الفصل الثاني
عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها

المبحث الأول :
عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين
    يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما ، حتى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.
    فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق ، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين ، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :

أولاً : المواظبة على الطاعات :
    الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي « الصلاة » في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ على سلوكه وتعامله مع


( 46 )

عائلته ، لا سيّما وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( .. وَأقِمِ الصَّلأةَ إنَّ الصَّلأةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ.. ) (1).
    ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء ، أمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة ، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل عليه السلام السوّي ، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (2).
    كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني : ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (3).
    فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تقربهما إلى الله تعالى وتبعدهما عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال
____________
1) سورة العنكبوت : 29 | 45.
2) سورة مريم : 19 | 54 ـ 55.
3) سورة طه : 20 | 131 ـ 132.

( 47 )

النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء » (1).
    وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر إلى أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها ، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام : « .. يا علي ثمانية لايقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط.. » (2).
    من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوى وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالى : ( يا أيُّها الَّذينآمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتّقون.. ) (3).
    وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لاخلاص الخلق.. » (4). ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.
    ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء عليها السلام أنها قالت : « ما يصنع الصائم بصيامه إذا
____________
1) سنن أبي داود 2 : 70 | 1450 باب الحث على قيام الليل. ط ـ دار الفكر.
2) مكارم الأخلاق | الطبرسي : 500.
3) سورة البقرة : 2 | 183.
4) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 512 | حكم 252.

( 48 )

لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه » (1). فهو يقوم بعملية ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين ، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « والصيام والحجّ تسكين للقلوب » (2).

ثانياً : ممارسة المندوبات :
    وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات ، فتساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية ، وتحيط حياتهما الزوجية بهالة من الروحانية ، وقبل كل ذلك تقربهما إلى الله زلفى ، قال الإمام الكاظم عليه السلام : « صلاة النَّوافل قُربان إلى الله لكلِّ مؤمن » (3).
    ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات ، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب ، وقشع غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة ، قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألأ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (4).
    ثم إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحية ، بل يشتمل الجوانب السلوكية أيضاً ، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة ، وتحقق الحياة الطيبة والسعيدة لأفرادها ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر » (5) ، وقال أيضاً : « اذكروا الله ذكراً خالصاً ،
____________
1) دعائم الإسلام : 268 ، وبحار الأنوار 96 : 295.
2) أمالي الطوسي 1 : 302 ، وبحار الأنوار 78 : 183.
3) تحف العقول : 403.
4) سورة الرعد : 13 | 28.
5) غرر الحكم ح 8872.

( 49 )

تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طرق النجاة » (1).
    وما يعزز ذلك نجد أن بيوت الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام خاصة تخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المتبادل ، وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.
    ذكر صاحب مجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (2). ( أنّه سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ الآية ، أيّ بيوتٍ هذه ؟ فقال : « هي بيوت الأنبياء » فقام أبوبكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها ؟ يعني بيت علي وفاطمة عليهما السلام ، قال « نعم ، من أفضلها ». ويعضد هذا القول قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3) وقوله : ( رَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ عَليكُم أهلَ البيتِ ) ) (4).
    من جهة ثانية نجد أن البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرض عن ذكره ، تكون عرضة للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين ، وينفرط فيما بينها عقد المحبة والاُلفة ، كما أخبر تعالى : ( ومَن أعرضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً.. ) (5).
    وينبغي الاشارة هنا إلى أن صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تساهم في
____________
1) تحف العقول : 20 حكم ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام.
2) سورة النور : 24 | 36.
3) سورة الأحزاب : 33 | 33.
4) مجمع البيان | الطبرسي 5 : 50 ـ 51 | 19 منشورات مكتبة الحياة ـ بيروت.
5) سورة طه : 20 | 124.

( 50 )

رفع المؤشر الروحي للزوجين ، وتدخلهما في عداد الذاكرين ؛ لذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً ، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات » (1).
    أضف إلى ذلك أن الصوم المندوب يُطهر القلب والصدر من الوساوس والشكوك والنوايا السيئة التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجية ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « .. صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر ، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان ، يذهب بوساوس الصدر وبلابل القلب » (2).

    ثالثاً : اجتناب المعاصي والآثام :
    ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تسبب قساوة القلوب ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب » (3).
    ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الاحساس وضعيف العاطفة تجاه العائلة ، ويتعامل معهم في منتهى القسوة ، ثم إن الذنوب تجلب البلاء وتنقص الرزق ، قال الإمام علي عليه السلام محذّراً : « .. توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلاّ بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة » (4).
    وهناك صنف من الذنوب تنعكس آثارها السلبية مباشرة على الاُسرة
____________
1) سنن أبي داود 2 : 70 | 1451 باب الحث على صلاة الليل.
2) الخصال ، للصدوق 2 : 612 | 400 منشورات جماعة المدرسين ـ قم طبع 1403 هـ.
3) علل الشرائع ، للصدوق : 81 | 74 باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.
4) الخصال ، للصدوق 2 : 616 | 400.

( 51 )

كشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وقد جاءت الاشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « الذنوب التي تغير النِّعم البغي... والتي تهتك الستر شرب الخمر والتي تحبس الرزق الزنا ، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم ، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين » (1).

    المبحث الثاني :
عناية الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجـين


أولاً : جانب التربية :
    لقد أولى الإسلام عنايته الفائقة لجانب التربية في الاُسرة ، ويتضح لنا ذلك من خلال جملة من التعاليم التربوية العالية التي طلب من الزوجين مراعاتها والعمل بها ، وسوف نشير هنا إلى أبرزها :
أ ـ الحب المتبادل :
    الحبُّ المتبادل يشكّل سوراً عاطفياً يحيط بأفراد الاُسرة ، ويشيع أجواء الاُلفة والودّ فيما بينهم ، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعية الحديثة أهمية الحب المتبادل بين الزوجين ، وأطلقت عليه مصطلح « الوظيفة العاطفية ».
    ولقد سبق الإسلام الدراسات الاجتماعية الحديثة ، فأكد على أهمية الحب المتبادل بين أفراد العائلة ، وحدّد العوامل التي تورث المحبّة وتساعد على
____________
1) اُصول الكافي 2 : 447 ـ 448 | 1 باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.
( 52 )

استمرارها كالاحسان والخلق الحسن والبشر وطلاقة الوجه.
    قالرسولالله صلى الله عليه وآله وسلم : « جُبلت القلوب علىحبِّ من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها » (1) ، وقال الإمام الصادق عليه السلام : « حسن الخُلق مجلبة للمودّة » (2) ، وقال الإمام الباقر عليه السلام : « البشر الحسن وطلاقةُ الوجه مكسبةٌ للمحبّة وقربة إلى الله ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبُعد من الله » (3).
    وثمة عوامل رئيسة دينية وخلقية وحتى اقتصادية ، تورث المحبة ، حصرها الإمام الصادق عليه السلام بثلاثة خصال ، فقال : « ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة : الدِّينُ ، والتواضع ، والبذل » (4).
ب ـ المعاشرة بالمعروف :
    لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين على حسن المعاشرة فيما بينهما ؛ وذلك لأنها ركيزة أساسية لدوام المحبّة والاُلفة ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « بحسن العشرة تدوم المودّة » (5) ، وقال أيضاً : « بحسن العشرة تدوم الوصلة » (6).
    وفي هذا السياق نجد توصيات خاصة للزوج بصفته قيماً على الزوجة قد ملّكه الله تعالى عصمتها وجعلها تحت قيمومته تحثه على العشرة الحسنة معها ، قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعرُوفِ ) (7)، وقد ورد في توصيات الإمام
____________
1) تحف العقول : 37 من مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2) تحف العقول : 356.
3) تحف العقول : 296.
4) تحف العقول : 316.
5) غرر الحكم ح 4200 و 4270.
6) غرر الحكم ح 4200 و 4270.
7) سورة النساء : 4 | 19.

( 53 )

علي عليه السلام التربوية لابنه الإمام الحسن عليه السلام : « .. ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك.. » (1) ، الإمام الصادق عليه السلام أبعد من ذلك في تأكيده على الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته ، والتطبع بها وإن لم تكن له طبعاً ، الأمر الذي يكشف لنا عن أهميتها التربوية العالية ، قال عليه السلام : « إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم تكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصّن » (2).
    ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة تحثُّ النساء على حسن العشرة مع الرجال ، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها » (3).
    ثم إن من دواعي العشرة الحسنة التسامح والتساهل بين الزوجين ، وخاصة في الاُمور العادية التي قد تصدر بصورة عفوية قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من لم يتغافل ولا يغضّ عن كثير من الاُمور تنغّصت عيشته » (4).
جـ ـ الشعور بالمسؤولية :
    لقد أكد القرآن على مسؤولية الإنسان بصورة عامة ، فقال : ( وقفُوهُم إنَّهُم مسؤُولونَ ) (5). كما أكدت السيرة النبوية على شمول هذه المسؤولية للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا كلكم راعٍ وكلكم
____________
1) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 403 كتاب 31.
2) تحف العقول : 322 من حديث الإمام الصادق عليه السلام المعروف بـ « نثر الدرر ».
3) تحف العقول : 322.
4) تحف العقول : 60 من مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم. 5) سورة الصافات : 37 | 24.

( 54 )

مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم » (1). من كلِّ ذلك يظهر لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين على الشعور بالمسؤولية الإنسانية بصفة عامّة وعلى المسؤولية الاُسرية بصفة خاصة.
د ـ الانصاف والعدل :
    الانصاف من العوامل التربوية التي تديم المحبة وتوجب الأُلفة بين الزوجين ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « الانصاف يستديم المحبّة » (2) ، ويقول أيضاً : « الانصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف » (3) ، ومن يطالع كتابه عليه السلام الذي أرسله إلى الأشتر لما بعثه إلى مصر ، يجد أنه يشير فيه صراحة إلى أن عدم الانصاف يؤدي إلى الظلم : « ... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، ومنخاصة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فإنّك إلاّ تفعل تظلم.. » (4).
    وهناك دعوة ملحة للعدل بين النساء لمن يتزوج بأكثر من امرأة وتحذير من مغبة الظلم لهما أو لإحداهما ، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي تضمنت تعاليم تربوية عديدة منها ـ في ما يتصل بهذه الفقرة ـ قوله : « .. ومن كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله ، جاء يوم القيامة
____________
1) تنبيه الخواطر 1 : 6.
2) غرر الحكم ح 1076.
3) غرر الحكم ح 1702.
4) تحف العقول : 127.

( 55 )

مغلولاً مائلاً شقه حتى يدخل النار » (1).
هـ ـ تقسيم العمل وبيان الأدوار :
    وهما من الأساليب الناجحة في إدارة أمور الاُسرة ، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سبل العيش الكريم للعائلة ، والمرأة تضطلع بمهمة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.
    وتروي لنا مصادرنا التراثية حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام علي عليهما السلام ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز » (2).
    لقد قامت فاطمة عليها السلام بأداء واجباتها المنزلية خير قيام ، وخير شاهد على ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين عليه السلام بحقها عندما قال لرجل من بني سعد : « ألا أحدّثك عني وعن فاطمة ، إنّها كانت عندي ، وكانت من أحب أهله إليه ـ أي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ وإنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضمار شديد » (3).
    ثم إنَّ الإسلام لا يحرّم العمل على المرأة ، كما يزعم بعض الناس ، بل يفضل ان تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها ، والإسلام يُشجع المرأة أن تزاول الاعمال المنزلية لكي تساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « مروا نساءكم بالغزل ، فإنّه خير لهنَّ
____________
1) عقاب الأعمال ، للصدوق : 333 | 1 باب يجمع عقوبات الأعمال.
2) تنبيه الخواطر 2 : 79.
3) علل الشرائع ، للصدوق : 366 باب 88 علة تسبيح فاطمة عليها السلام.

( 56 )

وأزين » ، ويقول أيضاً : « المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد الغازي المريد وجه الله » (1).
د ـ عدم إلحاق الضرر :
    فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المترتبة على إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذياً ظالماً » (2).
    ومن الخطابات الموجهة للزوجة خاصة ، قول الإمام الصادق عليه السلام : « ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه ، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه ، وتطيعه في جميع أحواله » (3).
    ومن الخطابات الموجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن أضرَّ بامرأة حتى تفتدي منه نفسها ، لم يرضَ الله تعالى له بعقوبة دون النار ؛ لأنَّ الله تعالى يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم » (4).
    والملاحظ أن السيرة النبوية في الوقت الذي توصي فيه الرجال بالرِّفق وعدم إلحاق الضرر بالنساء ، كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم » (5) ، كذلك توصي النساء بالرفق بالازواج وعدم
____________
1) مكارم الأخلاق : 238.
2) وسائل الشيعة 14 : 116 | 1 باب 82.
3) بحار الأنوار 103 : 253 عن كنز الفوائد للكراجكي : 63.
4) عقاب الأعمال ، للصدوق : 334 باب يجمع عقوبات الأعمال.
5) تحف العقول : 120 من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

( 57 )

تكليفهم فوق طاقتهم وبما يشق عليهم ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « .. ألا وأيّما امرأة لم ترفق بزوجها ، وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق ، لم يقبل منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان » (1).
ز ـ الخدمة المتبادلة :
    فمن المؤكد أن الإسلام يدعو المسلمين إلى إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض ، فعن أبي المعتمر قال : سمعتُ أمير المؤمنين عليه السلام يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلاّ أعطاه الله مثل عددهم خدَّاماً في الجنّة » (2).
    وإلى جانب هذا التوجه العام ، فإنه يدعو الزوجين إلى خدمة بعضهما البعض بما يعود بالنفع عليهما وعلى عموم أفراد العائلة ويرتب على هذه الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم ، فعن ورّام بن أبي فراس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام ، أغلق الله عنها سبعة أبواب النّار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت ». وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة.. » (3).
    وتعتبر فاطمة الزهراء عليها السلام القدوة الحسنة في التوفر على خدمة الزوج وأداء حقوقه ، فعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرَّ بها الإمام علي عليه السلام
____________
1) تنبيه الخواطر 2 : 262.
2) اُصول الكافي 2 ، 207 | 1 باب في خدمة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.
3) وسائل الشيعة 14 : 123 | 2 باب استحباب خدمة الزوجة لزوجها من كتاب النكاح.

( 58 )

فان فاطمة عليها السلام وقفت إلى جانبه ، ولم تكلفه فوق طاقته ، وكانت تخدمه باخلاص ، وقد شهد بحقها واعترف بخدمتها فقال عليه السلام : « لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، كنّا ننام عليه باللّيل ، ونعلف عليه النّاقة بالنهار ، ومالي خادم غيرها » (1).
    هذا فضلاً عن أن تعاليم الإسلام تحثُّ الرجل على خدمة امرأته وعياله ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا سقى الرجل امرأته أُجر » (2) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته » (3) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « .. لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة » (4).
ح ـ الرّضا والموافقة :
    فقد وردت روايات عديدة تحثُّ الزوجين على كسب رضا أحدهما للآخر والحصول على موافقته ، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق عليه السلام توصياته التربوية القيمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمن الإشارة إلى الأساليب التي يجب أن يتبعها كل واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه ، قال عليه السلام : « لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ليجلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهنَّ : صيانة نفسها عن كُلِّ دنسٍ حتى
____________
1) تنبيه الخواطر 2 : 12.
2) كنز العمال 16 : 275 | 44435.
3) المحجّة البيضاء 3 : 70 كتاب آداب النكاح ، الفائدة الخامسة.
4) بحار الأنوار 104 : 132 باب فضل خدمة العيال ، عن جامع الأخبار : 102.

( 59 )

يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه ، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها ، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه » (1).
    والملاحظ أن الروايات تؤكد على ضرورة ارضاء المرأة لزوجها وعدم إثارة سخطه ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « ويل لامرأة أغضبت زوجها ، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها » (2).
ط ـ الاهتمام بالهيئة :
    وهما من العوامل التي تساهم في توثيق الروابط الزوجية وتساعد على استمرارها.
    فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين عليه السلام : « لتتطيب المرأة لزوجها » (3) ، وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : « لا ينبغي للمرأة أن تعطّر نفسها ، ولو أن تعلّق في عنقها قلادة » (4).
    وهنا لابدّ من التنويه على أن زينة المرأة المتزوجة لابدّ أن تقتصر على زوجها ، فعن الإمام أبي عبدالله عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أيّ امرأة تتطيّب ثمَّ خرجت من بيتها ، فهي تُلعن حتى ترجع إلى بيتها متى رجعت » (5).
____________
1) تحف العقول : 323 حديث الإمام الصادق عليه السلام المعروف بـ «نثر الدرر». والخلابة : الملاطفة باللسان.
2) بحار الأنوار 103 : 246 عن جامع الاخبار : 158.
3) تحف العقول : 111 من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام.
4) مكارم الأخلاق : 98.
5) ثواب الأعمال وعقاب الاعمال ، للصدوق : 308 باب عقاب المرأة تتطيب لغير زوجها.

( 60 )

    من جانب آخر يتوجب على الزوج أن يهتم بنظافته ومظهره حتى يحوز على رضا الزوجة ويدخل البهجة إلى نفسها ، خصوصا وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تبعاته على الزوج ، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره ، وقد أورد لنا الإمام الرضا عليه السلام سابقة تاريخية في هذا الخصوص ، عندما قال : « أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام أن نساء بني إسرائيل خرجن من العفاف إلى الفجور ، ما أخرجهن إلاّ قلّة تهيئة أزواجهن ، وقل : إنّها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها » (1).
    وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهيأ لنسائه ويهتم بمظهره ويتطيّب : « وكان يُعرف بالرّيح الطيب إذا أقبل » (2) ، وسلك أهل البيت عليهم السلام ذات المسلك النبوي ، فكانوا يهتمون بمظهرهم ويتهيّؤن لنسائهم ، عن الحسن بن الجهم ، قال : رأيت أباالحسن عليه السلام اختضب ، فقلت : جعلت فداك اختضبت؟ فقال : « نعم ، إنَّ التهيئة ممّا يزيد في عفّة النساء ، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة ».
    ثم قال : « أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلتُ : لا ، قال : فهو ذاك.. » (3).

ثانياً : جانب الأخلاق :
   تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الاُسرة
____________
1) مكارم الأخلاق : 81.
2) مكارم الأخلاق : 23.
3) وسائل الشيعة 14 : 183 | 1 باب 141 استحباب التنظيف والزينة.

( 61 )

كمجتمع صغير وبينها وبين المجتمع الكبير ، ومن هنا جاء في موعظة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام : « ... يا عليّ ، أحسن خُلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحبُ من الناس ، تُكتب عند الله في الدّرجات العُلى » (1).
    وفي جهة اُخرى فان سوء الخلق يغرس في محيط العائلة بذور الخلاف ، وينتج النفرة من البيت ، ويولّد الملل للأهل ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « سوء الخلق يوحش القريب ويُنفر البعيد » (2) ويقول أيضاً في خطبته المعروفة بـ « الوسيلة » : « ومن ضاق خُلقه ملّه أهله » (3). والملاحظ في ضوء النصوص الدينية أنها تركز على أربع خصال أخلاقية لها مدخلية كبرى في توثيق وإدامة الحياة الزوجية وهي :
أ ـ الصبر الجميل :
    وهو تحمل الزوجين لتصرفات أحدهما الآخر بدون بثّ الشكوى للآخرين الذي يؤدي إلى تدخلات تعيق مسير الحياة الزوجية ، علما بأن هذا الصبر سوف يكسب الزوجين الثواب الجزيل ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الجامعة في المدينة قبيل رحيله : « .. ومن صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه ، أعطاه الله تعالى بكلِّ يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيّوب عليه السلام على بلائه ، وكان عليها من الوزر في كلِّ يوم وليلة مثل رمل عالج.. ومن كانت له امرأة لم توافقه ولم تصبر على مارزقه الله تعالى وشقّت عليه وحملته ما لم يقدر عليه ، لم يقبل الله منها حسنة تتقي بها حرَّ النار ، وغضب الله عليها ما
____________
1) تحف العقول : 14 مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكمه.
2) غرر الحكم ح 5593.
3) تحف العقول : 97.

( 62 )

دامت كذلك » (1).
    وقد ضرب أهل البيت عليهم السلام أروع الأمثلة على الصبر الجميل مع أهلهم وما ملكت أيمانهم ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول : إنّي لأصبر من غلامي هذا ومن أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل.. (2) ».
ب ـ العفّة وعدم الخيانة :
    لاشكّ أن خلع حزام العفة من قبل الزوجين أو أحدهما موجب للخيانة التي سرعان ما تقوّض أركان الأسرة وتسيء إلى سمعتها وتكسب أفرادها الإثم والعار.
    والملاحظ أن الإسلام يذهب إلى أن سقوط الزّوج في هاوية الرذيلة يؤدي إلى سقوط الزوجة أيضاً في تلك الهاوية ، حسب قاعدة « كما تدين تدان» ، روى الإمام علي عليه السلام : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « لا تزنوا فيذهب الله لذة نسائكم من أجوافكم ، وعفّوا تعفّ نساؤكم ، إنّ بني فلان زنوا فزنت نساؤهم » (3).
    ويروي الإمام الصادق عليه السلام أنّه قد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : « .. لاتزنوا فتزني نساؤكم ، ومن وطىء فرش أمرىء مسلم وُطىء فراشه ، كما تدين تُدان » (4).
    ضمن هذا السياق نجد في النصوص الدينية استنكاراً شديداً للخيانة
____________
1) عقاب الأعمال ، للصدوق : 339 باب يجمع عقوبات الأعمال.
2) وسائل الشيعة 11 : 209 | 5 من أبواب جهاد النفس.
3) مكارم الأخلاق : 238 من نوادر النكاح ، الفصل العاشر.
4) عقاب الأعمال : 338.

( 63 )

الزوجية وتهديداً مغلَّظاً للأزواج الذين يخلعون ثوب الفضيلة ويوبقون أنفسهم بارتكاب الرذيلة ، ولهذا قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم متوعّداً : « ... ومن فجر بامرأة ولها بعل تفجّر من فرجهما صديد واد مسيرة خمسمائة عام ، يتأذى به أهل النّار من نتن ريحهما ، وكان من أشدّ الناس عذاباً.. (1) ».
جـ ـ تجنب القذف :
    إنَّ الطعن في شرف أحد الزوجين ، ومهما كانت أسبابه ، هو أسلوب خسيس وذنب كبير ، أوجب الله تعالى على فاعله الحدّ في الدّنيا ، والعذاب الشديد في الآخرة ، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « .. ومن رمى محصناً أو محصنة أحبط الله عمله ، وجلده يوم القيامة سبعون ألف ملك من بين يديه ومن خلفه ، وتنهش لحمه حيّات وعقارب ، ثمَّ يؤمر به إلى النّار » (2).
    وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّ : « قذف المحصنات من الكبائر ؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول : ( لعنوا في الدّنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ).. » (3)
    والملاحظ أن الإسلام تشدد في مسألة الأعراض كما تشدد في مسألة الدماء ، ومن مصاديق ذلك أن القاذف الذي لم يأتِ بأربعة شهود ، أو لم يصرّح بصيغة اللعان إذا كان من الزوجين ، فسوف يتعرض للجلد الشديد ، ولا يتمكن من إسقاطه عن نفسه ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام يقذف امرأته قال : « يجلد ». قلت : أرأيت إن عفّت عنه ؟ قال : « لا ، ولا كرامة » (4).
____________
1) عقاب الأعمال : 338.
2) عقاب الاعمال ، الصدوق : 335.
3) علل الشرائع : 480 | 2 باب 231 العلة التي من أجلها حرم قذف المحصنات.
4) من لا يحضره الفقيه 4 : 34 | 1 باب 10 دار صعب ط 1401 هـ.