ثانياً : مرحلة الولادة :
وفي هذه الفترة التي تشهد ظهور الوليد إلى الوجود ، يدعو الدين الإسلامي
إلى الاهتمام بالمرأة النفساء ، وتوفير الطعام المناسب لها ، خصوصا وإنها قد
تضطلع بوظيفة الإرضاع للطفل ، ومن هنا أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأزواج قائلاً :
« أطعموا المرأة ـ في شهرها التي تلد فيه ـ التمر ، فإن ولدها يكون حليماً
نقيّاً » (1).
كما يولي الإسلام عناية فائقة بالوليد منذ نعومة أظفاره ، ويتضح ذلك من
خلال النقاط التالية :
أ ـ تسمية المولود :
ويستحب تسميته بأحسن الأسماء ، لما للاسم الحسن من آثار تربوية
تنعكس على نفسية الطفل ومكانته ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «
سمى الصبي يوم السابع.. » (2).
ولاشكّ أنّ اسم نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم هو خير الأسماء ، وكذلك أسماء أهل بيته الأطهار عليهم السلام
وأسماء الرسل والأنبياء والصالحين ، ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنّه قال : « سمّوا
أولادكم أسماء الأنبياء ، وأحسن الأسماء عبد الله وعبدالرحمن » (3).
وعنه أيضاً : « من ولد له أربعة أولاد لم يُسمِّ أحدهم باسمي فقد
____________
1) مكارم الأخلاق : 169.
2) مكارم الأخلاق : 227.
3) مكارم الأخلاق : 220 في فضل الأولاد.
( 73 )
جفاني » (1).
ب ـ الأذان والاقامة :
من أجل اسماع الطفل اسم الله تعالى وتفتّح مداركه عليه ، ولإبعاد الشيطان
عنه ، جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجامعة : « يا علي ، إذا ولد لك غلام أو جارية
، فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقم في اليسرى ، فإنّه لا يضرّه الشيطان أبداً » (2).
جـ ـ العقيقة وحلق الرأس :
وهما من السنن المؤكّدة ، وقد أوصى الإمام الصادق عليه السلام أحد الآباء الذين
رزقوا مولوداً قائلاً : « عقّ عنه ، واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق بوزن
شعره فضّة » (3) ، وعنه عن آبائه عليهم السلام قال : « عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن
والحسين عليهما السلام كبشاً يوم سابعهما ، وقطّعه أعضاء ، ولم يكسر منه عظماً ،
وأمر فطبخ بماء وملح ، وأكلوا منه بغير خبز ، وأطعموا الجيران » (4).
د ـ الختان :
وهي سنة مؤكدة تبعث على الطهارة ، وتساعد على نمو الطفل ، بدليل قول
الإمام الصادق عليه السلام : « اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم.. » (5).
____________
1) الكافي 6 : 19 | 6 باب الاسماء والكنى.
2) تحف العقول : 17.
3) الكافي 6 : 27 | 1 باب انه يعق يوم السابع للمولود.
4) مكارم الأخلاق : 228.
5) الكافي 6 : 34 | 1 باب التطهير.
( 74 )
هـ ـ التحنيك :
وهو أن يُمضغ شيء كالتمر أو تربة الحسين عليه السلام أو ماء الفرات ويدار في فم
الطفل ، وقد روى جعفر الصادق عليه السلام عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :
« نكوا أولادكم بالتمر ، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين عليهما السلام ».
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة
الحسين عليه السلام ، فإن لم يكن فبماء السماء » (1) ويستحب أن يكون المحنّك من
الصالحين.
ثالثاً : مرحلة الرضاع والحضانة :
وهي من المراحل المهمة في حياة الطفل إذ يحتاج فيها إلى عناية فائقة ، فهو
يولد ضعيفاً لا حول له ولا قوة ، ويعتمد على والديه وخاصة أمه في الحصول
على غذائه وتنظيف بدنه ولباسه ، وسد حاجاته الاُخرى.
ويعتبر حليب الاُمّ أفضل غذاء كامل للطفل في الأشهر الاُولى من حياته ،
لاحتوائه على المواد الضرورية للنمو والمناعة من الأمراض ، ثم إنّ الاُمّ تزوّد
وليدها عند الرضاع بغذاء معنويّ لابدّ منه لنموه الروحي ، ألا وهو الحنان
والدفء العاطفي الذي تُسبغه عليه عند إرضاعه وحضانته.
ومن أجل ذلك أكدت الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام على أهمية إرضاع
الاُمّ لوليدها ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ما من لبن يرضع به الصبيّ أعظم عليه
من لبن أُمّه » (2).
____________
1) مكارم الأخلاق : 229.
2) الكافي 6 : 40 | 1 باب الرضاع.
( 75 )
وفي حالة عدم تمكن الاُم من الإرضاع ـ لسبب ما ـ يتوجب على الأب أن
ينتخب امرأة صالحة تشرف على ارضاعه ، قال الإمام علي عليه السلام : « انظروا من
ترضع أولادكم ، فان الولد يشبُّ عليه » (1). ويتطلّب أن تتوفر في المرضعة
مواصفات حددتها الروايات ، ويمكننا تصنيفها إلى ما يلي :
أ ـ مواصفات جسمية :
كأن تكون حسنة الهيئة ، الإمام الباقر عليه السلام : « استرضع لولدك بلبن
الحسان ، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي » (2).
ب ـ مواصفات عقلية :
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تسترضعوا الحمقاء، فإن الولد يشبُّ عليه » (3).
كما ورد النهي عن استرضاع المجنونة على ما سيأتي.
جـ ـ مواصفات دينية :
إذ نلاحظ أن الشريعة الإسلامية أكدت على كون المرضعة مسلمة صالحة ،
وفي حال تعذّر ذلك فقد جوّزت استرضاع المرأة الكتابية ، ولكن بشرط منعها
من شرب الخمر ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « إذا أرضعن لكم ، فامنعوهنَّ من
شرب الخمر » (4).
د ـ مواصفات أخلاقية :
فقد نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من استرضاع المرأة البغية لما له من آثار سلبية على
____________
1) الكافي 6 : 44 | 1 من يكره لبنه ومن لا يكره.
2) الكافي 6 : 44 | 12.
3) مكارم الأخلاق : 237.
4) الكافي 6 : 42 | 3 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
( 76 )
مستقبل الطفل ونشأته ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « توقوا على أولادكم من لبن البغية ،
والمجنونة فإن اللبن يعدي » (1).
وقال الإمام الباقر عليه السلام : « لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبُّ إليَّ
من لبن ولد الزنا » (2).
وعمّم الإمام الصادق عليه السلام هذا النهي ليشمل ابنة الزانية أيضا ، قال
« لاتسترضعها ولا ابنتها » (3).
هـ ـ مدة الرضاعة :
لقد حدد القرآن الكريم مدة الرضاعة بسنتين ، قال تعالى : ( والوالداتُ
يُرضِعنَ أولادهُنَّ حولين كاملين لمن أرادَ أن يتمَّ الرَّضاعة.. ) (4).
رابعاً : مرحلة الفطام :
وفيها ينقطع الطفل عن الرضاع ، ويبدأ بتناول الطعام بنفسه أو بمساعدة أُمّه
أو مربيته ، وعليه فإنه يحتاج إلى رعاية خاصة ، تتطلب الاهتمام بمراعاة
الشروط الصحية اللازمة لنظافة الطفل ، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال : « قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اغسلوا صبيانكم من الغمر ، فإن الشيطان يشمّ الغمر فيفزع الصبي
في رقاده ، ويتأذى به الكاتبان » (5).
____________
1) مكارم الأخلاق : 223 في فضل الأولاد.
2) الكافي 6 : 42 | 5 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
3) الكافي 6 : 42 | 1.
4) سورة البقرة 2 : 233.
5) علل الشرائع : 557 باب 344 من ج2 العلة التي من أجلها يغسل الصبيان من الغمر.َ
( 77 )
كما أن الطفل في هذه المرحلة يميل بفطرته إلى الحركة واللعب ، ويسعى إلى
جلب الأنظار إليه من خلال المشاغبة أو المشاكسة ، لذا يتوجّب على الوالدين
تحمّله وعدم القسوة عليه ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « احمل صبيك حتى
يأتي عليه ست سنين ، ثم أدّبه في الكتاب ستّ سنين ، ثم ضمّه إليك سبع
سنين فأدّبه بأدبك ، فإن قبل وصلح ، وإلاّ فخلّ عنه » (1).
ومن الضروري إفهام الصبي بعد مرحلة الفطام بوجود الله تعالى من خلال
تلقينه الوحدانية والصلوات على النبي وآله عليهم السلام ، عن عبدالله بن فضالة ، عن
أبي عبدالله أو أبي جعفر عليهما السلام ، قال سمعته يقول : « إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له
سبع مرات : قُلْ : لا إله إلاّ الله.. » (2).
وفي هذه الفترة يتوجب مراقبة صحة الطفل ووزنه ، وقد ورد عن الإمام
الصادق عليه السلام أنّه وضع حدّاً يمكن من خلاله معرفة وتيرة نمو الطفل من خلال
مراقبة طوله ، قال عليه السلام : « يزيد الصبي في كل سنة أربع أصابع بإصبعه » (3).
ومن جانب آخر لابدّ في هذه المرحلة من تقبيل الطفل واشعاره بالحب له
والاهتمام به ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أكثروا من قبلة أولادكم ، فإنّ لكم بكلِّ قبلةٍ
درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام » (4).
وينبغي الإشارة هنا إلى استحباب التصابي للطفل ومناغاته ، لما لذلك من
____________
=
والغمر ـ بالتحريك : زنخ اللحم وما يتعلق باليد من دسمة.
1) مكارم الأخلاق : 222.
2) مكارم الأخلاق : 223.
3) مكارم الأخلاق : 223.
4) روضة الواعظين : 369.
( 78 )
أثر كبير على نموّه العاطفي وحلّ عقدة لسانه ، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتصابى للحسن
والحسين عليهما السلام ويُركبهما على ظهره.
وكانت فاطمة الزهراء عليها السلام تناغي الحسن عليه السلام وتقول :
أشبه أبـاك يا حســن * واخلع على الحق الرسن
واعبد إلهـاً ذا منــن * ولا تـوال ذا الإحــن
وتناغي الحسين عليه السلام وتقول :
أنت شبيــهٌ بأبــي * لست شبيهاً بعلي (1)
وفي خاتمة المطاف نجد في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعوة صادقة لحبّ الأطفال
والرحمة بهم ، والوفاء لهم ، والصدق معهم ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أحبّوا الصبيان
وارحموهم ، فإذا وعدتموهم ففوا لهم ، فإنّهم لا يرون إلاّ أنكم
ترزقونهم » (2).
____________
1) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام ، للسيد محسن الأمين 3 : 5 سيرة الحسن عليه السلام.
2) مكارم الأخلاق : 252.