نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: 571 ـ 585
(571)
موضوع حكم العقل بالقبح بوجود البيان على التكليف ، وعليه فلا يبقى مجال توهم المعارضة بينهما بوجه أصلا ، وهذا بخلافه على الثاني فان قضية كون المتكلم في مقام اعطاء الحجة حينئذ انما كان ملازما مع ظهور لفظه في الاطلاق الكاشف عن كونه تمام المراد ، بظهور فعلى تنجيزي ، من جهة ان اعطاء الحجة على المراد حينئذ لايكون الا باعطاء الظهور الكاشف عنه ، والا فلايكون في البين حجة غيره ، وحينئذ فمتى لم ينصب في كلام به التخاطب قرينة على القيد والخصوصية ، فلا جرم يلزمه استقرار الاطلاقي للفظه ، ومع استقرار الظهور الاطلاقي فيه يقع لا محالة التعارض بينه وبين ما في القبال من المقيدات المنفصلة ، وفي مثله لا يلاحظ قضية وضعية الظهور اللفظي في المقيدات المنفصلة في تقديمها على ظهوره الاطلاقي ، بل بعد استقرار الظهور الاطلاقي فيها أيضا لابد من ملاحظة أقوى الظهورين منهما وتقديمه على الاخر ، وهذا بخلافه على الأول فإنه عليه لا مجال لتوهم المعارضة بينهما بل لابد من تقديم الظهورات الوضعية في المقيدات المنفصلة على ظهوره الاطلاقي من جهة صلاحيتها للبيانية عليه ورافعيتها لأصل ظهوره الاطلاقي ، والوجه فيه ما عرفت بان عدم البيان على القيد فيما بعد على ذلك كان مقوم أصل انعقاد الظهور الاطلاقي فيه ، فمع مجيء البيان بالوجدان والظفر بالحجة على القيد يرتفع هذا الأصل بالمرة ، وبارتفاعه لايكاد يكون ظهور الاطلاقي لكلامه بوجه أصلا حتى يلاحظ التعارض بينهما ، كما لايخفى.
    لايقال بان ذلك كك لولا ظهور حال المتكلم في المشي على طبق ما اقتضته الجبلة الأولية والفطرة الارتكازية من ابرازه تمام مقاصده بلفظ به التخاطب لا به وبكلام آخر منفصل عن هذا الكلام ، فإنه لا اشكال في أن الجبلة والفطرة في كل متكلم بكلام به التخاطب تقتضي كونه بصدد ابراز تمام مرامه الواقعي بمدلول لفظه الملقى إلى المخاطب على نحو كان مدلول لفظه تمام مراده بوصف التمامية ، لا في مقام الاهمال رأسا ، ولا في مقام بيان مجرد ان المدلول هو المراد ولو لم يكن تمام المراد بوصف التمامية بل كان ذلك جزء مراده ، وجزئه الآخر شيء يذكره فيما بعد بكلام آخر غير هذا الكلام ، فان ذلك كله وان أمكن في نفسه ، حيث لا محذور في ذكر المتكلم جزء مرامه بهذا الكلام وجزئه الآخر بكلام منفصل آخر فيما بعد ، وبعبارة أخرى لا محذور في كينونة المتكلم في بيان تمام مرامه لكن بأعم من هذا الكلام وكلام آخر فيما بعد ، الا انه خلاف ما تقتضيه الجبلة الأولية والارتكاز


(572)
الفطري ، ومن ذلك ترى بأنه لا يرتاب أحد في الخطابات الشفاهية في الحمل على الاطلاق في قوله : ادخل السوق واشتر اللحم ونحو ذلك ، والكشف عن كون مدلول اللفظ تمام المراد ، من دون اعتناء باحتمال كون المدلول جزء المراد في حكمه وان جزئه الآخر شيء يذكره فيما بعد بكلام آخر ، وعلى ذلك فإذا كان الظاهر من حال المتكلم كونه على طبق تلك الجبلة من كونه بصدد بيان تمام مراده بكلام به التخاطب في قوله : أعتق رقبة مثلا ، ولم متصلا بكلامه ذلك ما يدل على اعتبار قيد فيها من الايمان أو الكتابة أو غيرها ، فلا جرم في مثله الجبلة المسطورة تقتضي ظهور لفظه في الاطلاق الكاشف عن كونه تمام المراد ، من دون احتياج في ذلك إلى التشبث بأصالة عدم مجيء القيد فيما بعد ، بل نفس ظهور الحال يكفي في اطلاق المرام ، وحينئذ فمع استقرار الظهور الاطلاقي لكلامه بمقتضى المقدمات المزبورة عن الجبلة المسطورة قهرا يلزمه التعارض بينه وبين ما في القبال من المقيدات المنفصلة ، من جهة كشف ذلك حينئذ عن كون المدلول تمام المرام وكشف المقيدات المنفصلة عن كون المدلول من الأول جزء المرام لاتمامه الملازم لعدم كون المتكلم من أول الامر على طبق الجبلة من بيان مرامه بلفظ به التخاطب ، وعليه فلا فرق بين التقريبين من جهة انه على كل تقدير يستقر الظهور الاطلاقي للفظه ، ولا ينثلم ظهوره بقيام دليل منفصل فيما بعد على القيد ، سواء فيه على تفسير البيان باعطاء الحجة والظهور على المراد أو تفسيره ببيان المرام الواقعي النفس الأمري بلفظ به التخاطب.
    فإنه يقال بعد الفرق الواضح في المقام بين مسلك المشهور من وضع اللفظ للاطلاق كسائر الحقائق ، وبين مسلك السلطان ( قدس سره ) من حيث استتباع المقدمة المزبورة بالجبلة المسطورة على الأول لمطابقة اللفظ الظاهر في نفسه لواقع مرامه لا لأصل انعقاد الظهور ، من جهة اقتضاء الوضع فيه لأصل انعقاد الظهور ، بخلافه على مسلك السلطان حيث كانت الجبلة المزبورة مقومة لأصل انعقاد الظهور الاطلاقي للفظ. نقول بان من المعلوم حينئذ ان احراز هذا الظهور وجدانا فرع أحرا الجبلة المسطورة كذلك ، والا فمع عدم احراز الجبلة واحتمال عدم كون المتكلم فعلا في مقام بيان تمام مرامه بهذا الكلام واحتمال مجيء القيد فيما بعد لا مجال لانعقاد الظهور الاطلاقي على هذا المسلك ، وعليه فمرجع احراز تلك الجبلة بظهور حال المتكلم ، مع احتمال كونه على خلاف الجبلة والارتكاز وجدانا ، بعد أن كان إلى أصالة عدم المانع عن الجبلة ، الراجعة


(573)
إلى أصالة عدم كونه في مقام بيان تمام مرامه بكلام آخر غير هذا الكلام فلا جرم بمجرد مجيء البيان على القيد يلزمه لا محالة ارتفاع هذا الأصل بالمرة ، لان مرجع أصالة عدم البيان على القيد التي يناط بها ظهور اللفظ انما هو إلى عدم الحجة عليه ولو بلفظ آخر منفصل عن هذا اللفظ ، فمع الظفر بكل بيان وحجة على القيد فيما بعد يرتفع لا محالة هذا الأصل الحاكم بكون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بهذا اللفظ ، ومع ارتفاعه لايبقى مجال للظهور الاطلاقي في طرف المطلق حتى يعارض الظهور التنجيزي في طرف المقيدات المنفصلة ، وذلك أيضا من غير فرق بين فرض احراز القيد بالكشف القطعي أو احرازه بالكشف الظني ، فإنه على كل تقدير يكون الظفر بكل بيان وحجة على القيد رافعا حقيقة للأصل المزبور الذي به قوام الظهور المزبور. نعم لو كان الارتكاز والجبلة المزبورة في المقام كسائر الحقايق وعلى مسلك المشهور مستتبعا لمطابقة اللفظ الظاهر في نفسه لواقع مرامه ورافعا لاحتمال إرادة خلاف الظاهر لا مقوما لأصل الظهور ، أو كان ظهور اللفظ في مقام اناطته منوطا بعدم وجود القيد واقعا لا بعدم الحجة والبيان عليه الذي هو موضوع قبح العقاب بلا بيان لكان لدعوى المعارضة بين ظهور حال المتكلم الكاشف عن عدمه واقعا مع دليل القيد الكاشف عن وجوده كك كمال مجال ، والا فمع فرض تسليم إناطة أصل ظهوره بعدم الحجة وبيان القيد ولو فيما بعد فلا يبقى مجال دعوى المعارضة بين ظهور الحال مع دليل القيد ، بل مهما ظفر بالحجة على القيد فيما بعد يقطع بمخالفة الظهور للواقع.
    وبالجملة نقول : ان موضوع حكم العقل بعدم نقض الغرض الذي هو مفاد مقدمات الحكمة انما هو كون المتكلم في مقام البيان وعدم إقامة حجة على مدخلية قيد في مرامه ، إذ لو أقام حجة عليه لا يلزم عليه نقض غرض بوجه أصلا ، وحينئذ فمهما ظفرنا بحجة على القيد فيما بعد يلزمه ارتفاع موضوع حكم العقل ، من جهة انقلاب اللابيان بوجود البيان ، كما هو واضح. وعليه فلابد من تنقيح هذه الجهة بان البيان الذي هو عمدة تلك المقدمات عبارة عن اعطاء الحجة والظهور على المراد ، كي يلزمه المعارضة مع المقيدات المنفصلة بالتقريب المتقدم ، أو هو عبارة عن كون المتكلم في مقام الجد لبيان تمام مرامه الواقعي بلفظ به التخاطب حتى يلزمه تقديم المقيدات المنفصلة عليه.
    ثم إن من لوازم هذين المعنيين أيضا هو عدم اضرار القدر المتيقن الخارجي بالاطلاق


(574)
على الأول واضراره به على الثاني ، من جهة عدم محذور نقض غرض عليه في فرض إرادة التقييد واتكاله عليه بيانا وحجة على القيد ، بخلافه على الأول فإنه لما كان لايوجب مثله انثلاما لظهور اللفظ كما في كلية القرائن المنفصلة لايكاد يصح له الاكتفاء بذلك القدر المتيقن الخارجي في فرض عدم إرادة الاطلاق من لفظه ، كما هو واضح.
    وحيث إن بنائهم طرا على عدم الاعتناء بوجود القدر المتيقن الخارجي في المضربة بالاطلاق. فالأقوى منهما هو المعنى الأول ، مضافا إلى كونه هو الغالب في هذه الخطابات خصوصا الخطابات الشرعية المتكفلة للأحكام الشرعية ، فإنها طرا بصدد اعطاء الحجة على المراد إلى المكلف ليكون له بيانا وحجة في الموارد المشكوكة في نفى ما شك في اعتباره وجودا أم عدما في المأمور به إلى أن يظهر الخلاف ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في القاء العمومات اللفظية وسائر الحقايق ، فان المقصود منها طرا انما هو مجرد اعطاء الحجة على المراد إلى المكلف ، لان يتكل بها بيانا على التكليف وجودا وعدما في مقام العمل عند الشك في القرينة أو التخصيص فتدبر.
    واما المقدمة الثالثة : وهي انتفاء القدر المتيقن مطلقا ولو من الخارج أو في خصوص مقام التخاطب فالاحتياج إليها في صحة الاخذ بالاطلاق وعدمه أيضا مبني على أن المراد من البيان في المقدمة الأولى هو كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده على وجه يعلم المخاطب أيضا بان المدلول تمام المراد ، أو مجرد كونه في مقام بيان تمام مراده بنحو لا يشذ عنه شيء ، بلا نظر إلى فهم المخاطب بأنه تمام المراد ، فعلى الأولى لايحتاج إلى تلك المقدمة ولايكاد يضر وجود القدر المتيقن ولو في مقام التخاطب بقضية الاطلاق ، ما لم يصل إلى حد الانصراف الكاشف عن دخل الخصوصية في المطلوب ، فان مجرد القطع بكونه مرادا لا يقتضى عدم كون غيره مرادا أيضا ، بل على فرض إرادة المتكلم للقيد لابد بمقتضى برهان نقض الغرض من نصب البيان على مدخلية الخصوصية ، والا فليس له الاكتفاء بمحض كونه القدر المتيقن في مقام التخاطب ، واما على الثاني من كونه في مقام بيان تمام مرامه من دون تعلق غرضه بفهم المخاطب أيضا بان مدلول اللفظ تمام المراد بوصف التمامية فلازمه الاحتياج إلى عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وعدم جواز التعدي عنه مع وجوده إلى غيره ، فإنه على تقدير إرادة المقيد حينئذ لا يلزم من عدم بيانه نقض غرض في البين كما يلزم في الصورة الأولى ، ومعه لا طريق إلى احراز الاطلاق حتى


(575)
يتعدى عن القدر المتيقن إلى غيره ، كما هو واضح.
    ولكن التحقيق حينئذ هو الثاني ، ذلك من جهة ان غاية ما تقتضيه تلك المقدمات بمقتضى برهان نقض الغرض انما هو عدم اخلال المتكلم بما هو واقع مرامه في خطابه ، واما من حيث فهم المخاطب أيضا بأنه تمام المراد فلا ، لان ذلك امر زائد قلما يتفق تعلق الغرض به ، وعليه فمع احتمال إرادة المتكلم للمقيد وهو المتيقن واتكاله في ذلك على حكم العقل بلزوم الاخذ به لا مجال للاخذ بالاطلاق ، حيث لا يلزم من ارادته بالخصوص محذور نقض غرض في البين ، وهذا بخلافه في الفرض الأول فإنه بعد فرض تعلق غرضه بمعرفة المخاطب أيضا بكون المدلول تمام المراد لابد له في فرض ارادته للمقيد من نصب بيان عليه ، والا فمجرد القطع بدخول القدر المتيقن في المطلوب وكونه مرادا للمتكلم لا يقتضى القطع بكونه تمام المراد بوصف التمامية الا مع بلوغه إلى حد الانصراف الكاشف عن دخل الخصوصية ، فعلى ذلك فلا اشكال في الاحتياج إلى المقدمة الثالثة ، وهي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب.
    واما اضرار القدر المتيقن الخارجي وعدم اضراره فقد عرفت ابتنائه أيضا على كون البيان في المقام بمعنى اعطاء الحجة على المراد أو بمعنى كون المتكلم في مقام الجد بابراز مرامه الواقعي. وقد عرفت أيضا ان التحقيق هو الأول وانه لا يضر مجرد وجود القدر المتيقن ولو من الخارج بالأخذ بالاطلاق.
    ثم لايخفى عليك انه مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وان كان لا مجال للاخذ بالاطلاق ، بل كان اللازم هو الاقتصار عليه وعدم التعدي عنه إلى غيره ، الا انه لايوجب التقيد بالخصوص حتى يلزمه معارضته مع مطلق آخر في قباله ، بل وانما غايته هو مانعيته عن الاخذ باطلاق ذلك ، وهو واضح.
    ثم إن من القرائن المانعة عن الاخذ بالاطلاق كما عرفت هو الانصراف ، ولكنه لا مطلقا بل البالغ منه إلى حد مبين العدم أو المضر الاجمالي دون ما يوجب التشكيك البدوي ، وتوضيح ذلك هو ان للانصراف مراتب متفاوتة شدة وضعفا ، حسب زيادة ما يوجبه من انس الذهن الناشئ من كثرة الاطلاق وغلبة الاستعمال وغير ذلك.
    فمن تلك المراتب ما يوجب التشكيك البدوي الزائل بالتأمل والتدقيق كما في انصراف الماء في الكوفة مثلا إلى الفرات ، فإنه لايوجب الا مجرد التشكيك البدوي الذي


(576)
يزول بأدنى تأمل وتدبر.
    ومنها : ما يكون انس الذهن بمرتبه يوجب الشك المستقر بنحو لا يزول بالتأمل والتدبر أيضا ، كما في القدر المتيقن.
    ومنها : ما يكون انس الذهن بمثابة يكون كالتقيد اللفظي ، فهذه مراتب ثلاثة :
    فالمرتبة الأولى : منها هي المعبر عنها بالتشكيك البدوي وهي لا توجب شيئا ولا تمنع عن الاخذ بالاطلاق.
    والثانية : هي المضرة الاجمالية فتمنع عن الاخذ بالاطلاق خاصة كما في القدر المتيقن في مقام التخاطب.
    والثالثة : هي المعبر عنها بمبين العدم ، باعتبار اقتضائها لتحديد دائرة المطلوب وتقيده بالخصوصية الموجبة لصلاحيته للمعارضة مع ما في القبال من مطلق آخر ، فيفترق حينئذ هذه المرتبة مع المرتبة السابقة وهي المضرة الاجمالية ، من حيث عدم اقتضاء المضر الاجمالي الا مجرد الاضرار بالاطلاق والمنع عن التمسك به ، بخلاف هذه المرتبة ، فإنها مضافا إلى منعها عن الاطلاق توجب تحديد دائرة المراد والمطلوب وتقيده بالخصوصية كالتقييدات اللفظة.
    ثم إن الانصراف إلى الخصوصية أيضا تارة يكون على الاطلاق من دون اختصاصه بحال دون حال ، وأخرى يكون مخصوصا بحال دون حال آخر كحال الاختيار والاضطرار وغير ذلك ، كما لو كان من عادة المولى مثلا اكل البطيخ في الحضر واكل ماء اللحم في السفر ، فان المنصرف من امره حينئذ باحضار الطعام في حضره شيء وفي سفره شيء آخر ، لا انه كان المنصرف إليه شيئا واحدا في جميع تلك الأحوال.
    ومن ذلك أيضا انصراف وضع اليد مثلا على الأرض ، حيث إن المنصرف منه في حال الاختيار والتمكن ربما كان هو الوضع بباطن الكف لا بظاهرها ، وفي حال الاضطرار وعدم التمكن من وضع باطن الكف كان المنصرف منه الوضع بظاهر الكف ، ومع عدم التمكن من ذلك هو الوضع بالساعد ، وهكذا ، كل ذلك بملاحظة ما هو قضية الجبلة والفطرة من وضع الانسان باطن كفيه على الأرض في حال القدرة في مقام الوصول إلى مقاصده ، وبظاهرهما عند العجز وعدم التمكن من ذلك ، وبالساعدين عند العجز من ذلك أيضا.
    وعليه فلا بأس بالتمسك باطلاقات أوامر المسح باليد في وجوب المسح بظاهر الكفين مع


(577)
عدم التمكن عن المسح بباطنها ، بل وجوبه ببقية اليدين عند تعذر المسح بظاهر الكفين أيضا كما هو المشهور.
    فلا يرد عليه حينئذ ان المنصرف من الامر بالمسح باليد لو كان هو المسح بباطن الكفين بحيث كان بمنزلة التقييد اللفظي لما كان وجه لدعوى وجوبه بظاهرهما مع العجز عن المسح بباطنهما ، من جهة ان مقتضى الانصراف المزبور بعد كونه بمنزلة التقييد اللفظي حينئذ انما كان سقوط وجوب المسح رأسا ، فيحتاج اثبات وجوبه بظاهر الكفين إلى دليل خاص ، والا فلا يجديه اطلاقات أوامر المسح باليد.
    إذ نقول بان ذلك انما يتم فيما لو كان الانصراف المزبور أولا بنحو الاطلاق ، والا فمع فرض اختصاصه بحال القدرة وعدم العجز لا مجال لهذا الاشكال ، بل حينئذ كما يتمسك باطلاق أوامر المسح عند التمكن لوجوب المسح بباطن الكفين ، كذلك يتمسك به أيضا لوجوبه بظاهرهما في حال عدم التمكن من المسح بباطنهما ، من دون احتياج في اثبات وجوبه بظاهر الكفين إلى قيام دليل خاص عليه ، كما لايخفى.
    ثم اعلم أنه إذا كان للمطلق جهات فلابد في الاخذ بالاطلاق من كل جهة من احراز كون المتكلم في مقام البيان من تلك الجهة والا فلايكفي مجرد كون المتكلم في مقام البيان من جهة من الجهات في الاخذ بالاطلاق مطلقا ولو من غير تلك الجهة ، بل بعد امكان كونه في مقام الاهمال لابد من الاقتصار في الاخذ بالاطلاق على الجهة المعلومة التي كان المتكلم بالنسبة إليها في مقام البيان وعدم التعدي عنها إلى غيرها ، الا إذا كانت الجهة المهملة من اللوازم الغالبية للجهة المعلومة التي كان المتكلم بالنسبة إليها في مقام البيان ، بحيث يوجب الحكم بالاهمال فيها من هذه الجهة صرف الاطلاق إلى الموارد النادرة ، فإنه في مثل ذلك ربما يلازم الاطلاق من هذه الجهة الاطلاق من غير تلك الجهة أيضا فيؤخذ حينئذ باطلاقه من الجهتين ، وعلى ذلك فيمكن الاخذ باطلاق ما دل على طهارة سؤر الهرة حتى من جهة الحالات من حيث طهارة فم الهرة وعدم طهارة فمها وتلطخها بالنجاسة ، بدعوى ان سوق الكلام وان كان من جهة افراد السؤر دون الحالات ولكنه لما كان الاهمال من جهة نجاسة فم الهرة وطهارته موجبا لحمل اطلاق طهارة سؤرها على المورد النادر ، بملاحظة انه قلما يتفق خلو في الهرة عن النجاسة ولو في زمان ، فيوجب حينئذ حمل اطلاق طهارة سؤرها على الموارد النادرة


(578)
التي لم يتلطخ فمها بالنجاسة أو تلطخ بها ولكنه صار طاهرا بالماء الكر أو الجاري ونحوهما ، فقهرا في مثله يلازم الاطلاق من تلك الجهة الاطلاق في الجهة المهملة فيؤخذ حينئذ باطلاق الطهارة من الجهتين.
    وحينئذ فلابد أولا من ملاحظة جهات القضية وان الكلام مسوق لبيان أي واحدة من الجهات ، ثم بعد ذلك ملاحظة تلك الجهات المهملة التي لم يحرز كون المتكلم بالنسبة إليها في مقام البيان بأنها من اللوازم الغير المنفكة العقلية أو الغالبية للجهات المطلقة أم لا ، هذا كله في أصل كبرى المسألة.
    واما تشخيص صغريات ذلك فموكول إلى نظر الفقيه حيث لا ضابط كلي لذلك يؤخذ به في جميع الموارد ، وانما ذلك يختلف باختلاف خصوصيات الموارد حسب ما تقتضيه القرائن الخاصة ومناسبات الحكم والموضوع ونحو ذلك ، فمن ذلك لابد للفقيه من بذل الجهد في تشخيص صغريات ذلك بملاحظة خصوصيات الموارد أو القرائن الخاصة فيها من مناسبات الحكم والموضوع ونحو ذلك ، فتدبر.
تتمة
    إذا ورد مطلق ومقيد فاما ان يكونا متوافقين في الايجاب والسلب أو متخالفين. أما إذا كانا متوافقين وكانا مثبتين كقوله : أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة فاما ان يحرز ولو من الخارج كونهما بنحو وحدة المطلوب أو تعدده ، واما ان لا يحرز شيء منهما.
    فعلى الأول فان أحرز كونهما على نحو وحدة المطلوب فلا اشكال في المعارضة بينهما ، فلابد حينئذ اما من حمل المطلق على المقيد واما من حمل المقيد على بيان أفضل الافراد برفع اليد عن ظهوره في دخل الخصوصية ، وان أحرز كونهما على نحو تعدد المطلوب على معنى كون مطلق الرقبة الجامع بين الواجدة للايمان والفاقدة له مطلوبا ، والرقبة المتقيدة بقيد الايمان مطلوبا آخر فلا تعارض بينهما ، حيث يؤخذ بكل واحد منهما ، ونتيجة ذلك هو سقوط كلا التكليفين بايجاد المقيد في مقام الامتثال ، وبقاء التكليف بالمقيد في صورة الاقتصار على المطلق.
    واما على الثاني من عدم احراز أحد الامرين من وحدة المطلوب وتعدده والشك في


(579)
ذلك فلا اشكال أيضا في أن مقتضى الأصل هو الحمل على تعدد المطلوب ، لأنه مع احتمال كونهما بنحو تعدد المطلوب لم يحرز التنافي بينهما حتى يحتاج في مقام العلاج إلى حمل المطلق على المقيد ، فكان نفس الشك في كونهما على نحو وحدة المطلوب واحتمال كونهما بنحو تعدد المطلوب كافيا في عدم ترتيب آثار وحدة المطلوب بينهما ، وهذا مما لا اشكال فيه ظاهرا.
    وانما الكلام في أن طبع ظهور القضية في مثله يقتضى أي الامرين منهما ؟ وفي مثله نقول : بان كل واحد من الامرين في قوله : أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ، لما كان له ظهور في إرادة مستقلة محدودة بحد خاص متعلقة بصرف وجود الشيء الذي هو غير قابل للتعدد والتكرر ، وكان الجمع بين ظهور الامرين في الاستقلال وبين ظهور المتعلق في صرف الوجود غير ممكن عقلا ، من جهة استحالة توارد الحكمين المتماثلين كالضدين على موضوع واحد ، فلابد في مقام العلاج من رفع اليد عن أحد الأمور الثلاثة :
    اما عن ظهور المتعلق في الصرف بحمله على وجود ووجود ليختلف متعلق الحكمين.
    واما عن ظهور الامرين في الاستقلال والتعدد بجعل المنكشف منهما إرادة واحدة لا إرادتين ، ليكون النتيجة وحدة المطلوب ، فيجمع بينهما اما بحمل المطلق على المقيد أو حمل المقيد على أفضل الافراد ، فيكون المنكشف في الامر بالمطلق على الأول عين الإرادة الضمنية في طرف الامر بالمقيد ، وعلى الثاني يكون المنكشف في الامر بالمقيد عين الإرادة المكشوفة في طرف المطلق مع زيادة الندبية مثلا.
    واما من رفع اليد عن استقلال الامرين في الحد خاصة مع حفظ أصل ظهورهما في تعدد الإرادة والطلب ، فيحمل بعد الغاء الحدود الخاصة فيهما على التأكد في المجمع.
    ولكن في مقام الترجيح لاينبغي اشكال في أن أردأ الوجوه هو الوجه الأول ، حيث إن رفع اليد عن ظهور المتعلق فيهما في صرف الوجود والمصير إلى لزوم تعدد الوجود في مقام الامتثال بعيد جدا ، وحينئذ فيدور الامر بين الوجهين الآخرين : من رفع اليد اما عن أصل ظهور الامرين في الاستقلال ذاتا والمصير إلى كون المنكشف من الانشائين إرادة واحدة فينتج وحدة المطلوب ، واما من رفع اليد عن خصوص الحدود مع ابقاء أصل ظهور الامرين في الاستقلال على حاله كي ينتج تعدد المطلوب والتأكد في المجمع ، وفي مثله لايبعد دعوى تعين الأخير من جهة أهونية التصرف في الحد من التصرف


(580)
في ظهور الامرين في تعدد الإرادة ، خصوصا مع امكان منع أصل ظهور الامرين في استقلالهما في الحد من جهة ان غاية ما يقتضيه الظهور المزبور انما هو الكشف عن تعدد أصل الإرادة والطلب واما محدوديتهما بحدين مستقلين فلا.
    وبالجملة نقول بان التصرف في ظهور الامرين في تعدد الإرادة وان كان ممكنا في نفسه ، من حيث إنه يكون الانشاء في باب التكاليف كالانشاء في باب العقود في اقتضائه السببية لتحصل مضمونه في الخارج حتى يلزمه تعدد المسبب عند تعدد السبب ، بل وانما ذلك كان من قبيل الاخبار كاشفا عن الإرادة وحاكيا عنها ، فأمكن ان يقال حينئذ بعدم كشف الانشائين في المقام عن أزيد من إرادة واحدة. ولكنه مع ذلك كله عند الدوران بين التصرفين كان التصرف الأخير وهو التصرف في الحد أهون من التصرف في ظهور الامرين في تعدد الإرادة.
    ثم إن ما ذكرنا من الدوران بين الوجوه المزبورة انما هو على المبنى المختار من استقرار الظهور للمطلق وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة على الخلاف ، والا فبناء على المبنى الآخر الذي تقدم شرحه فلا محالة يكون دليل المقيد حاكما عليه ، فلابد من التقييد ، ومعه فلا ينتهي النوبة إلى مقام الدوران بين الوجوه المتقدمة ، اللهم الا ان يقال بأنه كك فيما لو كانت الدلالة في المقيد المنفصل وضعيا الا فبناء على كون الدلالة فيه أيضا من جهة الاطلاق وقرينة الحكمة فلا ، من جهة ان التعليق حينئذ كان من الطرفين ومعه لا وجه لتقديم دليل المقيد وتحكيمه على المطلق ، والمقام انما كان من قبيل الثاني ، حيث إنه كما كان ظهور المطلق في استقلال الطلب من جهة مقدمات الحكمة كذلك ظهور دليل المقيد أيضا : في قوله أعتق رقبة مؤمنة ، في أول مرتبة الإرادة كان من جهة الاطلاق ، بحيث لو تم ظهور الأول لابد من حمل الثاني على المرتبة الأكيدة من الإرادة ، ومعه لا وجه لتقديم دليل المقيد وتحكيمه على ظهور المطلق وحمل الامر المتعلق به على الامر الضمني.
    اللهم الا ان يدفع ذلك ويقال بان ظهور كل امر في أول مرتبة الطلب ظهور وضعي لا اطلاقي ، فتدبر.
    ثم إن هذا كله بناء على عدم ثبوت المفهوم للمقيد واما بناء على ثبوت المفهوم له فقد يقال بأنه لا اشكال حينئذ في التقييد. ولكن فيه اشكال : إذ نقول بأنه انما يلزم التقييد فيما لو كان القيد بحسب ظهور القضية راجعا إلى أصل الوجوب ، والا فبناء على ظهور رجوعه إلى المرتبة الأكيدة من الوجوب أو احتمال رجوعه إليها فلا يلزم التقيد ، من غير فرق في


(581)
ذلك بين القول بثبوت المفهوم والقول بعدمه.
    وبالجملة نقول : بأنه على فرض ظهوره في رجوع القيد إلى أصل الحكم لابد من التقييد ، قلنا بالمفهوم أم لم نقل ، وعلى فرض عدم ظهوره في ذلك ورجوعه إلى المرتبة الأكيدة من الحكم أو تردده بين الامرين فلا يحكم بالتقييد وان قلنا بالمفهوم ، فعلى كل تقدير لا ينفع قضية القول بالمفهوم في اثبات التقييد ، كما هو واضح. وعلى كل حال فهذا كله فيما لو كان لسان دليل المقيد بنحو قوله : أعتق رقبة مؤمنة.
    واما لو كان لسانه بنحو قوله : يجب ان تكون الرقبة مؤمنة أو ما يفيد ذلك ، فلايبعد في مثله دعوى ظهوره في مطلوبية الايمان فيها مستقلا من باب المطلوب في المطلوب.
    كما أنه لو كان بلسان الاشتراط كقوله : فليكن الرقبة مؤمنة ، لابد من التقييد من جهة ظهوره حينئذ في مدخلية قيد الايمان في المطلوب.
    وعلى ذلك لابد حينئذ من ملاحظة كيفية لسان دليل المقيد في أنه بنحو قوله : أعتق رقبة مؤمنة ، أو بنحو قوله : يجب ان تكون الرقبة مؤمنة ، الظاهرة في كونه من باب المطلوب في المطلوب ، أو بنحو الارشاد إلى الاشتراط ، فعلى الأول يتأتى فيه الوجوه المتقدمة ، وعلى الثاني يؤخذ بظهور كل واحد من المطلق والمقيد ولا تعارض ولا تنافى بينهما ، وعلى الثالث لابد من التقييد وحمل المطلق على المقيد فتدبر. هذا كله في المثبتين.
    واما المنفيان كقوله : لا تعتق الرقبة ولا تعتق الرقبة المؤمنة ، فلا اشكال في عدم التنافي بينهما بل في مثله ربما كان ذلك مؤكدا في الحقيقة للاطلاق لا منافيا له ، الا على فرض القول فيه بالمفهوم ، فيلحق حينئذ بالمتخالفين من جهة اقتضائه حينئذ بمفهومه لعدم حرمة المطلق ، ومثله ما لو كانا بنحو قوله : لايجب عتق الرقبة ولايجب عتق الرقبة المؤمنة ، فان ذلك أيضا على فرض المفهوم كان ملحقا بالمتخالفين ، وعلى فرض عدم المفهوم كان مؤكدا للاطلاق لا منافيا له ، هذا ، ولكن في عد المثال الأول مثالا للمنفيين نحو خفاء ينشأ من كونه أشبه بالمثبتين ، كما هو ظاهر. وعلى كل حال فهذا كله في المتوافقين في الايجاب والسلب.
    واما المتخالفان فهو يتصور على وجهين : الأول ما كان التخالف بينهما على وجه التناقض بنحو الايجاب والسلب كقوله : أعتق رقبة ولايجب عتق الرقبة المؤمنة ، وذلك


(582)
أيضا بأحد النحوين : اما بنحو كان الحكم في طرف المطلق اثباتا وفي طرف المقيد نفيا كما في المثال المزبور ، واما بعكس ذلك كقوله : لايجب عتق الرقبة ويجب عتق الرقبة المؤمنة. فان كان الأول ففيه احتمالات : احتمال التقييد كما هو الظاهر وعليه العرف ، واحتمال نفى الوجوب الأكيد لا نفي أصل الوجوب ، واحتمال رجوع النفي إلى خصوص القيد ، ومع الدوران وعدم الترجيح قد عرفت ان الحكم هو عدم التقييد ، وان كان الثاني فالمتعين كان هو التقييد.
    الثاني ان يكون التخالف على وجه التضاد كقوله : أعتق رقبة ويحرم عتق الرقبة الكافرة ، أو بالعكس كقوله : يحرم عتق الرقبة ويجب عتق الرقبة المؤمنة ، وحكم هذا القسم في الصورتين أيضا هو التقييد وتخصيص الوجوب في الصورة الأولى بما عدا الافراد الكافرة والحرمة في الصورة الثانية بما عدا الافراد المؤمنة.
    نعم يحتمل أيضا رجوع الحكم في هذا القسم في الصورتين إلى ذات القيد على معنى اختصاص الحكم في طرف المقيد بذات القيد ، نظير الامر بالجامع مع النهى عن بعض الخصوصيات أو بالعكس ، وعليه فيبتنى على مسألة الاجتماع ، فعلى القول بالجواز خصوصا في الفرض فلا تنافى بينهما أصلا ، من جهة اختلاف المتعلق حقيقة حينئذ في الأمر والنهي وكونه في أحدهما هو الطبيعي والجامع وفى الآخر هو القيد والخصوصية ، واما على القول بعدم الجواز حتى في مثل الفرض يقع بينهما التنافي. ولكن قد عرفت ان الجمع العرفي في نحوه هو التقييد لا غير. هذا تمام الكلام في المطلق والمقيد. والحمد لله رب العالمين.


(583)
المقصد السادس في المجمل والمبين
    وقد عرف المجمل بتعاريف : منها : ان المجمل عبارة عما لايكون بحجة ولا يستطرق به إلى الواقع فيقابله المبين وهو الذي يستطرق به إلى الواقع.
    ومنها : ولعله هو الظاهر أنه عبارة عما لايكون له الدلالة والظهور في معنى خاص والمبين في قباله وهو الكلام الذي كان له الدلالة والظهور على المعنى. والمراد من الدلالة والظهور انما هو الدلالة التصورية التي هي بمعنى انسباق المعنى من اللفظ في الذهن عند اطلاقه ، لا الدلالة التصديقية التي هي موضوع الحجية ، ولعله إليه أيضا يرجع ما في الفصول من تعريفه بأنه عبارة عما دل على معنى لم يتضح دلالته. وعليه فيخرج المهملات طرا لأنها ليس لها معنى أصلا ، والظهور والدلالة فرع أصل وجود المعنى للفظ ، كما أنه يخرج أيضا عن هذا التعريف الألفاظ الظاهرة التي قام على خلافها القرينة الخارجية المنفصلة ، كالعمومات المخصصة بالمنفصل ، وموارد تعارض الظهورين المنفصلين ، ويدخل ذلك كله في المبين ، من جهة ان مجرد قيام القرينة الخارجية على عدم إرادة الظاهر منه على هذا التعريف لا يخرجه عن المبين. وهذا بخلافه على التعريف الأول فإنه عليه يدخل الموارد المزبورة في المجملات نعم يدخل فيه المشتركات اللفظية بل المعنوية والكلام المحفوف بالقرينة المجملة ونحوها مما لايكون له ظهور في معنى وان علم من الخارج ما أريد منه ، هذا.
    ولكن الذي يسهل الخطب هو عدم ترتب ثمرة مهمة على هذا النزاع ، لان موضوع الحجية بعد ما كان عبارة عن الظهور التصديقي الملازم لاحراز كون المتكلم في مقام الإفادة


(584)
والاستفادة ، فلا جرم كان تمام العبرة في مقام الحجية والاستطراق وجودا وعدما على هذا الظهور ، قلنا بكون المجمل عبارة عما لا يستطرق به إلى الواقع وكون موارد تعارض الظهورين المنفصلين من المجملات حقيقة ، أو بكونه عبارة عما لايكون له ظهور ودلالة على المعنى المراد بالظهور التصوري وان الموارد المزبورة مبينات حقيقة ولكنها محكومة بحكم الاجمال ، من جهة انه ليس لنا حكم في آية أو رواية كان مترتبا على العنوانين المزبورين حتى يصح لأجله النزاع والنقض والابرام في تعريفهما ، كما هو واضح.
    ومن ذلك ظهر عدم المجال أيضا لما أفادوه من النقض والابرام في بعض الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة في أنها من المجملات أو المبينات كآية السرقة ، وآية تحريم الأمهات ، وقوله : لا صلاة الا بطهور ، ونحو ذلك ، من حيث حكم بعضهم باجمال اليد في الآية وترددها بين الكف والزند والمرفق ، وحكم بعض آخر بعدم الاجمال فيها ، وهكذا في آية تحريم الأمهات ، وقوله : لا صلاة الا بطهور ، وذلك لما عرفت من عدم ترتب ثمرة مهمة على ذلك بعد كون مدار الحجية في باب الظهورات وجودا وعدما على الظهور التصديقي ، هذا ، مع امكان دعوى كون الأمثلة المزبورة أيضا من المبينات بالمعنى الذي شرحناه ، نظرا إلى ظهور اليد في المجموع حسب الظهور التصوري الذي بمعنى الانسباق ، وظهور استناد تحريم الأمهات والأخوات إلى خصوص وطيها ، وحلية البهيمة إلى اكلها ، وظهور النفي في لا صلاة الا بطهور في نفى الحقيقة ، وعليه فكانت الأمثلة المزبورة من قبيل المبينات من غير أن يضر بذلك قيام القرينة في بعضها على الخلاف كما في آية السرقة ، حيث علم من الخارج بعدم إرادة مجموع اليد في الآية المباركة ، وعدم إرادة نفى الحقيقة مثلا في تركيب لا صلاة الا بطهور ونحوه ، وذلك من جهة ما عرفت مرارا من عدم اقتضاء القرائن المنفصلة كلية لكسر صولة الظهورات رأسا وجعلها حقيقة من المجملات بل وانما غايتها اقتضائها لعدم حجيتها.
    تنبيه : لايخفى عليك ان الاجمال والتبيين في الكلام أمران إضافيان بالنسبة إلى الاشخاص فربما يكون الكلام مجملا بالإضافة إلى شخص لمكان جهله وعدم معرفته بالوضع أو من جهة تصادم ظهوره عنده بما يصلح للقرينية عليه من الأمور المحفوفة بالكلام ، ومبينا عند شخص آخر لعلمه ومعرفته بالوضع وعدم تصادم ظهوره بما حف به بنظره ، وهو واضح.


(585)
    هذا تمام الكلام في مباحث الألفاظ على ما تيسر لنا من تحرير ما استفدناه بفهمنا القاصر. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
    وقد وقع الفراغ عن تسويده في التاسع عشر من ربيع المولود على يد الأقل محمد تقي البروجردي ابن عبد الكريم عفى الله عنهما انشاء الله تعالى بجاه محمد وآل محمد سنة 1356.
بسمه تعالى
لقد فوض إلي امر تصحيح النسخة الأصل
من حيث رعاية أصول اللغة العربية فأجلت
النظر فيها وصححت ما وجدت منها غير موافق
لتلك الأصول ، الا ما زاغ عنه البصر ، مراعيا
لكمال الأمانة وربما غيرت بعضا طفيفا من
الألفاظ بما لا يخرج عن حد الاصلاح أو التزيين.
ومن اليقين رضي المؤلف قدس سره وابتهاجه به
رزقنا الله تعالى الاخلاص في القول والعمل
بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم
أجمعين.
قم المشرفة ـ محمد مؤمن
20 / 9 / 1362
نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس