الفصل التاسع عشر
نياحة المشايخ والصحابة والعظماء على الحسين عليه السلام
أما حزن الصحابة ومن على شاكلتهم ، ونياحتهم على الامام الشهيد عليه السلام وفي مختلف العصور والأدوار ، فقد ملأت أخبارها بطون الكتب والأسفار ، وتحدث بها الركبان ، وتناقلتها الألسنة . وقد بدأ ذلك منذ وقوع الحادث المفجع وحتى الوقت الحاضر ، ولم تتقصر هذه النياحات على فئة خاصة ، من المشايخ ، والصحابة ، والأمراء والوزراء . والعلماء ، والعظماء ، والأماجد ، بل شملت جميعهم ..
وفيما يلي نأتي على ذكر طائفة قليلة من أسماء هؤلاء الذين ناحوا على الحسين وبكوه ورثوه وحزنوا عليه ، منذ اليوم الذي أحتز رأسه في ساحة كربلاء ، ثم نقل الى الكوفة ، ثم الى دمشق وغيرها من المدن والأمصار وخاصة منهم من كان قريب عهد بتلك المجزرة الرهيبة ..
1 ـ جاء في « الصواعق المحرقة » (1) لابن حجر ، و « تذكرة الخواص » (2) لسبط ابن الجوزي وغيرهما من رواة الحديث السنة :
انه روى ابن أبي الدنيا عند ذكر وضع رأسه الحسين عليه السلام بين يدي ابن زياد في الكوفة وضربه ثنايا الامام عليه السلام بالقضيب ما نصه :
____________
(1) الصواعق المحرقة : 118 .
(2) تذكرة الخواص : 231 .

( 140 )

« إنه كان عند ابن زياد الصحابي زيد بن الأرقم ، فقال لابن زياد : إرفع قضيبك ، فو الله لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل ما بين هاتين الشفتين . ثم جعل زيد يبكي . فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك ، لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك . فنهض زيد وهو يقول : أيها الناس ، أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، والله ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم ، فبعداً لمن رضي بالذل والعار .
ثم قال : يا ابن زياد ، لاحدثنك بما هو اغلظ عليك من هذا : رأيت رسول الله أقعد حسناً على فخذه اليمنى وحسيناً على فخذه اليسرى ، ثم وضع يده على يافوخيهما ، ثم قال : اللهم إني استودعك إياهما وصالح المؤمنين . فكيف كانت وديعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندك يا ابن زياد ؟.. » .
ونقل هذا الحادث الطبري (1) أيضاً بسنده عن حميد بن مسلم ، وأورده ابن الأثير في تاريخه باختصار . وكذا أبو حنيفه الدينوري في « الاخبار الطوال » ، وكذا « منتخب كنز العمال » للشيخ علي الهندي ، ولكن بعبارات قليلة الاختلاف .
2 ـ ومن التابعين الذين بكوا الحسين بغزارة الحسن البصري . ففي « تذكرة الخواص » لسبط ابن الجوزي : قال الزهري : « لما بلغ الحسن البصري قتل الحسين بكى حتى اختلج صدغاه . ثم قال : واذل أمة قتلت ابن بنت نبيها ، والله ليردّنّ رأس الحسين الى جسده ثم لينتقمن له جده وأبوه من ابن مرجانة » (2) .
3 ـ وممن بكى الحسين وكان قد رآه قبل استشهاده أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والربيع بن خيثم ، وأنس بن مالك وغيرهم .
فقد جاء في الصفحة «67» من كتاب « إقناع اللائم » ما عبارته :
____________
(1) تاريخ الطبري 4 : 349 .
(2) تذكرة الخواص : 240 .

( 141 )

« وفي تذكرة الخواص (1) : ذكر ابن سعد عن أم سلمة انها لما بلغها قتل الحسين قالت : أو فعلوها ؟ ملأ الله قبورهم ناراً ، ثم بكت حتى غشي عليها .. » . ونقل هذا الخبر في « الصواعق المحرقة » لابن حجر .
ويستطرد « إقناع اللائم » فيقول :
« ومن الصحابة الذين بكوا الحسين أنس بن مالك ، ففي « الصواعق المحرقة » (2) : ولما حمل رأسه ـ رأس الحسين ـ لابن زياد ، جعله في طست ، وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويدخله في انفه ، ويقول : ما رأيت مثل هذا حسناً ، إنه كان لحسن الثغر ، وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال : أشبههم برسول الله » . وروى هذا الحديث الترمذي وغيره .
4 ـ وفي الصفحة «71» من « إقناع اللائم » ما نصه :
« ومن الاُلى الذين بكوا على الحسين الربيع بن خيثم . ففي « تذكرة الخواص» (3) لسبط ابن الجوزي الحنفي ما نصه :
قال الزهري : لما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بكى وقال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحبهم وأطعمهم بيده ، وأجلسهم على فخذه .
5 ـ وجاء في الصفحة «156» من الكتاب نفسه ما عبارته :
وقال جعفر بن عفان ، وهو من أصحاب الصادق جعفر بن محمد ، يرثي الحسين :

لبيك على الاسلام مـن كان باكيا * فقد ضعيت أحكامه واستحلـت
غداة حسين للرمـاح دريئــة * وقد نهلت منه السيوف وعلـت
وغودر في الصحراء لحماً مبدداً * عليه عناق الطير باتت وظلت

____________
(1) تذكرة الخواص : 240 .
(2) الصواعق المحرقة : 300 .
(3) تذكرة الخواص : 240 .

( 142 )

فمــا نصرته أمة السوء إذ دعــا * لقـد طاشـت الأحلام منهـا وضلت
ألا بل محـوا أنــوارهم بأكفهــم * فلا سلمت تلــك الأكـف وشلـت
وناداهــم جهداً بحــق محمــد * فإن ابنه من نفسـه حيـث حلــت
فلا حفظوا قربى الرسول ولا رعوا * وزلت بهم أقدامهــم واستــزلت
أذاقته حــر القتل أمــة جــده * هفت نعلهــا في كربـلاء وزلـت
فلا قــدس الرحمن أمــة جـده * وإن هي صامــت للإله وصلـت
كما فجعت بنــت الرسول بنسلها * وكانوا حماة الحرب حيث استقلت (1)

6 ـ وممن بكى الحسين ورثاه الامام الشافعي . ففي الصفحة «157» من الكتاب نفسه ما عبارته :
« وفي البحار (2) : عن بعض كتب المناقب القديمة : أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي عن محيي السنة أبي الفتح احاد قال : أنشدني أبو الطيب البابلي ، أنشدني أبو النجم بدر بن إبرهيم بالدينور ، للشافعي محمد بن إدريس . وفي ينابيع المودة (3) قال الحافظ جمال الدين الزرندي المدني في كتاب « معراج الوصول في معرفة آل الرسول » : نقل أبو القاسم الفضل بن محمد المستحلي : إن القاضي أبا بكر سهل بن محمد حدثه قال : قال أبو القاسم بن الطيب : بلغني أن الشافعي أنشد هذه الأبيات .
أقول : وأوردها ابن شهر آشوب في المناقب (4) للشافعي . وهي :

تأوب همي والفـؤاد كئيــب * وأرق عيني والرقاد غريب
ومما نفى جسمي وشيب لمتي * تصاديف أيام لهـن خطوب

____________
(1) بحار الانوار 45 : 286 .
(2) بحار الانوار 45 : 273 ، وقد صححنا هذه الابيات كما وردت في البحار .
(3) ينابيع المودة 2 : 332 .
(4) مناقب ابن شهر آشوب 4 : 124 مع اختلاف فيه وزيادة ابيات فراجع .

( 143 )

فمن مبلغ عني الحسيــن رسالة * وإن كرهتها أنفــس وقلــوب
قتبلا بلا جــرم كأن قميصــه * صبيغ بماء الارجـوان خضيـب
وللسيف إعــوال وللرمـح رنة * وللخيل من بعد الصهيل نحيــب
تـزلزلت الدنيــا لآل محمــد * وكــادت لها صـم الجبال تذوب
يصلى على المهدي من آل هاشم * ويغزي بنــوه إن ذا لعجيــب
لئن كان ذنبــي حب آل محمـد * فذلك ذنــب لست منــه اتوب
تزلزلـت الدنيــا لآل مـحمـد * وكادت لهم صــم الجبال تـذوب
فمن يبلغن عني الحسين رسالـة * وان كرهتها أنفــس وقلــوب
قتيلا بلا جــرم كأن قميصــه * صبيغ بماء الأرجــوان خضيب
نصلي على المختار من آل هاشم * ونعزي بنيه إن ذلـك عجيــب
لئن كان ذنبــي حـب آل محمد * فذلك ذنــب لست عنــه أتوب
هم شفعائي يوم حشري ومـوقفي * وحبهم للشافعــي ذنــوب (1)

7 ـ وقال مؤلف « إقناع اللائم » في الصفحة «159» ما نصه :
قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص : ذكر جدي في كتاب التبصرة قال : إنما سار الحسين الى القوم ، لأنه رأى الشريعة قد دثرت فجد في رفع قواعد أصلها . فلما حصروه فقالوا له : انزل على حكم ابن زياد . فقال : لا أفعل ، واختار القتل على الذل . وهكذا النفوس الأبية ، ثم أنشد جدي رحمه الله :

ولما رأوا بعــض الحياة مذلــة * عليهم وعــز الموت غير محرم
أبوا أن يذوقوا العيش والذل واقع * عليه وماتوا ميتــة لم تذمــم
ولا عجب للاسد إن ظفرت بها * كلاب الأعادي من فصيح وأعجم
فحربة وحشي سقت حمزة الردى * وحتف علي من حسام ابن ملجم (2)

____________
(1) ينابيع المودة 2 : 332 .
(2) تذكرة الخواص : 245 .

( 144 )

8 ـ جاء في الصفحة «22» من تاريخ « الكامل » (1) لابن الأثير ، المجلد الثامن ، في حوادث سنة «294 هـ» ، ما نصه :
« لما توفي القداح قام بعده ابنه أحمد ، وصحبه إنسان يقال له : رستم بن راذان النجار ، من أهل الكوفة ، وكانا يقصدان المشاهد . وكان باليمن رجل اسمه محمد بن الفضل ، كثير المال والعشيرة ، من أهل الجند ، يتشيع . فجاء الى مشهد الحسين بن علي يزوره ، فرآه أحمد ورستم يبكي كثيراً . فلما خرج اجتمع به أحمد وطمع فيه لما رأى من بكائه ، والقى اليه مذهبه فقبله ، وسير معه النجار الى اليمن » .
9 ـ في الصفحة «526» من كتاب « مقاتل الطالبيين » السالف الذكر ، في حوادث سنة «199 هـ» ، عند ذكر قصة لحاق أبي السرايا السري بن المنصور بمحمد بن إبراهيم بن اسماعيل طباطبا ، وقيامهما ضد السلطة العباسية ، قوله :
« وأقبل أبو السريا على طريق البر حتى ورد عين التمر ـ وهي شفاثا الحالية بالعراق ـ في فوارس معه لا راجل فيهم ، وأخذ على النهرين حتى ورد الى نينوى ، فجاء الى قبر الحسين عليه السلام . قال نصر بن مزاحم : فحدثني رجل من أهل المدائن قال : إني لعند قبر الحسين في تلك الليلة وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر ، إذ بفرسان قد أقبلوا فترجلوا ، ودخلوا الى القبر ، فسلموا ، وأطال رجل منهم الزيارة ، ثم جعل يتمثل أبيات منصور بن الزبرقان الثمري وهو يبكي :

نفسي فداء الحسين يوم عدا * الى المنايــا عــدو الأقافل

ثم أقبل عليّ وقال : ممن الرجل ؟ قلت : رجل من الدهاقين من أهل المدائن (2) .
10 ـ في الصفحة «21» من كتاب « مدينة الحسين » المار ذكره ما عبارته :
« روى الطوسي في اماليه ، بسنده عن أبي علي القماري .
____________
(1) تاريخ الكامل لابن الأثير 8 : 30 سطر أول .
(2) الكامل لابن الأثير 8 : 29 مع اختلاف فيه .

( 145 )

ومما يجب الاشارة اليه في هذه الفترة من الزمن : أنه في حوادث أواسط المائة الثانية من الهجرة سأل أحد المسيحيين المدعو يوحنا بن سرافيون بن موسى بن سريع أحد زملائه من المسلمين : لمن هذا القبر الذي يحجه المسلمون على شاطئ الفرات ؟ فقيل له : قبر الامام الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين عليه السلام قتيل الطف . فعند ذلك خرج يوحنا قاصداً كربلاء في صفوف الزائرين ، وشاهد ما يعمله المسلمون المحبون لأهل البيت من النياح والبكاء عند القبر المطهر ، ثم يتبركون بتربة القبر .. وعلى أثره استسلم يوحنا وأخذ يزور قبر الحسين كل مرة مع الزائرين والوافدين الذين يقصدون زيارة قبر الحسين عليه السلام » .
11 ـ وفي الصفحة «110» من الكتاب نفسه ما عبارته :
« كما روى ابن الأثير : إنه وفد الى كربلاء ، صبيحة يوم العرفة سنة «296 هـ» ، أحد أقطاب الشعوبيين المدعو أحمد بن عبد الله القداح ابن ميمون الديصان وبرفقته أحد دعاتهم ، المدعو رستم بن الحسين النجار ابن جوشب بن دادان الكوفي ، وصادف عند وصولهم الحائر وجود محمد بن الفضل اليماني ، الذي كان قادماً من اليمن لزيارة قبر الحسين ، ومحمد هذا من رجال المال والثراء والعشيرة في اليمن ، يتبعه كثير من الجند والخيل ، فشاهده يكثر البكاء عند قبر الحسين ، فاستغل ابن القداح كثرة بكائه ، ولما انتها من الزيارة وهم بالخروج من الحائر تبعه حتى اجتمع اليه وأفشى له سره ، معلناً له مطالبته بدم الحسين ، الأمر الذي دعا بمحمد أن يطاوعه وراح يشد أزرهم بماله ورجاله ، فتعاقدوا على بث الدعاية للخليفة الفاطمي ، محمد بن عبيد الله بن أحمد بن حسين بن عبد الله بن محمد بن اسماعيل بن الامام جعفر الصادق القائم بالقيروان » .
12 ـ وجاء في الصفحة «119» من الكتاب نفسه ما هو آت ، عند ذكر زيارة الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن فريد ، أبو الأغر الأسدي ، للمرقد الحسيني سنة «513 هـ» قال :


( 146 )

« قال : ولما ورد كربلاء دخل الى الحائر الحسيني باكياً حافياً ، متضرعاً الى الله أن يمن عليه بالتوفيق ، وينصره على أعدائه ... » .
هذه نبذة موجزة جداً عن أسماء بعض الصحابة والتابعين والأمراء وغيرهم ممن زاروا قبر الحسين بكربلا وبكوه ورثوه ، جئت بها على سبيل الايجاز ، إذ لو أردت إيراد التفاصيل في هذا الفصل لطال بي الكلام .

***


( 147 )

الفصل العشرون
النياحة على الحسين عليه السلام في عهد الأمراء البويهيين
لقد اتسع نطاق إقامة المناحات ومجالس العزاء على الحسين عليه السلام على عهد آل بويه ، في أواسط الحكم العباسي ، وقد أحيا هؤلاء الأمراء ورجال السلطة البويهية ما كان قد سبق من ذكريات هذه المناحات وشعارات المآتم ، وأضافوا عليها كثيراً من الحالات ، رغم معارضات ومخالفات معظم الخلفاء العباسيين لهم . ولم يقتصر إحياء هذه الذكريات والشعائر المؤلمة من قبل البويهيين على العراق ، بل تعداه الى سائر البلدان الاسلامية ، كمصر ، وشمال إفريقية ، وبعض البلدان العربية الأخرى ، وإيران ، وغيرها .
وإنه وإن لم يكن الأمراء البويهيون أول من أقام المناحة والعزاء والمآتم على الامام الحسين عليه السلام ولكنهم كانوا أول من وسعوها وأخروجوها من دائرة النواح الضيقة ، في البيوت والمجالس الخاصة والنوادي الهادئة ، وعلى قبر الامام الشهيد عليه السلام بكربلا ، الى دائرة الأسواق العلنية والشوارع المتحركة ، وتعويد الناس على اللطم على الصدور .
ولقد استمرت عادة النياحة على الامام الحسين عليه السلام واتسعت شعاراتها خلال مدة حكم آل بويه في العراق وإيران .
ذلك الحكم الذي ابتدأ سنة «334 هـ» وانتهى في سنة «467 هـ» . وقد سقطت في فترة هذا الحكم السلطة من أيدي الخلفاء العباسيين ولم يبق لهم فيه غير الاسم


( 148 )

المجرد ، إذ كانت السلطة الحقيقية بيد البويهيين .
وفيما يلي بعض ما روته كتب التاريخ ومؤلفات السير عن النياحة على عهد البويهيين :
1 ـ ذكر كتاب « مدينة الحسين » في سلسلته الثانية ، عند البحث عن خدمات آل بويه في العراق والعتبات المقدسة ما عبارته :
« وهم ـ أي آل بويه ـ أول من بادروا بتخليد ذكر الحسين عليه السلام يوم عاشوراء إذ في محرم سنة 352 هـ أمر السلطان معز الدولة الذي استولى على بغداد سنة 334 هـ ، علىعهد الخليفة المستكفي ، بتعطيل الأسواق ، وشل حركة البيع والشراء وأن يسقوا الماء بنصبهم القباب في الاسواق ، وخرجن النساء يلطمن وجوههن وينحن على الحسين عليه السلام . وبقيت هذه العادة مستمرة في كل عام من يوم عاشوراء حتى أواسط القرن السادس ، على عهد السلاجقة ... » .
2 ـ جاء في الصفحة «372» من المجلد الأول من « موسوعة العتبات المقدسة » المار ذكرها ، نقلاً عن كتاب « تاريخ الشيعة في الهند » لمؤلفه الدكتور هولبيستر ما نصه :
« وكان معز الدولة البويهيي في أيام تفوق البويهيين وحكمهم في بغداد هو الذي أدخل عادة إحياء الذكرى المؤلفه للحوادث التي وقعت في محرم ، وعين فترة الحداد ، فكانت بموجبه تغلق الأسواق ويعطل القصابون أعمالهم ويتوقف الطباخون عن الطبخ ، وتفرغ الأحواض والصهاريج بما فيها من الماء ، وتوضع الجرار مغلقة باللباد في الشوارع والطرق ، وكانت النساء يمشين بشعور منشورة ، وأوجه مسودة ، وملابس ممزقة ، يلطمن الخدود ويولولن ، حزناً على الحسين الشهيد ، وكانت تقرأ في ذلك اليوم المراثي والمناحات كذلك .
وإن عادة إعلان الحداد العام خلال العشرة الاولى من محرم الحرام كانت أعظم ابتداع ابتدعه معز الدولة البويهي وكان هذا الأمر قد أصدره سنة 963 م ،


( 149 )

فحتم على الناس إحياء الذكرى السنوية لمقتل الحسين . وقد استمرت هذه العادة منذ ذلك الوقت وأصبحت أشهر العادات وأبعدها صيتاً بين العادات والأعراف الشيعية المألوفة ... » .
3 ـ ذكر السيد جواد الشهرستاني في الصفحة «160» من كتاب « نهضة الحسين » ختاماً لكتاب والده هذا ، ما نصه :
« وقد سجل التاريخ اهتمام معز الدولة البويهي ، وسائر الملوك البويهيين ، في الدولة العباسية ببغداد ، عام «352 هـ» ، بشأن إقامة مآتم الحسين وإبرازها في هيئة مواكب خارج البيوت . فكانت النساء يخرجن ليلاً ، ويخرج الرجال نهاراً ، حاسري الروؤس ، حفاة الأقدام ، تحيتهم التعزية والمواساة بمأساة الحسين عليه السلام . ولا تزال هذه العادة الى الآن في مدن العتبات المقدسة ، في العراق وإيران ... » .
أقول : إنها لم تقتصر على العتبات المقدسة ، ولم تقتصر أيضاً على العراق وايران ، وإنما هي عادة متبعة في معظم بلدان العالم الاسلامي وقراها وقصباتها ..
4 ـ ذكر الشيخ عبد العزيز جواهر الكلام ، في الصفحة «11» من المجلد الأول من تأليفه « آثار الشيعة الامامية » ، عند ترجمة حياة معز الدولة أحمد بن بويه قوله :
« وكان متصلباً في التشيع ، أمر الناس بإقامة المأتم للحسين الشهيد عليه السلام في العشرة الأولى من محرم ، واستمرت عليها الشيعة من ذلك الحين ... » .
5 ـ قال مؤلف « بغية النبلاء » السالف الذكر ، في الصفحة «68» ما عبارته :
« وكان آل بويه يناصرون الشيعة ، وقد استكمل التشيع على عهدهم ، حتى أن معز الدولة أمر سنة «352 هـ» بإقامة المآتم في عاشوراء . وكان ذلك أول مأتم أقيم في بغداد ... » .
أقول : لم يكن هذا أول مأتم في بغداد ، بل سبقته مآتم كثيرة فيها ، كما مر ذكر ذلك في الفصول المتعاقبة ، إلا إذا أريد بأنه كان أول مأتم عام في الاسواق


( 150 )

والشوارع ببغداد .
6 ـ جاء في الصفحة «198» من المجلد الثالث ، من كتاب « قهرمانان إسلام » باللغة الفارسية ، أي : « أبطال الإسلام » لمؤلفه علي أكبر تشيد ، ما ترجمته :
« وكان معز الدولة الديلمي قد أصر بمزاولة عادة إقامة المأتم في يومي تاسوعاء وعاشوراء في بغداد وصارت الجماعات من القائمين بهذه المآتم تجوب أسواق بغداد ، بأعلامها الخاصة ، لاطمة صدورها ورؤوسها . كما أن السلطان معز الدولة البويهي كان يرتدي رداء الحداد والحزن ، ويتقدم عسكره المشترك في هذا المأتم . وهذه العادة التي لا زالت متداولة حتى الآن في الأقطار الاسلامية هي من آثار معز الدولة الممتازة وكان معز الدولة سلطاناً عادلاً ، وتوفي سنة 356 هـ ... » .
7 ـ جاء في الصفحة «55» من كتاب « تاريخ الامامين الكاظمين » لمؤلفه الشيخ جعفر نقدي ، ما نصه :
« وكان معز الدولة البويهي مع وزرائه وأعيان دولته يزور الامامين عليهما السلام في كل خميس ، وكان يبيت مع هؤلاء ليلة الجمعة في بيت فخم أعده حول المشهد ، ثم يرتحل نهار الجمعة بعد تجديد الزيارة الى محل الحكم » .
وفي سنة «352 هـ» أمر بإقامة العزاء لسيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام في شهر محرم ...
وأمر الناس ببغداد أن يغلقوا دكاكينهم في العاشر منه ويعطلوا الأسواق والبيع والشراء ، وأن يظهروا النياحة ، ويلبسوا قباء عملوها بالمسوح ، وأن يخرج الرجال والنساء ، لاطمي الصدور والوجوه ، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعّزونهما بالحسين عليه السلام .
وبقيت هذه السنة في العراق مدة الحكم البويهي . والعزاء الحسيني الذي يقام اليوم من آثار تلك السنة الكريمة ... » .
أقول : وهكذا كان معز الدولة البويهي قد أمر بالضرب على الصدر علناً


( 151 )

بهذه الكيفية التي نشاهدها اليوم ، وأيده العلماء والفقهاء في عصره الى يومنا هذا .
8 ـ علق الشيخ محمد جواد مغنية في الصفحة «28» من كتابه « دول الشيعة في التاريخ » على قول السيد مير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب : وهو أي معز الدولة البويهي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعه كربلاء . علق على ذلك بما نصه :
« أي جعله يوم حزن بصفة رسمية ، تعطل فيه الدوائر الحكومية وتقفل الأسواق ، وإلا فإن هذا اليوم هو يوم حزن عند الشيعة قبل المعز ، ومنذ اليوم الأول الذي استشهد فيه سيد الشهداء عليه السلام .. » .
9 ـ قال ابن الاثير في حوادث سنة «352 هـ» ما عبارته :
« في هذه السنة أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم في عاشر المحرم ، ويعطلوا الأسواق والبيع الشراء ، ويظهروا النياحة على الحسين ، ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنة قدرة على المنع ؛ لكثرة الشيعة ؛ ولأن السلطان منهم ... » (1) .
واستطرد ابن الاثير في حوادث سنة «389 هـ» وقال : « وكذلك عمل السنة في 18 محرم مثل ما عمل الشيعة يوم عاشوراء ، وقالوا : هو يوم قتل فيه مصعب بن الزبير ... » (2) .
10 ـ جاء في الصفحة «40» من كتاب « دول الشيعة في التاريخ » المار الذكر ، ما لفظه :
« وما اقتصر آل بويه في خدمة التشيع على مظاهر الفرح يوم الغدير ، وشعائر الحزن يوم عاشوراء ، بل كانوا يبذلون جهدهم في خدمة أهل البيت بشتى الوسائل » .
11 ـ وفي الصفحة «38» من نفس الكتاب ، نقلاً عن كتاب مختصر تاريخ
____________
(1) الكامل لابن الأثير 8 : 549 .
(2) الكامل لابن الأثير 9 : 155 .

( 152 )

العرب للسيد مير علي يقول :
« وكان معز الدولة محباً للفنون والعلم ، وهو الذي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء .. » .
وقد علق الشيخ مغنية على هذا القول : « بأنه جعله يوم حزن بصفة رسمية » كما مر ذلك .
12 ـ قال محمد كرد علي في كتابه « خطط الشام » صفحة «251» عن فرقة المتأولة ـ أي الشيعة ـ عند ذكر مأتم الحسين ما نصه :
« ويجتمع الشيعة في أيام عاشوراء ، فتقيم المآتم على الحسين بن علي شهيد كربلاء عليه السلام وعهدهم بذلك بعيد يتصل بعصر الفاجعة . وأول من رثاه أبو باهل الجمحي بقصيدة يقول فيها :

تبيت النشاوى من أمية نوماً * وبالطف قتلى ما ينام حميمها (1)

والظاهر من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب الأغاني (2) : أن هذه الاجتماعات للمآتم كانت معروفة في زمانه ثم إن بني بويه أيام دولتهم عنوا بها مزيد العناية ، ولا تزال الى اليوم تقام في جميع أقطار الشيعة وليست هي من المفروض كما يتوهم بل يستحبونها ، لأنها تصدر عن ولاء ومحبة .. » .
وعلى ذكر ديك الجن ، الشاعر الشهير ، وحضوره بعض اجتماعات المآتم الحسينية أنقل تالياً بعض الأبيات المنقولة عنه في البكاء على الامام الشهيد عليه السلام ورثائه ، وهي :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمد * مترمــلاً بدمائــه تـرميلا
وكأنما بك يابن بنت محمــد * قتلوا جهارا عامدين رســولا
قتلوك عطشانا ولما يرقبــوا * في قتلك التنزيــل والتأويلا

____________
(1) الأغاني 7 : 138 والصحيح أن الشاعر أبو دهبل كما ورد .
(2) الأغاني 14 : 51 .

( 153 )

ويكبــرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بــك التكبير والتهليلا (1)

وديك الجن ، هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، وقد توفي سنة 236 ، أو 235 هـ .
13 ـ جاء في الصفحة «84» من كتاب « تاريخ كاظمين » باللغة الفارسية . لمؤلفه ميرزا عباس فيض ، ما ترجمته :
« وفي عاشوراء سنة 423 هـ 1031 م وعلى عهد جلال الدولة البويهي ، اجتمع لفيف من شباب الشيعة الامامية من سكان الكرخ في مسجد براثا وارتقى الخطيب المنبر ، وشرع في بيان النهضة الحسينية وأسباب قيام الامام عليه السلام ضد الظلم والبغي والاستبداد ، ثم سرد فاجعة يوم عاشوراء سنة «61 هـ» وما جرى على الحسين الشهيد وآله وصحبه ، من فتك وقتل وسبي ، على يد جلاوزة بني أمية . مما أثار شعور المسلمين وألهب فيهم روح الحماس ، وبعد نزول الخطيب من المنبر تكتل المجتمعون الذين جاشت عواطفهم في هذا اليوم الفجيع والتحقق بهم عدد كبير من سكان تلك النواحي وساروا نحو المشهد الكاظمي ، لاطمين على صدورهم ورؤوسهم ، باكين نائحين ، ومرددين عبارات الحزن والأسى غير آبهين بأي شيء . ومهرولين تحت تأثيرحماء الحزن والكآبة لفاجعة كربلاء من ذلك المسجد حتى انتهوا الى مشهد الامامين الكاظمين ، وقد أقاموا فيه المناحة والنياحة طيلة ذلك اليوم ، مما لم يسبق له مثيل حتى ذلك التاريخ ... » .
14 ـ جاء في الصفحة «286» من تاريخ الكامل لابن الأثير المجلد التاسع في حوادث سنة 422 هـ ، ما نصه :
« زار الملك جلال الدولة ، أبو طاهر ، بن بهاء الدولة ، بن عضد الدولة ، بن بويه مرة مشهدي علي والحسين عليهما السلام . وكان يمشي حافياً قبل أن يصل الى كل
____________
(1) بحار الأنوار 45 : 244 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 117 ، وفي كلا المصدر بن عز خالد بن معدن .
( 154 )

مشهد منهما نحو فرسخ ، يفعل ذلك تديناً ... » .
15 ـ جاء في الصفحة «87» من كتاب « التشيع والشيعة » لمؤلفه أحمد الكسروي ، عند ذكر آل بويه ما نصه :
« فمن الواضح أن الشيعة قد رجوا من ذكر مصاب الحسين والنواح عليه فوائد لهم . والظاهر من الكتب أنهم ابتدأوا بها من زمن آل بويه في بغداد ، حيث كان التنافس بين الفريقين شديداً ، والمشاحنات دائبة . كان السنيون يتخذون عاشوراء يوم سرور لهم لأنها عندهم من الأيام المتبركة ، والشيعة يتخذونها يوم غم ومأتم ، فيجتمعون في مجتمع ، أو ينشد لهم المنشد أشعاراً ، فيبكون وينوحون .. » .
16 ـ ذكر ابن كثير المتوفى سنة «774 هـ» في تاريخه « البداية والنهاية » ما نصه :
« إنه في سنة 352 هـ أمر معز الدولة أحمد بن بويه في العشر الأول من المحرم ببغداد بإغلاق جميع أسواق بغداد ويبطلون البيع والشراء ، وأن يلبس الناس السواد وأن يقيموا مراسم العزاء ويظهرون النياحة ، وأن يخرج الرجال والنساء لاطمي الصدور والوجوه ، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعزونهما بالحسين عليه السلام . والعزاء الحسيني الذي يقام الآن في العالم الاسلامي هو من آثار تلك السنة . وقد توفي معز الدولة سنة 356 هـ ودفن في داره ثم نقل الى مقابر قريش حيث بني له مشهد فيها » .

***

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني