نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 121 ـ 135
(121)
فهناك اخبارات متعددة حسب تعدد الوسائط « وفيه » انه يتوجه ذلك إذا كان المدعى هو الانصراف إلى ، ما لا واسطة في مطلق النباء ولو من غير الامام والا فلو أريد بالانصراف الاختصاص بالخبر الحاكي لقول الإمام (ع) بلا واسطه فلا يرد عليه ذلك ( وأجيب ) عنه أيضا بان كل واحد من الوسائط حيث إنه مجاز عن شيخه في نقل الرواية يدخل خبره في الاخبار عن الإمام (ع) بلا واسطة لان كل مجاز بإجازة شيخه يكون بمنزلة المجيز في نقل الرواية وهكذا فنقل الشيخ قدس سره باعتبار كونه مجازا عن المفيد بمنزلة نقل المفيد لنا الذي نقله أيضا بمنزلة نقل الصفار عن الامام ( ولذا ) كان الأصحاب من أرباب الحديث يهتمون بأخذ الإجازة في نقل الرواية لفوائد شتى منها هذه الجهة التي يدفع بها هذا الاشكال ( وفيه ) انه لو تم ذلك فغاية ما يجدى انما هو في صحة نقل الرواية عن الإمام (ع) بالغاء الوسائط من البين ( لا ) بالنسبة إلى مرحلة الحجية المفروض انصراف أدلتها إلى الاخبار الحاكية لقول الإمام (ع) بلا واسطة حتى يصح ان يدفع به الاشكال ( فالأولى ) في الجواب هو منع الانصراف هو ولذلك ترى بناء الأصحاب حتى في الصدر الأول على الاخذ بالاخبار المروية عن الامام ولو بوسائط عديدة من غير تشكيك منهم في الحجية من جهة تعدد الوسائط ( الوجه الثاني ) دعوى امتناع شمول أدلة الحجية للاخبار مع الواسطة لامتناع شمولها للوسائط التي لم يثبت أصل موضوع الخبر فيها الا بنفس الحكم بوجوب التصديق وبيانه ان الموضوع لوجوب التصديق لابد وأن يكون متحققا اما بالوجدان أو بالتعبد ليحكم عليه بوجوب التصديق والمتحقق بالوجدان في الاخبار مع الواسطة انما هو اخر السلسلة وهو خبر الشيخ قدس سره عن المفيد مثلا واما بقية الوسائط فلم يثبت موضوع وجوب التصديق فيها لا بالوجدان ولا بالتعبد مع قطع النظر عن وجوب التصديق وانما يثبت الموضوع فيها بنفس وجوب التصديق الشامل لاخبار الشيخ لاقتضائه لثبوت مضمونه وهو اخبار المفيد وهكذا غيره من الوسائط ( وهو ) من المستحيل ، لان ما ثبت أصل وجوده بوجوب التصديق يكون في مرتبة متأخرة عن وجوب التصديق فيستحيل صيرورته موضوعا لنفس هذا الحكم ( الوجه الثالث ) امتناع شمول أدلة الحجية للاخبار مع الواسطة من جهة استلزامه لان يكون الأثر الذي بلحاظه يجب


(122)
التصديق عين وجوب التصديق ( بتقريب ) انه لا معنى للتعبد بقول العادل ووجوب تصديق مضمونه الا ترتيب ما للمخبر به من الآثار الشرعية فلابد في صحة التعبد بالخبر من أن يكون للمخبر به في نفسه مع قطع النظر عن هذا الحكم اثر شرعي كي يكون الامر بالتصديق بلحاظ كما هو الشأن في التعبد في كلية الامارات القائمة على الموضوعات الخارجية ( وفى المقام ) لما لم يترتب على خبر الشيخ عن المفيد في نفسه اثر شرعي غير وجوب التصديق الثابت بهذا الانشاء ( لا يكاد ) يشمله دليل وجوب التصديق لا يقال ان وجوب التصديق أيضا اثر من الآثار الشرعية ( فإنه يقال ) نعم ولكن لما لم يكن ثابتا له مع قطع النظر عن الحكم بتصديقه بل كان ثبوته له بنفس هذا الحكم أعني وجوب التصديق ، فلا يمكن شمول الحكم بوجوب تصديقه بلحاظ ترتب نفسه على المخبر به وبذلك ظهر انه لا مجال لدفع الاشكال بالتشبث بتنقيح المناط أو القضية الطبيعية بدعوى ان الأثر الذي رتب عليه وجوب التصديق هو طبيعي الأثر الشامل لنفس هذا الحكم المستفاد من قوله يجب التصديق لان الحكم إذا رتب على الطبيعة يدور مدارها أينما دارت ( إذ ذلك ) انما يتم إذا كان الاشكال من جهة قصور اللفظ في مقام الاثبات بعد الفراغ عن امكانه ثبوتا ، وليس الامر كذلك لان الاشكال انما هو في امكانه ثبوتا ( ولذلك ) قلنا في مسألة قصد القربة بعدم اجداء مجرد اخذ القضية طبيعية في دفع الاشكال المذكور هناك بحيث تعم مطلق الدعوة ولو كانت ناشئة من قبل شخص هذا الامر المتعلق بالعبادة ، نظرا إلى امتناع اخذ ما هو الناشي من قبل الامر في متعلق شخصه ( هذا ) غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاشكالين ( ولكن ) لا يخفى ما فيهما ( اما الأول ) فان الممتنع انما هو توقف فردية بعض افراد العام ثبوتا على ثبوت حكم العام لبعض افراده الاخر ولزومه ممنوع في المقام ( إذ ) من الواضح عدم توقف خبرية قول المفيد ثبوتا على شمول حكم وجوب التصديق لخبر الشيخ عن المفيد ، بل المتوقف عليه انما هو العلم التنزيلي والاحراز التعبدي باخبار المفيد ، ومثله مما لا مانع عنه على مسلك تتميم الكشف في الامارات ( فإذا ) فرضنا بان لاخبار المفيد في حد ذاته اثر شرعي ولو كان هو وجوب التصديق بان أغمضنا عن الاشكال الثاني يكون لا محالة مشمولا لوجوب التصديق غاية الامر تنجز هذا


(123)
التكليف يتوقف على احراز موضوعه اما بالوجدان أو التعبد ، فإذا أخبر الشيخ باخبار المفيد كان اخباره بمقتضى وجوب التصديق طريقا لاحراز خبر المفيد الذي حكمه في نفسه وجوب التصديق فيكون كما لو أحرز خبره بالوجدان وهكذا بالنسبة إلى سائر الوسائط إلى أن ينتهى إلى من يروى عن الامام ( هذا ) بناء على تتميم الكشف في الامارات ( واما ) على مسلك تنزيل المؤدي منزلة الواقع والتعبد بثبوته عند الشك أو مسلك جعل الحجية فيمكن أيضا دفع الاشكال المزبور ( لان ) مرجع وجوب التصديق والتعبد بالمؤدى انما هو إلى ايجاب ترتيب اثار الواقع على المؤدى والمعاملة معه معاملة الواقع فإذا كان خبر المفيد في الواقع محكوما بوجوب التصديق فعند اخبار الشيخ باخبار المفيد إياه عن الصفار « كان » مقتضى التعبد بخبر الشيخ ووجوب تصديقه هو لزوم ترتيب الأثر على مؤداه الذي هو عبارة عن وجوب التصديق المترتب على قول المفيد واخباره واقعا ومرجع هذا الوجوب أيضا إلى ترتيب اثر مؤداه الذي هو قول الصفار عليه وهكذا إلى أن ينتهى إلى المؤدى الذي هو قول الإمام فيجب ترتيب الأثر عليه والحركة على طبقه فتأمل « على أنه » لو اغمض عن ذلك « نقول » انه يتوجه هذا الاشكال إذا كان الحكم المزبور حكما شخصيا لا سنخيا قابلا للانحلال واختصاص كل من الوسائط بشخص من وجوب التصديق غير الشخص المختص بالموضوع الاخر والا فلا مجال لهذه الشبهة لان الحكم الذي يتولد لأجله فردية خبر المفيد لموضوع العام عبارة عن شخص حكم غير الحكم الذي أريد اثباته لخبر المفيد « والممتنع » كما ذكر في تقرير الشبهة انما هو شمول الحكم لموضوع توقف فرديته للعام على شمول ذلك الحكم لبعض الافراد الاخر لا شمول شخص حكم لموضوع يتوقف فرديته على ثبوت شخص حكم آخر متحد معه في السنخ لفرد آخر من العام لان ذلك امر ممكن في نفسه ولا برهان يقتضي امتناعه * الا توهم * ان نسبة الانشاء إلى منشئه في الأحكام التكليفية من قبيل العلة لمعلولاته فلا يعقل ان يكون لعلة واحدة معاليل متعددة طولية بنحو يكون بعضها موضوعا للاخر لان المعاليل المتعددة إذا انتهت إلى علة واحدة وجب ان تكون عرضية لا طولية * لكنه مدفوع * بما ذكرناه مرارا من عدم معقولية ذلك في الأحكام التكليفية وان شأن الانشاءات فيها مجرد المبرزية عن الإرادة التي هي


(124)
روح الحكم ولبه فلا مانع من ابراز إرادات طولية بنحو يكون بعضها موضوعا للاخر بانشاء واحد فان الانشاء الوارد في الخطاب الشخصي « كما يمكن » ان يكون كاشفا عن الإرادة الشخصية القائمة بموضوع شخصي كقوله أكرم زيدا « كذلك » يمكن ان يكون كاشفا ومبرزا عن سنخها المتحقق في ضمن افراد عرضية كقوله أكرم العلماء وأحل الله البيع ونحوهما أو افراد طولية « اما من جهة » طولية أحد الفردين للاخر ذاتا كقوله إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور حيث كان وجوب الطهور من جهة معلوليته لوجوب الصلاة في طول وجوبها « واما من جهة » إناطة موضوع بعضها بشمول فرد آخر من الحكم لموضوعه كما في المقام في قوله صدق العادل فأريد من انشاء وجوب تصديق العادل سنخه المتحقق في ضمن افراد طويلة على النحو الأخير « وبذلك » تندفع الشبهة الثانية أيضا « توضيح الاندفاع » ان دليل الاعتبار وهو قوله صدق العادل مثلا وان كان بحسب الصورة قضية واحدة ولكنها تنحل إلى قضايا متعددة حسب تعدد حصص الطبيعي بتعدد الافراد « وبعد » فرض انتهاء سلسلة سند الرواية إلى الحاكي لقول الامام (ع) وشمول دليل وجوب التصديق له لكونه المخبر به في خبره حكما شرعيا تصير بقية الوسائط ذات اثر شرعي فيشملها دليل وجوب التصديق إذ حينئذ يصير وجوب التصديق المترتب على مثل قول الصفار الحاكي لقول الامام (ع) اثرا شرعيا له ، فإذا قال الصدوق ان الصفار اخبرني فقد أخبر بموضوع ذي اثر شرعي في نفسه فيجب تصديقه بحكم الآية وبذلك يصير وجوب التصديق أيضا اثرا شرعيا لقول الصدوق الذي يحكى عنه المفيد وهكذا إلى منتهى الوسائط فكان كل لاحق مخبرا عن موضوع ذي اثر شرعي ووجوب التصديق المترتب على كل سابق اثرا شرعيا لاخبار لاحقه نظير سلسلة الأنواع والأجناس فتكون تلك الوجوبات الطولية المترتبة على الافراد الطولية بين ما هو اثر وموضوع محض كوجوب التصديق المترتب على قول الصفار الحاكي عن الإمام (ع) وبين ما هو حكم محض كوجوب التصديق المترتب على منتهى السلسلة وهو خبر الشيخ وبين ما فيه الجهتان باعتبارين كوجوب التصديق المترتب على قول المفيد فإنه باعتبار حكايته لقول الصدوق يكون حكما وباعتبار حكاية الشيخ عنه يكون اثرا وموضوعا


(125)
لوجوب التصديق المترتب على قول الشيخ فينتزع مما هو الحكم محضا أو اعتبارا مفهوم الوجوب مثلا بما هو حاك عن وجوبات متعددة وارادات طولية ، ومما هو اثر محضا أو اعتبارا مفهوم الأثر كذلك فيسند ذلك الحكم السنخي إليه بمثل قوله رتب الأثر على الخبر وعليه فيرتفع هذه الشبهة أيضا « فتدبر » ( نعم ) لو اغمض عما ذكرنا لا يتجه الجواب عنها بأنه بناء على أن المجعول في باب الطرق هي الطريقية والوسطية في الاثبات لا مورد لهذا الاشكال كي يحتاج إلى التفصي عنه ( فان ) المجعول في جميع السلسلة انما هو تتميم الكشف والطريقية إلى ما تؤدي إليه فكان كل لاحق طريقا إلى سابقه إلى أن ينتهى إلى قول الحاكي لقول الإمام (ع) ( إذ فيه ) ان الغرض من تتميم الكشف والوسطية في الاثبات ان كان هي الوسطية لاثبات اثر المؤدى ، فبعد ما لم يكن للمؤدى اثر غير تتميم الكشف « يبقى » الاشكال بحاله بأنه كيف يشمل تتميم الكشف نفسه « وان كان » الغرض وسطيته لاثبات اثر آخر السلسلة فلا يحتاج إلى شمول الدليل للوسائط واثبات حجيتها بتتميم الكشف فيها بل يقال بكفاية تتميم كشف أول السلسلة وحجيته لاثبات مضمون آخر السلسلة مع أنه كما ترى لا يمكن الالتزام به وعليه ينحصر التفصي عن الشبهة بما ذكرناه من البيان « ومن الاشكالات » ان المسألة أصولية فلا يكتفي فيها بالظن والظهور اللفظي لا يفيد الا مجرد الظن ومثله لا يكتفي به في المسألة لاثبات حجية خبر الواحد « وأورد عليه » الشيخ قدس سره بان الأصول التي لا يتمسك فيها بالظن مطلقا هي أصول الدين لا أصول الفقه والظن الذي لا يتمسك به في الأصول مطلقا هو مطلق الظن وظاهره اعتبار الظن الخاص في الفقه والأصول وهو كما افاده قدس سره ولذلك لم يفرق أحد ممن يقول بحجية الخبر الواحد والظهورات اللفظية بين المسائل الفرعية والأصولية كالاستصحاب ونحوه ولكن لا مجال لتخصيص حجية الظن المطلق بالفروع ونفي اعتباره في أصول الفقه لان الظن المطلق الذي ثبت اعتباره بدليل الانسداد لا يفرق فيه بين المسائل الأصولية والفرعية خصوصا على مختاره قده هناك كما سيأتي بيانه انشاء الله تعالى.
    « ومن الآيات التي استدل بها » على حجية خبر الواحد قوله سبحانه في سورة البراءة فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا


(126)
رجعوا إليهم لعلهم يحذرون « وتقريب » الاستدلال بها من وجوه « الأول » ان كلمة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجي المستحيل في حقه سبحانه ظاهرة في الطلب ومحبوبية مدخولها وهو يلازم وجوب الحذر في المقام « اما » عقلا كما ذكره صاحب المعالم قدس سره من أنه لا معنى لحسن الحذر ندبا لأنه مع قيام المقتضي له يجب الحذر ومع عدمه لا يحسن للجزم بعدم العقوبة عند عدم تمامية الحجية « واما » شرعا للاجماع المركب لان كل من قال بحسنه قال بوجوبه فلا قائل بالفصل بينهما « الثاني » ان الحذر غاية للانذار الواجب الذي هو أيضا غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لولا التحضيضية وغاية الواجب إذا كان من الأفعال الاختيارية واجبة لا محاله لان عدم وجوبها ملازم لجواز تركها وهو ينافي كونه غاية للنفر الواجب ( الثالث ) استلزام ايجاب الانذار لايجاب الحذر للزوم لغوية ايجاب الانذار بدونه كما في اية حرمة كتمان النساء ما في أرحامهن ، حيث استدلوا بهذه الآية على وجوب تصديق المرأة وقبول قولها في العدة فرارا عن لزوم اللغوية بدونه فيستفاد حينئذ من ايجاب الانذار وجوب التصديق فتدل الآية على حجية خبر الواحد وهو المطلوب ( ولكن ) يمكن المناقشة في الوجوه المزبورة ، اما الأول فبما مر منا في مبحث الأوامر وغيره من أن مثل أدوات الترجي والتمني والاستفهام ونحوها موضوعة لمعانيها الايقاعية الانشائية التي يوقعها المتكلم ، تارة عن داعي وجود هذه الصفات حقيقة في نفس المتكلم ، وأخرى عن داع آخر غيره والمستحيل في حقه سبحانه انما هو الأول ، وعليه لا يكون لكلمة لعل دلالة وظهور في الطلب ومطلوبية الحذر حتى يقال بوجوبه من جهة الاجماع المركب أو البرهان المزبور « واما ما أفيد » من أن كلمة لعل مهما تستعمل تدل على أن ما يتلوها يكون من العلل الغائية لما قبلها سواء كان من الأفعال الاختيارية أم من غيرها ولازمه في فرض اختيارية كونه محكوما بحكم ما قبلها وجوبا أو استحبابا « فيدفعه » منع الكلية المزبورة لاستعمال هذه الكلمة في غير ما ذكر كما في قوله ( لا تهن الفقير علك ان تركع والدهر قد رفعه ) فان من المعلوم عدم كون التالي غاية لعدم الإهانة « وان استعمال » هذه الكلمة في أمثال المقام انما كان لمجرد ابداء الاحتمال بلا اقتضائها لمطلوبية في مدخولها ومن ذلك قولك لا تدخل زيدا في بيتك لعله عدوك


(127)
« واما الوجه الثاني » فيما أورده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره من منع اقتضاء الآية لمطلوبية الحذر مطلقا ولو مع عدم حصول العلم للمنذرين بالفتح فإنه لا اطلاق للآية من هذه الجهة وانما اطلاقها مسوق لبيان ايجاب الانذار على المنذرين بالكسر بما هو الواقع من الأحكام الشرعية لا لبيان وجوب الحذر والقبول مطلقا فيمكن حينئذ ان يكون مطلوبية الحذر عند الانذار منوطا بحصول العلم فالمعنى انه يجب الانذار بالواقع لعله يحصل لهم العلم بالواقع فيحذرون كما يشهد لذلك استشهاد الإمام (ع) بتلك الآية على وجوب النفر لمعرفة الامام وانذار المتخلفين بما رأوه من اثار الإمامة ( كما ) في صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا حدث على الامام حدث كيف يصنع الناس قال (ع) أين قول الله عز وجل فلولا نفر الخ ثم قال هم في عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم ( وصحيح ) عبد الاعلى ومحمد بن مسلم وغيرها من الاخبار المتضمنة لاستشهاد الإمام (ع) بهذه الآية على وجوب النفر لمعرفة الامام ووجوب انذار المتخلفين مع وضوح عدم ثبوت الإمامة الا بالعلم فان في ذلك شهادة على ما ذكرنا من عدم تكفل الآية لاثبات مطلوبية الحذر مطلقا ( بل ) يؤيد ذلك التعبير بالطائفة لان الطائفة عبارة عن الجماعة ومن المعلوم ان اخبار الجماعة بشيء يوجب عادة العلم بذلك الشيء فوجوب الحذر عليهم حينئذ انما كان لحصول العلم للمنذرين وعليه لا دلالة في الآية على حجية خبر غير العلمي ( والاشكال ) عليه بأنه يتم إذا أريد من الجمع في قوله تعالى ليتفقهوا وقوله تعالى ولينذروا هو انذار مجموع النافرين من حيث المجموع واما بناء على ما هو الظاهر من إرادة الجمع الاستغراقي الافرادي فلا يبقى موقع لهذا الاشكال ( مدفوع بان ) كون الجمع في تلك الفقرات على نحو العموم الاستغراقي لا المجموعي لا يقتضى الا وجوب الانذار على كل واحد واما كون موضوع الوجوب اخبار كل فرد حتى في حال الانفراد فيتوقف على اطلاق حالي بالنسبة إلى ذلك وبعد فرض اهمال الآية من هذه الجهة لا يكفي مجرد وجوب الانذار على كل واحد بنحو الاستغراق لاثبات اطلاق الآية من تلك الجهة الا إذا فرض كون المراد من الآية وجوب انذار كل واحد من النافرين لطائفة من المتخلفين فإنه يلازم الاطلاق من تلك الجهة


(128)
واثبات مثله من الآية محل منع ( نعم ) لو تم ذلك لا مجال لاحتمال التقييد بصورة إفادة العلم للزوم حمله على النادر ( وبذلك البيان ) ظهر الجواب عن الوجه الثالث إذ محذور اللغوية انما يتوجه إذا كان المراد انذار كل واحد من المتفقهين لطائفة خاصة من المنذرين بالفتح لا انذار كل واحد لكل واحد من أشخاص المتخلفين إذ عليه لا يلزم من عدم وجوب القبول في فرض عدم حصول العلم محذور لغوية ايجاب الانذار لامكان ان يكون ذلك من باب اظهار الحق ليتم به الحجة على المنذرين بالفتح لاستلزامه عادة حصول العلم بالواقع لأجل كثرة المنذرين أو احتفاف الانذار بالقرينة الموجبة لذلك ( وبذلك ) ظهر وجه الفرق بين المقام وبين مسألة تحريم كتمان ما في الأرحام على النساء فان قول المرأة واخبارها بنفسه لما كان غير موجب بحسب العادة للعلم بالواقع يستفاد من اطلاق تحريم الكتمان عليهن وجوب القبول للزوم اللغوية بدونه ( وهذا ) بخلاف المقام حيث إنه لا يلزم منه هذا المحذور بعد فرض امكان حصول العلم عادة من انذار المنذرين وتراكم انذاراتهم ( هذا ) مضافا إلى ما أورده الشيخ قدس سره من أن وجوب الحذر انما يكون عقيب الانذار بما تفقه والتفقه عبارة عن العلم بأحكام الدين من الواجبات والمحرمات الواقعية ، فلابد في وجوب الحذر عقيب الانذار من أن يكون المنذر بالفتح عالما بان انذار المنذر كان بالمحرمات والواجبات الواقعية والا فلا يجب عليه الحذر فيختص اعتبار قول المنذر بما إذا حصل العلم للمنذر بالفتح بالحكم الشرعي من قوله وانذاره ( والاشكال عليه ) بان الآية حسب اقتضائها لتتميم الكشف تدل على كون ما انذر به المنذر من الاحكام الواقعية لكونه نتيجة حجية قول المنذر وطريقيته شرعا كما في سائر الأدلة الدالة على اعتبار الطرق ( مدفوع ) بأنه يتم ذلك في فرض ثبوت حجية قول المنذر بدليل آخر يقتضى تتميم كشفه والا فلا يمكن اثبات جهة الكاشفية والمحرزية لقول المنذر بنفس دلالة الآية على وجوب الحذر لما يلزمه من محذور الدور لتوقف وجوب القبول على احراز كون ما انذر به من الاحكام الواقعية وتوقف ذلك على محرزية قول المنذر وكاشفيته المتوقف على وجوب الحذر والقبول ( فتأمل ) هذا ثم إن الشيخ قده أورد على التمسك بالآية اشكالا آخر بما حاصله ان الانذار الذي رتب عليه وجوب الحذر


(129)
ليس مطلق الاخبار عن الحكم وانما هو عبارة عن الاخبار المشتمل على التخويف الناشئ من اعمال الرأي والاجتهاد في فقه الاحكام من مفاد الاخبار الصادرة عن الحجج (ع) « ومن » المعلوم ان الحذر الواجب عقيب هذا الانذار انما يناسب حجية فتوى المجتهد لا حجية الخبر الحاكي عن قول الإمام (ع) لان وظيفة الراوي ليست الا مجرد حكاية الرواية بألفاظها أو بمضمونها وقضية حجيته ليس الا وجوب تصديقه فيما يحكيه عن الامام لا الحذر عند تخويفه وانذاره إذ ليس لفهم الراوي بتضمن الرواية للتحريم أو الوجوب الموجبين للخوف مدخلية في وجوب الحذر لعدم حجية فهمه بالنسبة إلى المنقول إليه كي يجب عليه الحذر وانما ذلك منوط وجودا وعدما مدار فهم المنقول إليه ونظره ، وهذا بخلاف فتوى الفقيه ، فان الحجة فيه بالنسبة إلى المقلد انما هو رأى المجتهد واعتقاده وان حجية اخباره من جهة كشفه عن رأيه الذي هو الحجة عليه وحيث انه رتب وجوب الحذر على الانذار الذي هو الاخبار المتضمن للتخويف بما تفقه يلزمه الاختصاص لا محالة بمقتضى المناسبة بمقام حجية الفتوى ووجوب التقليد لا بمقام حجية الخبر ، ومن ذلك استدل جماعة بهذه الآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العامي ( وأورد ) عليه بان الانذار وان كان هو الاخبار المشتمل على التخويف الا انه أعم من الصراحة والضمنية فإنه يصدق الانذار على الاخبار المتضمن للتخويف ضمنا وان لم يصرح به المنذر والا لم يصدق على فتوى المفتى أيضا لأنه ليس في الافتاء بالوجوب أو الحرمة تصريح بالتخويف فيشارك الفتوى حينئذ مع الرواية في أن كلا منهما يشتمل التخويف ولو ضمنا ومعه لا يبقى مجال لتخصيص الآية بمقام الفتوى « وفيه » ان مبنى تخصيص الآية بالفتوى ليس من جهة دعوى كون الانذار هو الاخبار المشتمل على التخويف كي يجاب عنه بان التخويف يعم التخويف الضمني ، وانما ذلك من جهة احتياج الانذار والتخويف إلى تفقه المنذر بالكسر والتفاته إلى لازم تخويفه وعنوانه ومثله لا يصدق على العامي الذي يحكى لمسموعاته عن الإمام (ع) ومع فرض صدقة لا يكون فهمه تضمن الرواية الوجوب أو الحرمة المستتبعين لاستحقاق العقوبة على المخالفة حجة على المجتهد ليجب الحذر عقيب انذاره ، وانما ذلك منوط بفهم المنقول إليه كما هو ظاهر ( ومن الآيات ) قوله سبحانه ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات


(130)
والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون « تقريب » الاستدلال بها كما في الآية السابقة ان وجوب الاظهار يلازم وجوب القبول حذرا عن اللغوية « وفيه » ان سوق الآية انما هو في أصول العقائد ردا على أهل الكتاب الذين أخفوا شواهد النبوة وبيناته وكتموا علائم النبي (ص) التي بينها الله سبحانه لهم في الكتب السالفة ، فلا نرتبط بما نحن بصدده وعلى فرض التعميم « نقول » انه من المحتمل قويا ان يكون وجوب الاظهار عليهم لأجل رجاء وضوح الحق بسبب اخبارهم من جهة حصول العلم لهم لأجل تعدد المظهرين كما يقتضيه ظهور سوقها في أصول العقائد التي لا يكتفي فيها بغير العلم « نعم » لو كان للآية اطلاق يقتضي وجوب الاظهار عليهم ولو في فرض عدم إفادته للعلم بالواقع أمكن التمسك بها على وجوب القبول بمقتضى ما ذكر من الملازمة ولكن الشأن في اثبات هذه الجهة « ومن الآيات » قوله سبحانه فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ، بتقريب ان وجوب السؤال يلازم وجوب القبول للزوم اللغوية بدونه وخصوصية المسبوقية بالسؤال غير معتبرة في وجوب القبول للاجماع فتعم القول الابتدائي فثبت المطلوب ( وفيه ) مضافا إلى ورود الآية في أصول العقائد التي لا يكتفي فيها بغير العلم لظهورها بمقتضى السياق في إرادة علماء أهل الكتاب والسؤال منهم فيما يرجع إلى علائم النبوة المكتوبة في كتبهم السماوية « والى ما ورد » من النصوص في تفسير أهل الذكر بالأئمة المعصومين ، كخبر الوشا سئلت الرضا (ع) عن قوله فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فقال (ع) نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون فقلت فأنتم المسؤولون ونحن السائلون فقال ( نعم ) قلت حق علينا ان نسئلكم قال نعم قلت حق عليكم ان تجيبونا قال (ع) لا ذاك إلينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل اما تسمع قول الله عز وجل هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( انه لا شبهة ) في أن المتبادر من مثل هذه الجملة إرادة وجوب السؤال لتحصيل العلم بالواقع كما يقال لمن ينكر شيئا لعدم العلم به سل فلانا ان كنت لا تعلم ( فالمراد ) فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون حتى تعلمون لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا ( اللهم ) الا ان يقال انه بعد شمول اطلاق الآية الشريفة للسؤال عن الواحد من أهل الذكر الذي لا يفيد قوله للعلم بالواقع يستفاد


(131)
من الآية تكفلها لتطبيق العلم والمعرفة على المورد بنفس شمولها لقول الواحد من أهل الذكر ، فتكون من هذه الجهة نظير اطلاق العلم والمعرفة على ظواهر الكتاب في رواية عبد الاعلى بقوله (ع) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل فلا ينافي دلالتها على حجية خبر الواحد ظهورها في السؤال لتحصيل العلم بالواقع مضافا إلى أنه يتوجه عليها ما أوردناه في الآية السابقة من اختصاصها بباب التقليد لظهورها في السؤال عن أهل الذكر والعلم بما هم أهل الذكر والعلم عما هم عالمون به ومن المعلوم ان مثل ذلك انما يناسب مقام الفتوى وحجية الرأي لا مقام الرواية ونقل مسموعاته ومبصراته الخارجية ، فان السؤال عما يرجع إلى مقام المسموعات والمبصرات الخارجية لا يكون سؤالا من أهل العلم والذكر بما هم كذلك عما هم عالمون به وان كان شخص المسؤول أيضا من أهل العلم ( وعليه ) لا وجه للمناقشة في ذلك بفرض كون الراوي من أهل النظر والاجتهاد فإذا وجب التعبد بقوله بحكم الآية يتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل ، إذ مجرد فرض كون المسؤول من أهل العلم لا يقتضى كون السؤال عما يرجع إلى مبصراته ومسموعاته الخارجية سؤالا عما صار لأجله من أهل العلم والذكر فتدبر « ومن الآيات » قوله تعالى في سورة البراءة ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ( بتقريب ) انه سبحانه مدح نبيه صلى الله عليه وآله بتصديقه للمؤمنين وقرنه بالتصديق بالله ، فإذا كان التصديق حسنا يكون واجبا ، إذ لا قائل بالفصل وبذلك يتم المطلوب وهو حجية خبر الواحد وفيه منع كون المراد من التصديق في الآية هو التعبد بثبوت المخبر به وترتيب الأثر عليه ( وانما ) هو بمعنى مجرد اظهار القبول وعدم المبادرة إلى تكذيب المخبر فيما يخبر به والانكار عليه ، كما يشهد له تكرار لفظ الايمان وتعديته في الأول بالباء وفى الثاني باللام ، كما أن المراد بالاذن فيها أيضا هو ما ذكرنا لأنه هو الذي يكون خيرا لجميع الناس دون المعنى الأول ( لا ان ) المراد منه هو سريع الاعتقاد ( كيف ) وان ذلك لا يناسب مقام النبوة ، فضلا عن كونه كمالا له وموجبا لمدح الله سبحانه إياه ( فكانت ) الآية المباركة في مقام بيان آداب المعاشرة مع الناس من اظهار القبول فيما يقولون وعدم المبادرة إلى تكذيبهم والانكار عليهم لما فيه من أدائه إلى العداوة والبغضاء


(132)
فيما بينهم مع العمل بما تقتضيه المصلحة من الاحتياط حسب ما يقتضيه المقام ( فمدحه سبحانه ) نبيه انما كان من اجل هذه الجهة حيث إنه (ص) من جهة محاسن أخلاقه ورأفته بالأمة لم يكن يبادر إلى تكذيب من يخبره بخبر يعلم بكذبه « بل » كان يظهر له القبول من غير ترتيب اثر عملي على اخباره ( كما قيل ) في سبب نزول الآية انه نم منافق وهو الجلاس بن سويد أو نبتل بن الحرث على النبي صلى الله عليه وآله فأخبره الله سبحانه بذلك فلما أحضره وسئله عما قال حلف انه لم يقل شيئا فقبل منه النبي صلى الله عليه وآله فاخذ المنافق يطعن على النبي ويقول إنه اذن يقبل كلما يسمع اخبره الله تعالى اني قلت كذا فقبل وأخبرته اني لم أقل شيئا فقبل فرده الله تعالى بقوله قل اذن خير لكم ( فان ) من المعلوم بالضرورة ان تصديقه صلى الله عليه وآله لذلك المنافق لم يكن الا صوريا لا حقيقا ( والى ما ذكرنا ) أيضا يشير قوله (ع) يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامه انه قال قولا وقال لم أقله فصدقه وكذبهم حيث إن تصديق الأخ في هذه الرواية وتكذيب خمسين ليس الا بالمعنى الذي ذكرنا من كونه مجرد اظهار القبول لا بالمعنى الذي يراد في العمل بخبر الواحد كما هو ظاهر ( واما الرواية ) المتضمنة لقصة إسماعيل من قوله (ع) إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم وتوبيخه على ابقاء الدنانير عند الرجل القرشي والحث على اخذها منه ( فإنما ) هو لأجل عدم الاخذ بالاحتياط واستيمانه من أخبر بأنه يشرب الخمر لا بمعنى ترتيب آثار الواقع.
    ( واما السنة فهي على طوائف ) منها الاخبار العلاجية المتكفلة لحكم الرواية المتعارضة من الترجيح بالشهرة والشذوذ وبموافقه الكتاب والسنة وبمخالفة العامة حيث إنها ظاهرة الدلالة بالملازمة في حجية خبر الواحد في نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض ( ومنها ) الأخبار الكثيرة الواردة في ارجاع الأئمة عليهم السلام إلى الصحابة ونقلة الأحاديث ( منها ) ما رواه محمد بن سنان عن الفضل بن عمر ان أبا عبد الله (ع) قال للفيض بن المختار في حديث فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس مشيرا إلى زرارة بن أعين ( ومنها ) خبر يونس بن عمار ان أبا عبد الله (ع) قال اما ما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع) فلا يجوز لك ان ترده ( ومنها ) قوله (ع) في رواية عبد الحميد رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظرائه لاندرست


(133)
أحاديث أبي « ومنها » قوله (ع) لابن أبي يعفور بعدما سئله عمن يرجع إليه إذا احتاج فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيها « ومنها » خبر أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (ع) قال سئلته وقلت من أعامل وعمن آخذ وقول من اقبل فقال (ع) العمرى ثقة فما أدى إليك عنى فعنى يؤدى وما قال لك عنى فعنى يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون قال وسئلت أبا محمد (ع) عن مثل ذلك فقال (ع) العمرى وابنه ثقتان فما أديا إليك عنى فعنى يؤديان وما قالا لك فعنى يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان الحديث « ومنها رواية » على بن المسيب الهمداني قال قلت للرضا (ع) شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني فقال (ع) من ذكر يا بن آدم القمي المأمون على الدين والدينا « ومنها » خبر ابن أبي عمير بن شعيب العقرقوقي قال قلت لأبي عبد الله (ع) ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء فمن نسئل قال (ع) عليك بالأسدي يعنى أبا بصير « ومنها » ما في مكاتبة على بن سويد السائي إلى أبى الحسن (ع) واما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فإنك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الحديث ( ومنها ) ما رواه مسلم بن أبي حبة قال كنت عند أبي عبد الله (ع) في خدمته فلما أردت ان أفارقه ودعته وقلت أحب ان تزودني فقال (ع) ائت أبان بن تغلب فإنه قد سمع منى حديثا كثيرا فما رواه لك فاروه عنى ( ومنها ) خبر عبد العزيز بن المهتدي قال قلت للرضا (ع) ان شقتي بعيده فلست أصل إليك في كل وقت فاخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين قال (ع) نعم « ومنها » خبره الاخر عن الرضا (ع) قال قلت لا أكاد أصل إليك أسئلك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني فقال (ع) ( نعم ) « ومنها » قوله (ع) في خبر آخر لعبد العزيز بعد أن سئله عمن يأخذ معالم دينه خذ عن يونس بن عبد الرحمن ( ومنها ) ما في التوقيع على القسم بن علا فإنه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا ونحمله إليهم ( ومنها ) قوله (ع) في مكاتبه أحمد بن حاكم ابن ماهويه وأخيه اعتمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا


(134)
( ومنها ) ما في كتاب الغيبة للشيخ واكمال الدين للصدوق والاحتجاج للطبرسي من قول الحجة عجل الله فرجه واما الحوادث الوقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ( ومنها ) ما دل على الحث والترغيب في الرواية وتدوينها إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على وجوب الرجوع إلى الثقات من رواة الحديث في اخذ معالم الدين ( ولا يخفى ) ان التواتر المدعى في تلك الأخبار وان لم يكن لفظيا الا انه يكون معنويا لوضوح كون الجميع بصدد بيان معنى واحد وهو حجية قول الثقة ووجوب العمل على طبقه بل وظاهر بعضها هو كون وجوب العمل بخبر الثقة أمرا مركوزا عندهم بحيث كان من المسلمات عند أصحاب الأئمة ولذلك وقع السؤال فيها عن الموضوع وهو كون الراوي ثقة أو غير ثقة ، كما في خبر عبد العزيز المتقدم ، وربما يشهد لذلك أيضا تعليله (ع) في خبر أحمد بن إسحاق بعدما ارجع إلى العمري وابنه بقوله انهما الثقتان المأمونان وحينئذ فلا ينبغي الارتياب في حجية خبر الثقة ووجوب الاخذ به ( ثم إن الثقة ) في تلك الأخبار وان كانت ظاهرة في العدالة بل أعلى درجتها ( ولكن يمكن ) دعوى عدم اعتبار وصف العدالة في الراوي في حجية روايته وان مدار الحجية انما كان على حيث الوثوق في نقل الرواية بنحو يضعف فيه احتمال الكذب بحيث لا يعتني به العقلاء وان التعبير بالمامونية في الدين والدينا انما هو من جهة كونه ملزوما للوثاقة في الحديث لا من جهة مدخلية لخصوصية المأمونية في الدين في الراوي في حجية روايته ( كما يشهد ) لذلك ما ورد منهم (ع) من الامر بالأخذ بكتب بنى فضال بقوله (ع) خذوا ما رووا وذروا ما راو ، وما ورد من الاخذ بما روته العامة عن علي (ع) ، ومثل مرفوعة الكناني عن الصادق (ع) في تفسير قوله سبحانه « ومن يتق الله الخ » ان هؤلاء قوم من شعيتنا ضعفاء وليس عندهم ما يحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويفتشون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا ويسمعوا حديثنا فينقلبوا إليهم فيعيه أولئك ويضعه هؤلاء فأولئك الذين يجعل الله لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون الخبر ( حيث ) ان فيه دلالة على جواز العمل بقول الثقة وان كان المخبر ممن يضيعه ولا يعمل به ( ولا ينافي ) ذلك ما ورد من حصر المعتمد في الشيعة


(135)
والمسن في الدين وفي حبهم فإنه محمول على وثاقتهم في الحديث وعدم تطرق احتمال الكذب في حقهم احتمالا يعتنى به العقلاء في قبال غيرهم ممن يتطرق في نقله تعمد الكذب على ما يشهد له التعليل الوارد في النهى عن اخذ معالم الدين من غير الشيعة بقوله (ع) فإنك ان تعديتهم اخذت دينك من الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب الله عز وجل فحرفوه وبدلوه فلعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي عليهم إلى يوم القيمة الخبر ( حيث ) ان فيه دلالة واضحة على أن المنع عن اخذ معالم الدين منهم انما هو من جهة كونهم خائنين غير الموثقين في نقل الحديث من جهة تطرق احتمال تعمد الكذب في حقهم ( لا انه ) من جهة مجرد كونهم من غير الشيعة ولو مع كونهم موثقين في نقل الحديث ومتحرزين عن تعمد الكذب غاية التحرز فتأمل ( ومن ذلك ) ترى بناء الأصحاب رضوان الله عليهم على العمل بالخبر الموثوق به ولو من غير الشيعة إذا علموا بان الراوي سديد في نقل الرواية ومتحرز عن الكذب وكان ممن لا يطعن في روايته وان كان مخطئا في اعتقاده وسالكا غير الطريقة المستقيمة التي سلكها الشيعة والفرقة المحقة كأخذهم بروايات حفظ بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج وغيرهم من العامة وكذا اخذهم باخبار جماعة من الفطحية وغيرها كعبد الله بن بكير وسماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة البطائني اللعين الشقي وكتب بنى فضال ونحوهم ممن عرف منهم كونهم موثقين في نقل الحديث ( وناهيك ) في ذلك حديث النبوي المعروف على اليد ما اخذت المستدل بها في أبواب المعاملات ( مع أن ) من المعلوم انه لم يروه أحد من رواتنا الامامية ولا كان موجودا في شيء من جوامعنا ( وانما ) هو مروى في كتب العامة بطرقهم المنتهية إلى سمرة بن جندب الشقي عمن هو مثله فان ذلك شاهد صدق لما ذكرنا من أن مدار الحجية عندهم على مجرد كون الخبر موثوق الصدور عن النبي (ص) أو الأئمة بنحو يضعف فيه احتمال الكذب ضعفا لا يعتنى به العقلاء بنحو يعد المعتنى به من الوسواسين ( لا ان ) مدار الحجية عندهم على عدالة الراوي وحينئذ فلا اشكال في دلالة تلك الأخبار على حجية خبر الموثوق به صدورا أو مضمونا كما يدل على الأول الترجيح بالشهرة والشذوذ وبعدالة الراوي ووثاقته وعلى
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس