نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 316 ـ 330
(316)
بعض أطراف العلم الموجبة لسقوطه عن التأثير بالنسبة إلى الطرف الآخر ، ورجوع الشك فيه بدويا كما لو لم يكن له اثر غير ذلك ، ففي الحقيقة يكون ذلك نحو حيلة لايجاد العذر والتسهيل على المكلف باجراء الأصول النافية في بعض أطراف العلم ، ولكن لا بلحاظ نفس العذر والتسهيل كي ينافي علية العلم الاجمالي بل بمعونة احداث التكليف بالتصدق والحج الموجب لسقوط العلم عن التأثير ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون التكليف مترتبا شرعا على عدم التكليف بالدين واقعا ، أو على مطلق الحكم الأعم من الواقعي والظاهري ، غير أنه على الأول ينحصر الأصل الجاري في الدين في مقام اثبات التكليف بالأصول المحرزة كالاستصحاب ، بخلاف الثاني فإنه يكفي لاثبات التكليف المزبور الأصول غير التنزيلية أيضا ( ثم إن ذلك ) كله في فرض ترتب التكليف المزبور على عدم التكليف بالدين واقعا أو على مطلق عدم التكليف بالدين ولو ظاهرا ( واما لو كان ) مترتبا على مجرد معذورية المكلف عن الدين ولو عقليا كما في الحج بناء على ترتب وجوبه على القدرة الناشئة عن مطلق معذورية المكلف عن الدين أو عن تكليف آخر ، فجريان البراءة عن التكليف بالدين في هذا الفرض انما هو من جهة عدم منجزية مثل هذا العلم الاجمالي ( فان ) صلوح تأثيره في التنجيز انما يكون في فرض قابلية كل طرف من جهة احتمال انطباق المعلوم عليه للتنجز من قبله في عرض تنجز الطرف الآخر على نحو كان العلم الاجمالي محدثا عقلا لايجاب الحركة على وفق المحتملين كما في العلم الاجمالي بحرمة أحد الانائين حيث لا ينفك منجزية العلم الاجمالي في كل طرف عن منجزيته في الطرف الآخر ( ومن ) الواضح ان ذلك غير متصور في المقام ، إذ لا يكاد يجتمع منجزية العلم الاجمالي للتكليف بالحج مع منجزيته للتكليف بالدين لان في فرض منجزيته للتكليف بالدين نقطع بعدم وجوب الحج واقعا فلا يحتمل وجوبه كي يتنجز من قبله ومعه لا يصلح العلم المزبور للمنجزية ( وهذا ) بخلاف فرض ترتب وجوبه على عدم التكليف بالدين واقعا ( فان ) في فرض منجزية العلم للتكليف بالدين يحتمل وجوب الحج أيضا لاحتمال براءة ذمته عن الدين واقعا فلا قصور في العلم الاجمالي في منجزيته لكل من التكليفين لولا اقتضاء الأصل النافي للتكليف في طرف لاثبات التكليف في الطرف الآخر * وعلى كل حال *


(317)
لا مجال للتشبث بمثل هذه الموارد لاثبات اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية لما عرفت من عدم كون الترخيص الجاري فيها منافيا مع علية العلم الاجمالي لوجوب تحصيل الجزم بالفراغ عند الاشتغال بالتكليف.
    « هذا كله » مضافا إلى ما يلزم القول بالاقتضاء من الالتزام بالتخيير في الأصول النافية المشتملة على الترخيص على خلاف الواقع ، وذلك لا من جهة بقاء أحدهما لا بعينه تحت عموم دليل الترخيص كي يقال ان أحدهما المخير ليس من افراد العام ، بل من جهة تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف بحال عدم ارتكاب الاخر * لان * منجزية العلم الاجمالي وعليته لحرمة المخالفة القطعية على مسلك الاقتضاء انما يكون مانعا عن اطلاق الترخيص في كل واحد من طرفي العلم بالنسبة إلى حال الاجتناب عن الطرف الآخر وعدمه المستتبع لتجويز الجمع بينهما في الارتكاب ، وبالتقييد المسطور يرتفع المحذور المزبور ، ولا يحتاج إلى ارتكاب التخصيص باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الأصول ولو بضميمه بطلان الترجيح بلا مرجح ( إذ لا وجه ) لارتكاب التخصيص بعد امكان ابقاء كلا الفردين تحت عموم أدلة الأصول بتقييد الترخيص الجاري في كل طرف بحال عدم ارتكاب الاخر ( ونتيجة ) ذلك هو الالتزام بالتخيير في جريان الأصول في أطراف العلم ، لا التساقط * مع أن * ذلك مما لا يلتزم به أحد فيما اعلم * فان * بنائهم طرا على عدم جريان الأصول النافية في أطراف العلم الاجمالي ولو على نحو التقييد بالتقريب الذي ذكرناه * وقد أجاب * بعض الأعاظم قده عن هذا الاشكال بما حاصله ان التخيير في الموارد التي نقول به عند عدم قيام دليل عليه بالخصوص لابد وأن يكون بأحد الامرين ( أحدهما ) من جهة اقتضاء الكاشف والدليل الدال على الحكم ، كما لو ورد دليل عام على وجوب اكرام العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو عن حكم العام في الجملة ، ولكنه شك في أن خروجهما عن عمومه هل هو على وجه الاطلاق بحيث لا يجب اكرامهما في حال من الأحوال ، أو أن خروجهما لا يكون على وجه الاطلاق بل كان خروج كل منهما مشروطا ومقيدا بحال اكرام الاخر بنحو يلزم من خروج كل منهما عن العام دخول الاخر فيه ، فالتزم في ذلك بان الوظيفة هو


(318)
التخيير في اكرام أحد الفردين وترك اكرام الاخر من جهة رجوع الشك بعد دوران التخصيص بين الافرادي والأحوالي إلى الشك في مقدار الخارج عن العموم المزبور ، المعلوم لزوم الاقتصار فيه على المتيقن خروجه وهو التخصيص الأحوالي فقط ( وثانيهما ) من جهة اقتضاء المدلول والمنكشف ولو مع عدم اقتضاء الدليل والكاشف لذلك ، كما في موارد تزاحم الواجبين في مقام الامتثال لعدم القدرة على الجمع بينهما ( وشئ ) من الوجهين غير تام في باب تعارض الأصول ( إذ لا ) شاهد عليه لا من جهة الدليل والكاشف ولا من جهة المدلول والمنكشف ، اما الأول فمن جهة اقتضاء دليل كل أصل من الأصول العملية جريانه عينا سواء عارضه أصل آخر أم لا ، وعدم ما يوجب التخيير في اجراء الأصلين المتعارضين ، واما الثاني فمن جهة ان المجعول في باب الأصول العملية انما هو مجرد الحكم بتطبيق العمل على مؤدى الأصل اما بقيد انه الواقع ، واما لا بقيد ذلك على اختلاف المجعول في باب الأصول التنزيلية وغيرها ، مع اعتبار أمور ثلاثة فيه ، أحدها الجهل بالواقع ، وثانيها امكان الحكم على المؤدى بأنه الواقع ، وثالثها عدم لزوم المخالفة العملية من اجرائها الموجب لانتفاء الحكم الظاهري بانتفاء أحد هذه الأمور الثلاثة ( وحيث ) انه يلزم من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية فلا يمكن جعلها جميعا ، وجعل أحدهما تخييرا وان كان ممكنا الا انه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، لا من ناحية أدلة الأصول ولا من ناحية المجعول فيها لعدم كون المجعول فيها معنى يقتضى التخيير انتهى ( ولكن لا يخفى ) ما فيه فإنه لم يعرف وجه للفرق بين المقام وبين ما ذكره من المثال في موارد ثبوت التخيير من جهة اقتضاء الكاشف بل المنكشف أيضا ( إذ نقول ) ان عموم دليل الأصل كقوله كل شيء لك حلال بعدما يقتضى بنفسه الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي ، انما هو بمنزلة عموم اكرام العلماء في المثال ، وحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية المخرج لكلا المشتبهين في الجملة عن عموم دليل الحلية ، بعينه بمنزله ذلك المخصص المخرج لزيد وعمرو عن عموم اكرام العلماء ، والشك في أن خروج كل واحد من الطرفين عن عموم الحلية على وجه الاطلاق الشامل لحالي ارتكاب الاخر وعدمه


(319)
أولا على وجه الاطلاق بل مقيدا بحال عدم ارتكاب الاخر ، بمنزلة تردد خروج زيد وعمر وفي المثال في كونه على وجه الاطلاق أو مقيدا بحال عدم اكرام الاخر بنحو يلزم من خروج أحدهما عن العموم دخولي الاخر فيه ، فكما ان بعموم أكرم العلماء في المثال يعين التخصيص الأحوالي ويقال ان الوظيفة هو التخيير في اكرام أحدهما وترك اكرام الاخر « كذلك » بعموم دليل الحلية في المقام لكل من المشتبهين بعين التخصيص الأحوالي ويثبت التخيير في اجراء أحد الأصلين المتعارضين ، جمعا بين عموم دليل الحلية لكل واحد من الفردين ، وبين حكم العقل بعدم امكان الجمع بين الحليتين ، بل التخيير في المقام أوضح مما في المثال * لان * المنع العقلي فيه بدوا انما كان عن الاطلاق الحالي في الأصل الجاري في كل واحد من الفردين الموجب للجمع بينهما في الحكم بالحلية ، لا عن أصل عموم الحلية لكل واحد منهما ولو مقيدا بحال دون حال ، فبالتقييد الحالي يرتفع المنع العقلي ، وتصير النتيجة هو التخيير في اجراء أحد الأصلين ، بخلاف المثال فان الحكم بالتخيير فيه انما هو من جهة قضية الاقتصار على المتيقن خروجه بعد اجمال المخصص ودورانه بين كونه أفراديا وأحواليا ( وتوهم ) ان عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي انما هو من جهة عدم انحفاظ مرتبه الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي لا من جهة مخصص لعمومه * مدفوع * بما تقدم سابقا من عدم منافاة مجرد العلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزيته عن شمول الأصل ثبوتا لأطراف العلم بعد الشك الوجداني في كل واحد منها * وبما ذكرنا * ظهر امكان تطبيق التخيير في المقام على التخيير في باب المتزاحمين * بتقريب * ان عدم امكان الجمع بين الفعلين في المتزاحمين كما يكون مانعا عن الاخذ باطلاق التكليفين في الفعلية لكونه من التكليف بما لا يطاق « كذلك » يكون حكم العقل بامتناع الجمع بين الحليتين مانعا عن الاخذ باطلاق الحليتين ، وكما أن المانع في المتزاحمين لا يقتضى الا رفع اليد عن إحدى الفعليتين لا عن كليتهما ، كذلك لا يقتضي هذا المانع الا رفع اليد عن إحدى الحليتين لا عن كليتهما ( ولازمه ) هو الالتزام بالتخيير في المقام أيضا ، اما بالتقييد الحالي في اطلاق الحلية لكل من الطرفين ، واما لكشف العقل الحلية التخييرية بعين كشف الحكم التخييري في


(320)
المتزاحمين بعد سقوط التكليفين ، لوجود الملاك التام في كل من الحليتين كالتسهيل على المكلفين ونحوه لا البناء على التساقط واخراج كلا الفردين عن عموم الحلية ، ولعمري ان هذا الاشكال على القول بالاقتضاء في الوضوح بمثابة لا مجال للخدشة فيه ولا للذب عنه الا بالالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية.
    ( ثم إن لازم ) القول بالاقتضاء جواز الرجوع إلى الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف عند خلوه عن المعارض في الطرف الآخر كما يفرض ذلك في العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين اللذين كان أحدهما متيقن الطهارة سابقا ، فان مقتضى ذلك بعد تعارض أصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر مع استصحاب الطهارة في متيقن الطهارة ، هو الرجوع إلى قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها ، نظرا إلى سلامتها عن المعارض في ظرف جريانها ، لسقوط معارضها في المرتبة السابقة عن جريانها بمعارضته مع الاستصحاب الحاكم عليها ( مع أن ذلك ) كما ترى لا يظن التزامه من أحد ، حيث إن ظاهر الأصحاب قدس الله اسرارهم هو التسالم على عدم ترتيب اثار الطهارة على مثله من جواز شربه واستعماله فيما يعتبر فيه الطهارة كما يكشف عنه حكمهم بلزوم اهراقهما والتيمم للصلاة كما في النص الشامل باطلاقه لمثل الفرض ( وقد يقال ) في التفصي عن ذلك بان عدم التزامهم بالطهارة في نحو الفرض المزبور انما هو من جهة سقوط أصالة الطهارة فيه بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الاناء الاخر ( بتقريب ) ان تعارض الأصول انما هو باعتبار تعارض مؤدياتها وما هو المجعول فيها ( وحيث ) ان المجعول والمؤدى في كل من القاعدة والاستصحاب لا يكون الا طهارة واحدة لمشكوك الطهارة والنجاسة ، لا طهارتان مستقلتان ، تارة بمقتضى الاستصحاب وأخرى من جهة القاعدة ، لوضوح عدم امكان جعل الطهارتين لشئ واحد ، لأنه مضافا إلى لغوية الجعل الثاني بعد جعل الأول بمقتضى الاستصحاب ، يلزم اجتماع المثلين في موضوع واحد ( فلا جرم ) بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ووحدة المؤدى والمجعول في كل من الاستصحاب والقاعدة ، تعارض قاعدة الطهارة في الاناء الاخر مع كل من


(321)
الاستصحاب والقاعدة في متيقن الطهارة ، فتسقط الجميع في عرض واحد ، ولا يلتفت إلى ما بين استصحاب الطهارة وقاعدتها من الحكومة بعد اتحاد المجعول فيهما ( ولكن فيه ) أولا ان الممتنع انما هو جعل الطهارتين لشئ واحد في عرض فارد ، واما جعل الطهارتين الطوليتين بنحو يكون أحد الجعلين في طول الجعل الاخر وفي ظرف عدم ثبوته ، فهو في غاية الامكان ، إذ لا محذور من مثل هذين الجعلين بعد عدم اجتماعهما في زمان واحد بل ومرتبة واحدة وعدم ثبوت المتأخر الا عند عدم ثبوت المتقدم ومعه يبقى الاشكال على حاله لجريان قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها بلا معارض ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك ، نقول انه بعد جعل الشارع لهذا المجعول الواحد طريقين أحدهما في مرتبة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا يكاد وصول النوبة إلى التعبد بعموم الثاني الا بعد سقوط عموم الأول عن الحجية ولو بالتعارض ، لا بأس في الاخذ بالقاعدة والتمسك بعمومها في ظرف سقوط الاستصحاب عن الحجية بالتعارض ( وما أفيد ) من معارضه قاعدة الطهارة في الاناء الاخر مع كل من الاستصحاب والقاعدة في متيقن الطهارة « مدفوع » بان الأصل الواحد الجاري في طرف وان كان يعارض الأصول المتعددة في الطرف الآخر ، الا انه لا يعارض الا ما كان جاريا في ظرف جريانه « وبعد ما » لا تجرى قاعدة الطهارة في مستصحب الطهارة الا في ظرف سقوط أصالة الطهارة في الطرف الآخر في المرتبة السابقة عن جريانها بالمعارضة مع الاستصحاب الحاكم عليها ، لا مجال لدعوى السقوط فيها كما هو واضح « مع أن » لازم البيان المزبور هو المنع عن جريان قاعدة الطهارة في طرف المسبب أيضا عند سقوط الأصل الجاري في السبب بالمعارضة كما في الثوب المغسول في الاناء المتيقن طهارته في الفرض ، وكذا المغسول بالماء المتمم كرا بطاهر أو نجس ، نظرا إلى ما يلزمه من تعدد الجعل فيه « تارة » من ناحية الأصل الجاري في السبب وهو الماء بلحاظ كونه من الآثار الشرعية المترتبة على طهارة الماء المغسول به الموجب لكون التعبد بطهارته تعبدا بطهارة الثوب أيضا ( وأخرى ) من جهة الأصل الجاري في نفس الثوب في ظرف سقوط الأصل السببي ( فلا بد ) ح من المنع عن جريان استصحاب


(322)
الطهارة أو قاعدتها فيه بعين مناط المنع عن جريان قاعدة الطهارة في الطرف الجاري فيه استصحابها ، وهو كما ترى لا يظن توهمه من أحد « فلا محيص » من الالتزام بجريان أصالة الطهارة في طرف الثوب في نحو المثال المزبور عند سقوط الأصل الجاري في طرف السبب ، اما بمناط الطولية بين الجعلين كما ذكرناه ، واما بمناط الطولية بين الطريقين في فرض وحدة المجعول وعدم تعدده « ولازمه » المصير في المقام إلى طهارة أحد الطرفين لجريان قاعدة الطهارة فيه بلا معارض ، وهذا أيضا مما لا يكون له دافع الا الالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف ولو بلا معارض.
بقى التنبيه على أمور
    ( الأول ) لا فرق في منجزية العلم الاجمالي وعليته لوجوب الموافقة القطعية ، بين ان يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا ذا حقيقة واحدة كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ، وبين ان يكون عنوانا مرددا بين عنوانين مختلفي الحقيقة كما في العلم الاجمالي اما بنجاسة هذا الاناء أو غصبية الاناء الاخر ، فيجب الاجتناب عن الجميع للأدلة المتقدمة ( خلافا ) للمحكي عن صاحب الحدائق قدس فاعتبر ان يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا غير مردد ، نظرا إلى أنه مع التردد بين العنوانين لا علم بخطاب جامع بينهما ( لان ) المعلوم فيه انما هو مفهوم الخطاب وهو غير صالح للتنجز « ولكن » فيه انه يكفي في تنجيز الواقع العلم بما هو منشأ انتزاع هذا المفهوم وهو الالزام المولوي بعثا وزجرا فان مناط التحميل بنظر العقل انما هو احراز طبيعة امر المولى أو نهيه بلا دخل خصوصية فيه فمع فرض انكشاف ذلك لدى العقل وعدم قصور العلم في كشفه عن الالزام المولوي بالاجتناب عن أحد الانائين يتحقق موضوع حكمه بالاشتغال ووجوب الموافقة القطعية « واما توهم » عدم تأثير العلم الاجمالي في الفرض المزبور ، بدعوى ان حرمة التصرف في العصب انما هي من الآثار المترتبة على العلم بالغصبية بحيث كان للعلم والاحراز دخل في ترتبها ، لا انها من لوازم الغصب الواقعي بشهادة بنائهم


(323)
على صحة الوضوء والغسل بالماء المغصوب مع الجهل بالغصبية حين الوضوء ، ومع عدم احرازها لا اثر للعلم الاجمالي المزبور ، إذ لا يحدث من مثله العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير « لان » أحد الطرفين وهو مشكوك الغصبية لا تكليف بالاجتناب عنه ، والطرف الآخر وهي النجاسة يرجع الشك فيها إلى الشك البدوي ( فمدفوع ) بمنع دخل العلم والاحراز في موضوع الحرمة في طرف الغصب ، بل تمام الموضوع لها كما تقتضيه النصوص وكلمات الأصحاب انما هو الغصب الواقعي علم به المكلف أو جهل ، غاية الامر مع الجهل به يكون المكلف معذورا كمعذوريته في شرب النجس مع الجهل بالموضوع أو الحكم لا عن تقصير ، وبنائهم على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية ولو على الامتناع وتغليب المفسدة ، انما هو من هذه الجهة لاشتمال الماتى به « ح » على المصلحة وتأثيرها في حسنه الفعلي ولو من حيث صدوره عن الفاعل بعد عدم تأثير المفسدة الغالبة مع المعذورية بالجهل المزبور في المبغوضية الفعلية ، ولذلك لا يفرقون في الحكم بالصحة والمعذورية من جهة العقوبة بين الجهل بالموضوع والجهل بالحكم لا عن تقصير ( و ح ) فإذا لم يكن قصور في العلم الاجمالي في كشفه عن الالزام المولوي المردد في البين ، فلا محالة يؤثر في التنجيز ولازمه بحكم العقل هو الخروج عن عهدة التكليف بترك التصرف في كل من الانائين وترتيب اثار كل من النجاسة والغصب على كل منهما تحصيلا للموافقة القطعية لكلا الحكمين.
    ( الامر الثاني ) الظاهر أنه لا فرق في تأثير العلم الاجمالي في وجوب الموافقة القطعية ، بين الموجودات فعلا ، والموجودات تدريجا لجريان الأدلة المتقدمة واتحاد المناط فيهما فيجب على المرأة المضطربة التي تعلم أنها تحيض في الشهر ثلاثة أيام الاجتناب عن قرائة الغرائم ودخول المساجد ويجب على زوجها الاجتناب عن وطيها في تمام الشهر ( وكذا ) يجب على التاجر الذي يعلم ابتلائه في يومه أو شهره بالمعاملة الربوية الامساك عن ما لا يعلم حكمه من المعاملات في تمام اليوم والشهر ( من غير فرق ) في ذلك بين ما يكون الزمان فيه مأخوذا على نحو الظرفية المحضة بلا دخل فيه لا في التكليف ولا في موضوعه كما في المثال الثاني ، وبين ما يكون الزمان فيه مأخوذا على نحو القيدية ، للمكلف به كما


(324)
لو نذر أو حلف على ترك الوطي في ليلة خاصة واشتبهت بين ليلتين أو أزيد ، أو لنفس التكليف كمثال الحيض المتقدم فان لأيام الحيض دخل في ملاك الحكم وفي أصل التكليف بترك الوطي والعبادة ودخول المساجد وقراءة العزائم ( فان ) في جميع هذه الصور لابد بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط بالاجتناب عن جميع الأطراف ( اما الصورة الأولى ) كمثال العلم بالابتلاء بالمعاملة الربوية في خلال اليوم أو الشهر ، فظاهرة « للعلم » بالتكليف الفعلي من أول اليوم أو الشهر بالاجتناب عن المعاملة الربوية في تمام اليوم أو الشهر ، فلابد من التحرز في تمام اليوم والشهر عن كل معاملة يحتمل كونها ربوية « نعم بناء » على عدم التفكيك بين ظرف فعليته التكليف وظرف فاعليته الذي هو ظرف المأمورية وارجاع الواجب المعلق لأجله إلى الواجب المشروط بزمانه « لابد » من الحاق هذه الصورة بالواجب المشروط للاشكال حينئذ في تأثير مثل هذا العلم الاجمالي بعدم تعلقه بالتكليف الفعلي على كل تقدير ( بداهة ) انه على المبنى المزبور لا يكاد يكون التكليف بالترك في اخر اليوم والشهر فعليا من أول اليوم والشهر كي يصدق العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي على الاطلاق من أول اليوم والشهر ، بل لابد وأن يكون التكليف بالترك في اخر اليوم مشروطا بزمانه لرجوعه إلى دخل الزمان فيه في أصل الخطاب وتوجيه التكليف الفعلي بالنسبة إليه وان لم يكن له دخل في ملاك الحكم ، ولازمه جريان الأصول النافية للتكليف في جميع الأطراف لولا دعوى استقلال العقل حينئذ بقبح الاقدام على ما يؤدى إلى تفويت مراد المولى ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في الصورة الثانية أيضا ، فإنه على المختار من امكان المعلق كما حققناه في مبحث مقدمة الواجب لا اشكال في وجوب الاجتناب ، لامكان التكليف الفعلي من الحين بالنسبة إلى الامر الاستقبالي قبل مجيء وقته فيجب بمقتضى العلم الاجمالي الاحتياط بترك الوطي في كل من الليلتين ولزوم حفظ القدرة فعلا على الطرف الآخر في ظرفه وموطن قيده ، لاقتضاء فعلية الخطاب حينئذ لاحداث الإرادة الغيرية نحو المقدمات المفوتة حتى في الموقتات قبل وقتها ، كما يكون ذلك هو الشأن في فرض كون الخطاب وجوبيا ( فإنه ) مع العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين يحكم العقل بلزوم الآيتان بالطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف


(325)
الاخر في موطنه ، من دون احتياج إلى خطاب آخر مسمى بمتمم الايجاب وبالوجوب التهئ ، ولا إلى اتعاب النفس باثبات انه مع العلم بتحقق الملاك الملزم فيما بعد يستقل العقل بقبح تفويته ( نعم ) انما يتجه ذلك بناء على ارجاع المعلق إلى المشروط لعدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف المأمور به ( فإنه بعد ) ما لا يكون التكليف بترك الوطي في الليلة المتأخرة فعليا من الليلة الحاضرة لخروجه عن القدرة فعلا ، يحتاج في المنع عن جريان الأصول النافية إلى دعوى استقلال العقل في ظرف العلم بتحقق الغرض الملزم من المولى ، بلزوم حفظ القدرة على تحصيله وقبح الاقدام على ما يوجب فواته المنتج في المقام لحكمه بترك الاقتحام في الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في زمانه ( وبذلك اتضح ) حكم ما إذا كان للزمان دخل في كل من الملاك والخطاب كالحيض المردد بين كونه في أول الشهر أو اخره ( فإنه ) وان لم يكن تأثير للعلم الاجمالي لعدم تعلقه بالتكليف الفعلي في شيء من آنات أزمنة الشهر ( الا انه ) بعد استقلال العقل بقبح الاقدام على ما يوجب فوات مطلوب المولى لابد من الاحتياط بترك الاقتحام في الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في زمانه ، لرجوع العلم الاجمالي المزبور مع هذا الحكم العقلي إلى العلم بلزوم أحد الامرين عليه ، ومعه لا يبقى المجال لجريان الأصول النافية للتكليف في الأطراف كي ينتهى الامر إلى جواز المخالفة القطعية ( ثم إن ذلك ) على ما هو المشهور في الواجب المشروط من إناطة فعلية البعث والتكليف بوجود الشرط خارجا ( واما على ) ما هو المختار فيه كما حققناه في محله من عدم اناطته الا بفرض وجود الشرط ولحاظه طريقا إلى الخارج من دون توقف لفعليته على وجوده في الخارج فالامر أوضح ، نظرا إلى فعلية الايجاب والإرادة التي هي مضمون الخطاب في الفرض المزبور ، غاية الامر محركية مثل هذه الإرادة وفاعليتها انما تكون في ظرف وجود القيد في الخارج وتطبيق العبد إياه على المورد ، ولكن مثل هذه المرحلة خارجة قطعا عما هو مفاد الانشاء في الخطابات التكليفية ، لأنها انما تنتزع عن مرتبة تأثير الخطاب في تحريك العبد نحو الإطاعة التي هي متأخرة عن مرتبة الخطاب ومضمونه فلا يمكن اخذ مثل هذه الجهة في مضمون


(326)
الخطاب في عالم جعل الاحكام ولتحقيق الكلام في هذه الجهة مقام آخر ، والمقصود في المقام بيان انه على المختار في الخطابات التكليفية طرا من كفاية مجرد فرض وجود الموضوع بحدوده وقيوده في لحاظ المولى طريقا إلى الخارج في فعلية مرتبة من الإرادة الباعثة إلى التوصل إلى حفظ المراد من ناحية انشاء الخطاب واقتضائها بحكم العقل بلزوم حفظ القدرة من ناحية غير شرط الوجوب ، لا قصور في المقام في صدق العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي ومنجزيته عقلا ، فإنه في ظرف العلم بحصول شرط الوجوب في موطنه بحكم العقل بمقتضى العلم الاجمالي بلزوم ترك الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في موطنه كما هو ظاهر.
    ( الامر الثالث ) الظاهر أنه لا فرق في وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية ، بين ان يكون ثبوت التكليف في البين من جهة العلم الوجداني كما في العلم الاجمالي بنحاسة أحد الكأسين أو خمرية أحد المايعين ، وبين ان يكون بقيام طريق تعبدي عليه كما لو قامت البينة على خمرية أحد المايعين ففي الثاني أيضا لابد من اجراء قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ومقتضاه هو المنع عن جريان الأصول النافية أيضا ولو في طرف واحد بلا معارض فضلا عن جريانها في الطرفين كل ذلك لدليل التعبد بالبينة ( نعم ) قد يتوهم حينئذ وقوع التنافي بين التعبد بنجاسة أحد الكأسين بمقتضى البينة ، وبين التعبد بطهارة كل من الكأسين بمقتضى الأصل الجاري فيهما ( بتقريب ) ان مفاد البينة لما لا يكون الا نجاسة أحد الكأسين بهذا العنوان الاجمالي ، فلا جرم تجرى أصالة الطهارة في كل واحد من الكأسين بعنوانهما التفصيلي لمكان تحقق موضوعها هو الشك الوجداني في كل واحد منهما وعدم ارتفاعه لا بالوجدان ولا بالتعبد ، لاختلاف موضوع التعبد بالبينة مع موضوع التعبد بالطهارة في الأصلين ( ومع جريان ) أصالة الطهارة فيهما يقع التنافي بين التعبد بالبينة بالنسبة إلى العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الكأسين ، وبين التعبد بكل من الأصلين في كل واحد من الكأسين ، ولا ترجيح في تقديم التعبد بالبينة على التعبد بالأصل الجاري في الطرفين ( ولا يقاس ) ذلك بالعلم الوجداني بنجاسة أحد الكأسين ، لان


(327)
العلم الاجمالي لما كان بنفسه كاشفا تاما عن الواقع وحجة على ثبوت التكليف في البين كان مانعا بحكم العقل عن مجيء الترخيص على خلافه في الأطراف ( وهذا بخلاف ) مثل البينة حيث إن طريقيتها لثبوت التكليف لا يكون ذاتيا كالعلم لمكان احتمال الخلاف بالوجدان وانما كان ذلك بمعونة جعل شرعي بالتعبد بها ، ومع فرض التنافي بين قضية التعبد بها وبين التعبد بالأصل الجاري في كل واحد من الأطراف ، يتوجه الاشكال في تقديم البينة على الأصل الجاري في الأطراف بعد تغاير موضوعهما وعدم اقتضاء البينة ولو بدليل اعتبارها لرفع موضوع الأصل ( ولكن يندفع ذلك ) بان مفاد البينة في مفروض البحث وان كان نجاسة أحد الكأسين بهذا العنوان الاجمالي الا ان تقديمها على الأصل الجاري في الطرفين انما يكون بمناط الحكومة لمكان ورودها على موضوع الأصلين واقتضائها بالالتزام لنفى الطهارة الثابتة في كل من الطرفين بنحو يلازم نفيها في كل طرف لثبوتها في الطرف الآخر ( توضيح ذلك ) انه لا شبهة في أن مقتضى أصالة الطهارة في الطرفين مع قطع النظر عن قيام البينة على نجاسة أحدهما انما هو طهارة كل واحد من الكأسين بالطهارة المطلقة المجتمعة مع طهارة الكاس الاخر ، واما بعد قيام البينة على نجاسة أحدهما ، فحيث انه يلازم قيامها على ذلك لقيامها على انتفاء تلك الطهارة المطلقة التي يقتضيها الأصل في كل منهما ، فلا محاله بشمول دليل اعتبارها لمدلولها الالتزامي ترتفع تلك الطهارة المطلقة الثابتة بمقتضى الأصل لكل واحد من الطرفين ، ولازمه الغاء التعبد بالأصلين في كل من الطرفين من هذه الجهة لحكومة دليل التعبد بالبينة من هذه الجهة حسب اقتضائه لتتميم الكشف على دليل التعبد بالطهارة فيهما ( نعم ) بعد قيام البينة على نحاسه أحد الكأسين واقتضائها بدليل اعتبارها لالغاء احتمال تلك الطهارة المطلقة فيهما ، يحدث شك اخر في طهارتهما على نحو يلازم طهارة كل منهما لنجاسة الاخر ( ولكن ) نشؤ هذا الشك حيث كان من قبل قيام البنية على نجاسة أحدهما ، يتمحض التنافي في هذه المرحلة بين الأصلين الجاريين في الطرفين لاقتضاء كل أصل لقصر الطهارة في مورده وفى مثله لابد من اعمال قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية المستلزم للمنع عن جريان الأصل ولو في طرف


(328)
واحد بلا معارض.
    ( الامر الرابع ) لو كان العلم الاجمالي في أطراف غير محصورة عرفا ، ففي تأثيره في وجوب الاجتناب مطلقا أو بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية وعدمه خلاف بين الاعلام والمشهور على عدم وجوب الاحتياط ، وتنقيح الكلام فيه يقع من جهتين ( الأولى ) في بيان الضابط لكون الشبهة غير محصورة ( الثانية ) في بيان حكمها ( اما الجهة الأولى ) فقبل التعرض لها لا بأس بتمهيد مقدمة في تحرير موضوع البحث ، وهي انه لا شبهة في أن البحث في المقام عن منجزية العلم الاجمالي وعدمه كما يقتضيه ظاهر العنوان في كلماتهم ممحض في مانعية كثرة الأطراف عن تأثير العلم وعدمه فلابد حينئذ من فرض الكلام في مورد يكون خاليا عن جميع ما يوجب المنع عن تأثير العلم الاجمالي كالعسر والحرج وكالاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف ، أو خروجه عن مورد الابتلاء ، بحيث لولا كثرة الأطراف لكان العلم الاجمالي منجزا بلا كلام ، والا فمع طر واحد هذه الطوارئ لا يفرق بين المحصور وغيره ، لان في المحصور أيضا لا يجب الاحتياط فلا خصوصية حينئذ لغير المحصور كي يصح جعله عنوانا برأسه في قبال المحصور ( وعليه ) فلا مجال للاستدلال في المقام على عدم وجوب مراعاة العلم الاجمالي ، بالعسر والحرج تارة ، وبعدم كون جميع الأطراف محل الابتلاء أخرى ، وثالثه بغير ذلك من الطوارئ المانعة عن تأثير العلم الاجمالي ( وتوهم ) ان ذلك من جهة ملازمة كثرة الأطراف مع أحد هذه الموانع خصوصا العسر والحرج ( مدفوع ) بأنه لو سلم ذلك فإنما هو في العلم الاجمالي في الواجبات ( واما ) في المحرمات المقصود منها مجرد الترك فلا ، لان كثيرا ما يتصور خلو كثرة الأطراف عن الموانع المزبورة ( مع أن العبرة ) حينئذ تكون بها لا بكثرة الأطراف ( وبعد ما عرفت ) ذلك نقول انهم ذكروا وجوها في ضابط كون الشبهة غير محصورة ( منها ) ما عن الشيخ قدس سره من تحديده بما بلغ كثرة الأطراف إلى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي فيها ، لما هو المعلوم من اختلاف حال العلم الاجمالي عند العقلاء في التأثير وعدمه مع قلة المحتملات وكثرتها ، كما يرى بالوجدان الفرق الواضح بين قذف أحد


(329)
الشخصين لا بعينه وبين قذف أحد من في البلد ، حيث يرى تأثير كلا الشخصين في الأول وعدم تأثير أحد من في البلد في الثاني وكذا لو أخبر شخص بموت شخص مردد بين ولده وشخص اخر أجنبي ، فإنه يضطرب حاله بمجرد سماع هذا الخبر ، بخلاف صورة الاخبار بموت شخص من أهل بلده مرددا كونه في نظره بين ولده وبين غيره من أهل البلد ، حيث لا يتأثر ولا يضطرب حاله من الاخبار المزبور ( وفيه ان ) ما أفيد من عدم اعتناء العقلاء بالضرر مع كثرة الأطراف ، انما يتم في مثل المضار الدنيوية ، وذلك أيضا فيما يجوز توطين النفس على تحملها لبعض الاعراض ، لاما يكون مورد الاهتمام التام عندهم كالمضار النفسية ، والا ففيها يمنع اقدامهم على الارتكاب بمحض كثرة الأطراف لو علم بوجود سم قاتل في كأس مردد بين الف كؤوس أو أزيد يرى أنه لا يقدم أحد على ارتكاب شيء من تلك الكؤوس وان بلغت الأطراف في الكثرة ما بلغت ، لا في المضار الأخروية التي يستقل العقل فيها بلزوم التحرز عنها ولو موهوما ، فان في مثله لابد في تجويز العقل للارتكاب من وجود مؤمن يوجب القطع بعدم العقوبة على ارتكابه ولو باخراجه عن دائرة المفرغ بجعل ما هو المفرغ غيره من الأطراف الاخر ، والا فبدونه لابد من الاحتياط بالاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه ولو موهوما ، نظرا إلى مساوقة احتمال المزبور لاحتمال الضرر والعقوبة المحكوم بحكم العقل بوجوب دفعه والتجرز عنه ( ومنها ) تحديده كما عن جماعة بما بلغ كثرة الأطراف إلى حد يعسر عدها في زمان قليل ( وفيه ) أيضا ما لا يخفى ، فان لازمه ان يكون العلم الاجمالي بنجاسة حبة من الحنطة أو الأرز أو غصبيتها في ضمن أوقية من غير المحصور للمناط المزبور ، مع أنه كما ترى لا يظن منهم الالتزام بذلك ( ومنها ) ما عن بعض الاعلام قدس سره من تحديد عدم حصر الشبهة ببلوغ كثرة الأطراف إلى حد لا يتمكن المكلف عادة من جمعها في الاستعمال من اكل أو شرب أو غيرهما ، لا مجرد كثرة الأطراف ولو مع التمكن العادي من المخالفة بالجمع بين الأطراف في الاستعمال ، ولا مجرد عدم التمكن العادي من الجمع بينها من دون كثرة الأطراف ( وفيه ) ان أريد من عدم التمكن من الجمع بين الأطراف في


(330)
الاستعمال عدم التمكن منها ولو تدريجا بمضي الليالي والأيام ، فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة الا ويتمكن المكلف من الجمع بين أطراف الشبهة ولو تدريجا وفى أزمنة طويلة ( وان أريد ) بذلك عدم التمكن من الجمع بينها في زمان قصير ، فهذا يحتاج إلى تحديده بزمان معين ولا معين في البين « مع أن لازمه » اندراج الشبهة الكثير في الكثير في غير المحصور من جهة تحقق الضابط المزبور كما في العلم الاجمالي بنجاسة الف ثوب في الفين ، مع أنه لا شبهة كما سيجيء في كونها ملحقة بالمحصور « وحينئذ فالأولى » ان يقال في تحديد كون الشبهة غير محصورة ان الضابط فيها هو بلوغ الأطراف في الكثرة بمثابة توجب ضعف احتمال وجود الحرام في كل واحد من الأطراف بحيث إذا لو خط كل واحد منها منفردا عن البقية يحصل الاطمينان بعدم وجود الحرام فيه الملازم للاطمينان بكون الحرام المعلوم في بقية الأطراف « وتوهم » منافاة الاطمينان بالعدم في كل واحد منها مع العلم الاجمالي بوجود الحرام في بعضها لضرورة مضادة العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالعدم في كل طرف بنحو السلب الكلي ( مدفوع ) بأنه كذلك في فرض اقتضاء ضعف الاحتمال في كل طرف للاطمينان بعدم التكليف فيه تعينيا ولو ملحوظا معه غيره من الأطراف الاخر ( واما ) اقتضاء الاطمينان بالعدم في كل طرف ملحوظا كونه منفردا عن البقية بنحو يلازم للاطمينان بالوجود فيما عداه فلا محذور فيه ، إذ لا يلزم منه اجتماع العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الكلي ، بل ما يلزمه انما هو العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الجزئي في كل طرف على البدل ولا تنافي بينهما كما هو ظاهر ( فإذا فرض ) حجية هذا الاطمينان لدى العقلاء لبنائهم على عدم الاعتناء باحتمال الخلاف البالغ في الضعف إلى هذه المثابة ولو لكونه من العلوم العادية لهم فلا يجب رعاية العلم الاجمالي بالاحتياط في الجميع ولو مع التمكن العادي من ذلك ( ثم اعلم ) ان العبرة في المحتملات قلة وكثرة انما هي بكثرة الوقايع التي تقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم بالحرام تفصيلا ، ويختلف ذلك في أنظار العرف باختلاف الموارد ، فقد يكون تناول أمور متعددة باعتبار كونها مجتمعة يعد في انظارهم وقعة واحدة كاللقمة من الأرز ويدخل المشتمل على الحرام
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس