نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 31 ـ 45
(31)
لا ان المقصود نفى هذه الأصول برمتها عن كونها من باب الاستصحاب بنحو السلب الكلى ( ومن الواضح ) انه يكفي هذا المقدار من التشكيك في المنع عن التشبث بهذه الأصول العدمية لاثبات الاتفاق المزبور ، مضافا إلى وجدان الخلاف منهم في اعتبار الاستصحابات العدمية.
    ( ثم إن في قبال ذلك ) توهم آخر ، وهو دعوى مفروغية عدم جريان الاستصحاب في الأمور العدمية والاعدام الأزلية الناشئة من عدم تحقق علل وجودها ( بتقريب ) انه لا بد في جريان الاستصحاب من كون المستصحب اثرا شرعيا أو موضوعا لاثر شرعي حتى يكون التعبد بالبقاء بلحاظ ذلك الأثر ، والا فلا يجرى الاستصحاب بمحض كون الشيء متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا ، والاعدام الأزلية كعدم الوجوب والحرمة وعدم الجعل كلها من هذا القبيل ، لان العدم بما هو عدم ليس اثرا شرعيا تناله يد الجعل والرفع فلا يجرى فيه الاستصحاب ، ومن غير فرق بين القول برجوع مفاد حرمة النقض إلى جعل المماثل أو إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك أو الشك معاملة الواقع أو اليقين به ، فعلى كل تقدير يحتاج التعبد بالبقاء إلى اثر شرعي وبدونه لا يجرى الاستصحاب ( ولكنه توهم فاسد ) فان العدم بما هو وان لم يكن اثرا شرعيا ، الا انه بقاء واستمرارا يكون من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي ( لان ) للشارع ابقاء ذلك العدم وله رفعه وقبله بالنقيض ولو يجعل ما يقتضى الوجود ( ومن الواضح ) انه يكفي هذا المقدار من الشرعية في جريان الاستصحاب ، إذا لا نعني من شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره الا ما يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو ابقاء واستمرارا ، فإذا كان عدم الجعل وعدم الوجوب والحرمة بهذا الاعتبار أمرا شرعيا يجرى فيه الاستصحاب لا محالة.
    ( وقد يظهر من بعض الاعلام ) التفصيل في الاعدام بين ان يكون المستصحب هو عدم الجعل الأزلي السابق على تشريع الاحكام ، وبين ان يكون غيره ، فمنع عن جريان الاستصحاب في الأول دون الثاني ( وأفاد ) في وجه التفصيل المزبور بما محصله


(32)
ان عدم الجعل وان كان من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فيكون المستصحب شرعيا بهذا الاعتبار ، الا انه لا يكفي مجرد شرعية المستصحب في جريان الاستصحاب ما لم ينته إلى اثر عملي ، فان الأثر العملي مما لا بد منه في صحة التنزيل والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، ولا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يستتبعه من عدم المجعول واثبات عدمه باستصحاب عدم الجعل يكون من المثبت المرفوض عند المحققين ، إذ ليس ترتب المجعول على الجعل ترتبا شرعيا وانما هو ترتب عقلي محض ، فمن هذه الجهة لا يجرى الاستصحاب في عدم الجعل ( بخلاف غيره ) من الاعدام كعدم المجعول ، فإنه يجرى فيه الاستصحاب عند احراز الجعل والشك في تحقق ما أنيط به المجعول ( وفيه ) مضافا إلى عدم ثمرة عملية لهذا التفصيل بعد جريان الأصل باعترافه في المجعول الذي هو المسبب ، لأنه ما من مورد يشك فيه في الجعل الا ويشك فيه في تحقق المجعول فيجرى استصحاب عدمه ( والى ) ما يأتي من اباء الأحكام التكليفية بمراتبها عن تطرق الجعل التشريعي إليها ( ان الجعل والمجعول ليسا في الخارج الا أمرا وجدانيا ، فان مرجع الجعل بعد أن كان إلى لحاظ الشيء وجعله واجبا أم جزء أو شرطا لواجب فلا محالة يكون التغاير بينهما ممحضا بصرف الاعتبار نظير الايجاد والوجود ، فباعتبار اضافته إلى الجاعل جعل وباعتبار لحاظ نفسه مجعول ، وفي مثله لا محذور من استصحاب عدم الجعل وترتيب ما للمجعول عليه من الآثار ( وعلى فرض ) تسلم المغايرة الخارجية بينهما ولو بدعوى ان الجعل عبارة عن انشاء الوجوب والحرمة والمجعول عبارة عن المنشأ بهذا الانشاء ، نظير الانشاء في الاحكام الوضيعة والحقائق الاعتبارية في أبواب العقود والايقاعات ( نقول ) : ان الاشكال انما يرد إذا كان نسبة الجعل إلى المجعول من قبيل العلية والمعلولية نظير العلل الخارجية بالنسبة إلى معاليها ، والا فبناء على كون النسبة بينهما من قبيل نسبة مناشئ الاعتبار للأمور الاعتبارية كالانشاء في أبواب العقود والايقاعات « فلا قصور في استصحاب عدم الجعل ولا يرتبط المقام بالأصول المثبتة ، إذا عدم جعل الوجوب حينئذ واقعيا أو


(33)
ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك ، فكان عدم الوجوب الظاهري من لوازم عدم الجعل الظاهري وهو الاستصحاب لا من لوازم نفس المستصحب واقعا حتى ، يتوجه محذور المثبتية ، فإذا كان عدم الجعل مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفى في شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره بهذا المقدار من الشرعية ، فلا محالة يجرى فيه الاستصحاب ، ويترتب باستصحاب عدمه عدم الوجوب الظاهري فتدبر « وكيف كان » فالمهم هو عطف الكلام إلى ذكر الأدلة التي استدلوا بها على حجية الاستصحاب وتنقيح دلالة المختار منها على وجه يتضح ما هو المختار من الحجية مطلقا.
( وهي أمور )
    « فمنها » الاجماع المحكى في كلام جماعة كالمبادئ والنهاية « وفيه ما لايخفى » إذ لا وجه لدعوى الاجماع في هذه المسألة التي كثر فيها الاختلاف والأقوال خلفا عن عن سلف ، لاعلى ثبوت الحجية ولا على عدمها « نعم » لا بأس بدعوى قيام الشهرة أو ما يقرب من الاجماع على اعتبار الاستصحاب في الجملة ولو في خصوص باب الطهارة في الشبهات الموضوعية مع كون الشك في الرافع ، بل يمكن دعوى اتفاقهم على ذلك ، لأنه من البعيد جدا إرادة القائل بعدم الحجية النفي المطلق حتى في الموارد المذكورة في الأسئلة الواردة في الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك.
    « ومنها » بناء العرف والعقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على الاخذ بالحالة السابقة عند الشك في انتقاضها في الأمور الراجعة إلى معاشهم ومعادهم ، بل قد يقال : ان عليه بناء ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان من الوحوش والطيور ونحوهما في رجوعها إلى أوكارها ومآويها « وفيه أيضا ما لا يخفى » اما دعوى كون الاخذ بالحالة السابقة من فطريات ذوي الشعور من كافة الحيوان ، فلا ترجع إلى محصل ، بداهة ان ما جرى عليه ديدن الحيوانات من الرجوع إلى مساكنها انما هو من جهة


(34)
الاعتياد أو الغفلة عن الجهات المزاحمة لقصورها عن درك هذه الجهات ، لا انه من جهة الاستصحاب والبناء على الجري العملي على طبق الحالة السابقة مع الالتفات والشك في انتقاضها « واما السيرة » العقلائية والطريقة العرفية الارتكازية فهي وان كانت على الاخذ بالحالة السابقة ، ولكن يمنع كون ذلك من باب الاستصحاب والاخذ بأحد طرفي الشك تعبدا ، بل ذلك منهم انما هو من جهة الغفلة عما يوجب زوال الحالة السابقة كما هو الغالب ، أو من جهة حصول الاطمينان لهم بالبقاء ، أو من جهة مجرد الاحتياط ورجاء البقاء كما في المراسلات ونحوها من الأمور غير الخطيرة « وعلى فرض » ثبوت البناء المزبور منهم يمنع تحققه في مطلق الأمور حتى الراجعة إلى معادهم وما يتدينون به من احكام دينهم ، بل المتيقن منه كونه في الأمور الراجعة إلى معاشهم وأحكامهم العرفية.
    ( كيف ) وثبوت هذا البناء الارتكازي منهم حتى في الأمور الدينية ينافي هذا الخلاف العظيم بين الأعاظم من الاعلام خلفا عن سلف وذهاب جمع منهم إلى عدم الحجية إذ المنكرين للحجية أيضا من العقلاء بل كل واحد منهم بمثابة الف عاقل ، فثبوت هذا الخلاف العظيم بينهم قديما وحديثا يكشف عن عدم ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة تعبدا في الأمور الدينية والأحكام الشرعية ( وعليه ) فلا يكاد ينفع مثل هذا البناء للاستدلال به على حجية الاستصحاب ولو مع اليقين بعدم ورود ردع من الشارع بنحو العموم أو الخصوص عن البناء المزبور ( إذ بعد ) عدم ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة تعبدا في الأمور الدينية ، لا يحتاج إلى الردع عن بنائهم لو فرض كونه غير مرضى عند الشارع من جهة كونهم بأنفسهم مرتدعين بالنسبة إليها هذا ( ولكن الانصاف ) ان المناقشة الأولى في غير محلها ، فان ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة من باب الاستصحاب والشك الوجداني في انتقاضها وتساوي احتمال البقاء والارتفاع مما لا سبيل إلى انكاره ، لما يرى منهم بالوجدان والعيان في ترتيبهم آثار البقاء على الشيء عملا مع الشك في ارتفاعه من حيث ارسالهم


(35)
المكاتيب والبضايع المهمة إلى من هو في البلاد البعيدة بلا وثوق منهم ببقائه على ما كان من الحياة والعقل والغنى مع مالهم من الاغراض المهمة ، ومن غير تحقيق عن حال من يرسل إليه البضايع من كونه حيا أو ميتا ومن حيث بقائه على عقله وأمانته كل ذلك بمقتضى ارتكازهم وجبلتهم التي أودعها فيهم بارئهم كما يشير إلى ذلك بعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ، كقوله (ع) : لزرارة لا ينبغي ان تنقض اليقين بالشك الظاهر في كون الاخذ بالحالة السابقة مع الشك في انتقاضها من الارتكازيات العرفية والطريقة العقلائية ( ولا ينافي ) ذلك ما يرى من مداقة بعض الأشخاص وعدم اخذه بالحالة السابقة الا بعد الوثوق والاطمئنان العادي بالبقاء ، فان ذلك منهم نحو احتياط لحفظ أغراضهم وعدم تضييع أموالهم ، ولذلك لا يكون الآخذ بالحالة السابقة بلا تحصيل الوثوق ملوما عندهم ولو مع انكشاف الخلاف ( نعم ) المناقشة الثانية في محلها ، لما ذكرنا من عدم ثبوت تحقق البناء المزبور منهم حتى في الأمور الدينية والاحكام ، الشرعية ، لولا دعوى وضوح انه لا يكون لهم طريقة خاصة في الأمور الدينية وراء ما يسلكونه بارتكازهم في أمورهم الدنيوية مما يرجع إلى معاشهم ونظامهم ، وانه بمقدمات عدم الردع يستكشف امضاء الشارع لتلك الطريقة المألوفة الارتكازية فتكون دليلا على حجية الاستصحاب ( ولكن الشأن ) في اثبات هذه الجهة ، والا فبدونه يكفي في المنع عنه مجرد الشك في ذلك ( وعلى فرض ) ثبوت البناء المزبور منهم في الأمور الدينية لا مجال للتشبث بمقدمات عدم الردع لكشف امضاء الشارع ( إذا يكفي ) في الردع عن بنائهم العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم ( وتوهم ) عدم صلاحية هذه النواهي للرادعية عن بنائهم ، لمكان مضادتها مع أصل وجود هذا البناء والسيرة المزبورة ولاستحالة تحقق هذه السيرة حتى من المتدينين منهم مع ثبوت ردع الشارع عنها ( فمن وجود ) هذه السيرة وتحققها بالوجدان بضميمة المضادة المزبورة يستكشف عدم صلاحية العمومات الناهية للرادعية عن بنائهم ( مدفوع ) بان بناء العقلاء من المسلمين على شيء تارة يكون بما انهم مسلمون ومتدينون بشرايع الاسلام ، وأخرى يكون ذلك منهم لا بما هم مسلمون ومتدينون بها ، بل بما هم


(36)
من العقلاء ، ومن أهل العرف ، والذي يضاد وجوده مع الردع الشرعي بحيث يستحيل تحققه مع ثبوته انما هو الأول ( واما الثاني ) فلا يكون ردع الشارع عنه مضادا مع أصل وجوده ، بل هو انما يكون مانعا عن حجيته ( وحيث ) ان المقصود من السيرة المزبورة هي سيرة العقلاء الذين منهم المسلمون فلا بد في تتميمها من التشبث بمقدمات عدم الردع لاثبات امضاء الشارع لها ، فينتهي المجال حينئذ إلى دعوى صلاحية الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للرادعية عنها ( نعم ) انما لا ينتهي المجال إلى ذلك فيما لو قررت السيرة المزبورة بسيرة المسلمين بما هم كذلك لا بما هم من أهل العرف والعقلاء ( ولكن ) الكلام حينئذ في أصل الصغرى ( واما توهم ) خروج جميع موارد السيرة العقلائية عن العمل بما وراء العلم بالتخصص كما عن بعض الأعاظم قده ، بدعوى اقتضائها لخروج مواردها عن موضوع تلك النواهي ( ففيه ) انه من الغرابة بمكان ، إذ ذلك مخصوص بباب الطرق والامارات كظواهر الألفاظ ونحوها ، حيث إنها باقتضائها لتتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تكون واردة على الآيات الناهية ومخرجه لموردها عن موضوع تلك النواهي بالتخصص ، لا فيمثل المقام الذي هو من الأصول المعمولة عند العقلاء في ظرف استتار الواقع والجهل به ، فان بنائهم حينئذ على الاخذ بالحالة السابقة لا يخرج مورده عن كونه عملا بغير العلم ( نعم ) لو كان بنائهم على الاستصحاب والجري العمل على طبق الحالة السابقة من باب الا مارية نظير ظواهر الألفاظ وباب حجية خبر الواحد ، لا من باب الأصلية ، كان لدعوى ورود السيرة في المقام على العموميات الناهية وخروج موردها عن موضوعها مجال « ولكن ذلك » مع أنه لا طريق إلى اثباته ، يلزم دخول الاستصحاب في الامارات ، وهو مما لا يلتزم به القائل المزبور ، فان المختار عنده كونه من الأصول لا الامارات.
    « وبما ذكرنا » يظهر اندفاع ما أورده من الاشكال على الكفاية من منافاة ما افاده في المقام من صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن السيرة العقلائية لما تقدم منه في مبحث حجية خبر الواحد من عدم صلاحية تلك النواهي للرادعية عن الطريقة


(37)
العقلائية « وجه الاندفاع » ما عرفت من الفرق بين المقام وباب حجية خبر الواحد ، حيث إن عدم رادعية الآيات هناك انما هو من جهة قيام السيرة العقلائية على تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن موضوع تلك النواهي ، ( بخلاف ) المقام ، فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا يكون من باب الا مارية وانما هو من باب الأصلية في ظرف الجهل بالواقع ، فلا يلازم القول بعدم صلاحية الآيات للرداعة عن بنائهم هناك للقول به في المقام أيضا « فما افاده » المحقق الخراساني قده في كفايته من التفكيك بين المقامين في صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن الطريقة العقلائية في المقام دون ما هناك في غاية المتانة « نعم » لو كان المراد من عدم العلم في تلك النواهي هو عدم العلم بمطلق الوظيفة أعم من الواقعية والظاهرية ، لا عدم العلم بخصوص الواقع ، لأمكن المصير إلى عدم الرادعية في المقام أيضا « ولكنه » خلاف الظاهر جدا ، فان الظاهر المتبادر من نحو قوله سبحانه : لا تقف ما ليس لك به علم هو عدم العلم بالوظيفة الواقعية ، لا بمطلق الوظيفة ولو ظاهرية « فالأقوى » حينئذ ما افاده المحقق الخراساني من عدم اعتبار السيرة العقلائية في المقام على الاخذ بالحالة السابقة ، وان فرض كونها أقوى من بنائهم على العمل بالخبر الواحد ، إذ لا اثر لحيث اقوائيتها ما لم تنته إلى كشف امضاء الشارع لها ولو بمعونة مقدمات عدم الردع ، ومع صلاحية الآيات الناهية للرادعية عنها لا مجال لكشف امضاء الشارع لها كما هو ظاهر ( ثم انه من التأمل ) فيما ذكرنا يظهر انه لا مجال للتشبث بالحكم العقلي الظني ببقاء ما ثبت ولو بضميمة اندراجه في صغريات الانسداد بالنسبة إلى الاحكام التي في دائرة الاستصحابات ، إذ ذلك أيضا مخدوش صغرى وكبرى.
( ومنها ).
    الأخبار الكثيرة البالغة حد الاستفاضة ، وهي العمدة في الباب ( فمنها ) صحيحة زرارة ولا يضر بها الاضمار بعد كون مضمرها مثل زرارة الذي لا يروى الا


(38)
عن الإمام (ع) ، قال قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الحفقة والحفقتان عليه الوضوء ، قال (ع) : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نام القلب والاذن فقد وجب الوضوء ، قلت : فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ، قال (ع) : لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك امر بين ، والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ، ولكن تنقضه بيقين آخر ( وتقريب ) الاستدلال بها على حجية الاستصحاب مطلقا انما هو بتجريد اليقين في قوله (ع) : والا فإنه على يقين من وضوئه عن خصوصية اضافته إلى الوضوء وعدم دخلها في الحكم بحرمة النقض لتكون اللام في كبرى القياس وهي قوله (ع) : ولا ينقض اليقين بالشك للجنس لا للعهد.
    ( ولتوضيح الكلام ) في ذلك لا بأس بالتعرض لبيان فقه الحديث الشريف ( فنقول ) : الظاهر من السؤال الواقع في الفقرة الأولى من كلام الراوي هو كونه سؤالا عن مفهوم النوم الناقض من أنه بحد يدخل فيه الحفقة والحفقتان أو بحد لا يدخلان في مفهومه ، فان احتمال كونه سؤالا عن ناقضية الخفقة والخفقتان مستقلا بعيد في الغاية ولا يناسب قوله : الرجل ينام ، ولذلك اجابه الإمام (ع) بخروجهما عن مفهوم النوم الناقض ، ببيان ان النوم الناقض هو خصوص نوم القلب والاذن لا مطلق مراتبه الشامل لنوم العين وحدها ، بل المستفاد من جوابه (ع) ان المدار في الناقضية على خصوص نوم القلب الذي هو سلطان الجوارح وان نوم الاذن انما اعتبر لكونه امارة على نوم القلب ، لا لخصوصيته فيه « واما السؤال » الثاني وهو قوله فان حرك الخ ، فظاهره كونه سؤالا عن الشبهة الموضوعية بناء على ما فهمه من امارية نوم الاذن لنوم القلب الذي عليه مدار الناقضية ، حيث إنه يشك حينئذ في تحقق نوم القلب بهذه المرتبة من النوم الغالب على الاذن ، فاجابه الامام (ع) : بما هو نتيجة الاستصحاب بقوله : لا حتى يستيقن أنه قد نام « ويحتمل » كونه سؤالا عن حكم الشبهة المصداقية من أنه مع الشك في تحقق النوم هل يجب عليه الوضوء أم لا « ويحتمل » أيضا كونه سؤالا عن الشبهة المفهومية بناء على فهمه من كلام الامام (ع) موضوعية


(39)
نوم الاذن لا اماريته لنوم القلب فيكون السؤال عن حد النوم الناقض وصدقه على تلك المرتبة من نوم الاذن نظير سؤاله الأول الراجع إلى كونه عن صدقه على الحفقة التي هي نوم العين وحدها « ولكن » الظاهر ما عرفت من كونه سؤالا عن الشبهة المصداقية أو عن حكمها ، لا عن الشبهة المفهومية : كيف ولازمه تكفل الامام (ع) لرفع الشك عنه ببيان الواقع كما في الفقرة الأولى ، لا ابقاء السائل على شكه والتعرض لحكم الشبهة الموضوعية بقوله : لا حتى يستيقن انه قد نام ( نعم ) الذي يبعد كونه سؤالا عن الشبهة المصداقية هو تطبيق الامام الاستصحاب على الوضوء الذي يكون الشك في بقائه مسببا عن الشك في تحقق النوم ، فان من اللازم حينئذ تطبيقه على عدم النوم ، لما قرر في محله من عدم جريان الأصل المسببي مع جريان الأصل السببي ( ولا يرد ) هذا الاشكال على الفرض الأخير ، إذ عليه يكون تطبيق الاستصحاب على الوضوء على القاعدة ، بملاحظة عدم جريانه حينئذ في طرف السبب الذي هو النوم ، لان استصحابه يكون من قبيل الاستصحاب الفرد المردد بين ما هو مقطوع الوجود وما هو مقطوع العدم ، فإنه على تقدير صدقه على تلك المرتبة من نوم الاذن يقطع بتحققه وعلى تقدير كونه عبارة عن المرتبة الأخرى المنطبقة على نوم القلب يقطع بعدم بتحققه ، فعلى كل تقدير لاشك فيه حتى يجرى فيه الاستصحاب « واما المفهوم منه فهو وان كان مشكوكا ، ولكن لا يكون بنفسه موضوعا للأثر كي يجرى فيه الاستصحاب ، لان الأثر الشرعي وهو وجوب الوضوء انما يكون ترتبه على واقع النوم ومصداقه الذي يحكى عنه هذا المفهوم ، وبعد تردده بين ما يقطع بتحققه وما يقطع بعدم تحققه لا يجري فيه الاستصحاب ، كما هو الشأن في جميع المفاهيم المجملة المرددة بين الأقل والأكثر « ولذلك » نقول : في مسألة الرضاع انه لا مجرى لأصالة عدم تحقق الرضاع المحرم فيما لو تحقق عشر رضعات وشك في تحقق الرضاع المحرم به ، لعدم ترتب اثر شرعي على المفهوم منه ( تردد ) ما له الأثر الشرعي بين ما يقطع بتحققه وما يقطع بعدم تحققه ( ولا مجال أيضا ) لمقايسته أمثال المقام بباب الكلى المردد بين الفردين أحدهما مقطوع الارتفاع والاخر مقطوع البقاء ، كالحدث المردد


(40)
بين الأصغر والأكبر « فان جريان » الاستصحاب هناك في الكلى وهو الحدث لعد الاتيان بالوضوء انما هو باعتبار ان لنفس الكلى والجامع اثر شرعي وهو عدم جواز الدخول في الصلاة ، وهذه الجهة مفقودة في المفاهيم المجملة المرددة بين الأقل والأكثر كما في المقام ومسألة الرضاع وباب الغناء ونحوها ، لعدم ترتب اثر شرعي على عنوان النوم ومفهومه ولا على عنوان الرضاع المحرم ولا على عنوان الغناء بما هي هذه العناوين ( وحينئذ ) فعلى كل تقدير سواء كان السؤال عن الشبهة المفهومية أو المصداقية لا محيص من أحد الاشكالين « نعم » قد يدفع الاشكال الأول ، تارة بمنع تطبيق الاستصحاب في الرواية على الوضوء الذي هو المسبب ، بدعوى ان المستفاد من قوله (ع) : لا حتى يستيقن انه قد نام انما هو تطبيقه على عدم النوم ببيان انه لا يرفع اليد عن اليقين بعدم النوم الا باليقين بوجوده ، فيكون قوله (ع) : بعد ذلك والا فإنه على يقين منطبقا على عدم النوم بجعل عدم وجوب الوضوء عليه كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم لما بينهما من شدة الملازمة ولو في خصوص المورد « وأخرى بمنع السببية والمسببية بينهما حقيقة ، بدعوى ان الطهارة والحدث أمران وجوديان عرضيان غير مسبب أحدهما عن عدم الاخر ، غايته انه يلازم ارتفاع أحدهما مع وجود الاخر من جهة ما كان بينهما من التمانع والتعاند بحسب الوجود « وفيه » اما الوجه الأول ، فهو خلاف ظاهر الرواية جدا ، لوضوح ظهور قوله (ع) حتى يستيقن في كونه في مقام تطبيق الاستصحاب على الوضوء ، لاعلى عدم النوم ، فإنه بعد أن سئل الراوي عن وجوب الوضوء عليه بهذه المرتبة من نوم الاذن ، اجابه (ع) بما هو نتيجة الاستصحاب من أنه لا يرفع اليد عن اليقين بالوضوء ما لم يعلم بتحقق رافعة الذي هو النوم والحدث ( واما الوجه الثاني ) فلكونه خلاف ما تقتضيه الأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات الوضوء ، ولذلك جرى عليه ديدن الأصحاب أيضا حيث جعلوها من موجبات الوضوء كما هو ظاهر ( وكيف كان ).
    فقوله (ع) : والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ابدا


(41)
( يحتمل ) ان يكون جزاء الشرط محذوفا وأقيمت العلة وهي قوله فإنه على يقين من وضوئه مقامه ، نظير قوله سبحانه « وان تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى « و » إن تكفروا فان الله غني عنكم » ، فمعنى الحديث انه ان لم يستيقن انه قد نام فلا يجب عليه الوضوء لأنه على يقين من وضوئه ( ويحتمل ) ان يكون الجزاء نفس قوله فإنه على يقين من وضوئه لا علة لجواب الشرط المحذوف ، اما يجعل الجملة انشائية ، فيكون المعنى ان لم يستيقن انه قد نام فليبن على يقين من وضوئه في مقام الجري العملي.
    ( واما بجعلها ) على ظاهرها في الاخبار فيكون المستفاد منه بدلالة الاقتضاء انه ان لم يستيقن بالنوم فهو متيقن بالوضوء ولا ينقض اليقين بالشك ، والا فلا ترتب بين كونه شاكا في النوم وكونه متيقنا بالوضوء ( ويحتمل ) أيضا ان يكون الجزاء هو قوله (ع) : ولا ينقض اليقين بالشك ، ويكون قوله فإنه على يقين من وضوئه توطئة للجزاء ، فالمعنى ان لم يستيقن بالنوم فحيث انه كان على يقين من وضوئه فلا ينقض اليقين بالشك ( فعلى كل حال ) سواء جعل الجزاء نفس قوله فإنه على يقين من وضوئه ، أو جعل كونه أمرا مقدرا ، أو جعل كونه عبارة عن قوله ولا ينقض اليقين بالشك تكون الرواية دالة على حجية الاستصحاب ولو في خصوص المورد ، حيث لا يتوقف دلالتها على الحجية على تعيين ان الجزاء اي شيء ، ولذلك لا يهمنا البحث عن تعيين الجزاء وتشخيصه ( وانما المهم ) في المقام هو تجريد اليقين عن خصوصية اضافته إلى الوضوء بجعل إضافة اليقين إلى الوضوء لمجرد بيان أحد المصاديق لما يتعلق به اليقين لا لبيان تقييد اليقين به ليكون اللام في كبرى القياس وهي قوله ولا ينقض اليقين بالشك للجنس لا للعهد فيفيد قاعدة كلية مطردة في باب الوضوء وغيره ( والا ) فمع عدم تجريده عن الخصوصية المزبورة لا يفيد قاعدة كلية مطردة في جميع الموارد ، بل غايته إفادة قاعدة كلية في خصوص باب الوضوء ، فان شرط الانتاج في الشكل الأول هو ان يكون المحمول في صغرى القياس بما له من القيود موضوعا في كبرى القياس ، ومن المعلوم انه لو كان المحمول في الصغرى هو اليقين المضاف إلى الوضوء بهذه الخصوصية لا مطلق اليقين مجردا عن الإضافة المزبورة ، يلزمه اختصاص الموضوع


(42)
في الكبرى أيضا باليقين المتعلق بالوضوء ، ومثله لا ينتج الا حجية الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ، لا حجيته مطلقا حتى في غير باب الوضوء ( بل إن تأملت ) ترى ان العمدة في استفادة التعميم من الرواية هي هذه الجهة أعني تجريد اليقين عن خصوصية اضافته إلى الوضوء والا فبدونه لا تجدي في استفادة التعميم مجرد كون الألف واللام في اليقين للجنس لا للعهد ، لان كون اللام للجنس لا يقتضى الا قاعدة كلية في خصوص باب للوضوء فلا يمكن التعدي منه إلى غيره من الطهارات الثلاث فضلا عن التعميم المطلق ( فلابد ) في استفادة التعميم المطلق من تجريد اليقين عن اضافته إلى طبيعة الوضوء ليكون الموضوع في الكبرى هو مطلق اليقين بالشيء المستتبع قهرا لكون اللام فيه للجنس لا للعهد حتى يفيد قاعدة كلية سارية في جميع أبواب الفقه ( وعليه نقول ) : انه يمكن دعوى الجزم بعدم دخل الإضافة المزبورة في اليقين المحكوم بعدم النقض ، لظهور الرواية حسب ما يفهمه العرف في كونها في مقام الاستدلال على نحو الشكل الأول من القياس لاعطاء قاعدة كلية لمطلق اليقين بالشيء الذي يكون مورد السؤال من جزيئاته ومصاديقه ( فان ) لازم قياسيته بعد ظهور الصغرى في كونها لبيان حكم اليقين بطبيعة الوضوء لا خصوص اليقين المتعلق بالوضوء الشخصي هو كون الكبرى أعني حرمة نقض اليقين كليا شاملا لمطلق اليقين بالشيء الملازم لكون اللام فيه للجنس المندرج فيه صغراه الذي هو من جزئياته ومصاديقه بلا اختصاصه بخصوص اليقين بالوضوء ليكون اللام فيه للعهد المشير إلى اليقين بالوضوء فيفيد قاعدة كلية في خصوص باب الوضوء ( بداهة ) ان ذلك لا يناسب قياسيته الا بفرض جعل الصغرى شخص اليقين المتعلق بالوضوء الخاص ، وهو مع كونه خلاف ظهور الصغرى في كونها لبيان اليقين المتعلق بطبيعة الوضوء لا شخص اليقين المتعلق بالوضوء الخاص ، يلزمه عدم التعدي من الوضوء إلى غيره من الطهارات وهو كما ترى ( فلا محيص ) حينئذ من جعل الكبرى كليا شاملا لمطلق اليقين بالشيء المندرج فيه صغراه الذي من جزئياته ومصاديقه ، فيكون إضافة اليقين إلى الوضوء في الرواية حينئذ وتخصيصها بالذكر من بين المصاديق من جهة كونه موردا لسؤال الراوي لا من جهة خصوصية فيه كما هو


(43)
ظاهر ( ومما يؤيد ) ما ذكرناه بل يشهد له وقوع هذه الجملة كبرى لصغريات متعددة في النصوص الأخرى وتطبيقها على مثل الطهارة الخبثية تارة ، وركعات الصلاة أخرى ، والصوم ثالثة ، فان ذلك قرينة عدم اختصاص الكبرى المزبورة بباب دون باب ( بل ويشهد لذلك ) أيضا ظهور سوق الرواية في كونه في مقام ادراج المورد تحت كبرى ارتكازية لا تعبدية وهي ان اليقين بالشيء لا ينقض بالشك فيه ( وبذلك كله ) لا يبقى مجال توهم اختصاص الكبرى باليقين المتعلق بالوضوء ، مضافا إلى أن التعميم هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع فان اليقين من جهة ابرامه واستحكامه هو المناسب لان يضاف إليه النقض ولا مدخلية في ذلك لخصوصية اضافته إلى الوضوء كما هو ظاهر ( نعم لو اغمض ) عما ذكرنا لا يتم ما افاده المحقق الخراساني قدس سره لاثبات التعميم ولو على عهدية اللام من دعوى قوة احتمال ان يكون من وضوئه متعلقا بالظرف لا باليقين ليكون المعنى انه من طرف وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين بالشك : فان المستفاد منه حينئذ بعد كون الأصغر نفس اليقين لا اليقين المتعلق بالوضوء هو عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشيء بالشك في بقائه ( إذ فيه أولا ) ان مجرد الاحتمال لا يجدى شيئا ما لم يبلغ إلى الظهور المعتد به ، والا فيسقط الكلام عن الحجية لا جماله لو فرض تكافؤ الاحتمالين ( وثانيا ) ان غاية ذلك خروج من وضوئه عن كونه من الجهات التقييدية لليقين إلى التعليلية ، ومثله لا يوجب اطلاقا في اليقين المأخوذ في الصغرى ، فان اليقين على العلية وان كان غير مقيد به ولكن لا اطلاق له أيضا يشمل اليقين المتعلق بغير الوضوء كما هو الشأن في جميع المعاليل بالإضافة إلى عللها ، حيث يستحيل ان يكون لها اطلاق يشمل حال فقد عللها ، وعليه فلا يكون اليقين في الصغرى الا الحصة الملازمة للتعلق بالوضوء العارية عن حيثية الاطلاق والتقيد به ، وحينئذ فإذا كان الألف واللام في الكبرى للعهد تلزمه الإشارة لا محالة إلى اليقين الناشئ من قبل الوضوء ، ومثله لا يدفع دعوى الاختصاص ، ولا يفيد عموم الكبرى لكل يقين كما هو واضح ( وثالثا ) ان استفادة


(44)
الاطلاق من الكبرى المزبورة فرع جريان مقدمات الحكمة ، وتماميتها منوط بعدم وجود المتيقن في مقام التخاطب ، وبعد فرض يتقن نوع اليقين المتعلق بالوضوء ، لا يبقى مجال الاخذ باطلاق الكبرى والتعدي عن نوع اليقين بالوضوء إلى غيره ، فلا محيص حينئذ في استفادة عموم الكبرى من جعل اللام فيها للجنس بالتقريب الذي ذكرناه ، ومعه لا يفرق بين جعل من وضوئه من الجهات التعليلية لليقين أو الجهات التقييدية ، فإنه على كل تقدير يتم دعوى التعميم كما هو ظاهر.
    ( إزاحة شبهة ) قد يورد على دلالة الرواية على حجية الاستصحاب ولو في خصوص موردها بما حاصله انه لابد في الاستصحاب من أن يكون المستصحب مما يتصور له البقاء والاستمرار ليكون بحدوثه متعلقا لليقين وببقائه متعلقا للشك فيجتمع فيه بهذه العناية اليقين والشك الفعليان ( والوضوء ) باعتبار كونه عبارة عن الغسلات والمسحات الخاصة لا يكون بذاته قابلا للدوام الاستمرار فلا يتصور فيه الشك في البقاء ، حتى يكون ايجاب المضي على طبق اليقين به من باب تطبيق الاستصحاب ، بل لابد وأن يكون ذلك من باب تطبيق قاعدة المقتضى والمانع باعتبار ان الوضوء مقتضى للآثار التي منها جواز الدخول في الصلاة ، والنوم وأمثاله من الاحداث المانعة عن تأثيره فيها ، ولما كان الراوي متيقنا بالمقتضى وهو الوضوء وشاكا في تحقق الحدث المانع عن تأثيره اجابه الإمام (ع) بعدم نقض اليقين بالمقتضى بالشك بالمانع من مثل النوم وأمثاله ( وفيه ) ان الوضوء بذاته وان كان أمرا حدوثيا غير قابل للبقاء والاستمرار الا انه باعتبار مسببه وهو الطهارة امر قابل للدوام والبقاء : وبهذه الجهة أمكن تطبيق الاستصحاب عليه لتمامية أركانه فيه من اليقين السابق بالحدوث والشك اللاحق بالبقاء ولذا أضيف إليه النقض في الأخبار الكثيرة ، بقوله (ع) : لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم ( وان شئت قلت ) : ان اليقين بالوضوء في المقام كناية عن اليقين بأثره من الطهور القابل لتعلق الشك ببقائه ، لا انه بنفسه موضوع النقض كي يقتضى حمل الرواية على قاعدة المقتضى والمانع ، والنكتة ، في التعبير عن اليقين


(45)
بالطهارة باليقين بالوضوء هي خفائها عن الأذهان في مورد الوضوء بنحو لا طريق إليها الا من جهة اليقين بسببها الذي هو الوضوء ، ويؤيده جعل اليقين بنفس الطهارة الخبثية في الرواية الآتية صغرى لهذا القياس باعتبار وضوحها وعدم خفائها عن الأذهان بحيث يحتاج الإشارة إليها إلى الإشارة إلى سببها ( وحينئذ ) فبعد ظهور الكبرى المزبورة في الرواية في اليقين الحقيقي بالشيء والشك فيه نفسه الظاهر في اتحاد متعلق الوصفين ولو بنحو من العناية لا وجه لصرفها عما تقتضيه من الظهور في الاستصحاب لاستخراج القاعدة المزبورة باعمال ضرب من المسامحة والعناية في اليقين في الكبرى بجعل اليقين بالشيء هو اليقين بالعناية الذي هو عين اليقين بمقتضيه خصوصا مع ظهور كبرى نقض اليقين بالشك في كونه من جهة المعاندة بين الوصفين لا المعاندة بين متعلقيهما ( ولا أقل ) من تقديم العرف حسب ارتكازه في مثل هذه القضية المسامحة في وحدة متعلق الوصفين بتجريده عن التقطيع الحاصل فيه من جهة تعلق الوصفين على العناية في اليقين بجعل ظهور القضية في وحدة المتعلقين بنحو من الاتحاد قرينة على كون اليقين بالوضوء كناية عن اليقين بالطهارة الحاصلة منه ، خصوصا مع ملاحظة تكرر هذه الكبرى في غير واحد من الاخبار ( وحينئذ ) فلا اشكال في دلالة الرواية على حجية الاستصحاب ، كما لا اشكال أيضا في استفادة التعميم منها في جميع أبواب الفقه.
    ( ومنها ) صحيحة أخرى لزرارة مضمرة أيضا ، قال قلت : له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلمت اثره إلى أن أصب عليه الماء فحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك ، قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله.. قلت فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال (ع) : تغسله وتعيد ، قلت : فان ظننت انه اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه ، قال (ع) : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك قال (ع) : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ، قلت فانى قد علمت أنه اصابه ولم أدر أين هو فاغسله ، قال (ع) : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس