوات بملاحظة معروضيتها للهيئة الاجتماعية مقدمة عليها طبعا فتحقق فيها ملاك المقدمية. ولكنه مدفوع مضافا إلى ما ذكر من عدم كون مناط التركب على مثل هذه الهيئة الخارجية باعتبار امكان كون كل واحد من الذوات والهيئة واجبا بوجوب مستقل بان غاية ذلك انما هي مقدمية ذوات الاجزاء بالنسبة إلى الهيئة هي جزء المركب لا بالنسبة إلى نفس المركب الذي فرضناه عبارة عن ذوات الاجزاء والهيئة الاجتماعية ، ففي هذا الفرض أيضا لايكون معروض الوجوب الا الأمور المتكثرة التي منها الهيئة الاجتماعية. وبالجملة نقول : بأنه اما ان يجعل الواجب في الفرض عبارة عن خصوص الهيئة الاجتماعية واما ان يجعل الواجب عبارة عن الذوات والهيئة الاجتماعية ، فعلى الأول وان كان يلزمه مقدمية الذوات للواجب من جهة كونها مما يتوقف عليها الهيئة الاجتماعية كما في ذوات الأخشاب بالنسبة إلى الصورة السريرية ، ولكنه حينئذ خارج عن مفروض البحث ، من جهة صيرورة الذوات حينئذ من المقدمات الخارجية لا الداخلية ، وعلى الثاني يكون الواجب عبارة عن الأمور المتكثرة الخارجية التي منها الهيئة إذ حينئذ وان يطرأ من قبل الهيئة المزبورة وحدة اعتبارية على الذوات المزبورة ، ولكنه بعد أن كان معروض الوجوب عبارة عن منشأ هذا الاعتبار وهو الذوات المزبورة والهيئة الخارجية العارضة عليها لكونها هي التي تقوم بها المصلحة دون هذا الامر الاعتباري ، فلا جرم يكون معروض الوجوب


(266)
عبارة عن المتكثرات الخارجية لا انه عبارة عن امر وحداني مركب حتى ينتهى الامر إلى مقدمية الاجزاء للواجب المركب ، فينتهى الامر إلى البحث عن كونها واجبة بالوجوب الغيري للكل والمركب. نعم على هذا الفرض يتصور لذوات الاجزاء مناط المقدمية ولكنه لا بالنسبة إلى المركب كما هو مفروض البحث بل بالنسبة إلى الهيئة التي هي جزء الواجب ، وبالنسبة إليها أيضا تكون الاجزاء من المقدمات الخارجية لا الداخلية كما هو مفروض البحث.
    وحينئذ فبمقتضى ما ذكرنا صح لنا بقول مطلق نفى المقدمة في اجزاء المركب الارتباطي سواء على فرض مدخلية الهيئة الخارجية في الغرض والمصلحة أو عدم مدخليتها نظرا إلى ما ذكرنا من كون مناط التركب والاستقلال في الواجب على وحدة الوجوب المتعلق بالمتكثرات وتعدده وخلو معروض الوجوب عن مثل تلك الوحدات الاعتبارية المصلحة لاعتبار الكلية والجزئية والتركب والانضمام وكونه عبارة عن ذوات المتكثرات الخارجية ، إذ حينئذ لايكون في رتبة سابقة عن تعلق الوجوب والتكليف جهة وحدة تقتضي تعلق الوجوب بأمر وحداني مركب بما هو مركب بوجه أصلا ، لما عرفت من أن هذه الجهة من الوحدة المصححة لاعتبار التركب والانضمام والكلية والجزئية للواجب انما هي ناشئة من قبل وحدة التكليف المتعلق بالأمور المتكثرة وهي مضافا إلى اعتباريتها من جهة معلوليتها للتكليف وتأخرها الرتبي عنه من الممتنع اخذها في موضوع التكليف ومتعلقه.
    لايقال : بان ذلك كذلك بالنسبة إلى الوحدة الطارية من قبل الوجوب والتكليف ، واما بالنسبة إلى الوحدة الناشئة من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة فلا بأس بأخذها في موضوع التكليف ومتعلقه ، وحينئذ فأمكن اعتبار التركب في الواجب بهذا الاعتبار.
    فإنه يقال : نعم وان أمكن ذلك ولا يلزم منه المحذور المتقدم من اخذ الشيء المتأخر عن الشيء في رتبة سابقة عليه ، ولكن من الواضح حينئذ ان ما تعلق به الوجوب لايكون الا عبارة عن ما تقوم به المصلحة واللحاظ وهو لايكون الا الذوات المتكثرة الخارجية لكونها هي المؤثرة في الغرض والمصلحة دون العنوان الطاري عليها من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة ، فلابد حينئذ من الغاء هذه الوحدات طرا وتجريد المتعلق منها حتى الوحدة الاعتبارية الناشئة من قبل وحدة المصلحة واللحاظ بجعله عبارة عن الذوات المتكثرة


(267)
الخارجية التي تعلق بها اللحاظ والمصلحة ، ولازمه لا محالة حينئذ هو بطلان القول بمقدمية الاجزاء ، لعدم امر وحداني حينئذ في البين تعلق به الوجوب وعدم كون هذا الموطن موطن اعتبار الكلية والجزئية للواجب لما تقدم من كونهما اعتبارين عرضيين منتزعين عن مرحلة تعلق إرادة واحدة بالأمور المتكثرة الخارجية باعتبار اللحاظ بشرط لا تارة وبشرط شيء أخرى ، أي لحاظ كل جزء تارة في حيال نفسه وفي قبال الغير بنحو لو انضم إليه شيء كان خارجا عنه في عالم عروض الوجوب من جهة قصر اللحاظ عليه فقط ، ولحاظه بشرط شيء أخرى أي لحاظه منضما مع غيره ، والا ففي رتبة قبل الامر والوجوب لا كلية ولا جزئية ولا تركب ولا انضمام في البين بوجه أصلا.
    ومن هذا البيان ظهر أيضا ان مجرد اعتبار الكلية والجزئية في موطن بعد الامر لايكون أيضا مصححا لمقدمية الاجزاء للمركب بعد فرض عينية المركب والاجزاء ، من جهة ان المقدمية كما عرفت تقتضي الاثنينية والمغايرة مع ذيها في الوجود والطولية بينهما بحسب المرتبة بنحو يصح تخلل الفاء بينهما وتلك المغايرة الاعتبارية بينهما باعتبار اللحاظ لا بشرط وبشرط لا لاتقتضي المغايرة والطولية بينهما ، كما لايخفى.
    وعليه فاصل هذا التقسيم أي تقسيم المقدمية بالداخلية والخارجية مما لا مجال له بوجه من الوجوه. نعم انما يتصور المقدمية بالنسبة إلى الاجزاء في المركبات الحقيقية العقلية التي لها وجود مستقل وصورة مستقلة غير صور الاجزاء كالأجسام الملتئمة من العناصر الخاصة ، فإنها باعتبار انقلاب الاجزاء فيها عما لها من الصور العنصري الخاص إلى الصور الجسمية أو النباتية وصيرورتها مواد لها أمكن دعوى مقدمية الاجزاء المادية للمركب باعتبار تقدمها عليه وكونها من علل قوامه ، واما بالنسبة إلى المركبات الارتباطية الجعلية فلا مجال لهذا الكلام حتى فيما كان منها تحت هيئة خارجية كالأخشاب العديدة المعروضة للهيئة السريرية حتى مع كون الهيئة أيضا مما لا لها الدخل في الغرض والمصلحة ، كما في الصلاة حسب ما يستفاد من أدلة القواطع ، حيث يستفاد منها ان للصلاة هيئة إتصالية وانها أيضا مما لها الدخل في غرض النهى عن الفحشاء ، فإنه في هذا النحو من المركبات التي لايكون لها وجود وحداني حقيقي في الخارج لايكاد يكون معروض الوجوب فيها الا الذوات المتكثرة الخارجية التي منها الهيئة العارضة عليها ، ومعه كيف يمكن اتصاف ذوات الاجزاء فيها بالمقدمية للمركب ، ولعمري


(268)
ان تمام المنشأ في مصير من صار إلى مقدمية الاجزاء انما هو من جهة الخلط بين المركبات الحقيقية العقلية التي انقلب فيها الاجزاء حال تركبها عما لها من الصور الخاصة إلى صورة أخرى ثالثة وبين هذا النحو من المركبات الاعتبارية الجعلية ومقايسة إحديهما بالأخرى ، ولكنك بعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا تعرف وضوح الفرق بينهما وعدم صحة مقايسة أحدهما بالآخر.
    ثم انه لو بنينا على تحقق مناط المقدمية في اجزاء المركب اما مطلقا أو في خصوص ما كان منها تحت هيئة خارجية مع كون الهيئة أيضا مما لها الدخل في الغرض والمصلحة حيث قلنا في تلك الصورة بتحقق مناط المقدمية في الاجزاء بالنسبة إلى الهيئة العارضة عليها ، نقول بامتناع اتصافها بالوجوب الغيري بعد فرض ثبوت الوجوب النفسي الضمني لها نظرا إلى محذور اجتماع المثلين في موضوع واحد الذي هو من المستحيل. واما توهم تأكد الوجوب فيها حينئذ واشتداده فمدفوع بامتناع ذلك مع طولية الحكمين ، كما أن توهم اجداء مثل هذه الطولية حينئذ في رفع المحذور المزبور مدفوع بان الطولية الموجبة لرفع محذور اجتماع المثلين أو الضدين انما هي الطولية في ناحية الموضوع كما في موارد الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ، حيث كان متعلق أحد الحكمين عبارة عن ذات الشيء ومتعلق الاخر هي الذات في الرتبة المتأخرة عن الشك بحكمه ، واما في فرض وحدة الموضوع وعدم تعدد الرتبة فيه فلايكاد يفيد مجرد الطولية بين الحكمين في رفع محذور اجتماع الحكمين المتضادين أو المثلين ، لان العقل كما يأبى عن ورود حكمين عرضيين على موضوع وحداني كذلك يأبى عن ورود الحكمين الطوليين أيضا كما هو واضح فتأمل.
    لايقال : بأنه انما يتوجه المحذور المزبور بناء على تعلق الاحكام بالخارج اما بدوا أو بتوسيط العناوين والصور ، واما بناء على تعلقها بالعناوين والصور الذهنية ولو بالنظر الذي ترى خارجية بلا سرايتها منها إلى الخارج ، فلا جرم يرتفع المحذور المزبور ، من جهة تغاير المتعلقين حينئذ ، لان لحاظ الجزء منفردا لا في ضمن الغير ولحاظه في ظرف الانضمام بالجزء الآخر صورتان متغايرتان في الذهن غير صادقة إحداهما على الأخرى ، ومعه فلا بأس بتعلق الوجوب النفسي بإحدى الصورتين والوجوب الغيري بالأخرى.
    فإنه يقال : نعم وان كان المتعلق في الاحكام والإرادات هي العناوين والصور الذهنية فأمكن تعلق الحكمين بالعنوانين المتغايرين ولو مع اتحادهما بحسب المعنون


(269)
الخارجي ، ولكن نقول : بأنه انما يجدي ذلك في رفع محذور اجتماع المثلين في ظرف اختلاف العنوانين بحسب المحكى والمنشأ أيضا بنحو كان كل عنوان حاكيا عن منشأ غير ما يحكى عنه الاخر لا في مثل المقام الذي كان المحكى فيها واحدا بحسب المنشأ أيضا. نعم لو كان المراد من اعتبار الاجزاء بشرط لا اعتبارها بشرط لا عن الانضمام في الخارج لكان لما أفيد كمال مجال من جهة اختلاف العنوانين حينئذ بحسب المحكى والمنشأ ، ولكن الالتزام بذلك مشكل جدا ، من جهة رجوعه حينئذ إلى وجوب المقدمة بشرط عدم الايصال إلى ذيها ، لان اعتبارها بشرط لا عن الانضمام في الخارج عبارة عن اعتبارها بشرط عدم الايصال وهو كما ترى لايمكن الالتزام به ، والا فبناء على إرادة اعتبارها بشرط لا في عالم عروض الوجوب ، فلا جرم يلزمه اتحاد العنوانين بحسب المحكى والمنشأ علاوة عن اتحادهما بحسب المعنون الخارجي ، وعليه يلزمه في صورة الانضمام في الخارج اجتماع الوجوبين في نفس تلك الأجزاء باعتبارين وهو كما ترى من المستحيل وانه لا يجدي في دفع المحذور مجرد تلك المغايرة الاعتبارية ، كما هو واضح.
    وحينئذ فعلى كل تقدير الاجزاء المعبر عنها بالمقدمات الداخلية تكون خارجة عن محل النزاع اما لعدم ملاك المقدمية فيها كما هو التحقيق أو لامتناع اتصافها بالوجوب الغيري بعد وجوبها بالوجوب النفسي.
    ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في باب الأقل والأكثر الارتباطيين من جهة مرجعية البراءة أو الاشتغال ، فإنه على القول بالوجوب الغيري للاجزاء ربما يتعين الامر في تلك المسألة في المصير إلى الاشتغال نظرا إلى وجود العلم الاجمالي بالتكليف وعدم صلاحية العلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل أعم من الغيري والنفسي ، للانحلال ، لمكان تولده من العلم الاجمالي السابق عليه وتحقق التنجز في الرتبة السابقة. واما على القول بعدم وجوب الاجزاء بالوجوب الغيري اما من جهة انتفاء ملاك المقدمية فيها أو من جهة محذور اجتماع المثلين فأمكن القول بمرجعية البراءة في تلك المسألة نظرا إلى رجوع الامر حينئذ إلى علم تفصيلي بتعلق إرادة الشارع بذات الأقل ولولا بحده وهو الخمسة مثلا والشك البدوي في تعلقها بالزائد ، واما العلم الاجمالي فإنما هو متعلق بحد التكليف وانه الأقل أو الأكثر كالخط الذي تردد حده بين الذراع أو الذراعين ، ومثل هذا العلم لا اثر له في التنجز لان المؤثر منه انما هو العلم الاجمالي بذات التكيف لا بحده ، وتنقيح الكلام بأزيد من


(270)
ذلك موكول إلى محله ، فالمقصود في المقام مجرد الإشارة إلى ثمرة البحث.

    فالعقلية هي التي يتوقف عليها الشيء عقلا بنحو يستحيل تحققه بدونها. واما الشرعية فهي التي يتوقف عليها وجود الشيء شرعا لا عقلا كالطهارة للصلاة. والعادية هي التي يتوقف عليها وجود الشيء عادة وان لم يتوقف عليها عقلا ولا شرعا ، كتحصيل العلم في الأزمنة المتمادية للبلوغ إلى مرتبة الاجتهاد ونصب السلم للصعود على السطح. نعم في الكفاية أورد على التقسيم المزبور وادعى برجوع الجميع إلى العقلية ، بتقريب : انه بعد اعتبار الشارع شرطية شيء لشيء كالطهارة للصلاة أو بعد اقتضاء العادة توقف شيء على شيء ، لا محالة يصير التوقف عقليا ، من جهة استقلال العقل بعد توسيط الشارع أو قضاء العادة باستحالة تحقق المشروط بدون شرطه واستحالة الصعود على السطح لغير الطائر بدون نصب السلم مثلا هذا. ولكن نقول : بأنه بعد توسيط جعل الشارع واعتباره أو قضاء العادة وان كان الامر كما ذكر من صيرورة التوقف عقليا ، الا ان هذا المقدار لايقتضي رجوع الشرعية والعادية إلى العقلية ، من جهة ان حكم العقل بالتوقف حكم وارد على المقدمة فارغا عن الإناطة التي هي مناط مقدمية الشئ.
    وحينئذ نقول : بان محط النظر في هذا التقسيم انما هو في أصل تلك الإناطة من كونها تارة ذاتية محضة بلا توسيط شيء من جعل شرعي أو قضاء عادى وأخرى شرعية محتاجة إلى اعتبار الشارع إياها كالصلاة في ظرف الطهارة فان الإناطة بين الصلاة والطهارة حينئذ لم تكن ذاتية وانما هي من جهة توسيط جعل الشارع إياها من جهة انه لولا جعل الشارع لم يكن إناطة بين الطهور والصلاة بل كان العقل يجوز تحقق الصلاة بدون الطهارة ، ومجرد دخلها في المصلحة أيضا لايقتضي إناطة الصلاة بها قهرا لامكان ان لا يعتبرها الشارع فيها في مقام الامر بها ولو من جهة مصلحة أخرى كمصلحة التسهيل على المكلفين. وهكذا الامر في العاديات فإنه لولا قضاء العادة لما كان إناطة بنظر العقل بينهما بوجه أصلا لتجويزه تحقق ذيها بدونها كما في علوم المعصومين عليهم السلام حيث
نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس