نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 481 ـ 488
(481)
به إلى وجود المطلوب في موطن حصول شرطه. فلا جرم يعود الاشكال المزبور بأنه إذا كان مطلوبية المطلوب منوطة بوجود الشرط في موطن الخارج كيف يعقل وجوب ما هو مقدمة له قبله مع أن تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الوضوح كالنار على المنار ( واما الثاني ) فبان مورد تلك القاعدة العقلية المشتهرة هو ما إذا كان الامتناع ناشئا عن سوء اختيار المكلف ولا يكون ذلك الا إذا تحقق التكليف الفعلي بالواجب في حقه وقد تساهل المكلف في تحصيل مقدماته حتى عجز عن امتثاله ، وأما إذا لم يتحقق التكليف الفعلي في حقه كما هو مفروض البحث من اباطة التكليف بجميع مباديه بحصول الشرط في الخارج ففي هذه الصورة لا يكون تساهل المكلف في تحصيل تلك المقدمات قبل حصول الشرط في الخارج موجبا لتقصيره ليكون الامتناع امتناعا عن سوء اختياره فلابد حينئذ في جريان تلك القاعدة من اثبات وجوب تلك المقدمات من الخارج عقلا أو نقلا كي يصدق على ترك تحصيلها التفويت عن تقصير فيترتب عليه استحقاق العقوبة بمقتضى القاعدة المزبورة ، والا فاثبات وجوبها بتلك القاعدة وكون التفويت المذكور عن تقصير دور واضح ( وكيف كان ) فقد تلخص مما ذكرنا كله ان أقوى الوجوه في المسألة هو ما نسب إلى المشهور من كون العقاب على ترك الواقع محضا ، وان أضعف الوجوه هو ما نسب إلى المدارك من كون العقاب على نفس ترك التعلم والفحص مطلقا وان لم يؤد إلى ترك الواقع ، فإنه مبنى على كون التعلم واجبا نفسيا تهيئيا ، ومثله مع كونه خلاف المنساق من ظواهر النصوص قد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه ، كما أن أردء الوجوه هو القول بكون العقاب على ترك التعلم والفحص المؤدى إلى ترك الواقع ، إذ هو مبنى على جعل الامر بتحصيل العلم طريقيا ولو باعتبار لازمه الذي هو ايجاب الاحتياط والنهي عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة ، مع الالتزام أيضا بكونه في فرض المطابقة للواقع ايجابا نفسيا متعلقا بذات العمل في طول الايجاب الواقعي المتعلق به ليكون العقاب على مخالفة نفسه ( وهو كما ترى ) لما فيه أولا انه مع استقلال العقل بعدم معذورية الجاهل مع التقصير في ترك الواقع يتعين كون الامر به للارشاد محضا حيث لا يبقى معه مجال لأعمال المولوية ( وثانيا ) ما عرفت من أن الحكم الطريقي المصطلح في باب الامارات والأصول هو ما يكون في لب الإرادة


(482)
في فرض المطابقة عين الإرادة الواقعية القائمة بالمتعلق بحيث يكون امتثاله عين امتثال الامر الواقعي من دون ان يكون تحت انشائه إرادة أخرى وراء الإرادة الواقعية ومن المعلوم انه لا ينطبق ذلك على الحكم المذكور الا ان يكون لهذا القائل اصطلاح جديد في الحكم الطريقي.
    ( الجهة الرابعة ) في صحة العمل المأتي به قبل الفحص وفساده ( والتحقيق ) في ذلك على ما يقتضيه أصول المخطئة هو كون العبرة في صحة عمل الجاهل وفساده بمطابقة الواقع ومخالفته ، من غير فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات ، فلو اتى الجاهل قبل الفحص بعمل عبادي أو معاملي بما يطابق البراءة ، مثل لو اتى بالصلاة بدون السورة أو عقد بغير العربية بمقتضى البراءة من جزئية السورة ومن شرطية العربية ، فان انكشف مطابقة العمل للواقع يكون صحيحا مجزيا ، وان انكشف مخالفته للواقع يكون فاسدا غير مجز ( ولا فرق ) في ذلك بين العبادات والمعاملات ، ولا بين ان يكون في البين طريق منصوب على وفق عمله أو على خلافه أو لم يكن في البين طريق أصلا ، فان وجود الطريق المنصوب على الوفاق أو الخلاف على أصول المخطئة غير مثمر في هذه الجهة ( ومن هنا لا نفرق أيضا بين ان يكون العمل الصادر من العامل حال صدوره عن استناد إلى طريق متبع من امارة معتبرة أو فتوى مجتهد ونحو ذلك ، أولا عن استناد إلى طريق متبع ، فان العبرة كلها في الصحة والفساد تكون بمطابقة العمل للواقع ومخالفته ، فكلما كان العمل مطابقا للواقع كان صحيحا مجزيا لا محالة وان خالف الطريق المنصوب ، وكلما كان مخالفا للواقع كان فاسدا وغير مجز وان وافق الطريق المنصوب الا إذا قام دليل بالخصوص من اجماع أو غيره على الاجتزاء به عن الواقع ، والا فلا يثمر مجرد الموافقة لطريق منصوب في صحة العمل واجزائه ( نعم ) انما تثمر الموافقة للطريق المنصوب في مقام الحكم بالصحة والاجزاء ظاهرا عند عدم انكشاف المخالفة للواقع ، فإنه يكفي في صحته مجرد موافقته للطريق المعلوم حجيته في حقه الواصل إليه ولو بعد عمله ، ولا يلزم في ذلك أن يكون العمل عن اسناد إليه ( ولكن ) ذلك في صورة لم يكن في البين طريق معتبر آخر يقتضى فساد العمل والا فالحكم بالصحة والاجزاء مبنى على اخذ المكلف بالطريق الموافق لعمله ( والسر في هذا التفصيل ) انما هو من جهة احتياج الطرق عند ابتلائها بالمعارض في كونها


(483)
حجة فعلية إلى الاخذ بها ( فان ) مقتضى القاعدة الأولية في المتعارضين بعد أن كان هو التساقط وعدم الحجية ، فلا جرم بمقتضى القاعدة الثانوية المستفادة من اخبار التخيير يحتاج كل منهما في صيرورته حجة فعلية على المكلف إلى اخذه به واختياره ليصير بعد الاخذ حجة فعلية ، والا فقبل الاخذ لا يكون واحد منهما حجة فعلية عليه ( وعلى ذلك ) فلو اتى المكلف بعمل عبادي أو معاملي قبل الفحص ثم ظهر بعد ذلك بدليلين أحدهما يوافق عمله والاخر يخالفه ، فقبل الاخذ بأحدهما لا يكون المأتى به محكوما بالصحة ولا الفساد ، واما بعد الاخذ بأحدهما فان كان المأخوذ هو الطريق الموافق يكون المأتى به من حين الاخذ محكوما بالصحة والاجزاء من الأول ويترتب عليه الأثر المقصود ( والا ) فيكون محكوما بالفساد وعدم الاجزاء من الأول ( ويترتب ) على ما ذكرنا انه لو عمل الجاهل العامي عملا من غير تقليد ثم بنى على التقليد فان وافق فتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك كان العمل صحيحا مجزيا وتبرء ذمته وان كان مخالفا لفتوى من يجب تقليده حال العمل « وان انعكس الفرض بان خالف فتوى المجتهد الذي قلده فعلا كان العمل فاسدا غير مجزى وان وافق فتوى من يجب تقليده حال العمل « لان ذلك » هو الذي تقتضيه الحجة الفعلية والامر بالمعاملة معها معاملة الواقع « وكذلك الكلام » فيما لو كان العمل حال وقوعه عن استناد إلى طريق متبع في نفسه ثم انكشف الخلاف بالظفر بقيام طريق أقوى من الطريق السابق مؤدى إلى خلافه « فان » مقتضى القاعدة على ما هو التحقيق من اعتبار الطرق والامارات من باب الطريقية والكاشفية لا الموضوعية والسببية هو عدم الاجتزاء بما عمل ولزوم اعادته على طبق الطريق الفعلي « حيث لا تجدي » قضية الاستناد إلى الطريق السابق الا مجرد المعذورية في مخالفة الواقع من حيث العقاب ما دام بقاء الطريق على حجيته وطريقيته ، لا من حيث الحكم التكليفي والوضعي ، فإذا زال حجيته بقيام طريق أقوى منه على خلافه يجب إعادة ما عمل سابقا على طبق الطريق الفعلي ( وكذلك الكلام ) فيما لو تبدل اجتهاده أو تقليده السابق باجتهاده أو تقليد آخر مؤدى إلى فساد ما عمل سابقا ، فان اللازم هو إعادة ما عمل على طبق الحجة الفعلية ، الا إذا قام دليل من اجماع أو غيره على الاجتزاء بما عمل وترتيب اثار الصحة عليه ، كما في العبادات ( فان الظاهر ) هو قيام الاجماع فيها في الجملة على الاجزاء وعدم


(484)
وجوب الإعادة والقضاء في الصور التي يكون كشف الخلاف فيها ظنيا اجتهاديا لا قطعيا ، بخلاف المعاملات بالمعنى الأعم فإنه لم يثبت فيها اجماع كذلك ( وعلى ذلك ) فلو عقد على امرأة بغير العربية مثلا معتقدا صحته باجتهاد أو تقليد فتبدل اجتهاده أو تقليده بعد ذلك إلى فساد العقد المزبور يجب عليه تجديد العقد عليها بمقتضى الاجتهاد أو التقليد الفعلي ، وكذا فيمن اعتقد اجتهادا أو تقليدا حلية الذبيحة بفري الودجين فتبدل اجتهاده أو تقليده بعدم حليتها الا بفري الأوداج الأربعة ، ( فإنه ) يجب عليه ترتيب آثار الميتة عليها من النجاسة وحرمة الاكل وعدم جواز البيع ونحو ذلك من الآثار المبتلى بها فعلا.
    ( تنبيه ) قد تبين مما ذكرنا سابقا في الجاهل التارك للفحص من دوران استحقاق العقاب على مخالفة لواقع وعدمه الملازمة بين استحقاق العقاب وفساد العمل واقعا وكذلك الملازمة بين صحة العمل واقعا وعدم استحقاق العقاب ( ولكن ) قد انتقض هذه الملازمة في موردين ( أحدهما ) الجهر بالقراءة في موضع وجوب الاخفات وبالعكس جهلا بالحكم ولو عن تقصير ( وثانيهما ) الاتمام في موضع وجوب القصر وبالعكس على قول وان كان التحقيق خلافه ( فان الأصحاب ) قدس هم قد أفتوا تبعا للنصوص المتضافرة المروية عن الأئمة عليهم السلام بصحة الصلاة في الموردين مع الجهل بالحكم ولو عن تقصير ، مع التسالم على استحقاق العقوبة أيضا بمقتضى اطلاق كلماتهم من عدم معذورية الجاهل بالحكم عن تقصير ( ولأجل ذلك ) وقع الاشكال بأنه كيف يمكن الجمع بين صحة المأتى به واستحقاق العقاب ( بتقريب ) ان المأمور به ان كان هو المأتى به كما يشعر به قوله (ع) تمت صلوته فلا معنى لاستحقاق العقاب ، وان كان غيره فلا وجه لصحة المأتى به وتماميته في الوفاء بالفريضة مع فرض انكشاف الخلاف في الوقت والتمكن من الاتيان بما هو الواجب واقعا ( ولكن ) يمكن الذب عن الاشكال بالالتزام بتعدد المطلوب بان يكون الجامع بين القصر والتمام ، وكذا الجهر والاخفات مشتملا على مرتبة من المصلحة الملزمة ويكون لخصوصية القصرية وكذا الجهرية مصلحة زائدة ملزمة أيضا ، مع كون المأتى به الفاقد لتلك الخصوصية من جهة وفائه بمصلحة الجامع المتحقق في ضمنه مفوتا للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية أو الجهرية بحيث لا يبقى مع استيفائها به مجال لتحصيل مصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية ، وذلك أيضا لا بمناط العلية كي يلزم حرمته وفساده ، بل بمناط


(485)
المضادة بين المصلحتين ولو من جهة حديهما القائمين بالخصوصيات المفردة للطبيعة ( فإنه بهذا البيان ) يمكن الجمع بين صحة المأتى به في حال الجهل وتمامية في الوفاء بالفريضة الفعلية ، وبين استحقاق العقوبة على ترك الواجب « حيث إن » صحة المأتى به وتمامية انما هو لوفائه بمرتبة من المصلحة الملزمة القائمة بالجامع المتحقق في ضمنه وصيرورته بذلك مأمورا به بمرتبة من الامر المتعلق بالجامع ضمنا « واما استحقاق » العقاب فهو من جهة تفويته للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية ، أو الجهرية والاخفاتية « واما توهم » اقتضاء البيان المزبور للاجتزاء بالفاقد للخصوصية مطلقا حتى في صورة العلم بوجوب الخصوصية ، لوضوح عدم كون العلم بوجوبها موجبا لقلب الفاقد عما له من الوفاء بمصلحة الطبيعي والجامع ، ومثله مما يقطع بفساده « فمدفوع » بأنه كذلك لولا اختصاص فردية الفاقد بحال الجهل بالامر بالخصوصية والا فينحصر الفرد في حال العلم بخصوص الواجد ، ومعه لا يعقل تحقق المصلحة ولو بمرتبة منها بغير الواجد حتى يتوجه الاشكال المزبور « وبما ذكرنا » يندفع أيضا ما عن بعض من الاشكال على التقريب المزبور بأنه ان كان للخصوصية القصرية أو الجهرية دخل في مصلحة الواجب في حال الجهل فلا يعقل حصولها وسقوط التكليف عنه بفعل الفاقد لتلك الخصوصية خصوصا مع امكان استيفاء تلك الخصوصية في الوقت كما لو علم بالحكم في الوقت ، لأنه لا يعتبر في استيفاء المصالح الا مجرد القدرة على فعل متعلقاتها وهي بالوجدان حاصلة ، الا إذا كان ثبوت المصلحة في الصلاة المقصورة مشروطا بعدم سبق الصلاة التامة من المكلف وهذا خلف ، فان لازمه خلو الصلاة المقصورة عن المصلحة في حال الجهل ولازمه عدم استحقاق العقاب رأسا وان لم يكن لها دخل في مصلحة الواجب ، فاللازم هو الحكم بالتخيير بين القصر والتمام غايته ان يكون القصر أفضل فردي التخيير لاشتماله على الخصوصية الزائدة ولا وجه لاستحقاق العقاب « إذ فيه » ان للخصوصية القصرية وان كان دخل في مصلحة الواجب حتى في حال الجهل الا ان دخلها انما هو في كمال المصحلة لا في أصلها ولو بمرتبة ملزمه منها وهذه المرتبة تحصل لا محالة بفعل الفاقد غايته ان يكون حصولها به موجبا لعدم التمكن من استيفاء الزائد لمكان تضاد المصلحتين ولو بلحاظ حديهما القائمين بالخصوصيات المفردة للطبيعي بنحو لا يمكن اجتماعها في الاستيفاء


(486)
وبهذه الجهة قلنا باستحقاق العقوبة على تفويت المصلحة الزائدة ( قوله ) انه لا يعتبر في استيفاء المصلحة الا القدرة على متعلقها وهي حاصلة بالوجدان خصوصا في الوقت ( فيه ) ان الحاصل بالوجدان انما هو القدرة على الاتيان بصورة الصلاة المقصورة ، لا القدرة على الاتيان بحقيقتها القائمة بها المصلحة الكاملة ولا ملازمة بين القدرة على صورة الصلاة والقدرة على استيفاء مصلحتها كما هو ظاهر ( واما قوله الا إذا كان ثبوت المصلحة في الصلاة المقصورة مشروطا الخ ، ففيه ان المشروط بعدم سبق الصلاة التامة من المكلف انما هو القدرة على استيفاء مصلحة الصلاة المقصورة لا أصل مصلحتها ، وبينهما فرق واضح ، والتوالي الفاسدة انما تترتب على الثاني لا الأول ، فإنه يكون من قبيل تفريت شرط الواجب لا الوجوب ، فالاشكال المزبور بلزوم الخلف وعدم استحقاق العقاب ناش عن الخلط بينهما فتدبر ( وحينئذ ) فعلى ما ذكرنا لا قصور في المقام بالجمع بين استحقاق العقوبة وصحة المأتى به بعنوان كونه فريضة فعلية كما هو ظاهر قوله (ع) تمت صلوته المنصرف إلى كون اتيانه بهذا العنوان ، حيث إنه بالالتزام بتعدد المطلوب يكون المأتى به صحيحا ومأمورا به بالامر بالجامع بين الفردين المتحقق في ضمن هذا الفرد أيضا ، من دون حاجة إلى اثبات الامر به من الخارج ( نعم ) انما يحتاج إلى ذلك فيما لو كان فردية الفاقد للطبيعة في ظرف الجهل بالامر بأصل الطبيعة التي هي مرتبة من المطلوب ، فإنه بعد استحالة شمول الامر بالطبيعة لمثل هذا الفرد ، لا محيص في كونه مأمورا به بالامر الفعلي من أن يكون بأمر آخر غير الامر بالطبيعي المتحقق في ضمن الخصوصية ( لا فيما كان فرديته ) في ظرف الجهل بالامر بالخصوصية ، فإنه حينئذ يمكن كونه مأمورا به فعلا بنفس الامر بالطبيعي المتحقق في ضمنه خصوصا إذا قلنا بعدم اختصاص فردية الفاقد للطبيعي بحال الجهل بوجوب الخصوصية أيضا وان غايته هو انحصار فرد الجامع عند العلم بوجوب الخصوصية بخصوصية الواجد ، لا اختصاص فردية الفاقد بحال الجاهل به ( وعليه ) فلا بأس بالاتيان به بداعي الامر بالطبيعي المتحقق في ضمنه ( ولا وجه ) لمنع كونه مأمورا به بالامر الفعلي ، إذ لا يلزم من الالتزام بما ذكرنا محذور بعد سقوط الامر بالخصوصية في ظرف الجهل به عن المحركية الفعلية خصوصا مع الغفلة عن الواقع لأجل ترك الفحص حيث لا يلزم منه اجتماع الامرين في المحركية الفعلية في زمان واحد كما هو


(487)
ظاهر ( وبذلك ) أيضا نقول انه لا يحتاج في تصحح الامر الفعلي بالفاقد إلى التشبث بقاعدة الترتب المعروف ، كي يمنع عن صحة كبرى القاعدة تارة ، وعن صغراها في المقام أخرى ، وان كان التحقيق هو صحة كبرى القاعدة ، بل وصغراها أيضا في المقام مع قطع النظر عما ذكرناه ولو بالالتزام بطولية المصلحتين وكون الامر بالفاقد مشروطا بمخالفة الواقع عن جهل ، فإنه بهذا المقدار يمكن الالتزام في المقام بالخطاب الترتيبي إذ لا نعني من الخطاب الترتيبي الذي هو محل النزاع الا اجتماع الامر المطلق بشيء والمشروط بمخالفته بشيء آخر في زمان واحد كان طولية الامرين من جهة طولية المصلحتين أو من جهة طولية القدرة على استيفائهما كما هو ظاهر ( وقد يتقصى ) عن الاشكال بوجه آخر ، وحاصله هو انه من الممكن في مسألة الجهر والاخفات ان يكون الواجب على عامة المكلفين هو القدر المشترك بينها ويكون الجهر والاخفات بالقراءة في موارد وجوبهما واجبان نفسيان مستقلان في الصلاة بنحو تكون الصلاة ظرفا لامتثالهما كسائر موارد وجوب الشيء في ظرف واجب آخر الا انه بالعلم به ينقلب وجوبه النفسي إلى وجوب الغيري ويصير قيدا للصلاة ولا مانع من أن يكون صفة العلم موجبة لتبدل صفة الوجوب من النفسية إلى الغيرية ، وبذلك يرتفع أصل الاشكال اما صحة المأتى به فلكونه مأمورا به في حال الجهل ، واما العقاب فهو من جهة ترك الواجب النفسي ، وكذلك الامر في مسألة الاتمام في موضع وجوب القصر فيكون الواجب على المسافر هو أحد الامرين من القصر والتمام تخييرا ، ولكن في القصر خصوصية تقتضي تعينه لا على وجه القيدية بل على وجه النفسية وبالعلم بالحكم ينقلب وتصير تلك الخصوصية قيدا للصلاة ( وفيه ) مضافا إلى بعده في نفسه وان صفه استقلالية الوجوب بعد أن كانت محفوظة في رتبة سابقة على العلم بها يستحيل صيرورة العلم بها موجبا لانقلاب الوجوب عما هو عليه من الصفة في مرتبة وجوده إلى صفة أخرى ( نعم ) الممكن انما هو صيرورة العلم بوجوب الشيء موجبا لاحداث وجوب آخر في المرتبة المتأخرة عنه ، ولكن لازم ذلك في المقام هو الالتزام بتعدد العقوبة عند ترك الجهر بالقراءة مع العلم بوجوب الجهر ، أحدهما على ترك الجهر المعلوم وجوبه نفسيا ، وثانيهما على ترك الصلاة المقيدة به في الرتبة المتأخرة عن العلم وهو كما ترى « ولكنه » على ما في التقرير عدل عن ذلك فالتزم بان الواجب على المسافر الجاهل


(488)
انما هو التمام ولا يصح منه القصر ولو تمشى منه قصد القربة واستظهر أيضا تسالم الفقهاء على ذلك بعدما استظهر خلافه سابقا ومنع عن أصل العقاب « وفيه أيضا » لا يخفى فإنه من غرائب الكلام خصوصا فيما استظهره من تسالم الأصحاب على ذلك ، إذ هو مع كونه على خلاف ما بنوا عليه من اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل وما تقتضيه اطلاق كلامهم باستحقاق الجاهل بالحكم عن تقصير للعقاب الشامل للمقام بل تصريح بعضهم بذلك ، انه لا يستفاد من كلماتهم في المقام الا صحة المأتى به تماما في حال الجهل بالحكم تبعا لما في النصوص من أنه لا إعادة عليه إذا لم تقرء عليه آية التقصير ولم يعلمها « واما » ان الواجب واقعا في حق المسافر الجاهل هو التمام بحيث لا يصح منه القصر ولو تمشى منه قصد القربة فلا ، بل الظاهر هو تسالمهم على الصحة قصرا في الفرض المزبور « هذا تمام الكلام » في الجزء الثالث من الكتاب ويتلوه
الجزء الرابع انشاء الله والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد خير خلقه
وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين « وقد وقع
الفراغ من تسويده على يد العبد الاثم محمد تقي النجفي البروجردي ابن
عبد الكريم في ثلاثة خلون من شهر رجب المرجب سنة 1352
اثنين وخمسين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية
عليه وعلى أخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية
ويتلوه الجزء الرابع في الطبع انشاء الله تعالى
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس