نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 256 ـ 270
(256)
تكون القابلية شرطا لتأثير الأمور المزبورة ( واما ان تكون ) عبارة عن مجموع الأمور المزبورة مع القابلية ( فعلى الأول ) تجرى في جميع الصور أصالة عدم التذكية من غير فرق بين ان يكون الشك من جهة الشبهة الحكمية أو من جهة الشبهة الموضوعية بأنحاء ما يتصور فيها من الشك ( فإنه ) يشك حينئذ في تحقق ذلك الأثر الحاصل البسيط والأصل عدمه ( ويترتب ) عليه الحرمة بل النجاسة في وجه قوى ، ولا ينافي ذلك ما دل على ترتب الحرمة والنجاسة على عنوان الميتة التي هي عبارة عما مات حتف أنفه حتى يشكل بعدم اقتضاء الأصل المزبور لاثبات هذا العنوان الا على القول بالمثبت ( إذ الحكم ) كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة ، كذلك رتب على ما يعم العنوان المزبور وهو غير المذكى ( ومن الواضح ) انه لابد في مثله من الاخذ بذلك العنوان العام كما يكون ذلك هو الشأن في كل مورد رتب الحكم الشرعي في لسان الدليل على عنوانين أحدهما أعم من الاخر ، حيث تكون العبرة بالعنوان العام دون الخاص ( ثم إن ذلك ) إذا لم نقل ان الميتة في لسان الشارع عبارة عن غير المذكى والا فبناء على كونها عبارة عن غير المذكى كما قيل به فالامر أوضح ( واما على الثاني ) وهو كون التذكية عبارة عن نفس فرى الأوداج بشرائطه مع كون القابلية شرطا في تأثيره ، فان كان الشك في الطهارة والحلية من جهة الشك في ورود فعل المذكي عليه تجرى فيه أصالة عدم التذكية واما ان كان الشك من جهة قابلية الحيوان للتذكية اما من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كالشك في كون اللحم المطروح من الحيوان الذي يقبل التذكية كالغنم أو من الذي لا يقبل التذكية فمع العلم بورود فعل المذكى عليه من فرى الأوداج الأربعة بما اعتبر فيه لا تجرى أصالة عدم التذكية ، بل ومع الشك فيه أيضا فإنه وان لم يكن قصور حينئذ في جريان أصالة عدم التذكية ، ولكنه مع الشك في القابلية لا ينتج شيئا ، كيف وان القطع بوجوده لا تثمر شيئا مع الشك في القابلية ، وحينئذ فان كانت القابلية مسبوقة بوجودها كما لو شك في زوالها بمثل الجلل ونحوه تجرى فيها استصحابها ويترتب عليه اثار فرى الأوداج وعدمه ولو بالأصل ( والا ) فتجري أصالة الطهارة والحلية في اللحم المزبور لعدم كون القابلية المزبورة مسبوقة باليقين بالعدم حتى تستصحب ( واما توهم ) امكان احراز


(257)
عدمها حينئذ بالأصل بنحو السلب المحصل كما في مشكوك القرشية والشرط المشكوك مخالفته للكتاب ومشكوك الانتساب في الإرث لكون القابلية المزبورة بهذه الملاحظة مسبوقة بالعدم قبل الوجود ( فمدفوع ) بأنه وان كان المختار هو جريان الأصل في الاعدام الأزلية ، ولكن ذلك انما يكون في الأوصاف العارضة على الذات بتوسيط وجودها كالقرشية في المثال ( لا بالنسبة ) إلى ما هو من لوازم ذات الشيء فان في مثله لا مجال لجريان الأصل من جهة وضوح عدم كونه مسبوقا باليقين حتى في مرحلة صقع الذات قبل الوجود ، وقابلية الحيوان للتذكية انما تكون من هذا القبيل ، إذ لم تكن القابلية المزبورة من الأوصاف العارضة على الذات بتوسيط وجودها وانما هي من الأمور المأخوذة في ذات الحيوان وبهذه الجهة لم تكن لها حالة سابقة حتى في مرحلة صقع الذات كي يجرى فيها الأصل ( وعليه ) ينتهى الامر إلى الأصول الحكمية وهي أصالة الطهارة والحلية ( ومن ذلك ) البيان يظهر الحال على الاحتمال الثالث في التذكية وهو كونها عبارة عن مجموع الأمور الخمسة وقابلية المحل ( فإنه ) مع الشك قي قابلية الحيوان للتذكية لأجل الشبهة الحكمية أو الموضوعية لا تجرى فيه أصالة عدم التذكية ، لان التذكية على ذلك تكون من الموضوعات المركبة التي لابد في جريان الأصل فيها من لحاظ خصوص الجهة المشكوكة لا المجموع المركب من حيث المجموع وبعد عدم جريان الأصل في الجهة المشكوكة وهي القابلية تجري فيه لا محالة أصالة الطهارة والحلية من غير فرق في ذلك بين صورة العلم بورود فعل المذكى على الحيوان وعدمه نظرا إلى ما تقدم من عدم ترتب فائدة على استصحاب عدمه مع الشك في القابلية وعدم كون القطع بوجوده مع الشك المزبور منتجا لشيء ( نعم ) ينتج ذلك في فرض احراز قابلية الحيوان للتذكية فإنه مع الشك في ورود فعل المذكى عليه يجرى فيه أصالة العدم فيترتب عليه الحرمة والنجاسة ( ثم إن المتعين ) من المحتملات الثلاثة المتصورة في التذكية انما هو المعني الثاني ( فان المستفاد ) من قوله سبحانه الا ما ذكيتم من نسبة التذكية إلى الفاعلين ، وكذا قوله (ع) في ذيل موثقة ابن بكير ، ذكاة الذبح أم لا ، وقوله في خبر علي بن أبي حمزة بعد قول السائل أو ليس الذكي ما ذكى بالحديد ، بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ( هو ان التذكية )


(258)
عبارة عن فعل المذكى وان قابلية المحل امر خارج عن حقيقة التذكية وكان لها دخل في تأثيرها في الطهارة والحلية لا انها عبارة عن مجموع فعل الذابح بما اعتبر فيه مع قابلية المحل ، ولا كونها عبارة عن الأثر الحاصل منهما ( وعليه ينبغي ) التفصيل في جريان أصالة الطهارة والحلية ، بين ان يكون الشك في حرمة اللحم ونجاسته من جهة الشك في قابلية الحيوان المذبوح للتذكية ، وبين ان يكون ذلك من جهة الشك في ورود فعل الذابح عليه فتجري في الأول أصالة الطهارة والحلية لعدم أصل حاكم عليهما ( بخلاف الثاني ) فإنه تجرى فيه أصالة عدم التذكية ويترتب عليها الحرمة والنجاسة.
    ( الامر الثاني ) لا اشكال ولا خلاف في رجحان الاحتياط عقلا ( وانما الاشكال ) في قابليته للرجحان الشرعي والاستحباب المولوي من جهة الأخبار الآمرة بالاحتياط ( والتحقيق في المقام ) يتوقف على شرح حقيقة الاحتياط وبيان الوجوه المتصورة في الامر به من حيث الارشادية والمولوية ( فنقول ) الوجوه المتصورة في مفاد الأوامر الواردة في هذا الباب أربعة ( أحدها ) كونه لمحض الارشاد إلى عدم الوقوع في المفاسد الواقعية والحزازة للنفس الامرية على تقدير وجودها واقعا نظير أوامر الطبيب ونواهيه بحيث لا يترتب على موافقتها سوى التخلص عن الوقوع في المفسدة الواقعية المحتملة ، واليه يرجع كلام الشيخ قده من حيث تنظيره بأوامر الطبيب ونواهيه وبالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع فيها ( وثانيها ) كونه ارشادا إلى ما في نفس عنوان الاحتياط من الحسن والرجحان العقلي مطلقا حتى في صورة عدم مصادفة الاحتمال للواقع لكونه انقيادا وإطاعة حكمية نظير الامر بعنوان الإطاعة ، ولازمه استحقاق المثوبة عليه وان لم يصادف الواقع بناء على ما اخترناه في مبحث التجري ، فارشادية الامر المتعلق به حينئذ انما هي بمعنى خلوه عن جهة المولوية كما في الامر بعنوان الإطاعة لا بمعنى خلو المتعلق بالعنوان المزبور عن الرجحان رأسا كما في الصورة الأولى ( وثالثها ) كونه حكما مولويا نفسيا بان كان في الفعل المشكوك حكمه بهذا العنوان مصلحة اقتضت استحبابه النفسي في مرتبة الشك بالواقع فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعي ( ورابعها ) كونه حكما مولويا طريقيا انشاء


(259)
بداعي حفظ المرام الواقعي عند الشك به كما في جميع أوامر الطرق والامارات على ما مر شرحه مفصلا ( ولازم ) ذلك وان كان ترتب المثوبة عليه مطلقا الا انها على تقدير المصادفة تكون بعنوان الإطاعة وعلى تقدير آخر بعنوان الانقياد والإطاعة الحكمية ( بخلاف ) فرض المولوية النفسية فإنه عليه يكون ترتب المثوبة على الموافقة على كل تقدير بعنوان الإطاعة الحقيقية للامر المتعلق بعنوان الاحتياط ( واما عنوان الاحتياط ) فاما يكون عبارة عن الفعل أو الترك المنبعث عن دعوة احتمال الوجوب أو الحرمة ، واما ان يكون عبارة عن مجرد فعل مشكوك الوجوب أو ترك مشكوك الحرمة بهذا العنوان ( والفرق ) بينهما واضح فإنه على الأول يكون عنوان الاحتياط منتزعا عن الذات في المرتبة المتأخرة عن الذات المعروضة للوجوب أو الحرمة بنحو يرى في عالم التصور ذاتان إحديهما في رتبة سابقة عن الوجوب والأخرى في الرتبة المتأخرة عن دعوه احتمال الوجوب نظير عنوان الإطاعة وبذلك لا يلزم اجتماع الضدين أو المثلين في ذات واحدة كما تقدم شرحه في مبحث التجري ، ويترتب عليه حكم العقل بحسنه مطلقا حتى في صورة المخالفة للواقع لكونه بهذا العنوان انقيادا وإطاعة حكمية ( بخلاف الثاني ) فإنه وان كان منتزعا عن العنوان في المرتبة المتأخرة عن الامر بعنوان ذات الشيء الا ان تأخره لا يكون بتمام العنوان حتى بلحاظ ذات الموصوف ، بل انما كان ذلك بلحاظ قيده ووصفه فقط وهو الجهل مع كون الذات في العنوانين محفوظة في مرتبة واحدة غير أنها تلاحظ تارة مجردة وأخرى موصوفة كعنوان الخمر والخمر المشكوكة خمريتها أو المشكوكة حكمها مع قابلية الأول للانطباق علي الثاني كما في كل مطلق ومقيد ( وبعد ) ذلك نقول انه بناء على المعنى الأول للاحتياط لا شبهة في أن من لوازمه عدم قابليته للامر المولوي نفسيا أو طريقيا ضرورة انه بهذا المعنى مما يستقل العقل بحسنه لكونه مما ينطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد ومعه لا يكون الامر به الا ارشادا محضا إلى حكم العقل بحسنه بلا شائبة مولوية فيه كما في الامر بعنوان الإطاعة الحقيقية ، كما أنه على هذا المعنى لا يتأتى فيه احتمال الارشاد بالمعنى الأول أيضا لتمحضه بالارشاد العقلي الاطاعي ( بخلاف المعنى ) الثاني الاحتياط فإنه قابل لاستحباب المولوي الطريقي أو النفسي من جهة امكان اشتمال الفعل المشكوك


(260)
حكمه بما هو مشكوك على مصلحة تقتضي استحبابه النفسي في هذه الرتبة حتى في فرض المخالفة للواقع من غير أن ينافي ذلك مع الحكم الواقعي كما توهم بتخيل ان الذات على هذا الفرض لما كانت واحدة يلزم اجتماع الضدين في ذات واحدة ، إذ بعد قصور الخطابات الواقعية عن الشمول لمرتبة الشك بنفسها كما تقدم بيانه في وجه الجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية لا مانع من تعلق حكم آخر في هذه المرتبة يقتضي استحبابه ( نعم ) على هذا المعنى لا مجال لدعوى رجحانه العقلي لما هو المعلوم من أنه لا يكون فعل ما شك في وجوبه بهذا العنوان مع قطع النظر عن نشوه عن داعي احتمال الوجوب مصبا لحكم العقل بالحسن والرجحان حتى يتأتى فيه الارشاد العقلي الاطاعي وان كان لتصور الارشاد بالمعنى الأول فيه مجال واسع ( وبما ذكرنا ) ظهر أنه لا مجال لما عن الشيخ قده وغيره من جعل المحتملات الأربعة المتقدمة في عنوان المسألة على منوال واحد ، لما عرفت من أنه على المعنى الأول للاحتياط لا تصلح الأوامر الشرعية لغير الارشاد العقلي الاطاعي ( وعلى ) المعنى الاخر وان كانت قابلة للمولوية وللارشاد بالمعنى الاخر ، ولكنه خارج عن مصب حكم العقل بالرجحان إذ لا حكم للعقل برجحان فعل المشتبه أو تركه بهذا العنوان ما لم يؤخذ فيه جهة نشوه عن دعوة احتمال الوجوب أو الحرمة وينطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد كما هو ظاهر ( وحيث ) ان الظاهر من عنوان الاحتياط خصوصا بقرينة اتفاقهم على حسنه عقلا هو العمل المأتى عن داعي احتمال الوجوب لا مجرد اتيان مشكوك الوجوب أو ترك مشكوك الحرمة بهذا العنوان ( فلا محيص ) من حمل الأوامر الشرعية المتعلقة بعنوان الاحتياط على الارشاد إلى حكم العقل برجحانه ( نعم ) هنا عنوان آخر قابل للرجحان العقلي والشرعي وهو جعل احتمال الوجوب أو الحرمة في المشتبه داعيا إلى الفعل أو الترك ، فان هذا المعنى مما يحسنه العقل تحصيلا للإطاعة والانقياد ويكون قابلا أيضا للامر المولوي ( ولكنه ) بعيد عن مساق الاخبار وعن الكلمات ( وبعد ) ان عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان ما يستفاد من الاخبار الا مرة بالتوقف والاحتياط ( فنقول ) ان الأخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما يشتمل على عنوان الاحتياط كقوله (ع) أخوك دينك فاحتط لدينك ، وقوله (ع) إذا أصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط


(261)
( ومنها ) ما يشتمل على عنوان المشتبه وهذه الطائفة على صنفين ( أحدهما ) ما يكون مذيلا بالتعليل بأنه خير من الاقتحام في الهلكة ( وثانيهما ) ما لا يكون له هذا الذيل ، كقوله (ع) من ترك الشبهات كان لما استبان له اترك ( اما الطائفة الأولى ) فلابد من حملها على الارشاد كأوامر الإطاعة والانقياد ( واما الطائفة الثانية فهي أيضا بمقتضى التعليل الواقع في ذيلها ظاهرة في الارشاد لكن لا إلى حكم العقل بحسن الإطاعة ، بل إلى عدم الوقوع في مخالفة التكاليف الواقعية والمفاسد النفس الامرية نظير أوامر الطبيب ونواهيه ( واما الطائفة الثالثة ) فهي وان كانت قابلة للارشاد وللمولوية الا ان ظهورها في المولوية ينفي الارشادية ( نعم ) يدور أمرها بين الاستحباب النفسي ، أو الطريقي كسائر الاحكام الطريقية المجعولة لحفظ الواقعيات المجهولة كما في أوامر الطرق والامارات على ما بيناه ، وحينئذ فظاهر تعلق الامر بعنوان المشتبه وان كان يقتضى كونه مستحبا نفسيا حكمته اعتياد المكلف على الترك بنحو يهون عليه الاجتناب عن المحرمات المعلومة ( ولكن ) لا يبعد ترجيح الطريقية نظرا إلى بعد الاستحباب النفسي عن مساق تلك الأخبار لظهورها الثانوي في كونها على حذو سائر الأحكام الطريقية المجعولة لأجل حفظ الواقع في موارد الشبهات من غير أن ينافي ذلك مع الحكمة المزبورة المؤدية إلى الاعتياد على الترك « مضافا » إلى بقاء اطلاق مصلحة الواقع على الطريقية في اقتضائها لمحبوبية الذات حتى في المرتبة المتأخرة عن الجهل بخطابه « بخلافه » على الموضوعية والاستحباب النفسي فإنه لابد من رفع اليد عن اقتضاء المصلحة للإرادة بجميع مباديها حتى المحبوبية نظرا إلى مضادة الاشتياق الذي هو من مبادي الإرادة الواقعية في مرتبة الشك مع الاشتياق بخلافه في هذه المرتبة وبهذه الجهة رجحنا الطريقية على الموضوعية في أوامر الطرق بلحاظ عدم اقتضاء الطريقية في ظرف المخالفة للواقع الا رفع اليد عن فعلية الإرادة في ظرف الشك لا عن مباديها من الاشتياق والمحبوبية لعدم التنافي بين محبوبية الواقع في هذه المرتبة وبين الترخيص على خلافه لمصلحة تقتضيه « فعلى هذا » صح لنا دعوى عدم استفادة الاستحباب المولوي النفسي من الأخبار الواردة في المقام حتى المشتمل منها على عنوان المشتبه.


(262)
    « المسألة الثانية » في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل اجمال النص ، وهو قد يكون من جهة اجمال ما يدل على الحكم اما ذاتا كما لو قلنا باشتراك الصيغة في النهى بين الحرمة والكراهة ، واما من جهة وجود القرائن الحافة بالكلام المانعة عن ظهوره في الحرمة كما في النهى عقيب توهم الوجوب ، وقد يكون من جهة المتعلق ، سواء كان لأجل الشك في المراد منه مع العلم بوضعه كما إذا شك في شمول الخمر للخمر غير المسكرة ولم يكن في البين اطلاق يؤخذ به ، أم لأجل الشك في نفس المفهوم من جهة الوضع مع العلم بكون المراد ما هو مدلول هذا اللفظ ، كما في الغناء إذا قلنا باجماله وتردده بين مطلق الصوت المطرب أو خصوص الصوت المطرب مع الترجيع ، وكما في الفسق إذا قلنا باجماله وتردده بين خصوص المرتكب للكبائر أو ما يعم المرتكب للصغاير « ثم إن » التردد في المتعلق « تارة » يكون بين الأقل والأكثر كالأمثلة المزبورة « وأخرى » يكون بين المتبائنين كما لو دل الدليل على حرمة اكرام زيد وتردد بين شخصين « فهذه » صور الاجمال في المسألة ، ولكن الحكم فيما عدى الصورة الأخيرة هي البراءة « وذلك » اما في صورة الاجمال في ناحية الدال على الحكم اما ذاتا واما من جهة احتفافه بما يصلح للقرينية فظاهر لكون الشك حينئذ في أصل التكليف التحريمي فيكون كصورة فقد النص فيجرى فيه جميع ما ذكرناه من الأدلة الدالة على البراءة عقليها ونقليها « واما » في صورة اجمال المتعلق كمثال الغناء أو اجمال المراد منه فكذلك من جهة انتفاء العلم بالتكليف في الزائد عن المقدار المعلوم من غير فرق في ذلك بين ان يكون تعلق النهى على نحو الطبيعة السارية أو على نحو صرف الوجود فإنه في الجميع تجرى البراءة في المشكوك ويحكم فيه بجواز الارتكاب ( واما توهم ) ان المطلوب في النهى بعد أن كان عبارة عن ترك صرف الطبيعي كان اللازم هو الاحتياط بترك المشكوك مقدمة لامتثال التكليف المعلوم في البين ( فمدفوع ) بان هذا الاشكال لو تم لكان ساريا في جميع موارد الأقل والأكثر الارتباطيين ولا يكون له اختصاص بالمقام وسيجيء دفعه بما لا مزيد عليه انشاء الله تعالى « وحينئذ » يكون الحكم في جميع صور اجمال النص هي البراءة الا في فرض اجمال المتعلق وتردده بين المتبائنين ، فان المرجع فيه هي قاعدة


(263)
الاحتياط للعلم الاجمالي بحرمة اكرام أحد الشخصين.
    ( المسألة الثالثة ) ما لو اشتبه الحكم الشرعي من جهة تعارض النصين كما لو قام نص على حرمة شيء وقام نص آخر على عدم حرمته والحكم فيها أيضا كما في صورة فقدان النص هي البراءة ( فان ) المناط فيها انما هو فقد الحجة على التكليف فلا يفرق فيها بين ان لا يكون في المسألة نص أصلا أو كان ولكنه سقط عن الحجية بالمعارضة ( وقد يستدل ) على الاحتياط بما في غوالي اللئالي من مرفوعة العلامة إلى زرارة عن أبي جعفر (ع) من قوله بعد ذكر المرجحات وفرض الراوي تساوى الخبرين في جميع ما ذكره الإمام (ع) من المرجحات فخذ الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط ( ولكن فيه ) بعد الغض عن ضعف الرواية ان الاحتياط حينئذ يكون مرجحا للخبر الموافق له لا مرجعا ، فيخرج عن مفروض الكلام ( فان ) مفروض الكلام في المقام انما هو صورة فقد الحجة الشرعية على التكليف وهذا انما يكون إذا لم يكن في البين ما يقتضى ترجيح أحد الخبرين ولو كان هي قاعدة الاحتياط بناء على القول به كما تقتضيه المرفوعة ( والا ) فمع وجود المرجح يخرج عن مفروض البحث ( نعم ) يتحد ذلك بحسب النتيجة مع القول بمرجعية الاحتياط ، ولكنه لا من جهة انه مورد فقدان الحجة الشرعية على التكليف ، بل من جهة كونه مورد قيام الحجة الشرعية على التكليف ( وبما ذكرنا ) ظهر انه لابد من فرض الكلام في المسألة براءة واشتغالا على القول بالتساقط في الخبرين المتعارضين ( والا ) فعلى القول بالتخيير في المتعارضين من الاخبار تخرج المسألة عن مفروض البحث بين الفريقين ( ولكن ) حيث إن الحكم في المتعارضين من الاخبار بمقتضى الاخبار العلاجية يكون هو التخيير اما مطلقا كما هو التحقيق أو في صورة فقد المرجحات المنصوصة أو صورة تكافئهما في الجميع لا التساقط كان الحري عدم ادخال هذه المسألة في مسألة البراءة نظرا إلى العلم بوجود حجة معتبرة في البين على التكليف وهو أحد الخبرين اما على التعيين أو على التخيير ( نعم ) يدخل في المسألة تعارض الآيتين وتعارض الاجماعين المنقولين بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين في الترجيح والتخيير « المسألة الرابعة » ما لو اشتبه الحكم الشرعي في الواقعة الجزئية لأجل الاشتباه في الأمور الخارجية كالشك في كون المايع الخاص خمرا أو خلا ولا اشكال ولا خلاف حتى من


(264)
الأخباريين في أن مقتضى الأصل فيه الإباحة ، ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الأدلة المتقدمة من الكتاب والسنة والعقل ، بل ظاهر بعضها هو الاختصاص بهذه المسألة كرواية مسعدة بن صدقه وغيرها.
المبحث الثاني
    فيما لو دار حكم الفعل بين الوجوب وغير الحرمة كالدعاء عند رؤية الهلال المردد حكمه بين الوجوب والاستحباب « وفيه » أيضا المسائل الأربع المتقدمة في المبحث الأول ( والتحقيق ) فيها أيضا هو البراءة من غير فرق بين ان يكون منشأ الشك هو فقدان النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجية للأدلة المتقدمة من مثل حديث الرفع ودليل الحجب وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وعدم الفصل بين المقامين لان كل من قال بالبرائة في المسألة الأولى قال بها في هذه المسألة وان لم يكن الامر بالعكس لمصير جماعة من محققي الأخباريين في الشبهة الوجوبية إلى البراءة وفاقا للمجتهدين مع قولهم بالاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية ، فلا يحتاج إلى افرادها بالبحث المستقل واطناب الكلام فيها « نعم ينبغي التنبيه على أمور » الأول في ذكر الشقوق المتصورة في الشبهة الموضوعية وان كانت تحريمية وبيان أحكامها « فنقول » وعليه التكلان ، اعلم أن متعلق الطلب وجوبيا أو تحريميا « تارة » يكون نفس فعل المكلف من دون تعلقه بموضوع خارجي كالصلاة والحج والكذب والغيبة « وأخرى » يكون له تعلق بالموضوع الخارجي كاكرام العالم وتوهينه « وعلى الثاني » فتارة يكون التكليف منوطا شرعا بوجود الموضوع في الخارج كما في مثال اكرام العالم « وأخرى » لا يكون كذلك بل كان التكليف مطلقا بالنسبة إليه بحيث يقتضى لزوم ايجاد الموضوع في الخارج مع التمكن منه في الأوامر واعدامه في النواهي في فرض عدم التمكن من الاجتناب عنه الا باعدامه « وعلى التقادير » فتارة يكون المطلوب في الطلب الوجوبي أو التحريمي هو صرف وجود الشيء و « أخرى » يكون المطلوب هو الطبيعة السارية في كل فرد « وثالثة » على نحو العموم الاستغراقي أو المجموعي ، والفرق بين الطبيعة السارية والعموم الاستغراقي ظاهر ، فإنه على


(265)
الأول يكون المطلوب هو الطبيعي بخصيصة السارية في ضمن الافراد مع خروج الخصوصيات الفردية عن حيز الحكم والتكليف ، بخلاف على الثاني فإنه على ذلك تكون الخصوصيات الفردية أيضا داخلة في حيز التكليف ( وربما يثمر ) ذلك فيما لو اتى بالفرد وقصد الامتثال بالخصوصية ، فإنه على الأول يكون مشرعا في قصده بالنسبة إلى الخصوصية ، بخلاف الثاني فإنه عليه لا تشريع من جهة وقوع الخصوصية أيضا في حيز التكليف ( وحيث اتضح ) هذه الفروض فلنشرع في بيان حكم كل واحد منها ( فنقول ) أما إذا كان التكليف وجوبيا متعلقا بفعل المكلف بصرف وجوده ولا يكون له تعلق بموضوع خارجي كالصلاة والحج ونحوهما ( فلا اشكال ) في أنه عند الشك لابد من الاشتغال وعدم جواز القناعة بالفراغ الاحتمالي ، لاستقلال العقل بعد العلم بأصل الخطاب بلا اجمال في ناحية الحكم والتكليف ولا في ناحية موضوعه ومتعلقه ، بلزوم الجزم بالفراغ باتيان ما يعلم كونه مصداق المأمور به وجدانا أو جعلا وتنزيلا وعدم جواز الاكتفاء باتيان ما يشك معه الخروج عن عهدة التكليف ( واما لو كان ) له تعلق بالموضوع الخارجي ( فان كان ) التكليف مطلقا بالنسبة إلى ذلك الموضوع بنحو يقتضى مع الامكان وجوب ايجاده كسائر مقدمات الواجب المطلق فكذلك أيضا ( فإنه ) مع العلم بوجود الموضوع في الخارج لا يجوز العدول عنه إلى غيره مما هو محتمل المصداقية للطبيعي لاستقلال العقل حينئذ بعد العلم بالتكليف والقدرة على امتثاله بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم الاكتفاء في مقام الامتثال بالفراغ الاحتمال ( ومع الشك ) فيه وانحصار الامر فيما هو محتمل المصداقية ، لابد من الاحتياط ، لرجوع بعد العلم بأصل الغرض وقيامه بالشيء إلى الشك في القدرة على الامتثال المحكوم عقلا بالاحتياط ووجوب التعرض للامتثال إلى أن يحصل الجزم بالعجز على ما هو الشأن في جميع موارد الشك في القدرة على الامتثال ( ولا مجال ) في مثله للرجوع إلى البراءة ، لان الرجوع إليها انما يكون في مورد كان الشك فيه راجعا إلى الشك في أصل غرض المولى ( لا في مورد ) الشك في القدرة على تحصيله بعد الجزم بأصله فان في مثله يحكم العقل بالاحتياط ، ولذلك لا يعتني باحتمال عدم القدرة في الواجب المبتلى باحتمال وجود المزاحم الأهم ( نعم ) انما يرجع إلى البراءة عند الشك في القدرة فيما لو


(266)
كان التكليف منوطا بها شرعا كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ، فان الشك فيها حينئذ يرجع إلى الشك في أصل ثبوت الغرض وتحققه ، لا مطلقا حتى فيما كان الحاكم باعتبارها هو العقل لان في مثله يكون الغرض مما يعلم بوجوده ولو مع القطع بعدم القدرة على الامتثال ( وحينئذ ) فمع الشك في القدرة بعدم الجزم بأصل الغرض لابد من الاحتياط ( واما لو كان ) التكليف منوطا بوجود الموضوع كما في اكرام العالم واطعام الجايع ، فمع العلم بوجود الموضوع في الخارج أو بعدمه لا اشكال ومع الشك في أصل وجوده يكون المرجع هي البراءة لرجوع الشك المزبور إلى الشك في ثبوت الغرض وفي أصل توجه التكليف إليه وهو ظاهر ( هذا كله ) إذا كان تعلق التكليف على نحو صرف الوجود ( واما لو كان ) تعلقه على نحو الطبيعة السارية أو العموم الاستغراقي بنحو ينحل التكليف المتعلق بالطبيعي إلى تكاليف متعددة حسب تعدد الحصص والافراد ، ففي ذلك مهما شك في الموضوع يكون المرجع فيه البراءة دون الاشتغال من جهة رجوع الشك المزبور بعد انحلالية التكليف إلى الشك في التكليف الزائد فيندرج في مسألة الأقل والأكثر الاستقلالين التي كان المرجع فيها هي البراءة بالاتفاق ( من غير فرق ) بين ان يكون لمعروض التكليف الذي هو فعل المكلف تعلق بموضوع خارجي كاكرام العالم وعدمه كالصلاة ( ولا ) بين ان يكون التكليف منوطا بوجود ذلك الموضوع ، وبين كونه مطلقا بالنسبة إليه ، فإنه على جميع التقادير يكون المرجع عند الشك هي البراءة ، نظرا إلى رجوع الشك المزبور بعد سراية الطلب إلى الحصص والافراد إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إلى المشكوك فيه زائدا عما علم بانطباق الطبيعي عليه ( لا يقال ) على هذا لم التزمت بالاحتياط في فرض كون التكليف على نحو صرف الوجود ( لان ) مجرد الشك في انطباق الطبيعي على فرد لو كان كافيا في الحكم بالاشتغال ووجوب الاحتياط كما في فرض تعلق التكليف بالشيء بصرف وجوده فليكن كذلك في فرض تعلقه به بنحو الطبيعة السارية ( وان لم يكن ) ذلك كافيا في الحكم بالاشتغال كما في مفروض المسألة نظرا إلى دعوى احتياج التكليف في تنجزه إلى احراز عنوان موضوعه في الخارج وانطباق الكبرى المجعولة عليه فمع الشك في وجود الموضوع وانطباق عنوانه على المورد لا يكون للعقل حكم بالاشتغال


(267)
بمثله ( فليكن كذلك ) في فرض تعلق التكليف بالشيء بصرف وجوده ، فعلى اي حال لا وجه للتفصيل بين الفرضين في مرجعية البراءة والاشتغال ( فإنه يقال ) ان الفرق بين الفرضين هو ان في التكليف بصرف الوجود كان موضوع التكليف عبارة عن الطبيعي بما هو قابل للانطباق على اي فرد لا الطبيعي المنطبق على فرده ، وبذلك يكون امر تطبيقه على الفرد في عهدة المأمور في مقام الخروج عن عهدة التكليف لا في عهدة الامر حتى يجب عليه بيانه ( ولازمه ) بعد العلم بتعلق التكليف بالطبيعي المزبور وخروج جهة الانطباق عن موضوع التكليف ، هو رجوع الشك في انطباق الطبيعي على المورد إلى الشك في القدرة على التطبيق فيجب بحكم العقل الاحتياط باتيان ما يحتمل كونه مصداقا للطبيعي كما بيناه ( وهذا بخلاف ) التكليف المتعلق بالطبيعة السارية ( فان ) موضوع التكليف فيه بنظر الامر انما كان هي الطبيعة المنطبقة على افراده فتكون جهة الانطباق على الفرد مأخوذة في موضوع التكليف وفي عهدة الامر حيث إنه كان عليه بيانه بعكس الفرض الأول ، فمتى شك في فردية شيء للطبيعي يكون ذلك راجعا إلى الشك في بيان الامر وفى توجيه تكليفه إلى مشكوك الانطباق وعدمه لا إلى الشك في القدرة على الامتثال كما هو ظاهر فتدبر ( هذا كله ) في فرض كون التكليف وجوبيا ( واما لو كان ) التكليف تحريميا ( فان كان ) النهى متعلقا بالطبيعة السارية ، فلا اشكال في أن المرجع عند الشك في الموضوع هي البراءة دون الاحتياط من غير فرق ، بين ان يكون لمعروض النهى الذي هو فعل المكلف تعلق بأمر خارجي كشرب الخمر ، وعدمه كالغنا والكذب ( ولا بين ) كون النهى منوطا شرعا بذلك الامر الخارجي ، وعدمه ( فإنه ) بعد انحلال التكليف إلى تكاليف متعددة بمقتضى السراية إلى الحصص يكون المرجع عند الشك في المصداق في جميع هذه الصور هي البراءة لرجوع الشك المزبور إلى الشك في أصل الخطاب بالنسبة إلى المشكوك فيه ( واما لو كان ) متعلقا بصرف الطبيعي ( فان كان ) الفعل مما له تعلق بموضوع خارجي وكان النهي أيضا منوطا شرعا بفرض وجود ذلك الموضوع ( فلا اشكال ) في البراءة مع الشك في الموضوع لعدم احراز الخطاب بالاجتناب عن المشكوك فيه ( وأما إذا ) لم يكن للفعل المنهى عنه تعلق بأمر خارجي ( أو كان ) ولكن كان النهي مطلقا بالنسبة إليه لا مشروطا بوجوده بحيث ربما يقتضى


(268)
لزوم اعدامه في فرض عدم التمكن من الاجتناب عنه الا باعدامه « فقد يقال » باقتضاء مثل هذا النهي كالأمر المتعلق بصرف الوجود للاشتغال « بدعوى » اقتضاء النهي عن صرف الوجود المبين حكما وموضوعا للاشتغال بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده « ولازمه » بحكم العقل هو الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه من افراده تحصيلا للفراغ اليقيني عما ثبت الاشتغال به يقينا « ولكن فيه » ما لا يخفى فان النهي عن صرف وجود الطبيعي وان كان يقتضى الاشتغال بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده ولا يحصل ذلك الا بعدم تمام افراده ( الا انه ) بعد اختلاف دائرة عدم الطبيعي سعة وضيقا بازدياد الافراد وقلتها بلحاظ ان عدم الطبيعي عين عدم افراده ، لا انه امر حاصل منها « فلا محالة » يكون مرجع الشك في انطباق الطبيعي على المشكوك إلى الشك في مقدار دائرة المأمور به ، بان تلك المرتبة من العدم المنبسط على الافراد بحد يكون المشكوك داخلا فيه أو بحد يكون المشكوك خارجا عنه « فيندرج » في صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين فيجري فيه البراءة بناء على المختار في جريانها في تلك المسألة « وبذلك » يتضح الفرق ، بين التكليف الوجوبي المتعلق بصرف الوجود ، وبين التكليف التحريمي المتعلق به ( حيث ) ان الالتزام بالاشتغال في الأول انما هو من جهة عدم التكرر لصرف وجود الطبيعي وعدم تصور السعة والضيق في دائرة موضوع التكليف بازدياد الافراد وقلتها كي يتصور فيه الوجود الساري بنحو الانضمام ( لان ) ما يتصور فيه التوسعة والتضييق من جهة قلة الافراد وكثرتها انما هو بالنسبة إلى ما ينطبق عليه موضوع التكليف لا بالنسبة إلى نفس موضوع التكليف ( وهذا بخلاف ) فرض كون التكليف تحريميا ، إذ عليه تكون كثرة الافراد وقلتها موجبة لاتساع دائرة موضوع التكليف وتضييقه ( نعم ) لو قيل إن عدم الطبيعي عبارة عن معنى غير عدم الافراد وان نسبة الافراد إليه من قبيل المحقق والمحصل كما قيل به في طرف الوجود حيث جعل نسبة الافراد إلى وجود الطبيعي من قبيل المقدمة بالنسبة إلى ذيها لكان للفول بمرجعية الاشتغال عند الشك في المصداق مجال « ولكن » الشأن في صحة المبنى ، فان التحقيق كما عليه المحققون هو ان وجود الطبيعي عين وجود فرده ، فيكون عدمه عبارة عن عين اعدام افراده ، لا بمعنى


(269)
ان النقيض هو عدم كل فرد فرد بخصوصيته ، كي يشكل بأنه لا يكون لصرف وجود الطبيعي الا نقيض واحد ، بل بمعنى ان النقيض هو العدم الساري في ضمن تمام الأعدم الفردية مع خروج خصوصيات اعدام الافراد عن النقيض بعين خروج خصوصيات الوجود عن صرف الوجود ( وعليه ) يندرج المقام في الأقل والأكثر ويكون المرجع فيه هي البراءة دون الاحتياط « من غير فرق » بين ان يكون المنهى عنه على نحو السالبة المحصلة كقوله لا تشرب الخمر أو الموجبة المعدولة المحول كقوله كن لا شارب الخمر « وما أفيد » من لزوم الاحتياط في الثاني بملاحظة ان ترك الافراد حينئذ مقدمة للاتصاف بالسلب المزبور فيكون مرجع الشك في خمرية مايع إلى الشك في حصول عنوان كونه لا شارب الخمر مع عدم ترك المشكوك ومرجعه إلى الشك في الامتثال « مدفوع » بان مجرد وقوع السلب قيدا للربط والاتصاف في المعدولة لا يوجب مغايرة السلب المزبور مع سلب الافراد خارجا بل بل هو على حاله من العينية مع سلب الافراد كما السلب الوارد على الربط في السالبة المحصلة « بداهة » ان المسلوب في المعدولة انما هي الطبيعة المتعلقة لسلب الربط في السالبة « فكما ان » وجود الطبيعي لا يكون الأعين وجود فرده « كذلك » عدمه لا يكون الأعين اعدام افراده ، لا انه امر متحصل منها « فإذا » كان العدم المزبور مرددا بين الأقل والأكثر من جهة قلة الافراد وكثرتها « فلا جرم » يكون وقوعه طرفا للربط والاتصاف في المعدولة موجبا للترديد في نفس الاتصاف أيضا فيكون اللاشاربية مرددا بين الأقل والأكثر بملاحظة تبعية المعنى الحرفي للمتعلق في القلة والكثرة والترديد والتعيين كتبعيته له في الكلية والجزئية « وعليه » فلا فرق بين كون النهى عنه في القضية على نحو السالبة أو المعدولة ، فإنه على كل تقدير يكون التكليف انحلاليا لرجوع التكليف مع الشك في المصداق إلى التكليف بالمردد بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن التكليف بالترك الزائد المشكوك « نعم » الفرق بين المعدولة والسالبة هو ان في المعدولة يكون العدم المردد بين الأقل والأكثر من قيود عنوان المأمور به وهو كونه لا شارب الخمر ، وفي السالبة نفس عنوان المكلف به « ولكن » هذا المقدار لا يوجب فرقا بينهما في مرجعية البراءة ، ولذلك لم يلتزم أحد بالاحتياط في موارد تقييد المأمور به بشيء مردد بين الأقل


(270)
والأكثر ( ثم إن هذا كله ) في النواهي النفسية ( واما ) النواهي الغيرية فتجري فيها أيضا الشقوق المتصورة في النواهي النفسية ويكون المرجع فيها أيضا عند الشك في المصداق هي البراءة دون الاحتياط « نعم » قد يتصور الاحتياط فيما لو كان النهى عن الشيء منوطا بوجود صفة خاصة كما في النهي عن ايقاع الصلاة في غير المأكول في ظرف لبس الحيواني بناء على استفادة إناطة المانعية بوجود صفة الحيوانية في لباسه ، فإنه في ظرف العلم بحيوانية الملبوس مع الشك في مأكولية « أمكن » دعوى مرجعية الاشتغال بلحاظ ان في ظرف لبس الحيواني لا يتصور لمأكوليته افراد حتى يتصور فيه العدم الساري في ضمن الا افراد ليندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين ، فمتى علم يكون الملبوس حيوانيا وشك في مأكوليته ، لابد من الاحتياط للعلم بتوجيه التكليف بالتقييد بعدم مأكولية ملبوسه ذلك فلابد من تركه لبسه في الصلاة تحصيلا للجزم بالفراغ ( ولكن الفرض ) بعيد جدا كما بيناه في محله ( فتلخص ) من جميع ما ذكرنا انه إذا كان التكليف تحريميا ففي جميع صور المسألة يكون المرجع عند الشك في الموضوع هي البراءة حتى في صورة تعلق النهي بصرف وجود الشيء ( وأما إذا كان التكليف وجوبيا فلابد من التفصيل بين تعلقه بصرف الوجود وتعلقه بالوجود الساري ( فعلى الأول ) يكون المرجع عند الشك في الموضوع الاحتياط ( الا إذا ) كان لمعروض التكليف الذي هو فعل المكلف تعلق بالموضوع الخارجي وكان التكليف منوطا أيضا بوجود ذلك الموضوع ، فإنه يكون المرجع فيه عند الشك هي البراءة ( واما على الثاني ) فالمرجع فيه عند الشك في الموضوع مطلقا هي البراءة ، من غير فرق بين شقوق المسألة وصورها لرجوع الشك المزبور بعد انحلال التكليف بمقتضى السراية إلى الحصص والافراد إلى الأقل والأكثر الراجع إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إلى المشكوك هذا ( ولكن الذي ) يظهر من جماعة بل قيل إنه المشهور في مسألة تردد الفائتة من الصلاة بين الأقل والأكثر هو خلاف ما ذكرنا ( حيث إن ) بنائهم في تلك المسألة على وجوب الاحتياط ولزوم القضاء إلى أن يعلم أو يظن بالفراغ مع أن ) المسألة من صغريات الأقل والأكثر الاستقلاليين ( فيشكل ) الفرق بين هذه المسألة وسائر موارد الأقل والأكثر الاستقلاليين كالدين المردد بين الأقل والأكثر ( حيث ) ان بنائهم في غير
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس