نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 91 ـ 105
(91)
احتمال الغفلة من المتكلم أو المخاطب مرجوح عند العقلاء كذلك احتمال القرينة الخفية بينه وبين المخاطب مرجوح عند العقلاء وهي منفية بأصالة عدمها ( واما ) دعوى اختصاص حجية الظهور لدى العقلاء بما لو أحرز كون المتكلم في مقام تفهيم مرامه لكل أحد لا لشخص خاص ( والا ) فلا يفيد لغيره الظن بالمراد ولو نوعا ( فمدفوعة ) بمنع الاختصاص ، بل الظاهر هو كفاية مجرد كون المتكلم في مقام تفهيم مرامه ولو لشخص خاص في الاخذ بظهور كلامه كما يكشف عنه الزام العقلاء المتكلم بما هو ظاهر كلامه عند سماع كلامه الملقى إلى غيره ، ولذا ترى انه لو وقع كتاب شخص إلى شخص بيد ثالث لا يتأمل ذاك الثالث في استخراج مراده من كتابه وترتيب الأثر عليه ولذلك جرى ديدن الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم على الاخذ بظواهر الاخبار الصادرة عن المعصومين (ع) في جواب السائلين واستفادة الأحكام الشرعية منها مع كون المقصود بالافهام فيها هم السائلون ( فتأمل ).
    « واما الموضع الثاني » وهو حجية ظواهر الكتاب فقد خالف فيه بعض الأخباريين واستدلوا على المنع بوجوه « منها » ان الكتاب وارد في مقام الاعجاز فلا تكون ظواهره كسائر الظواهر التي يعرف المراد منه كل أحد « بل يختص » فهم المراد منها بمن خوطب به وهو النبي (ص) والأوصياء فلا يجوز الاخذ حينئذ بشيء من ظواهره لاستفادة الأحكام الشرعية الا بمعونة ما ورد عن الأئمة من التفسير « ومنها » دعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القران الموجب لطرو الاجمال على الظواهر « ومنها » الأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز الاخذ بظواهر الكتاب معللا في بعضها بان الآية يكون أولها في شيء واخرها في شيء وانه كلام متصل ينصرف إلى وجوه « ومنها » العلم الاجمالي بالتقييد والتخصيص في كثير من المطلقات والعمومات الكتابية الموجب لسقوط ظواهرها عن الحجية « ولكن » لا يخفى ما في هذه الوجوه « اما الوجه الأول » ففيه عدم اقتضائه للمنع عن الاخذ بالآيات الظاهرة الدلالة بحسب الفهم العرفي ولا ينافي ذلك غموضها بحسب ما كان لها من البطون كما في النصوص « واما الوجه الثاني » ففيه منع العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القران ، وعلى فرض التسليم لا اثر لمثل هذا العلم الاجمالي بعد احتمال كونه في الآيات غير المرتبطة بآيات الاحكام كآيات القصص ونحوها خصوصا مع


(92)
احتمال كون مورد التحريف جملة مستقلة غير مرتبطة بما قبلها وما بعدها من الظواهر وان كانت مشتملة على الحكم « واما الوجه الثالث » ففيه ان الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وان كانت مستفيضة بل متواترة الا انها على كثرتها بين طائفتين طائفة تنهى عن تفسير القران بالرأي والاستحسانات الظنية وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظواهر الكتاب من دون مراجعة إلى ما ورد من الأئمة عليهم السلام ، ومن المعلوم ان شيئا منهما لا ينفع ما يدعيه الخصم من المنع عن العمل بظواهر الكتاب اما الطائفة الأولى فلوضوح عدم اندراج العمل بالظاهر في التفسير بالرأي لتشمله الأخبار الناهية « كيف » وان التفسير عبارة عن كشف القناع ولا قناع في الظواهر الواضحة الدلالة لأنها مما يعرفها كل أحد من أهل اللسان فيختص ذلك بالمتشابهات فإنها هي التي تحتاج إلى التفسير وكشف القناع عنها ( واما ) الطائفة الثانية ، فلان محل الكلام هو العمل بالظواهر بعد الرجوع إلى الاخبار والفحص عن تخصيصها ونسخها وإرادة خلاف ظاهرها وهذا مما لا ينفيه تلك الأخبار لما عرفت من أنها في مقام النهى عن الاستقلال بالرأي في العمل بالكتاب والاستغناء عن الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام كما عليه العامة ( هذا كله ) مضافا إلى ما ورد في بعض الاخبار من الامر بالرجوع إلى الكتاب والاخذ بظواهره كرواية عبد الاعلى فيمن عثر فانقطع ظفره فجعل على إصبعه مرارة من قوله (ع) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة فان في إحالة معرفة المسح عليها على كتاب الله إشارة إلى عدم احتياج مثل ذلك إلى السؤال من جهة وجوده في ظاهر الكتاب ، كما أن في اطلاق المعرفة على ذلك دلالة على ما ذكرناه سابقا من أن حجية الظواهر من باب تتميم الكشف ( ومنها ) ما في رواية زرارة في جواب قوله من أين علمت أن المسح ببعض الرأس من قوله (ع) لمكان الباء حيث عرفه (ع) مورد استفادة ذلك من الكتاب ( ومنها ) الأخبار الواردة في عرض الاخبار المتعارضة على الكتاب وفى رد الشرط المخالف للكتاب إلى غير ذلك « واما الوجه » الرابع فقد أجيب عنه بان العلم الاجمالي ينحل بعد الفحص عن تلك المقيدات والمخصصات والعثور على مقدار منها يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليه « ولكنه كما ترى » لا يفي بدفع الشبهة مثل هذا العلم التفصيلي اللاحق ، إذ


(93)
مجرد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من المقيدات والمخصصات لا يرفع اثر العلم ولا يوجب انحلاله ما لم يكن قيامه على تعيين المعلوم بالاجمال لان من المحتمل ان يكون ما ظفر به من موارد إرادة خلاف الظاهر من التخصيصات والتقييدات غير ما هو المعلوم بالاجمال « والا » لما كان وجه لوجوب الفحص بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال في بقية الظواهر فوجوب الفحص حينئذ في بقية الظواهر كاشف عن بقاء اثر العلم الاجمالي وعدم انحلاله ( فالأولى ) ان يقال في الجواب عن الشبهة ان هذا العلم الاجمالي مقرون حين وجوده بعلم اجمالي آخر وهو العلم بمقدار من المخصصات والمقيدات في ما بأيدينا من الاخبار بنحو لو فحصنا لظفرنا بها فينحل العلم الاجمالي الكبير بما في دائرة العلم الاجمالي الصغير من الأول ولازم هذا العلم الصغير هو الفحص عن كل ظاهر فإذا فحصنا ولم نظفر بقرينة على الخلاف نقطع بخروج ذلك الظاهر عن دائرة العلم الصغير من الأول فتدبر ( بقى الكلام ) في ما لو اختلفت القراءة في الكتاب كما في قوله سبحانه حتى يطهرن بالتخفيف من الطهارة الظاهرة في النقاء من الحيض وبالتشديد من التطهر الظاهر في الاغتسال واجمال القول في ذلك أنه اما ان نقول بتواتر القرائات واما لا وعلى الثاني اما ان نقول بالتلازم بين جواز القراءة بكل قرائة وجواز الاستدلال بها واما لا ( فعلى الأول ) ان أمكن الجمع بينهما بحمل الظاهر منهما على الأظهر أو النص ولو بدعوى نصوصية يطهرن بالتخفيف في أن الواجب هو النقاء من الحيض وظهور يطهرن بالتشديد في أن الواجب هو الاغتسال فلا اشكال في حمل الظاهر منهما على النص أو الأظهر والحكم باستحباب الغسل والا يتوقف ويرجع إلى الأصل أو الدليل الموجود في المسألة لان حالهما حينئذ كآيتين متعارضتين ( وعلى الثاني ) فالامر كذلك فمع امكان التوفيق العرفي يجمع بينهما والا يتوقف ( واما على الثالث ) فبعد عدم تواتر القرائتين وعدم ثبوت التلازم بين جواز القراءة وجواز الاستدلال لابد من التوقف والرجوع اما إلى عموم جواز الاتيان بالزوجة في اي زمان بناء على استفادة العموم الا زماني من قوله سبحانه فأتوا حرثكم انى شئتم أو إلى استصحاب حكم المخصص على الخلاف المذكور في محله ولكن الذي يسهل الخطب ورود النص على الجواز بمجرد حصول النقاء وقد عمل به المشهور فلا ينتهى الامر إلى مقام البحث عن مرجعية عموم العام أو استصحاب حكم المخصص وان كان


(94)
المتعين في مثله هو الأول على ما حققناه في محله هذا تمام الكلام في المقام الأول واما المقام الثاني وهو ما يعمل في تشخيص أوضاع الألفاظ وتشخيص ظاهرها عن غيره ككون لفظ الصعيد حقيقة في مطلق وجه الأرض وان صيغة الامر حقيقة في الوجوب وان الجملة الشرطية ظاهرة في كذا ونحو ذلك والمتكفل لاثبات هذا المقام هي الأوضاع اللغوية فيما لم تكن المعاني من المرتكزات العرفية والا فالعبرة به وان خالف الأوضاع اللغوية ثم إن استكشاف الأوضاع اللغوية ان كان بالعلم فلا اشكال وان كان بالظن ففي حجيته خلاف بين الاعلام والمشهور على ما حكى هو عدم الحجية وهو الأقوى لان المتيقن من السيرة انما هو حجية الظاهر بعد الفراغ عن ظهوره واما حجية الظن بان هذا ظاهر في كذا وان ذاك حقيقة في كذا فلا دليل عليها ( نعم ) نسب إلى جماعة حجية قول اللغويين في تعيين الأوضاع واستدل عليه تارة باجماع العقلاء والعلماء على الرجوع إليهم في استعلام المعنى اللغوي والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاج ( وأخرى ) بما دل على حجية خبر الواحد ( وثالثة ) بما دل على حجية قول أهل الخبرة والبصيرة من ذوي الفنون فيرجع إليهم حينئذ ويقبل قولهم كما يرجع إلى أهل الخبرة من ذوي الفنون والصناعات البارعين في فنونهم بمقتضي السيرة القطعية من العرف والعقلاء ولكن الكل كما ترى ( اما الأول ) ففيه ان رجوع العلماء إلى علماء اللغة في استعلام حال اللغات وفى مقام الاستشهاد والاحتجاج لو سلم فإنما هو فيما يتسامح فيه كتفسير خطبة وبيان شعر ومعنى رواية غير متعلقة بالحكم الشرعي لا في مقام استنباط الحكم الشرعي إذ لم يعهد منهم في هذا المقام الرجوع إلى اللغوي والاخذ بقوله نعم قد يحصل بالمراجعة إليهم الوثوق والاطمينان ولو من قول لغوي واحد بان المعنى من المسلمات عند اللغويين ولكن ذلك خارج عن مفروض البحث الذي هو حجية قول اللغوي في تعيين الأوضاع بما هو ( واما الوجه ) الثاني فيدفعه اختصاص أدلة حجية خبر الواحد بالأحكام الشرعية وعدم شمولها للموضوعات الخارجية وعلى فرض تسليم قيام السيرة وبناء العقلاء على الاخذ بخبر الواحد حتى في الموضوعات نقول انه يكفي في الردع عن بنائهم قوله (ع) في رواية مسعدة بن صدقة والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة مضافا إلى أن دأب اللغويين ليس الا بيان موارد الاستعمالات لا بيان المعنى الموضوع له هذا ( وربما يورد ) عليه بان قول اللغوي


(95)
من جهة تضمنه لأعمال الاجتهاد والرأي يكون من الاخبار عن الحدس فلا يكون مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاصها كأدلة الشهادة بالاخبار عن حس أو الحدس القريب منه ( ولكن يضعف ) بان اخباره إذا كان مستندا إلى اللوازم المحسوسة العادية أو القرائن النوعية الملازمة مع المخبر به كشياع المعنى عند أهل تلك اللغة كان داخلا في الحدسيات القريبة من الحس فتشمله أدلة حجية الخبر فالعمدة في الاشكال عليه هو ما ذكرناه من الاشكال كبرويا وصغرويا ( واما الوجه ) الثالث ففيه ان الرجوع إلى أهل الخبرة والبصيرة من ذوي الفنون والصناعات فيما يرجع إلى فنهم وان كان في الجملة مما لا سبيل لانكاره لكونه مما استقرت عليه طريقة العقلاء واستمرت عليه السيرة العرفية ولم يردع عنه الشارع أيضا الا ان القدر المتيقن من السيرة هو ما إذا حصل الوثوق والاطمينان من قول أهل الخبرة لا بمحض كونهم من أهل الخبرة والبصيرة فإنه لم يثبت بنائهم على الاخذ بقول أهل الخبرة والعمل عليه تعبدا ولو مع الشك وعليه نمنع اعتبار قولهم إذا كان مبنيا على الحدس المحض ولو مع اشتماله على شرائط الشهادة من التعدد والعدالة من غير فرق بين باب فصل الخصومة وباب خيار العيب والتقويم وغير ذلك نعم يتجه ذلك فيما لو كان حدسه قريبا من الحس فيعتبر حينئذ فيه ما اعتبر في الشهادة من التعدد والعدالة لاندراجه في ضابط الشهادة ولا يفرق في ذلك بين الخصومة وغيرها « فما أفيد » من التفصيل في حجية قول أهل الخبرة بين باب الخصومة وغيرها باعتبار شرائط الشهادة في خصوص الأول بمقتضى قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان مع الاعتراف بامتيازه عن باب الشهادة لكون الشهادة هي الاخبار عن حس بخلاف قوله أهل الخبرة « منظور فيه » إذ بعد الاعتراف بامتيازه عن باب الشهادة لا مجال للتفصيل المزبور واعتبار التعدد والعدالة فيه في باب الخصومة بمقتضى قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان اللهم الا ان يكون اجماع تعبدي في البين على لزوم اشتماله على شرائط الشهادة في باب الخصومة وخيار العيب ولكنه غير اعتبارها فيه بمقتضى دليل حصر القضاء مع الاعتراف بعدم شمول أدلة البينة لمثله لاختصاصها بالاخبار عن حس ( نعم ) عمدة الاشكال في حجية قول اللغوي هو عدم كونهم بصدد تعيين المعنى الموضوع له وتشخيص المعنى الحقيقي عن غيره وذلك لما هو الظاهر من حالهم


(96)
من كونهم بصدد تعداد موارد استعمال اللغات بلا نظر إلى تعيين ما هو الموضوع له نعم قد يظهر من بعضهم كونه بصدد بيان المعني الموضوع له اما بالتنصيص على عدم تعرضه لغير المعنى الحقيقي أو التنصيص على أن المذكور أولا من المعاني هو المعنى الحقيقي كما نسب ذلك إلى القاموس ولكن الكلام حينئذ في حصول الوثوق من قول لغوي واحد إذ بدونه لا مجال لحجية قوله كما أشرنا إليه آنفا ( وقد يستدل ) على حجية قول اللغوي بالانسداد الصغير ( وفيه ) ما لا يخفى فان انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقف عليها العلم بالحكم لا يوجب حجية الظن المطلق ما لم يرجع إلى انسداد باب العلم بمعظم الاحكام بحيث يلزم من اعمال الأصول النافية أو الرجوع إلى الاحتياط محذور الخروج من الدين أو العسر والحرج الشديد واستلزامه لذلك محل نظر بل منع لانفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة ولو بمعونة القرائن الخارجية فلا محذور حينئذ في الرجوع إلى القواعد فيما انسد فيه باب العلم ومع الاغماض عن ذلك يتوجه عليه ما أوردناه انفا من عدم كون اللغويين في مقام تشخيص الأوضاع فتدبر

    ومن الظنون التي قيل بخروجه عن الأصل الاجماع المنقول بالخبر الواحد حيث وقع فيه الخلاف بين الأصحاب ونسب القول بحجيته إلى جماعة من الاعلام واستدل عليها بما دل على حجية خبر الواحد لاندراجه فيه بل هو من الخبر العالي السند لرجوع دعوى الاجماع إلى حكاية قول الإمام (ع) أو رأيه بلا واسطة فتشمله أدلة حجية الخبر من السيرة والاخبار وآية البناء وغيرها « وفيه » ان المستند لمدعى الاجماع في اخباره عن الإمام (ع) حيث كان هو الحدس المحض لبعد وصوله إلى الامام وسماع قوله خصوصا في الغيبة الكبرى « لا يكون » اخباره مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاص أدلتها كأدلة الشهادة بما إذا كان الاخبار مستندا إلى الحس أو الحدس القريب منه كالاخبار بالشجاعة وملكة العدالة ونحوهما « فان » عمدة الدليل على حجية خبر الواحد هي السيرة العقلائية والاجماعات وحيث انهما لبيتان لا يكون لهما اطلاق حتى يمكن الاخذ به لكل خبر ولو عن حدس


(97)
( واما الأدلة اللفظية كالاخبار والآيات فهي واردة في مقام امضاء السيرة العقلائية التي عرفت الحال فيها لا في مقام التأسيس ( مع أنها ) ناظرة إلى نفي احتمال الخلاف الناشي من جهة تعمد الكذب لا إلى كيفية خبر العادل من حيث المستند وعليه فلا يبقى مجال للتشبث بمثل هذه الأدلة لاثبات حجية الاجماع المنقول هذا ( ولكن ) التحقيق في المسألة التفصيل في الاجماعات المحكمية حسب اختلاف المباني في حجية الاجماع المحصل ، من باب التضمن ، أو قاعدة اللطف أو الحدس ونحو ذلك ( فما كان ) منها في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى كالاجماعات الواقعة في كلمات مثل الكليني والصدوقين والمفيد والسيدين ونظرائهم قدس الله اسرارهم ممن أمكن في حقهم عادة الوصول إلى الإمام (ع) « لا بأس » بالأخذ به حيث إنه بعدما أمكن في حقهم ان يكون دعواهم اتفاق الأمة الظاهر في دخول المعصوم (ع) فيهم مستندة إلى الحس يكون دعواهم الاتفاق المتضمن لقول المعصوم حجيته فيشمله أدلة حجية الخبر فان من المعلوم كفاية مجرد احتمال كونه عن حس في حجية من غير حاجة إلى احراز حسيته بل وان فرض استناد ذلك إلى الحدس فهو من الحدس القريب من الحس فان استكشاف قول الإمام (ع) أو رأيه وان كان بطريق الحدس ولكنه من جهة الملازمة العادية بين اتفاق المجمعين الذين فيهم السفراء على حكم وبين رأى الإمام (ع) يكون ذلك من الحدس القريب من الحس نظير الاخبار بالشجاعة والعدالة باعتبار لوازمهما المحسوسة العادية ومنه يظهر الحال في الاجماعات المنقولة لنا عن مثل هؤلاء فإنها مشمولة لأدلة حجية الخبر ( واما ) ما كان منها مستندا إلى قاعدة اللطف كالاجماعات الواردة في كلام الشيخ قده ومن تبعه في هذا المسلك فللتوقف فيه مجال لضعف أصل المبني ( واما ) ما كان مبناه الحدس برأي الإمام (ع) ورضاه بما أجمع عليه للملازمة بين اتفاق آراء المرؤسين المنقادين لرئيسهم على حكم وبين رأى رئيسهم ورضائه به ( ففيه اشكال ) لكونه مستندا إلى الحدس الا إذا فرض كون الملازمة بينهما عادية نظير ملازمة لوازم الشجاعة والعدالة لهما فيقبل حينئذ لكونه من الحدس القريب إلى الحس ولعله ليس ببعيد لوضوح الملازمة العادية بين اتفاق آراء المرؤسين المنقادين لرئيسهم من حيث كونهم كذلك وبين رأى رئيسهم كما هو الشأن أيضا فيما كان مبناه على الكشف عن وجود دليل معتبر في المسألة مع كون مورد


(98)
الاتفاق مخالفا للأصول والقواعد فإنه أيضا يكون من الحدس القريب إلى الحس ( وبالجملة ) فالمدار كله في الحجية هو كون الاخبار مستند إلى الحس أو الحدس القريب منه المستند إلى اللوازم الحسية العادية نظير لوازم الشجاعة وملكة العدالة في قبال ما لو استند إلى غير اللوازم العادية الحسية من قرائن شخصية مثلا الحاصلة من حسن ظنه بالمجمعين فإنه يكون من الحدس المحض نظير الاخبار بموت زيد المستند إلى علمه الناشئ بصدق المخبر من جهة حسن ظنه به أو المبادئ الحدسية الاخر كالرمل ونحوه هذا كله في نقل لاجماع من حيث رجوعه إلى نقل المسبب وهو رأى الإمام (ع) و ( اما ) بالنسبة إلى نقل السبب الذي هو اتفاق الكل فهو أيضا يختلف من حيث كونه تارة حسيا وأخرى حدسيا ناشئا من لحاظ اتفاق جمع من أساطين الفقهاء على حكم بنحو يظهر منهم كونه من المسلمات حيث إنه يحصل من ذلك الحدس القوى بكونه متفقا عليه بين جميع الأمة ويختلف ذلك بحسب اختلاف الناقلين من حيث الإحاطة بكلمات الأصحاب وعدمها بنحو يبعد عادة اطلاع مثله على فتاوى الأصحاب من أهل عصره جميعا فضلا عن الاعصار المتقدمة على عصره وعلى كل حال يكون اخباره بالسبب معتبرا في المقدار الذي يحتمل في حقه الاطلاع عليه فيؤخذ بما يحكيه من السبب لاندراجه في حجية الخبر فان بلغ ذلك إلى مقدار يلازم عادة رأي الامام (ع) في نظر المنقول إليه فهو والا فيحتاج إلى ضم ما يتم به السبب ولكن لابد في هذه الضميمة عدم احتمال كونها هو المقدار الذي استند إليه ناقل الاجماع والا فلا يفيد هذه الضميمة شيئا أصلا فح يختلف الحال في استكشاف رأي الإمام (ع) باختلاف الحاكي من حيث قرب عهد الحاكي بزمان الإمام (ع) ومن حيث كثرة تتبعه وطول باعه ومن حيث دلالة اللفظ وصراحته في اتفاق الكل وعدمه ومن جهة كون المسألة معنونة في كلمات الأصحاب أو غير معنونة وهكذا يختلف باختلاف نظر المحكي له فلابد له من لحاظ تلك الخصوصيات في الحكم بالحجية وعدمها فتدبر ( ومن هذا البيان ) ظهر الحال في نقل التواتر فإنه يأتي فيه ما ذكرناه في نقل الاجماع إذ هو أيضا بما يختلف باختلاف الأنظار ومن حيث إحاطة الناقل وكثرة اطلاعه وعدمها ، فيؤخذ حينئذ بما احتمل في حق الناقل في نقله للتواتر من اخبار عشرين أو أزيد فإذا كان هذا المقدار بحد يثبت به التواتر عند المنقول إليه


(99)
لو ظفر هو باخبار تلك الجماعة فيرتب عليه حينئذ ماله من الآثار الشرعية والا فيحتاج إلى الضميمة على التفصيل المذكور في نقل الاجماع مع مراعاة عدم احتمال كون ما ظفر به هو عين ما استند إليه الناقل في نقل التواتر ( هذا إذا كان ) الأثر مترتبا على ما هو المتواتر واقعا أو المتواتر عند المنقول إليه واما لو كان الأثر مترتبا على التواتر في الجملة ولو عند الناقل كما لو نذر ان يحفظ الأخبار المتواترة ولو عند غيره أو يكتبها فلا يحتاج في ترتيب الأثر المزبور إلى الضميمة بل يكفيه تواتره ولو عند الناقل كما هو ظاهر

    ومن الظنون التي قيل بخروجها عن الأصل الشهرة والمراد بها الشهرة الفتوائية فان الشهرة على اقسام ثلاثة ( الشهرة الروائية ) ( والشهرة العملية ) ( والشهرة الفتوائية ) ( اما الشهرة الروائية ) فهي عبارة عن اشتهار الحديث بين الرواة وأرباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الأصول وهي التي تكون من المرجحات في باب التعارض والمقصود مما ورد من قوله (ع) خذ بما اشتهر بين أصحابك ( واما الشهرة العملية ) فهي عبارة عن اشتهار العمل بالرواية والاستناد إليها عند الأصحاب في مقام الفتوى ومثل هذه هي الجابرة لضعف الرواية ومصححة للعمل بها ولو كانت الرواية بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف لكن ذلك إذا كانت الشهرة من قدماء الأصحاب القريبين لعهد الحضور لا من المتأخرين ( ويكفيك ) في ذلك الحديث النبوي المعروف على اليد ما اخذت حتى تؤدى فإنه على ما ذكره بعض مشايخنا مما لم يذكره أحد من رواتنا ولا كان معروفا من طرقنا ولا مذكورا في شيء من جوامعنا وانما روته العامة في كتبهم منتهيا إلى الحسن البصري عن سمرة بن جندب عن النبي (ص) الذي قضاياه معروفة مع النبي (ص) في حديث لا ضرر مع وجود خلل آخر في الرواية وهو ان أرباب الحديث منهم ذكروا ان الحسن البصري لم يسمع حديثا قط منه ومع ذلك ترى بناء الأصحاب رضوان الله عليهم على الاخذ بالحديث المزبور في أبواب الفقه والاستناد إليه في مقام الفتوى بلحاظ جبره بعمل القدماء ( واما الشهرة الفتوائية ) فهي عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى في


(100)
مسألة من الأصحاب من دون استناد منهم إلى رواية سواء لم يكن هناك رواية أصلا أم كانت على خلاف الفتوى أو على وفقها ولكنه لم يكن استناد الفتوى إليها والمقصود بالبحث في المقام هي هذه الشهرة ( فنقول ) انه استدل على حجيتها بوجوه « منها » الأولوية بدعوى اقوائية الظن الحاصل من الشهرة من الظن الحاصل من الخبر الوحد « ومنها » ما في المرفوعة من قوله (ع) خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر حيث دل على الاخذ بها وترك ما يقابلها « ومنها » ما في المقبولة من التعليل بقوله فان الجمع عليه لا ريب فيه حيث تدل على وجوب الاخذ بكل ما لا ريب فيه وترك الاخذ بما فيه ريب فتدل بعموم التعليل على حجية الشهرة لكونها مما لا ريب فيه هذا ولكن الكل كما ترى « اما الأول » فلان مناط الحجية في الخبر الواحد ليس هو الظن الشخصي حتى يقال بأولوية الشهرة في الحجية لأقوائية الظن الحاصل منها من الظن الحاصل من الخبر الواحد وانما ذلك من جهة قيام دليل بالخصوص على حجيته من السيرة وغيرها ولو من جهة كونه مفيدا للظن النوعي ولذلك نقول بحجيته حتى في مورد قيام الظن الشخصي على خلافه « واما الثاني » ففيه مع الاغماض عما في سند الرواية نقول انها مختصه بالشهرة الروائية ولا عموم لها يعم كل شهرة كما يكشف عنه قول الراوي بعد ذلك فقلت يا سيدي هما معا مشهوران مأثوران عنكم فإنه من المعلوم عدم امكان تحقق الشهرة الفتوائية في الطرفين ومنه ظهر الجواب عن الثالث « لوضوح » اختصاصه بالشهرة في الرواية ، فان المراد من المجمع عليه هو كون أحد الخبرين مما قد اتفق الكل عليه وهو مخصوص بباب الشهرة في الرواية ، حيث أمكن كون أحد الخبرين مما قد اتفق الكل على روايته حتى الراوي لخبر الشاذ كامكان كون الخبرين كليهما مجمعا عليهما بهذا المعنى بخلاف الشهرة الفتوائية فإنها لا يمكن فيها هذا المعنى « واضعف » من ذلك كله الاستدلال على حجيتها بما في ذيل آية النباء من التعليل بقوله سبحانه ان تصيبوا قوما بجهالة بتقريب ان المراد من الجهالة هي السفاهة والاعتماد على ما لا ينبغي الاعتماد عليه والشهرة لا يكون الاعتماد عليها مما لا ينبغي الاعتماد عليه « إذ فيه » ان غاية ما تقتضيه الآية على هذا البيان هو عدم جواز الاخذ بكل ما تصدق عليه الجهالة ، واما وجوب الاخذ بما لا يكون من الجهالة والسفاهة


(101)
فلا دلالة لها عليه أصلا « وحينئذ » فإذا لم يقم دليل على حجيتها تبقى لا محالة تحت الأصل « نعم » مثل هذه الشهرة إذا كانت من القدماء تكون موهنة للرواية التي على خلافها بحيث يخرجها عن الحجية ، وان لم تكن جابرة لضعف الرواية التي على وفاقها بعكس الشهرة العملية الاستنادية حيث إنها كانت جابرة لضعف الرواية ، كما أشرنا إليه انفا « فتدبر »

    ومن الظنون الخارجة عن الأصل بالخصوص خبر الواحد في الجملة عند المشهور وكون البحث عن حجيته من المسائل الأصولية بل أهمها مما لا ينبغي التأمل فيه فان ضابط كون المسألة أصولية امكان وقوعها في طريق استنباط الحكم الكلي أو الوظيفة الفعلية كما تقدم تفصيله عند التعرض لبيان تعريف علم الأصول ( ومن المعلوم ) تحقق ذلك في المقام لوقوع نتيجتها كبرى القياس في مقام الاستنباط « بل لو » قيل في ضابط كون المسألة أصولية انها المسألة التي يختص تطبيقها بالمجتهد لكان منطبقا على المسألة المزبورة أيضا لأنها من جهة احتياجها إلى الفحص عن المعارض يختص تطبيقها بالمجتهد ( وكيف كان ) فاثبات الحكم الشرعي بالخبر الواحد يتوقف على عدة أمور ( منها ) أصل الصدور ( ومنها ) صدور الخبر عن المعصوم (ع) لبيان الحكم الواقعي لا للتقية ونحوها ( ومنها ) ظهور الكلام الصادر من المعصوم (ع) في إرادة ما هو ظاهره فلا يثبت الحكم الشرعي بخبر الواحد الا بعد احراز هذه الأمور ولو بالأصول العقلائية ( ولكن المقصود ) بالبحث في المقام هو الامر الأول وهو صدور الخبر من المعصوم (ع) والمتكفل لاثباته هي الأدلة الدالة على حجية الخبر الواحد ( واما المتكفل ) لجهة صدور الخبر هي الأصول العقلائية المقتضية لكون الكلام صادرا لبيان الحكم الواقعي ، ( والمتكفل ) لأصل ظهور الكلام الأوضاع اللغوية والقرائن العامة ، ولإرادة الظاهر هي أصالة الظهور التي عرفت كونها من الأصول العقلائية المتداولة بينهم في محاوراتهم ( نعم ) البحث عن الجهة الأولى يقع من وجهين ، تارة من جهة تعمد كذب الراوي في نقله عن الإمام (ع) ، وأخرى من جهة خطائه وغفلته ( والمقصود )


(102)
بالبحث في المقام هي الجهة الأولى والمتكفل للجهة الثانية هي أصالة عدم الخطاء والغفلة وحينئذ ( نقول ) ان المشهور حجية خبر الواحد بل يمكن دعوى الاجماع عليه في الاعصار المتأخرة خصوصا بالنسبة إلى الاخبار المدونة فيما بأيدينا من الكتب المعروفة حيث يظهر منهم كون وجوب العمل بهذه الاخبار من المسلمات عندهم ، وان اختلفوا في وجهه حيث إن منهم من يرى قطعية صدور تلك الأخبار ومنهم من يعتمد عليها من اجل اعتماده على الظن المطلق ومنهم من يعتمد عليها من جهة قيام الدليل بالخصوص عنده على حجيتها ومنهم من يعتمد على غير ذلك من الجهات ( ولكن ) الظاهر أن اختلافهم في وجه الاستناد انما هو من قبيل العلل بعد الوقوع وتطبيق ما هو المسلم عندهم على ما اختاروا من الوجه بحيث لو فرض التفاتهم إلى عدم تمامية ما استندوا إليه من الوجوه لم يزالوا باقين على ما أفتوا به من وجوب العمل بهذه الاخبار ومن المعلوم ان مثل هذا الاختلاف لا يخل بالاجماع كما هو ظاهر « نعم » حكى القول بعدم الحجية عن جماعة ( كالسيد ) ( والقاضي ) ( وابن زهرة ) ، ( والطبرسي ) ، ( وابن إدريس ) ، بل نسب ذلك إلى الشيخ أيضا ( ولكن ) المشهور هو المنصور والمهم هو اثبات الحجية في الجملة قبال السلب الكلي كما يدعيه القائل بالمنع ولنقدم الكلام أولا في ذكر أدلة النافين للحجية ( فنقول ) وعليه التكلان ، استدل للمنع بالأدلة الأربعة ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) ما دل على النهى عن اتباع غير العلم كقوله سبحانه ولا تقف ما ليس لك به علم ( ومنها ) ما دل على النهى عن الاستطراق بالظن والعمل به كقوله سبحانه ان الظن لا يغنى من الحق شيئا ( ومنها ) التعليل المذكور في اية النبأ على ما ادعاه امين الاسلام الطبرسي قده من دعوى دلالته على عدم حجية خبر الواحد ( ولكن ) في الكل ما لا يخفى ، اما الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فلأنها انما تدل على المنع عن العمل بخبر الواحد في فرض عدم تمامية الأدلة المثبتة للحجية ، إذ في فرض تماميتها لا مجال للتمسك بتلك الآيات لحكومة تلك الأدلة عليها حسب اقتضائها لتتميم الكشف واثبات العلم بالواقع حيث إنها تقتضي كون العمل به عملا بالعلم ، ( وهذا ظاهر ) بعد معلومية وضوح عدم تكفل الآيات لاحراز موضوعها الذي هو عدم العلم ، وتمحضها لاثبات حكم كلي لموضوع كلي ، وبذلك ظهر عدم صلاحية تلك


(103)
الآيات للمعارضة مع تلك الأدلة أيضا ( ومن هذا البيان ظهر ) الجواب عن الآيات الناهية عن العمل بالظن واتباعه ، إذ بعد الغض عن كون مساقها في مقام اثبات حرمة العمل بالظن في أصول العقائد وتسليم عمومها لمطلق الأحكام الشرعية ( نقول ) بحكومة أدلة حجية خبر الواحد عليها فإنها على تقدير تماميتها في نفسها توجب خروج كون العمل به عن كونه عملا بالظن بادراجه في العمل بالعلم حسب اقتضائها لتتميم الكشف ( هذا كله ) مع امكان دعوى ظهور الأدلة الناهية في كونها في مقام نفي اقتضاء الحجية في الظن من حيث ذاته قبال العلم الذي فيه اقتضاء الحجية بحكم العقل لا بصدد بيان اقتضائه لعدم الحجية فلا ينافي حجيته لمقتضى خارجي ( نعم ) لو كان مفاد الآية اثبات اقتضاء ذاته لعدم الحجية بنحو لا يزاحمه مقتضى خارجي « لكانت » دالة على المطلوب ، فتصلح حينئذ للمعارضة مع الأدلة المثبتة للحجية « ولكن » دون اثبات ذلك خرط القتاد ( ثم ) ان هذا كله فيما عدى السيرة العقلائية القائمة على حجية الخبر « واما السيرة » فقد يقال بصلاحية الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للردع عنها ، فإنها بعد عدم اقتضائها الحجية في نفسها وإناطة حجيتها بامضاء الشارع وعدم ردعه عنها فلا جرم تصلح الآيات الناهية بعمومها للردع عنها فيخرج عن الحجية « ولكنه مندفع » بان ذلك يتم إذا كان بناء العقلاء في العمل بخبر الثقة من باب العمل بالظن « واما » إذا كان عملهم به من جهة انكشاف الواقع لديهم بقيام خبر الثقة وعدم اعتنائهم باحتمال الخلاف لبنائهم على تتميم الكشف المقتضى لالغاء احتمال خلافه فلا تصلح الآيات الناهية للردع عنها لخروج العمل بخبر الثقة « حينئذ » عن موضوع الآيات الناهية وهو العمل بالظن أو بما وراء العلم « نعم » لو اغمض عن ذلك لا يتوجه الاشكال على رادعية الآيات بما أفيد من محذور الدور ، بتقريب ان الردع عن السيرة بالآيات الناهية يتوقف على أن لا تكون السيرة مخصصة لعمومها ، وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على كون الآيات رادعة عنها ولا أقل من أن يكون حال السيرة حال سائر أدلة حجية الخبر من كونها حاكمة على الآيات الناهية والمحكوم لا يصلح ان يكون رادعا عن الحاكم « إذ فيه » ان حجية السيرة بعد أن كانت معلقة على عدم الردع عنها يكون عدم الردع في المرتبة السابقة عن حجيتها لأنه بمنزلة


(104)
شرطها ، « وحينئذ » ففي المرتبة السابقة عن حجيتها تجرى أصالة العموم في الآيات الناهية فتوجب خروج مثلها عن الحجية بلا محذور دور « كيف » وحكومة السيرة المزبورة أو ورودها على الآيات فرع حجيتها المتأخر عن عدم الردع ، فلا يستقيم تشكيل الدور في رادعية الآيات الناهية وانما هو في ظرف مخصصية السيرة أو حكومتها على عمومات النواهي لتوقف مخصصيتها أو حكومتها على حجيتها المتأخرة عن عدم رادعية الآيات عنها في المرتبة السابقة وهو ظاهر « نعم ما أفيد » من محذور الدور في الرادعية يتم في فرض اقتضاء الحجية في نفس السيرة وكون الردع مانعا عنها ، إذ « حينئذ » يمكن ان يقال بكون المانعية معلقة في طرف الآيات على عدم تأثير المقتضى التنجيزي الموجب لعدم صلاحية الآيات للرادعية الا بنحو الدور ولكن الامر ليس كذلك بل أصل حجيتها منوط بامضاء الشارع لها وعدم ردعه عنها بحيث لولا الامضاء لما كان فيها اقتضاء الحجية أصلا ، وعليه فينحصر تصوير الدور في طرف المخصصية ( ثم إن ) ما ذكرنا من صلاحية الآيات للردع عن السيرة انما هو في السيرة العقلائية غير الراجعة إلى أمور معادهم والا فيرجع إلى سيرة المتشرعة ، و ( وفى مثله ) لا تصلح هذه النواهي للردع عنها لمضادتها حينئذ لأصل وجود السيرة وتحققها ( إذ ) من المستحيل تحقق السيرة المزبورة منهم بما هم متدينون مع ثبوت الردع من الشارع ، وعليه فمن قيام السيرة واستمرارها يستكشف بمقتضى المضادة المزبورة عدم صلاحية الآيات الناهية للردع عما بنوا عليه من العمل بخبر الثقة وسيأتي مزيد بيان لذلك ( واما السنة ) فهي على طائفتين ( الأولى ) ما دل على الاخذ بما علم صدوره عنهم (ع) والتوقف والرد إليهم فيما لا يعلم أنه منهم فمن ذلك قوله (ع) في المروى عن بصائر الدرجات ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه إلينا ( الثانية ) ما دل على عرض الاخبار المروية عنهم (ع) على كتاب الله عز وجل وهي على طائفتين * أحدهما * تدل على الاخذ بما يوافق الكتاب ورد ما لا يوافقه * وأخرى * ما تدل على الاخذ بما لا يخالف الكتاب ورد ما يخالفه وكل منهما * على قسمين * من حيث كونه بلسان نفي الصدور ، تارة ولسان نفي الحجية ، أخرى * فمن الطائفة الأولى * قوله (ع) ما جائكم عنى ما لا يوافق القران فلم أقله ، وقوله (ع) وما اتاكم من


(105)
حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وقوله (ع) كل شيء مردود إلى كتاب الله عز وجل والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ونحو ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في نفى صدور ما لا يوافق القران عنهم « ومن الطائفة الثانية » قوله (ع) لا تصدق علينا الا ما يوافق كتاب الله وسنة نبيه ، وقوله إذا جائكم حديث عنا فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله عز وجل فخذوا به والا فقفوا عنده ثم ردده إلينا حتى نبين لكم ، وقوله (ع) في خبر ابن أبي يعفور بعد أن سئله عن اختلاف الحديث يرويه من يوثق به ومن لا يوثق به إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله عز وجل أو من قول رسول الله (ص) فخذوا به والا فالذي جائكم أولى به ، وقوله (ع) ما جائكم عنا فان وجدتموه موافقا للقران فخذوا به وان لم تجدوه موافقا للقران فردوه وان اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده حتى نشرح لكم من ذلك ما شرع لنا ، وقوله (ع) لمحمد بن مسلم ما جائك من رواية من بر أو فاجر يوافق كتاب الله فخذ به وما جائك من رواية من بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به بناء على كون المراد من المخالفة بقرينية الصدر هو عدم الموافقة ونحو ذلك من الاخبار الظاهرة في عدم حجية ما لا يوافق الكتاب « ومن الطائفة الثالثة » قوله (ع) ما خالف كتاب الله عز وجل فليس من حديثي أو لم أقله كما في خبر آخر ، قوله (ع) ما جائكم عنى يخالف كتاب الله عز وجل فلم أقله أو ذره على الجدار كما في آخر أو زخرف كما في ثالث أو باطل كما في رابع « ومن الطائفة الرابعة » قوله (ع) لا تقبلوا عنا خلاف القران فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القران وموافقة السنة ، وقوله (ع) لا تقبلوا عنا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (ص) ونحو ذلك من النصوص الظاهرة بل الصريحة في عدم حجية ما يخالف الكتاب والسنة هذا ( والجواب ) « اما عن الطائفة الأولى » الظاهرة في عدم جواز الاخذ بما لا يعلم صدوره عنهم (ع) « فبعد الغض » عن كونها من اخبار الآحاد التي لا يمكن التمسك بمثلها لعدم حجية خبر الواحد « يرد عليها » ما أوردناه على الآيات الناهية عن اتباع غير العلم من توقف الاستدلال بها على عدم تمامية أدلة حجية خبر الواحد لما عرفت من حكومة تلك الأدلة عليها على فرض تماميتها لاقتضائها لتتميم الكشف « واما
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس