نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 241 ـ 249
(241)
عليها دفعي الحصول والتحقق عند تحقق الجزء الأخير من المركب ، اما لكون المؤثر الفعلي هو الجزء الأخير ، أو لتكون مؤثرية الفعلية لها منوطة بتحقق الجزء الأخير ( والا ) فعلى فرض تدريجية حصوله شيئا فشيئا من قبل الاجزاء بحيث يكون كل جزء مؤثرا في مرتبة منه إلى أن يتم اجزاء المركب ، فيتحقق تلك المرتبة من الأثر الخاص المترتب على المجموع ، كما لو كان الأثر من الحقائق التشكيكية المترتبة كل مرتبة منه على وجود جزء من اجزاء المركب التدريجي ، فلا قصور في استصحاب الصحة للاجزاء السابقة ، فإنه بتحقق أول جزء من العبادة تحقق الصحة والمؤثرية الفعلية فيتصف الجزء المأتى به بالمؤثرية ، وبوقوع مشكوك المانعية في الأثناء يشك في بقاء الصحة وانقطاعها ، فيجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية ( وان شئت ) قلت إن الصحة بالمعنى المزبور تبعا لمنشأ انتزاعها التدريجي تكون تدريجية ، فإذا علم بتحقق جزء أو جزئين يقطع بتحقق الصحة وبعد تحقق المشكوك المانعية يشك في بقاء الصحة بتلاحق بقية الاجزاء والشرائط ، فتستصحب ( ومن هذا البيان ) ظهر الحال في الصحة بمعنى موافقة الامر ، فإنه على ما ذكرنا لا قصور في استصحابها أيضا ( ومن دون ) فرق بين القول بامكان المعلق وفعلية التكليف الجزء الأخير من المركب في ظرف الاتيان بالجزء الأول منه ولو بالتفكيك بين فعلية الامر المتعلق بالاجزاء وفاعليته ، وبين القول بعدم امكانه والمصير إلى تدريجية فعلية التكليف المتعلق باجزاء المركب بجعل فعلية التكليف بكل جزء في ظرف فاعليته الذي هو طرف الاتيان به ( وهذا ) على الأول ظاهر ( وكذلك ) على الثاني فإنه بتبع تدريجية التكليف المتعلق بالاجراء يتدرج الموافقة الفعلية أيضا وبايجاد مشكوك المانعية مثلا في الأثناء يشك في بقاء الموافقة الفعلية التدريجية ، فيجرى فيها الاستصحاب على نحو جريانه في سائر الأمور التدريجية ( واما توهم ) عدم شرعية المستصحب حينئذ لكونه أمرا عقليا ( يدفعه ) كونه مما امر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشئه الذي هو امره وتكليفه ، ويكفي هذا المقدار من شرعية الأثر في باب الاستصحاب ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في الصحة بمعنى قابلية الاجزاء السابقة


(242)
المأتى بها للحوق بقية الاجزاء بها واتصافها بلحوق البقية بالمؤثرية في الفرض ( فإنها ) أيضا مما تم فيه أركانه ، لأنها أي الاجزاء السابقة قبل احتمال وجود المانع أو طرو مشكوك المانعية كانت مقطوعة صحتها بالمعنى المزبور وبعد احتمال وجود المانع يشك في بقائها على القابلية المزبورة فتستصحب ( والصحة ) بهذا المعنى واسطة في الحقيقة بين الصحة الاقتضائية المحضة المجامعة مع اليقين بوجود المانع ، وبين الصحة الفعلية الدفعية أو التدريجية ( نعم ) قد يتوجه على هذا الاستصحاب اشكال المثبتية بلحاظ كون ترتب الصحة الفعلية للكل على بقاء القابلية المزبورة عقليا ، لا شرعيا ( ويمكن ) دفعه بأنه من باب تطبيق الكبرى الشرعي على الصغريات فلا يكون من المثبت الممنوع فتأمل.

    قد عرفت تمامية اخبار الباب في الدلالة على حجية الاستصحاب خصوصا بملاحظة الظاهر من الأسئلة فيها ( وانما الكلام ) في استفادة قاعدة اليقين منها ، وذلك بعد الجزم بعدم امكان شمولها لكل من القاعدة والاستصحاب بالخصوص ، بلحاظ ان قوام حقيقة الاستصحاب بارجاع الشك إلى المتيقن مسامحة وقوام القاعدة بارجاعه إليه دقة مع عدم تحمل عبارة واحدة في قوله لا تنقض اليقين بالشك لكلا النظرين واللحاظين ( فنقول ) ان قصارى ما قبل أو يمكن ان يقال في شمول الاخبار لمورد القاعدتين دعوى كون اليقين فيها عبارة عن مطلق اليقين بشيء الأعم من الزائل والباقي حين الحكم بحرمة النقض ، مع اخذ متعلق اليقين والشك المقدر في العبارة مطلق الشيء الأعم من حدوثه وبقائه ( إذ يستفاد ) من مثله حكم صورة اليقين بالحدوث والشك فيه وصورة اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، والأول مورد القاعدة ، والثاني مورد الاستصحاب ( وعلى هذا ) التقريب لا يرد عليه ما أفيد


(243)
في المنع عن شمول الاخبار لكل من الاستصحاب والقاعدة من دعوى عدم امكان الجمع بينهما في اللحاظ ، لا من جهة اليقين ، ولا من جهة المتيقن ، ولا من جهة النقض ، ولا من جهة الحكم ( اما ) من جهة اليقين فلانه في الاستصحاب ملحوظ من حيث كونه طريقا ، وفى القاعدة يكون ملحوظا من حيث نفسه لبطلان كشفه مع تبدله بالشك ( واما ) من جهة المتيقن فلانه في الاستصحاب كان معرى عن الزمان وغير مقيد به ، وفي القاعدة يكون مقيدا بالزمان ( واما ) من جهة النقض فلكونه في الاستصحاب باعتبار ما يقتضيه اليقين من الجري العملي على طبق المتيقن ، وفي القاعدة باعتبار نفس اليقين ( واما ) من جهة الحكم فلان المجعول في الاستصحاب هو البناء العملي على ثبوت المتيقن في زمان الشك ، وفي القاعدة البناء العملي على ثبوته في زمان اليقين ، ومع تباين القاعدة مع الاستصحاب في هذه الجهات فلا يمكن ان يعمها اخبار الباب ( إذ فيه ) ان اليقين في كلا البابين لم يؤخذ الا طريقا وكاشفا في زمان وجوده فعلا أم سابقا ، كما أن المتيقن في البابين مجرد عن الزمان ، إذ لا يحتاج في القاعدة إلى أزيد من تعلق اليقين بالحدوث والشك فيه ، وحينئذ للقائل بالجمع بينهما بجامع واحد ان يقول إن المتيقن هو طبيعة العدالة مثلا الجامعة بين الحدوث والبقاء فان هذا المعنى ينطبق على مورد القاعدة والاستصحاب ولا يريد القائل باستفادتهما من عموم الاخبار الا هذا المقدار ( واما ) من جهة النقض والحكم فالمراد بهما أيضا عدم نقض اليقين الجامع بين الزائل والباقي ولزوم الجري العملي على طبقه وان لم يكن اليقين موجودا حين الجري العملي كما في مورد القاعدة ( فالأولى ) حينئذ الاشكال على اخذ الجامع بين القاعدتين في استفادتهما من الاخبار بما ذكرناه أولا ، من محذور الجمع بين اللحاظين في عبارة واحدة في اللحاظ المقوم لاطلاق النقض في ارجاع الشك إلى المتقين لكونه في القاعدة حقيقي وفي الاستصحاب مسامحي لعدم تعلق الشك فيه بعين ما تعلق به اليقين دقة بل بقطعة أخرى تكون عينه مسامحة لا دقة ( وبعد ) عدم امكان الجمع بين هذين اللحاظين في كلام واحد فلا بد من أن يكون بأحد النحوين ، اما الدقى أو المسامحي ( وفي مثله ) يتعين استفادة خصوص الاستصحاب


(244)
بقرينة الأسئلة الواردة في اخبار الباب وتطبيق الإمام (ع) حرمة النقض على الاستصحاب ، فلا يمكن حينئذ استفادة القاعدة منها ( ومع الغض ) عن ذلك نقول ان قوام الاستصحاب بعد أن كان باليقين بالثبوت والشك في البقاء ، كان التعبد به تعبدا ببقاء الشيء في ظرف الفراغ عن أصل ثبوته ، بخلافه في القاعدة فان التعبد بها ناظر إلى الحكم بأصل ثبوته ( ومن المعلوم ) حينئذ اقتضاء الجمع بينهما للجمع بين لحاظ المتيقن في مرحلة التعبد مفروغ الثبوت والتحقق تارة ، وعدم لحاظه كذلك أخرى وحيث لا يمكن ذلك ، فلابد من أن يكون بأحد النحوين اما بإرادة خصوص القاعدة أو الاستصحاب ، فيتعين الثاني بقرينة الأسئلة والتطبيقات الواردة في تلك الأخبار ( وهنا ) تقريب آخر في وجه عدم شمول الاخبار للقاعدة ، وهو ان الظاهر من كل عنوان مأخوذ في حيز الخطاب ومنه عنوان اليقين والشك في اخبار الباب ان يكون جريه بلحاظ حال النسبة الحكمية في الكلام ، ولازمه كونهما فعليا في ظرف الحكم والتعبد بعدم النقض ، ومثله مختص بالاستصحاب ، لان في مورد القاعدة لا يكون اليقين فعليا في ظرف التعبد بعدم النقض ( نعم ) يتوجه على هذا التقريب شبهة معارضة هذا الظهور مع ظهور النقض في النقض الحقيقي الملازم لحملها على إرادة القاعدة ( ولكن ) يمكن ترجيح الأول بملاحظة التطبيقات على النقض الادعائي فتدبر.
    ( تذنيبان ) ( الأول ) انه أورد الشيخ ( قدس سره ) اشكالا على القاعدة على تقدير شمول اخبار الباب لها ، وحاصله معارضة القاعدة دائما مع الاستصحاب ، لأنه ما من مورد يشك في ثبوت ما تيقن به سابقا كعدالة زيد يوم الجمعة الا ويعلم بعدم وجوده قبله ، ومع هذا العلم بالعدم والشك في الثبوت يجري فيه استصحاب عدمه ، كما تجري فيه القاعدة فيتعارضان ، لان مقتضى القاعدة ترتيب اثر عدالة زيد يوم الجمعة ، ومقتضى الاستصحاب المزبور عدم ترتب اثر عدالته يوم الجمعة ، ومع هذه المعارضة الدائمية لا يثمر شمول الاخبار لها شيئا ( وقد أورد عليه ) بانتقاض اليقين السابق بالعدم باليقين بالوجود في ظرف حدوث اليقين ، فكانت القاعدة


(245)
مقتضية لاعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق ( ويدفعه ) انه بعد تبدل اليقين بالوجود فعلا بالشك ، يكون انتقاض اليقين السابق بالعدم مشكوكا فعلا ، حيث يشك في بقاء العدم السابق واستمراره إلى زمان اليقين الزائل وبعده فيستصحب ( نعم ) يمكن ان يجاب عن اشكال الشيخ ( قده ) بمنع كون المعارضة دائمية كي توجب الغاء القاعدة بالمرة ، لأنه كثيرا يمكن فرض عدم جريان الاستصحاب ، اما لأجل توارد الحالتين أو من جهة عدم اليقين السابق ، اما لفرض الغفلة ، واما من جهة عدم الحالة السابقة ، فان في مثل تلك الموارد تجري القاعدة بلا معارضتها مع الاستصحاب.
    ( الثاني ) انه لو بنينا على شمول اخبار الباب للقاعدة فلا شبهة في مورد اليقين بالثبوت والشك فيه كما في اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة والشك فيها يوم الجمعة فيترتب آثار عدالته في يوم الجمعة من صحة الطلاق ونحوه ( وانما ) الكلام في صحة ترتيب اثر الاستصحاب عليه في فرض الشك في بقاء الحادث على تقدير حدوثه ، كما لو علم عدالة زيد يوم الجمعة فحصل له الشك بعد ذلك تارة في أصل عدالته ، أخرى في بقائها على تقدير ثبوتها ، حيث إن فيه ( وجهين ) أقربهما في النظر الجواز ، فان مجرد كون تطبيق إحدى القاعدتين على المورد في طول تطبيق الأخرى عليه لا يمنع عن ذلك ، إذ القاعدة على فرض مشموليتها للاخبار تكون بمنزلة الامارة المثبتة لأصل الثبوت وبذلك يتحقق موضوع الاستصحاب ، لان مفاد لا تنقض انما هو التعبد ببقاء ما ثبت عند الشك في بقائه ، فكل ثابت كان ثبوته بالوجدان أو بالتعبد إذا شك في بقائه يشمله دليل الاستصحاب ( وحينئذ ) فإذا جرت القاعدة وأثبتت عدالة زيد يوم الجمعة تترتب على ثبوت عدالته يوم الجمعة جميع الآثار التي منها وجوب التعبد بالبقاء ( بل يمكن ) دعوى عدم الفرق بين ان يكون للقاعدة اثر عملي آخر غير وجوب التعبد بالبقاء الذي هو مفاد كبرى حرمة النقض ، وبين ان لا يكون لها اثر الا هذا الأثر الاستصحابي ، كما لو كان الأثر العملي لخصوص البقاء لا للحدوث فتجري القاعدة وبعد جريانها يترتب الحكم بالبقاء بمقتضى الاستصحاب فتأمل.


(246)
    قد اجرى بعضهم الاستصحاب عند تعذر بعض اجزاء المركب الارتباطي لاثبات وجوب الباقي المتمكن منها ( وقد تقدم ) منا تفصيل الكلام في تنبيهات الأقل والأكثر ، واجمال الكلام فيه في المقام ، هو انه بعد ما استشكل وجوب الاتيان بما عدى الجزء المتعذر نظرا إلى ارتفاع التكليف المتعلق بالمركب لأجل تعذر بعض اجزائه وعدم اطلاق لدليله يقتضي وجوب الاتيان بما عدى الجزء المتعذر ( استدل ) لوجوب الاتيان بالباقي الممكن ، بوجوه ( منها ) الاستصحاب ، وتقريب التمسك به من وجوه ( الأول ) استصحاب مطلق الوجوب الجامع بين النفسي والغيري الثابت لما عدى الجزء المتعذر قبل تعذر الجزء وبعد طرو الاضطرار يشك في ارتفاع مطلق الوجوب الثابت للاجزاء الممكنة منها ، لاحتمال بقاء وجوبها ولو بتغيير صفة وجوبها فيستصحب ( الثاني ) استصحاب الوجوب النفسي الثابت للكل بتسامح من العرف في موضوعه بجعله عبارة عن الأعم من الواجد للجزء المتعذر أو الفاقد.
    له نظير استصحاب كرية الماء الذي نقص منه مقدار ( الثالث ) استصحاب الوجوب النفسي المردد بين تعلقه بالمركب على أن يكون المتعذر جزء له مطلقا ليسقط الوجوب عن البقية بتعذر الجزء ، وبين تعلقه به على أن يكون المتعذر جزءا اختياريا له ليبقى الوجوب بعد تعذره بحاله ( الرابع ) استصحاب الوجوب الضمني النفسي الثابت للاجزاء الممكنة منها سابقا في ضمن وجوب الكل ، حيث يشك في بقاء هذه المرتبة من الوجوب وارتفاعها فيستصحب وان كان يستتبع بقائه عند ارتفاع الوجوب عن الجزء المتعذر تبدل حده السابق بحد آخر ، نظير استصحاب بقاء مرتبة من اللون المتحقق في ضمن اللون الشديد المقطوع ارتفاعه إذا شك في ارتفاعها أو بقائها ولو بحد آخر ضعيف ( ولكن ) يرد على التقريب الأول مضافا إلى ما فيه من منع كون وجوب الجزء وجوبا غيريا ، لمنع مناط المقدمية للاجزاء كما حققناه في


(247)
محله ( انه انما يجري ) الاستصحاب ويكون من استصحاب القسم الثاني من استصحاب الكلى إذا كان ثبوت كل واحد من نحوي الوجوب مشكوكا بحيث يكون الثابت مرددا من الأول بين ما هو مقطوع الارتفاع في الزمان الثاني ، وما هو مقطوع البقاء ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد فعل ما يوجب رفع الأصغر ، وليس الامر كذلك في المقام ( وانما ) هو من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي الذي كان الشك في بقاء الكلى لاحتمال وجود فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم حدوثه ( فان ) ما علم ثبوته سابقا انما هو الوجوب الغيري الذي علم بارتفاعه ، والمحتمل بقائه هو الوجوب النفسي لاحتمال مقارنة مناطه لمناط الغيرية أو قيام مناطه مقام مناطها ، والاستصحاب في مثله غير جار قطعا الا إذا كان المحتمل بقائه من مراتب الفرد الذي ارتفع ، بان يكون من الحقائق التشكيكية شدة وضعفا ، وليس المقام من ذلك أيضا لوضوح مبائنة الوجوب النفسي وكونه غير سنخ الوجوب الغيري ( وثانيا ) ان الشك في بقاء وجوب الاجزاء المتمكن منها مسبب عن الشك في بقاء المتعذر على جزئيته حال تعذره ، فأصالة بقاء جزئيته للمركب يقتضى سقوط التكليف عن البقية ، ومعه لا ينتهي المجال إلى استصحاب بقاء وجوبها ( ودعوى ) مثبتية الأصل المزبور باعتبار ان ترتب سقوط التكليف عن البقية من اللوازم العقلية للاضطرار إلى ترك الكل الذي هو من اللوازم العقلية لترك الجزء ( مدفوع ) بأنه كذلك لولا كونه من اللوازم الأعم من الواقع والظاهر ، والا فلا ضير في ذلك ، نظير وجوب الإطاعة الذي هو من لوازم مطلق الوجوب الأعم من الواقع والظاهر ، فإنه كما أن من لوازم ثبوت الجزئية المطلقة للمتعذر واقعا سقوط التكليف عن الكل بتعذره لاقتضاء تعذره تعذر الكل والمركب ، كذلك من لوازم الجزئية الظاهرية أيضا سقوط التكليف الظاهري عن الكل بالاضطرار إلى ترك الجزء ( وتوهم ) انه لا معنى لاستصحاب الجزئية للمتعذر في حال تعذره ، لأنه بحسب مقام الدخل في المصلحة امر تكويني لا تناله يد التشريع ، وبالنسبة إلى التكليف الفعلي الذي هو منشأ انتزاع جزئيته الفعلية للمأمور به لا يكون التكليف قابلا للثبوت للقطع بارتفاعه


(248)
بتعذره ( مدفوع ) بان الجزئية لا يختص اعتبارها بالنحوين المزبورين ، بل لها اعتبار ثالث وهو اعتبار دخلها في المجعول عند جعل المركب واختراعه ، وفى هذه المرحلة كانت مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع فان للشارع في مرحلة جعل المركب اعتباره بنحو يدخل فيه الجزء المتعذر ، كما أن له اعتباره بنحو لا يدخل فيه ، وان كان منشأ هذا الاعتبار هي المصالح الواقعية ، وحينئذ فإذا كانت بهذا الاعتبار من المجعولات الشرعية فلا جرم يجري فيها الاستصحاب ( واما التقريب ) الثاني ، فيرد عليه انه لو يجدي ، فإنما هو إذا كان المتعذر من غير الاجزاء الركنية ، والا فيقطع بارتفاع الحكم ، ومعه لابد وأن يكون الشك في البقاء متعلقا بشخص حكم آخر محتمل التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاعه ولو لاحتمال حدوث مناط آخر في البين ، مع وضوح الفرق بين المقام وبين استصحاب الكرية للماء ، فان منشأ الشك في ذهاب الكرية هناك انما هو ذهاب البعض الذي احتمل دخله في وصف الكرية ، بخلاف المقام فان منشأ الشك في وجوب البقية ليس هو تعذر الجزء ، وانما منشأه هو الشك في جزئية المتعذر للمركب في حال تعذره مع الجزم بجزئيته للمركب قبل تعذره ودخله في شخص التكليف المتعلق بالمركب ، ومع هذا لا مجال لمقايسته المقام بما هناك فتدبر ( واما التقريب الثالث ) فقد أورد عليه بأنه من أردء أنحاء المثبت ، ولعله من جهة اقتضائه لاثبات كون متعلق التكليف عند تعذر الجزء ، ما عدى الجزء المتعذر ، والا فلا نفهم وجها لمثبتيته ( ولكن ) يمكن ان يقال ان المقصود في المقام من الاستصحاب انما هو مجرد اثبات التكليف للبقية ، لا اثبات كون موضوع التكليف من الأول هو الواجد للجزء في خصوص حال التمكن كي يتوجه شبهة المثبتية ( ولما التقريب ) الرابع للاستصحاب ، فالظاهر أنه لا بأس به في بعض فروض المسألة فيما كان الشك في بقاء وجوب البقية من جهة احتمال وجود مناط آخر يقتضي تبدل حده الضمني بحد آخر مستقل أو احتمال تبدل المناط السابق عند تعذر الجزء بمناط آخر مستقل يقتضي استقلال البقية في الوجوب ، إذ في أمثال ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الذات


(249)
المحفوظة بين الحدين الباقية دقة ولو في ضمن حد آخر ، نظير استصحاب بقاء أصل اللون المتحقق في ضمن الشديد منه سابقا فتدبر.
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس