الفصل الرابع عشر
أول نياحة على الحسين عليه السلام وآله في مصر
أما السيدة زينب أخت الحسين عليه السلام فكان وجودها في مدينة الرسول بعد عودتها مع السبايا كافياً لأن يلهب شعور الحزن والأسى على شهداء كربلاء وأن يؤلب الناس على الطغاة وسفاكي الدماء ، حتى كاد الأمر من جزاء ذلك يفسد على بني أمية ، فكتب واليهم بالمدينة الى يزيد : « إن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وأنها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين » .
وفور تسلم يزيد ـ في الشام ـ هذه الرسالة من عامله والي المدينة أمره يزيد بأن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار . فطلب الوالي الى السيدة زينب بأن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء ، فامتنعت في بادئ الأمر عن الخروج من المدينة ، لكنها نزلت في النهاية على رأي نساء بني هاشم ، فخرجت من المدينة ، ورحلت الى مصر . وقد وصلتها في أول شعبان سنة «61» هـ ، أي بعد مجزرة كربلاء بأكثر من سبعة أشهر .
واستقبلت من قبل أهالي مصر أعظم استقبال ، وساروا بها الى قرية قرب « بليبس » . وكان في مقدمة مستقبليها مسلمة بن مخلد الانصاري أمير مصر . فلما أطلت على المستقبلين أجهش الجميع بالبكاء وحفوا بركبها ، حتى إذ بلغت عاصمة مصر مضى بها « مسلمة » الى داره فأقامت بها قرابة عام .


( 92 )

وفي خلال هذه السنة التي أقامتها بمصر بذرت بذور الحركة المعادية لبني أمية ، وأثارت الرأي العام المصري ضد من قاموا بقتل الامام الحسين وآله وأصحابه في كربلاء ، كما أقامت المآتم الخاصة والعامة على أرواح هؤلاء الشهداء الميامين .
وقد ماتت السيد زينب عشية اليوم الرابع عشر من رجب ، سنة «62» هـ ولا زال قبرها منذ ذلك التاريخ حتى الآن في مصر مزاراً يفد اليه المسلمون للتبرك به .
وهكذا أخذت المآتم والمناحات تقام في مختلف المدن والقرى والقصبات والدساكر المصرية سراً وجهراً على شهداء الطف بكربلاء رغم ماكانت تلاقي من معارضة ومناهضة القائمين بالسلطة والحكم من الامويين ، وقد اتسع نطاق إقامة هذه المآتم والأحزان والنياحات على استشهاد الامام الحسين عليه السلام في مجزرة كربلاء في جميع أكناف وأرجاء القطر المصري تدريجاً ، وخاصة على زمن الفاطميين الذين أطلقوا الحرية للمصريين بمزاولة شعائر العزاء والحزن لسيد الشهداء عليه السلام طوال السنة وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم من كل سنة ، وخاصة يوم عاشوراء منه .
وفيما يلي أنقل بعض النتف التاريخية من أوثق المصادر عن إقامة شعائر المأتم الحسيني في القطر المصري منذ وطئت قدم السيدة زينب أرض مصر :
1 ـ جاء في « موسوعة آل النبي » قسم « بطلة كربلاء » صفحة «755» ما نصه : « بزغ هلال شعبان عام 61 هـ في اللحظة التي وطئت قدم السيدة زينب أرض النيل ، فاذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها . وساروا هكذا حتى بلغوا قرية بلبيس ، فقابلتهم هناك جموع اخرى آتية من عاصمة الوادي الطيب .
إنه مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد وعلمائها ، قد خرجوا للقاء بنت الزهراء والامام علي وأخت الامام الشهيد .
فلما أطلعت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الاستشهاد اجهشوا بالبكاء ، وحفوا


( 93 )

بركبها ، حتى إذا بلغت العاصمة مضى بها مسلمة الى داره ، فأقامت بها قرابة عام لم تر خلالها إلا عابدة متبتلة .
ثم كانت نهاية المطاف ، ماتت السيدة زينب عشية يوم الأحد ، لأربع عشرة مضين من رجب ، عام 62 هـ ، على أرجح الأقوال . وأغمضت العينان اللتان شهدتا مذبحة كربلاء وآن للجسد المتعب المضنى أن يستريح .
فمهدت لها الارض الطيبة مرقداً لينا في مخدعها ، وحيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة .
وبقي قبرها مزاراً مباركاً يفد اليه المسلمون حتى يومنا هذا من كل فج عميق .. » .
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ ايضاً في الصفحة «768» من موسوعتها ما يلي :
« أجل ، هي زينب التي دعلت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة ، وصيرت من يوم مقتله ماتماً سنوياً للاحزان والآلام » .
2 ـ وبهذه المناسبة نوجز كلمة عن المكان الذي قبرت فيه السيد زينب . إذ إن الخلاف بين المؤرخين في مكان قبرها كبير ، فبعضهم أقر بوجوده في مصر بمحله الحالي المعروف ، وآخرون قالوا : إنه في دمشق . وأفاد غيرهم : إنه في المدينة . وأنقل فيما يلي رأى العلامتين ، السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، والسيد محسن الأمين العاملي ، حسماً للخلاف . سيما وانهما الحجتان في مثل هذه المواضيع في هذا القرن ، واتبع ذلك بالمرويات عن النياحات الحسينية في مصر ، منذ وطئت قدم السيدة زينب تلك البلاد .
3 ـ جاء في الصفحة «256» من الجزء «6» من المجلد «3» من مجلة « المرشد » البغدادية ، بقلم العلامة الشهرساتي الحسيني ، ما نصه : « واختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب ، والمشهور انها دفنت في قناطر


( 94 )

السباع بمصر » .
وجاء في كتاب «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور» صفحة 235 ما يلي : «وعلى اختلاف الروايات ان للسيدة زينب مقامين : أحدهما بدمشق ، وهو مقصود من كل الجهات ، خصوصا من أهل الشيعة . والثاني بمصر ، وهو أشهر من الاول ، ولها أوقاف وايراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية ، ولها مسجد بمصر لم يوجد مثله » .
وقال صاحب دائرة المعارف البستاني ، مجلد «9» صفحة «355» .
« وللسيدة زينب ، بنت علي بن أبي طالب ، أخت الحسن والحسين ، مزار في قناطر السباع بمصر ، يزار ويتبرك به » .
كما أن السيد محسن الأمين العاملي ذكر ضمن مقال عن الشيعة الاسماعيلية ، في الجزء «3» من المجلد «16» من مجلة العرفان بأن « مزار القبر المنسوب الى السيدة زينب في دمشق هو قبر السيدة زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم ، بنت الامام علي عليه السلام . ويقع بقرية راوية ، على بعد فرسخ من مدينة دمشق : » إنتها كلام العلامة الشهرستاني الحسيني .
4 ـ أمّا العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد اشار الى هذا الموضوع في الجلد «33» في الصفحة «218» من موسوعته « أعيان الشيعة » حيث قال :
« وهذا المشهد ـ أي مشهد زينب في مصر ـ مزار ، معظم ، مشيد البناء ، بناؤه غاية الاتقان ، فسيح الأرجاء دخلته وزرته في سفري الى الحجاز بطريق مصر ، عام «1340 هـ » ويعرف بمشهد السيدة زينب وأهل مصر يتوافدون لزيارته زرافات ووحدانا ، وتلقى فيه الدروس وهم يعتقدون أن صاحبته زينب بنت علي بن أبي طالب ، حتى إني رأيت كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكر اسمه الآن ، ولا اسم مؤلفه وفيه : إن صاحبة هذا المشهد هي زينب بنت علي بن أبي طالب ... » .
وأنا أكتفي بهذا القدر من البحث عن قبر السيدة زينب ، وأعود الى موضوع


( 95 )

الرسالة في المناحة على الامام الحسين في مصر منذ صدر الاسلام .
5 ـ جاء في كتاب « الدلائل والمسائل » لمؤلفه السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ما نصه :
« وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر أقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً ، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً ، كما يخرج الرجال نهاراً ... » .
6 ـ جاء في الصفحة «66» في كتاب « دول الشيعة في التاريخ » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، ما نصه :
« وعن خطط المقريزي : إن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين ، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين ، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الاسواق ، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالازقة والاسواق ، ويأتون الى مشهد أم كلثوم ونفيسة ، وهم نائحون باكون . وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب : وكان من أفخم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين : الحسينية ، وهي بناء فسيح الارجاء ، تقام فيه ذكرى مقتل الحسين في موقعة كربلاء ، وأمعن الفاطمييون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة حتى أصبحت جزء من حياة الناس ... » .
7 ـ ورد في الصفحة «159» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه :
« وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة (1) الخواص : إن أبا عبيد الله النحوي بمصر قال : كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء ، فعوتب على ذلك فقال :
وقائل : لــم كحلــت عينــاً * يــوم استبــاحوا دم الحسيـن
فقلت : كفــوا ، أحــق شيء * تلبــس فيــه السـواد عينـي

____________
(1) تذكرة الخواص : 245 .


( 96 )

8 ـ ولم يكد يستولي صلاح الدين الأيوبي على مصر إلا وأخذ بالضغط على الشيعة فيها ومطاردتهم ، ومنعهم عن إقامة شعائر الحزن والعزاء على الامام الحسين عليه السلام وقد تواترت أخبار المؤرخين في ذلك ، واتفقت كلمتهم على ذلك وفيما يلي بعض مروياتهم :
9 ـ جاء في كتاب « إقناع اللائم » صفحة «3» نقلاً عن خطط المقريزي ، في جزئه الثاني ، صفحة «385» ما عبارته :
« فإنه ـ أي المقريزي ـ بعد ما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن ، تعطل فيه الاسواق ، قال : فلما دالت الدولة ، اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسعون فيه على عيالهم ، ويتبسطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام ، جرياً على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغوا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ، لأنه قتل فيه ... » .
ثم قال : « وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب ، من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط ... » .
10 ـ جاء في الجزء الأول القسم الأول من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «61» ما نصه :
« وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا ، وذلك من الظلم الفاحش . وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنه بني أمية والحجاج بالشام و غيرها ، وأحدث جعله عيداً بمصر ، ولم يكن معروفاً فيها بنص المقريزي » .
11 ـ ورد في الصفحة «92» من كتاب « الشيعة والحاكمون » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، عند ذكره مطاردة صلاح الدين الايوبي للفاطميين والشيعة في


( 97 )

مصر قوله : « وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا وأعاد يوم قتل الحسنين عيداً الذي قد سنه بني أمية والحجاج ... » .
12 ـ وبمناسبة ذكر المناحات على الامام الشهيد في مصر ، وتأييدها حيناً ومنعها أحياناً ، حسب رغبة الحكام فيها ، لا أجد ضيراً من الاشارة الى المكان الذي قبر فيه رأس الامام الشهيد عليه السلام بعد نقله من كربلاء الى الكوفة ، ثم الشام ، ثم عسقلان والقاهرة ، واختلاف المؤرخين والمحققين في المكان الذي دفن فيه في نهاية المطاف ، ورأي الأكثرية منهم في انهم نقل على عهد الفاطميين من عسقلان الى القاهرة حيث وري التراب في محله الحالي في القاهرة .
وهنا أكتفي برأي السيد حسن الامين ، المحقق المعاصر ، الذي أيد هذا الأمر في مقال تحقيقي نشرته له مجلة « العربي » الصادرة في الكويت ، بعددها «155» المؤرخ شعبان 1391 هـ حيث قال السيد الأمين ما نصه :
« لقد دفن سليمان بن عبد الملك الأموي الرأس في مقابر المسلمين ، ولكن لا في دمشق بل في مدينة عسقلان بفلسطين لأنه حدس بأن سيكون لمدفن الرأس شأن يوماً ما فلم يشأ أن يكون هذا الشأن في دمشق ، فأبعده الى عسقلان وفي العام «548 هـ» نقل الفاطميون الرأس من مدفنه في عسقلان الى مكانه الحالي في القاهرة ... » .
وقد كتب السيد الامين هذا البحث رداً على ما نشرته مجلة « العربي » بأن سليمان بن عبد الملك دفن الرأس في دمشق بمقابر المسلمين ، بعد نقله من مخازن الأسلحة فيها ، التي خزن فيها يزيد الرأس .

***


( 98 )



( 99 )

الفصل الخامس عشر
اول من رثى الحسين عليه السلام بعد دفنه
تقول الروايات : إنه لم يكن يجسر أحد من الشعراء وغيرهم على المجاهرة برثاء الحسين عليه السلام والبكاء عليه مدة ملك بني أمية وسلطانتهم ، عدا من شدّ مّمن كان يقول الأبيات المعدودة في الرثاء مجاهراً بها ، وبما يبديه من حزن وجزع وبكاء على الامام الشهيد عليه السلام ، وقد نقلت بعض الأبيات في رثائه التي قيلت على عهد بني أمية في أوائل ملك العباسيين .
ويستدل من هذه الابيات أن رثاء الامام عليه السلام والنياحة عليه في أوائل عهد العباسيين وفي أواخره تبارى شعراء الاسلام فيه . وكان في مقدمة هؤلاء الشعراء الشيعة الذين أكثروا في هذا الرثاء والنحيب ، نظراً لما لا قوه من الحرية نتيجة ضعف العباسيين . ولقد اختلفت الروايات وتباينت الأخبار في أول من قام بزيارة قبر الحسين عليه السلام وقبور آله وأصحابه ، ورثائه ، والنوح عليه وعليهم ، بعد أن تم دفن الاجساد من قبل أفراد من قبيلة بني أسد .
وقد تواترت هذه الروايات بأن أول هؤلاء الراثين والنائحين على القبر هو عبيد الله بن الحر الجعفي ، لقرب موضعه من ساحة الشهداء . كما أن هناك رواية أخرى تقول : إن سليمان بن قتة كان أول من زار هذه القبور وناح عليها .
وفيما يلي نبذة من هذه الروايات التي إن دلت على شيء فانها تدل على شدة اهتمام شيعة علي عليه السلام بمصرع ابنه عليه السلام فور علمهم به :


( 100 )

1 ـ جاء في الصفحات «120 ـ 121» من كتاب « الحسين في طريقه الى الشهادة » نقلاً عن « إرشاد » الشيخ المفيد ما نصه :
« ثم مضى الحسين عليه السلام حتى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به ، فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الخباء ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، قال : ادعوه إلي . فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي يدعوك . فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ماخرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها . والله ما أريد أن أراه ولا يراني فأتاه الرسول فأخبره . فقام الحسين فجاء حتى دخل عليه ، وسلم وجلس ، ثم دعاه الى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه اليه . فقال له الحسين : فان لم تكن (1) تنصرنا فاتق أن تكون ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك . فقال : أما هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله ، ثم قام من عنده حتى دخل رحله ... » (2) .
2 ـ وفي الصفحة «65» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية المار الذكر ما نصه :
« إن أول من زار قبر الحسين عليه السلام بعد مصرع الحسين ودفن الأجساد ، كما روي عن أبي مخنف ، هو عبيد الله بن الحر الجعفي ، الذي كان من شجعان العرب ومن شعرائهم الأفذاذ وكان من المحبين للامام علي عليه السلام وحضر معه معظم حروبه . وعندما سمع بقدوم الحسين خرج من الكوفة وأتى قصر بني مقاتل حتى نزله الحسين في طريقه الى كربلاء ... » .
وبعد أن يذكر الكاتب اجتماع الحسين بعبيد الله ، وامتناع هذا عن نصرة الحسين يقول :
« فودع الحسين عبيد الله بن الحر ، ثم سار الحسين الى كربلاء وترك عبيد الله
____________
(1) ليس في المصدر .
(2) ارشاد المفيد 2 : 81 .

( 101 )

في فسطاطه ، وبد رحيل الحسين أتى منزله على شاطئ الفرات فنزله . ولما كان مقتل الحسين جاء الى كربلاء ووقف على أجداث الشهداء ، وبكى بكاء شديدا ، واستعبر ، ورثى الحسين وأصحابه الذين قتلوا معه بعد أن جرى ما جرى بينه وبين ابن زياد ، ووقف باكياً متأوهاً ، منشداً قصيدة طويلة في رثاء الامام وندمه لعدم اشتراكه في القتال . وهذه الابيات من تلك القصيدة :

يقول أمير غـادر وابــن غــادر * ألا كنــت قابلت الشهيد بن فاطمـه
ونفسي على خــذلانـه واعتــزاله * وبيعــة هذا الناكث العهــد لائمـه
فيـا ندمـي أن لا أكـون نصــرته * ألا كـل نفـس لا تســدد نادمــه
ويـا ندمي أن لم أكن مـن حماتــه * لذو حســرة ما إن تفـارق لازمـه
سقــى الله أرواح الذيــن تـآزروا * على نصــره سقياً مـن الغيث دائمه
وقفــت على أجداثهــم ومجالهـم * فكاد الحشى ينفض والعيــن ساجمه
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى * سراعاً الى الهيجا حماة خضـارمـه
تآسوا على نصر ابن بنــت نبيهـم * بأسيافهم آسـا دغيــل ضراغمــه
فان تقتلـوا فكــل نفــس تقيـة * على الارض قـد اضحت لذلك واجمه
وما إن رأى الراؤون أفضـل منهم * لدى الموت سادات وزهراً قمـاقمـه
أتقتلهــم ظلمــاً وترجـوا ودادنا * فدع خطــة ليســت لنـا بملائمه
لعمري لقــد راغمتمونــا تقتلـم * فكــم ناقم منــا عليكم وناقمــه
أهم مـراراً أن أسيــر بجحفــل * الى فئـة زاغت عن الحق ظالمــه
فكفــوا وإلا زرتكــم في كتائـب * أشد عليكم مــن رصوف الديالمـه (1)

3 ـ جاء في الصفحتين « 237 ـ 238 » من تاريخ « الكامل » لابن الأثير المجلد الرابع وكذا في تاريخ « الرسل والملوك » حول حادث الجعفي ما نصه :
____________
(1) مقتل الحسين (ع) ، لابي مخنف : 245 .
( 102 )

« لما مات معاوية ، وقتل الحسين بن علي ، لم يكن عبيد الله بن الحر الجعفي من حضر قتله ، وتغيب عن ذلك تعمداً . فلما قتل الحسين جعل ابن زياد يتفقد الاشراف من أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه ، فقال له : أين كنت يا ابن الحر ؟ قال : كنت مريضاً ، قال : مريض القلب ، أم مريض البدن ؟ فقال : أمّا قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد من الله عليّ بالعافية ، فقال ابن زياد: كذبت ، ولكنك كنت مع عدونا . فقال : لو كنت معه لرأى مكاني . وغفل عنه ابن زياد فخرج ، فركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا: ركب الساعة . فقال : عليّ به . فاحضر الشرطة خلفه . فقالوا : أجب الأمير . فقال : أبلغوه عني أني لاآتيه طائعاً أبداً .
ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي ، فاجتمع اليه اصحابه . ثم خرج حتى أتى كربلاء ، فنظر الى مصارع الحسين ومن قتل معه فاستغفر لهم ، ثم مضى الى المدائن . وكان عبيد الله قد قال في هؤلاء الصرعى قصيدة :
« يقول امر غادر وابن غادر ... » الى آخر القصيدة .
وأقام ابن الحر بمنزله على شاطئ الفرات الى أن مات يزيد ... » .
4 ـ ذكر كتاب « الحسين في طريقه الى الشهادة » وكذا العلامة العاملي في أعيانه ، وسبط ابن الجوزي عن السدي في تذكرته ، وكذا المفيد بسنده عن إبراهيم بن داحة ما نصه :
« إن عقبة بن عمر العبسي أو السهمي وهو من بني سهم بن عون بن غالبة كان أول من ناح الحسين وزار قبره ، ورثاه بقصيدة ندرج بعض أبياتها تالياً وذلك في أواخر المائة الأولى من الهجرة . والأبيات هي :

مررت على قبر الحسين بكربلاء * ويسعد عيني دمعهــا وزفيرها
وناديت من بعد الحسين عصائباً * أطافت به من جانبيه قتــورها
إذا العيـن قرت في الحياة وأنتم * تخافـون في الدنيا فأظلم نورها



( 103 )

سلام على أهـل القبـور بكربلاء * وقل لها مني سلــام يزورهــا
سلام بآصال العشاء وبالضحـى * تؤديه نكباء الريــاح ومـورها
ولا برح الوفــاد زوار قبــره * يفوح عليهم مسكها وعبيرهـا (1)

5 ـ جاء في المجلد «25» من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «365» ما نصه :
« وقيل : إن سليمان بن قتة العدوي التيمي مر بكربلاء فنظر الى مصارع الشهداء فبكى حتى كاد أن يموت ، ثم قال هذه الأبيات . وكان مروره بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاثة أيام ، فنظر الى مصارع الشهداء ، واتكأ على فرس له عربية وأنشد . وهو المتوفى سنة 126 في دمشق . والأبيات هي :

مررت على أبيــات آل محمـد * فلم أرها أمثالها يــوم حلــت
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة * لقتل حسين والبـلاد اقشعــرت
وكانوا رجاء ثم أضحــوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايـا وجلـت

الى أن يقول :

وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلـّت
وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمها ناحت عليه وصلت(2)

وسليمان هذا هو مولى بني تيم بن مرة ، وانه كان منقطعاً الى بني هاشم :
وجاء في الصفحة نفسها من الأعيان لسليمان هذه الأبيات :

عين جودي بعبــرة وعويــل * واندبي إن ندبــت آل الرسول
تسعة كلهــم لصلــب علـي * قـد أصيبوا وسبعــة لعقيــل
وإندبي إن بكيت عونــاً اخاهم * ليس فيمــا ينوبهــم بخذول
وسمي النبي غــودر فيهــم * قد علوه بصــارم مصقــول

____________
(1) الامالي للشيخ المفيد 324 مع تقديم وتأخير في الشعر ، تذكرة الخواص : 242 .
(2) المجالس السنية 1 : 42 .

( 104 )

واندبــي كلهم فليــس إذا ما * عد في الخبر كهلهم كالكهــول
فلعمري لقد أصيب ذوو القربى * فابكى على المصــاب الجليـل
فاذا ما بكيت عيني فجــودي * بدموع تسيل كــل مسيــل

6 ـ جاء في كتاب « مجالس المؤمنين » ما يلي :
« إن المختار بن عبيد الله الثقفي بعد رجوعه من الحج أتى وسلم على القبر ، وقبل موضعه ، وأخذ بالبكاء وقال : يا سيدي ، قسماً بجدك وأبيك وأمك الزهراء ، وبحق شيعتك وأهل بيتك . قسماً بهؤلاء جميعاً ، أن لا أذوق طعاماً طيباً أبداً حتى انتقم من قتلتك .. » .
7 ـ في الصفحة «152» من كتاب « نهضة الحسين » نقلاً عن « المجالس السنية » (1) ما نصه :
« ومر ابن الهبارية الشاعر بعد سليمان بن قتة العدوي بكربلا ، فجلس على الحسين وأهله ، وقال بديهاً :

أحسين والمبعــوث جــدك بالهدى * قسماً يكون الحــق عنــه مسائلي
لو كنت شاهــد كربلاء لبذلت فـي * تنفيس كربك جهــد بـذل البـاذل
وسقيت حــد السيف مــن أعدائكم * عللاً وحــد السمهــري الذابــل
لكنني أخــرت عنــك لشقوتـي * فبلابلي بين الغــري وبــابــل
هبني حرمت النصر من أعدائكـم * فأقل من حـزن ودمــع سائــل

ويقال : إنه نام فرأى النبي فقال له : جزاك الله عني خيراً ، أبشر فإن الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين » .
8 ـ جاء في الصفحة «153» من « إقناع اللائم » ما عبارته :
« وعن المرزباني : أنه دخل أبو الرجح الخزاعي الى فاطمة بنت الحسين ،
____________
(1) المجالس السنية 1 : 42 .
( 105 )

فأنشد مرثية في الحسين منها :

أجالت على عيني سحائــب عبـرة * فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلــت
تبكي علـى آل النبــي محمــد * وما أكثرت في الدمــع لا بل أقلت
أولئك قوم لم يشجــوا سيــوفهم * وقد نكأت أعداؤهم حيــن سلــت
وإن قتيل الطف مــن آل هاشــم * أذل رقاباً مــن قريــش فــذلت

فقالت فاطمة : يا أبا الرجح هكذا تقول . قال : فكيف أقول ، جعلني الله فداك ؟ قالت : قل : أذل رقاب المسلمين فذلت . فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا ... » .

***