مصطفى
حسنات
مصطفى
حسنات
مصطفى
حسنات
أبردت رحاب رسالتها إلى مصطفى وعادت إلى البيت
فلم تجد حسنات فسألت عنها أمها فقالت أنها في غرفتها لم
تبرحها منذ الظهر فخمنت رحاب أن حسنات غير مرتاحة
نفسياً فعزّ عليها ذلك وذهبت تحوم حول غرفتها وهي مترددة
بين الدخول وعدمه حتى صممت أن تدخل عليها مهما كلف
الأمر فطرقت الباب بهدوء وأحست أنه مغلق من الداخل
فنادت بهدوء أيضاً : حسنات ، حسنات . ففتحت حسنات
الباب وهي تتصنع الابتسام. ولكن رحاب لاحظت آثار
الدموع في عينيها فشعرت بطعنة دامية في فؤادها وهي تعرف
أنها هي السبب في ذلك ، وكادت أن تنهار فتعترف لها
بالحقيقة ، ولكنها جبنت فأوحت إلى نفسها أن حاجتها
لمصطفى لم تنته بعد وأنها سوف تعترف بعد اقتناعها الكامل ،
ولهذا فقد دخلت وجلست إلى جوارها ، ثم أخذت بيدها
برفق وحنو بالعين وقالت : ما لي أراك حزينة يا حسنات ومن
حقك أن تكوني أسعد الناس...
فسكتت حسنات ولم تجب ولكنها ارتاحت لحنو اختها
وانعطافها نحوها وقد بدا ذلك عليها أيضاً إذ وضعت رأسها
( 393 )
على كتف رحاب وكأنها تريد أن تستند إليه ليحمل عنها ثقل الألم...
فعادت رحاب تقول وهي تبذل طاقة كبيرة في كبح جماح
قلقها ، قالت : لا تحسبي أن هناك ما يستحق أن يقلقك يا
حسنات فان الخير كل الخير هو الذي ينتظرك يا أختاه...
وهنا تنهدت حسنات ورفعت وجهها نحو أختها لتقول :
كيف تقولين هذا يا رحاب ؟ ألا ترين أنني ومنذ سبعة أشهر
مرتبطة شرعاً وعرفاً مع رجل لم أسمع منه كلمة ، ولم أعرف
عنه خبراً ؟ الشيء الذي جعلني أتأكد أنه لم يكن راغباً بي
وأنني فرضت عليه فرضاً ، ولم يبق على عودته إلا أسابيع
فماذا سوف يحدث بعد أن يعود يا ترى ؟ أنني لا أريد أن
أشكوه ولكنني أتألم وأفكر بمستقبل حياتي مع زوج حملت عليه
تحميلاً...
كانت حسنات تتكلم وكل كلمة منها بمثابة شفرات حادة
تقطع نياط قلب رحاب ، ولكنها تماسكت ورأت أن عليها أن
تعمل شيئاً من أجل هذه الأخت المسكينة فقالت بنغمة حاولت
أن تكون مشرقة : كلا ، كلا يا حسنات أنك غلطانة في طبيعة
تفكيرك عن الموقف فان هذا الرجل الذي ارتبطت به شرعاً
وعرفاً هو من أحسن الناس وأنبلهم وأليقهم بك يا عزيزتي...
( 394 )
قالت حسنات : أنني لا أنكر ذلك ولكن يبدو أنه لم يكن
مقتنعاً باختياره لي...
قالت رحاب : أنه مقتنع تمام الاقتناع وليس لعدم اقتناعه
أي دخل فيما تجدين كوني واثقة من هذا يا أختاه...
فتطلعت حسنات نحو اختها وسألتها بتعجب : من أين
لك هذه الثقة يا رحاب ؟
فاحتارت رحاب بماذا تجيب ولكنها أجابت قائلة بإصرار :
أنني أعرف وتأكدي مما اقول...
قالت : ومن أين عرفت ؟
وكادت رحاب أن تنهار فماذا عساها أن تقول ؟ من أين
عرفت ؟ نعم من أين ؟ يا لدناءة الطريق الذي عرفت منه
ذلك ، ولكنها تماسكت وقالت : يكفيك أن تعلمي بأنني
متأكدة مما أقول وسوف أشرح لك ما أعرف بعد أيام قليلة أو
أسابيع المهم أن تستعيدي ثقتك بزوجك المنتظر وتعودي إلى
اشراقتك الباسمة للحياة ، أرجوك يا حسنات ... قالت هذا
ونهضت لتطبع على جبين أختها قبلة أودعتها الكثير من الحب
والحنان ، ثم قالت : أتعاهديني أن تعودي طبيعية يا حسنات
عودي إلى عهدك بالرضا والسعادة وسوف ترين بأنني صادقة
فيما أقول...
فابتسمت حسنات وقالت بوداعة : لقد وثقت بكلامك يا
( 395 )
اختي وإن كنت لا أعرف كيف أفسره ولكنني قد بدأت
أطمئن من جديد...
فأخذت رحاب بيدها وأنهضتها قائلة : إذن هيا بنا إلى
أمنا فهي تنتظر...
*
*
*
كانت رحاب خلال الأيام التي أعقبت هذا الموقف لا
تكاد تفارق حسنات إلا خلال ساعات دوامها ، فهي دائماً
معها تلاطفها وتتحدث معها عن المستقبل وتحاول أن
تساعدها بالخياطة والتطريز وهي بين ذلك كله تقرأ من كتبها
ما تشاء فتزداد إيماناً واطمئناناً ولكنها كانت تنتظر جواب
مصطفى حتى وصلها الجواب وكان ما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي حسنات
حرسك الله ورعاك وسدد في طريق الحق خطاك...
يؤسفني أن أكون قد تأخرت عنك في الجواب ولكنها مشاغلي
واستعدادي للامتحان النهائي... فإليك الآن جواب ما
أردت يا حسنات وسوف أورده لك باختصار وأطلب منك
مطالعة أصول العقيدة لتجدي فيه التفصيل. والآن فنحن لو
وجدنا ماءاً قد وصل إلى درجة الغليان نتمكن أن نتساءل
( 396 )
عن السبب الذي أوصله إلى درجة الغليان فيأتينا الجواب أن
السبب هو قربه إلى النار فنقول لماذا كان القرب من النار
يوجب الحرارة ؟ فيقال لأن النار حارة ، وعند ذلك فهل يصح
لنا أن نتساءل لماذا كانت النار حارة ؟ بطبيعة الحال أن هذا
السؤال غير معقول لأننا متى رأينا ناراً ليست بحارة لنتساءل
متى أصبحت حارة ؟ ثم ألسنا ( جميعاً ) مؤمنين وماديين متفقين
على أن لهذا الكون سبباً وخالقاً ينتهي لديه التعليل والتفسير
لأن لكل شيء نهاية ولا يمكن أن يستمر التفسير والتعليل إلى
غير نهاية ، وإنما نختلف في نوعية هذا السبب الأول فالماديون
يزعمون انه الطبيعة أو المادة أو الدهر كما يقول القرآن الكريم
والمؤمنون يعتقدون بأنه الله العليم القدير ، فنحن إذن بين
افتراضين وحيدين وكل منهما يعترف بوجود سبب أعلى ليس
له بدوره سبب فالمسألة إذن أن نعين نوعية هذا السبب الأعلى
فهل يا ترى بالامكان أن يكون هذا السبب الأعلى للكون
بكل ما فيه من حكمة واتقان وجمال وتدبير وضبط وإبداع
وتمشياً مع مصلحة الانسان وحاجة الحياة ، أقول هل يمكن أن
يكون السبب الأعلى لكل ذلك قوة عمياء لا تعي ولا تدرك
ولا تفهم ما هي الحياة ولا تعرف من سننها ما يعرفه حتى
طالب الاعدادية كما يفترض الماديون من الههم المزعوم الذي
يسمونة الطبيعة تارة والمادة أخرى والدهر ثالثة. ان الجواب
كلا لأن النظام بحاجة إلى منظم والحكمة دليل على الحكيم
( 397 )
والعلم والجمال لا يعطيه إلا العالم الجميل فتبارك الله احسن الخالقين.
مصطفى
عندما انتهت رحاب من قراءة رسالة مصطفى ذهبت إلى
حسنات تطلب منها الكتاب وقد حسبت أنها لن تكتب إلى
مصطفى بعد الآن وبدأت تقرأ وقد زادتها القراءة هدى
واطمئناناً وصممت أن تكتب إلى مصطفى لتصارحه بالحقيقة
إذ أنها لم تعد بحاجة إلى سؤال وجواب ، ولكن خاطر خطر
لها أسلمها إلى الحيرة من جديد ، أنها ما دامت قد آمنت بالله
فان عليها أن تؤمن بالقرآن ولكن كيف تعرف أو تطمئن إلى
أن هذا القرآن هو من الله خالق الكون والحياة ؟ إذن فهي ما
زالت مشدودة إلى مصطفى ... وصممت أن تكتب سيما وان
حسنات قد تحسن وضعها النفسي بعد حديثها معها وأخذت
تملي على نفسها التصديق بكلام أختها وإن كانت لا تعرف
كيف تفسره... ولهذا فقد كتبت إليه من جديد قائلة :
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي مصطفى ... يا من نورت فؤادي
بنور الايمان واخذت بيدي إلى طريق الحق
والرشاد... لقد أصبحت أشعر بتطفلي