القسم الثاني

بواعث النزاع

عادة ما تبدأ الحياة الزوجية بهدوء وصفاء وراحة بال ، ذلك أنّ الحياة الجديدة تحمل في طياتها جوانب عديدة تقنع كلا الطرفين وتملأ قلبيهما بالرضا حيث يحاول كلّ منهما إقناع الآخر والاحتفاظ به .
غير أنه مع توالي الأيام يبدأ عهد جديد هو عهد التقييم والمراجعة والحساب حيث يشعر أحد الطرفين بأنه مغبون في هذه التجربة ، وعندها تبدأ مرحلة النزاع .
وللبحث عن بواعث النزاع يمكن الإشارة إلى جملة من الأسباب التي لها دور كبير في ظهور المشاكل في الحياة الزوجية .
ـ انعدام الخبرة في الحياة الزوجية .
ـ التوقعات الخارجة عن الحد لدى الطرفين .
ـ سوء الظن .
ـ الرغبات غير المعقولة .
ـ السعي لإثبات القدرة والسيطرة .
ـ عدم التحمل .
ـ غياب التفاهم .
ـ الأهداف والأسباب المادية .
ـ الإساءة في القول .
ـ انحطاط الذوق .
وفي هذا القسم سنستعرض هذه الأسباب وغيرها بشيء من التفصيل .


(28)


(29)

الفصل الأول
غياب الخبرة في الحياة الزوجية

يمكن القول إن الحياة فن من الفنون ، فالذي يجهل السباحة مثلا سيكون أسير الامواج المتلاطمة حيث يهدده الغرق بين لحظة وأخرى .
والحياة فن لانطوائها على تفاصيل دقيقة تتطلب من الإنسان أن يكون فناناً دقيقاً ومحيطاً . وتتجلى ضرورة الإحاطة بالحياة كفن في مسألة الزواج باعتبارها واحدة من أبرز تجارب الحياة ، وأن ظاهرة النزاع والانفصال والطلاق في الحياة الأسرية إنما تنجم عن جهل وغياب للخبرة أو عدم الشعور بالمسؤولية وانعدام الالتزام في هذه القضية الحساسة .
إن الزواج الذي يبدأ بالإهمال في المعرفة أو يقوم على تصورات خاطئة مجانبة للحقيقة ، أو الخداع أحياناً ، هو زواج قلق متزلزل ، ذلك أن الحياة الزوجية سرعان ما تكشف جميع الحقائق وتظهر جميع الخبايا . إذن فالحياة الزوجية يجب أن تقوم على الحقيقة والحق بعيداً عن الخدع والأباطيل .

أسرار النزاع :
يسعى الزوجان في بداية حياتهما المشتركة إلى إخفاء بعض ميزاتهما الشخصية سواء على صعيد العيوب أو الأذواق ، ويحاولان في تلك الفترة الحساسة أن يغضّا طرفيهما عن بعضهما البعض .
ومن أجل البحث في الاسرار الكامنة وراء النزاع في الحياة الزوجية يمكن توزيعها إلى قسمين : عوامل ما قبل الزواج . وعوامل ما بعد الزواج .


(30)

أ ـ عوامل ما قبل الزواج :
إن الكثير من النزاعات ما كانت لتوجد لو أحسن الزوجان التفكير في الحياة ، وأننا نشير إلى هذه الناحية من أجل أن نلفت أنظار الشباب قبل إقدامهم على الزواج ونذكر الذين تزوجوا إلى الاهتمام بهذه المسألة وهم في بداية صنع مستقبلهم المشترك . ويمكن تلخيص هذه العوامل في ما يلي :
1 ـ عدم التعارف :
يتطلب الزواج فرصة كافية من أجل أن يتعرف أحد الطرفين على الآخر ، وبالرغم من غنى هذه التجربة إلا أنها تبقى عاجزة عن رفع الحجب بين الطرفين إلا في الحالات النادرة . ومع ذلك فهي ضرورية جيداً من أجل بناء حياة مشتركة على أرض صلبة وواضحة تقريباً .
2 ـ عدم التشاور :
مهما بلغ الشباب من شأو في العلم والمعرفة إلا أنهم يعتبرون عديمي الخبرة في شؤون الحياة الزوجية . ومع بالغ الأسف فإن كثيراً منهم وبسبب أسلوب تربيتهم يبقون بمنأىً عن تجارب الوالدين ولا يصغون إلى آرائهما في هذه المسائل .
إن تعاليم الإسلام توصي الشباب باستشارة من هم أكبر منهم سناً وأخذ وجهة نظر الوالدين في مسألة الزواج قبل الإقدام على تنفيذ هذه التجربة لتلافي تنائجها المرة ، وهذا التأكيد يتضاعف بالنسبة للفتيات اللائي يمكن خداعهن بسهولة .
3 ـ التصورات الخاطئة عن الحياة :
إن أغلب المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية ناجمة عن التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل ، إذ أن البعض يعيش في عالم من الأحلام الوردية ويتصور بأن المستقبل سيكون جنّة وارفة الظلال ، ولكن ، وبعد أن يلج دنياه الجديدة إذا به يبحث عن تلك الجنة الموعودة فلا يعثر عليها ، فيلقي باللوم على زوجه محمّلاً إياه مسؤولية


(31)

ذلك ، ويبدأ بذلك فصل النزاع المرير يفقد الحياة طعمها ومعناها ، في حين أن بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن تحقق على أرض الواقع . إن المرأة والرجل في واقع الأمر ليسا ملاكين وأننا نعيش في أرض الواقع بعيدين عن الجنة الموعودة وعوالم الخيال .
4 ـ الخداع :
قد ينشأ النزاع بين الزوجين بسبب بعض الخدع والمكائد التي يحوكها أحد الطرفين أو كلاهما ، فمثلاً يقوم الفتى والفتاة ومن أجل جذب الطرف الآخر إليه وإقناعه بالزواج بالمبالغة أو الاختلاق على صعيد وضعه المالي أو الأخلاقي إضافة إلى الوعود الخواء التي يطلقانها في الهواء ؛ فإذا دخلا ميدان الحياة وارتفعت جميع الحجب وبرزت الحقائق والاسرار ، عندها يبدأ النزاع أو التفكير بالتخلص من بعضهما .
5 ـ الشهوانية :
يسعى أكثر الشباب ومن أجل إرواء غرائزهم إلى الزواج معتقدين أن الحياة الزوجية هي مجرد إشباع هذا الجانب فقط ، غافلين عن أنهم بذلك ينظرون إلى الجانب الحيواني الذي لا يمكن أن يكون هدفاً لتشكيل الاسرة ، هذا أولاً ، وثانياً إن هكذا زيجات لن يكتب لها البقاء والاستمرار إذ سرعان ما تنطفىء الغرائز الجنسية ، ومن ثم ينهار البناء الذي نهضت على أساسه ، إذ يفقد الزوجان بعد ذلك الرغبة في الاستمرار في الحياة المشتركة بعد إحساسهما بالارتواء الجنسي .
إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس من التفاهم والألفة والمحبة والتكامل وأداء الواجب الإلهي حتى يمكن لها الاستمرار والدوام .
6 ـ الاقتصار على المظاهر :
ما أكثر الأفراد الذين يخفون حقيقتهم فلا يعرف منهم سوى ظاهرهم فقط ، وما أكثر الذين يبحثون عن المظاهر فقط لدى بحثهم عن شريك لحياتهم ، إذ يقتصر همهم على الجمال والمستوى الاقتصادي والزي وغير


(32)

ذلك ، حيث تتعدد المطبّات . . ولكن وبعد دخول الزوجين عالم الحياة الزوجية وحيث تضعهما الحياة المشتركة على المحك دائماً تبرز الحقيقة كاملة وتنتهي المظاهر البرّاقة ، ويكتشفان أن تلك المظاهر لا أثر لها ولا دور في خلق السعادة المنشودة .
إن تعاليم الإسلام الحنيف يؤكد دائماً على أن انتخاب الزوج يجب أن لا يتم على أساس الجمال والمال وأن الدين هو وحده أساس الاختيار في هذه المسألة البالغة الحساسية .
7 ـ الاتكاء على المصالح :
نشاهد بعض الأفراد يقدمون على الزواج انطلاقاً من مصالح معينة أو من أجل أن يضعوا أيديهم على الثروة ، وفي مثل هذه الحالات وبعد أن يتحقق هدفهم تنتهي جميع المبررات والأسباب التي أدّت إلى الزواج وتبدأ حياة النزاع والاختلافات .
إن الزواج ليس وليد المصلحة ، إنه أسمى من ذلك ، وهو على حد تعبير الآية الكريمة في قوله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) .
8 ـ الزواج المفروض :
وهو أخطر حالات الزواج على الإطلاق ، حيث يقوم الوالدان بتزويج الأبناء دون اعتبار لرغباتهم . إن مجرد الشعور بالقهر وحده سيدفع بالطرفين إلى الخلاص من هذه القيود ووضعها تحت الأقدام .
إن المرء قد يتمكن من إجبار الآخرين على تناول طعام معين ، ولكن سيكون عاجزاً عن إجبارهم على الشعور بالشهية والميل والتلذذ .
ومن المسلّم به أن أي نزاع ينشب أو خلاف فإن الزوجين سيصبّان لعناتهما على أولئك الذين فرضوا عليهما هذه الحياة وصنعوا لهما هذا الجحيم !.


(33)

ب ـ عوامل ما بعد الزواج :
فيما مضى ذكرنا بعض الحالات والعوامل التي تؤدي إلى اضمحلال الأسرة وتدهورها وهي كما أشرنا تتعلق بفترة ما قبل الزواج ، والتي ينبغي الالتفات إليها وأخذها بنظر الاعتبار قبل الإقدام على الزواد وتشكيل الأسرة .
وفي مقابل ذلك ، وكما أشرنا أيضاً ، توجد عوامل وأسباب ترتبط في فترة ما بعد الزواج حيث ينبغي رعايتها هي الأخرى لتلافي وقوع الخلافات ونشوب النزاعات ، ويمكن الإشارة إلى أبرزها .
1 ـ الجهل بالحقوق المشتركة :
في خضم الحياة المتشابكة للزوجين ينبغي للزوجين معرفة حقوق الطرف الآخر واحترامها ، ذلك أن أغلب حالات النزاع إنما تنجم عن تجاهل أحد الطرفين حقوق الطرف الآخر أو جهله بها . وقد ينشأ ذلك أيضاً من التوقعات غير المحدودة لأحد الطرفين .
إن الحياة الزوجية تنطوي على حقوق وواجبات يتوجب على الزوجين رعايتها واحترامها ، وإن معرفة هذه الحقوق والواجبات أولاً هي الخطوة الأساس في طريق بناء الأسرة المنشودة .
2 ـ غياب التجدد في الحياة المشتركة :
ينبغي على الزوجين السعي لتجديد حياتهما المشتركة وشحنها بكل ما يلفت النظر ويجلب الإهتمام . إن الشقاء والتصدع لا يطال الحياة الزوجية إلا عندما يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بالرتابة المملة وأنه لا شيء جديد .
ينبغي على الزوجين التجدد لبعضهما والظهور بصورة ملفتة للنظر ، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف .
3 ـ إخفاء الأسرار :
ينشب النزاع بين الزوجين أحياناً تعمد الرجل والمرأة الاحتفاظ ببعض


(34)

الأسرار أو القيام ببعض الأعمال التي من شأنها أن تغضب الطرف الآخر كمعاشرة بعض الأشخاص أو اعتناق بعض الأفكار أو إخفاء بعض الحقائق .
قد ينطوي ذلك على بعض المصلحة ولكن ينبغي عدم التغافل عن بعض الأسرار التي تخص الحياة الأسرية وأن تظهر للملأ العام يوماً ما ، وعندها سيتضاعف الضرر ، وأساساً فإن الإنسان عدو ما يجهل ، وسينصب العداء في النتيجة على الطرف الذي تسبب في ذلك الجهل .
4 ـ التدخل في الشؤون الخاصة :
كثيرة هي النزاعات التي تنجم عن تدخل أحد الطرفين في شؤون الآخر . لقد وضع الإسلام نظاماً للحياة الزوجية وعين حدوداً للزوجين وأشار إلى حقوق وواجبات كل طرف منهما ؛ وعليه فإن على الزوجين التحرك في إطار ما رسمه الإسلام لهما ، وأن هناك مجالات للتعاون معينة ولا ينبغي التدخل في الشؤون الخاصة إلا إذا طلب الطرف المعني ذلك .
قد يحدث التدخل في بعض الأحيان من طرف بعيد كالأقارب والأصدقاء ، فمثلاً تدخل سيدة ما حياتهما كمرشد وتبدأ تدّخلها في شؤون الأسرة مما يتسبب في بعض الأحيان في حدوث الخلافات بين الزوجين ، وهذه ظاهرة عامة يعرفها الكثير .
5 ـ الإحساس بالحرمان :
ما أكثر أولئك الذين يبنون لأزواجهم ، على أساس من الأحلام والآمال العريضة ، قصوراً كبيرة من الخيال ، وإذا بهم يجدونها مجرد أنقاض وخرائب ، فيشعرون بالحرمان بعد أن عاشوا ـ كما صورت لهم تلك الأحلام ـ في قصور فخمة وحياة مرفهة . وعندما يصطدمون بالواقع المرير يخفون مشاعرهم وراء الستائر مدة ما ، ولكنها سرعان ما تسقط وتظهر جميع الحقائق ويبدأ النزاع .
6 ـ الأنانية :
المشكلة الأخرى التي تعتري الحياة الزوجية وخاصة لدى الشباب ،


(35)

هي الأنانية والسقوط في أسر الأهواء النفسية التي تمنعهم من الرؤية الواضحة للأمور ، بل يتعدى الأمر إلى رؤية الحقائق مقلوبة تماماً ، ولو أنهم خلوا إلى أنفسهم وفكروا في سلوكهم وآرائهم بعيداً عن روح الأنانية لتكشفت لهم الحقيقة ، وعندها تضمحل فرص الصدام والنزاع .
وينبغي للإنسان أن يربّي نفسه على التحمل وطلب الحق والعدالة ، بشرط أن يكون ذلك منذ بدء حياته المشتركة ، وعندها ستصبح هذه الشعارات ملكة متجذرة في روحه .

في الوقت الحاضر :
الماضي لا يعود ، وما تحدثنا عنه يرتبط بأشياء قد حدثت ، ولا سبيل لعودتها . . والسؤال هنا ماذا يجب أن نفعل ؟ أمامنا ثلاث طرق لا غير : طريق الطلاق ، طريق التحمل والعذاب ، وطريق الإصلاح .
ـ إن طريق الطلاق لا يشكل حلاً مرضياً نظراً لقدسية الزواج الذي يعتبر اتحاداً بين شخصين عن قرار سابق ورغبة متبادلة ، وقد تم كل ذلك في ظلال من تعاليم الإسلام وبحكم من الله سبحانه وتعالى ، فالأمر الذي يتم برضا الله لا ينتهي إلا برضاه أيضاً .
ـ أما الطريق الثاني وهو تحمل الآلام فلا يعتبر حلاً صائباً هو الآخر ، إذ ليس من المنطقي أن يختار الإنسان العيش في جحيم لا يطاق يوقف مسيرته نحو الكامل .
ـ وأخيراً : الطريق الثالث وهو الحل الذين ينشده الإسلام والعقل : طريق الإصلاح والعودة إلى جادة الصواب ، إذ ليس من المستحيل أن يجلس الزوجان للتفاهم وبحث المشاكل في إطار من الموضوعية لدارسة وضعهما وتشخيص الداء والاتفاق على نوع الدواء المناسب .

في طريق الإصلاح :
لا يمكن بالطبع إجبار الزوجين على الاستمرار في الحياة المشتركة أو أن نطلب منهما تبادل الحب ، ولكن من الممكن أن نعرض لهما أسس


(36)

الحياة المشتركة التي تحظى برضا الله سبحانه ومن ثم نطلب منهما التسليم لها واحترامها . وبالطبع فإن هذا الأمر يعتبر الحد الأدنى الذي يحقق استمرار الحياة الزوجية في جو مسالم .
من سوء الحظ إن الإنسان يحكّم عواطفه ومشاعره في أكثر المسائل حساسية ومصيرية فهو يطلب من ال<خرين النزول على رغباته دائماً ، ولو كان هناك قدر من المحبة والتسامح لما كان هناك من أثر للنزاع .
وينبغي للشباب أن يعتبروا ما ورد إنذاراً مبكراً لهم قبل أن يلجوا عالم الحياة الزوجية ، ينبغي لهم أن يحكّموا وألاّ ينقادوا لأهوائهم الشخصية ، وأن يحسنوا الاختيار ، وأن يكون هدفهم الإنسان الذي يمكن التفاهم معه ، لا الإنسان الذي يريد من الأشياء أن تدور في فلكه ومداره .


(37)

الفصل الثاني
الطموحات اللامحدودة

في غفلة عن الحسابات الواقعية للزواج وتأثير البعض وإيحائهم أحياناً تنطلق في نفس الرجل أو المرأة طموحات لا حد لها ، إذ يتصور أحدهما أن سيحقق في ظل الزواج جميع طموحاته دون حساب ، وأن الحياة ستكون مفروشة بالرياحين غافلاً عن أن الدنيا لها حسابها الذي يختلف عن حساباته .
هناك بعض الطموحات المعقولة والمحسوبة ، وهذه مسألة منطقية لا يعترض عليها أحد ، لكن هناك من الطموحات ما لا يمكن أبداً تحققه على أرض الواقع وإذن فينبغي الكف عنها .

الطموحات اللامعقولة :
لا يمكن استقراء جميع الطموحات الخيالية ، وسيكون عدّها مسألة في غاية الصعوبة ، وسنكتفي في هذا البحث بالإشارة إلى أهمها كظاهرة عامة .
1 ـ الملائكية :
ربما تثير هذه المسألة الضحك عندما يطمع الرجل أو المرأة وخاصة في أوساط الشباب أن يكون الزوج ملاكاً بعيداً عن كل اشكال الخطأ ، ولهذا فهو معرض للحساب واللوم دائماً .
إن تصور الزوج أو الزوجية ملاكاً قادماً من السماء لأمر غير منطقي تماماً . نحن نعيش في عالم البشر لا في عالم الملائكة ، ومن يعيش في هذا العالم لا بد أن يخطىء أو يصيب . الإنسان مزيج من صفات متعددة ، ومن أجل خصاله الطبيعية ينبغي أن نغفر له أخطاءه أو نغض الطرف عنها .


(38)

2 ـ المستوى العلمي :
وهذه ظاهرة نشاهدها لدى الكثير ، حيث نجد فرقاً بين المستوى العلمي للرجل والمرأة ، وربما ظن بعضهم أن الحياة فصل من فصول المدرسة يجلس فيه الزوجان للبحث والمناقشة والجدل ، وقد يتصور أحدهما أن السعادة تكمن في ظلال شهادة الدبلوم أو الدكتوراه . وفي هذه الحالة كان من الواجب على أولئك أن يفكروا في ذلك من قبل ، أو أن يهيئ أحد الطرفين الظروف المناسبة لتقدم زوجه في هذا المضمار .
3 ـ النظام الدقيق جداً :
نشاهد لدى البعض من الأزواج نوعاً من الوسواس ـ إذا صح التعبير ـ في النظام ، وإصرارهم على أن يكون كل شيء في مكانه ، ولذا قد ينشب النزاع حول بعض التفاصيل اليومية كعدم وجود القلم ـ مثلاً ـ فوق المنضدة وهلمّ جرا .
صحيح أن الحياة تحتاج إلى قدر من النظام والبرمجة ، غير أن هناك فرقاً بين الأسرة ومعسكرات الجيش .
4 ـ الاستسلام الكامل :
ينظر البعض ومع الأسف إلى أزواجهم على أنهم عبيد وأرقاء ، وعليه فإنهم مطالبون بتنفيذ ما يصدر إليهم من أوامر دون نقاش ، وهذه النظرة بالطبع تفتقد إلى الحس الإنساني ولا ينبغي أن يشعر الإنسان بالسعادة إذا تمكن من تحقيق ذلك . ما الفائدة التي يمكن أو يجنيها الزوج إذا حوّل زوجته إلى مجرد جارية وما هو النفع الذي تجنيه الزوجة إذا تحول زوجها إلى عبد ؟ أليس هذا نسفاً لمعنى الحياة ؟!.
5 ـ التشديد في السيطرة :
إن معاني الحياة تمكن في الحرية ، وبالرغم من طموح الإنسان لأن يعيش حراً فإنه يعمد إلى محاولة استعباد الآخرين كما يفعل ذلك بعض الأفراد بعد زواجهم ، إذ يحاولون ، وبإصرار ، مراقبة كل شيء بدقة ضباط


(39)

التحقيق ، حيث البيت الزوجي في نظرهم منزل زاخر بالأسرار التي ينبغي الكشف عنها . إن مثل هذه الرؤية المشوّهة لا بد وأن تقود إلى الاصطدم والتنازع .
6 ـ الإغراق في الاحترام :
الاحترام المتبادل بين الزوجين مطلوب ولا يحتاج إلى نقاش ، ولكن لكل شيء حدوده الطبيعية ، فإذا تعدّاها فقد معناه وفائدته ، كما أن الحياة الزوجية حياة تنبض بالعفوية والمحبة ولا تتناسب مع الرسميات والتشريفات التي يمكن تحملها ساعة أو ساعتين ، أما الحياة المشتركة التي تمتد بامتداد العمر وتتسع لتشمل الحياة كلها فلا تنسجم مع الرسميات التي تتناقض مع الحب والعلاقة الحميمة المشتركة .
7 ـ العمل والسعي الفائقان :
هناك بعض النسوة اللائي ما أن يصل أزواجهن من العمل حتى يجرجرنهم إلى عمل آخر . فمثلاً تلقي المرأة طفلها الرضيع في أحضانه للقيام على راحته وشؤونه ، غافلة عن أن زوجها قد وصل تواً من عمل مرهق ، وأنه يحتاج إلى قدر من الراحة .
أو نشاهد بعض الأزواج ما أن يضعوا أقدامهم في البيت حتى يطلبوا من نسائهم توفير جميع وسائل الراحة غافلين عن هذه الحقيقة وهي أن الزوجة كانت تعمل منذ الصباح في إدارة المنزل ورعاية الصغار .
8 ـ وأخيراً فإن هناك بعض الأفراد الذين يتمنون نوعاً من السعادة قد رسموها في أذهانهم ويطلبون من الآخرين ممن يشاركونهم حياتهم أن يكونوا لهم خدم . في ذلك ، فهم ينشدون حياة تطفح بالنجاح الكامل والدائم بناءً على نظرياتهم الخاصة ، وعندما يحدث قصور في ذلك فإنهم يحمّلون الآخرين مسؤولية الفشل في ذلك ، ومن ثم تبدأ حياة النزاع .

منشأ الطموحات :
وللسؤال عن منشأ هذه الطموحات الخيالية التي تجر الحياة الزوجية


(40)

إلى أتون النزاع والخلاف ، هناك أسباب عديدة تشكل بمجموعها الإجابة عن هذا التساؤل .
1 ـ الأنانية :
ما أكثر الأفراد الذين ، وبسبب تربيتهم الخاطئة حيث ينشأون على الدلال ، تترسخ في نفوسهم نزعة السيطرة اعتقاداً منهم بأنهم في مكانة رفيعة تؤهلهم لفرض رأيهم على الغير ، ولذا فهم يمتازون بالعناد والغرور حتى في مقابل الحق . وهذا التوجه في فرض آرائهم على الطرف الآخر يقود إلى النزاع بلا شك ، ذلك أن الآخرين ليسوا على استعداد للتنازل والاستسلام لرغباته .
2 ـ الوعود القديمة :
ربما نشاهد بعض الأزواج من الشباب في حالة من النزاع والخلاف الدائمين ، دون أن نجد سبباً واضحاً لذلك سوى الوعود القديمة التي ظهر زيفها وبطلانها فيما بعد . فالوعود التي بنيت عليها الآمال العراض تنتهي إلى لا شيء ، والينبوع العذب لم يكن سوى سراب بعيد . وفي مثل هذا الحالة لا يمكن أن نتوقع سكوت الطرف المعنيّ أو أن ننتظر أن يغض طرفه عن ذلك ، وهكذا يتفجر النزاع .
3 ـ التحريض :
نشاهد في بعض الأحيان نساءً يعرن آذاناً صاغية لبعض الأفراد الماكرين ويتأثّرن بأحاديثهم المعسولة التي تحوي في داخلها السم الزعاف ، وإذا بالزوجة تتغير تجاه شريك حياتها ، وإذا بالزوج يتغير تجاه زوجته ، كل هذا يحصل جراء حديث تافه كأن يقول أحدهم للمرأة مثلاً : يا للأسف لحياتك التي تضيع هباءً مع هذا الرجل وكان من الأجدر بك أن تعيشي مع رجل له كذا وكذا ومعه كذا وكذا وغير ذلك مما يترك آثاره السلبية لدى المرأة وبالتالي يظهر الفتور في حياة الزوجين وعلاقاتهما .


(41)

4 ـ الطموح والاختبار :
نصادف أحياناً نوعاً من المشاكل التي تظهر جراء الاختبار ومحاولة أحد الزوجين امتحان الآخر ووضعه على المحك ومعرفة مدى الأهمية التي يضمرها له ، وفي هذه الحالة فإن عدم تحقيق واحدة من تلك الطموحات سيضرب القاعدة والأساس في الصميم وبالتالي يعرض مصير الأسرة للخطر . وينبغي في مثل هذه الحالات أن يتصرف الطرف الآخر بلباقة إذا لم يمكنه تحقيق طموح شريك حياته .
5 ـ الإرهاق الناشئ عن العمل :
تنشأ بعض الإختلافات بسبب شعور أحد الزوجين بأن شريكه لا يقدر مدى ما يعانيه من تعب وإرهاق في سبيل تحصيل لقمة العيش فهو يشعر على الأقل بأنه وحيد دون سند أو حتى تشجيع ، وفي هذه الحالة تتراكم في أعماقه المشاعر الدفينة والعقد التي سرعان ما تنفجر لسبب أو آخر على صورة نزاع أو خلاف حاد كفرصة للانتقام .
6 ـ عدم التحمل :
لقد سبق وأن أشرنا إلى هذه النقطة ، حيث يوجد الكثير من الأفراد ، بسبب التربية الخاطئة ، لا طاقة لهم على التحمل والصبر ، فهم يطمحون إلى العيش في دلال دائم يتطلب من الطرف الآخر المراقبة المستمرة وتنفيذ كل رغباته ، وهو أمر لا يمكن توفره دائماً لدى الطرف الآخر ، أو ربما يتوفر لبعض الوقت ثم يفتر أو ينعدم ، وفي هذه الحالة يثور الطرف المدلّل مطالباً بحقه .
7 ـ عدم تفهم الطرفين بعضهما :
وأخيراً فإن أحد بواعث النزاع الذي يعصف بالحياة الزوجية هو غياب التفاهم وعدم إدراك الزوجين بعضهما البعض . وقد تنشأ هذه الظاهرة من جراء الاختلاف الكبير في العمر أو المستوى الثقافي ، الأمر الذي يضع كلاً منهما في واد بعيد عن الآخر ، فهذا ينشد السفر والمرح وذاك ينشد التحقيق


(42)

والبحث . وهذا « التناقض » ـ إذا صح التعبير ـ سيدقّ اسفينه في الحياة الزوجية .
وفي هذه العجالة يمكن إضافة بواعث أخرى لدى الطرفين ، كوجود حالة من الطفولة ، الخوف من الحياة ، الهروب من المسؤولية الممارسات الفظّة . . الخ .

عوامل تضاعف من حالات الطموح :
ما أكثر العوامل التي تنفخ في بالون الطموح وتبعده عن أرض الواقع ، فمثلاً التطلع إلى حياة الآخرين خاصة أولئك الذين يعيشون في بحبوحة من العيش ، إضافة إلى ما تشيعه بعض أجهزة الإعلام بمختلف وسائل التعبير من ثقافة منحرفة ، عن دنيا الخيال وعالم العناد الذي يبعد الإنسان ويجعله يعيش في دوامة من الخيال التي تحرفه عن الطريق .

بحث في الطموحات :
إن الطموحات التي تنشأ في ظل الزواج أمر لا يعترض عليه أحد ، بل أن الحياة الزوجية الخاوية من الطموح لا معنى لها ، ولكن الحديث هنا عن حدود الطموح ومدى منطقيته ، ذلك أن بعض الطموحات التي تخرج عن دائرة المعقول لها آثار سلبية تهدد نفس الحياة الزوجية بالدمار .
أن تطمح المرأة مثلاً لأن يجسد زوجها دور العاشق دائماً أو أن يطمح الرجل في رؤية زوجته تلعب دور الأم في تدليله على الدوام ، إن مثل هذه الطموحات هي حالة طفولية بعيدة عن التفكير الناضج .
صحيح أن الزوجين بحاجة إلى قدر من الأمومة والأبوة في التعامل ، شرط أن لا تتعدى الحدود المعقولة .

ضرورة كبح جماح الرغبات :
تحتاج الحياة الزوجية إلى قدر من القناعة وضبط النفس أمام الكثير من الرغبات التي لا يمكن تحقيقها ، وهذه الحالة مطلوبة من المرأة في كثير


(43)

من الأحيان خاصة إذا كان زوجها محدود الإمكانات ، حيث سيساعد ذلك على حل الكثير من المشكلات وتذليل العديد من العقبات التي قد تعترض طريق الحياة الزوجية .
إن التمتع بالحياة الزوجية لا ينشأ في ظل الطموحات العريضة والملوّنة ، بل أن الطموحات التي تخرج عن حدها قد تصدّع الحياة المشتركة وتصيبها بالشلل ، إن الحياة المشتركة تتطلب من الإنسان أن يكون واقعياً في طموحه ، صبوراً في تحقيق ما يصبو إليه ، وتتطلب منه السعي المتواصل دون كلل أو ملل .


(44)

الفصل الثالث
الشكوك وسوء الظن

الزواج في حقيقته نوع من الاتصال والاتحاد بين عالمين مختلفين وحياتين لهما خصائص مختلفة . والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين ، بل يعني التمتع بالحياة سوية والشعور بالاستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة .
ولذا فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل والصفاء والتفاؤل وإلا فلا يمكن لها الاستمرار بسلام .
من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة هو التشاؤم وسوء الظن الذي يهدد السلام العائلي بالخطر ؛ ذلك أنه ينسف في بدايته عرى التفاهم ، وبالتالي يفجر الصراع .

صور من سوء الظن :
ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب ؛ فمرة يظهر سوء الظن في الجانب الاقتصادي ، حيث يشعر أحد الطرفين بأن الآخر يخفي هذا الجانب دونه ، فقد تظن المرأة ـ مثلاً ـ بأن زوجها يتقاضى مرتباً أكثر بكثير مما يعلن عنه وأنه ربما يدخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها .
ومرة يظهر الشك في جانب آخر يرتبط بالعفة وطهارة الثوب ، في حين ليس هناك سوى الشك فقط الذي ينجم عادة عن الغيرة .
ومرة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر حيث يشكّك أحد الطرفين


(45)

ويظن بأن الآخر يتآمر عليه ، وأنه قد يستهدف القضاء عليه . وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الحب الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز هذه العواطف المتبادلة والود المشترك .

الآثار المدمرّة :
للتشاؤم في جميع صوره آثاره المدمرة في الحياة الزوجية ، وقد يجرّ في بعض الأحيان إلى الطلاق وانهيار الأسرة أو قد يعصف بسمعة أحد الطرفين الذي يجد نفسه في موقف صعب لا يمكنه فيه من رد الاعتبار إلى كرامته المهدورة .
إن سوء الظن ينسف أول ما ينسف أساس الاتحاد بين الزوجين ويفقدهما القابلية على الاستمرار ، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة والتعبير عن الاحتقار ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم وأنها مليئة بالآلام التي لا يمكن علاجها .
من الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن هو زوال الإحساس بالعزة والكرامة مما يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم ، إذ أن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر ، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب وانكشاف الواقع إذا صح التعبير .

بواعث الشك :
من الضروري الإشارة إلى الأسباب والبواعث التي تمكن وراء الشكوك وإساءة الظن ؛ وعلى أساس البحث ـ من خلال رسائل الشباب وبعض وجهات النظر يمكن الإشارة إلى ما يلي .
1 ـ التسيّب :
قد يبدو الزوجان من خلال المعاشرة مع الآخرين في حالة من التحلل وعدم الالتزام ، خاصة لدى حضورهما معاً في المحافل العامة ، وخاصة في أحاديثهما أو إطلاق الضحكات التي تجعلهم محلاً للإنتقاد ، وقد يبدو أنهما متساهلان في ذلك ، ولكن التراكمات تتجمع في الأعماق مما تولّد الحقد الذي يظهر في أول فرصة مناسبة .


(46)

2 ـ الغيرة :
وهي أحد عوامل سوء الظن والشك ، إذ أنها تضخم الرؤية لدى أحد الطرفين وتجعله يرى الأشياء في غير ما هي عليه مما تدفعه إلى تعنيف الطرف الآخر بشدة متّهماً إياه بالعمل على تدمير الحياة الزوجية .
3 ـ الأنانية والمغامرة :
يعاني بعض الشباب من استمرار حالة الطفولة ، ولذا فإنهم يتصرفون كما لو كانوا أولاداً طائشين ، فبمجرد ما تصور لهم أوهامهم شيئاً تتأجّج في أعماقهم روح المغامرة ، ومن ثم يبدأ النزاع الذي يحاول البعض ـ ومع الأسف ـ تصعيده إطلاقاً من لؤمهم وانحطاط نفوسهم .
4 ـ السرية في العمل :
قد يشعر الرجل أو المرأة بوجود أعمال في الخفاء ، الأمر الذي يثير الشكوك لديهما . وعندما تتجذر حالة الشك في النفس تتحول إلى سوء ظن مزمن يفسر الأمور على غير حقيقتها ، وبالتالي يفجّر حالة الصراع .
5 ـ الأمراض :
المراد من الأمراض هنا الأمراض النفسية بصورها المتعددة ، فهناك حالة الوسوسة التي قد يعاني منها الرجل أو المرأة فيجرّ حياتهما المشتركة إلى الشقاء ، وهناك الضعف العصبي ، أو بعض العقد القديمة التي تعود إلى أيام الطفولة ، وكل ما يجعل الروح تعيش في حالة من الضيق بالآخرين والتشكيك بهم .
6 ـ الحرمان :
قد ينشأ سوء الظن كنتيجة لحرمان تعرض له أحد الزوجين في فترة سابقة وتولّد لديه إحساس بالمرارة ، وهزّ جميع الثوابت في أعماقه ، فإذا به يشكك في كل شيء ، وإذا به يحاسب زوجه حساباً عسيراً من أجل شيء تافه .


(47)

7 ـ وضع القيود :
يحاول البعض وضع القيود في أيادي أزواجهم ، بحيث يشلّهم عن الحركة ، بل وحتى التنفس في جو صحي ، مما يدفع بالطرف المقابل إلى الشعور باستحالة استمرار الحياة الزوجية بهذه الوتيرة ، ومن ثم التمرد ومحاولة التخلص من الوضع المهين والمذلّ .
وأخيراً وليس آخراً ، ينشأ سوء الظن بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية من قبيل تحريض بعض الأعداء المتلبسين بثوب الصداقة ، ومع الأسف فإن مجتمعنا يعج ببعض الأفراد الذين لا يمكنهم تحمل رؤية سعادة واستقرار الآخرين ، فيحاولون توجيه ضرباتهم المسمومة للإطاحة بالأسر السعيدة . ولو كان هناك أقل يقظة من جانب الزوجين لما أمكن لهؤلاء المنحطّين أن ينجحوا في تآمرهم الدنيء هذا .
وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة ، التدخل في الشؤون الخاصة ، المراقبة المستمرة ، الإهمال ، الإهانة ، والتعنيف الدائم ، وغير ذلك .

نشوب النزاع :
يبدأ النزاع بسبب بعض التفاصيل الصغيرة ، وسرعان ما تتجذر هذه الحالة لتتخذ شكلاً أوسع في المستقبل ، يصعب علاجها حينئذ . فالشقاء يبدأ مع المحاسبة المستمرة حتى لو كانت حول بعض التفاصيل ، ولكنها في النهاية تعكر من صفاء الأجواء في الأسرة ، في حين يمكن حل الكثير من المسائل في جو من التفاهم وفي ظلال من الاحترام .
هناك بعض المسائل التي تواجه صمتاً من جانب وإهمالاً من جانب آخر ، غير أنها تتجذر في الأعماق وتنمو لتشكل فيما بعد تهديداً خطيراً للكيان الأسري . ولذا ينبغي أن يتمتع كل طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان وإلا فإن التصادم سوف يحطم الاثنين معاً ويقودهما إلى هاوية الطلاق .


(48)

ضرورة التخلص من سوء الظن :
يعتبر الإسلام في طليعة المذاهب التي تندّد بسوء الظن وتدعو إلى اجتثاثه من النفوس ، خاصة في الحياة الزوجية ، ويدعو الزوجين إلى الاستمرار في الحياة المشتركة في ظلال من الطمأنينة والثقة المتبادلة .
إنها حالة صبيانية أن يعجز شخصان عن التفاهم فيما بينهما حول المسائل ذات الهم المشترك . إنني أخاطبكم أيها الشباب ، باعتباركم مسؤولين عن تربية الجيل القادم . إن هذه المسؤولية تتطلب منكم شعوراً يسمو بكم عن توافه الأمور . وإن عجزكم عن التفاهم يعبّر عن عدم أهلّيتكم لاحتضان الجيل وتربيته .
وهل كان الهدف من ارتباطكم المقدس هذا هو صنع هذا الجحيم من الحياة ؟! وهل ـ حقاً ـ لا توجد سبل لحل الخلاف الزوجي ؟! إن الزواج يعبّر عن تخطّيكم الكامل لحياة الطفولة ودخولكم عالم المسؤوليات بكل تشعباتها التي تحتاج إلى تفاهمكم وتعاضدكم وحل جميع المشاكل في جو من الهدوء لكي تكونوا أفراداً صالحين ونافعين في مجتمعكم وبلادكم .

طريق الخلاص :
وفي محاولة للتخلص من حالات الشك وسوء الظن يمكن الإشارة إلى بعض السبل ، وهي كما يلي :
1 ـ الالتزام بحدود الإنسانية :
إن الحياة الزوجية تعني في أقل التقادير تعاقد إنسانين على الحياة معاً وتحت سقف واحد ؛ وهذه الحياة المشتركة تتطلب التزاماً ببعض العهود منها ما يحدده الدين والعرف ومنها ما يحددها الإنسان بنفسه . وعليه فإن أقل ما يمكن رعايته من جانب الزوجين هو احترام الأعراف في ما يخصّ العلاقات الزوجية .
2 ـ رعاية العفّة :
وهي في الواقع الحجر الأساس في البناء الأسري ، إذ أن الزوجين


(49)

على السواء ملزمان أمام الشريعة باحترام هذا الجانب الحساس في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فالعفة تشمل الحديث والمعاشرة وطهارة الثوب وغير ذلك من الأمور .
وعليه ، يتوجب على كلا الزوجين الابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بهذا الجانب من قبيل الافتراء والبهتان وظن السوء ، وأن عليهما الاهتمام ببعضهما وتقاسم حلاوة الحياة ومرارتها .
3 ـ التثبت في الأمور :
ما أكثر الأفراد الذين يصغون إلى أحاديث الإفك فيتأثرون بشدّة ، وتنشأ في نفوسهم حالة من سوء الظن والشك الذي قد يترتب عليه المواقف الخطيرة وقد كان من الممكن تفاديها بقليل من التثبت والرويّة .
إن أي قرار متسرع دون بحث وتفحص لا بد وأن ينتهي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها ، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف في الشخصية وإحساس بالمهانة .
4 ـ تدبر الأمور :
لا توجد مسألة أو مشكلة لا يمكن حلها من خلال التدبر ، والمطلوب هنا هو تحكيم العقل وإقصاء العاطفة جانباً والتأمل في المشكلة بكل موضوعية بعيداً عن الأنانية وسوء الظن ، وفي هكذا شروط سوف تظهر الحقيقة واضحة جلية .
5 ـ بناء النفس :
يتحول الفرد أحياناً ، بسبب خطأ أو انحراف أو حتى مجرد الإحساس بذلك ، إلى إنسان يسيء الظن خاصة عندما يجد تأييداً لدى الآخرين . إن الحياة الزوجية تتطلب من الإنسان أن يعتبر نفسه ناقصاً وبحاجة إلى التكامل . وهذا التصور يجنّب الإنسان الخطأ الناجم عن الشعور بصحة تصرفاته ، لأنه إذا ما شعر الإنسان بأنه غير كامل وأنه يعاني من نقص مستمر ، توقع احتمال الخطأ من نفسه ، وبالتالي يصون هذا الشعور الإنسان من العناد واللجاجة في الرأي ويدفعه إلى نشدان الحق والبحث عن الحقيقة .


(50)

6 ـ حسن النية :
من ضرورات الحياة المشتركة أن يتمتع الزوجان بحسن النية دائماً في مشاعرهما وممارساتها ، فإذا كان هناك خلل ما في توفر بعض مستلزمات الحياة في المنزل فيجب أن لا يفسّر هذا على أنه نوع من إلحاق الأذى ، وإذا حدث وضحك أحدهما في غير مناسبة فعلى الآخر أن لا يتصور بأنّها موجهة ضده .
إن الحياة الزوجية ، خاصة لدى الشباب ، تحتاج إلى حسن في النوايا وتعاضد في الأعمال ، وإلا فإن روحيهما ( أي الزوجين ) ستكونان نهباً للقلق ، وحياتهما عرضة للتزلزل .
7 ـ استعراض الحقائق معاً :
في الحياة المشتركة ينبغي أن يكون حصة العقل أوفر حظاً من حصة القلب ، حيث يمكن ، ومن خلال مناقشة بعض الحقائق معاً ، تلافي احتمالات الإخلال بالصفاء الزوجي ، ويتطلب هذا الأمر إصغاء الطرفين لبعضهما مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الضوابط الفكرية ، وإلا فإنهما سيضطران إلى اعتماد أساليب بعيدة عن المنطق في حديث لا يمتّ إلى أرض الواقع بصلة أو جذر ، مما يؤدي إلى توتر العلاقات في الحياة الزوجية .
8 ـ تقبل القيود :
إنكم لم تعودوا أطفالاً أحراراً كما كنتم بالأمس . إن الحياة الزوجية هي شكل من أشكال الحرية المقيدة والمشروطة ، يتقلبها الزوجان كأساس للحياة المشتركة ، وهي علاوة على كونها شرطاً في الحياة الزوجية فإنها تعمل على تهذيب الإنسان وتشذيب أخلاقه في المعاشرة والصحبة من خلال بعض الضوابط والقواعد التي تصبّ في النهاية في مصلحة الزوجين بما يعزز من أمن واستقرار الأسرة .