الفصل الرابع
الرغبات

الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف .
يمر عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب والخيالات الجميلة التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته . . ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر .
إننا لا نطرح خطاً صارماً للحياة ، إذ من الممكن الخروج هنا أو هناك عن المسير المعين للحياة ، ولكن المفروض هنا هو ذلك الجنوح في الخيال بعيداً ، لأنه يضاعف من أخطار السقوط .

الحياة المشتركة والرغبات :
ما أكثر الرغبات التي تقود إلى المصائد وتجعل طعم الحياة مراً ، وهذه المسألة تكاد تكون عامة تشمل كل نواحي الحياة إلا أنها تتجلى واضحة جلية في الحياة الزوجية .
إن الوقوع في أسر الرغبات واتباع الشهوات واللهاث وراءها وتجاوز الحدود القانوية التي رسمها العقل والشرع من أجل سعادة الإنسان واستقراره ، إن تجاوز هذه الحدود سيتسبب في اضمحلال الحياة الزوجية وانهيارها .
وما أكثر الخلافات والحساسيات ، وبعبارة أكثر صراحة ما أكثر


(52)

الانحرافات التي تطبع حياة البعض من الرجال أو النساء والتي تؤدي إلى انهيار الحياة المشتركة عن حسن نية .
نعم ، نحن نؤمن بأن بعض المراحل من عمر الإنسان تقتضي التظاهر ومحاولة إلفات نظر الآخرين ، ولكن ـ وبعد أن يخطو الخطوة الأولى في دنيا الحياة المشتركة ـ عليهما الالتزام بالضوابط الإلهية وتوظيف هذه الموهبة الإلهية في دائرة الشرعية التي يحددها الدين .

مسألة الهدى :
أن تكون الحياة زاخرة بالأحلام الملوّنة والأماني الجميلة أمر لا يعترض عليه أحد ، ولا يدعي أحد كذلك بأن على الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أن يقضي وقته بالعبادة والدعاء ، بالرغم من أن دائرة العبادة من وجهة نظر الإسلام تسع جميع الأنشطة الإنسانية التي تحظى برضا الله سبحانه ، حيث تعتبر بعض الأفعال كالأكل والنوم وحتى الممارسة الجنسية في حالات معينة عبادة يثاب عليها الإنسان .
إن ما يرفضه الدين هو الانقياد إلى الهوى واتباع الشهوات والوقوع في أسر الرغبات . بعبارة أخرى سقوط الإرادة ووقوع الإنسان في أسر الأهواء النفسية .
فالذي لا يملك سلطاناً على عينيه ولسانه وأذنيه ، والذي لا يمكنه ضبط نفسه من الرغبات ، لا يمكنه أن يتمتع بشخصية متماسكة متينة ، وبالتالي يعرّض سمعته وطهارة ثوبه إلى الخطر .

الأخطار :
متعددة هي الأخطار التي تنجم عن الوقوع في أسر الشهوة والانقياد إلى الهوى .
1 ـ المعاشرة والانحراف :
تخضع المعاشرة من ناحية إسلامية لضوابط محددة ، فالإنسان المسلم


(53)

مقيد بحدود معينة تنظم علاقاته مع الآخرين ، فهناك مسألة المحارم مثلاً كأبرز ضابطة شرعية تنظم علاقات الرجل والمرأة ، إذ ليس من حقنا أن نمزح مع أي كان أو نجالس أيّا كان أو نتحدث مع من نشاء .
إن بعض النزاعات التي تعكر من صفو الحياة الزوجية إنما تنشأ بسبب إهمال هذه الضوابط ، إذ أننا نجد البعض ـ رجلاً أو امرأة ـ يقيم علاقات محرمة مع بعض الأفراد في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتقطيع كل الأوامر مع زوجه ، ولا تستمر الحال هكذا إذ سرعان ما تتحطم حياة كل منهما وتذهب أدراج الريّاح .
2 ـ الاشتراك في الحرام :
عادة ما تقود الشهوات إلى الوقوع في الحرام ، وبالطبع تكون البداية حضور الحفلات المحرمة التي تلوّث الإنسان تدريجياً ثم سرعان ما يجد المرء نفسه في أحضان الرذيلة ، وبمرور الأيام يزيّن رفاق السوء له هذه الحياة فيفضّلها على حياة الزواج والجو العائلي ، وعندها يولّي ظهره لزوجته ولأبنائه ويتضاعف الخطر عندما يدمن ذلك الإنسان على القمار أو الشراب أو تعاطي المخدرات إذ لا يكون همّه سوى الحصول على المال عن أي طريق ، وعندها تتهاوى الأسرة وتتحول إلى مجرد أنقاض آدمية .
3 ـ التجمل والزينة :
يحث الإسلام على أن يتزين الزوجان لبعضهما ويظهرا بالمظهر اللائق ، وفي مقابل ذلك وضع الإسلام حدوداً لذلك تمنع من الإفراط الذي يقود إلى السقوط الأخلاقي ، وذلك عندما يتحول الرجل أو المرأة إلى العوبة أو دمية تقلّبها عيون الناظرين .
فالإسلام يمنع لباس الشهرة أو أن تتزين المرأة ثم تخرج من دارها . الإسلام يمنع المرأة من التبرج لغير زوجها أو أن تتعطر ثم تخطر في الشوارع ، كل هذا من أجل صيانة الإنسان أخلاقياً وحمايته من السقوط أو الوقوع في شباك الشبهات .


(54)

إن رعاية هذه الضوابط ضرورية في حياة المجتمع لكي يبدو أكثر طهراً أو صفاء . إن المهم في حياة الإنسان ليس جماله الظاهري بل نقاء الباطن وصفاؤه وسلامة الفكر والروح .
4 ـ حب حتى العبادة :
يعيش بعض الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك السن وعبورهم تلك المرحلة ، فهم ينشدون من أزواجهم ـ مثلاً ـ حباً عنيفاً يصل درجة العبادة ! وأي ( تقصير ) أو إهمال قليل في تلك ( الطقوس ) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم ، الذي سرعان ما يفجر حالة من العدوانية والتنازع .
وينبغي على من يعاني من هذه الحالة أن يخلو إلى نفسه قليلاً في محاولة لاستكشاف الباطن وتصفيته من تلك الميول اللامعقولة .

بواعث تلك الرغبات :
هناك من الأسباب والبواعث ما لا يمكن حصرها إلا أننا نذكر أهمها وهي كما يلي :
ـ غياب النضج الكافي واعتماد العواطف .
ـ انعدام التجارب الحياتية وغياب الرؤية الصحيحة .
ـ الإحساس بالرتابة المملة والرغبة في خوض تجربة جديدة .
ـ استمرار حالة الطفولة .
ـ اللامبالاة وعدم الالتفات إلى المسائل العميقة للحياة .
ـ تناسي الهدف من وراء الحياة .
وأخيراً الوقوع في أسر الحياة العابثة واللهاث وراءها .

الرغبات والحساسيات :
إن السقوط في أسر الأهواء له آثاره المدمرة التي تطال الزوج وشريك حياته .


(55)

إن أكثر الممارسات التي تنبعث عن الحساسية تضاعف من الآلام ، ذلك أن الرجال الذين يغارون على زوجاتهم ، وكذلك النساء الغيورات ، لا يمكنهم السكوت تجاه أزواجهم حتى لو اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة لشخص ليس من المحارم .
ومن وجهة نظر شرعية فإن حدود علاقاتنا مع الآخرين واضحة تماماً ، وفي ما يخص الزي الذي نرتديه فمسألة قد يدخل العرف في تحديدها أيضاً في حدود يرسمها الشرع ايضاً ، وأن كل أمر يؤدي إلى إثارة الظنون أو الشبهات أو يعتبر مقدمة للإنحراف والسقوط هو حرام ، ذلك أن مقدمة الحرام حرام أيضاً ، كما تقرر ذلك القواعد الشرعية .

ضرورة مراجعة النفس :
ربما يغفر الله ما ارتكبناه من ذنوب في حياتنا الماضية شرط أن نعود إلى أنفسنا ونفكر فيما ينبغي أن نفعله مستقبلاً . إن العودة إلى النفس ضرورية لأسباب منها :
ـ تحقيق حالة من الطمأنينة من خلال السعي إلى التكامل الروحي .
ـ إن أبناءنا بحاجة ماسة إلى آباء وأمهات في مستوى المسؤولية .
ـ إن الأفراد في المجتمع الإنساني مسؤولون أمام بعضهم البعض ، كل حسب موقعه ، لتحقيق حالة من الاستقرار والسعادة .
إذن فنحن في حالة من الحركة ينبغي علينا خلالها الالتفات إلى أنفسنا والانتباه إلى ممارساتنا وأعمالنا والسعي الدائم لتجنب السلوكيات المنحرفة والضارة ، نصلح ما اعوجّ منها ونعتبر بما يواجهنا من خطر .
إن التهافت على الشهوات والرغبات سيمنعنا من الوصول إلى نبع السعادة ، ولذا فإن علينا أن نعزز من سلطة العقل ، وأن نحدد ما استطعنا من نفوذ العاطفة ، ذلك أن الحياة تحتاج في إدارتها العقل لا العواطف والأحاسيس .


(56)

المراقبة :
الزواج هو عهد المسؤولية وزمن الحساب ، فلقد ولّت حياة الضياع ، ودخل الزوجان عالماً جديداً ودنيا جديدة يتحمل فيها الطرفان الأعباء سوية ، ويتقاسمان فيها المسؤوليات كلّ حسب إمكاناته وقابلياته التي أودعها الله فيه .
ولذا فإن تواجدنا في المنزل في ساعة معينة لا يعتبر منقصة لنا ، وكذلك فإن خروج المرأة من المنزل ينبغي أن يتم بموافقة زوجها حفظا لها وصوناً لعفّتها وسمعتها . فالرجل يعتبر زوجته رمزاً لكرامته ، وهو المسؤول الأول عنها . لذا فقد ورد في الأحاديث إن الملائكة ما تزال تلعن المرأة التي تخرج دون إذن زوجها حتى تعود .

احترام الحقوق ورعايتها :
قال رسول الله ( ص ) : « أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها » (1) ، وقال ( ص ) : « ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها » (2) .
من بواعث النزاع في الحياة الزوجية هو انعدام تلك العلاقة الصميمية والمودة بين الزوجين ، في نفس الوقت الذي ينفتحان فيه على الآخرين بعلاقات غير صحيحة مما يؤثر سلباً في نفسيهما ويضاعف لديهما العقد .

التعفف :
تعتبر المحافظة على العفة واحدة من أنجع الوسائل والسبل في منع وقوع النزاع بين الزوجين . إن صيانة النفس عن الانحراف والوقوع في الحرام هو من خصال العفة وطهارة الثوب ، فالزينة والتجمل مطلوب على أن ينحصر ذلك بين الزوجين فقط .
____________
(1) كنز العمال .
(2) بحار الأنوار ج 103 ص 253 .

(57)

قال رسول الله ( ص ) : « أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا منها ريحها هي زانية » (3) .
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقة صداقة وحب ، كما أن هدف كل منهما أن يكون صاحبه ملكاً خالصاً له لا يفكر بغيره ولا ينظر إلى سواه ، وفي هذه الحالة فإن التجمل والزينة والمعاشرة الحرة مع الآخرين سيلقي ـ شئنا أم أبينا ـ ظلاله السوداء في القلوب ويكون باعثاً على سوء الظن مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف واضمحلال العلاقة الزوجية .
إن العفة والتعفف ، وإضافة إلى ما ذكرنا ، حصن حصين يحمي الإنسان من الوقوع في شباك الماكرين المنحرفين الذين لا همّ لهم سوى استغلال بعض الثغرات والولوج إلى حرم الحياة الزوجية وتلويثها ، وبالتالي تدميرها ، وعندها لا ينفع ندم النادمين .

التعاليم الإسلامية :
من مزايا الإسلام الحنيف أنه يعيش مع الإنسان جميع لحظاته وسكناته ، وهو كالبوصلة التي تشير دائماً إلى الاتجاه السليم ، حيث يبدأ عملها منذ اللحظة الأولى للقيام بعمل ما ـ أعني منذ انعقاد النية ـ ولذا نشاهد أن الإسلام ـ مثلاً ـ لا يجيز لنا القيام بعمل من شأنه أن يضعنا في موضع الشبهات ويثير سوء الظن حولنا .
وفي هذا المضمار تؤكد وصايا الإسلام اجتناب كل الأعمال التي تؤدي إلى تفجر النزاع في الحياة المشتركة وضياع كل الجهود في مهب الرياح .
علينا أن نفكر وأن نضع أنفسنا مكان أزواجنا عندما نريد القيام بعمل ما ، فإننا وإن تمكنا من استغفال أزواجنا في ذلك فإن الله سبحانه هو شاهد على جميع أعمالنا .
____________
(3) ابن ماجة ج 8 ص 153 .
(58)

الفصل الخامس
عقدة التفوق

يطمح كل إنسان إلى حد ما لأن يرى نفسه متفوقاً حتى لو استدعى الأمر أن يعيش في عالم الخيال الجميل ، ومن خلال ذلك يخامره شعور بالعظمة التي تبعث في نفسه الفرحة والأمل بالحياة .
ولكن ما يبعث على الأسف أن البعض من الناس يتجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية على الآخرين .
وفي استقرائنا للعلل والأسباب التي تؤدي إلى نشوب النزاع في بعض الأسر ، واجهنا بعض النماذج من الناس الذين يحاولون حتى في إطار الأسرة إثبات تفوقهم المستمر بطريقة أو بأخرى ، فهناك ـ مثلاً ـ التدليل بالثراء أو المستوى العلمي أو حتى بالمناصب والوجاهات لبعض أقاربهم وزجّهم في هذه المسألة لإثبات تفوّقهم أمام أزواجهم !.
وربما يصل الأمر حداً ، ومن خلال الإيحاء المستمر إلى شعور البعض بأنهم قد خسروا الكثير في زواجهم وأن شأنهم ومنزلتهم لا يتناسب والحياة مع هكذا أزواج . ولذا ، ومن خلال هذه التصورات ، يشعر بالحسرة على نفسه ، وفي أحسن الأحوال يتغير شعوره تجاه زوجته فإذا هو ينظر إليها على أنها مجرد سكرتيرة أو خادمة . وقد نرى هذه الحالة المرضيّة لدى المرأة أيضاً إذ تخلط في تعاملها مع زوجها كما لو كان خادماً لديها !.

الأزواج المعقّدون :
تنشأ هذه الحالة بسبب بعض العقد النفسية التي هي في واقعها وليدة


(59)

لمرض معين أو تربية خاطئة تسبب في تعكير صفو حياتهم وحياة الآخرين ، وهؤلاء لا يعيشون سوى تلك الهموم التي تجعلهم ينظرون بتشاؤم إلى الآخرين ، فهم يشعرون بالأسف لجهل الآخرين منزلتهم وبقاء شخصيتهم في الظل ، ولذا فهم يشعرون بالوحدة والشقاء الذي تتضاعف حدّته يوماً بعد آخر .
فهم لا يملّون الحديث عن إنجازاتهم وعن ذكائهم الخارق أو عن درجاتهم العلمية أو ثرائهم ، ويودّون أن يتحدث الناس عن مناقبهم لكي يرووا ظمأهم من الزهو بأنفسهم . وقد يصل الحد بهم إلى أن يذيقوا أزواجهم المرارة والعذاب مما يؤدي في النهاية إلى تقويض أركان الأسرة .

وفي التعامل الزوجي :
عادة ما يرى أولئك الأشخاص أنفسهم أكبر من حجمهم ، ولذا فهم يعرضون أنفسهم على أنهم أعلى منزلة من الآخرين ، وبمرور الزمن تتحول أفكارهم تلك إلى نوع من التكبر والغرور فيحاولون من خلال ذلك تحديد علاقاتهم وحصرها في « عالم الكبار » ـ إذا صح التعبير ـ فترى أحاديثهم « بالونية » الحجم والمحتوى . وإذا كانت لديهم إيجابية في صفة أو عمل فإنهم يضعونها تحت المجهر ويسهبون في الحديث عنها ويطنبون .
وقد يتعذر عليهم ذلك خارج الأسرة فيحاولون إفراغ هذه الشحنة وتعويض هذا النقص داخل أسرهم ، مع أزواجهم وأبنائهم ، ويتحدثون عن شأنهم وعلوّ منزلتهم ، فإذا لم يجدوا ما يتحدثون به عن أنفسهم فتحوا دفاتر الأقرباء يقرؤون ويشرحون ، وإذا تطلب الأمر بادروا إلى السحب من أرصدتهم « المصرفية » وتوقيع الصكوك تلو الصكوك .
وهذه الحالة من الزهو التي قد تنشأ في الايام الأولى من الزواج في محاولة استعراضية ، تجد الزوجة فيها نوعاً من الحديث العذب ، تتسبب في إثارة الصداع لديها إذا ما تكررت وأصبحت عادة متجذرة ، وقد تفسّرها على أنها نوع من الإهانة الموجهة إليها وإلى كرامتها ليجرها بالتالي إلى البحث عن العيوب والمثالب في محاولة للرد بالمثل إذا صح التعبير .


(60)

البواعث :
ومن أجل البحث في بواعث هذه الحالة ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها في محاولة للحد منها أو التخفيف من آثارها على الطرف الآخر لا بد من الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الغرور الفارغ :
ربما تدفعنا بعض المجالات الخاصة إلى الإحساس بالغرور الفارغ ، فربما نحصل على ثروة من « إرث » الآباء أو الأجداد ، أو عن طريق آخر كالرشوة أو الاختلاس باسم الحق ثم نظن أن هذه الثروة تجعل لنا حقاً استثنائياً في استرقاق الآخرين ؛ أو نحصل على شهادة علمية ، ربما جاءت في بعض الأحيان عن طريق الغش أو ترديد بعض المعلومات المدرسية ، ثم نرقتي بسبب ذلك منصباً معيناً فنتصور الآخرين أقلّ فهماً وإدراكاً منا وأن عليهم أن يكونوا تابعين لنا في آرائنا وأفكارنا وخططنا دون أن نفكر بأن أزواجنا وأولادنا لا ذنب لهم لكي يكونوا ـ دائماً ـ عبيداً تابعين .
2 ـ حب السيطرة :
من العادات الخاطئة التي تترسب في نفوسنا منذ أيام الطفولة ، وقد ترافقنا إلى نهاية العمر ، هو الدلال الذي اعتدنا عليه في أيام الصغر ، والذي قد يصور لنا الآخرين مجرد خدم لا شغل لهم سوى تلبية طلباتنا .
ومما يزيد الطين بلّة هو استمرارها حتى بعد الزواج إذ نتصور الطرف الآخر خادماً لنا ينبغي عليه أن يلبّي كل ما نطلبه منه ، غافلين عن كونه إنساناً له كرامته وشخصيته التي تأبى عليه أن يكون عبداً لا أهمية له .
وهذه الظاهرة في حقيقتها مرض أخلاقي أو نفسي ينبغي علاجه ، لأن استمرارها ستكون له آثاره المدمرة ، خاصة في الحياة الزوجية .
3 ـ النرجسية والأنانية :
من دواعي الأسف أن الكثير منا ما يزال أسيراً لهوى نفسه يلهث وراء رغباتها ولا يرى شيئاً ولا أحداً سوى نفسه فقط .


(61)

وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية فإن له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية لأنه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر ، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً .
إن الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ولكن مع تحمل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجيمع .
4 ـ الشعور بالنقص :
قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص ، وفي محاولة لتعويض ذلك يجنح الإنسان للسير في خيلاء مصعّراً خده للآخرين ، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة .
ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم ، وتؤدي بهم في النهاية ـ وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس ـ إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين . وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج ، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة .
أما أولئك الذين يتمعتون بغنىً روحي فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم .

تقييم الذات :
القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ويتصرف على ضوء ذلك ، بينما يخطىء الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور .
وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما


(62)

ولكل منهما ؛ والاساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان .
ولا مجال هنا لأي محاولة أو سعي لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية .
إن حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودة التي تربط الطرفين بوشائج متينة حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد . وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً .
ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه ـ مهما بلغ من العلو ـ في علاقاته مع زوجه وشريك حياته ، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك .

ضرورة التغيير :
إن مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن بروح المحبة . ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما ، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما . ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل .
أية لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصغار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأي مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.
نعم إن الرجل سيد الأسرة ، ولكن عليه أن يعي مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير ، لا كمنصب يستعدي التفاخر والاعتداء ..
إن أدبياتنا كمسلمين تدعونا ـ ومن أجل إسعاد الآخرين ـ إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية ، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة .


(63)

طريق الحياة المشتركة :
أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش ، وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً ـ هو الآخر ـ لا غبار عليه . ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنه المعشوق الوحيد في هذا العالم .
على أن هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام . ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة .. أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها .
لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها فضلاً عن استقصائها ولا يليق بالإنسان ـ كإنسان ـ أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام ، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته .

اجتناب المعاملة الفظة :
وأخيراً ؛ يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الألفة والمحبة بينهما وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق ـ مثلاً ـ او الرؤية بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة التي تتناقض مع الحب والمودة .. ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش .
إن الإحساس بالغرور ، والفظاظة في التعامل يحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، ولذا فإن طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح . وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر فإن هذا يستدعي الشكر الله والثناء عليه لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته .


(64)

الفصل السادس
تعيين الحدود

الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل .. الحرية هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتقدم ـ من أجل تحقيقها ـ الغالي والنفيس .
للحرية جذورها في أعماق الإنسان بل وحتى الحيوان ، فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر والعودة إلى دنيا الحرية . وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً .
أما الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود .

الحياة العائلية والحدود :
لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها . وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإن حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام ـ إذا صح


(65)

التعبير ـ ذلك أن الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلا أنها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير .
فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه دون أن يأخذ بنظر الاعتبار « الآخرين » في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة .
وإذن فإن هناك حداً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة والحياة المشتركة . وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع باعتبار أن الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية وقد يشعر بالغضب عندما يرى أن حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ريثما تتوفر الأرضية المناسبة ، وفي غير هذه الصورة سوف يجنح الرجل إلى الاستبداد في رأيه وربما النزاع . وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً بأن زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأن الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات .

على هامش الحدود :
من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود يمكن إدراج ما يلي :
1 ـ تنظيم الحضور :
وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك ، ولذا فإن على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أن المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت .
ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة . وخلاصة المسألة أنه ينبغي على الزوجين


(66)

تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار ؛ وفي المقابل إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع .
2 ـ المعاشرة :
المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة وأسسها وما يتعلق بها ، غير أننا نجد ـ ومع الأسف ـ ممارسات قمعية لدى أحدهما تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة . فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يود أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد .
3 ـ التقيد في الإجراءات :
قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب ـ مثلاً ـ لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات مما يؤدي إلى النزاع والمواجهة .
قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربما تعرض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا .
إن التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصدامي ينبغي على الزوجين أن يفكرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات .
4 ـ في الميزانية :
ربما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك . إن الكرم والسخاء في حياة


(67)

الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحد المعقول في ذلك .
إن البخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة . إننا ـ ومع الأسف ـ نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.
5 ـ الطمأنينة وراحة البال :
نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً نجد زوجاً يقضي جل نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ثم يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق .
أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر تدير شؤون بيتها وترعى صغارها وتغسل الثياب وتطهو الطعام ، وعندما يحل المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها : لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تطوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً أو لم تجد الوقت الكافي لكي تطوي له ثيابه ـ مثلاً ـ .
إن محاولات كهذه وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة إلا أنها تهدد الكيان الأسري بالخطر .
6 ـ طرح الأسئلة :
تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها


(68)

أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل حتى يتحول الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنها تشعر بالمرارة لذلك . وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار .
وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن ، ولذا فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة لأن صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإن صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر .

الأسباب :
ومحاولة للإشارة إلى بواعث تلك القيود يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الجهل :
قد تتصور المرأة أن عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به ، وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أن زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأن المنزل مجرد مكان للإستراحة والاسترخاء .
ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر .
2 ـ سوء الظن :
قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي . ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أن من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام . وإذن ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد


(69)

الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري .
3 ـ إيحاءات الآخرين :
ربما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة انطلاقاً من نوايا مغرضة وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد ـ ومع الأسف ـ بعض الافراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أسر تعيش في حالة من الصفاء والمودة ، ومما يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات مما يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع . وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات .
4 ـ النرجسية :
وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، إنطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أن بعضهم إنما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين .
5 ـ غياب الحب :
وأخيراً يقف غياب الحب كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة بإهانة مقصودة أو بفرض بعض الحدود لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار .
ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب


(70)

الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة .
إن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل من قبيل الحرية ، الأنانية ، التكبر والإعجاب بالنفس لكي يتسنى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام .

ضرورة استمرار الحياة الزوجية :
ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممن يهدفون ـ ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم ـ إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ولا يمكن التنبؤ به أبداً .
وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون ـ ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة ـ انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أن العنف لا يمكن أن يولّد الحب .. الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي .
إن الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه .


(71)

الفصل السابع
تحمّل الآخر

من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الألفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكننا ـ ومع الأسف الشديد ـ نجد البعض ـ وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة ـ يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه مما يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر .
وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض انطلاقاً من أن معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء إلى حد ما .

صور متعددة :
تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إن لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلا الطاعة والتسليم .
فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء وبسبب أي شيء .. لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني .. ولماذا الطعام الفلاني غير


(72)

جاهز .. لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أن الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأن تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء .
وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين أو أمر معين أو نهي محدد ، فإن كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه .
إن مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء .

سوء الخلق :
إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول بأنها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس وتحوله إلى هشيم تذروه الرياح .
لقد أثبتت الدراسات إن سوء الخلق والإساءة في التعامل وعدم التحمل يؤدي إلى الشيخوخة حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً أن أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أن الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق .
إن الأجواء المتشنجة والمتوترة التي يصنعها التعامل الفظ ، والاساليب القمعية في الأسرة تعرض الاطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل .


(73)

البواعث :
للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ غياب التفاهم :
إن غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أن التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك . وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف . ومما يبعث على الاسف أن الزوجين ـ وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة ـ قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة .
2 ـ الفوضى في الحياة :
هناك الكثير من الأفراد ممن يهتمون بالنظام إلى حد يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية .
وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل ـ مثلاً ـ إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه .
ربما يعتبر البعض أن الأمر ليس بهذه الخطورة ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك . إن ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تحمد عقباه .
3 ـ الإجهاد في العمل :
ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب . وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أن العمل المتواصل والإرهاق قد أضعف


(74)

أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ودون رحمة دون سبب وجيه ولو في الظاهر .
وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً يجعلهن في النهاية جنائز ـ إذا صح التعبير ـ حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب .
إننا نوصي الأزواج ـ نساء ورجالاً ـ في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود .
4 ـ الاضطراب الفكري :
قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني تعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم .
إن هذه المشاكل وما يتبعها من وسوسة فكرية تجعلهم سريعي الإثارة قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنهم ينفجرون لأقلّ اصطدام مما يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب .
5 ـ عوامل خارجية :
قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً يعمل الزوج في مكان ما ثم يحصل له نزاع مع زملائه في العمل مما يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته لسبب أو غير سبب .
أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفهة فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكي والبكاء .
ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك .